الشمائل النبوية (24)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم الشمائل النبوية مع بداية حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بالرياض فأهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

لازلنا في باب كيف كان كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنا توقفنا عند بعض ما تفضلتم بالإشارة إليه حول هذا الحديث لعلنا نستكمل يا شيخ أحسن الله إليك.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، انتهى الكلام على الحديث، لكن يناسب نقل كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في كلامه -عليه الصلاة والسلام- يقول: كان -عليه الصلاة والسلام- أفصح خلق الله وأعذبهم كلامًا وأسرعهم أداء وأحلاهم منطقًا حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ويسبي الأرواح ويشهد له بذلك أعداؤه، وكان إذا تكلم تكلم بكلام مفصل مبين يعده العاد ليس بهذ مسرع لا يحفظ ولا متقطع تتخلله السكتات بين أفراد الكلام بل هديه فيه أكمل الهدي، قالت عائشة: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسرد سردكم هذا ولكن يتكلم بكلام بيّن فصل يحفظه من جلس إليه خرجه الترمذي في جامعه والشمائل وأصله في الصحيحين، وكان كثيرًا ما يعيد الكلام ثلاثًا ليعقل عنه، وكان إذا سلم سلم ثلاثًا وكان -عليه الصلاة والسلام- طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم بكلام فصل لا فضول ولا تقصير وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وإذا كره الشيء عرف في وجهه ولم يكن فاحشًا ولا متفحشًا ولا صخّابًا، وهذا ينبغي أن يمتثله كل مسلم أن يعرض الكلام الذي يزوره في نفسه ليقوله على قلبه أولاً هل يرجو ثواب هذا الكلام هل هذا يسره أن يراه غدا هل يغلب على ظنه أنه يؤجر عليه؟ لو جعلنا هذا الميزان في كل ما نتكلم به لسلمنا من كثير من الشرور، ولسلمنا من القيل والقال، وقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن قيل وقال ومع الأسف الشديد يوجد بعض الناس همه القيل والقال والقدح، فلان فعل وعلان ترك، ولا يدري أن أعراض المسلمين حفرة من حفر النار كما يقول ابن دقيق العيد والله المستعان. الحديث.

قال رحمه الله في باب ما جاء في ضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث قال حدثنا وكيع قال حدثنا الأعماش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إني لأعلم أوّل رجل يدخل الجنة وآخر رجل يخرج من النار».

أعلم أولَ وآخرَ.

إني لأعلم أولَ رجل يدخل الجنة وآخرَ رجل يخرج من النار يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه ويخبأ عنه كبارها فيقال له عملت يوم كذا وكذا كذا وهو مقر لا ينكر وهو مشفق من كبارها فيقال أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة فيقول إن لي ذنوبا لا أراها هاهنا قال أبو ذر فلقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضحك حتى بدت نواجذه.

الحديث خرّجه الإمام مسلم في صحيحه في كتابه الإيمان في باب أدنى أهل الجنة منزلة والمصنف في جامعه وغيرهما والشاهد من الحديث قول أبي ذر في آخره "فلقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضحك حتى بدت نواجذه" أي حتى ظهرت نواجذه والنواجذ جمع ناجذة وهي الأضراس التي تظهر عند الضحك والأشهر الأكثر أنها أقصى الأسنان قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري التبسم مبادئ الضحك، والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور، فإن كان بصوت وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة وإلا فهو الضحك، وإن كان بلا صوت فهو التبسم وتسمى الأسنان في مقدم الفم الضواحك، وهي الثنايا والأنياب وما يليها يسمى النواجذ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يضحك حتى تبدو نواجذه وكان -عليه الصلاة والسلام- جل ضحكه التبسم بل كله التبسم فكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه، وهو ما يتعجب من مثله ويستغرب وقوعه ويستندر، وللضحك كما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى أسباب عديدة هذا أحدها، والثاني: ضحك الفرح وهو أن يرى ما يسره أو يباشره، والثاني: ضحك الغضب وهو كثيرًا ما يعتري الغضبان إذا اشتد غضبه وسببه تعجب الغضبان مما أورد عليه الغضب وشعور نفسه بالقدرة على خصمه وأنه في قبضته، وقد يكون ضحكه لملكه نفسه عند الغضب وإعراضه عمن أغضبه وعدم اكتراثه به، ومن أنواع الضحك مما لم يذكره ابن القيم الضحك في حال الحزن عند عدم استطاعة التوفيق بين الحزن المشروع المباح وبين الرضا بالقضاء يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- لما مات إبراهيم ولده.

بكى.

بكى وقال «إن القلب يحزن والعين..«.

تدمع.

نعم «ولا نقول..«.

إلا ما يرضي..

فوضعه -عليه الصلاة والسلام- من البكاء والحزن لا ينافي تمام الرضى بالقدر بل هو أكمل الخلق وهذه من المضايق لا يتخلص منها إلا الخلّص؛ ولذا لا يستطيع كثير من الناس أن يوفق بين هذين الأمرين يرضى تمام الرضى بالقدر، ويحصل منهما هذه الأمور، الفضيل بن عياض ماذا صنع؟ ضحك لما مات ولده لايستطيع أن يوفق.

نعم ليس هذا أكمل صحيح.

فعله -عليه الصلاة والسلام- هو الأكمل لكن ضحك الفضيل يدل على تمام الرضى بالقدر وتمام الرضى بهذه المصيبة فهو أكمل ممن يجزع من القدر، المقصود أن مثل هذه من المضايق وهذا لم يذكره ابن القيم، في الحديث لطيفة «فيقال أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة» يعني السيئات أو قل الحسنات المبدلة من سيئات.

هل تؤخذ عشر..؟

هل تضاعف أو واحدة يعني في آخر الفرقان { إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖ } الفرقان: ٧٠ من أهل العلم من يرى أن هذه الحسنات المبدلة عن سيئات مضاعفة أيضًا،  الحسنة بعشر أمثالها هي حسنة والحسنة بعشر أمثالها وإلى هذا ميل شيخ الإسلام ابن تيمية، قال هنا في الحديث «أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة» يعني واحدة لماذا؟ لأن البدل له حكم المبدل، وشيخ الإسلام لا شك أنه اعتمد على سعة رحمة الله جل وعلا وعظيم منّه وعطائه، لكن أيضًا عدله جل وعلا يقتضي أن تكون السيئة بحسنة واحدة لماذا؟ لو افترضنا أن شخصين بلغا من العمر السبعين، أحدهما عمره مشغول كله بطاعة الله عز وجل، والثاني عمره كله مشغول بالمعاصي وعظائم الأمور ثم تاب هذا عند السبعين إذا بدلت تلك السيئات حسنات فهل نقول يستويان؟! نقول هذا حسناته مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.

 

الأول المطيع الثاني العاصي الذي أبدلت سيئاته حسنات البدل له حكم المبدل كما يدل عليه هذا الحديث «أعطوه مكان كل سيئة حسنة» هذا الموافق لعدل الله جل وعلا والنصوص تدل على أن الحث على الاستمرار في الطاعة «ويعجب ربك لشاب ليست له صبوة» شخص قلبه معلق بالمساجد نصف قرن مثلاً وآخر لا يعرف المساجد إلا نادرا أو يصلي في االبيت و يترك الجماعة أو يؤخر الصلاة عن وقتها ثم بعد ذلك يقول يستويان؟ نعم فضل الله لا يحد وما عنده لا يعلم قدره إلا هو، وأدنى أهل الجنة منزلة من يقال له تمن، هل يرضيك ملك أعظم ملِك في الدنيا؟ فيقول نعم فيقول لك ومثله ومثله إلى عشرة أمثاله فضل الله لا يحد والله المستعان.

أحسن الله إليك تبسمه -عليه الصلاة والسلام- هو المعتاد لكن في حديث جرير المعروف أنه قال ما حجبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكلما رآني ضحك.

يحمل على التبسم ولذا جاء في قوله جل وعلا { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكٗا } النمل: ١٩ فالمفعول المطلق بمعنى فعله مؤكِّد لفعله فتبسم تبسما.

وفعله -عليه الصلاة والسلام- دائمًا كل ما رآه تبسم يعني ماذا يفهم من هذا؟

يفهم منه أن الناس له مُحبَّة، وأيضًا جرير له من الخصال والخلال ما يجعله بهذه المثابة والله المستعان.

 

أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم إذًا بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة مستمعي الكرام من الشمائل النبوية نواصل بإذن الله تعالى في حلقة قادمة لاستكمال بقية المواضيع شكرًا لطيب متابعتكم سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

"