شرح العقيدة الواسطية (16)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،سم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وقوله: {شَدِيدُ الْمِحَال}[الرعد:13] وقوله:{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين}[آل عمران:54] وقوله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُون}[النمل:50] وقوله:{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا}[الطارق:15-16] وقوله:{إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}[النساء:149] وقوله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}[النور:22]  وقوله: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون:8] وقوله: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين}[ص:82] وقوله:{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَام}[الرحمن:78] وقوله: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}[مريم:65] وقوله:{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد}[الإخلاص:4] وقوله: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُون}[البقرة:22] وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ}[البقرة:165] وقوله:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}[الإسراء:111].

يكفي يكفي بركة..

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما ذكره من آيات الأسماء والصفات: وقول الله -جلَّ وعلا-: {شَدِيدُ الْمِحَال}[الرعد:13] أي أخذ المخالف بقوة، شديد الحول كما يقول ابن عباس، أو شديد القوة والأخذ والبطش والتحول من حال إلى حال بالنسبة لمن خالف، فأخذه شديد وعذابه أليم ورحمته وسعت كل شيء، فالله -جلَّ وعلا- حينما يذكر مثل هذه الآية لتخويف المخالفين، لتخويف المفرطين، لتخويف المعاندين، كما أنه إذا ذكر رحمته ومغفرته وسعة رحمته وأنها وسعت كل شيء، يسلي عباده خوفًا من أن يأخذهم اليأس والقنوط، وهكذا نجد كتاب الله -جلَّ وعلا- وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- مشتملة على النوعين: الترغيب والترهيب، الوعد والوعيد؛ ليكون المسلم في حياته دائرا بين الأمرين، بين الخوف والرجاء، فإذا تصور المسلم أن الله -جلَّ وعلا- شديد المحال شديد الحول شديد القوة شديد البطش،{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيد}[البروج:12]، يحول الحال من حال إلى حال، من حال إلى ضدها، تجد الغني الذي رآى نفسه أنه استغنى {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى}[العلق:6] متى؟ إذا اغتنى، لا قد يكون غنيًا ولكن لا يطغى، {أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}[العلق:7] فالإنسان إذا رأى نفسه أنه استغنى فقد طغى، وكذلك إذا عرف نفسه وأنه أصبح عالمًا يشار إليه حينئذٍ يستحق إلى قارعة ترده إلى صوابه ورشده، وهكذا في جميع المواقف التي يرى فيها المرء نفسه، وأنه بإمكانه أن يستغني عن الله -جلَّ وعلا- فيصل إلى حد الطغيان، يحتاج إلى هذا التحويل؛ فالغني يفتقر، والعالم يقف في موقف يعرفه نفسه، فالعالم الذي يتكبر على الناس بعلمه هذا إذا سلمنا بأن ما يحمله مثل هذا علم، وإلا فهو في الحقيقة ليس بعلم؛ لأن العلم ما نفع، والعلم الذي لا يدل على العمل ولا على التواضع ولا معرفة الإنسان نفسه هذا ليس بعلم؛ لأنه وبال على صاحبه فلا بد أن يقف موقف يذل فيه، والشواهد ما تحتاج إلى ذكر، والعالم كلما تواضع وخضع لربه وأدرك حقيقة نفسه، وأنه مازال بحاجة ماسة إلى التزود من العلم والعمل، هنا يسدد ويوفق، فليحذر الإنسان من التحويل، من تحويل حاله من صحته إلى مرض، من علمه إلى جهل، يسلب العلم؛ فلذا كان بعض السلف يقول: عوقب بنسيان القرآن من أجل نظرة، ماذا نستحق من العقوبات؟ نسأل الله -جلَّ وعلا- أن يعفو عنا ويسامحنا، من أجل نظرة عوقب بنسيان القرآن، فالله -جلَّ وعلا- شديد المحال، شديد التحويل للمخالفين من حال إلى ضدها، شديد البطش، شديد القوة، فليحذر العاقل الناصح لنفسه لا سيما من ينتسب إلى العلم وإلى طلبه من مثل هذا التهديد، وهذا أردفه الشيخ -رحمه الله تعالى- هذه الآية بقول الله -جلَّ وعلا-{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ}[آل عمران:54] يعني التحويل الذي حصل مكر من الله -جلَّ وعلا- بالعبد يرزقه ويغدق عليه النعم، ثم يرى نفسه أنه استغنى عن ربه وعن غيره، فيطغى، ثم يُزاد من باب الاستدراج، فيزيد في عتوه وطغيانه، يوجد ممن أعطاه الله الأموال من هذه حاله والله -جلَّ وعلا- يزيده، وإذا كان الإنسان يتقلب في نعم الله ويُزاد منها، ولا يستعملها فيما يرضي الله -جلَّ وعلا- يجزم أنه يمكر به ويستدرج؛ ولذا أردف الآيات السابقة بقوله:{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين}[آل عمران:54]، مكروا خدعوا غيرهم، فمكر الله بهم مكروا وخدعوا عباد الله، وخادعوا الله -جلَّ وعلا- فأظهروا للناس خلاف ما يبطنون {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم}[البقرة:9] ما يخدعون في الحقيقة إلا أنفسهم، فالله -جلَّ وعلا- هو الذي يعلم السر وأخفى وما هو أخفى من السر يخفى عليهما في قلوبهم، {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور}[غافر:19]، فالمكر والخداع إذا مشى على الخلق فإنه لا يمشي على الخالق، وهذا الذي يمكر ويمكر بالمخلوقين ويُظهر أو تسول له نفسه أن مكره وخديعته تمشي على الناس، الله -جلَّ وعلا- يمكر به والجزاء من جنس العمل.

{وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين}[آل عمران:54] المكر في الأصل والخداع مدح أو ذم؟ يعني منه ما يمدح ومنه ما يذم، إذا كانت الخديعة والمكر يُتوصل بها إلى ما حرم الله -جلَّ وعلا- هذا مذموم، وإذا كان يتوصل بها إلى استيفاء الحقوق والوصول إلى ما أوجب الله -جلَّ وعلا-، كالحيلة، فإنها ممدوحة، ونظرًا لكون المكر فيه ما يمدح، وفيه ما يذم، فيه خير وفيه شر، ما قال الله -جلَّ وعلا- والله أمكر الماكرين قال خير؛ لينتفي جانب النقص في هذه الصفة، الله -جلَّ وعلا- خير الماكرين، ولم يقل: أمكر الماكرين، وقول الله -جلَّ وعلا-: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُون}[النمل:50]، مكروا مكرًا ومكرنا مكرًا وهم لا يشعرون، هذا في قصة التسعة، قوم صالح {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُون}[النمل:48] ما هو هذا في حقهم؟ هذا في حق التسعة من قوم صالح الذين أرادوا أن يوقعوا به مكروا مكرًا ومكرنا مكرًا، فنجاه الله -جلَّ وعلا- من مكرهم، والله -جلَّ وعلا- على ما تقدم خير الماكرين، وكل شيء بيده -جلَّ وعلا- وأزمة الأمور كلها بيد الله -جلَّ وعلا-، وقوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ}[الطارق:15] فيما تقدم إثبات صفة المكر لله -جلَّ وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، لكن هل يشتق منها اسم ماكر؟ لا{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا}[الطارق:15-16] الكيد هو إيش؟ ما معنى كيد؟

طالب: .............

لكن بخفية أو علانية؟ بخفية، إيصال الضرر إلى الغير بخفية، {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ..}[الطارق:15-16] ، مهلهم يعني: أمهلهم وأنظرهم، هؤلاء الذين يكيدون للدين وأهله الذين يكيدون لأهل الخير، لأهل الفضل، لأهل الصلاح، لأهل العلم، لأهل العمل، لأهل العبادة، لأهل الدعوة، لأهل الأمر والنهي، هؤلاء لا يخافون إذا تلوا مثل هذه الآية؟ أو الاحتمال أنهم لا يقرؤون القرآن؟ يسمعون، لو قدر أنهم ما يقرؤون هم يسمعون، يعني تصور أن واحدًا نشأ في بيئة مسلمة بين مسلمين، ما سمع هذه الآية، {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا}[الطارق:15-16] ، وكونهم يمهلون لا يعني أنهم يهملون، وكونهم ينجحون في بعض مخططاتهم لا يعني أنهم ناجحون؛ إنما هذا من باب الإمهال؛ لتتكامل أوزارهم، ألا يخشى الذي يكيد لأهل الخير لا سيما من يتولى الحسبة وإسقاط الواجب عن الأمة في هذا الباب العظيم من أبواب الجهاد، كثير من الناس حتى علنا الآن يكاد لهم، وبعض الفسقة يتصرف تصرفات يريد أن يوقع بهم، تجده يتصرف تصرفات استفزازية من أجل أن يتبعوه ويسألونه عمن معه من النساء وهي في الحقيقة أمه أو أخته أو زوجته، لكن يتصرف بعض التصرفات التي تجعلوهم يجرون وراءه بسياراتهم ثم يوقعهم، هذا يكيد لهؤلاء لهذه الفئة التي يدفع الله -جلَّ وعلا- بسببها عن الأمة شرًّا عظيمًا مستطيرًا، وإلا لو تواطأ الناس على ترك الأمر والنهي الذي هو خصيصة هذه الأمة أوشك الله -جلَّ وعلا- أن يعمهم بعقاب «أنهلِك وفينا الصالحون، قال: نعم، إذا كثر الخبث» ولا يكثر الخبث إلا إذا تواطأ الناس على ترك الأمر والنهي، فهؤلاء الذين يكيدون لهذه الفئة ولغيرها، لكن يلاحظ في الأيام الأخيرة أن الكيد لهم أكثر من غيرهم، ألا يخشى أن الله -جلَّ وعلا- يكيد به كيدًا يحيط به ويمحقه في الدنيا قبل الآخرة، وفي هذا إثبات صفة الكيد لله -جلَّ وعلا- كما يليق بجلاله وعظمته، والمخلوق يكيد والخالق يكيد، وليس الكيد كالكيد كما أن المكر ليس كالمكر، ما الفروق الدقيقة بين الكيد والمكر والخديعة؟ هل هناك فرق بين الكيد والمكر والخديعة؟ ما الفرق بينها؟

طالب: ..............

لا بد أن يوجد فروق، كلها فيها خفاء يعني تأتي لتخادع أو يأتي زيد ليخادع عمرو علانية، اللهم إلا إذا بلغ من التغفيل مبلغ أن يكون وجوده مثل غيبته؛ لأن بعض الناس من غفلته أبدًا يمكن يُخدع وهو ينظر بأسلوب مكشوف، يُخدع، فمثل هذا على خلاف الأصل، وإلا فالأصل أن الخديعة لما تكون بأمر خفي. هل هناك فروق واضحة بين الثلاثة المخادعة والمكر والكيد؟

طالب: ..............

المكر مصاحب للفعل وغيره يعني أمر نفسي في النفس فقط ما يمكن.

طالب: ..............

الكيد أعم من وجه، من جهة يكيد في خفاء لا يظهر، والمخادعة؟ في سنن أبي داود: «الحرب خَدْعَة» قال والفتح لغة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

طالب: ...................

أكثر قبائل العرب على أنه خُدعة يعني قد تكون المخادعة لا تكون مخادعة إلا إذا ظهرت نتيجته، وإيش معنى خدع ولا أفلح؟ ما خدع، لكن قد يكيد ولا تظهر النتيجة ولا يستفيد من كيده، على كل حال تراجع هذه لعل بعض الإخوان يُراجع.

وقول الله -جلَّ وعلا-: {إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}[النساء:149] {إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ} لا يخفى على الله شيء من الفعل سواء كان خيرًا أو شرًا، لكن التنصيص على الخير هنا للإغراء به والحث عليه، يعني إفراده إن تبدوا خيرًا حث على الخير، وأنه لا يلزم أن يكون علانية يراه الناس، بل إن الله -جلَّ وعلا- يعلمه سواء كان خفيًا أو ظاهرًا باديًا للناس {إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ}،{إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ}[البقرة:271] على كل حال كلما كان العمل أخفى كان أقرب إلى الإخلاص فهو أفضل، كلما كان العمل أخفى فهو أقرب إلى الإخلاص فيكون حينئذٍ أفضل قد يعتري المفضول وهو الإعلان بالعمل ما يجعله أفضل؛ وذلك إذا كان ممن يقتدى به، إذا حدث أو حصل ممن يقتدى به فإنه يكون حينئذٍ الإعلان به أفضل؛ ليكون له الأجر أجر عمله وأجر من عمل به واقتدى بعمله، كما جاء في الصدقة لما حث النبي -عليه الصلاة والسلام- على الصدقة فبادر شخص فتصدق بمبلغ وفير، فقلده الناس واقتدوا به، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»، فحينئذٍ يكون الإعلان أفضل شريطة ألا يؤثر الإعلان على إخلاصه.

{إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}[النساء:149] أو تعفوا فإن الله كان عفوًا، يعني يعفو عنكم، والجزاء من جنس العمل، والرجل الذي يداين الناس ويرفق بهم ويسامحهم جُوزي بمثل ذلك، تجاوز عنهم تجاوز الله عنه هذا يعفو عن سوء {فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}[النساء:149] يعني يعفو عن سيئاته ويتجاوز عنها، والعفو عن السوء متى يسمى عفو؟ مع المقدرة؛ ولذا اقترن الاسمان فإن الله كان عفوًا قديرًا، إذا عفا الإنسان عن ظالمه سواء كان في ماله أو بدنه أو ولده إذا عفا عنه جوزي بالعفو من الله -جلَّ وعلا- لا سيما إذا كان قادرًا على إيقاع العقوبة، وأما إذا كان عاجزًا عن استيفاء حقه فله أجر المصيبة إذا صبر، لكن ليس له أجر العفو، إذا كان عاجزًا، أما إذا كان قادرًا أن يقتص ممن ظلمه ويأخذ مظلمته منه فإن الله -جلَّ وعلا- يجازيه بالعفو، هذا إذا كان قادرًا؛ ولذا جاء الاسمان الكريمان {فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}[النساء:149]، العفو عن السوء يختلف حكمه باختلاف المعفو عنه، فإن كان المعفو عنه بسبب هذا العفو تتغير حاله وتتبدل وينقلب بعد أن كان مفسدًا ليكون مصلحًا، فمثل هذا العفو من أفضل القربات، لا سيما إذا كان شخصًا مستحقًّا للقصاص والقود، ثم تبين من حاله أنه تاب وأناب، وأن الله -جلَّ وعلا- ينفع به، مثل هذا إذا عُفي عنه من أفضل القربات، إن كان حاله بعد العفو يزداد سوءًا ويجرئه العفو على الازدياد من المعاصي والجرائم، والتعدي على الناس، على أموالهم ودمائهم، فمثل هذا لا يُعفى عنه، إذا كان سجالاً قد، وقد، ويظهر من حاله أنه يعود إلى حال أفضل من حاله، لكنه لا يتوب بالكلية، ولا يقلع عما كان يرتكبه، فمثل هذا يُنظر فيه إلى الموازنة بين المصالح والمفاسد المترتبة على بقائه وعلى الاقتصاص منه، والقاعدة العامة {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[البقرة:237] مثل هذا أو نظير هذا من تلبس بجريمة تلبس بمعصية، ووقف عليه إنسان سواء كان ممن كلِّف بالحسبة أو من غيرهم، وكل مسلم مكلف بالحسبة، مثل هذا هل يُعفى عنه ويتجاوز عنه ويُستر عليه؟ أو لا بد من رفعه إلى الإمام وتأديبه وردعه وردع غيره؟

هذا يختلف باختلاف الأشخاص أصحاب السوابق وأرباب الجرائم، مثل هؤلاء لا يعفى عنهم ولا يُستر عليهم؛ لأن هذا يجرئهم على الاستمرار إذا لم يردعوا، وأما صاحب الهفوة والزلة التي حصلت منه لا سيما إذا جاء تائبًا منيبًا مثل هذا يستر عليه، «من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة»، لكن هذا ليس على إطلاقه، وإلا لماذا شرعت الحدود والتعزيرات؟ ولماذا نُصّب الإمام؟ إلا ليأطر الناس على الحق، وإذا قلنا بالستر العام ويستر على جميع المجرمين وجميع المفسدين المجتمع يكون حينئذٍ في خطر، من يكف هؤلاء عن شرهم؟ لا بد أن يؤخذوا ويؤاخذوا بأفعالهم لا سيما من تكرر منه الجرائم والمعاصي ولا يردعه إلا الحد أو التعزير إذا لم يبلغ الحد، فمثل هذا لا بد من أن يعامل بما يليق به، وإلا فما الفرق بين الستر المطلق والإباحية المطلقة؟ ما فيه فرق ولا صار للحدود فائدة؛ لأنه يوجد من يطالب بالستر المطلق ويستدل بمثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: «من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة» لكن لماذا شرعت الحدود؟ إلا لتقام على هؤلاء المفسدين؛ ردعًا لهم وزجرًا لغيرهم، لكن يبقى أنه من حصلت منه هفوة أو زلة أو شيء مثل ما حصل من ماعز أو غيره والنبي -عليه الصلاة والسلام- ينصرف عنه ويلقنه شبه التلقين الصريح بأن ينصرف لا سيما وقد جاء تائبًا منيبًا، نعم، إذا جاء تائبًا منيبًا نادمًا على فعله مثل هذا لو تجُوِّز عنه، لكن إذا بلغ الإمام الحد فلا يجوز له أن يعفو، ولا يجوز لأحد أن يشفع، «أتشفع في حد من حدود الله..»، وهذا كله في مناسبة {أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}[النساء:149] الله -جلَّ وعلا- يعفو عن عباده مع تمام القدرة عليهم وعلى مؤاخذتهم، وفي هذا إثبات اسم العفو لله -جلَّ وعلا- والقدير وإثبات صفتي العفو والقدرة.

 {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}[النور:22]،  {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا}، نزلت في شأن أبي بكر لما حلف ألا ينفق على مسطح بن أثاثة ابن خالته حينما تكلم مع من تكلم في قصة الإفك أقسم أبو بكر ألا ينفق عليه، {ولا يأتلِ} يعني لا يحلف {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ}[النور:22] ووصف الثلاثة، كلها موجودة في مسطح قريب ومسكين ومهاجر، {أَلاَ تُحِبُّونَ} {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} يعفوا يعني يتجاوزوا وليصفحوا أبلغ؛ لأن العفو قد تترك المؤاخذة، قد تترك ما يليق بهذا الشخص من حرمانه من النفقة، قد يعفو عنه ثم بعد ذلك ينفق عليه، لكن لا يصفح عنه، فالصفح أبلغ بحيث لا يتحدث به في المجالس ولا يُحدث به نفسه، يصفح صفحًا تامًا عنه، يضرب عنه صفحًا وهو مأخوذ من صفحة العنق، قفاه، إذا ولى عن الشيء وأدبر عنه، ألا تحبون -هذا عرض- ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟ من الذي يستغني عن مغفرة الله -جلَّ وعلا- ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟ لا أحد يستغني عن هذه المغفرة؛ ولذا قال الصديق -رضي الله تعالى عنه-: بلى، {أَلاَ تُحِبُّونَ} قال: بلى، وعاد إلى الإنفاق على مسطح، بعض الناس نفسه لا تطيق العفو بل لا بد من أن ينتصر لنفسه، وبعض الناس يعفو لكن لا بد أن يبقى في نفسه شيء، بعد العفو وبعض الناس يطيق الأمرين يعفو ويصفح ويعرض، وكأن شيئًا لم يكن، هذه منزلة عالية، {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا}؛ لأن النفوس جبلت على حب الانتقام ممن أساء إليها، كما أنها جبلت على حب من أحسن إليها، جبلت على الانتقام، فإذا طولبت بخلاف ما جبلت عليه شق عليها، إذا طولبت بالعفو الذي هو ضد الانتقام شق عليها، فكيف إذا طولبت بالصفح والإعراض التام عن هذا الشخص وإلى عود الحياة بينهما والعلاقة إلى ما كانت عليه قبل حصول ما حصل، والله المستعان.

{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}[النور:22] من المغفرة وهي الستر، يغفر الذنوب يعني يسترها على مرتكبها، غفور رحيم إضافة إلى ستره، ما وقع منه في الدنيا والآخرة يرحمه بهذه المغفرة وبتعويضه عنها برضوانه، إذا غفر له ورحمه رضي عنه، والله -جلَّ وعلا- لا سيما في حق من تاب بعد أن ارتكب ما ارتكب من المعاصي والمنكرات ثم تاب، هؤلاء يبدل الله سيئاتهم حسنات، {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}[النور:22].

وفي هذا إثبات اسم الغفور والرحيم لله -جلَّ وعلا- وإثبات صفتي المغفرة والرحمة، وقوله: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ}، هذا الكلام تعقيب على قول المنافقين: {لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ}[المنافقون:8]، من الأعز ومن الأذل؟ الذي جاء على لسان المنافق؛ ولذا توعدوهم بالإخراج {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ}، فعلى حد زعمه أنه هو الأعز، والأذل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من المؤمنين، فأثبت الله -جلَّ وعلا- بل حصر العزة، حصرها، { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ}، التقديم والتأخير يفيد الحصر، فحصر العزة بالله -جلَّ وعلا- ولرسوله حصرها له ولرسوله، ولمن آمن به، فالكافر والمنافق ذليل، وإن بلغ ما بلغ في أمور دنياه مما يرى أنه عز في الظاهر، لكنه في الباطن ذل، ذل ليس وراءه ذل؛ لأنك لو تأملته وجدته بعد أن فر من عبادة الخالق الرازق المنعم المتفضل عوقب بعبادة المخلوق، فكل مخلوق عبد، شاء أم أبى، فإن تعبد لله وشغل قلبه بعبادة الله -جلَّ وعلا- وإلا فانصرفت إلى عبادة غيره، فالمرؤوس يعبد حقيقة رئيسه، والرئيس يعبد خادمه معبد مذلل له شاء أم أبى خائفًا راجيًا له، يعبد خادمه وحاجبه يعاقب بهذا يعني ما يعبد النائب نائبه، لا يعبد الحارس أقل موظف عنده الحارس؛ لأن الحارس وإيش بيده؟ بيده أن يدخل عليه عدو يقتله، فهو يخاف منه ويعظمه تعظيمًا يليق به فيكرمه من أجل أن يحرسه من أن يعتدي عليه أحد، فالمخدوم عبد لخادمه كما قرر ذلك ابن القيم وغيره؛ لأن هذه القلوب مهما بلغت من الأبهة والعظمة والملك والسعة في أمور الدنيا لكن تبقى القلوب مرتبطة بالمخلوقين، وهذه هي العبادة، الحسن البصري يقول في شأن العصاة: فإنهم وإن طقطقت بهم البراذين وهملجت بهم البغال فإن ذل المعصية لا يفارقهم، فكيف بالمعصية العظمى التي هي أعظم المعاصي الشرك بالله -جلَّ وعلا-؟

{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون:8]، وقوله عن إبليس، ففي الآية هذه {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ} إثبات العزة لله -جلَّ وعلا- إثبات صفة العزة لله -جلَّ وعلا-، وأيضًا لرسوله وللمؤمنين، لكن للخالق -جلَّ وعلا- ما يخصه منها على ما يليق بجلاله وعظمته، وللمخلوق أيضًا ما يليق به منها بحسب مستواه، فعزة النبي -عليه الصلاة والسلام- أكمل عزة بالنسبة للمخلوقين، وعزة من تبعه كذلك، وإن كان قد يشوبها شيء من الذل؛ لئلا تشابه عزة الخالق، لا بد أن يشوبها شيء من الذل؛ ولذا في بعض المواطن النبي -عليه الصلاة والسلام- في كثير من المواطن انتصر وأعزه الله -جلَّ وعلا-، لكن حصل له شيء لئلا يظن أن عزة النبي -عليه الصلاة والسلام- مشابهة لعزة الله -جلَّ وعلا-، أصابه ما أصابه في أُحد وفي حُنين فيها نوع شيء من الذلة، لكنها تبقى عزة الدين وعزة الإسلام كاملة بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام-، ويبقى عزة الآثار المترتبة على ذلك يشوبها ما يشوبها؛ لئلا يقال: إن عزة المخلوق مثل عزة الخالق، وكذلك عزة المؤمن بقدر ما معه من إيمان وبقدر ما يعتز به من إيمانه ويفتخر بإسلامه؛ حيث يقول -في كل موطن وفي كل مكان لا يستخفي بإيمانه-:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين}[فصلت:33].

بعض الناس يستخفي إذا كان في بعض المجتمعات يستخفي بإسلامه إذا كان في مجتمع كافر، ويخاف على نفسه إذا كان ملتزمًا ومستقيمًا، يستخفي باستقامته والتزامه بين الفساق؛ ولذلك تجده في مخاطبته وفي حديثهم وفيما يطرح يطرح ما يناسبهم، ما يطرح شيئًا يبين أنه ملتزم بدينه مستقيم على أمر ربه، فهذا ليس من عزة المسلم ولا من عزة المؤمن، أقول: بعض الناس يخجل إذا كان في مجلس عام أو خاص أن يظهر هذه العزة التي أعزه الله بها سواء كان مسلمًا بين غير مسلمين أو مستقيمًا بين مجتمع أو جمع من الفساق، تجده يستخفي بما عنده من استقامة ويجاذبهم ويبادلهم من الأحاديث التي تناسبهم ويترك ما لا يناسبهم من الأحاديث، وقد ينزل بمستواه إلى أن يتحدث مثل حديثهم، بل بالطريقة التي يتحدثون بها بعد أن أعزه الله -جلَّ وعلا- بالاستقامة على دينه.

وقول الله -جلَّ وعلا- عن إبليس: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين}[ص:82] {فَبِعِزَّتِكَ} أقسم إبليس بعزة الله -جلَّ وعلا- والله -جلَّ وعلا- له العزة والعز، وهو العزيز بإطلاق، بحيث لا يشوب هذا العز ولا هذه العزة ذل بأي وجه من الوجوه، بخلاف المخلوقين، وإبليس يعرف هذه الصفة لله -جلَّ وعلا-؛ ولذا أقسم بها، أقسم {فَبِعِزَّتِكَ}؛ لأن المقام مقام مغالبة، والغالب يحتاج إلى شيء من العزة، فيريد أن يكون في مقام الغالب لا المغلوب، يؤتى من أسماء الله -جلَّ وعلا- ومن صفاته في كل حال بما يناسبها، ففي حال الذبح مثلاً التسمية بسم الله الرحمن الرحيم ليستشعر الإنسان اسم الله -جلَّ وعلا-، لكن قالوا: إن اسم الرحمن والرحيم لا يناسب في التسمية لماذا؟ تقول: بسم الله فقط، العلماء قالوا: إن اسم الرحمن والرحيم لا يناسب التذكية؛ لأن الرحمة تختلف، لا تناسب المقام الذي هو القتل فلم يقولوا بمشروعية إكمالها، يقولون بسم الله فقط، طيب عند الأكل جاء الأمر «سَمِّ الله»، ماذا تقول؟ تقول: بسم الله فقط أو بسم الله الرحمن الرحيم؟ نعم مناسب، مناسب الرحمن الرحيم الذي رحمك فأوجد لك ما تأكله وما تقوم به حياتك، وهكذا...

إبليس اللعين أقسم بعزة الله -جلَّ وعلا-؛ لأن المسألة مسألة مغالبة في الإغواء، وحاله مع بني آدم حال مغالبة يغلبهم أحيانًا ويغلبونه أحيانًا، يضلهم ويغويهم، فبعض الناس يستجيب وبعضهم لا يستجيب، وبعضهم يستجيب في وقت ولا يستجيب في وقت، فالمسألة فيها شيء من المغالبة؛ ولذا اختار هذه الصفة {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين}[ص:82]، الباء هذه باء القسم، والعزة صفة من صفات الله -جلَّ وعلا- فيجوز القسم باسم من أسماء الله -جلَّ وعلا- أو بصفة من صفاته وهذه منها، قد يقول قائل: هذا قسم على لسان إبليس، هل يحتج به أو لا يحتج بمثل هذا؟ الاستعاذة ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- «أعوذ بكلمات الله التامات..»، نقول: العزة هنا فيها قسم لكنه قسم من إبليس، هل يؤخذ منه جواز القسم بصفة الله -جلَّ وعلا- أو لا من هذه الآية؟ وكل ما هو موجود ولو كان على لسان كافر أو على لسان إبليس؟

طالب: ..............

لكن هذا يحتاج إلى تصديق من المعصوم، صدقه النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن جاء على لسان بعض الكفار في القرآن ما لا يجوز أن ينسبه الإنسان لنفسه، فرعون قال: أنا ربكم الأعلى، يعني هذا لم ينكر عليه لم يرد عليه إنكار، في قول الله -جلَّ وعلا- {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين}[الزخرف:18] يستدل بها جمهور أهل العلم على أن جنس الرجل أفضل من جنس المرأة، هذا كلام صحيح أو غير صحيح؟

طالب: ............

هذا جمهور أهل العلم يستدلون به على تفضيل الجنس على الجنس، وهذا فرد من أفراد أدلة المسألة، لكن منهم من يقول: لأن هذا جاء على لسان من رُزق من بُشِّر بالبنت كلامه مقبول أو غير مقبول؟ غير مقبول، نظائر هذا كثيرة يا إخوان وبسط مثل هذا الموضوع يحتاج إلى وقت طويل؛ لأن مثل هذا لو قلنا في الآية القسم بعزة الله -جلَّ وعلا- قال لنا قائل هذا القسم من إبليس، نقول سِيق مساق الإقرار لا مساق الإنكار كما في قوله -جلَّ وعلا- في تفضيل جنس الذكر على جنس الأنثى: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين}[الزخرف:18]، قد يقول قائل مثلاً: إن بعض النساء أفصح من بعض الرجال في الخصومات، نقول: قد يوجد، لكن فضل الجنس على الجنس في هذه الصفة لا يعني فضل كل فرد على كل فرد من الجنس الآخر.

طالب: إيش الدليل على عدم زيادة الرحمن الرحيم.

لكن لو زيدت ما فيها إشكال.

طالب: .............

لكن لو قلت: بسم الله والحمد لله وله الشكر يعني شيء مطلق، ما يلزم يا أخي ما يلزم؛ لأن الاسم مناسب إذا استحضرت أن الله -جلَّ وعلا- رحمك وأمدك بهذا الطعام الذي به قوامك بخلاف مسألة الذبح؛ ولذلك أهل العلم ينصون على أنه يُختار من أسماء الله الحسنى ما يناسب المقام في كل مقام حتى في الدعاء.

{فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين}[ص:82]، هو محكوم عليه باللعن والطرد والإبعاد عن رحمة الله -جلَّ وعلا-، ويريد أن يكثر سواده سواد من يدخل معه النار، وهكذا شأن كل صاحب مهنة يدعو الناس إليها، يعني صاحب الخير يود الخير للناس كلهم وأن يدخلوا معه الجنة، ودعوته للناس إلى الخير خير له، فهو من هذه الحيثية يحرص على دعوتهم وأن يكثر السواد معه في الجنة ليحصل على مثل أجورهم، وهذا يريد أن يكثر السواد معه في النار، فأقسم أن يغوي الناس أجمعين، وقل مثل هذا في أتباعه، قد يقول قائل: لماذا يتعب فلان من الناس في نشر الشر والدعوة إليه؟ ماذا يرجو من الدعوة إلى الشر؟ يعني إذا كان الداعي إلى الخير يرجو ثواب الله -جلَّ وعلا- وأن له من الأجور مثل أجور من استجاب له وعمل بمثل ما دعا إليه، ماذا يرجو من يدعو الناس إلى الشر؟ يريد تكثير السواد، تكثير السواد يريح البال يريح الخاطر، إذا رأيت الناس يوافقونك على هذا العمل انشرح صدرك له، ولتعظم الأجور بالنسبة إلى الخير وتعظم الأوزار بالنسبة لمن دعا إلى الضلالة، «من دعا إلى ضلالة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة»، وقل مثل ذلك فيمن دعا إلى هدى، ففي هذا إثبات العزة لله -جلَّ وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته والعزة ثابتة للمخلوق، وللمخلوق ما يناسبه منها، وللخالق ما يليق به منها.

وقول الله -جلَّ وعلا-: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَام}[الرحمن:78] {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[الملك:1] يعني: تعاظم وتعالى وتقدس؛ ولذا لا يجوز أن يقال للمخلوق: تبارك، بل هو خاص بالله -جلَّ وعلا-، هذا بالنسبة لهذا اللفظ المضاف إلى الله -جلَّ وعلا- أما ما أسند إلى اسمه تبارك وتعالى، {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ}[الرحمن:78] بمعنى أنه حصلت البركة باسمه أو بسبب اسمه بما ذُكرت معه، يعني إذا ذكرت اسم الله -جلَّ وعلا- على أي شيء حلَّ فيه البركة، فإذا سميت حلت البركة في طعامك، سميت على الطعام حلت البركة في طعامك ولم يشركَّ فيه الشيطان، وإذا سميت في جماعك لم يضر الشيطان ما كتب بينكما، وهكذا..، إذا سميت، إذا دخلت البيت، إذا سميت، إذا خرجت، إذا سميت، إذا اضطجعت، .. إلى آخره؛ ولذا جاء في الحديث: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر» أي ممحوق البركة، والكلام في الحديث كثير لأهل العلم، وأما لفظ الحمد فهو محسّن عند جمع من أهل العلم وما عداه من الألفاظ محكوم بضعفه عند كثير من العلماء وإن حكم بعضهم بأن له أصلاً حتى لفظ الاسم، والله أعلم.

وصلى الله على وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"

يقول: هل يُستدل بقول إبراهيم عليه السلام لأبيه (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر) مريم: ٤٢ على إثبات السمع والبصر لله -سبحانه وتعالى-؟

نعم هذا من الأدلة التي ذكرها أهل العلم أن فيها إثبات السمع والبصر لله -جلَّ وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته؛ لأن إبراهيم -عليه السلام¬¬- هو من أولي العزم من المعصومين ونقله الله -جلَّ وعلا- على لسانه ووصف آلهة أبيه بعدم السمع والبصر، وأن من اتصف بالعدم لا يستحق العبادة، فدل على أن الله -جلَّ وعلا- المستحق للعبادة متصف بهما.

يقول: هل جمع الصفة كقوله: {بأعيننا أيدينا}، هل هذا قد يقال من باب التعظيم، بغض النظر عن (نا) الفاعلين، أو أنه من باب أن أقل الجمع اثنين، أو كلا الجوابين؟

كلا الجوابين، العرب -كما قال الإمام البخاري في صحيحه-: العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، وهذا ذكره الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في تفسير {إنا أنزلناه} قال: العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع.

يقول: كيف نرد على من يقول: إن الله -جلَّ وعلا- بصره ينتهي عند حد معين، ويستشهد بما رواه مسلم في صحيحه في حديث: «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه»؟

لأن الخلق ينتهي، فإذا كان النظر موجه إلى شيء ينتهي لا شك أنه ينتهي بانتهائه، وإلا فالأصل أن الله -جلَّ وعلا- محيط بكل شيء.

يقول: لماذا خالف بعض السلف قاعدة الأسماء والصفات في صفة الجنب تأولوها بأنها حق الله -جلَّ وعلا-؟

على كل حال الصفات التي أجمع عليها سلف الأمة هذه لا يسوغ الخلاف فيها، وما اختلفوا فيه والخلاف الذي له وجه وله دليله وقال به من يعتد بقوله من سلف هذه الأمة وأئمتها الخلاف فيه مندوحة، يكون من باب الراجح والمرجوح.

يقول: ما حقيقة الإرجاء؟

الإرجاء ينقسم إلى قسمين: إرجاء جهم ومن في حكمه، الذين يقولون: إن إيمان الواحد منهم ولو كان أفجر الناس كإيمان جبريل وهذا لا يعمل عمل ألبتة، الذي لا يعمل العمل لا يعمل الواجبات ولا يترك المحرمات فهو في هذه الحالة كإيمان جبريل، هذا -نسأل الله العافية- إلحاد في الدين وهذا إرجاء الجهمية الغلاة، وهذا يلزم منه تعطيل الدين وتعطيل الشرائع، وأن إيمان فرعون كإيمان جبريل؛ لأنه يعرف فيكون الإيمان حينئذٍ المعرفة فقط، وأما إرجاء الفقهاء الذي لا يدخلون الأعمال في مسمى الإيمان مع أنهم يوجبون الواجبات ويؤثمون بتركها ويحرمون المحرمات لكن لا يدخلون في مسمى الإيمان، وأهل السنة المعروف عنهم أنها داخلة في مسمى الإيمان، وشارح الطحاوية يقول: الخلاف لفظي مادام يؤثمون تارك الواجبات وفاعل المحرمات وأهل السنة كذلك، فالخلاف بينهم لفظي، والخلاف في الحقيقة في المعنى، حقيقي، بمعنى أن أهل السنة الذين يشترطون العمل لصحة الإيمان، وشيخ الإسلام يقرر أن جنس العمل شرط لصحة الإيمان، وأن الإيمان أو دعوى الإيمان بمجرد عمل أي عمل من أعمال الخير هذه مجرد دعوى لا حقيقة لها.