هَذَا الْكتاب ثَانِي كتاب صنف فِي صَحِيح الحَدِيث ووسم بِهِ وَوضع لَهُ خَاصَّة سبق البُخَارِيّ إِلَى ذَلِك وَصلى مُسلم ثمَّ لم يلحقهما لَاحق وكتاباهما أصح مَا صنفه المصنفون، وَالْبُخَارِيّ وَكتابه أَعلَى حَالا فِي الصَّحِيح، وَكَانَ مُسلم مَعَ حذقه ومشاركته لَهُ فِي كثير من شُيُوخه أحد المستفيدين مِنْهُ والمقرين لَهُ بالأستاذية، قَالَ الإمام مسلم-رحمه الله-: "صنفت هَذَا الْمسند الصَّحِيح من ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث مسموعة"، وقال مكي بن عَبْدَانِ وَهُوَ أحد حفاظ نيسابور: سَمِعت مُسلم بن الْحجَّاج يَقُول لَو أَن أهل الحَدِيث يَكْتُبُونَ مِائَتي سنة الحَدِيث فمدارهم على هَذَا الْمسند يَعْنِي مُسْنده الصَّحِيح، قَالَ وَسمعت مُسلما يَقُول: عرضت كتابي هَذَا الْمسند على أبي زرْعَة الرَّازِيّ فَكل مَا أَشَارَ أَن لَهُ عِلّة تركته وكل مَا قَالَ إِنَّه صَحِيح وَلَيْسَ لَهُ عِلّة أخرجته وَورد عَن مُسلم أَنه قَالَ: مَا وضعت شَيْئا فِي هَذَا الْمسند إِلَّا بِحجَّة وَمَا أسقطت مِنْهُ شَيْئا إِلَّا بِحجَّة. قال أبو عَليّ الْحُسَيْن بن عَليّ النَّيْسَابُورِي: مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء أصح من كتاب مُسلم بن الْحجَّاج فِي علم الحَدِيث.
ويمتازكتاب مُسلم بِكَوْنِهِ أسهل متناولا من حَيْثُ إِنَّه جعل لكل حَدِيث موضعا وَاحِدًا يَلِيق بِهِ يُورِدهُ فِيهِ بِجَمِيعِ مَا يُرِيد ذكره فِيهِ من أسانيده المتعددة وَأَلْفَاظه الْمُخْتَلفَة فيسهل على النَّاظر النّظر فِي وجوهه واستثمارها بِخِلَاف البُخَارِيّ فَإِنَّهُ يُورد تِلْكَ الْوُجُوه الْمُخْتَلفَة فِي أَبْوَاب شَتَّى مُتَفَرِّقَة بِحَيْثُ يصعب على النَّاظر جمع شملها واستدراك الْفَائِدَة من اختلافها،
ولصحيح مسلم شروح كثيرة، أهمها:
1ـ المعلم بفوائد مسلم/تأليف المازري ت536 هـ / 3 مجلدات.
2ـ إكمال المعلم / تأليف القاضي عياض ت 544 هـ
3ـ المفهم شرح تلخيص صحيح مسلم / تأليف أبي العباس القرطبي ت656 هـ
4- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج/ تأليف النووي ت 676 هـ
6ـ إكمال إكمال المعلم / تأليف الأبي ت 728 هـ ، وغيرها.
هُوَ مُسلم بن الْحجَّاج بن مُسلم أَبُو الْحُسَيْن الْقشيرِي النّسَب النَّيْسَابُورِي الدَّار والموطن عَرَبِيّ صليبة أحد رجال الحَدِيث من أهل خُرَاسَان، رَحل فِيهِ رحْلَة وَاسِعَة وصنف فِيهِ تصانيف نافعة فَسمع بخراسان يحيى بن يحيى التَّمِيمِي وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَغَيرهمَا وبالري مُحَمَّد بن مهْرَان الْجمال وَأَبا غَسَّان مُحَمَّد بن عَمْرو زنيجا وَغَيرهمَا وبالعراق أَحْمد بن حَنْبَل وعبد الله بن مسلمة القعْنبِي وَغَيرهمَا وبالحجاز سعيد بن مَنْصُور وَأَبا مُصعب الزُّهْرِيّ وَغَيرهمَا وبمصر عَمْرو بن سَواد وحرملة بن يحيى وَغَيرهمَا فِي خلق كثير وَالله أعلم.
روى عَنهُ من الأكابر أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ ومُوسَى بن هَارُون وَأحمد بن سَلمَة وَأَبُو بكر ابْن خُزَيْمَة وَمُحَمّد بن عبد الْوَهَّاب الْفراء ومكي بن عَبْدَانِ وَأَبُو حَامِد بن الشَّرْقِي وَالْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن زِيَاد القباني وَإِبْرَاهِيم بن أبي طَالب وَأَبُو عَمْرو الْمُسْتَمْلِي وَصَالح بن مُحَمَّد الْحَافِظ الملقب جزرة وَأَبُو عوَانَة الإِسْفِرَايِينِيّ وَأَبُو الْعَبَّاس السراج وَنصر بن أَحْمد الْحَافِظ الملقب نصرك وَسَعِيد بن عَمْرو البردعي الْحَافِظ فِي آخَرين
وصنف- رحمه الله- غير " الصحيح" كتبا مِنْهَا: كتاب الْمسند الْكَبِير على الرِّجَال، وَكتاب الْجَامِع الْكَبِير على الْأَبْوَاب، وَكتاب الْعِلَل، وَكتاب ذكر أَوْهَام الْمُحدثين، وَكتاب التَّمْيِيز، وَكتاب من لَيْسَ لَهُ إِلَّا راو وَاحِد، وَكتاب طَبَقَات التَّابِعين، وَكتاب المخضرمين، وَغير ذَلِك، وَقد كَانَ لَهُ رَحْمَة الله فِي علم الحَدِيث ضرباء لَا يفضلهم وَآخَرُونَ يفضلونه فرفعه الله تبَارك وَتَعَالَى بكتابه الصَّحِيح هَذَا إِلَى منَاط النُّجُوم وَصَارَ إِمَامًا حجَّة يبْدَأ ذكره ويعاد فِي علم الحَدِيث وَغَيره من الْعُلُوم وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء
توفى مُسلم بن الْحجَّاج رَحمَه الله عَشِيَّة يَوْم الْأَحَد وَدفن يَوْم الِاثْنَيْنِ لخمس بَقينَ من رَجَب سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ ابْن خمس وَخمسين سنة وَهَذَا يتَضَمَّن أَن مولده كَانَ فِي سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ وَالله أعلم.
----------------------------------------------------
راجع: صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح، ص: 55