الصلاة على الجنازة فيها أجر عظيم، وكذلك اتباعها، وجاء في الحديث الصحيح أن من صلى عليها فله قيراط، ومن تبعها فله قيراطان [البخاري: 47]، يعني: قيراط الصلاة مع قيراط التشييع والاتباع، ولا يُفرِّط في هذا الأجر العظيم -مع القدرة على ذلك والتمكن منه- إلا محروم، لكن يبقى أن مثل هذه الأمور المرغَّب فيها إذا اعتراها ما يعتريها من منكرات لا يُستطاع تغييرها، على كل حال الصلاة على الجنازة فرض كفاية لا بد أن يقوم به المسلمون، فلا بد أن تُجهَّز، وتُكفّن، ويُصلَّى عليها، وتُدفن، ولا يجوز أن تبقى جنازة المسلم دون تجهيزٍ وصلاةٍ ودفنٍ مهما كان المبرر، لكن يبقى أنه في القدر الزائد على ذلك هل نقول: إن الإنسان ينظر في هذا الفضل العظيم وما يقابله من منكرات وبدع لا يستطيع تغييرها، كما قرر أهل العلم في حضور وليمة العرس -التي هي واجبة- إذا كان ثَمّ منكر؟
فالعلماء يقولون: تجب إجابة دعوة العرس إذا لم يكن ثَمّ منكر، لكن إذا كان ثَمّ منكر تعارضت حينئذٍ المصلحة والمفسدة، فلا تُحضَر إلا على جهة الإنكار، فمَن يريد أن يحتسب فيُنكر، يحصل له أجر الإجابة، ويحصل له أجر الإنكار.
في هذه الحالة، كما قال السائل: (الجنائز عندنا لا تخلو من البدع، مثل الموعظة بعد الدفن)، الموعظة على القبر لها أصل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وعظ أصحابه، وترجم الإمام البخاري بـ(باب موعظة المحدث عند القبر، وقعود أصحابه حوله) [البخاري: 2/96]، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يتخذ ذلك عادة ولا ديدنًا كما يفعله بعض الناس، فإذا وُجد السبب الباعث والداعي لهذه الموعظة حينئذ نقول: لها أصل في الشرع، وإذا لم يوجد سبب ولا داعٍ واتخذت عادة فنقول: إن هذا ليس بمشروع. فهذه الموعظة نقول: لها أصل، فلا تَمنع من حضور الدفن أو الصلاة على الميت، وهناك بدع أعظم من هذه إذا كان لا يُستطاع إنكارها فلا شك أن الذي يترجح -مثل ما قرر أهل العلم- أنه إذا تعارضت المصلحة والمفسدة، فدرء المفاسد مُقَدَّم، لكن مثل هذه الموعظة التي قلنا: إن لها أصلًا في الشرع، لكن اتخاذها عادة وديدنًا لم يكن من هديه -عليه الصلاة والسلام-، مثل هذه الموعظة لا تَمنع من الصلاة على الميت وتشييع جنازته والمشاركة في دفنه، لكن يُنبّه هذا الذي اتخذ ذلك عادة وديدنًا أن هذا ليس من هديه -عليه الصلاة والسلام-، فيُقتصر من ذلك على قدر الحاجة عند الداعي لهذه الموعظة، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.