الشمائل النبوية (18)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم الشمائل النبوية مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بالرياض فأهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

في كتاب شمائل النبي -صلى الله عليه وسلم- للإمام الحافظ أبي عيسى محمد الترمذي قال في باب ما جاء في صفة مغفر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة وعليه مغفر فقيل له هذا ابن خَطل متعلق بأستار الكعبة فقال «اقتلوه».

الحديث الذي يليه.                                                          

حدثنا عيسى بن أحمد قال حدثنا عبد الله بن وهب قال حدثني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر قال فلما نزعه جاءه رجل فقال له ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال «اقتلوه» قال ابن شهاب وبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يومئذ محرمًا.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، حديث أنس المذكور متفق عليه، مخرج في صحيح البخاري في كتاب جزاء الصيد باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام وفي الجهاد في باب قتل الأسير وقتل الصيد وفي كتاب المغازي أين ركز النبي -صلى الله عليه وسلم- الراية يوم الفتح؟ وفي كتاب اللباس في باب المغفر، وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الحج في باب جواز دخول مكة بغير إحرام فالحديث متفق عليه، والمغفر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الفاء كمنبر زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس، وقيل هو رفرف البيضة، قاله في المحكم، وفي المشارق: هو ما يجعل من فضل دروع الحديد على الرأس مثل القلنسوة، المقصود أنه يقي الرأس.

واقي للرأس.

واقي للرأس فلما نزعه.

الرأس دون الوجه أحسن الله إليك أو لا؟

نعم على الرأس دون الوجه.

المغفر.

نعم، وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل، يقول ابن حجر: لم أقف على اسمه إلا أنه يحتمل أن يكون هو الذي باشر قتله، وقد جزم الفاكهي في شرح العمدة بأن الذي جاء بذلك- يعني الخبر- هو أبو برزة الأسلمي، وكأنه لما رجح عنده أنه هو الذي قتله رأى أنه هو الذي جاء مخبرًا بقصته، ويرجحه قوله في رواية يحيى بن قزعة في المغازي من صحيح البخاري: فقال اقتله على أنه اختلف في اسم قاتله، وابن خطل اسمه عبد العزى -على خلاف في ذلك سيأتي- قتل وهو متعلق بأستار الكعبة، روى ابن أبي شيبة من طريق أبي عثمان النهدي أن أبا برزة الأسلمي قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، قال ابن حجر: وإسناده صحيح مع إرساله، وإنما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتل ابن خطل؛ لأنه كان مسلمًا فبعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصدقًا وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولى يخدمه وكان مسلمًا فنزل منزلاً فأمر المولى أن يذبح تيسًا ويصنع له طعامًا فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئًا، فعدى عليه فقتله ثم ارتد مشركًا، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ابن حجر: قال ابن حجر اختلف في اسمه، والجمع بين الأقوال: أنه كان يسمى عبد العُزّى فلما أسلم سُمي عبد الله، وأما من قال هلال فالتبس عليه بأخ له اسمه هلال كما بين ذلك الكلبي في النسب، وقيل هو عبد الله بن هلال بن خطل، وقيل غالب بن عبد الله بن خطل، و خطل هو ابن عبد مناف من بني تيم بن فهر بن غالب، هذا الذي صنعه ابن خطل من القتل والردة.

والهجاء، هو الذي هجى الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

كانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

لكن من نظمه.

بأمره، فهو مستحق لذلك، والقتل في الحرم مختلف فيه عند أهل العلم، هل يقتل المرتد؟ ومن قتل هل يقتل في الحرم؟ أو يضيق عليه حتى يخرج؟ وقصة ابن خطل إنما كانت في الساعة التي أبيحت فيها مكة للنبي -عليه الصلاة والسلام- والمسألة طويلة الذيول، وقد بحثها أهل العلم، يبقى عندنا مسألة التعلق بأستار الكعبة، فقد يقول قائل: ما حكم التعلق بأستار الكعبة ونحن نرى كثيرُا من المسلمين يتعلقون بأستار الكعبة.

هذا يدل يا شيخ- أحسن الله إليك- على أن أستار الكعبة كانت قديمة أيضًا.

كانت تستر في الجاهلية كانت، وأول من سترها قصي، المقصود أن التعلق بأستار الكعبة بالنسبة للملتزم- وهو ما بين الركن والباب- مأثور ثابت عن بعض الصحابة وليس فيه حديث مرفوع؛ ولذا يستحبه كثير من أهل العلم، أما بقية الجهات والتعلق بالأستار فمسألة مختلف فيها،

فيستدل بمثل هذا الحديث من يرى الجواز؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أنكر التعلق بالأستار، وهذا بيان ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة، لكن أقول: المتعلق بصدد أن يقتل؛لأنه مرتكب لأمر عظيم، أعظم من مسألة التعلق، فالأصل المنع؛ سدًا للذرائع الموصلة إلى التعلق بغير الله جل وعلا، وبعض أهل العلم يجيز ذلك، الشوكاني يستدل بمثل هذا الحديث على جوازه، لكن الأصل المنع، ويبقى مسألة الملتزم فعلها بعض الصحابة وأجازها كثير من أهل العلم، ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بلفظ: دخل يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام عندنا حديث الباب دخل وعلى رأسه المغفر.

وحديث جابر وهو في صحيح مسلم دخل يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام

 والترمذي ذكره أيضًا في الشمائل.

أنه لم يكن محرما.

ليست مسألة الإحرام، ما الذي على رأسه، هل هي عمامة أو مغفر؟

هنا  في الباب مغفر.

الآن يوجد اختلاف بين حديث جابر وحديث الباب؟

 نعم يا شيخ بالنسبة لدخوله بالمغفر.

في حديث أنس المتفق عليه دخل وعلى رأسه المغفر، وهنا حديث جابر وهو في صحيح مسلم دخل وعلى رأسه عمامة سوداء، زعم الحاكم في الإكليل أن بين حديث أنس في المغفر وبين حديث جابر في العمامة السوداء معارضة، وتعقبوه باحتمال أن يكون أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك، فحكى كل منهما ما رآه، جابر رأى العمامة وأنس رأى المغفر، وحكى كل منهما ما رآه، ويؤيده أن في حديث عمرو بن حريث أنه خطب الناس وعليه عمامة سوداء، أخرجه مسلم أيضًا، وكانت الخطبة عند باب الكعبة وذلك بعد تمام الدخول، وهذا الجمع لعياض، وقال غيره: يجمع بأن العمامة السوداء كانت ملفوفة فوق المغفر أو كانت تحت المغفر وقاية لرأسه من صدأ الحديد، فأراد أنس بذكر المغفر كونه دخل متهيئًا للحرب وأراد جابر بذكر العمامة كونه دخل غير محرم، على كل حال الحديثان كلاهما صحيح، وهذه الجموع التي ذكرت كلها وجيهة، سواء دخل متأهبًا للحرب في أول الأمر وعلى رأسه المغفر وهذا هو الائق بالمستعد للحرب، ثم بعد ذلك لما رأى أن المسألة لا تحتاج إلى هذا كله لبس العمامة، والجمع الثاني جُمع أيضًا بأن العمامة السوداء كانت ملفوفة فوق المغفر.

أو تحت المغفر ليقي رأسه من الصدأ.

من صدأ الحديد نعم كل منهما له وجه، يقول ابن حجر: وبهذا يندفع إشكال من قال لا دلالة في الحديث على جواز دخول مكة بغير إحرام لاحتمال أن يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان محرمًا ولكنه غطى رأسه لعذر فقد اندفع ذلك بتصريح بأنه لم يكن محرمًا جابر يقول عليه عمامة سوداء بغير إحرام، وفي بلاغ الزهري ماذا يقول عندنا في الكتاب:

بلاغًا أن رسول الله لم يكن يومئذٍ محرمًا.

نعم لكن بلاغات الزهري معروف أنها تحتاج إلى وصل؛ لأنها في حكم المرسل.

أحسن الله إليك يا شيخ نلاحظ في الباب السابق: في باب ما جاء في صفة درع  الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفي باب ما جاء في صفة سيفه، في صفة السيف كان التفصيل واضحا، القبيعة من فضل والنعل من فضة، وكذلك باب ما جاء في صفة الدرع.

والمغفر أيضًا.

لكن المغفر هنا لم يوضح شكله؟

حتى الدرع واضح في الحديث.

في الحديث لم يوضح لكن طريقة لبسه وكان درعان قد ظاهر بينهما.

نعم.

نعود لمسألة السيف كنا ذكرنا أن القبيعة هي المقبض والنعل يا شيخ؟

النعل عنع السف الحديدة التي تكون في أسفل القيراب.

أحسن الله إليكم، لعلنا نكتفي بهذا، نستكمل بإذن الله في الحلقة القادمة، بهذا نصل وإياكم أيها الإخوة والأخوات إلى ختام هذه الحلقة نستكمل ما تبقى بإذن الله في حلقة قادمة وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.