هذا الحديث لا أصل له في المرفوع، يقول الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): (اختلف في حد الجوار، فجاء عن علي -رضي الله عنه-: من سمع النداء فهو جار، وقيل: من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار، وجاء عن عائشة -رضي الله عنها-: حد الجوار أربعون دارًا من كل جانب، وعن الأوزاعي مثلُه، وأخرج البخاري في (الأدب المفرد) مثله عن الحسن، وللطبراني بسند ضعيف عن كعب بن مالك مرفوعًا: «ألا إن أربعين دارًا جار» [المعجم الكبير: 143]، وأخرج ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب: أربعون دارًا عن يمينه وعن يساره ومن خلفه ومن بين يديه)، وهذا كله لا يثبت مرفوعًا، فالتحديد لا يثبت فيه شيء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكل ما جاء تحديده عنه -عليه الصلاة والسلام- فلا يصح، وحينئذٍ يعرف تحديد الجار بالعرف، فما سماه الناس جارًا فهو جار يدخل في النصوص التي جاءت بالحث على إكرامه كقوله –صلى الله عليه وسلم-: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره» [البخاري: 6019]، وقوله: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» [البخاري: 6015].
وعلى كل حال الجار له حق عظيم، وإذا كان مسلمًا فله حقان، وإذا كان مسلمًا من قرابته فله ثلاثة حقوق، وحينئذٍ يُترك تحديد هذا المسمى بالعرف، فما تعارف الناس على أن هذا المقدار من البيوت المتجاورة يُسمون جيرانًا فيدخل في النص، وكذلك سائر النصوص التي جاءت مطلقة في الشريعة لا تحدد إلا بنص، وإلا فيُرجع فيها إلى العرف.
وإذا تساوى الجيران في الرتبة بأن كانوا كلهم مسلمين فلا شك أن الأقرب للبيت أولى في حق الجوار؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عن الأولى بالصلة من الجيران فقال: «أقربهما منك بابًا» [البخاري: 2259]، ولا شك أن الجار الذي بابه مجاورٌ لبابك، أو يراك إذا دخلت وإذا خرجت، ويرى ما معك إذا دخلت به وخرجت به، لا شك أن مثل هذا تتعلق نفسه وتتوق نفسه ونفوس أولاده لما تدخل به إلى بيتك ويستشرف لذلك، فهو أولى بالصلة من غيره.