اللؤلؤ المكنون في أحوال الأسانيد والمتون (05)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد:

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

فَمَا رَوَى اَلْعَدْلُ عَنْ اَلْعُدُولِ
مُتَّصِلاً وَلَمْ يَشِذَّ أَوْ يُعلْ
وَالْعَدْلُ مَنْ يَلْزَمْ تُقَىَ اَلْخَلاَّقِ
وَالضَّبْطُ ضَبْطَانِ بِصَدْرٍ وَقَلمْ
يَنْسَ فَحِينَمَا يَشَا أَدَّاهُ
وَالثَّانِ مَنْ فِي سِفْرِهِ قَدْ جَمَعَهْ
حَتَّى يُؤَدِّيْ مِنْهُ أَيَّ وَقْتِ
وَالاِتِّصَالُ كَوْنُ كلٍ سَمِعَا
وَمَا لشَّاذِّ مِنَ اَلتَّعْرِيفِ
وَقَدْ تَفَاوَتْ رُتَبُ اَلصَّحِيحِ
مِنْ أَجْلِ ذَا قَالُوا أَصَحُّ سَنَدِ
وَمَا رَوَى اَلشَّيْخَانِ فِيهِ قَدَّمُوا
فَمَا عَلَى شَرْطِهِمَا فَمَا عَلَى
يَعْنُونَ أَنْ يُنْقَلَ عَنْ رِجَالِ
وَمَا يُمَاثِلْهُ وَكَانَ اَلضَّبْطُ خَفْ

 

وَتَمَّ ضَبْطُ اَلْكُلِّ لِلْمَنْقُولِ
فَهُوَ لِذَاتِهِ صَحِيحٌ قَدْ حَصَلْ
مُجْتَنِبًا مَسَاوِئَ اَلأَخْلاقِ
فَالأَوَّلُ اَلَّذِي مَتَى يَسْمَعُهُ لَمْ
مُسْتَحْضِرَ اَللَّفْظِ اَلَّذِي وَعَاهُ
وَصَانَهُ لَدَيْهِ مُنْذُ سَمِعَهْ
وَسمِّ مَا يَجْمَعُهُ بِالثَّبْتِ
عَنْ شَيْخِهِ مِنْ اَلرُّوَاةِ وَوَعَى
وَلِلْمُعلِّ يَأْتِ فِي تَعْرِيفِي
بِحَسَبِ اَلْمُوجِبِ لِلتَّصْحِيحِ
أَصَحُّ سُنَّةٍ لأَهْلِ اَلْبَلَدِ
ثُمَّ اَلْبُخَارِيُّ يَلِيهِ مُسْلِمُ
شَرْطِ اَلْبُخَارِيْ، شَرْطُ مُسْلِمٍ تَلاَ
قَدْ نُقِلاَ لَهُمْ مَعَ اِتِّصَالِ
فَحَسَنٌ لِذَاتِهِ فَإِنْ يُحَفْ

يكفي يكفي.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المؤلف -رحمه الله تعالى- ذكر أن الخبر منه المقبول، ومنه المردود، ومنه ما يتوقف فيه، فالمقبول أربع مراتب كما قال الناظم -رحمه الله تعالى-، وبينها أئمة النقول، وعرفنا المراد بالأربع: الصحيح لذاته، والصحيح لغيره، والحسن لذته، والحسن لغيره.

وأما المردود فهو الضعيف وأقسامه كثيرةٌ جداً، تذكر في موضعها -إن شاء الله تعالى-، بدأ بالأول القسم الأول أو المرتبة الأولى وهو الصحيح لذاته:

صحيحهم لذاته أو غيره

 

...................................
ج

 هذا الثاني.

...................................
ج

 

ومثل ذين حسنٌ فلتدره

حسنٌ لذاته وحسنٌ لغيره.

وكلها في عملٍ به اشترك

 

وبينها تفاوتٌ بدون شك
جج

كلها الأقسام الأربعة تشترك في وجوب العمل، الأقسام الأربعة تشترك في وجوب العمل، فيجب العمل بالحديث الصحيح لذاته، ويجب العمل في الصحيح لغيره، كما أنه يجب العمل في الحسن بقسميه في جميع أبواب الدين، فالدين والشرع متساوي الأقدام، عقائده وعباداته ومعاملاته، وكل ما يضاف إليه، كل ما يضاف إلى الدين من أبوابه متساوي الأقدام، خلافاً لمن يفرق بين العقائد والأحكام من جهة، وبين الأحكام والفضائل من جهة أخرى، فلا يقبلون في العقائد إلا ما يوجب العلم، ولا يقبلون في الأحكام إلا ما صح أو حسن على الأقل، ويقبلون في الفضائل وشبهها من التفسير والمغازي يقبلون في ذلك الضعيف على ما سيأتي، المقصود أن جميع ما يمكن أن ينسب إلى الدين من جميع أبوابه لا بد أن يكون مقبولاً، والقبول يشمل المراتب الأربعة والأقسام الأربعة، والحديث إذا صح أو حسن غلب على الظن ثبوته، والعمل بغلبة الظن واجب.

وكلها في عملٍ به اشترك

 

وبينها تفاوتٌ بدون شك
جج

لا شك أن الصحيح لذاته أقوى من الصحيح لغيره؛ لأن الصحيح لغيره عبارة عن حسن تعددت طرقه والصحيح لغيره أفضل من الحسن لذاته؛ لأن الصحيح لغيره عبارةٌ عنه وزيادة، يعني حسن لذاته وزيادة، والحسن لذاته أقوى من الحسن لغيره؛ لأنه ضعيف في الأصل تعددت طرقه، ولذا يخالف بعض أهل العلم في الاحتجاج بالحسن، يخالف بعضهم في الاحتجاج بالحسن بقسميه، إلا أنه قصر عن رتبة الصحيح، وبعضهم يخالف في الحسن لغيره على وجه الخصوص، وممن يخالف في قبول الحسن أبو حاتم الرازي وأبو زرعة وأبو الحسن بن القطان وبعض أهل العلم، لكن الجمهور على أن الحسن كالصحيح، بل من أهل العلم من لا يفرق بين الحسن والصحيح.

وهو بأقسام الصحيح ملحقُ
ج

 

حجية وإن يكن لا يلحقُ
جج

في الاحتجاج هو ملحق بأقسام الصحيح، وإن كان لا يحلق به من حيث الرتبة، بمعنى أنه لو تعارض حديث صحيح مع حديث حسن قدمنا الصحيح بلا شك، فهو في المرتبة دونه، ثم عرف الصحيح لذاته بقوله:

فما روى العدل عن العدولِ
متصلاً ولم يشذ أو يعل
جج

 

وتم ضبط الكل للمنقولِ
فهو لذاته صحيحٌ قد حصل
ج

هذا تعريف الصحيح لذاته.

فما روى العدل عن العدولِ
ج

 

وتم ضبط.........................
جج

العدل من له ملكة، يقول أهل العلم: العدل من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، والملكة هي الهيئة والصفة الراسخة، هذه الهيئة وهذه الصفة وهذه الملكة تحمل هذا الراوي على ملازمة التقوى وهي: فعل الواجبات واجتناب المحرمات، والمروءة وهي: آداب نفسانية تحمل على مجانبة ما يخل بها، ومردها إلى العرف، مرد المروءة إلى العرف، فقد يعد في بلد هذا العمل خرم للمروءة، وفي بلدٍ آخر لا يعد خرم للمروءة، لو خرج شخصٌ حاسراً عن رأسه في بلد انتقد، بينما يحسر عن رأسه في بلدٍ آخر ولا ينتقد، لو أكل في السوق ينتقد في بلد ولا ينتقد في بلد، فالبلد الذي ينتقد فيه يعد قد خرم المروءة، والذي يستخف بمشاعر الناس عند أهل العلم تسقط عدالته.

فما روى العدل عن العدولِ
ج

 

..................................
جج

العدل عن العدول، والنظر في الجمع إلى المجموع مجموع الرواة، لا أنه يشترط أن يكون من رواية عدل عن جماعة عدول لا، يكفي في ذلك رواية العدل عن عدلٍ آخر ولو تفرد به.

فما روى العدل عن العدولِ
ج

 

وتم ضبط الكل للمنقولِ
جج

لا بد من تمام الضبط ليكون الحديث صحيحاً لذاته، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

وأهل هذا الشأن قسموا السنن
فالأول المتصل الإسنادِ
عن مثله من غير ما شذوذِ

 

إلى صحيحٍ وضعيفٍ وحسن
بنقلِ عدلٍ ضابط الفؤادِ
وعلة قادحة فتوذِ
ج

"وتم ضبط" الضبط: هو الحفظ، الضبط هو الحفظ، وسيأتي تعريفه عند المؤلف -رحمه الله تعالى-.

"وتم ضبط الكل" يعني جميع الرواة الذين تتابعوا في رواية هذا الخبر على اتصاف هذا الوصف، "متصلاً" لا بد أن يكون الإسناد متصلاً، بمعنى أنه يكون كل راوٍ من رواته قد تلقاه ممن فوقه بطريقٍ معتبر من طرق التحمل، هذا الاتصال على ما سيأتي في كلام الناظم -رحمه الله تعالى-.

"ولم يشذ أو يعل" هذا بالنسبة للإسناد يشترط فيه عدالة الرواة، تمام الضبط، الاتصال، والعدالة قيد يخرج رواية الفاسق سواءً كان فسقه بارتكاب عمل أو اعتقاد، أو ترك ما أوجب الله -عز وجل-، إما بفعل عملٍ محرم، أو اعتقادٍ فاسد، أو بترك واجب، هذا مقتضى العدالة.

الضبط قيد يخرج به من خف ضبطه وإن وجد فيه مسمى الضبط؛ لأنه شرط الحسن على ما سيأتي، ويخرج فيه من ضعف ضبطه فيخرج به راوي الصحيح كما يخرج به من باب أولى من فقد منه هذا الوصف.

والاتصال اتصال السند يخرج به الانقطاع، قيد يخرج الانقطاع في السند، سواءً كان الانقطاع ظاهراً أو خفياً، ظاهر يدركه أوساط المتعلمين، ويعرف بالتاريخ، بالمواليد والوفيات، فيشمل الانقطاع والإرسال والإعضال والتعليق، لو كان الانقطاع خفياً بأن لا يدرك من أول وهلة، بل لا يدركه إلا من له عناية بهذا الشأن، ويشمل التدليس والإرسال الخفي.

"ولم يشذ" يعني لم يشتمل على المخالفة، مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، اشترطوا انتفاء الشذوذ، فلماذا لم يشترطوا انتفاء النكارة؟ نعم؟

طالب:.......

لأن راوي المنكر ضعيف، المسألة مفترضة في راوي صحيح وهو عدل، هذا على ما سيأتي في تعريف المنكر، وأنه رواية الضعيف مع مخالفته للثقات، وفيها أقوالٌ أخرى تأتي في وقتها -إن شاء الله تعالى-.

"ولم يشذ أو يعل" يعني لم يشتمل المتن على علة قادحة، علة قادحة، هناك علل غير قادحة، وهناك علة قادحة، فمن أطلق أراد القادحة، ولذا قال الحافظ العراقي:

جج
...................................

 

جوعلة قادحة فتوذِ
ج

وليس كل ما يعلل به أهل الحديث المتن يقتضي الرد، كما أنه يوجد في كتب العلل، والأصل في العلة أن تكون سبب خفي غامض يقدح في صحة الخبر، يوجد في كتب العلل ما هو أسباب ظاهرة، وسيأتي هذا -إن شاء الله تعالى- في بحث المعل.

"فهو لذاته صحيح" يعني صحيح لذاته، يعني من غير نظرٍ إلى جابر وعاضدٍ يعضده، وإنما صحته لذاته لا لأمرٍ آخر كما في الصحيح لغيره، "قد حصل" يعني وجود هذا الوصف قد حصل لهذا الخبر الذي اشتمل على هذه الشروط الخمسة: عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال السند، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة.

"والعدل" تعريف العدل.

والعدل من يلزم تقى الخلاقِ
ج

 

مجتنباً مساوئ الأخلاقِ

من يلزم التقوى، والمروءة أيضاً؛ لأن مساوئ الأخلاق مخلة بالمروءة.

والعدل من يلزم تقى الخلاقِ
ج

 

مجتنباً مساوئ الأخلاقِ

وهذا تقدم بيانه في تعريف العدل، وأنه من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، وعرفنا المراد بالتقوى والمراد بالمروءة.

...................................
والضبط ضبطان بصدرٍ وقلم
ج

 

مجتنباً مساوئ الأخلاقِ
فالأول الذي متى سمعه لم

"ينس"، الضبط ضبطان: ضبط صدر وضبط قلم، ضبط صدر وضبط كتاب، فالأول: ضبط الصدر هو الأصل، الأصل أن الحفظ حفظ الصدور، كما كان عليه الحال في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- مع صحابته الكرام، يلقي إليهم وهم يسمعون ويحفظون ويبلغون، وظهور هذا النوع في الصدر الأول جلي لا خفاء فيه، لا سيما قبل الإذن بكتابة الحديث؛ لأنه جاء النهي عن كتابة الحديث في حديث أبي سعيد في صحيح مسلم: ((لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن، فمن كتب شيئاً غير القرآن فليمحه)) ليعتمد الناس على الحفظ، هذا شيءٌ مجرب، الذي يقيد ينسى يعتمد على هذه الكتابة، بل لا يقصد الحفظ.

كان الناس يحفظون الأرقام، مهما طالت، مهما كثرت، يحفظون النصوص، يحفظون القصائد الطويلة، ثم لما جاءت الكتابة اعتمد الناس عليها فضعفت الحافظة، فلجأ الناس إلى النوع الثاني، وهو ضبط الكتاب، ضبط القلم، وإن خالف بعض أهل التشديد فمنعوا الرواية من الكتاب، بعضهم يمنع الرواية من الكتاب، يقول: الأصل النبي -عليه الصلاة والسلام- يلقي والصحابة يسمعون ويحفظون ويبلغون، والكتابة محدثة، إضافةً إلى أن الكتابة والكتاب وما يدون فيه عرضة لأن يهجم عليه أحدٌ ويحرفه، ولذا يشترطون فيمن يكتب أن يحفظ كتابه، وأن لا يعيره إلا إلى ثقة حافظاً.

ضابطاً إن حدث حفظاً يحوي
ج

 

كتابه إن كان منه يروي
ج

لا بد أن يحفظ كتابه، ما يترك الكتاب عرضة للعبث والزيادة والنقصان ثم يروي منه لا، ولذا طعن في بعض ابتلي بمثل هؤلاء، إما ولد يتصرف، أو خادم، أو ربيب، أو ما أشبه ذلك، طعن فيهم.

ضابطاً إن حدث حفظاً يحوي
ج

 

كتابه إن كان منه يروي
ج

يعني لا يعيره إلا إلى ثقة.

ج
والضبط ضبطان بصدرٍ وقلم
ج

 

ج
فالأول الذي متى سمعه لم

"ينسَ"، إذا سمع النص والمراد هنا الحديث أودعه في حفظه وضبطه، وأداه كما سمعه متى شاء، هذا الذي يقبل لهذا النوع من الحديث، أن يكون من الحزم والحفظ والضبط بحيث يتمكن من أداء ما حفظه متى شاء.

ج
...................................
ينس، فحينما يشا أداه
ج

 

ج
فالأول الذي متى سمعه لم
...................................

متى ما أراد الأداء وتبليغ من بعده هذا الخبر يؤديه كما سمعه.

ج
...................................
ج

 

ج
مستحضر اللفظ الذي وعاه

مستحضر اللفظ، ولا شك أن هذا أولى إن أمكن، وإلا فجمهور أهل العلم يجيزون للعارف بما يحيل الألفاظ والمعاني، عارف بمدلولات الألفاظ وما يحيل المعاني أن يروي بالمعنى.

ج
...................................
ج

 

ج
مستحضر اللفظ الذي وعاه

"والثاني" يعني ضبط الكتاب من ضبطه ضبط كتاب.

ج
والثاني من سفره قد جمعه
ج
ج

 

ج
....................................
ج

في كتابه، في كتابه قد جمعه.

ج
...................................
ج

 

ج
وصانه لديه منذ سمعه

يصونه ويحافظ عليه من عبث العابثين، ومن تحريف المحرفين، ولا يعيره لأحد هذا الأصل إلا إلى ثقة، إن كان ولا بد فيعيره إلى ثقة.

والحرص على الكتب ينبغي أن يكون هم طالب العلم؛ لأنها عدته، هي عدة طالب العلم، طالب بدون كتاب كساعٍ إلى الهيجاء بغير سلاح، فعلى طالب العلم أن يعنى بكتبه لا سيما الكتب التي فيها أثره، إما أن يكون قد قرأ الكتاب ووثق نصوصه بالرجوع إلى الكتب وعلق عليه، أو حضر به دروس وعلق عليه وأفاد منه مثل هذا ينبغي أن يعتنى به، عندهم الكتاب شيء آخر، عندهم الكتاب هو الرواية، ولذا من تحترق كتبه خلاص ينتهي، يطعن في فلان احترقت كتبه، انتهى من الوجود؛ لأنه يعتمد عليه اعتماد كلي، ومروياته في هذا الكتاب، لكن هل يؤثر هذا بالنسبة لطالب علم موجود اليوم جمع ألوف الكتب ورصها في الدواليب احترقت كتبه ما الفرق؟ احترقت أو ما احترقت لا فرق؛ لأنه بإمكانه في أيام يجمع كتب غيرها، وعلاقته بكتبه مثل علاقته بكتب الآخرين، ليست له بها رواية، وليست له بها عناية.

مما طعن به ابن لهيعة أن مكتبته احترقت، قد يقول قائل: احترقت مكتبته -الحمد لله- المكتبات مفتوحة، هذا طعن؟ هذا بالنسبة لك، لكن بالنسبة لمن عمدته كتابه لا ما ينفع، وجوده وجود الكتاب، إذا كان ضبطه ضبط كتاب.

حصل من الطرائف في مناقشة طالب في مناقشة طالب، والطالب هذا لما أنهى رسالته احترقت مكتبته بالكامل بما فيها البحث، فأسس مكتبة من جديد وبحث من جديد، وفي رسالته الجديدة يقول: مما طعن به ابن لهيعة أن احترقت كتبه هذا طعن، قلنا: طيب أنت احترقت كتبك إذاً أنت ضعيف، لا بد من إضافة قيد احترقت كتبه وعمدته عليها، هذا معروف عند المتقدمين كتبه مروياته، أما عندنا كلها بدل ما في شيء اسمه: مرويات.

فيختلف الأمر في وقتنا عما كان في وقتهم، الآن التدرج التأريخي للكتب والمؤلفات في أول الأمر سمعنا حديث أبي سعيد النهي عن الكتابة ليعتمد الناس على الحافظة، ثم بعد ذلكم أذن بالكتابة وتداولها الناس من غير نكير، وأجمع عليها، واعتمد عليها كثيرٌ من الناس، فهبطت نسبة الحفظ، وضعفت الحوافظ، والضعف في ازدياد، أذن بالكتابة فصار كل واحد يكتب لنفسه، مروياته يدونها بنفسه، ثم أصيب الناس بالترف فوكلوا نسخ الكتب إلى غيرهم، ووجدت دولة الوراقين، وقامت سوقهم، لكن هناك معاناة معاناة، إما بإعارة أو بإجارة، ثم ينكب على الكتاب وينسخه ويفيد من كتابته أكثر من قراءته عشر مرات، استمر الحال بالنزول إلى أن جاءت المطابع، قد يقول قائل: الكتابة نعمة، نعم الكتابة نعمة، لكن أثر هذه النعمة على حفظ العلم ظاهر، هي نعمة حفظت الدين وإلا ما المتصور لو كانت السنة غير مدونة، والناس في وضعهم الحالي من ضعف وإدبار، استمر الأمر على ذلك إلى أن جاءت المطابع، فأوجس أهل العلم منها خيفة، كيف؟ المطابع يا أخي نعمة، ورقٍ جميل، وحرف جميل، وتيسر لك الكتاب، تفسير الطبري بدل ما تجلس عشر سنين تنسخه بيوم تشتريه، فتح الباري كذلك صار عندك نسخة من فتح الباري بدل ما تجعل تجلس سنين تنسخه.

أوجس أهل العلم خيفة نظير ما وجد في أول الأمر، يعني ألا تفرقون بين شخص ما في جيبه دليل للهاتف، إذا سمع رقم يهمه حفظه، استمر عنده، وشخص إذا سمع رقم كتبه خلاص هذا آخر علمه بهذا الرقم، ثم عاد جاءت الجوالات وتخزين الأرقام وكذا، لو يضيع لو تحترق الشريحة خلاص انتهى، ما عنده ولا رقم من جديد يبني، هذا الإشكال، هذا الاعتماد على هذه الآلات.

جاءت المطابع فأفتى علماء الأزهر بتحريم طبع الكتب الشرعية لما للطبع من أثر على التحصيل، وقد يكون منزعهم إضافة إلى ذلك أن هذه أمور محدثة والمسألة مسألة دين، يعني كما أفتى في أول الأمر جمعٌ من أهل العلم بتحريم المكبرات واستعمالها في العبادات، ومن أهل العلم من مات ولم يستعملها، وآلات التسجيل وغيرها.

أفتى علماء الأزهر بتحريم طباعة الكتب الشرعية مدة، قالوا: لا بأس تطبعون كتب أدب كتب تاريخ لما للطباعة من أثر على حفظ العلم، نعم رضي الناس بالكتابة، وصار لها أثر على الحفظ، لكن نفس المعاناة معاناة الكتابة وسيلة تحصيل، الآن بعض الناس إذا عجز يحفظ مقطع ردده كتابة يكتبه مرتين ثلاث ويحفظه، وسيلة، لكن طباعة اللي يطبع غيرك، واللي يراجع غيرك، واللي يصحح غيرك كيف تحفظ؟ لا بد تبني من جديد، ثم عاد الطباعة فرضت نفسها ما عاد..، صار القول بتحريم الطباعة سفه مضحك.

الآن إذا انتشر الشيء فأنكره بعض الناس يستغرب كيف؟ الناس يزاولونه من غير نكير، منكرات لا يستطيع الإنسان إنكارها؛ لأنه استفاض بين الناس فعلها، وعمت بها البلوى فكيف بالمباحات؟ لا يستطيع إنكار، الذي ينكر شيء من بعض المنكرات يعد في عرف كثير من الناس متخلف هذا، الناس يا أخي وين؟ وصلوا وراحوا وجو، واخترعوا وصنعوا وأنت تنكر؟! المقصود أن الناس أعداء لما يجهلون، أول ما يأتي الأمر يستنكر ثم يكون ما في نكير.

جاءت الطباعة وأثرها واضح على التحصيل، ووجد من حصل -ولله الحمد- من الكتب المطبوعة؛ لأنها إعانة، لكن شريطة أن تكون العزم والهمة موجودة، جاءت الآلات الحواسب اللي ضغطت زر بثانية أو أقل من ثانية تحصل على كل ما تريد، تبحث في صحيح ابن حبان الأصل الأنواع والتقاسيم من أجل حديث واحد تبحث شهر؛ لأنه رتبه لهذا الهدف وهذا الغرض، اللي يريد حديث يقرأ الكتاب كله علشان يصل إلى الحديث، ثم بعد ذلك وجدت الفهارس يسرت، وجدت الآلات زر واحد يخرج لك الحديث من عشرين ثلاثين طريق، زر آخر على قرصٍ آخر يجيب لك ما قيل في هذه المسألة عن أهل العلم.

ووجد الآن برامج تؤلف لك كتب، تضرب لك عنوان، أو تطبع لك عنوان حماية البيئة: ما ورد فيها من نصوص وأقوال، اضرب زر يطلع لك كل ما قيل في هذا وغلف ويالله، قيل: جمعه فلان، وبعناية فلان، وتحقيق فلان، زور وبهتان، وإذا طفئ الكهرب يوم من الأيام ترجع عامي.

مشكلتنا مشكلة الآن، وهذه بقدر ما هي نعم يسرت لكنها أيضاً صارت صوارف، المنح يا إخوان أحياناً إذا لم تستغل كما هو المطلوب، أو على الوجه المحمود تنقلب محن، وهي منح في الأصل، فلا بد من استغلال هذه الآلات استغلال مناسب، أولاً: لا يمكن أن يبنى طالب علم ويتخرج على هذه الآلات، لا بد أن يسلك العلم ويؤتى من أبوابه، وعلى الجواد المعروفة عند أهله، فإذا تأهل الإنسان وحصل من العلم ما ستحق أن يسمى من أهله، والوصف المناسب له لا مانع أن يفيد من هذه الآلات، شخص خرج حديث بنفسه من بطون الكتب من طرق متعددة، وأراد أن يختبر عمله هل بقي عليه شيء؟ لا بأس، يستعمل هذه الآلات يشوف، وإلا لو ألغيت الكتب، وصار البحث من طريق هذه الآلات فقط كم يحرم الناس من علم؟! أنت تريد مسألة فتبحث في مظنتها في الكتب كم يمر عليك من مسألة من عشرات المسائل وأنت تبحث بعضها أو كثيرٌ منها أفضل وأهم من المسألة التي تبحث عنها، فهذه بقدر ما هي بنعم وميسرة لكنها صارفة، تصرف كثير من الناس عن التحصيل، نعود إلى مسألة الضبط، وضبط الكتاب، يقول -رحمه الله-:

والثان من في سفره قد جمعه
حتى يؤدي منه أي وقتِ
جج

 

وصانه لديه منذ سمعه
وسم ما يجمعه بالثبتِ
ج

عندنا ثبْت بإسكان الباء، وثبَت، ثبْت وثبَت، يقولون في بعض الرواة فلانٌ ثقةٌ إيش؟ ثبْت وإلا ثبَت؟ ثقةٌ ثبْتٌ، يقولون بإزاء الكتب: الفهارس والأثبات، الأثبات: جمع ثبَت، والذي عندنا ها؟

جحتى يؤدي منه أي وقتِ
جج

 

ج
وسم ما يجمعه بالثبتِ
ج

 

أو بالثبَت؟ هو يريد أن يصف الكتاب أو يصف الضابط؟ هو يصف الكتاب التي جمعت فيه هذه المرويات أو يريد أن يصف صاحب الكتاب؟ نعم؟

جحتى يؤدي منه أي وقتِ
جج

 

ج
وسم ما يجمعه بالثبتِ
ج

ترى الشعراء يعنون بحركات الإيش؟ أواخر الأبيات، التي يسمونها نعم؟

طالب:......

نعم، يقول الحافظ العراقي:

وكثر استعمال (عن) في ذا الزمن
ججج      
جج

 

ج
إجازةً وهي بوصلٍ ما قمَن
ج

بفتح الميم؛ مراعاةً لما جاء في الشطر الأول، وقمَن وقمِن بمعنىً واحد، لكن المستفيض على ألسنة الناس الكسر، ((فإنه قمِنٌ أن يستجاب لكم)).

هنا: مقتضى ذلك أن تكون في:

...........................أي وقتِ
جج

 

ج
وسم ما يجمعه بالثبتِ
ج

فإما أن نقول: إن الشيخ أراد من يجمع، وإن كان الأصل أن يقول: "وسمِّ من يجمعه بالثبت" وتأتي (ما) بمعنى (من) والعكس {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم} [(3) سورة النساء] أو يكون المراد بالثبَت لكنها سكنت مراعاةً للروي.

والاتصال كون كلٍ سمعا
جج

 

ج
...................................
ج

التنوين في (كل) عوض عن المضاف إليه، "والاتصال" معناه: "كون كلٍ" كلٍ أي: كل واحد من رواته قد

..............................سمعا
جج

 

ج
عن شيخه من الرواة ووعى
ج

سمعا هل يشترط السماع؟ هل يشترط أن يكون التحمل بطريق السماع؟ أو يكفي أي طريق معتبر من طرق التحمل؟ يكفي أي طريق معتبر من طرق التحمل؛ لأن قوله: "قد سمعا" يقتضي أن يكون طريق التحمل طريق السماع، وعلى هذا يخرج ما روي بطريق العرض القراءة على الشيخ، وما روي بطريق الإجازة، وما روي بطريق المناولة، وغير ذلك من الطرق.

والاتصال كون كلٍ سمعا
جج

 

ج
...................................
ج

هم يعبرون بالسماع عن التحمل بأي طريقٍ كان.

...................................
جج

 

ج
عن شيخه من الرواة ووعى
ج

يعني أدرك وحفظ ما سمع، وعى، فالراوي يقال له؟ من وعى واعي، ولذا في كتاب الرامهرمزي (المحدث الفاصل بين..) إيش؟ (الراوي والواعي) بعض الناس مجرد راوي ينقل لكن ما يفهم ما ينقل، وبعضهم واعي يفهم ما ينقل، وما يسمع، وما يحفظ.

وما لشاذٍ من التعريفِ
ج

 

وللمعل يأتِ في تعريفي
ج

يعني يأتي ذكر الشاذ والمعل -إن شاء الله تعالى-، يأتي تعريف الشاذ والخلاف فيه ومثاله، ويأتي تعريف المعل في كلام المؤلف وتعريفه وأقسامه، وأمثلته -إن شاء الله تعالى-.

وقد تفاوت رتب الصحيحِ
جج

 

ج
...................................
ج

تتفاوت رتب الصحيح.

ج...................................
جج

 

ج
بحسب الموجب للتصحيحِ
ج

إحنا عندنا أوصاف عدالة وضبط، اتصال، انتفاء شذوذ، انتفاء علة، الرواة ليسوا مثل المصنوعات، تدخلك ألف راوي في مصنع ويطلعهم لك على وتيرة واحدة على مستوىً واحد من الضبط والحفظ والإتقان، زيد ضابط، عدلٌ ضابط، وعمرو عدل ضابط موصوف عند أهل العلم بهذا، وهذا موصوف بهذا، لكن هل هما متساويان من كل وجه؟ نعم؟ لا، ما يمكن، لا بد من التفاوت بين الرواة وإن تساووا في الأوصاف، يوصف فلان بأنه ثقة وفلان بأنه ثقة وبينهما تفاوت، هذا واضح يا الإخوان، يعني هل يوجد إنسان مساوٍ لآخر من كل وجه؟ في الديانة، في العدالة، في الضبط، في الحفظ، في الإتقان؟ يوجد مساوي من كل وجه؟ لا ما يوجد، ما يمكن أن يوجد، هذا التفاوت بين هؤلاء الرواة أوجد تفاوت بين المرويات، التفاوت الذي تصورناه في الرواة لا بد أن يكون أثره على هذه المرويات؛ لأن المروي أثر لذلك الراوي، فإذا وجد الأثر في الراوي فليوجد هذا الأثر في مرويه.

وقد تفاوت رتب الصحيحِ
ج

 

بحسْب الموجب للتصحيحِ

أو "بحسَب الموجب للتصحيح" الموجب للتصحيح ما ذكر من الأوصاف: العدالة، الضبط، حتى الأعدل مع العدل قد يعرض لهذا العدل في بعض الأوقات ما يجعله أعدل ممن هو أعدل منه، هذا الأضبط قد يعرض له ما يجعل ضبطه مفوق بالنسبة لمن دونه بالضبط، هذه أمور وإن قالوا: إنها ملكات وصفات وهيئات ثابتة، لكن ثبوتها في الجملة، يعني الإنسان يدرك من نفسه أنه أحياناً يسمع الحديث فلا يحتاج إلى إعادة، وأحياناً يسمع ويكرر؛ لأنه يطرأ هناك عوارض تعترض هذه الأمور، العدالة يطرأ عليها ما يخففها، ويطرأ عليها ما يزيدها تبعاً لزيادة الإيمان ونقصه، الضبط يطرأ عليه الشواغل، يطرأ عليه فراغ البال، يطرأ عليه..، المهم أن هذه الأمور متفاوتة للشخص نفسه فضلاً عنه مع غيره، أقول: هذا مدرك.

وقد تفاوت رتب الصحيحِ
من أجل ذا قالوا: أصح سندِ
جج

 

بحسب الموجب للتصحيحِ
أصح سنة لأهل البلدِ

ج

يعني تحدثوا عن أصح الأسانيد؛ لأن هذه الأوصاف متفاوتة، هذه الأوصاف متفاوتة بالنسبة للراوي الواحد وبالنسبة للراوي مع غيره، بالنسبة للراوي الواحد حسب ظروفه وأحواله، وبالنسبة له مع غيره من أقرانه لا بد أن يظهر ذلك على..، أثر على مرويه، فالأوثق حديثه أصح، الأوثق حديثه أصح، ولذا قال بعض أهل العلم واختار أهل العلم بعض الأسانيد وقالوا: إنها أصح من غيرها، حديث فلان عن فلان عن فلان أصح الأسانيد، فلان عن فلان عن فلان أصح الأسانيد عند فلان وهكذا، لكن المعتمد عند أهل العلم أنه لا يحكم على سند بأنه أصح مطلقاً لما عرفنا، لا يمكن ضبط هذه الأمور، "والمعتمد.." كما يقول الحافظ العراقي:

...... إمساكنا عن حكمنا على سند
خاض به قومٌ فقيل مالكُ
جج

 

بأنه أصح مطلقاً وقد
عن نافعٍ بما رواه الناسكُ
ج

مالك عن نافع عن ابن عمر.

......................فقيل مالكُ
ج

 

عن نافع بما رواه الناسكُ
جججج

"مولاه...: عبد الله بن عمر.

..... واختر حيث عنه يسندُ
ج

 

الشافعي قلت وعنه أحمدُ
ج

هذا القول الأول في أصح الأسانيد: مالك عن نافع عن ابن عمر، وهذا قول الإمام البخاري، وهذا قول الإمام البخاري.

وجزم ابن حنبلٍ بالزهري
وقيل: زين العابدين عن أبه
أو فابن سيرين عن السلمانِ
النخعي عن ابن قيسٍ علقمة
ج

 

عن سالمٍ أي عن أبيه البري
عن جده وابن شهاب عنه به
عنه أو الأعمش عن ذا الشانِ
عن ابن سيرين ولم من عممه
ج

المقصود أن أهل العلم لهم أقوال، كلٌ اختار منهم..، كل واحد منهم اختار سند قال: هذا أصح الأسانيد، وهناك كتاب في أحاديث الأحكام يغفل عنه كثير من طلاب العلم اسمه: (تقريب الأسانيد) أحاديثه كلها مروية بهذه الأسانيد التي قال عنها أهل العلم: إنها أصح الأسانيد.

(تقريب الأسانيد) للحافظ العراقي، وشرحه من أنفس الشروح، وإن غفل عنه وأهمله كثير من طلاب العلم اسمه: (طرح التثريب في شرح التقريب)، والشرح مشترك بين الحافظ العراقي وولده الإمام الحافظ بعده، ولده حافظ، أبي زرعة بن الحافظ العراقي.

لو وقفنا عند قول الإمام البخاري في أصح الأسانيد مع قول الإمام أحمد لنرى إمكانية اختيار أصح الأسانيد أو عدم الإمكانية، الإمام البخاري إمام الصناعة بدون منازع، والإمام أحمد جبل، نقارن بين قوليهما، البخاري يقول: مالك عن نافع عن ابن عمر، الإمام أحمد: الزهري عن سالم عن ابن عمر، نبدأ بالصحابة، هل الصحابي ابن عمر أعدل الصحابة على الإطلاق؟ نعم؟ أعدل منه أبوه، هل هو أحفظ الصحابة؟ أحفظ منه أبو هريرة، نأتي إلى الطبقة التي تليها: نافع في قول البخاري وسالم في قول الإمام أحمد، الأكثر على أن سالماً أجل من نافع وأحفظ، ومقدمٌ عليه، نأتي إلى الطبقة الثالثة: مالك مع الزهري، مالك لا يختلف أحد في أنه نجم السنن، والزهري منزلته في الرواية والدراية أمرها معلوم، إمام من أئمة المسلمين في هذا، فكيف نفاضل بين مثل هؤلاء؟ ولذا يقول الحافظ العراقي: "والمعتمد إمساكنا عن حكمنا على سند بأنه".. إلى آخره.

فالفائدة من معرفة أصح الأسانيد يقولون: الفائدة الترجيح، يعني لو جاءك حديث مروي بسند قال فيه أهل العلم: إنه أصح الأسانيد، وحديث بسندٍ آخر لم يقل أهل العلم: إنه من أصح الأسانيد فترجح هذا على هذا.

لكن لو جاءنا مالك عن نافع عن ابن عمر معارضٌ بحديث الزهري عن سالم عن ابن عمر ما المقدم منهما؟ تريد أن ترجح، أيها الإخوان دون الترجيح خرط القتاد، يعني المسألة مفترضة في حديثين في سنن أبي داود مثلاً أو في مسند أحمد حديثان متعارضان، واحد من طريق الأول والثاني من الطريق الثاني ترجح إيش؟

طالب:.......

دعنا من كون الحديث في صحيح البخاري، يعني لو وجدنا في البخاري الزهري عن سالم عن أبيه، ووجدنا في سنن أبي داود مالك عن نافع عن ابن عمر ويش ترجح؟ يعني هذا في صحيح البخاري والذي في سنن أبي داود ترجيح البخاري ويش ترجح؟ يعني ترجح ما في صحيح البخاري ولو لم يقل فيه أحد أنه من أصح الأسانيد؛ لأن الحديث وجد في أصح كتاب، في كتابٍ تلقته الأمة بالقبول، المقصود أن مثل هذه الأمور الترجيح فيها يحتاج إلى قرائن.

...................................

 

أصح سنة لأهل البلد

هذا أصح حديثٍ يروى على الإطلاق، ولم يقل أحدٌ في حديث بعينه، اللهم إلا أن يدعى إلا في حديث: ((من كذب)) الذي يروى عن طريق أكثر من سبعين صحابي، وتواتر لفظه ومعناه، يعني لو قيل: إن أصح حديث على وجه الأرض حديث: ((من كذب)) ما بعد.

...................................

 

أصح سنة لأهل البلد

يعني لو قيل: أصح عند المدنيين، أصح حديث يرويه المدنيون، يعني أهل العلم كما خاضوا في أصح الأسانيد مطلقاً خاضوا في أصح الأسانيد بالنسبة للبلدان وهذا أسهل، أصح أسانيد المكيين، أصح أسانيد المدنيين، أصح أسانيد البصريين.. إلى آخره، قالوا بهذا، وقالوا أيضاً: أصح حديث يرويه أهل الشام كذا، أجل حديث عند أهل الشام كذا، حديث إيش؟ أجل حديث يرويه أهل الشام؟ حديث أبي ذر ((يا عبادي إن حرمت الظلم على نفسي)) المقصود أن مثل هذا يذكر في الكتب، لكنه عند الترجيح المسألة تحتاج إلى قرائن؛ لأنه قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً.

وما روى الشيخان فيه قدموا
فما على شرطهما فما على
يعنون أن ينقل عن رجالِ
ج

 

ثم البخاري يليه مسلمُ
شرط البخاري شرط مسلم تلا
قد نقلا لهم مع اتصالِ
ج

"ما روى الشيخان" إذا أردنا أن نرتب الأحاديث نقول: المتفق عليه يأتي في الدرجة الأولى، ما تفرد به البخاري في الدرجة الثانية، ما تفرد به مسلم في الدرجة الثالثة، ما صح عند غيرهما على شرطهما، ما صح عند غيرهما على شرط البخاري، ما صح عند غيرهما على شرط مسلم، ما صح عند غيرهما مما هو ليس على شرط واحدٍ منهما، فهي سبعة.

وأرفع الصحيح مرويهما
شرطهما حوى بشرط الجعفي
ج

 

ثم البخاري ثم مسلم فما
فمسلمٍ فشرط غيرٍ يكفي
ج

المقصود إنه هذا الترتيب المتفق عليه، ما تفرد به البخاري، ما تفرد به مسلم، ما صح عند غيرهما مما هو على شرطهما معاً، ما صح عند غيرهما مما هو على شرط البخاري، ما صح عند غيرهما مما هو على شرط مسلم، ما صح عند غيرهما مما هو ليس على شرط واحدٍ منهما.

مقتضى هذا أن ما اتفق عليه الشيخان مساوٍ لما رواه الجماعة، يعني هل حديث أخرجه السبعة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد أفضل من حديث متفق عليه فقط؛ لأنه متفق عليه وزيادة، ولماذا لم يذكر مثل هذا؟ لا يذكرون مثل هذا؛ لأن هذا يتسلسل، لأنك إذا قلت: رواه الجماعة لو أضفت كتاب ثامن الدارقطني يصير أفضل مما رواه الجماعة، لو أضيف البيهقي نقول: أفضل؟ المستدرك، المعاجم وغيرها هذا ما تنتهي المسألة، وإذا وجد الحديث في الصحيحين فوجوده في غيرهما قدرٌ زائد على المطلوب، ولذا يقتصر كثير من أهل العلم في التخريج على الصحيحين إذا وجد الحديث في الصحيحين، يقولون: ما له داعي نطول الحواشي نطول الكلام والحديث متفق عليه، فهو في الذروة الذي في الصحيحين.

"ما رواه الشيخان" وهو ما يقال عنه متفق عليه.

..........................فيه قدموا

 

ثم البخاري ثم يليه مسلمُ

هذا يدعونا إلى الكلام إلى المفاضلة بين الصحيحين، الكلام في المفاضلة بين الصحيحين.

أول من صنف في الصحيحِ
ومسلم بعدُ وبعض الغرب مع
جج

 

محمدٌ وخص بالترجيحِ
أبي علي فضلوا ذا لو نفع
جج

هما قولان لأهل العلم، وإن شئت فقل بالتساوي عند قوم ثلاثة أقوال، أكثر أهل العلم على أن البخاري أرجح وأصح من مسلم.

أول من صنف في الصحيحِ
ج

 

محمدٌ وخص بالترجيحِ
ج

"ومسلم بعدُ.." هذا القول الأول وهو قول الجمهور.

القول الثاني: وهو قول أبي علي النيسابوري وبعض المغاربة.

.................وبعض الغرب مع

 

أبي علي فضلوا ذا.................

فضلوا صحيح مسلم "لو نفع" كلامهم كان طيب لكنه لا ينفع؛ لأن الجمهور على خلافه.

الجمهور أيدوا كلامهم أولاً: الواقع يقتضيه، يعني لو بحثنا في أحاديث الكتابين لوجدنا الواقع كما هو، الإمام البخاري نفسه ومسلم نفسه يعني البخاري لذاته ومسلم لذاته، لو رجحنا بين المؤلفين لما كانت هناك نسبة بين مسلم والبخاري، حتى قالوا: إنه لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء، البخاري إمام الصنعة، ومسلم تلميذه وخريجه، فالبخاري أرجح، قد يقول قائل: إن ترجيح المؤلِف لا يعني ترجيح المؤلَف، بعض الناس عنده علم علم عظيم أعلم من غيره، لكن إذا كتب تجد الكتابات ما هي بعلى مستواه، ولا يعني هذا أن كل كتاب مقرون بفضل مؤلفه، هذا الأصل أن الأثر مقارن للمؤثر، لكن يبقى أن هناك أمور استثنائة المؤلف يضعف فيها عن مستواه العلم، وهذا شيء مشاهد.

هناك أوجه للترجيح؛ لأن مدار الصحة على ثقةٍ الرواة واتصال الأسانيد، والبخاري كتابه أوثق رواة، وأشد اتصال، وبيان ذلك: أن الرواة المتكلم فيهم في صحيح البخاري أقل من الرواة المتكلم فيهم في صحيح مسلم، ولا شك أنه كلما قل العدد ارتفعت الكفة، كلما كثر العدد هبطت الكفة، الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري أقل من الأحاديث المنتقدة في صحيح مسلم وهذا كسابقه.

قالوا: صحيح البخاري أسانيده أشد اتصال، وهذه المسألة التي هي مسألة اشتراط البخاري للقاء، واكتفاء مسلم بالمعاصرة والنزاع الطويل الذي حصل فيها، ويحصل، وما زال يكتب فيه بقوة يأتي تفصيله -إن شاء الله تعالى-.

لكن أهل العلم اعتمدوا على هذا، ورجحوا صحيح البخاري لأنه يشترط هذا الشرط إن ثبت عندهم، وأنا لا أشكك في هذا بقدر ما أترك للمسألة يعني جو يوطنها ويوطئها لبحثها مستقبلاً -إن شاء الله تعالى-، فبهذا رجح صحيح البخاري على صحيح مسلم.

أبو علي النيسابوري وهو إمام من أئمة المسلمين أبو علي النيسابوري إمام من أئمة المسلمين، في ترجمته يقول الحافظ الذهبي: من عرف حال هذا الرجل جزم يقيناً أن المتأخرين على يأسٍ تام من لحاق المتقدمين، أبو علي النيسابوري يقول: لا يوجد كتاب على ظهر الأرض أصح من كتاب مسلم، وبعض المغاربة صرحوا بأن كتاب مسلم أفضل من كتاب البخاري، وبعضهم قال: هو أفضل من كتاب البخاري؛ لأنه لا يوجد فيه بعد الخطبة إلا الحديث السرد، الحديث ما خلط بغيره، ما فيه آثار، وما فيه معلقات إلا أشياء نادرة كلها موصولة.

نقول: كلام أبي علي محتمل لأن يكون مراده أرجح من صحيح البخاري، وأن يكون مراده أنه مساوي، يعني كونه لا يوجد أصح منه لا ينفي أن يوجد كتاب مساوي له، وإن كان العرف المتعارف عليه عند الناس أنه إذا أطلق مثل هذا الأسلوب أن المراد به نفي حتى المساوي.

والمسألة طويلة أوردوا فيها حديث: ((ولا أصدق لهجةً من أبي ذر)) هل معناه أنه أصدق من الصديق أو كذا؟ كلام طويل في هذه المسألة، لكن نقتصر منه على ما يكشف المراد.

حكي التساوي قول ثالث في المسألة، وعلى كل حال المعتمد عند أهل العلم أن البخاري أصح، فإن كان تفضيل المغاربة لصحيح مسلم على صحيح البخاري بأنه لا يخالطه بعد المقدمة شيء، ليس فيه بعد المقدمة إلا الحديث السرد هذا غير راجع إلى الأصحية، فالمقصود البخاري عند الإطلاق الأحاديث الأصول التي اعتمد عليها البخاري، وهنا تكون الملاحظة، مع أن هذا التفضيل إجمالي، يعني صحيح البخاري إجمالاً أصح من صحيح مسلم، ولا يعني هذا أن كل حديث في صحيح البخاري أصح من كل حديث في صحيح مسلم.

"فما على شرطهما" انتهى الوقت وإلا نشرح الشروط؟ نعم؟

طالب:.......

نخلي الكلام في شرط الشيخين غداً -إن شاء الله تعالى-.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
كيف يبدأ الطالب بحفظ متون المصطلح؟ وبأيها يبدأ؟

كتب المصطلح كثيرة، لكن إذا بدأ بالنخبة وحفظها، وقرأ شروحها، وسمع ما عليها من شروح من أشرطة، وحضر بعض الدروس عليها، وقرأ بعدها اختصار علوم الحديث لابن كثير، وما كتب عليه، ثم بعد ذلكم ألفية العراقي، بهذا التدرج يفيد من علم المصطلح -إن شاء الله تعالى-، ثم بعد ذلك إذا أتقن هذه الكتب كلها ماشية على القواعد المطردة عند أهل العلم، وأكثر من التطبيق، ونظر في كتب العلل فإنه حينئذٍ يستفيد ويتأهل -إن شاء الله تعالى-.

يقول: قول الأصوليين بالتساقط عند تعارض النصوص وعدم وجود مرجح وعدم معرفة التاريخ وعدم إمكانية الجمع هل هذا اللفظ أفضل؟

نقول: هذا اللفظ التساقط السقوط لفظٌ ليس باللفظ الجيد، والتساقط كأنها بعد مقارعة وبعد مصارعة، وهذا لا يليق إطلاقه بإزاء النصوص، فعلى طالب العلم أن يتأدب بالألفاظ المشروعة، لا سيما في حق مثل هذا المبحث في النصوص، المسألة مفترضة في قال الله وقال رسوله يتساقط؟! لا، التوقف لا شك أن هذه كلمة ألطف وأفضل، وهي مناسبة لهذا المقام، التوقف؛ لأن التساقط يرجع فيه العيب إلى النصوص نفسها، فيكون بعضها أسقط بعضاً، والتوقف يحال إلى قصورٍ أو تقصير في الباحث، إلى قصور أو تقصير في الباحث نفسه، أما التساقط فيرجع السبب فيه إلى النصوص نفسها.

هذا يسأل عن القواعد التي وضعها المعلمي في مقدمة التنكيل.

المعلمي من أهل هذا الشأن من أهل الحديث ومن أهل الاستقراء والتتبع وقواعده مفيدة يستفيد منها طالب العلم.

هذا يسأل يقول النووي ألف كتابًا سماه الأربعين ولكن الأحاديث التي فيه أكثر من ذلك.

هو اشترط في كتابه أن يكون من جوامع الكلم من الأحاديث التي تدور عليها أحكام الملة فكون هذه الأحاديث أكثر من ذلك وهي داخلة في شرطه الزيادة مقبولة الزيادة مقبولة ففيها أربعين وزيادة وأضاف إليها الحافظ ابن رجب رحمه الله زيادة حتى وصلت إلى الخمسين.

هذا يسأل عن بعض الأشخاص المعاصرين وعن خدماتهم لعلم الحديث وتصحيحهم وتضعيفهم وحكم من ينتقصهم.

على كل حال من ذكر في السؤال كلهم فيما نحسب والله حسيب الجميع حسب الجميع من أهل الخير والفضل والمنتقص لا يضر إلا نفسه لا يضر إلا نفسه.

يقول ما الفرق بين متفق عليه ولفظ رواه البخاري ومسلم؟

ما يظهر فرق لأنه إذا لم يُذكَر الصحابي فيما رواه البخاري عن فلان ومسلم عن فلان فلا فرق فإذا رواه البخاري ومسلم عن صحابي متفق عليه هذا عند الأكثر هذا عند الأكثر إذا روى البخاري ومسلم حديثا عن راوي واحد من الصحابة فهو متفق عليه المجد في المنتقى يضيف الإمام أحمد للشيخين ليكون الحديث متفقًا عليه والذي يظهر من صنيع البغوي في شرح السنة أنه لا يشترط اتحاد الصحابي يقول هذا حديث متفق عليه أخرجه محمد من حديث أبي هريرة ومسلم من حديث ابن عمر.

يقول كم عدد أصول الحديث التي يدور عليها صحيح البخاري وهل هناك من جمعها وإذا لم يمكن وإذا لم يوجد فهل يمكن أن تجمع بطريقة يسهل على الطلاب حفظها بعد طبعها وكذلك السؤال في صحيح مسلم

وهل يمكن إضافة زيادات مسلم على أصول البخاري ليحفظها طلبة العلم.
أنا نصيحتي لكل طالب علم أن يتولى هذا بنفسه ولا يعتمد على اختصار غيره لأنه يستفيد من اختصاره هو الاطلاع على الكتاب الأصل ويكون على علم مما ذكر وعلى علم مما حذف والأصول التي في صحيح مسلم من غير تكرار كما هو معروف عدتها ألفان وخمسمائة وحديثان هذه الأحاديث من غير تكرار لكن على طالب العلم أن يستخرجها بنفسه ويطلع على المكرر وينظر ما فيه من زوائد في ألفاظ المتون واختلاف في صيغ الأداء كل هذا مفيد لطالب العلم فإذا قام بالاختصار بنفسه استفاد فوائد عظيمة ثم يأتي بعد ذلك إلى مسلم ويأخذ زوائده على البخاري ثم يأتي إلى سنن أبي داود بعد أن يقرأ الكتاب كاملا ويستخرج زوائده على الصحيحين وهكذا أما الاعتماد على مختصرات الآخرين لا شك أنه يوفِّر بعض الجهد لكن كيف يُبخَل بالوقت على مثل هذا العمل الجليل لماذا نوفِّر الجهد ونختصر الوقت هذه وسيلة يعني الاطلاع على الكتب الأصلية كم فيه من فائدة حُرِم منها مَن يُعنى بالمختصرات والذي يختصر بنفسه يطلع على هذه الفوائد وينظر نعم هناك مهم وهناك أهم يعني طالب العلم إذا إذا اطلع على صحيح البخاري ورأى أن التكرار أقل في الأهمية من معاناة ما لا تكرار فيه من معاناة غير المكرر وإذا رأى أن العناية بالمتون أهم من العناية بالأسانيد نقول له ذلك لكن متى إذا تولى ذلك بنفسه واطلع على المفضول الذي من وجهة نظره وإن كان فاضلا عن قوم آخرين إذا اطلع على هذا ورسخ في ذهنه واقتصر وردد وكرر ما اختصره استفاد ولذا يوصي بعضهم هذا شيء مجرَّب عند القراءة عند قراءة الكتب ومسحها الكتب المطوَّلة من التفاسير وشروح الأحاديث وغيرها في الفنون أن يصحب الطالب الذي يريد أن يقرأ هذا الكتاب الكبير أقلام ملوَّنة فيها الأسود والأحمر والأزرق والأخضر ويضع اصطلاح في طُرَّة الكتاب يقول الأحمر لما يراد حفظه مثلا الأسود لما يطلب تكراره الأخضر لما يراد فهمه الأزرق لما يراد نقله وهكذا ثم بعد ذلك وهو يقرأ هذه فائدة مهمة جدًّا يضع عليها أحمر من أجل أن يرجع إليها فيحفظها كلام أقل في الأهمية لكنه بحاجة إلى تكرار يضع عليه اللون المناسب كلام يمكن أن يفيد منه وينفع به الآخرين ويلقيه في مجالس الناس وفي محافلهم ليستفيدوا منه فينقله إلى مذكراته فيضع عليه لونًا مميزًا هذه طريقة نافعة مجرَّبة لأن الإنسان بصدد الفراغ من هذا الكتاب الكبير قد لا يتسنى له قد يمل ويترك لو انتهى من هذه الأمور في وقتها يريد أن يحفظ هذا المقطع وكرره قد تكون الحافظة كليلة أو ضعيفة لا تسعف فأخذ عليه يوم كامل وكل مقطع يبي يأخذ يريد حفظه يأخذ عليه يوم وش..؟! يترك مثل هذا لكن إذا فرغ من الكتاب وأخذه كاملا بحيث صار عنده تصوُّر كامل عن الكتاب وإن كان بعض الناس يقلِّل من قيمة القراءة السريعة والمسح للمطولات لكن هذا ما جرَّب هذا ما جرَّب لكن لو جرَّب وقد يكون جرَّب فراجع نفسه بعد الفراغ من الكتاب فلم يتذكَّر منه شيئا يحاسب نفسه أنا قرأت الكتاب مدة سنة لكن وش الفايدة؟! يريد أن يستذكر شيء ما يستطيع مثل هذا الاستذكار إذا لم تكن الحافظة قوية ما يسعف إلا عند الحاجة فإذا بُحث مسألة في مجلس ما تذكرت أنها مرت عليك في الكتاب الفلاني وصار لديك تصوُّر عن هذه المسألة بينما يوجد كثير من طلاب العلم لا يعرف أن هذه المسألة بُحثت من قبل أهل العلم فعلى طالب العلم أن يتولى أموره بنفسه.

يقول: ذكر بعض الباحثين أن رد السنة ونقدها لمعارضتها القرآن أو عرض الحديث على القرآن ليس من منهج المتقدمين؟

أولاً: جاء في المسألة حديثٌ موضوع، وأنه لا بد من عرض قوله -عليه الصلاة والسلام- على كتاب الله -عز وجل-، وهذا الخبر موضوع.
يقول: ليس من منهج المتقدمين ولا يصح أن يكون علامة على ضعف الحديث إلا إذا كان الحديث غريباً؟
أولاً: لا يمكن أن يوجد تعارض حقيقي بين السنة وبين القرآن، لا يمكن أن يوجد تعارض، كما أنه لا يوجد تعارض حقيقي في حقيقة الأمر بين ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، ولا يوجد تعارض بين ما جاء في القرآن والسنة وصحيح السنة وبين الواقع، ما يمكن أن يأتي بما يخالف الواقع.
نعم، ليس من منهج المتقدمين أنهم عند تصحيحهم وتضعيفهم لكل حديث أن يعرضوه على القرآن، يعني ليس من الدرجات درجات وخطوات العمل لإثبات الحديث أو رده عرض الحديث على القرآن، لكن القرآن محفوظ في الصدور، فإذا وجد تعارض في الظاهر بين آيةٍ وحديث لا بد من سعي وتوفيق من أجل دفع هذا التعارض.
عائشة -رضي الله عنها- ردت حديث: ((إن الميت ليعذب ببكاء أهله)) لأنه معارضٌ بقوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [(164) سورة الأنعام] هل هذا لأنه ثبت عندها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قاله؟ لكنه لما عارض القرآن والقرآن المصدر الأول وهذا الثاني إذاً يقدم الأول؟ لا، لم يبلغها بطريقٍ ملزمة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإلا {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [(36) سورة الأحزاب] ليس لأحدٍ خيار، نعم قد يوجد في الظاهر تعارض، لكن في الحقيقة لا تعارض، لا بد من إيجاد مخرج بأن يحمل هذا على كذا وهذا يحمل على كذا، إن لم يوجد هذا المخرج فلم يمكن الجمع بين هذه النصوص المتعارضة في الظاهر، ولا عرف المتقدم من المتأخر، ولا أمكن الترجيح بين هذه النصوص ليحكم للراجح بأنه هو المحفوظ والمرجوح بأنه شاذ فحينئذٍ التوقف.
كلام الأخ هنا: ذكر بعضهم أن رد السنة ونقدها لمعارضتها القرآن، وعرض الحديث على القرآن ليس من منهج المتقدمين، نعم، هو لا يذكر في خطوات النقد، بل القرآن محفوظ، وبداهةً أي خبر يعارض القرآن يدقق فيه، فإما أن يكون ناسخاً على القول بأن الآحاد ينسخ القرآن، والجمهور على خلافه، أو يكون مخصص أو مقيد، المقصود أنه لا يوجد تعارض بين الوحيين تعارض حقيقي، اللهم إلا إذا كان أحدهم متأخر والثاني متقدم فيحكم بالنسخ، وليس هذا بتعارض، هذا لا يسمى تعارض في الحقيقة.
ابن خزيمة وهو من أعرف الناس في هذا الباب يقول..، ينفي التعارض بين الأحاديث، يقول: ومن كان عنده شيء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-..، ومن كان عنده حديثان متضادان فليأتني لأوفق بينهما، ومع ذلكم عجز عن التوفيق بين حديث: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) في دعاء الاستفتاح، وبين حديث: ما جاء من ذم الإمام الذي يخص نفسه بدعوة دون المأمومين، حكم على الثاني بالوضع لأنه معارضٌ بحديث الصحيح.
والتوفيق سهل، شيخ الإسلام يحمل الثاني على ما على الدعاء الذي يؤمن عليه، أما الدعاء الذي يسر به فمثل ما جاء في دعاء الاستفتاح، قال: اللهم باعد بيننا، ومنهم من يقول: الذم إنما هو في حق ما لا يشترك فيه المأموم مع الإمام، أما ما يشترك فيه المأموم والإمام كدعاء الاستفتاح فلا يلزم فيه جمع الضمير.
يقول: مع العلم أن هذه الطريقة ظاهرة الاستعمال عند المحدثين فيما يظهر، وذكر بعض الأشخاص الذين استعملوها، وأن هذا الحديث...
أولاً: الحديث الذي لا يشك في قبوله، الذي لا يشك في قبوله سنده صحيح ومتنه، ولم يقدح فيه أحد من أهل العلم مثل هذا يسعى فيه للتوفيق بينه وبين ما يعارضه في الظاهر، أما الحديث الذي يشك في صحته أو أهل العلم على تضعيفه مثل هذا يرد بالمعارضة، وإن كان من باب التمرين واحتمال أن يثبت هذا الخبر يقال: فإن صح فالمراد به كذا.
مثال ذلك: ((نية المؤمن خيرٌ من عمله)) هذا حديثٌ ضعيف، لكن لا مانع أن يقال: إنه إن ثبت..، إن ثبت هذا الخبر يحمل على النية المجردة أفضل من العمل المجرد عن النية، يعني نية دون عمل، شخص ينوي الخير، في نيته فعل الخير متى تيسر له، وآخر يعمل بدون نية، لا عمل إلا بنية، ولا يقبل عمل إلا بنية، إذاً العمل مردود والنية، عملٌ مصحوب بهذه النية، النية عمل القلب فهو عملٌ مشروع، فإن صح هذا الخبر حمل على هذا، على أن النية المجردة أفضل من العمل المجرد، يعني هذا موضوع بحثه في مختلف الحديث.

عندما يقولون في التخريج: هذا الحديث روي بطرق كلها عن فلان، أو أن إٍسناده يدور على فلان هل معنى هذا أن الحديث غريب؟

هذا يحتاج إلى شيء من التفصيل، إن كان المراد بهذا الحديث عن هذا الصحابي شيء، أو هذا الحديث عن هذا الراوي الثقة فقط لا يرويه إلا فلان أو لا يدور إلا عن فلان، يعني ما يروى عن الزهري إلا من طريق فلان، مداره على فلان، بينما يروى عن الزهري عن غير الزهري من طرق، هذا تسميته غريب تجوز، وهي من الغرابة النسبية، وإلا فله طرق، وأن أرادوا أنه يدور على فلان لا على غيره من جميع الطرق، ومن جميع الوجوه فهو غريب.

يقول: ((من أدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام أربعين يوماً كتبت له براءتان: براءة من النفاق، وبراءة من النار))..؟

هذا حديث مضعف عند أهل العلم، وإن حسنه بعضهم، وبعضهم يقبله في مثل هذا الباب ولو كان ضعيفاً؛ لأن ضعفه ليس بشديد.

يقول: ذكر الحاكم أن البخاري لا يذكر حديثاً إلا إذا رواه اثنان، وردوا على الحاكم بأن أول حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) وبآخر حديث، ويمكن أن يجاب على الحاكم بأنه يرى أن البخاري لا يذكر الحديث في صحيحه إلا إذا كان له راويان

ولم يقل الحاكم بأن البخاري لا بد أن يذكر السندين أو الطريقين في صحيحه، بل قد يكتفي بأحدهما كما في أول حديث رواه؟
حتى لا يوجد له إسنادهٌ آخر ولا في غير البخاري، لا يوجد لحديث: (الأعمال بالنيات) إسنادٌ آخر ولا في غير البخاري، لا يصح إلا عن عمر، ولا عن عمر إلا عن علقمة وهكذا، فالإشكال باقٍ، منهم من رد بجوابٍ أوسع من هذا فقال: إنه لا يخرج حديث لراوٍ من الوحدان، بمعنى أنه لم يرو عنه إلا شخص واحد، خرج حديث: (الأعمال بالنيات) لعمر، ولعمر جمع من الرواة ولو في غير هذا الحديث، وعلقمة له جمعٌ من الرواة في غير هذا الحديث، إذاً البخاري لا يخرج للوحدان، ورد عليه بأن في الصحيحين من الوحدان جمع ممن ليس لهم إلا راوٍ واحد، كما ٍسيأتي في بحث المجهول -إن شاء الله تعالى-.