شرح العقيدة الواسطية (40)
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-: ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما وصفهم الله به في قوله –تعالى-: { وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ } الحشر: ١٠ وطاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه». ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع؛ من فضائلهم ومراتبهم فيفضلون من أنفق من قبل الفتح -وهو صلح الحديبية- وقاتل على من أنفق من بعده وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر -وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر-: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، وبأنه لا يدخل النار أحدٌ بايع تحت الشجرة كما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل قد -رضي الله عنهم- ورضوا عنه وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة. ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجنة كالعشرة وكثابت بن قيس بن شماس، وغيرهم من الصحابة. ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعن غيره، من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ويثلِّثون بعثمان ويربِّعون بعلي -رضي الله عنهم- كما دلت عليه الآثار، وكما أجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على تقديم عثمان في البيعة، مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي --رضي الله عنهما- بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر- أيهما أفضل، فقدم قوم عثمان وسكتوا، أو ربعوا بعلي، وقدم قوم عليًّا وقوم توقفوا، لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان، وإن كانت هذه المسألة -مسألة عثمان وعلي- ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة، لكن المسألة التي يضلل المخالف فيها هي مسألة الخلافة، وذلك أنهم يؤمنون بأن الخليفة بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء الأئمة، فهو أضل من حمار أهله.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: فصل، ومن أصول أهل السنة والجماعة -يعني الأصول التي بنيت عليها عقيدة أهل السنة والجماعة- ومضى تعريف أهل السنة والجماعة، وأنهم بنوا أصول اعتقادهم على الكتاب والسنة، وما جاء عن سلف هذه الأمة وأئمتها من أصولهم من عقيدتهم سلامة قلوبهم وألسنتهم، فإذا كان جاء وصح وثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، هذا في حق آحاد المسلمين، ولو كان من فسَّاقهم، فكيف بخيار هذه الأمة الذين لهم علينا وعلى جميع المسلمين حق عظيم؟ فبواسطتهم وصلنا الدين، ولولاهم -لولا أن الله -جلَّ وعلا- قيضهم لحمل أمانة تبليغ الدين عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما وصلنا شيء، افترض أن الصحابة غير موجودين، وأنهم ما تمكنوا من تبليغ الدين، ما الذي يصلنا؟ لن يصلنا شيء؛ لأن التابعي -الطبقة التي تلي طبقة الصحابة- هل يمكن أن يسمعوا من النبي -عليه الصلاة والسلام- بغير واسطة الصحابة؟ لا يمكن؛ ولذا سب الصحابة على العموم -يقرر جمع من أهل العلم- أنه كفر، بل قال بعضهم: إن الشك في كفر من سبهم على العموم كفر -نسأل الله السلامة والعافية- سلامة قلوبهم وألسنتهم، «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، إذا كان هذا في عموم المسلمين، فكيف بهؤلاء الأخيار؟ فكيف بمن شهد لهم الكتاب والسنة بالخير والفضل والإيمان والصدق والإخلاص رضي عنهم ورضوا عنه؟ وجاءت النصوص المتظافرة من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ما يشهد لهم على العموم بأنهم خيار الخيار، فإذا كانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس فهم خيار هذه الأمة وأفضلهم بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام- «خير الناس قرني»، بل أفضل الناس بعد الأنبياء «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» فكيف يتطاول على سبهم من يتطاول، بل قد يصل إلى حد مناقضة القرآن، بل قد وصلوا إلى مناقضة القرآن الذي جاء بفضل أبي بكر وبفضل غيره من الصحابة، فضل أهل الشجرة، ومع ذلك يطعنون فيهم بل يكفرونهم، بل أعظم من ذلك مصادمة تبرئة عائشة من فوق سبع سموات، ومع ذلك يقذفونها، ومن فعل ذلك فلا حظ له في الإسلام بغير نزاع.
ومن أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم بحيث يحمل لهم الحب والتقدير والتعظيم دون غلو؛ لأنه يوجد في حقهم من يُفْرِّط، ومن يُفَرِّط، وأهل السنة وسط في ذلك، يوجد من يغلو بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ويصرف له بعض حقوق الرب -جلَّ وعلا-، يوجد من يغلو ببعض الصحابة أو بالصحابة أو بخيار الأمة، يغلو بهم أو ينزلهم فوق منازلهم، كما أنه يوجد من يجفو ويسب ويلعن ويشتم، بل يكفر -نسأل الله السلامة والعافية-، وأهل السنة وسط بين الغالية والجافي، وسط بين الخوارج الذين نصبوا العداء لبعض الصحابة وبين النواصب الذين نصبوا العداء لأهل البيت، وبين الروافض الذين كفروا عموم الصحابة ولم يستثنوا من ذلك إلا النزر اليسير، فأراد المؤلف -رحمة الله عليه- أن يرد على هذه الطوائف، وأن ينزل هؤلاء الخيار منازلهم، وقد أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، فهم بأعظم المنازل سلامة قلوبهم وألسنتهم، فلا يتعرضون لسب باللسان ولا لكراهية أو بغض بالقلب، والحديث «من سلم المسلمون من لسانه ويده»، هل نحتاج أن نقول: يسلم، تسلم أيديهم من الصحابة، يعني بعد وفاتهم؟ لا يمكن أن يقال هذا، اللهم إلا إذا تطاول أحد على مقبور منهم وأساء إليه، مع أن هذا لا يضيره، لكن هي إساءة على كل حال؛ لأن حرمة المسلم ميتًا كحرمته حيًّا، سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحاب جمع صاحب كصحب، الصحب جمع صاحب، وأصحاب جمع أيضًا صاحب، والصاحب والصحابي قد يكون أصحاب جمع صحابي كأنصار جمع أنصاري، وصحب جمع صاحب كركب جمع راكب، والصحابي من لقي النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- أو رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمنًا به ومات على إيمانه به، ولو تخلل ذلك ردة، من لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمنًا به، يخرج بذلك من آمن في عصره ولم يلقه كالمخضرمين، ويخرج بذلك من رآه غير مؤمن به ولو آمن بعد ذلك، كرسول هرقل لا يعد من الصحابة، كما أن من آمن به في عصره ولم يلقه ليس من الصحابة، ومن رآه ولم يؤمن به حتى مات هذا ليس من الصحابة كرسول هرقل، وجاء حديث يرويه رسول هرقل في المسند، ويعد موصولاً وهو من رواية تابعي، رواية تابعي موصولة كيف؟ سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة لكنه لا يحكم بصحبته، والمرسل مرفوع، التابعي مرفوع، التابعي الذي لم يلق النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما من لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- فروايته عنه متصلة ولو لم يكن صحابيًّا، من لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- أو رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمنًا به، يعني رآه حقيقة أو حكمًا، فلا يخرج بذلك من من آمن به ولقيه وهو أعمى كابن أم مكتوم -مثلاً-، إنما الغالب أنهم مبصرون؛ ولذا يطلقون من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- أعم وأشمل، مؤمنًا به ومات على ذلك، يعني ولو كانت المدة يسيرة جدًّا، ولو كانت المدة يسيرة جدًّا تثبت له الصحبة، وإن كان الاستعمال اللغوي والعرفي ألا تستعمل الصحبة إلا في من طالت ملازمته لمن صحب؛ ولذا يذكر عن الزهري أنه قال: الصحابي من صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- سنة أو سنتين، أو غزا معه غزوة أو غزوتين، وعلى كل حال ما ذكرناه هو اختيار الإمام البخاري، الإمام البخاري -رحمه الله- في باب أو في كتاب فضائل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- باب فضائل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن صحب النبي أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه، من صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أو رآه من المسلمين -يعني حال كونه من المسلمين- فهو من أصحابه، يقول الشارح: ومن صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- ورآه من المسلمين من أصحابه يعني أن اسم الصحبة مستحق لمن صحبه -عليه الصلاة والسلام- أقل ما يطلق عليه اسم الصحبة لغة، وإن كان العرف يخص ذلك ببعض الملازمة، ويطلق أيضًا على من رآه رؤية ولو على بعد ولو على بعد، وهذا الذي ذكره البخاري هو الراجح، إلا أنه هل يشترط في الرائي أن يكون بحيث يميز ما رآه، أو يكتفى بمجرد حصول الرؤية؟ محل نظر، وعمل من صنف في الصحابة يدل على الثاني، يدل على الثاني يكتفي بمجرد حصول الرؤية، فإنهم ذكروا مثل محمد بن أبي الصديق يعني في الصحابة، وإنما ولد قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بثلاثة أشهر وأيام، كما ثبت في الصحيح أن أمه أسماء بنت عميس ولدته في حجة الوداع قبل أن يدخلوا مكة، وذلك في أواخر ذي القعدة سنة عشر من الهجرة، ومع ذلك فأحاديث هذا الضرب مراسيل، والخلاف الجاري بين الجمهور وبين أبي إسحاق الإسفرائيني ومن وافقه على رد المراسيل مطلقًا حتى مراسيل الصحابة لا يجري في أحاديث هؤلاء؛ لأن أحاديثهم لا من قبيل مراسيل كبار التابعين ولا من قبيل مراسيل الصحابة الذين سمعوا من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا مما يلغز به فيقال: صحابي حديثه مرسل لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة، ومنهم من بالغ فكان لا يعد في الصحابة إلا من صحب الصحبة العرفية، كما جاء عن عاصم الأحول قال: رأى عبدالله بن سَرْجس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير أنه لم يكن له صحبة، يعني لم يكن له صحبة عرفية تطول وملازمة، أخرجه أحمد، هذا مع كون عاصم قد روى عن عبدالله بن سرجس هذا عدة أحاديث وهي عند مسلم وأصحاب السنن، منهم من اشترط في ذلك أن يكون حين اجتماعه به بالغًا وهو مردود أيضًا؛ لأنه يخرج مثل الحسن بن علي ونحوه من أحداث الصحابة، والذي جزم به البخاري -يعني ما ذكرناه في بداية كلامه- وقول أحمد والجمهور من المحدثين، وقول البخاري من المسلمين قيد يخرج به من صحبه أو من رآه من الكفار، فأما من أسلم بعد موته منهم فإن كان قوله من المسلمين حالاً خرج من هذه صفته وهو المعتمد؛ لأنهم لم يدخلوا رسول هرقل في الصحابة، يعني من المسلمين حال كونه مسلمًا، قال: ويرد على التعريف من صحبه أو رآه مؤمنًا به ثم ارتد بعد ذلك ولم يعد إلى الإسلام فإنه ليس صحابيًا اتفاقًا، فينبغي أن يزاد فيه ومات على ذلك، استطرد الحافظ في كلام طويل ممن ذُكر واختلف فيه في الجن -مثلاً- هل يعتبرون من الصحابة من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم؟ وأيضًا الملائكة هل يعتبرون صحابة الذين رأوا النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم؟ هذه مسائل خلافية ولا داعي لبحثها وإطالة الكلام فيها، على أنهم يتفقون على أن من رآه في المنام قد رآه حقيقة، لكن ليس بصحابي اتفاقًا رَتَن الهندي جاء بعد الستمائة وادعى الصحبة، جاء بعد الستمائة وادعى الصحبة وهو دجال، ومع الأسف أنه صدَّقه جمع من ممن ينتسب إلى القِبْلة من الرعاع الذين يتبعون كل ناعق صدقوه، والا بعد الستمائة مستحيل أن يكون صحابي أن يعيش ستمائة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإنه بعد مائة عام ما من نفس منفوسة يأتي عليها مائة عام بعد ليلتكم هذه» يعني وهي في الأحياء، وآخر الصحابة موتًا أبو الطفيل عامر بن واثِلة توفي سنة عشر ومائة، يعني على تمام مائة سنة من مقالته -عليه الصلاة والسلام- فمن ادعى الصحبة بعد ذلك فهو دجال، والكلام في هذا الباب كثير، لكن المرجح ما اعتمده الإمام البخاري وهو قول أحمد وجماهير المحدثين، واطلاع طالب العلم على ما كتبه الإمام البخاري -رحمه الله- وشرحه ابن حجر في أول الجزء السابع من فتح الباري أمر في غاية الأهمية يحتاج إليه طالب العلم، لا سيما وأننا نعيش في ظرف يُسب فيه الصحابة علنًا ويُشتمون ويلعنون حتى قال قائلهم: إن أنزل الناس منزلة في النار، آخر الناس منزلة في النار عمر ثم أبو بكر ثم إبليس، يعني سمعناه بأصواتهم وقرأناه في كتبهم ومقالاتهم -نسأل الله السلامة والعافية-.
يقول: كما وصفهم الله به في قوله –تعالى-: {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} هذه الآية من سورة الحشر بعد أن ذكر الفيء، ثم ذكر من يستحق هذا الفيء فذكر المهاجرين ثم الأنصار، ثم الذين جاؤوا من بعدهم ممن يتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ممن هذا وصفه أو هذا حاله {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلّاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}، فالذين لا يقولون مثل هذا للمهاجرين والأنصار لا يستحقون من الفيء شيئًا كما قرر ذلك ثلة من أهل العلم وهو مفاد الآيات، الآيات سيقت فيمن يستحق الفيء فذكر المهاجرين ثم ذكر الأنصار، ثم ذكر الذين جاؤوا من بعدهم ممن هذه حالهم وهذا وصفهم، {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}، يعني كم تصور من يحرم من إذا سمع أبا بكر قال: رضي الله عنه، سمع عمر قال: رضي الله عنه، سمع عثمان قال: رضي الله عنه، سمع علي قال: رضي الله عنه، سمع البقية، كل من سمع من الصحابة ترضى عنهم، كم، كم يحرم من لا يترضى عنهم، فضلاً عن كونه يبغضهم أو يسبهم أو يكفرهم إذا كان الملك يقول: ولك بالمثل، إذا دعوت لإنسان من عامة المسلمين، فكيف إذا دعوت لأبي بكر أو عمر أو غيرهما من خيار الأمة، {الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذي سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}.
وطاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «لا تسبوا أصحابي» النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن سبهم، «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده» والمواجه بهذا الكلام صحابي أيضًا، المواجه بهذا الكلام صحابي، يعني حصل جدال ونزاع وخصومة بين خالد بن الوليد وعبدالرحمن بن عوف، لا شك أن عبدالرحمن بن عوف أفضل من خالد بكثير وأقدم في الإسلام، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- واجه خالدًا بقوله: «لا تسبوا أصحابي» وخالد من أصحابه، ولا يعني هذا أن خالدًا ليس من أصحابه، أبدًا، فهو صحابي بالإجماع على جميع الأقوال، صحابي، لكن كونه يواجَه خالد بمثل هذا الكلام، وخالد يعني ما هو بأي إنسان، يعني ممن نصر الله به الإسلام، ومع ذلك يقول له: «لا تسبوا أصحابي» فكيف بمن يتعرض لسبهم مما لا وزن له في الإسلام؟ «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده» أقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو الصادق المصدوق المصدق، أقسم على هذا للاهتمام بشأنه والعناية بأمره، بأمر هذا الخبر «والذي نفسي بيده»، وفي هذا إثبات اليد لله -جلَّ وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، «لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، أنفق مثل أحد، الجبل العظيم الطويل الشاهق العريض، لو أنفق مثله ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، الآن المنفَق ذهب والمعادَل به جبل، فهل الذهب يكال؟ أو الجبل يكال؟ المقصود فيهما الوزن بلا شك؛ لأن الجامدات لا يمكن أن تكال، الجامدات الكبار التي لا تدخل في الآصع وأنصافها وأرباعها هذه توزن، المقصود الوزن، «لو أن أحدهم أنفق مثل أحد ذهبًا -وهو الجبل المعروف- ما بلغ مد أحدهم» المد: كيل، مد أحدهم ولا نصيفه، يعني شبه، قرن ما يكال بما يوزن، قرن ما يكال بما يوزن، وهل في مثل هذا خلل في التعبير؟ معروف أن أكثر إنفاق الصحابة ما يكال، أكثر إنفاقهم في الأطعمة، فجاء التعبير والأسلوب في الحديث مناسبًا لحالهم، والمعادَل به ما يخف في الوزن مع كثرته، يعني لو أنفق مثل أحد خشبًا -مثلاً- هل يمكن أن يقال في مثل هذا الباب، أو أنفق مثل أحد حطب، وإيش أغلى ما يوجد في هذه الدنيا نظرًا إلى حجمه وقيمته؟ الذهب فهو أعلى ما يضرب به من متاع الدنيا، فقال: مثل أحد، جبل كبير جدًّا في غاية العظمة بالنسبة للجبال والمقابل الذي يوزن به ويوضع في الكفة الثانية بإزاء الجبل ذهب، ولا شك أنه أغلى ما يمكن أن يوزن، ما قال: حطب ولا خشب ولا قال غير ذلك مما يوزن، ولا قال: أي متاع من أمتعة الدنيا؛ لأن الذهب أغلى من كل شيء، القطعة الصغيرة تعادل الشيء الكثير من غيره، فضرب به المثل، ثم قال: «ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» لبيان أن أكثر إنفاق الصحابة -لا سيما قبل الفتح- إنما هو الطعام لشح الموارد عندهم كما سيأتي في قوله -جلَّ وعلا- في الآية اللاحقة: {لا يستوي من أنفق من قبل الفتح وقاتل}. مد أحدهم، المد: ربع الصاع، فالصاع أربعة أمداد، والمد ملء كفي الرجل المعتدل، ولا نصيفه يعني: نصف المد، يعني ثمن الصاع مثل أُحد، تصور مثل أحد لا يعدل ثمن صاع بالنسبة للصحابة، قد يقول قائل: هذا الحديث لا إشكال فيه صحيح، فماذا عن قول النبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر الزمان: «العامل في آخر الزمان له أجر خمسين. قالوا: منهم يا رسول الله؟ قال: لا، منكم» هذا يدل على أن الإنفاق والعمل الصالح في آخر الزمان أفضل من العمل الصالح بالنسبة للصحابة، فهل في هذا تعارض والا ما فيه تعارض؟
طالب: ....................
بأي شيء؟
طالب: ....................
يعني العمل مثل العمل يعني العمل من العامل في آخر الزمان؛ أطعم مسكينًا وصحابي أطعم مسكينًا، صحابي أطعم مسكينًا وعامل في آخر الزمان، عند فساد أهل الزمان، عند فساد الناس، بحيث لا يجد من يعينه أطعم مسكينًا، نقول: هذا له أجر خمسين من أولئك، وكون هذا الأجر خمسين ضعفًا بالنسبة لأجر الصحابي لا يعني أنه أفضل منهم، كيف وقد سبق درهم ألف درهم؟ درهم سبق ألف درهم، وشرف الصحبة لا يعدله شيء، شرف الصحبة لا يعدله شيء.
قال: ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، جاءت الفضائل للصحابة على سبيل الإجمال {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} هذا مدح استدل الإمام مالك -رحمه الله- بقوله: {ليغيظ بهم الكفار} على كفر من يغيظه شأن الصحابة أو بعض الصحابة، استدل الإمام مالك بآخر آية الفتح {ليغيظ بهم الكفار} فالذي يغيظه شأن الصحابة فهو كافر، هكذا استنبط الإمام مالك من هذه الآية ومن فضائلهم سواء كانت على سبيل العموم والإجمال -رضي الله عنهم- ورضوا عنه، أو على سبيل التفصيل كفضائل أبي بكر، فضائل عمر، فضائل عثمان، فضائل علي -رضي الله تعالى عن الجميع- فضائل أبي عبيدة، فضائل سعد، فضائل سعيد، إلى غيرهم من الصحابة، يؤمنون بما جاء في الكتاب والسنة ويعتمدون على ما ثبت عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- ولا يرفعون أحدًا فوق منزلته كما يفعله طوائف المبتدعة ممن يعبد البشر أو يعبد القبور أو ما أشبه ذلك -نسأل الله السلامة والعافية- ، ولا ينزلون الناس عن منازلهم التي أنزلهم الله إياها، ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، لا شك أنهم مراتب، لا شك أنهم ليسوا في منزلة واحدة، الصحابة ليسوا بمنزلة واحدة؛ فأبو بكر أفضل الأمة بعد نبيها، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، على الخلاف الآتي في عثمان وعلي، وهذا قول جماهير أهل العلم ممن يعتد بقوله، بل هو قول أهل السنة قاطبة، وأما بالنسبة لابن حزم فقد فضل أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- على أبي بكر وعمر، فضل أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- على أبي بكر وعمر، وحجته في ذلك أنهن معه في منزلته في الجنة، وأبو بكر وعمر دونه، لكن لا شك أن الجزاء الأصلي لذات الشخص يختلف عن الجزاء بالتبعية، يعني النعيم الذي يكون من أجل الشخص يتنعم به أكثر ممن يتنعم به من يتبعه، وإذا أردنا أن نضرب مثالاً بالواقع وجدنا أن كثيرًا من الخدم أفضل بكثير في المعيشة من كثير من أوساط الناس، يعني الخدم في بيوت الملوك وبيوت الوجهاء وبيوت يتيسر لأغنياء المسلمين ما يتيسر لهم من المطعم والمركب والمشرب والمسكن؟
ما يتيسر لهم يعني ملاحق بعض الوجهاء التي يسكنها الخدم أفضل بكثير من كثير من بيوت الناس، لكن هؤلاء تبع، هل يقول: إن هؤلاء أفضل من أولئك؟ لا، ما يمكن، فيثبت بالتبعية ما لا يقتضي الأفضلية بالاستقلال أبدًا، يعني لو ضربنا مثالاً يقرب المسألة وهو يخص طلاب العلم، يعني مثال تقريبي: تفسير الطبري -مثلاً-، إذا أردت أن تصنف المكتبة وضعت كتب التفسير في أول المكتبة، أين تضع تفسير الطبري؟ أول مكان إمام المفسرين يعني في أول دالوب أو في أول رف تضع تفسير الطبري، وتفسير الرازي -مثلاً- تضعه يعني في الآخر، في الآخر تضعه، يعني تفسير بالأثر وتفسير بالرأي تفسير موافق، يعني رأي مخالف، موافق لما جاء عن السلف -مثلاً- وتفسير فيه مخالفات، تضع هذا في الآخر، فلو طبع تفسير الرازي على هامش تفسير الطبري، تبي تضطر تجعل تفسير الرازي الذي بالهامش في أول دالوب علشانه، والا علشان مين؟ علشان الطبري، وهذا هو الواقع. تفسير النيسابوري مختصر من الرازي طُبع على هامش تفسير الطبري، فاضطر الناس أن يضعوه في الدالوب الأول، في الرف الأول مع الطبري، هل هذا لسواد عيونه أو لأهميته ونفاسته؟ لا، إنما وضع تبعًا، هذا مثال تقريبي دليل على أن قول ابن حزم مرجوح، بل لا حظ له من النظر، النصوص الصحيحة الصريحة القطعية جاءت بتفضيل أبي بكر على غيره، فكيف يقال بأن أمهات المؤمنين أفضل من أبي بكر، وجاء من حديث علي -رضي الله تعالى عنه-: «أن أفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر» كما سأله ابنه محمد بن الحنفية في الحديث الصحيح.
ويفضلون من أنفق من قبل الفتح وهو صلح الحديبية عندنا نص الفتح، يعني لا يختلف أحد في أنه إذا قيل غزوة الفتح المراد بها فتح مكة، فتح مكة، وبهذا العنوان يأتي ويرد في كتب السير كلها، لكن الفتح المراد به ويفضلون من أنفق من قبل الفتح وهو صلح الحديبية، وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل؛ لأن سورة الفتح نزلت على إثر صلح الحديبية قبل فتح مكة، وفيها {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} ولا شك أن مقدمات الفتح فتح، مقدمات الفتح فتح، لكن هل يلزم أن يكون الفتح في سورة الفتح هو الفتح في قوله: {لا يستوي من أنفق من بعد الفتح وقاتل} هل يلزم أن يكون الفتح هنا هو الفتح ذاك؟ هل يختلف أحد أن فتح مكة فتح؟ الآن متى ظهر الفرق الكبير بين حال المسلمين قبل وبعد؟ هل هو ظهور ذلك أوضح في صلح الحديبية أو في فتح مكة؟ حينما دخل الناس في دين الله أفواجًا، يعني هل إذا قلنا: إن المراد بالفتح فتح مكة، هل نختلف يعني في مسألة التفضيل {أنفق من بعد الفتح وقاتل} هل هذا التفضيل إذا قلنا: المراد به فتح مكة، نكون قد خالفنا قول الله -جلَّ وعلا-: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينا}؟ سورة الفتح نزلت على إثر صلح الحديبية، وهو فتح بالإجماع، لكن ما المراد بالفتح من قوله: ويفضلون من أنفق من قبل الفتح، هل هو صلح الحديبية كما قال المؤلف -رحمه الله تعالى-؟ أو المراد به فتح مكة؟ الشيخ يقول: الصلح، لكن الآن وإيش سبب التفضيل؟ وإيش سبب العدم في المساواة؟ لكن هل الضيق انحل بصلح الحديبية، أو انحل بفتح مكة ودخل الناس في دين الله أفواجًا؟
إذًا قول الشيخ: وهو صلح الحديبية، يعني لو رجحنا غيره وقلنا: إنه فتح مكة، هل نكون خالفنا ما جاء في قول الله -جلَّ وعلا-: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا}؟ نقول: صلح الحديبية فتح، فتح بلا إشكال، هذا نص قطعي ما فيه مجال للاجتهاد، وفتح مكة أيضًا فتح، ولا يجادل في هذا أحد، فلو قلنا: إن المراد بالفتح في آية التفضيل هذه هو فتح مكة، والشيخ يقول: هو صلح الحديبية، إذا نظرنا إلى السبب في التفضيل قلنا: فتح، فتح مكة، وإذا قلنا: إن الفتح ينبغي أن يكون تفسيره في النصوص واحدًا قلنا: هو صلح الحديبية، لكن هل يلزم أن يكون تفسير الكلمة الواحدة في النصوص واحد، أو في كل أو في كل سياق، في كل سياق ما يدل عليه السياق؟ إذا قلنا..، الشيخ يقول: صلح الحديبية، إذا قلنا: فتح مكة، نقول: خالفناه والا ما خالفناه؟
طالب: ...............
سورة الفتح نزلت على إثر الصلح، ولا خلاف في أنها في الصلح، هذا ما أحد يجادل فيه، لا أحد يجادل في أن سورة الفتح للصلح، والصلح فتح اتفاقًا؛ لأن أهل العلم يقولون: مقدمات الفتح فتح، وعندك فتح مكة الحقيقي، بحيث دخل أهل مكة في دين الله، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وجاء الناس من أنحاء الجزيرة بعد الفتح يسلمون أفواجًا {إذا جاء نصر الله والفتح}، طيب {إذا جاء نصر الله والفتح}، أي فتح هذا؟ هل هو صلح الحديبية أو فتح مكة؟ يا إخوان خلوكم معي، وإذا أردنا بعد أن نتوسع قلنا الخلاف في الفتح ليس المراد به فتح مكة؛ لأن هذه علامة، هذه نعي للرسول -عليه الصلاة والسلام- والسورة نزلت في آخر عمره -عليه الصلاة والسلام- في ثاني أيام التشريق من حجة الوداع، فالفتح أعم من أن يكون فتح مكة أو فتح صلح الحديبية أو ما أشبه ذلك.
طالب: .................
أكثر المفسرين على أنه فتح مكة، لكن ما عندنا إذا قالت حذام فصدقوها، كلام شيخ الإسلام إمام وعنده إحاطة واطلاع على النصوص، ولا يشك في إمامته واطلاعه وصحة استنباطه، ما عندنا إشكال، لكن لسنا متعبدين بكلامه.
طالب: ...............
لا ما هي بهذه في السبق في الإنفاق، ما لها علاقة في السبق، ما لها علاقة في السبق. يعني إذا نظرنا إلى السبب في تفضيل الإنفاق والقتال قبل الهجرة قبل الفتح على ذلك بعده، لا شك أنه بالنسبة لفتح مكة أظهر، أظهر، يعني قبل فتح مكة ولو كان بعد صلح الحديبية، يعني الناس أمِنوا بعد الصلح، بعد المهادنة أمِنوا، لكن هل توسعت أحوالهم مثل سعتها بعد فتح مكة؟ إذا نظرنا أن هذه علة رجحنا المراد بالفتح فتح مكة، وهناك ألفاظ تكررت في القرآن تفسَّر في كل موضع بما يناسب السياق، بما يناسب السياق، فهل المناسب للسياق في تفسير الفتح في هذه الآية في آية الإنفاق والقتال قبل وبعد صلح الحديبية أو فتح مكة؟ فتح مكة؛ لأن الأمور توسعت بعد فتح مكة، توسعت بلا شك، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وأمن الناس، ودخلت قريش في دين الله.
طالب: ..............
هم قبل الفتح، على كل حال قبل الفتح، يعني هل هو أقرب إلى أن...
طالب: ..............
دعنا من أفضلية من بايع تحت الشجرة، ما فيها إشكال بيجي الكلام عنهم، ما فيهم إشكال، لكن الفتح في هذه الآية: {لا يستوي من أنفق من قبل الفتح وقاتل}، ظهور السبب الذي من أجله عدم استوائهم، هل يظهر السبب في صلح الحديبية أو في فتح مكة؟ يعني هل الشدة استمرت إلى فتح مكة أو انتهت بصلح الحديبية؟ استمرت إلى فتح مكة، وهذا يرجح أن المراد بالفتح فتح مكة، ويقدمون المهاجرين على الأنصار؛ لأنه يجتمع فيهم الوصفان: الهجرة والنصرة؛ ولذا قدِّموا في سورة الحشر، قدِّموا على الأنصار للفقراء المهاجرين، ثم قال.
طالب: ..............
كيف؟
طالب: ..............
يعني بما جاء في الأنصار {والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم} على كل حال المهاجرين لهم مزايا اشتركوا في الهجرة وفي النصرة، الأنصار لا شك أن لهم فضائل، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- في حقهم في الحديث الصحيح: «آية الإيمان: حب الأنصار، وآية النفاق: بغض الأنصار» ولما رأى الأنصار النبي -عليه الصلاة والسلام- يعطي بعض المؤلفة ويتركهم كأنه صار في أنفسهم، فتكلم من تكلم منهم، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال من مناقب الأنصار، «الناس دثار والأنصار شعار»، الناس دثار والأنصار شعار، يعني وإيش الفرق بينهما؟ الدثار: اللباس الخارجي، والشعار: اللباس الداخلي الذي يلي شعر البدن، فمعنى البدن فمعنى ذلك أنهم أقرب إلى قلبه -عليه الصلاة والسلام- «ولولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار»، المقصود أن لهم فضائل، لكن لا يعني أنهم أفضل من المهاجرين، ففي المهاجرين أفضل الأمة العشرة المبشرون بالجنة، كلهم من المهاجرين، كلهم من المهاجرين، ويقدمون المهاجرين على الأنصار، ويؤمنون بأن الله –تعالى- قال لأهل بدر -وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر، أهل بدر يوم الفرقان، يوم أعز الله به الإسلام ونصره، هؤلاء الذين حضروا هذه الغزوة، أول الغزوات، ثلاثمائة وبضعة عشر، قال لهم الله -جلَّ وعلا-: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» قالها في قصة حاطب بن أبي بلتعة لما كتب إلى أهل مكة، لما كتب إلى أهل مكة يخبرهم بمقدم النبي -عليه الصلاة والسلام- لغزوهم، ولا شك أن هذه هفوة وزلة عظيمة؛ ولذا استأذن عمر في قتله، استأذن عمر في قتله، فنهاه النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: «وما يدريك لعل الله اطلع على بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»، هذه مزية للبدريين، وفي أنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، فأهل بدر كلهم مغفور لهم، «ولا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة»، وكانوا ألف وأربعمائة كما في صحيح البخاري كما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل قد -رضي الله عنهم- ورضوا عنه وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، هؤلاء كلهم مرضي عنهم، وهل من مفهوم ذلك أنه إذا رضي عنهم لم يرض عن غيرهم؟ لا، لا، لماذا؟
طالب: ...............
لا، ليتهم لو كان مفهوم المخالفة لكان له وجه، مفهوم لقب، مفهوم لقب، ومفهوم اللقب لا حجة فيه، لا حجة فيه.
ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كالعشرة، أهل السنة والجماعة لا يجزمون لأحد بجنة ولا نار من أهل القبلة، لا يقطعون لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا لمن شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما من عداهم فيرجون للمحسن ويخافون على المسيء، يرجون للمحسن ويخافون على المسيء، ومن أهل العلم من يرى أن الناس إذا اتفقت ألسنتهم بالثناء على شخص من الأشخاص كمالك والسفيانين وأحمد وغيرهم، إذا اتفقت ألسنة الناس على الثناء على شخص فإنه من أهل الجنة، ويدل على ذلك حديث مر بجنازة فأثنوا عليها خيرًا، فقال: «وجبت وجبت وجبت»، ومر بجنازة فأثنوا عليها شرًّا فقال: «وجبت وجبت وجبت»، ثم فسر فقال: «أثنيتم عليه خيرا وشهدتم له بالخير فوجبت له الجنة، والآخر أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، وأنتم شهداء الله في أرضه» من أهل العلم من يأخذ من هذا الحديث أن من اتفق الناس، اتفقت ألسنة الناس بالثناء على شخص يشهدون له بالجنة، لكن لا شك أن مثل هذا العموم يزيد في الرجاء، يزيد في الرجاء؛ لأن مثل هذا قد يشهد له فئام من الناس ويخفى عليك..، يشهدوا له بالخير ويخفى عليك ممن يشهد عليه بالشر، بخلاف من نص عليهم المصطفى -عليه الصلاة والسلام- كالعشرة أبي بكر، عمر، عثمان، علي، سعيد: سعيد بن زيد، سعد بن أبي وقاص، سعيد وسعد، وابن عوف: عبدالرحمن بن عوف، وطلحة: طلحة بن عبيد الله، وعامر فهر، والزبير الممدح، هؤلاء هم العشرة يشهدون لهم ما يشهدون لغيرهم لمن شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- كثابت بن قيس بن شماس، وعبدالله بن سلام، وعُكَّاشة بن مِحْصَن، والحسن والحسين، والمرأة التي تصرع.
ثابت بن قيس بن شماس هذا خطيب جهوري الصوت يخطب بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا جاءت الوفود ويرفع صوته، فلما نزل قول الله -جلَّ وعلا- في سورة الحجرات: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم} فقال: حبطت أعمالي، فأنا من أهل النار، فقيَّد نفسه في بيته، فقده النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال رجل: أنا آتي بخبره، فذهب إليه فأخبره الخبر، وقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: «ليس من أهل النار بل هو من أهل الجنة».
عبدالله بن سلام -رضي الله عنه وأرضاه- كان يهوديًا ثم أسلم، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «من أراد أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض وهو من أهل الجنة فلينظر لعبدالله بن سلام».
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، إلى غير ذلك ممن شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومناقب العشرة معروفة مدونة فيها مؤلفات، فيه مؤلف للمحب الطبري مجلد ضخم أو مجلدين في بعض الطبعات اسمه "الرياض النضرة في مناقب العشرة"، وثابت بن قيس بن شماس وغيرهم من الصحابة.
ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وغيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، الآن اختيار علي -رضي الله عنه- من بين الرواة لفضائل أبي بكر وعمر من المؤلف له مغزى والا ما له مغزى؟ له مغزى؛ للرد على على الرافضة، إذا كانت فضائل أبي بكر وعمر جاءتنا عن طريق علي -رضي الله عنه- فكيف تُنكر؟ قال: ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وغيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويثلثون بعثمان، يجعلون عثمان هو الثالث، ويربعون بعلي -رضي الله عنهم- فيجعلونه الرابع كما دلت عليه الآثار، وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة، مع أن في البيعة.. .، الآن عثمان -رضي الله تعالى عنه- تقديم أبي بكر وعمر محل إجماع، محل إجماع بين أهل السنة، التثليث بعثمان في الفضل محل خلاف، جمهور أهل السنة والجماعة يثلثون بعثمان ويربعون بعلي، من أهل السنة من يقدم عليًّا على عثمان في الفضل لا في البيعة، البيعة أجمع الصحابة على بيعة عثمان قبل بيعة علي، فجمهور أهل السنة على تقديم عثمان، ومنهم من يقدم عليًّا على عثمان، الجمهور تقديم عثمان على علي، ومنهم من يقدم علي على عثمان، يثلثون بعثمان ويربعون بعلي كما دلت عليه الآثار، وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة، وهذا دليل على تفضيله على علي -رضي الله عنه-، إذ يستحيل أن يتواطأ خير القرون على مبايعة المفضول مع وجود الفاضل، بما في ذلك الستة الذي أهل الشورى، الذين أمرهم عمر -رضي الله عنه- أن يختاروا الخليفة من بعده، مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي -رضي الله عنهما- بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر أيهما أفضل؟ فقدم قوم عثمان وسكتوا، أفضل الأمة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان لم يتعرضوا لعلي لا بنفي ولا بإثبات، أو ربعوا بعلي قالوا: الرابع علي -رضي الله تعالى عنه- وقدم قوم عليًّا، ولا شك أنه قد ورد في مناقب علي شيء لا يحصر، لكنه شانه أتباعه بما وضعوا وما زادوا على فضائله الصحيحة الثابتة مما وضعوه زورًا وكذبًا وبهتانًا عليه وعلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والله المستعان، وقدم قومٌ عليًّا وقوم توقفوا، لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي، يعني أجمعوا بعد الخلاف السابق على تقديم عثمان على علي، وإن كانت هذه المسألة مسألة علي وعثمان يعني تقديم أحدهما على الآخر ليست من الأصول التي يضلَّل المخالف فيها؛ لأن من أهل العلم -من أهل السنة والجماعة من الأئمة- من قدم عليًّا على عثمان، وإن كان عامة أهل السنة والجماعة على العكس عند جمهور أهل السنة التي يضلَّل فيها، لكن المسألة التي يضلَّل فيها مسألة الخلافة، مسألة الخلافة يعني لو قال: إن عليًّا أولى بالخلافة من عثمان، هذه يضلل فيها، لكن لو قال أحد: إن عليًّا أفضل من عثمان لا يضلَّل؛ لأنه قول معروف عند أهل السنة، وسبق أن كررنا مرارًا أن مسائل الاعتقاد التي يتفق عليها سلف هذه الأمة وأئمتها لا، لا يسوغ فيها الخلاف ولا النظر من بعدهم، أما ما يختلفون فيه فلمن لديه أهلية النظر له النظر في ذلك، إذا كان هناك خلاف معتبر بين أئمة الإسلام، وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله من، طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل..، يعني اتفاق الأمة على خلافة أبي بكر لا ينازع أو يطعن في خلافته إلا ضال مضل غبي أحمق، كيف تجتمع الأمة التي لا يمكن أن تجتمع على ضلالة؟ يتفقون على شخص ثم نقول: لا، لا يستحق الخلافة، أو في خلافة عمر، أو في خلافة عثمان، أو في خلافة علي، وجاء في النصوص ما يشير إليها، والخلافة بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاثون سنة، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله، يعني هو أغبى من الحمار وأضل منه؛ لأن الحمار هو فيما يقرر أهل العلم من أغبى بل أغبى المخلوقات، وهذه المقالة انتزعها شيخ الإسلام من كلام الإمام أحمد اختارها وانتزعها يعني فهو أضل من حمار أهله، انتزعها من كلام الإمام أحمد؛ ولأن الحمار هو أغبى الحيوانات، ولا شك أن من طعن في خلافة واحد منهم أنه أضل من الحمار، والله المستعان.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"