شرح العقيدة الواسطية (02)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسئلة كثيرة أكثرها أسئلة عن طبعات كتب، عن كيف تقرأ الكتب ومنهجية الطلب، والشروح التي يستغنى بها عن غيرها في كتب معينة أو مطلقًا، هذه فيها أشرطة سجلت فيستغنى بها عن إهدار الوقت؛ لأن الوقت ضيق والكتاب يحتاج إلى شرح؛ لأن هذا الكتاب أساس يمكن أن يبنى عليه غيره في توحيد الأسماء والصفات، فإن رأيتم أن نستغل الوقت كله في الشرح ونترك الأسئلة اللهم إلا إذا كان سؤال يهمنا في الدرس، مثل هذا السؤال يقول: هل يجب على الإنسان أن يحفظ معتقد أهل السنة والجماعة، أو يكفي أن يعرفه ويعتقده بقلبه فقط -هذا من البرازيل يسأل- وهل يفرق بين العامي وطالب العلم في المعتقد؟
أقول على الجميع أن يعنوا بمعتقد أهل السنة والجماعة، بالنسبة لعامة الناس إجمالاً، وبالنسبة للمتعلمين وطلاب العلم أن يعرفوا ذلك تفصيلاً بمراجعة كتب أهل العلم المستندة على الكتاب والسنة، وأقاويل سلف الأمة، ولا يمكن أن يعتقد الاعتقاد الصحيح إلا أن يطلع على مذهب أهل السنة والجماعة ويؤسس على أساس قوي متين لئلا تعترضه الشبه فينساق وراءها أو يعرض على قلبه شبهة لا يستطيع ردها، فعلى طالب العلم أن يؤصل نفسه ويؤسس لا سيما في هذا الباب المتعلق بأشرف العلوم وهو توحيد الله -جل وعلا- الذي شهد به لنفسه وأشهد عليه ملائكته وخواص خلقه من أهل العلم، فهذا العلم الذي هو علم التوحيد بأقسامه من أهم المهمات، فعلى طالب العلم أن يُعنَى به قراءة، وحفظًا، وحضورًا للدروس، وسماعًا للأشرطة، وأسئلة عما يشكل ومدارسة مع الإخوان كي يثبت هذا العلم العظيم في الذهن، ولا يكلف جميع الناس بمثل هذا؛ لأن عامة الناس لا بد أن يعرفوا أمورًا إجمالية عن هذا المعتقد، وأن الله -جل وعلا- واحد في ربوبيته وفي ألوهيته، لا يجوز أن يصرف شيء مما يستحقه لأحد غيره، وأنه موصوف بصفات الكمال، وأن له الأسماء الحسنى، إلى غير ذلك من الأمور العامة الإجمالية، ولا يكلف العامي بمعرفة التفصيلات؛ لأن هذه من شأن أهل العلم لا سيما وأن التفصيلات في هذا العلم مما يعسر فهمه على كثير من الناس إذا لم يكن له يد في هذا الباب، قد يعسر فهم كثير من قضايا هذا العلم فيتركون للإيمان الإجمالي بهذه الأمور، وأما الأمور التفصيلية فشأن أهل العلم؛ ولذا اقتصر النبي -عليه الصلاة والسلام- لما سأل الجارية المراد عتقها قال لها: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. يكفي مثل هذا الإجمال، مع النطق بالشهادتين التي لا يكون المرء مسلمًا إلا بالنطق بهما، ولو اعتقد الاعتقاد الجازم في قلبه لا يكفي حتى ينطق «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» فلا بد من القول، أما كونه يقر الإيمان في قلبه والاعتقاد الصحيح في نفسه من غير نطق هذا لا يكفي في أحكام الدنيا، ومنهم من يطرده فيقول: إن مثل هذا لا ينفع؛ لأن النطق شرط، فالإيمان: قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد قال المصنف رحمه الله تعالى: الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا مزيدًا.
أما بعد:
فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة -أهل السنة والجماعة- وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم) وابتدأ المؤلف بالبسملة اقتداء بالقرآن الكريم حيث افتتح بها، وثنى بالحمدلة كذلك، فالقرآن مفتتح بالبسملة والحمدلة، وجاء الحديث «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر» وفي رواية: «بحمد الله فهو أقطع»، وفي رواية: «أجذم»، وفي رواية: «بالحمد لله والصلاة عليّ»، المقصود أن الحديث جاء بألفاظ ومن طرق متعددة أقواها لفظ الحمد، كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله هذا أقوى الألفاظ، وحسنه بعض العلماء كابن الصلاح والنووي وبعض العلماء، وحكم جمهور العلماء على جميع ألفاظه وطرقه بالضعف، فلفظ الحمد مضعف عند الأكثر فما دونه من باب أولى، الشيخ الألباني رحمه الله حكم على جميع ألفاظ الحديث وطرقه بالضعف؛ فإذا أردنا امتثال ما في هذا الخبر..، النووي -رحمه الله- لما يورد هذا الخبر هو يرى أنه وإن كان ضعيفًا يعمل به في مثل هذا؛ لأن هذه فضيلة وليست بحكم شرعي، وعندهم الفضائل يتسامح فيها، ومثل هذا ذكر والأذكار من الفضائل، والفضائل يتسامح فيها عند جمهور أهل العلم لا يشددون مثل الأحكام، هذا ما قرره النووي في هذه المسألة، لكن ينبغي أن يعتنى بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جزمنا بأن جميع ما ورد في هذا من لفظ أو طريق كله ضعيف هل معنى هذا أننا لا نبدأ بالبسملة والحمدلة؛ لأن ما جاء فيها ضعيف؟ هل معنى هذا أننا لا نبدأ بهما؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- في رسائله يبدأ بالبسملة وفي خطبه يبدأ بالحمدلة، والقرآن جمع بينهما، بعض من كتب ومع الأسف في العقيدة هذا مر علينا للفحص، لبيعه في أحد المعارض فوجدنا مطلعه يقول: كانت الكتب التقليدية تبدأ بالبسملة والحمدلة.
طيب هل هذا لأن الحديث بجميع طرقه وألفاظه ضعيف؟ يعني مثل ما يقول بعضهم: يجلس بعض الناس إلى أن تنتشر الشمس؛ اقتداء بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيح عنه أنه يجلس إلى أن تنتشر الشمس، لكن صلاة الركعتين التي جاء فيها ما جاء «من صلى الصبح في جماعة وجلس في مصلاه حتى تطلع الشمس صلى ركعتين فله أجر حجة تامة تامة» وفي رواية: «عمرة»، هذا الحديث ضعيف، هل معنى هذا أننا لا نصلي ركعتين؛ لأن الحديث ضعيف؟ أو لا نجلس لأن الحديث ضعيف؟ نجلس؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- جلس، وثبت عنه في الصحيح أنه كان يجلس، ونبدأ بالبسملة والحمدلة؛ لأن القرآن افتتح بهما والنبي -عليه الصلاة والسلام- يفتتح رسائله بالبسملة وخطبه بالحمدلة، وإذا شهد فعله -عليه الصلاة والسلام- لهذا الخبر الضعيف فعملنا بما ثبت لا يعني أننا اعتمدنا على ما ضعف، لكن بعض الناس يخفى عليه مثل هذا وينساق وراء بعض الدعوات التي صدرت من بعض الناصحين المخلصين وهي عدم الاشتغال بما لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيفهم مثل هذا الكلام على إجماله فيقول مثل هذا الكلام، كانت الكتب التقليدية تبدأ بالبسملة والحمدلة؛ لأن الخبر ضعيف بجميع طرقه وألفاظه، وأحدهم يقول -وهو من الشباب الطيبين- يقول لصاحبه بعد أن انتشرت الشمس يقول: تبي نمشي أو تصلي صلاة العجايز؟ لأن الخبر ما ثبت مادام ما ثبت ما هو مصلي، هو ما يدري أن هناك فيه صلاة اسمها صلاة الضحى جاءت فيها النصوص الكثيرة، يا أخي صلِّ ركعتين بنية الضحى؛ لأن هذا وقتها إذا ارتفت الشمس بدأ الضحى، بعض الدعوات لقيت قبولاً ومن حقها أن تقبل؛ لأنها من أناس مصلحين ومخلصين ولها حظ من النظر، لكن لا يعني أننا يصير عندنا ردود أفعال عن بعض الأشياء فننقلب إلى الضد، ابن القيم -رحمه الله تعالى- لما شرح في طريق الهجرتين حال الأبرار وحال المقربين وضع برنامج يمشي عليه الأبرار وبرنامج آخر أشد منه يسير عليه المقربون من الاستيقاظ من النوم إلى مجيء النوم الثاني، برنامج خطة يسيرون عليها، لكنه لما شرح حال الأبرار ذكر أن الجميع يحضرون إلى صلاة الصبح، ويقربون من الإمام ويستمعون لقراءته وقرآن الفجر مشهود ومؤثر في النفس، ثم بعد ذلك يصلون ويجلسون يذكرون الله في مصلاهم إلى أن تطلع الشمس وترتفع، ثم قال عن الأبرار: يصلون ركعتين ثم ينصرفون، وقال عن المقربين: إنهم يفعلون هذا الفعل، فإن شاؤوا صلوا ركعتين وإن شاؤوا انصرفوا دون صلاة، هل هذا لأن الأبرار أفضل من المقربين؟
لا، المقربون أفضل من الأبرار وبرنامج الأبرار أخف من برنامج المقربين، لكن لماذا يصلون الركعتين والمقربون إن شاؤوا صلوا وإن شاؤوا انصرفوا دون صلاة، هذا له دلالته بالنسبة للحديث؛ لأن الحديث يضعفه بهذا العمل، لكن ما معنى كونه يقول: إن الأبرار يصلون الركعتين، والمقربون إن شاؤوا صلوا وإن شاؤوا انصرفوا دون صلاة، لماذا فرق بين الفريقين؟
طالب: .........
المقربون ينصرفون من عبادة إلى عبادة وعبادات، وأما الأبرار فهم إذا أدوا هذا العمل على هذا الوجه وصلوا الركعتين بنية صلاة الضحى مثلاً وانصرفوا إلى أعمال دنياهم، أما المقربون فهم ينصرفون من عبادة إلى أن تنتشر الشمس ينصرفون إلى بيوتهم يقرؤون يؤلفون يعلمون يصلون صلاة الضحى إذا رمضت الفصال صلاة الأوابين إلى آخره، أما أننا نقول بمثل هذا القول كانت الكتب التقليدية تبدأ بالبسملة والحمدلة، أو مثلما يقول: تبي نمشي أو نصلي صلاة العجايز؟ كلام مشكل، هذا يعني هذه ردة فعل من كونه الخبر يعني فيه ما فيه، إذن ينسف نسفًا تامًّا هذا ما هو صحيح، وليس بمنهج؛ ولهذا كثرت الشواذ عند بعض طلاب العلم على طالب العلم أن يسلك الجادة ولا يعتمد في عمله ولا يتدين إلا فيما ثبت عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- لكن لا يكن عنده ردود فعل تؤثر مثل هذه الآثار، يعني من صلى صلاة الضحى هاتين الركعتين بنية الضحى النبي -عليه الصلاة والسلام- أوصى أبا هريرة وأوصى أبا الدرداء، وركعتان تركعهما من الضحى وركعتي الضحى، ويكفي من ذلك «يصبح أحدكم على كل سلامى منه صدقة» إلى أن قال: «ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى» وصلاة الضحى سنة. المؤلف جمع بين البسملة والحمدلة اقتداء بالقرآن وجمعًا بين صنيعه -عليه الصلاة والسلام- في رسائله، فالكتاب مثل الرسالة إلى طلاب العلم وفي خطبه؛ لأن هذه المقدمة بمثابة الخطبة، وبعضهم ينص عليها يقول: خطبة الكتاب التي هي المقدمة، فيجمع بينهما لهذا.
طيب البداءة ببسم الله والبداءة بحمد الله كيف يتأتى أن نقول: نبدأ ببسم الله ونبدأ بالحمد لله، وهذا يقول: وما المراد بقول بعض الشراح: الابتداء ببسم الله حقيقي وبالحمد لله نسبي إضافي؟ البداءة ببسم الله حقيقي؛ لأنه لم يتقدمها شيء من الكلام، هل يؤثر كون رقم الصفحة فوق البسملة؟ لا الرقم ليس بكلام ولا يراد منه الكلام ولا ينطق به أثناء القراءة، إذًا البداءة بالبسملة حقيقة؛ لأنه لم يتقدمها شيء والبداءة بالحمدلة إضافي؛ لأنها قبل ما يليها من الكلام فهي مبدوء بها بالنسبة لما بعدها، أما بالنسبة للبسملة فهي متأخرة، نظير ذلك ما جاء في صلاة الكسوف، والحديث يجر بعضه بعضًا لكن ما يخلو من فائدة إن شاء الله تعالى، في صلاة الكسوف النبي -عليه الصلاة والسلام- كبر قرأ الفاتحة فقام قيامًا طويلاً، ثم قرأ فقام قيامًا طويلاً نحوًا من سورة البقرة، ثم ركع ركوعًا طويلاً، ثم رفع فقرأ الفاتحة، ثم قرأ فقام طويلاً إلا أنه دون القيام الأول، ثم ركع فركع ركوعًا طويلاً دن الركوع الأول، ثم رفع ثم سجد سجدتين، ثم قام فقرأ الفاتحة، ثم قرأ فقام قياما طويلاً إلا أنه دون القيام الأول، ثم ركع فركع ركوعًا طويلاً إلا أنه دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قيامًا طويلاً إلا أنه دون القيام الأول، فعندنا الأول أولية حقيقية أيها؟ أول واحد من الأربعة عندنا الأول قام قيامًا طويلاً نحوًا من قراءة سورة البقرة، الثاني قياما طويلاً إلا أنه دون القيام الأول، الثالث قياما طويلاً إلا أنه دون القيام الأول، الرابع قيامًا طويلاً إلا أنه دون القيام الأول، هذا إذا قلنا بأن المراد بالأول أولية حقيقية مطلقة تصير هذه الثلاثة متساوية؛ لأنها كلها تشترك في وصف واحد وهي أنها دون القيام الأول أولية حقيقية مطلقة هذا على هذا القول، وأكثر أهل العلم على أنها تدريجية الأول أطولها حقيقة والثاني هو الأول بالنسبة للثالث فأوليته نسبية إضافية، الثالث هو الأول بالنسبة للرابع فأوليته إضافية نسبية يوضح هذا الكلام أو لا؟ يقول المؤلف رحمه الله تعالى، شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحرّاني، المولود سنة إحدى وستين وستمائة، المتوفى سنة ثمانٍ وعشرين وسبعمائة، حامل راية السنة، ومجدد هذا الدين على رأس المائة الثامنة، له من المواقف المحمودة المشهورة ما لا يستطيع أحد جمعه بمفرده، وأُلِّف في حياته العلمية والعملية واختياراته وفتاواه الكتب المطولة والمختصرة، ولسنا بحاجة إلى الإفاضة في ذكر ما عنده وما تميز به من علم وعمل، ولا نحتاج إلى الإشارة إلى إحاطته بمذهب أهل السنة وما كتب فيه والمذاهب الأخرى، وأقاويل الناس وفرقهم ومذاهبهم، فقد أحاط بها إحاطة تامة كما قال ابن القيم رحمه الله:
ومن العجيب أنه بسلاحهم . |
|
أرداهمُ نحو الحضيض الداني . |
يرد عليهم بسلاحهم رحمه الله تعالى.
(بسم الله الرحمن الرحيم) الباء هذه للتبرك أو للاستعانة والاسم المجرور بالباء من السِّمَة أو من السُّمُوّ على خلاف بين البصريين والكوفيين من السمة وهي العلامة كما يقول الكوفيون، أو من السمو وهو العلو والارتفاع كما يقول البصريون، وهل هو عين المسمى أو غيره مسألة يطول شرحها، وقد يصعب فهما على بعض الحاضرين، والاتفاق على أننا نجمل في كثير من القضايا التي لا يحتاجها المتوسطون من طلاب العلم؛ لأن هذا الكتاب مناسب للمتوسطين (بسم الله) ومادام التبرك والتيمن بالاسم والمراد به التيمن والتبرك بذكر الله -جل وعلا-؛ ولذا قال بعضهم: إن إقحام الاسم للتفريق بين التيمن واليمين؛ لأنه لو لم نقل: بسم الله، لو قلنا: بالله لاشتبه الأمر، هل نحن نتبرك بذكر الله -جل وعلا- أو نقسم بالله -جل وعلا-، التيمن هو التبرك، فيختلط الأمر هل الأسلوب أسلوب تيمن أو يمين، فتُوُصل لدفع هذا الإشكال بإقحام الاسم، ولفظ الجلالة الله العلم على الذات الإلهية الذي لم يسم به غيره -جل وعلا- وما عداه من الأسماء الرحمن كذلك لم يسم به إلى على طريق المعاندة مع الإضافة، كما قالوا عن مسيلمة: إنه رحمن اليمامة، وأما من عداه فلا يسمى به ولا يطلق لفظ الرحمن بهذه الصيغة إلا على الله -جل وعلا- ولم يتسمَّ به أحد ألبتة، وهذا الاسم وإن كان علم من الأسماء الحسنى على الله -جل وعلا- إلا أنه يأتي تابع للفظ الجلالة {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ}[الإسراء:110] فهنا يقول: بسم الله الرحمن، وأما لفظ الجلالة فلم يأت تابعًا كما قرر ذلك ابن القيم -رحمه الله تعالى- إلا ما جاء في أول سورة إبراهيم: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد*اللّهِ}[إبراهيم:1-2] ما جاء إلا في هذا، وهو وارد يرد على كلام ابن القيم، لكن الأصل أن الاسم العلم المتبوع لا التابع هو لفظ الجلالة؛ ولذا جاء في الحديث الصحيح: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا» كم عدد الأسماء الحسنى؟ تسعة وتسعين، يعني لو طلق شخص امرأته أن الأسماء الحسنى تسعة وتسعين بناء على هذا الخبر الصحيح «إن لله تسعة وتسعين» ثم يأتي من يقول: إن لله مائة اسم، نقول: صحيح أو خطأ، يعني الله -جل وعلا- ليس من الأسماء الحسنى؟
طالب: ........
من الأسماء الحسنى لكن هل هو معدود من التسعة والتسعين؟ أو التسعة والتسعين مضافة إليه التسعة والتسعين مضافة إلى الله أو منها لفظ الجلالة فيكون المجموع مائة؟ تأكيد بمائة إلا واحد إيش مفادة يعني هذا؟ تأكيد بهذا إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا، فائدة التأكيد أو أن المراد بهذا اللفظ لفظ الجلالة كما يقول جمع من أهل العلم: الذات الإلهية الذات المسماة بهذا الاسم لها تسع وتسعين بما فيه لفظ الجلالة، يعني نظير ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا كم يكون تكلم؟ أربع هل المراد أنه يتكلم أربعًا أو ثلاثًا؟ مقتضى الإعادة يعني تكرار هذه الكلمة ثلاث مرات بعد اللفظ الأول، أعاد يعني غير الأول فيكون المجموع أربعًا، لكن هذا ليس بمراد يعني أعادها معناه قالها ثلاثًا، المراد تضمين أعاد قال.
الله -جل وعلا- هذا اللفظ يختلف أهل العلم أولاً هو أعرف المعارف على الإطلاق كما قال سيبويه، وإن كان غيره من أهل العربية يقولون: أعرف المعارف الضمير، وسيبويه قال: الله هو أعرف المعارف، ويُذكر في بعض كتب أهل العلم من الشروح والحواشي أن سيبويه رؤي في المنام وسئل: ماذا فعل الله بك؟ قال: غفر لي. بماذا؟ قال: لأني قلت: الله أعرف المعارف.
على كل حال الله -جل وعلا- الذي خلق المخلوقات هل يمكن أن يجهله أحد؟ يعني إذا عرفنا أن توحيد الربوبية وهو الإقرار بالخلق متفق عليه بين المشركين والمسلمين، وما جحده إلا من جحده عنادًا مع استيقان نفسه، فهم كلهم يعترفون بالله سواء نطقوا بهذا اللفظ أو بما يرادفه من اللغات الأخرى فهو أعرف المعارف، وهل هو مشتق أو جامد؟
يختلفون في هذا أيضًا؛ فمنهم من يقول: إنه مشتق من الألوهية والألوهة التي هي المصدر، يقال: أله يأله إلهة وألوهة وألوهية إذا تعبد؛ فالله -جل وعلا- هو المألوه، أي: المعبود الذي تألهه القلوب وقيل من الوله وهو الحيرة، وهو الذي تحتار فيه العقول على كل حال، القول بأنه مشتق قول لبعض العلماء، وأنكر جمع من أهل العلم كونه مشتقًا لماذا؟ لأن المشتق لا بد له من أصل يشتق منه، والأصل أن الأصل متقدم على ما اشتق منه ولم يتقدم على هذا اللفظ شيء؛ لأن الله -جل وعلا- لا شيء قبله أنت الأول فليس قبلك شيء، لكن لا يعني أن هذا اللفظ مشتق أن يوجد قبل الذات الإلهية شيء؛ إنما هذا اللفظ وِزِانه في لغة العرب وِزان المشتقات.
والرحمن فعلان من الرحمة، والرحيم فعيل منها والرحمن الرحمة العامة الواسعة الشاملة بدلالة زيادة المعنى التي تضمنتها زيادة المبنى، فالرحمن فيها زيادة على الرحيم فهي أكثر وأشمل في المعنى، وأما الرحيم فهو بالمؤمنين خاصة وكان بالمؤمنين رحيمًا، وفي هذا إثبات صفة الرحمة؛ لأن هذا اللفظ وإن اختلف في كونه آية من الفاتحة، أو آية من كل سورة من القرآن، إلا أن الإجماع قائم على أن البسملة بعض آية من سورة النمل، وأنها ليست بآية في أول سورة التوبة، والخلاف هل هي آية في أول كل سورة أو ليست بآية مطلقًا أو هي آية واحدة نزلت للفصل بين السور، المسألة خلافية بين أهل العلم يطول تحرير الخلاف والاستدلال له، وفي الاسمين الكريمين العظيمين إثبات صفة الرحمة لله -جل وعلا-، والنصوص على ذلك كثيرة جدًا كما سيأتي، ومن ذلك ما جاء في سورة الفاتحة: {الحمد لله رب العالمين*الرحمن الرحيم}[الفاتحة:2-3]، والجار والمجرور بسم الله المتعلق بمحذوف يقدر متأخرًا خاصًا يقدر فعلاً متأخرًا خاصًّا، تقديره متأخر؛ ليدل على الحصر، فإذا قلت: بسم الله الرحمن الرحيم، أقرأ يعني لا باسم غير، فتقديم المعمول على العامل لدلالته على الحصر كما في قوله -جل وعلا-: {إياك نعبد وإياك نستعين}[الفاتحة:5] ويقدم فعل للدلالة على التجدد والتكرر ويقدر خاص؛ لأن الخاص أدل على المقصود من العام، لو قلت: بسم الله الرحمن الرحيم أبدأ، السامع لا يهتدي لأي شيء تبتدئ به، هل تبدأ القراءة؟ هل تبدأ الكتابة؟ هل تبدأ الأكل؟ هل تبدأ الشرب؟ هل تبدأ النوم؟ هل تبدأ الوضوء؟
ما يدري إذا قلت: أبدأ، لكن إذا قلت: بسم الله الرحمن الرحيم أقرأ انتهى، عرف أنك تبي تقرأ، ومثله إذا قلت: بسم الله الرحمن الرحيم آكل، أو ما أشبه ذلك، وكلها مقدرات، لكن أهل العلم يقولون مثل هذا الكلام.
الحمد لله (ال) هذه التي يسأل عنها، لكنه يسأل عن أنواع (ال) هنا في الحمد لله جنسية وهي من صيغ العموم، فجميع أنواع المحامد لله -جل وعلا- وهناك (ال) العهدية {أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً*فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ }[المزمل:15-16] يعني الرسول المعهود الذي أرسلناه إليه وهو موسى عليه السلام، وهناك (ال) يأتون بها للمح الأصل والصفة كما تقول: الحسن العباس أصله علم ما يحتاج إلى (ال) تعريف، إنما إذا أتيت بـ(ال) وأدخلتها على العلم كأنك بذلك تلمح إلى أصل الاسم الذي هو وصف وهو الحُسُن في الحَسَن، والعبوس بالنسبة إلى العباس وهكذا..، هناك (ال) يؤتى بها موصولة:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته
يعني الذي تُرضى، وغير ذلك من معاني (ال) من أرادها يرجع إليها إلى كتاب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام، وهذا كل طالب علم بحاجة ماسة إليه، والحمد والشكر لفظان ينبغي أن يكونا على لسان المسلم يكون لَهِجًا ولسانه رطبًا بحمد الله وشكره.
والحمد أولى ما يقال في معناه ما ذكره ابن القيم في الوابل الصيب أنه هو الإخبار عن الله -جل وعلا- بصفات كماله سبحانه مع محبته والرضا به الإخبار عن الله -جل وعلا- بصفات كماله مع محبته والرضا به؛ لأن أكثر العلماء يفسرون الحمد بأنه الثناء على المحمود بالصفات الاختيارية لا بالصفات الإجبارية، وهنا يشترك مع المدح وهذا تعريف الحمد بالثناء فيه ما فيه، الثناء أولى ما يقال فيه: إنه تكرير المحامد شيئًا بعد شيء، الثناء من التثنية، تكرير المحامد شيئًا بعد شيء، وجاء في الحديث الصحيح: «قَسَمْت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى عليّ عبدي» فالثناء تكرار لهذه المحامد.
هذا عنده اقتراح يقول: لو شرعتم في مسائل الكتاب مباشرة فإنها هي المقصودة، والاستطراد في غيرها سيكون على حسابها وأنتم أبصر.
الحين ما عرفنا للإخوان جادة، الحين بعضهم يقول: إن الاستطرادات هذه هي التي نستفيد منها ومسائل الكتاب في الشروح، الكتاب مشروح شروحًا كثيرة، ولعلمكم الكتاب لا يحتاج إلى وقت طويل؛ لأن الشيخ -رحمه الله- في أول الكتاب ذكر قاعدة ثم فرع عليها مسائل كلها تندرج تحت القاعدة، يعني صفحات كثيرة كلها في الأدلة، في الأسماء والصفات بنأخذ معها وقت هذه؟ لكن مثل هذه الأمور التي تنفعكم في هذا الكتاب وفي غيره من الكتب كثير من الإخوان يلح بطلبها، يعني مسألة بيان أن الله -جل وعلا- وصف نفسه بما وصف... الاستدلال على ذلك الشراح كلهم انبروا لهذا كلهم وضحوه وبينوه، ولا حاجة إلى أن نستطرد في شيء كرره أهل العلم، والكتاب كما تعلمون يعني ما يكفي في الرياض أنه شرح مائة مرة من عشرات المشايخ، يعني أنا أشرحه للمرة الثالثة، ويمكن الذين حضروا المرة الأولى والثانية يجدون في الأولى ما ليس في الثانية أو العكس في الثالثة ما لا يجدونه في غيرهما، قد أكون تكلمت بكلام في الأولى ما نسيته الآن أو لم أستحضره الآن، فهذه الشروح لا شك أنها تربي عند طالب العلم ملكة استقبال العلم وتوضيح بعض الأمور لبعض، هذه أمور تحتاجها أنت في دروس أخرى، دعوني من شرحي أنا عندي استطرادات وعندي يمين ويسار وأروح أشرق وأغرب، لكن لو أنت مثلاً حضرت عند شيخ من المشايخ وأفادك بفوائد تقول: والله نستغني عنها، يمكن ما تمر عليك غير ما مرت هذه المرة، احتمال لو حضرت عند الشيخ مرة ثانية يمكن ما يجيبها لك مرة ثانية.
والشيوخ كما هو معروف مدارس، كل واحد له طريقته، واحد عنده طريقة السرد هذا ولا عنده إشكال في أن يشرح عشرين، ثلاثين حديث في جلسة، وواحد يحتاج إلى خمسة دروس لحديث واحد، على كل حال كل واحد له طريقته ومنهجه، ولعلمكم أن الكتاب خفيف يعني بينتهي بإذن الله، يعني لا تستثقلون، وتظنون أننا نبي نبتل بسطر كل يوم سطر إلين نقعد عشر سنين بالكتاب، لا، ثقوا؛ لأن المسألة قاعدة فرع عليها شيخ الإسلام، نضبط هذه القاعدة والفروع أمثلة لها، فلن يتأخر يعني شرح الكتاب، لا تضيق صدوركم، وأنا أعرف أن كثير من الإخوان يهمه أنه يختم الكتاب، يختم الكتاب على أي وجه، والشروح موجودة شروح مسجلة وشروح مطبوعة إذا لم تسمع مني مثل هذا الكلام اللي فيه شيء من الاستطراد يعني، فالكلام الذي أقوله مما يتعلق بالكتاب موجود في الشروح، على كل حال الاقتراح هذا يشاركه فيه كثير من الطلاب في كثير من الدروس، كثير من الطلاب همهم أننا ننتهي، وهذا مقصد ينشط الطالب لما وراءه من الكتب، لكن يبقى أن هناك أمورًا ما تمر ثانية، يعني بعض المشايخ لما تقول له مثل هذا الكلام خلاص يسرد لك سردًا ما تفهم شيئًا، شخص يقرأ ويطول بالجماعة، قالوا: يا شيخ أنت تطول، بدأ يقرأ بهم سورة الاخلاص، سورة الاخلاص ثلث القرآن، لكن وش معنى هذا؟ ولما قيل له: أنت تختصر، قرأ سورة البقرة، تبونا نسوي مثل ردود هذه الأفعال، ما تجي يا إخوان، هذا علم لا بد أن يؤصل ويؤسس ويؤخذ من أهله، يعني تظنون أن هذا علم يعني جمع بيوم أو بيومين أو شيء، لا يا إخوان هذا شيء سمعناه من شيوخنا اللي ما أدركتموهم أنتم، وشيء قرأناه في بطون كتب وشروح وتفاسير يمكن تموتون وما اطلعتم عليها، صحيح شروح مطولة ما تقدرونها؛ لأن اللي بيقرأ كل شيء يمكن تغفل عن كتاب وهو من أهم المهمات، فالمسألة ما فيه شك أن الطلب وجيه وله ما يدعمه، كثير من الإخوان يطلب مثل هذا الطلب، وتكميل الكتب منشط للطلاب، لكن على طالب العلم أن يحرص على ما ينفعه واقتناص الفوائد، هذه يعني إن كان تجدون مثل هذا الكلام في الشروح الأخرى كل واحد يقرأ شرح في بيته ولا يجي ليش يكلف نفسه صحيح أو لا؟
طالب: .........
لا فيه جمع غير الآن إذا طلعت بيمسكني مجموعة في كل الدروس يجينا مثل هذا الاقتراح، ثم ينكب علي الإخوان يقولون: لا تسمح لمثل هذا، وما حضرنا إلا للاستطرادات. على كل حال أنتم سوف ترون ما يسركم إن شاء الله، والكتاب نبي ننهيه على أي وجه إن شاء الله بإذن الله، إن كان في العمر مدة فنبي ننهيه، ولا أتكلم بهذا الكلام من غضب؛ لأن هذا الكلام له وجه، وأتمنى أن تنهى الكتب وتكون الكلمة بقدر الكلمة وننتهي يعني ما هو صعب، هذا موجود عند بعض المشايخ يعطيك الكلمة بكلمة وينهي مجموعة من الكتب ويوضح وعلى خير عظيم إن شاء الله تعالى، وكل شيخ له طريقته ومنهجه ولا أحد يلام إذا طول أو إذا اختصر، يا إخوان أنا عندي من عشر سنوات وأنا أحاول أشرح نونية ابن القيم وعجزت لماذا؟ لأن مسألة كلمة تساوي كلمة ما هو عندي هذا، والاستطراد تحتاج إلى مائة سنة صعبة، يعني تشرح على أية وجه الشروح موجودة الشروح المختصرة الشروح موجودة، ليش نكرر الجهد والعمل؟ والاستطراد يحتاج إلى أزمان متطاولة وأعمال. وعلى كل حال سوف ترون إن شاء الله ما يسركم، وإذا اتفق الجميع على الاختصار أنا ما عندي مانع، يصير الوقت أكثره قراية ما عندي مانع.
عرفنا أن الحمد أولى ما يقال فيه ما ذكره العلامة ابن القيم في الوابل الصيب يقول: هو الإخبار عن الله -جل وعلا- بصفات كماله مع محبته والرضا به والثناء الذي يفسر به كثير من أهل العلم الحمد يفسرونه بالثناء، كثير من أهل العلم يفسرونه بالثناء، الثناء هو تكرير المحامد ودليله حديث: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» قال في الجملة الأولى: «إذا قال الحمد لله رب العالمين، قال: حمدني عبدي» وفي الثانية: «قال: أثنى علي عبدي» فدل على أن الحمد غير الثناء، هناك الشكر أيضًا، والشكر من أجل العبادات إن لم يأت على جميع العبادات؛ لأن معناه استعمال هذه النعم فيما يرضي الله -جل وعلا- هذا هو شكرها استعمال الجوارح، استعمال الوقت الذي هو من أعظم النعم، استعمال الصحة الفراغ، كلها فيما يرضي الله -جل وعلا- والنعم عمومًا إذا لم تستعمل فيما خلقت له مما يرضي الله -جل وعلا- انقلبت نِقَمًا، فعلى هذا على الإنسان أن يستمر شاكرا لله -جل وعلا-، وأهل العلم يقررون أن التسلسل ممنوع الذي لا ينتهي إلا الشكر لماذا؟ لأن الشكر يكون في مقابلة نعمة، فإذا أنعم الله عليك وشكرته، توفيقك لهذا الشكر نعمة تحتاج إلى شكر، شكر النعمة الثانية توفيق من الله -جل وعلا-، وهو نعمة يحتاج إلى شكر، وهكذا فلا مانع من التسلسل في مثل هذا، والتسلسل تسلسل الحوادث والماضي والمستقبل مسألة كبيرة قررها أهل العلم، ومنعوا ما كان في الماضي أجازوا ما كان في المستقبل بدليل خلود أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
(الحمد لله الذي أرسل رسوله) لماذا لم يقل الشيخ رحمة الله عليه: أرسل نبيه، لأنه في ذكر النوم قال: ونبيك الذي أرسلت، ولما جاء الصحابي البراء يعرض على النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ورسولك الذي أرسلت، قال: لا، ونبيك الذي أرسلت، فلماذا لم يقل الشيخ رحمه الله تعالى: أرسل رسوله موافقة؟
طالب: ....
لا، للآية ما فيه موافقة للحديث فيه موافقة للآية: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى...}، إلى آخره يعني هذا منزوع من آية اقتباس من آية، ولا معارضة بين هذا وبين الحديث، الحديث ذكر في موضعه متعبد بلفظه لا يتصرف فيه الذي أرسل رسوله، والرسول المراد به محمد -عليه الصلاة والسلام-، والرسول يعرفه الجمهور بأنه إنسان ذَكر أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، فإن أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ فنبي، فكل رسول نبي والعكس هذا ما ارتضاه وقاله وقرره الأكثر، شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يقول: الرسول الذي يأتي بشرع جديد؛ لأنهم يستبعدون أن يوحى إلى شخص بشيء يخصه ولا ينتفع به غيره؛ فالرسول عند شيخ الإسلام وما قرره: الذي يأتي بشرع جديد، والنبي الذي يأتي مكملًا ومتممًّا لشرع قبله، لكن من أول الرسل نوح، آدم نبي أو ليس بنبي؟ نبي جاء بشرع جديد أو مكمل؟
طالب: ........
بشرع جديد جاء ما قبله أنبياء أبدًا ما قبله رسل ليأتي مكمل هذا وارد على كلام شيخ الإسلام أو ما هو وارد؟ وارد على كلام شيخ الإسلام، أيضًا عيسى -عليه السلام- جاء مكملاً لشريعة موسى رسول أو نبي عيسى؟ رسول فمثل هذا يرد على كلام شيخ الإسلام.
على كل حال المسألة يعني تحتاج إلى ما يزعج بعض الإخوان يعني بسطها فتحتاج إلى وقت والاستدلال لها، نكتفي بمثل هذا، كلام شيخ الإسلام علم من أعلام الهدى وكلام الجمهور تحفظونه وتبنون عليه ما سيأتي بعد إن شاء الله تعالى (أرسل رسوله بالهدى) قالوا: المراد بالهدى هنا العلم النافع ودين الحق، قالوا: المراد به العمل الصالح وما يطلب لتحقيق العبودية لله -جل وعلا- الذي هو الهدف من خلق الجن والإنس، لا يخرج عن علم نافع وعمل صالح (ليظهره على الدين كله) ليظهره: الظهور والإظهار هو العلو، ومنه ظهر الدابة وهو في أعلاها، وظهر الأرض وهو فوقها، يعني ليعلي شأنه على الدين كله، على سائر الأديان التي على وجه الأرض، يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (ليظهره على الدين كله) كل هذه تأكيد والدين ما المراد به؟ شيء واحد أو أديان لفظه مفرد، لكن هل يؤكد المفرد؟ هل تقول: جاء زيد كله؟ لا يؤكد المفرد إلا ما له أجزاء وأبعاض، يمكن يأتي شيء ويتخلف شيء، وهنا (ال) جنسية، فالدين المراد به جميع الأديان فالله -جل وعلا- أرسل محمدًا -عليه الصلاة والسلام- ليظهره ويظهر ما جاء به على جميع الأديان؛ ولذا أكد بقوله كله: (وكفى بالله شهيدًا) تكفي شهادة الله -جل وعلا- لنبيه شهادته على صدقه، الشهادة القولية والفعلية بالتأييد والنصر والتمكين والمعجزات الظاهرة والباهرة، وشهيدا تمييز محول عن الفاعلية أو المفعولية، الفاعلية الأصل كفى شهادة الله -جل وعلا- له (وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا) أشهد أي: أقر وأعترف وأعتقد جازمًا أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله معبود بحق، وإلا فالآلهة التي تعبد من دون الله موجودة، ونطق بوجودها القرآن: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}[الأنبياء:98]، فالمقدر معبود بحق وبهذا تخرج جميع المعبودات، إلا الله -جل وعلا- وحده، هذا توكيد للإثبات، وتعرب وحده حال وحد مضاف والهاء مضاف إليه، والحال يجوز أن يأتي معرفة، نعم..،
الحال إن عرف لفظا فاعتقد |
|
تنكيره معنى كوحدك اجتهد |
وهنا نقول: أشهد أن لا إله إلا الله منفردًا بالألوهية لا شريك له نفي للشريك، وهذا هو عين التوحيد، وهذه تأكيد للنفي وحده تأكيد للإثبات، ونفي الشريك تأكيد للنفي المصدر به الكلمة، كلمة التوحيد لا إله يعني لا شريك له، وهذا هو الاعتراف بالتوحيد وهو الإقرار به؛ ولذا جاء في حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-: «وأهل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتوحيد لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك»، لينقض ما كان عليه أهل الجاهلية الذين يلبون بالشرك فيقولون: إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك، فهذا هو مقتضى التوحيد، لا شريك له أشهد، لماذا اختير هذا اللفظ؟ ما قيل: أقر، أعترف، أجزم؛ لأن أشهد مأخوذ من الشهود والشهادة منه أيضًا والشهود من المشاهدة، فكأن هذا الاعتقاد كالعيان، كالمشاهد عيانًا وهكذا ما يتلقى بالأخبار الصحيحة القطعية ينزل منزلة المشاهد المرئي عيانًا؛ ولذا يأتي مثل قول الله -جل وعلا-: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيل}[الفيل:1] هو ما رأى، لكن لما بلغه هذا الخبر بطريق لا امتراء فيه ولا شك عُبر عنه بما يعبر عن المرئي، فكان كالمشاهد في القطعية، وهنا الشهادة كالمشاهد في القطعية الذي لا يساورها أدنى تردد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا أشهد إقرارًا هذا توكيد معنوي لأشهد، وإن شئت فقل: مفعول مطلق إقرارًا به وتوحيد،ا إفرادًا له بجميع أنواع التوحيد التي هي توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وعلى كل حال توحيد الربوبية ما أنكره ولا جحده إلا النادر، مع أنه يقر به في قرارة نفسه، هذا توحيد الربوبية توحيد الإلهية خالف فيه أكثر، فصرفوا بعض حقوق الله -جل وعلا- لغيره ممن يقر بتوحيد الربوبية، ثم بعد ذلك توحيد الأسماء والصفات انتشر انتشارًا حتى فيمن يصلي صلاتنا ويذبح ذبيحتنا فيمن ينتسب إلى ديننا، وهذا الأخير هو موضوع هذه الرسالة التي نشرحها.
وأشهد مثلما تقدم أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه كما في كثير من النسخ، أكثر النسخ فيها وأصحابه وسلم تسليمًا مزيدا، وأشهد أن محمدًا عبده مقتضى هذه الشهادة أن يطاع فيما أمر، طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما عنه نهى وزجر، هذا مقتضى هذه الشهادة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وقرن بين العبودية والرسالة لماذا؟ لأن الله -جل وعلا- وصفه في أشرف المواقف بأنه عبده، والرسالة وظيفته -عليه الصلاة والسلام- وقرن بينهما فقال: عبده؛ للرد على الغلاة ليبين أنه عبد، مربوب لله -جل وعلا- لا يجوز أن يصرف له شيء من خصائص الرب -جل وعلا- وهو رسول أيضًا للرد على أهل الجفاء، ففي الجمع بين الوصفين العبودية والرسالة جمع بين أهل الإفراط والتفريط وتوسط في الأمور، وهذا هو الذي وفق الله له أهل السنة والجماعة فلم يغلوا في النبي وامتثلوا قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا تطروني كما أطرت النصارى...» «إياكم والغلو...» وأيضًا الرسالة ردٌ على أهل الجفاء.
عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا مزيدًا -صلى الله عليه وسلم- جاء الأمر بذلك في قوله -جل وعلا-: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا}[الأحزاب:56]، هذا الأمر يتم امتثاله بقولنا: صلى الله عليه وسلم، وإذا جمع المؤلف بين الصلاة والسلام امتثالاً للأمر ولا يتم الامتثال إلا بالجمع بينهما، فمن أفرد الصلاة فقال: صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، كما قال الإمام مسلم أو غيره من أهل العلم وترك السلام ولعله ذهول ونسيان لم يتم امتثاله للأمر؛ لأن الأمر بهما معًا صلوا عليه وسلموا تسليمًا، فلا يتم الامتثال إلا بهما، ومثل هذا يقال فيمن أفرد السلام، فإذا ذكر قال: عليه السلام، ولا يصلي عليه والنووي في شرح مسلم استدرك على مسلم، وأطلق الكراهة في إفراد الصلاة عن السلام والعكس، أطلق الكراهة، مع أن الحافظ ابن حجر خص الكراهة بمن كان ديدنه ذلك، بمعنى أنه يصلي دائما ولا يسلم، أو يسلم دائمًا ولا يصلي، من كان ديدنه ذلك لا شك أن الكراهة متجهة؛ لأنه لم يتم امتثاله.
وصلاة الله على نبيه ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء: {إن الله وملائكته يصلون} [الأحزاب:56]، علقه الإمام البخاري بصيغة الجزم عن أبي العالية، وفي الترمذي رُوي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا: صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار، لكن مقتضى عطف الرحمة على الصلاة المغايرة: {أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}[البقرة:157] فعطف الرحمة على الصلاة تقتضي المغايرة، فالراجح في صلاة الله -جل وعلا- ثناؤه عليه عند الملائكة: {أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ }[البقرة:157]؛ ولذا تقول: محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا تقول: رحمه الله، وتقول: أبو بكر رحمه الله، ولا تقول: صلى الله عليه وسلم، فالنبي خص بهذا اللفظ امتثالاً للأمر، كما أنه لا يقال: محمد عز وجل، وإن كان عزيزًا جليلاً، لكن هذا درج عليه أهل العلم من سلف الأمة إلى يومنا هذا، فخصوا التنزيه بالله -جل وعلا-، وكذلك لفظ عز وجل لم يطلق على غيره، والصلاة والسلام على النبي وعلى سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والترضي عن الصحابة، والترحم على من بعدهم، صلى الله عليه وعلى آله، آله هم أتباعه على دينه، هم أتباعه على دينه، وقيل هم أزواجه وذريته، وقد جاء ما يدل على ذلك، وقيل: هم من تحرم عليهم الزكاة بنو هاشم وبنو المطلب، آله أتباعه على دينه، يستدل به على أن الآل يطلق على الأتباع ما جاء في قوله -جل وعلا- {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب}[غافر:46] آله يعني أتباعه ولو لم يكونوا من أهله، والآل أصلها أهل؛ ولذا تصغر على أُهَيْل، ويرى بعض اللغويين أن أصلها أَوْل، ويصغرونه على أُوَيْل، وليراجع لهذا تهذيب اللغة للأزهري وصحاح الجوهري، وكتاب في هذا الباب من أنفس من كتب اسمه (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام) لابن القيم، وهناك أيضًا كتاب دونه (الصِّلات والبُشَر في الصَّلاة على خير البَشَر) هذا للفيروزأبادي، دون كتاب ابن القيم بمراحل ودونهما كتاب (القول البديع في الصلاة والسلام على الحبيب الشفيع) وفيه ما فيه من شيء من الغلو للسخاوي.
(وعلى آله وأصحابه) وأصحابه الصحب، والأصحاب جمع صاحب، كركب جمع راكب والصاحب من لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمنًا به ومات على ذلك، ولو تخلل ذلك ردة؛ لأن الردة ما لم يمت عليها لا تحبط العمل {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ}[البقرة:217] فإذا مات وهو كافر حبط عمله، وإن رجع قبل موته لا يحبط عمله ومن ذلك الصحابي، والمسألة خلافية؛ لأنها جاءت الآية مطلقة وجاءت مقيدة {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر:65]، وجاء تقييدها بالموت على الردة ومقتضى صنيعهم في حمل المطلق على المقيد لا شك أنه يرجح قول من قال: إنه لا بد من الموت على الكفر، وهو قول جمع غفير من أهل العلم، لكن مثل هذا حمل المطلق على المقيد في مثل هذه الحال، نظير ما جاء في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها» وجاء «فيعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس، ويعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس» لكن سلف هذه الأمة ما حملوا المطلق على المقيد؛ لأنه أقوى في التأثير وإلا فمقتضى القواعد الشرعية أن يحمل المطلق على المقيد للاتحاد في الحكم والسبب، لكنهم ما حملوا؛ لأنه أقوى في التأثير وأبلغ في الزجر؛ فإذا قيل للمرتد: خلاص حبط عملك إلا إذا لاحظنا مسألة الترغيب في رجوعه إلى حظيرة التدين، ونقول له: أنت أشركت حبط عملك إن مت على ذلك، وإن رجعت فالله -جل وعلا- يتوب عليك والتوبة تجب ما قبلها وعملك محفوظ، لأنك ما مت على الكفر إن لوحظ هذا فلا بأس. (صلى الله عليه وآله وأصحابه) والجمع بين الآل والصحب على ما سيأتي في نهاية هذه الرسالة أن مذهب أهل السنة تولي الآل والأصحاب خلافًا لمن يتولى الآل دون الأصحاب والعكس، فالرافضة يتولون الآل ويكفرون الأصحاب بجملتهم إلا القليل النادر عندهم، والنواصب على الضد من ذلك وأهل السنة موفقون للتوسط بين المذهبين، وسيأتي بسط هذا إن شاء الله تعالى حتى صار الاقتصار على الآل شعارًا لبعض الطوائف، والاقتصار على الصحب شعارًا لآخرين، فالأولى الجمع بينهما.
(وسلم تسليما مزيدًا) فيه مسألة أشرنا إليها بالأمس ويمكن من الحضور هنا ما لم يحضر بالأمس قلنا: إن من أهل العلم مثل الصنعاني والشوكاني وصديق، استشكلوا كون العلماء لا يذكرون الآل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يعني لو استعرضت كتب السنة وكتب أهل العلم قاطبة إلا ما ندر ما تجد فيهم من يقول: صلى الله عليه وآله وسلم؛ إنما يقولون -صلى الله عليه وسلم- امتثالا للآمر بالآية وإن أضافوا الآل أضافوا الصحب؛ لأن للآل حق علينا بلا شك وهم وصية النبي -صلى الله عليه وسلم-، وللصحب حق علينا باعتبار أنهم هم الذين بواسطتهم بلغنا هذا الدين، فلكل منهما حق فنجمع بينهما، قالوا: لا الصنعاني والشوكاني وصديق قالوا لا، أهل العلم حينما حذفوا الآل خوفًا من الأمراء والولاة، كل أهل العلم تواطئوا على هذا؛ خشية من سطوة الخلفاء، كيف ما يصلون على الآل؟ وإلا فالأصل «عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» هذا أمر، فكيف لا يصلون على الآل، وهم مأمورون بها؟
المقصود أنهم قالوا: إن أهل العلم واطئوا الخلفاء وحذفوا الصلاة على الآل، نقول: هذا اتهام لأهل العلم والخلفاء الذين دُوِّنَت الكتب والمصنفات في عهدهم من الآل وهم من بني العباس، فكيف يقال يمالئ الخلفاء على حذف هذا الواجب وهم من الآل، الأمر الثاني أن امتثال الأمر في الآية يتم بقولنا: صلى الله عليه وسلم، وكونه -عليه الصلاة والسلام- أمرنا أن نصلي على الآل وأصل السؤال عن الآية، وكأنه بيان للآية قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد»، هذا تفسير للعام ببعض أفراده، وهذا لا يقتضي التخصيص؛ إنما يقال بمثل هذا للاهتمام به، لا يقتضي التخصيص؛ لأن تفسير العام ببعض أفراده معروف عند أهل العلم أنه يقتضي التخصيص، مثل تفسير القوة بالرمي {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}[الأنفال:60]«ألا إن القوة الرمي» يعني ما نعد من القوة إلى الرمي؟ ما فيه قوة أخرى يعني ممنوعين من هذا؟ هذا تفسير للعام ببعض أفراده وهذا لا يقتضي التخصيص، وعلى هذا نخصص هذا اللفظ في موضعه في الصلاة، ولا يجوز أن نزيد الصحب في الصلاة أبدًا؛ لأن هذا لفظ متعبد به ومأمور به، وأما امتثال الآية فيتم بقولنا: صلى الله عليه وسلم، وإذا أردنا أن نضيف الآل -لأن لهم حقًا علينا- أضفنا الصحب؛ لأن لهم من الحق ما هو أعظم من ذلك، يعني لولا الصحب كيف يصل إلينا الدين؟ يمكن أن يصلنا دين والصحابة كلهم مرتدون، لو افترضنا أن أبا هريرة فقط مرتد يمكن يصل لنا الدين بهذا الكمال؟ ما يمكن، أكثر الدين وصل عن أبي هريرة، لا يمكن أن يصل إلينا الدين بغير الصحابة، وأشرنا إلى مسألة أمس يمكن أن تثار وهي أن من أهل العلم من يقبل المراسيل.
واحتج مالك كذا النعمان . |
|
به وتابعوهما ودانوا |
سعيد بن المسيب قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقبول عند مالك وأبي حنيفة، إذًا ما لنا داعي بالصحابة، هل يتصور أن سعيد بن جبير سمع الخبر من النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ وهو تابعي لا يتصور، إذًا لا بد من وجود صحابي واسطة، إذًا كيف بلغ سعيد بن المسيب؟ إنما هو عن طريق صحابي، وأكثر المراسيل لسعيد إنما هي من طريق صهره أبي هريرة، المقصود أن مثل هذا الكلام لا يمكن أن يرد.
طالب: .......
أقول: لا يمكن أن يصل لنا شيء من الدين إلا عن طريق الصحابة رضوان الله عليهم، فلهم علينا من الحق ما ندرجهم بالصلاة تبعًا له -عليه الصلاة والسلام-، وأما إفراد أحد من الآل أو من الصحابة أو من غيرهم بالصلاة، فجمهور أهل العلم لا يرون ذلك، وعرفهم العلمي جرى على أن الصلاة خاصة بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وللصحابة الترضي و-عليه الصلاة والسلام- صلى على بعض أصحابه: «اللهم صل على آل أبي أوفى» {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}[التوبة:103] فامتثل هذا الأمر فقال: «اللهم صل على آل أبي أوفى»، لكن الجمهور على أن الصلاة خاصة بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، (صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مزيدا) سلم تسليمًا هذا المصدر واسم المصدر سلامًا مثل تكلم تكلمًا وكلامًا ومزيدًا يعني قدرا زائدًا على ما نقوله وما يقوله من تبعه، والمزيد والزيادة والقدر الزائد كلها بمعنى، ويوم الجمعة يوم المزيد؛ لأن الله -جل وعلا- يزيد فيه من نعيم أهل الجنة ما يزيد والزيادة هي النظر إلى وجه الله -جل وعلا- على ما سيأتي.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"