الشمائل النبوية (23)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامج الشمائل النبوية مع بداية حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين قسم السنة وعلومها بالرياض فأهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

في باب ما جاء في صفة شرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال رحمه الله حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا محمد بن جعفر عن حسين المعلِّم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشرب قائمًا وقاعدًا.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، تقدمت الإشارة وذِكْر ما جاء في النهي عن الشرب قائمًا والتشديد في ذلك وأن من شرب قائمًا فليقئ وأنه -عليه الصلاة والسلام- شرب من ماء زمزم قائمًا والخلاف في ذلك هل هو منسوخ أو النهي باقٍ والشرب للحاجة، ذكر المصنف هنا حديث "عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشرب قائمًا وقاعدًا" وجده المعتمد عند أهل العلم أنه عبد الله بن عمرو بن العاص لأنه عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص والخلاف في الاحتجاج بهذه السلسلة و الخلاف في مرجع الضمير في قوله عن جده خلاف معروف عند أهل العلم والكلام فيه طويل لكن القول الوسط في ذلك أن هذه السلسلة إذا صح السند عن عمرو لا تنزل عن درجة الحسن فالحديث في أصله حسن وله شاهد من حديث عائشة مخرج عند النسائي وغيره ولذا قال الترمذي حديث حسن صحيح في جامعه يعني بشاهده ثم ذكر المؤلف بعد ذلك حديث أنس.

قال حدثنا قتيبة بن سعيد ويوسف بن حماد قالا حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن أبي عصام عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتنفس في الإناء ثلاثًا إذا شرب ويقول «هو أمرى وأروى».

حديث أنس كان يتنفس في الإناء ثلاثًا إذا شرب مخرج في صحيح مسلم في كتاب الأشربة في باب كراهية التنفس في الإناء واستحباب التنفس ثلاثًا خارج الإناء، والترجمة باب كراهية التنفس في الإناء وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي قتادة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى أن يتنفس في الإناء ثلاثًا، المراد التنفس أثناء الشرب خارج الإناء ثلاثًا بمعنى أنه لا يتابع شرب الماء كله بنفس واحد بل يجعله على دفعات ثلاث وليس معنى ذلك أنه يتنفس في الإناء يعني في هنا للظرفية إذا قلنا أنها للظرفية تعارض مع الحديث النهي عن أن يتنفس في الإناء إذًا ماذا تكون (في) في هذا الحديث؟

يعني أثناء شربه؟

إذا قلنا كان يتنفس في الشرب ثلاثًا يعني في أثناء الشرب فيمكن للتوجيه والتوفيق بين الحديثين، وإلا فالحديثان ظاهرهما التعارض، كان يتنفس في الإناء، وثبت النهي عن التنفس في الإناء لا بد من حمل حديث الباب على أنه يتنفس خارج الإناء لكنه في أثناء الشرب تنفس ثلاثًا فيجعل الشرب على دفعات ويقول "«هو أمرى وأروى»" وأمرى أي أسوغ وأسهل انسياغًا وأروى من الري أي أكثر ريًا لأن الإنسان يأتي أحيانًا وهو عطشان فيقدم له الإناء الكبير فيشربه بنفس واحد ومع ذلك يحتاج إلى الزيادة، لكن لو امتثل هذا التوجيه وجعله على دفعات لاكتفى ببعضه وكفاه البعض وأرواه، و أيضًا كونه يجعله على دفعات أسهل في الشرب ويكون أسوغ له ويسيغه بسهولة أما إذا عبه بقوة وبتتابع وشره لا شك أن هذا يحتمل أن يتضرر به والله المستعان.

أحسن الله إليك في الصحيحين أيضا من حديث أنس أنه كان يتنفس في الإناء ثلاثًا،

قال الراوي وزعم أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك.

نفس حديث الباب.

هذا عن ابن عباس.

وين؟

حديثنا أو عن أنس؟

لا عن أنس.

عن أنس نعم.

هو نفس الحديث

هذا الذي قال عنه الراوي وزعم أنس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يفعل هذا.

نعم زعم بمعنى قال

لكن ألا يفهم من الراوي أنه كان يعتقد.

يشكك؟

يشكك.لا، زعم بمعنى قال عند العرب؛ ولذا سيبويه كثيرًا ما يقول زعم الخليل ويوافقه، فعندهم زعم بمعنى قال. على كل حال هذا من الأدب في الشرب: ألا يشرب الماء وما في حكمه بنفس واحد والعلة ظاهرة "«هو أمرى وأروى»" يعني أسهل انسياغًا في الشرب، وأيضًا أحمد عاقبة؛ لئلا يتضرر؛ لأن مع السرعة قد يذهب الماء إلى مجرى النفس وبذلك يتضرر والله المستعان.

هذا في الشرب المعتاد مثل شرب الماء وما كان في حكمه وكذلك الذي يشرب مرة واحدة، لكن الأشياء التي يطول شربها مثل الشاي يا شيخ من الصعب أن يكون شربه ثلاثًا، فيستمر الشخص أحيانا في الفنجال الواحد خمس أو ست مرات للحرارة.

لا شك أن المسألة تقديرية كل شيء يقدر بقدره.

لكن السنة المراد بها الشرب الذي مثل الماء بحيث لا يشربه أقل من ثلاث.

نعم.

السنة ثلاث لو زاد عليها.

يتنفس ثلاثا بقدر الحاجة، وقد يكون حاجته إلى الماء أكثر فلا مانع من أن يتنفس أكثر من ثلاث لكن هذا مجرد توجيه لئلا يشرب الماء بنفس واحد، وكونه ينهى عن التنفس في الإناء لئلا يقذره على غيره؛ لئلا يخرج من فمه أو من أنفه شيء ينزل في الإناء يتسبب لإهداره، والماء لا شك أنه مال، وقد نهى عن إضاعة المال -عليه الصلاة والسلام- الحديث الذي يليه.

في نفس الباب يا شيخ؟

نعم، وكان كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة وعشرين.

قال رحمه الله باب كيف كان كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدثنا حميد بن مسعدة البصري قال حدثنا حميد بن الأسود عن أسامة بن زيد عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسرد سردكم هذا ولكنه كان يتكلم بكلام بيّن فصل يحفظه من جلس إليه حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة عن عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس بن مالك قال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعيد الكلمة ثلاثًا لتُعقل عنه.

نعم حديث عائشة قالت "ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسرد سردكم ولكنه كان يتكلم بكلام بيّن فصل يحفظه من جلس إليه" حديث صحيح مخرّج في سنن أبي داود وجامع المصنف جامع الترمذي، والسرد الإتيان بالكلام متتابعًا سريعًا ثم ذكر المؤلف حديث أنس بن مالك قال "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعيد الكلمة ثلاثًا لتعقل عنه" وهو حديث مخرج في البخاري في كتاب العلم في باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه، وفي كتاب الاستئذان في باب التسليم والاستئذان ثلاثًا، يقول ابن حجر: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المراد أن أنسًا يخبر عما عرفه من شأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وشاهده لا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبره بذلك كان إذا تكلم قال الكرماني: مثل هذا التركيب يشعر بالاستمرار كان إذا تكلم يعني عادته المستمرة أنه إذا تكلم يعيد الكلمة ثلاثًا لتعقل عنه، يعيد يعني يكرر الكلمة، والمراد به الجملة المفيدة لا أنه يقطع الكلام كلمة كلمة ثم يكرر الكلمة الواحدة، لايقول إنما إنما إنما الأعمال الأعمال الأعمال لا، وإنما يكرر الجملة.

وبعض الناس مع الأسف يفهم هكذا.

لا، المقصود الجملة المفيدة يكررها ثلاثا أي ثلاث مرات لتعقل عنه أي تفهم، والبخاري رحمه الله تعالى ترجم على الحديث بقوله: باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه قال ابن المنير: نبه البخاري بهذه الترجمة على الرد على من كره إعادة الحديث وأنكر على الطالب الاستعادة وعدّه من البلادة. ولا شك أن بعض الناس يمل من التكرار وبعض السامعين يمل أيضًا من التكرار، وبعض الناس لا يفهم بسرعة فيطلب الإعادة، فلا شك أن الناس يتفاوتون في الفهم، وعلى المعلم أن يلاحظ أوساط الناس، لا يكتفي بواحدة اكتفاء بفهم النابهين، ولا يكرر عشرات المرات كي يفهم أغبى الناس، يلاحظ المتوسط والثلاث فيها توسط وهذا هديه -عليه الصلاة والسلام- يقول ابن المنيّر: البخاري قصد بهذه الترجمة الرد على من كره إعادة الحديث وأنكر على الطالب الاستعادة وعده من البلادة، قال: والحق أن هذا يختلف باختلاف القرائح فلا عيب على المستفيد الذي لا يحفظ من مرة إذا استعاد، ولا عذر للمفيد إذا لم يعد بل الإعادة عليه آكد من الابتداء؛ لأن الشروع ملزم، يعني الابتداء بالتعليم سنة ما لم يتعين عليه، لكن إذا جاء بجملة ولم يفهم الحاضرون فعليه أن يعيدها لئلا تفهم على غير مراده ولئلا يحرف كلامه، يقول: لأن الشروع ملزم وقال ابن التين: فيه أن الثلاث غاية ما يقع به الاعتذار والبيان، ومن أمثلة ما وقع من حديثه -عليه الصلاة والسلام- مما ذكره البخاري: وقال ابن عمر قال النبي -عليه الصلاة والسلام- «هل بلغت» ثلاثًا، وحديث عبد الله بن عمرو وفيه: فنادى بأعلى صوته «ويل للأعقاب من النار» مرتين أو ثلاثًا، وهذا يدل على أن الثلاث ليست شرطًا بل المراد التفهيم فإذا حصل بدونها أجزأ؛ لأنه قال مرتين أو ثلاثًا وقد تأتي أو هذه للتنويع لكنها هنا شك من الراوي.

وقد تزيد عن ثلاث: قول الزور وشهادة الزور وما زال يكررها..

نعم قد يكون السامع ثقيل السمع، وقد يكون بعيدا، وقد يكون بطيء الفهم فمثل هذا يلاحظ.

 

أحسن الله إليكم إذًا نستكمل بإذن الله في حلقة قادمة مستمعي الكرام بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة شكرًا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.