شرح علم التفسير من النقاية (1)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

مقدمة عن أهمية القرآن والتفسير:

فإن أهم ما ينبغي أن يعنى به طالب العلم كتاب الله -عز وجل-، فالأمة خير أمة أخرجت للناس، وخير هذه الأمة التي هي خير أمة من يتعلم القرآن ويعلمه الناس، فمن يتصدى لكتاب الله -عز وجل- قراءة وإقراءً، تعلماً وتعليماً هم أهل الله وخاصته، وهم الخيار من الخيار.

وقد يلاحِظ أو يلاحَظ على طلاب العلم عموماً التقصير في هذا الجانب، نعم حفظ القرآن موجود، والعناية به موجودة، لكن لو وضعنا استبانة لما يُعنى به طلاب العلم في هذه الأوقات مع هذا الإقبال على العلم الشرعي وتحصيله وتأصيله على الجادة ولله الحمد، لو وضعنا استبانة لوجدنا العلوم كلها أخذت بنصيب وافر كالحديث، ويأتي عند طلاب العلم في رأس القائمة، والفقه والعقيدة، لكن نجد دون ذلك العناية بكتاب الله -عز وجل-، وما يخدم كتاب الله -عز وجل-، ولو وضعنا دراسة للدورات العلمية التي فتح الله بها في السنين الأخيرة، وهي خير رافد لتحصيل العلم، ولمسنا أثرها ولله الحمد لوجدنا نصيب القرآن وما يتعلق بالقرآن إذا استثنينا حفظ القرآن، المقصود ما يعين على فهم القرآن، كم في الرياض على سبيل المثال من درس في الأسبوع؟ يعني لو يقال: إن في الرياض خمسمائة درس في الأسبوع يستغرب أو لا يستغرب؟ لا يستغرب، لكن كم نصيب التفسير منها؟! كم نصيب علوم القرآن منها؟! كتاب من كتب الحديث نصيبه، كتاب واحد من كتب الحديث الكثيرة أكثر من نصيب القرآن وعلوم القرآن، وما يتعلق بالقرآن.

وجاء في النصوص ما يكفي ويشفي للحث على تعلم القرآن وتعليمه، والمراد بتعلم القرآن لا يعني حفظه فقط، الحفظ نعم خصيصة هذه الأمة، أناجيلها في صدورها، {فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت] ويأتي من يأتي ليغبش على الناس، ويشوش على الناس، ويقول: إن حفظ القرآن من سيما الخوارج، نقول: لا يا أخي، نقول: عدم حفظ القرآن من سيما المبتدعة.

نقول: علينا أن نُعنى بكتاب الله -عز وجل-، وقرأتم وسمعتم عن السلف من اهتمامهم بكتاب الله -عز وجل- ما يعده البعض من الأساطير التي لا يقبلها العقل، وهذا بالتأكيد لم يجرب ولو جرب لوجد أن هذا في المقدور، وأنه أمر يسير، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر].

التصنيف في علوم القرآن:

علوم القرآن الذي نحن بصدد الحديث عنه تأخر التصنيف فيه، من أول من صنف فيه على سبيل جمع أكثر من فن من فنونه وإلا ففنونه موجودة مبثوثة في كتب العلم مشتركة بين علم الحديث، علم الرواية، وأيضاً علوم اللغة لا سيما البلاغة وما يتعلق بها، وهي أيضاً موجودة في كتب مباحث القرآن، موجود في كتب أصول الفقه، وتأخر التأليف المستقل الجامع لفنون علوم القرآن حتى ذكر السيوطي أن أول من ألف فيه، جلال الدين البلقيني المتوفى سنة أربع وعشرين وثمانمائة، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، ابن الجوزي ألف، وهو متوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة، الطوفي ألف، الزركشي ألف قبل البلقيني، الزركشي له كتاب من أعظم كتب علوم القرآن وهو البرهان، قبل البلقيني.

المقصود أن السيوطي يبدو أنه أول ما وقف وقف على كتاب البلقيني، وكتاب المرشد الوجيز لأبي شامة، وهناك أيضاً الإكسير للطوفي، وكتب كثيرة في علوم القرآن، ثم بعد ذلكم وقف على البرهان في علوم القرآن، وجمع هذه الكتب، وأضاف إليها ما وجده في غيرها في ثنايا الفنون الأخرى، فألف كتاباً اسمه: (التحبير في علم التفسير) ضمنه أكثر من مائة نوع من أنواع علوم القرآن، ثم بعد ذلكم ألف (الإتقان) وهو كتاب نفيس لا يستغني عنه طالب علم، جمع بعض الأنواع، ضم بعضها إلى بعض فخزلت عنده إلى الثمانين.

التأخير أو التأخر في التصنيف في علوم القرآن وتقدم التأليف في علوم الحديث مع أن هذا يخدم الكتاب وهذا يخدم السنة، التصنيف في علوم الحديث ضروري؛ لأنه يحفظ النص –السنة- ويميز الصحيح من الضعيف، والقرآن تولاه الله -جل وعلا- بحفظه، لسنا بحاجة إلى تمييز بين صحيحه وضعيفه، كله قطعي، فلسنا بحاجة إلى كثير من الأنواع التي ذكرت في كتب علوم الحديث، إنما هناك أنواع تخدم هذا الكتاب متفرقة موجودة في كتب الحديث، وموجودة في كتب أصول الفقه، وموجودة في كتب البلاغة، ضُم بعضها إلى بعض فصارت كتب علوم القرآن.

كتاب النقاية:

الرسالة التي بين أيدينا، هذه الرسالة والمقدمة هي فرع من كتاب اشتمل على أربعة عشر فناً، أولها: هذا العلم، علم التفسير، أو علوم القرآن، إن شئت فقل: علوم القرآن نظير علوم الحديث.

هذه الرسالة المقتضبة نافعة لطالب العلم على اختصارها، ولا يوجد لها نظير على نهج المتون عند أهل العلم في الفنون كلها، إلا ما ألفه المتأخرون.

يذكر في الدورات ويعنى المشايخ وطلاب العلم بمقدمة شيخ الإسلام، مقدمة التفسير لشيخ الإسلام، وهي جديرة بالعناية، حرية بالاهتمام، لكنها ليست على طريقة المتون التي تجمع فنون أو أنواع العلم الواحد، وتُعرّف على طريقة أهل العلم المتأخرين كل نوع لغة واصطلاحاً، وتمثل له، وتذكر إن كان هناك خلاف، أو فوائد في هذا النوع من ذلك العلم، يعني نظير ما يوجد من متون في الفقه وأصول الفقه، وفي علوم الحديث، ومتون في الحديث، لا يوجد في علوم القرآن متن مختصر بهذه الطريقة على طريقة المصنفين المتأخرين إلا هذه الرسالة، وهي منتزعة من كتاب اسمه: (النقاية)، النقاية، يضم أربعة عشر علماً، هي علوم الحديث، علوم التفسير، ما يتعلق بالعقيدة صدر به الكتاب وجعله كالمقدمة للكتاب، وهو مع الأسف الشديد جرى فيه على طريقة الأشعرية، على مذهبه الأصلي، ولذا لم يثبت فيه من الصفات إلا ما يثبته الأشعرية.

أردف ذلك بعلم التفسير، ثم علم الحديث، ثم علم الفقه، ثم علم الأصول، ثم علوم الحديث، ثم إلى أربعة عشر فناً، حتى الطب والتشريح لم يغفلها، انتزعت هذه الرسالة من ذلك الكتاب فطبعها الشيخ: جمال الدين القاسمي سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف، يقرب من قرن، وعلق عليها بتعليقات يسيرة.

نظم النقاية:

نُظم الكتاب المسمى بـ(النقاية)، نظمه القنائي وغيره، ونُظم ما يتعلق بعلوم القرآن على وجه الخصوص بمنظومة التفسير للشيخ الزمزمي، منظومة جيدة ينبغي أن يعنى بها طالب العلم، والنظم أثبت من النثر، فإذا حفظ طالب العلم هذه المنظومة أفاد منها خيراً -إن شاء الله تعالى-.

ونبدأ بشرح ما نحن بصدده، نسأل الله التوفيق والإعانة.

سم.

مقدمة عن علم التفسير:

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الحافظ جلال الدين السيوطي -رحمه الله-:

علم التفسير: علم يبحث فيه عن أحوال الكتاب العزيز، وينحصر في مقدمة وخمسة وخمسين نوعاً.

يقول السيوطي وهو بحق حافظ، يحفظ على اصطلاح أهل الحديث ما يستحق أن يسمى به حافظاً، وإن لوحظ عليه بعض الملاحظات في المعتقد، وفي السلوك، ولا نعني بالسلوك ارتكاب السلوك الخلقي الذي يخل بالعدالة، إنما هو السلوك الذي هو العمل على طريقة أهل السنة أو غيرهم، نعم ما يتعلق بأعمال القلوب والاقتداء فله نزعات، يقتدي فيها ببعض الصوفية، وأثنى عليهم، ورسالته شاهدة على ذلك في آخر الكتاب، في آخر كتاب (النقاية).

"علم التفسير: علم يبحث فيه عن أحوال الكتاب العزيز" عن أحواله، يعني هل نعني بعلم التفسير مثل ما نقول: هذا تفسير ابن كثير، مثل تفسير ابن جرير تفسير كذا؟ هل نعنى به الكشف والبيان عن معاني القرآن؟ عن معاني ألفاظه وجمله؟ أو ما يتعلق بالقرآن على سبيل الإجمال من اصطلاحات نظير ما يبحث في علوم الحديث وأصول الفقه؛ لأن علم التفسير قد يراد به التفسير الذي هو من الفسر، وهو الكشف والإيضاح والبيان للغامض من كلمات القرآن وجمله، قد يطلق ويراد به ذلك، والتفاسير كلها على هذا.

فالمؤلف لا يريد من علم التفسير ما يقصده المفسرون في تفاسيرهم من شرح وبيان لغامض القرآن، وإنما يريد به علوم التفسير الإجمالية التي تخدم الكتاب، كالنزول بأنواعه وأسبابه، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد وغير ذلك، عام وخاص، مبهمات، إلى الأنواع التي أوصلها هنا إلى خمسة وخمسين نوعاً، وعرفنا أنه أوصلها في التحبير إلى مائة ونوعين.

"علم يبحث فيه عن أحوال الكتاب العزيز" أحوال، إذا قلنا: إن التفسير يبحث في مفردات القرآن، وجمل القرآن، وتراكيب القرآن، هنا يبحث فيه عن أحوال، يعني لو نظرّنا بعلوم أخرى قلنا: إن التفسير على اصطلاح ابن جرير وابن كثير وغيرهم من المفسرين نظير الصرف، وهذا نظير النحو الذي يبحث فيه عن عوارض الكلمة، والشيخ عندنا هذا فنكم.

منكم نستفيد.

ولو جئنا بمثال آخر لقلنا: إن هذا العلم الذي يبحث فيه عن الأحوال والعوارض نظير علم الطب، والتفسير نظير علم التشريح، والتنظير لعله مطابق، أريد أن أبين أنه ليس مراده المراد بقوله: علم التفسير ما يبحثه ابن كثير أو ابن جرير أو غيرهم، لا، المقصود به العلوم، وهي القواعد، قواعد هذا الفن، وما يحتاج إليه من قواعد إجمالية.

"علم يبحث فيه عن أحوال الكتاب العزيز" الذي هو ماذا؟ القرآن الذي عرفه بقوله: "المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-للإعجاز بسورة منه".

"وينحصر في مقدمة وخمسة وخمسين نوعاً" حصر العلوم المتعلقة بالقرآن بخمسة وخمسين نوعاً؛ لأن هذا إنما ألفه على طريقة المتون المختصرة للمبتدئين، ومعروف أن أول ما يقرأه الطالب من كتب الفن ينبغي أن يكون مختصراً، ولو لم يكن شاملاً، فإذا نظرنا إلى الفنون كلها، ونظرنا اللبنات الأولى لكل فن أدركنا هذا، فهذا يصلح أن يكون لبنة أولى في علوم القرآن يتخطاه الطالب إلى ما بعده مما هو أوسع منه، إلى أن يصل إلى المطولات في هذا الفن، ولذا اقتصر على خمسة وخمسين نوعاً وترك مثلها.

يقول: "المقدمة"، مقدِمة ومقدَمة يجوز أن يقال هذا وهذا، مقدَمة لأن المؤلف يقدمها بين يدي كلامه، ومقدِمة بمعنى أنها متقدمة على الكلام.

القرآن، القرآن أصله مصدر، قرأ يقرأ قراءة وقرآناً، يطلق ويراد به القراءة:

...................................

 

يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً

يعني قراءة، ويطلق ويراد به اسم المفعول المقروء، المتلو، وهو المراد هنا.

تعريف القرآن:

"القرآن المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-" فقوله: "المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-" يخرج بقية الكتب السماوية، "للإعجاز بسورة منه"، ظاهر التعبير أنه إنما نزل للإعجاز فقط، لكنهم في الحدود يقتصرون من القيود على ما يفاد منه في الحد، وإلا فالقرآن نزل لماذا؟ للعمل، ليكون دستوراً، ليكون منهج حياة، لكن إنزاله للعمل أو تنزيله للعمل كونه في الحد لا يخرج السنة؛ لأنها أيضاً وحي يوحى على محمد -صلى الله عليه وسلم-، لا ينطق عن الهوى، ليعمل به، إنما جاء بأخص القيود التي تخرج ما عدا هذا الكلام وهو القرآن.

فلا يوجد في الكلام ما يعجز إلا ما جاء في كتاب الله -عز وجل-، "للإعجاز بسورة منه" جاء التحديث به لأفصح الناس، تحداهم الله -جل وعلا-أن يأتوا بمثله، بعشر سور، بسورة، لكن هل جاء التحدي بآية؟

طالب:......

أين؟

طالب:......

نعم؟

طالب:......

كذا؟ أقول: جاء التحدي به كاملاً، وجاء التحدي بعشر سور، وجاء التحدي بسورة، لكن لم يأتِ التحدي بآية، لماذا؟ لأن من الآيات ما هو كلمة، مدهامتان، يعني هل يعجز البشر أن يقولوا: مدهامتان؟ هل يعجز البشر أن يقولوا: ثم نظر؟ نعم، ثم نظر ما يعجز البشر أن يقولوا: ثم نظر؛ لأنه لو تحداهم بآية قال واحد: ثم نظر، أو كلام قريب من هذا، أو جاء بكلمة مثناة مثل مدهامتان، لكن ومع ذلكم الآية معجزة في موضعها، لا تستطيع أن ترفع مدهامتان وتأتي بأي كلمة ترادفها لتقوم مقامها، لكن بالنظر إليها مفردة لا تعجز، ولذا لم يحصل التحدي بها.

أما موضعها من الكلام وارتباطها بما قبلها وما بعدها معجز، فيظهر إعجازها بضمها إلى غيرها، بسورة منه، أقصر سورة في القرآن سورة الكوثر، وهي مكونة من ثلاث آيات، فالتحدي يحصل بثلاث آيات، هذا على القول بأن البسملة ليست بآية من هذه السورة ولا من غيرها، أو هي آية واحدة أنزلت للفصل بين السور وليست بآية من كل سورة سورة، والمسألة خلافية بين أهل العلم، وهم يجمعون على أنها آية أو بعض آية من سورة النمل، وأنها ليست بآية في أول براءة، ويختلفون فيما عدا ذلك.

فإذا قلنا -وهو قول الشافعي-: إن البسملة آية، قلنا: الكوثر أربع آيات، فلا يحصل التحدي إلا بأربع آيات، وإذا قلنا: ليست بآية هو قول الأكثر قلنا: يحصل التحدي بثلاث آيات يعني بقدر سورة الكوثر ولو آية واحدة، المقصود ألا تقل عن سورة.

"بسورة منه" للإعجاز بسورة منه، يخرج بذلك الكلام غير المعجز، ويزيد بعضهم: المتعبد بتلاوته، ولا يوجد كلام يتعبد بتلاوته بمجرد تلاوته ويرتب الأجر على مجرد القراءة سوى القرآن.

"المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-" يشمل الحديث القدسي، هو يخرج الكتب السابقة ويدخل الحديث القدسي، لكن الحديث القدسي ليس بمعجز، وهو أيضاً ليس متعبد بتلاوته، وتجوز روايته بالمعنى، تجوز رواية الحديث القدسي بالمعنى، وإن كان أصل الكلام من الله -جل وعلا- أنزل على محمد -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلكم أداه النبي -عليه الصلاة والسلام- ونسبه إلى ربه -جل وعلا-، وتداوله الرواة بعد ذلك على طريقة روايتهم للحديث النبوي، ولذا تجوز روايته بالمعنى، ولو تأملت أي حديث قدسي يروى في دواوين الإسلام لوجدت اختلافاً بين رواته في الألفاظ مما يدل على تواطئهم على جواز روايته بالمعنى كالحديث النبوي.

تعريف السورة:

والسورة: الطائفة المترجمة توقيفاً، الطائفة من القرآن، سورة طائفة، قطعة من القرآن قد تطول فتعادل واحدا على اثني عشر من القرآن، وقد تقصر فتكون في سطرين، هي طائفة مترجمة يعني لها عنوان ترجمة، الترجمة يراد بها العنوان، سورة الفاتحة، سورة البقرة، سورة آل عمران وهكذا، مترجمة بجزء منها، أو بشيء أو بلفظ ذكر فيها، سورة البقرة ترجمت بالبقرة التي ذكرت قصتها فيها.

ينكر بعضهم إضافة السورة إلى الترجمة مباشرة؛ لأنه يوحي بالحصر وإنه ليس فيها إلا ما ذكر في الترجمة؛ لأن الترجمة في الأصل كالعنوان للشيء، وكم تشكل كلمة البقرة أو قصة البقرة من سورة البقرة؟ شيء يسير جداً، إذاً العنوان لا تتم مطابقته لما عنون له، إذاً يقال: وقد قال به بعضهم: السورة التي تذكر فيها البقرة، السورة التي يذكر فيها آل عمران، السورة التي يذكر فيها الكهف وهكذا، لكن النصوص الشرعية الصحيحة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءت من غير القيد المذكور، واستدل الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- على جواز ذلك بقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ها هنا وقف الذي أنزلت عليه سورة البقرة"، وجاء في النصوص من لفظه -عليه الصلاة والسلام- سورة كذا، سورة كذا.

فلا اعتبار بهذا القول، توقيفاً يعني وليس اجتهاداً، توقيفاً، فالتسمية، أسماء السور توقيفية، النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أنزل إليه الآية أو الآيات قال: اكتبوها في سورة كذا، اكتبوها في سورة كذا، أنزلت علي سورة كذا، فالأسماء توقيفية، لكن يرد عليه أن بعض الأسماء لم يرد فيها دليل صحيح مرفوع، وإن تداوله أهل العلم بدءً من السلف إلى يومنا هذا، فينظر إلى محتوى السورة ويعبر بجزء منها، فالتوبة على سبيل المثال سماها السلف الفاضحة؛ لأن فيها فضح للمنافقين، المقصود أن قوله: توقيفاً يقصد بذلك الأسماء التي جاءت بها الأخبار، وهي المثبتة في المصحف، واتفق الناس على كتابتها في أوائل السور، هذا التوقيف، أما الأسماء الأخرى التي يتداولها العلماء في كتبهم وفي تفاسيرهم وتسمى سورة كذا، ويطلق عليها كذا وكذا، فيها التوقيف، وفيها الاجتهاد لما تتضمنه هذه السورة، نعم.

سم.

أقل ما تتألف منه السورة:

قال -رحمه الله-: "وأقلها ثلاث آيات، والآية: طائفة من كلمات القرآن متميزة بفصل، ثم منه فاضل وهو كلام الله في الله، ومفضول وهو كلامه تعالى في غيره، وتحرم قراءته بالعجمية وبالمعنى، وتفسيره بالرأي لا تأويله.

أقلها: أقل السورة ثلاث آيات على الخلاف في البسملة، الذي أشرنا إليه، والآية: طائفة من كلام القرآن متميزة بفصل: يعني منفصلة عن التي تليها والتي قبلها، طائفة من كلمات القرآن،"الآية طائفة من كلمات" قد تكون الآية كلمة، كما سمعنا {مُدْهَامَّتَانِ} [(64) سورة الرحمن] وقد تكون كلمتين {ثُمَّ نَظَرَ} [(21) سورة المدثر] وقد تكون أكثر من ذلك.

"طائفة من كلمات القرآن متميزة بفصل"، مشتملة على حروف على خلاف بين أهل العلم في المراد بالحروف الذي جاء بالحديث في الترغيب بالقراءة، وأن كل حرف بعشر حسنات، اختلف أهل العلم بالمراد بالحرف في الحديث، هل المراد به حرف المعنى أو حرف المبنى؟ وعلى هذا يراد بالحروف الكلمات، إذا قلنا: المراد به حرف المعنى وقال به جمع، وعلى هذا يكون الأجر المرتب على قراءة القرآن أقل بكثير من الأجر المرتب على قراءته إذا اعتبرنا الحرف حرف مبنى، بقدر الربع تقريباً، فالقرآن سبعون ألف كلمة وزيادة، وهو أكثر من ثلاثمائة ألف حرف، حروف مبنى، والخلاف بين أهل العلم في المراد بالحرف معروف، كثير منهم يرى أن المراد بالحرف حرف المعنى، ولذا قال: ((لا أقول: آلم حرف، ولكن ألف)) ما قال: (أ) حرف، قال: ((ألف حرف)) الآن {الم} [(1) سورة البقرة] هل يرتب عليها من الأجر مثل ما يرتب على (ألم) في قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} [(1) سورة الفيل]؟ نعم؟ 

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

نقول: {الم} [(1) سورة البقرة] حروف معاني، و(ألم) حروف مباني، وعلى الخلاف إذا قلنا: إن المراد حروف معاني وهذا ينصره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، قلنا: (ألم) حرف واحد أو حرفان أو ثلاثة؟

طالب:.......

ماذا............؟

في (ألم)؟

نعم.

طالب:....... إنها ثلاثة.

إذا قلنا: حروف معاني؟

طالب: معاني تصير حرفين: استفهام، ولم.

نعم، الاستفهام الهمزة ولم، وإذا قلنا: حروف مباني صارت ثلاثة: الهمزة واللام والميم، ثلاثة، وكثير من أهل العلم يرى أن المراد بالحرف في الحديث حرف المبنى، وهذا هو اللائق بفضل الله -جل وعلا-، وعظيم منه وعطائه، وهو المؤمل من الله -جل وعلا-، وثقتنا بفضل الله -جل علا- أعظم من ثقتنا بعلم شيخ الإسلام وإن كان إماما -رحمه الله-.

"الآية: طائفة من كلمات القرآن متميزة بفصل" مفصولة عما قبلها وما بعده.

من القرآن فاضل ومفضول:

"ثم منه" من القرآن "فاضل، وهو كلام الله في الله، ومفضول وهو كلامه تعالى في غيره" فاضل ومفضول، وأنكر بعضهم أن يكون في كلام الله -جل وعلا- فاضل ومفضول، وأنكر بعضهم أن يكون فيه فاضل ومفضول؛ لأن كلمة مفضول توحي بالتنقص، لكن الأدلة الصحيحة الصريحة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أن فيه الفاضل والمفضول، وأن آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، وأن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، وأعظم سورة في القرآن الفاتحة، هذه أدلة على أن فيه الفاضل والمفضول، فمن يقول: إن فضل قراءة قل هو الله أحد مثل فضل قراءة سورة تبت؟ نعم، إذا تطرق الجدال والخلاف في هذا إلى التنقص منع، منع التفضيل، لا لذاته بل لما يحتف به، كالتفضيل بين الأنبياء ((لا تخيروني على موسى)) ((لا تفضلوني على يونس)) ((لا تخيروا بين الأنبياء)) مع قوله -جل وعلا-: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(253) سورة البقرة] إذا اقتضى التفضيل التنقص للمفضول منع، وإذا سلم من ذلك فالأصل أن في الرسل أفضل وفيهم الفاضل، والآيات فيها الفاضل وفيها المفضول.

"ثم منه فاضل وهو كلام الله في الله"، يعني في ذاته -جل وعلا-، "ومفضول: وهو كلامه تعالى في غيره، وتحرم قراءته بالعجمية" تحرم قراءته بالعجمية، وتحرم أيضاً ترجمته إن كانت بالإمكان، وإلا فأنا لا أتصور ترجمة حروف القرآن، هم يقولون: يجوز ترجمة معانيه، أجاز بعضهم ترجمة معانيه والخلاف بين أهل العلم قائم، وهذه فتنة ثارت قبل سبعين أو ثمانين سنة حول ترجمة معاني القرآن وردت بقوة من كثير من أهل العلم، وتساهل بعضهم وأباح وأجاز، لكن الخلاف في الحروف غير وارد، بل لا يمكن، أنا لا أتصور ترجمة حروف، أما ترجمة المعاني فممكنة وحاصلة وواقعة، ولذا من يقول: تجوز قراءة القرآن وتجزئ في الصلاة قراءته بالأعجمية كيف يترجم حروف القرآن؟ أولاً: القرآن لا تجوز روايته بالمعنى كما نص على ذلك المؤلف، وجماهير أهل العلم تجوز رواية الحديث بالمعنى، أما القرآن لا يجوز أن يتصرف فيه، لا بد أن ينقل ويقرأ، يقرأ ويتلى بحروفه، والصلاة لا تصح بغير لفظ القرآن فكيف تجوز بالترجمة؟ وترجمة الحرف مستحيلة، يعني عند بعض أهل العلم يقول: لو تقول: تترجم (الله أكبر) أو تقول على مذهبهم: الله الأجل، أو الله الأعز، دو سابز وتركع، تصح صلاتك، هذا استهزاء، م معنى دو سابز؟ نعم، ترجمة  {مُدْهَامَّتَانِ} [(64) سورة الرحمن] أنت ترجمت آية وقرأت بما تيسر وركعت، لكن هل هي ترجمة حرفية لمدهامتان أو ترجمة لمعناها؟

طالب:.......

إذاً كأنك عبرت قبل ذلك عن مدهامتان بالعربية ثم ترجمت، فأنت قرأت بالمعنى ثم ترجمت المعنى، وهذا ممنوع من وجهين، وليس من وجه واحد، وإن تجوز بعضهم وتساهل في هذا، لكنه قول مردود.

الأذكار والأدعية والخطب يختلفون في ترجمتها، فضلاً عن كلام الله -جل وعلا-، يعني إذا تُرجِم الكلام يكون كلام الله؟ ما يكون كلام الله؛ لأنه نزل بهذه اللغة، وبهذا يرد على من يقول: إن كلام الله واحد لا يتغير، تكلم في القدم ولا يتكلم، كلامه قديم، ولا يتكلم بعد ذلك، تكلم بكلام واحد، يختلف من قوم إلى آخرين حسب الترجمة، إن قرئ بالعربية صار قرآناً، وبالسريانية يكون إنجيلاً، وبالعبرية يكون توراة وهكذا، واحدوهذا الكلام مردود؛ لأن ورقة بن نوفل لما سمع القرآن، قرأ النبي -عليه الصلاة والسلام- سورة اقرأ، شهد له بالرسالة، وكان ورقة يقرأ الكتاب العبراني ويترجمه بالسريانية ولا يتغير، يبقى أنه كتاب عبراني، وإلا لو كان وهو عربيا نعم، لو كانت التوراة إذا ترجمت بالعربية صارت قرآنا لقال ورقة: أنا أعرف هذا من قبل، نعم، قال: أنا أعرف هذا من قبل، ليس بجديد هذا الذي أتيت به؛ لأنه يترجم من التوراة، يترجم من الإنجيل بالعربية، نعم، وإذا قلنا: الكلام واحد إذاً سورة اقرأ هي عندهم لكنها بلغاتهم، فإذا ترجمت بالعربية رجعت إلى اقرأ، مع الأسف أن هذا يقول به فئام، وقد ضلت فرق كثيرة في القرآن ، منهم من يقول: هو مخلوق، ويجعله كغيره من المخلوقات، ومنهم من يقول: هو واحد لا يتغير وهو كلام الله، ويعبرون بذلك عن الكلام النفسي، الكلام النفسي والملك هو الذي يعبر للأمم عن الكلام النفسي، وينزل عليهم ما يناسبهم من هذا الكلام بلغتهم، لكن هل الكلام النفسي كلام ترتب عليه أحكام؟ ليس بكلام، بل هو حديث نفس، وحديث النفس معفو عنه، ويجعل القرآن من هذا النوع، يعني يجعل القرآن حديث نفس، حديث النفس المعفو عنه ولو كان من أقبح القبيح معفو عنه، لو كان كلاما في الذات الإلهية لكنه لا يعدو أن يكون حديث نفس، يؤاخذ عليه الإنسان؟ لا يؤاخذ عليه ما لم ينطق، والنطق هو الكلام، فجعل النطق قسيم للكلام النفسي، جعل النطق (ما لم ينطق) قسيم للكلام النفسي، إذاً الكلام النفسي -الحديث النفسي- ليس بكلام؛ لأنه جعل قسيماً للكلام (ما لم يتكلم).

قراءة القرآن بالأعجمية وبالمعنى وتفسيره بالرأي:

"وتحرم قراءته بالعجمية وبالمعنى" ولذا الذي لا يحفظ القرآن وهو قد ندب نفسه لطب العلم الشرعي ويريد ما جاء في فضل العلم والعلماء يخفق؛ لأنه قد يحتاج إلى شيء يستدل له من كلام الله -عز وجل- ولا يستطيع استحضار الآية، ولا يتاح له أن يعبر عنها بالمعنى، كما هو شأن الحديث النبوي.

"وتفسيره بالرأي لا تأويله" نعم قد يقول طالب علم: أنا حريص على العلم الشرعي، لكن الحافظة ضعيفة، وحاولت، حاولت أن أقرأ القرآن، أحفظ القرآن ما استطعت، نقول: أجرك على قدر نصبك، ولك من الأجر بقدر ما قصدت، ولعل الله -جل وعلا- ألا يحرمك من أجر الحفاظ، إذا طلبت ذلك بصدق.

وقد بين ابن القيم المراد بأهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته يقول: "أهل العناية به قراءةً وتدبراً وفهماً وإقراءً وعملاً ولو لم يحفظوه" وهذا يفتح آفاقا أمام أقوام فاتهم القطار، ما حفظوا وكبرت عندهم السن، وصعب عليهم حفظ القرآن، فعليهم أن يعنوا بقراءته نظراً ويتدبروه ويراجعوا عليه كلام أهل العلم من أجل فهمه وما يعين على ذلك، ويدخلون في هذا -إن شاء الله تعالى-.

"وتحرم قراءته بالعجمية وبالمعنى، وتفسيره -يحرم تفسيره- بالرأي لا تأويله"، تفسيره بالرأي حرام، وقد جاء النهي الشديد عن القول بالقرآن بغير علم، التفسير تفسير القرآن بمجرد الرأي حرام، "لا تأويله" الفرق بينهما أن تأتي إلى كلمة في القرآن أول مرة أو تسمعها سماعا ولم تراجع عليها شيء، وليست من الكلمات المتداولة التي يعرفها الناس كلهم فتقول: معناها كذا برأيك، (أغطش) تأتي تقول معنى: أغطش كذا برأيك من غير مراجعة لكتب أهل العلم الذين تلقوا التفسير عن النبي وعن صحابته، وعن سلف هذه الأمة -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كان لم يكن لك سلف في معنى هذه الكلمة، هجمت عليها من غير سابقة علم فقلت: معناها كذا، هذا ماذا؟ تفسير بالرأي، لكن إذا طالعت عليها كلام أهل العلم ووجدت فيها اختلاف بينهم ورجحت أحد هذه المعاني، نعم، رجحت أحد هذه المعاني المحتملة، نعم، هذا تأويل، وإن قرنت ذلك بحرف الترجي كان أحوط، لماذا؟ لأن من يتصدى لتفسير كلام الله -جل وعلا- قد نصب نفسه لتعيين مراد الله -جل وعلا-، فإذا كان يعين ما يريده الله -جل وعلا- من هذه الكلمة أو من هذه الآية أو من هذه الجملة بغير علم، {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [(169) سورة البقرة] الأمر عظيم، لكن إذا نظرت في أقوال أهل العلم الموثوقين ووازنت بين أقوالهم ووجدت بينهم خلاف وترجح لديك أحد هذه الأقوال، وقلت: لعل المراد كذا، برئت من العهدة.

قد يقول قائل: لماذا لا أقول في أغطش وأنا لم أرجع: لعل المراد كذا؟ نقول: الأمر إذا لم تجزم بأن هذا هو مراد الله -جل وعلا- من هذه الآية أو من هذه الكلمة وجئت بحرف الترجي، وأنت في مجال بحث ولست عند عوام، بل عند طلاب علم، تبحثون لعل المراد كذا، لعل المراد كذا، لا مانع، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما ذكر السبعين الألف، الصحابة قالوا: لعلهم كذا، لعلهم كذا، لعلهم كذا، فخرج إليهم ولم يثرب عليهم، هو ما فيهم ولا واحد أصاب، ولا ثرَّب عليهم، لماذا؟ لأنهم جاءوا بحرف الترجي، فإذا قلت: لعل المراد كذا من غير إصرار، فالذي يظهر أن الأمر فيه سعة، لكن الإشكال في الجزم والقول على الله بلا علم، وهذا يدخل في حيز الكذب على الله -جل وعلا-؛ لأنك قولته ما لم يقل، حملت كلامه ما لا يحتمل.

طيب نقف هنا؛ لأن الموضوع الآتي المكي والمدني قد يحتاج إلى طول، والأسئلة كثيرة، ونأخذ منها ما يتيسر.

..

نقف هنا لامتداد الوقت، وكثير من الأسئلة أيها الإخوة يأمل من فضيلة الشيخ يعني أن يعيد بعض النقاط في الشرح ونعتذر لهذا عن فضيلة الشيخ؛ لأن الإعادة تذهب بالوقت، وتضيع علينا بعض الأسئلة، ثم إن المحاضرة كبقية الدورة كلها مسجل ومحفوظ في أشرطة، فإن شاء الله بعد أسبوع تكون موجودة في محلها من التسجيلات، ونرجئ الأسئلة إلى الغد، ونسأل الله -جل وعلا- أن يضاعف مثوبة شيخنا، ويجزيه عنا الجزاء الأوفى، ونشكر لكم حضوركم، ونسأل الله أن يثيبكم، وأن يجعل عملكم خالصاً لوجه الله الكريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه أجمعين.