تعليق على تفسير سورة البقرة (39)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسَلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثيرٍ -رَحِمَهُ الله تَعَالَى-:

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة:115].

وَهَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- فِيهِ تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ مَكَّةَ وَفَارَقُوا مَسْجِدَهُمْ ومُصَلاهم، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بمكةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ والكعبةُ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وُجِهَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّهُ إِلَى الْكَعْبَةِ بعدُ، وَلِهَذَا يَقُولُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَا نُسِخَ لنا مِنَ الْقُرْآنِ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- شأنُ الْقِبْلَةِ: قَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فاستقبل رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَتَرَكَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، ثُمَّ صَرَفَهُ إِلَى بَيْتِهِ الْعَتِيقِ وَنَسَخَهَا".

"ثُمَّ صَرَفَهُ إِلَى بَيْتِهِ الْعَتِيقِ وَنَسَخَهَا، فَقَال" ..التكرار.

طالب: ...

"ثُمَّ صَرَفَهُ إِلَى بَيْتِهِ الْعَتِيقِ ونسخها فقال".

طالب: بعدها وصرفه إلى البيت العتيق..

مرة ثانية؟ اقرأها، ماذا قال المفسر؟ التعليق؟ لأن "ثُمَّ صَرَفَهُ إِلَى بَيْتِهِ الْعَتِيقِ ونسخها فقال"، مُكررة مرتين، له داعٍ؟ التكرار له داعٍ؟

طالب: ...

ما يحتاج (ثُمَّ)، الجملة هي هي. قال: ثُمَّ، أو ما قال؟

طالب: ...

ما تضرك (ثُمَّ) هذه.. تكرارها ما له وجه. يعني كونه موجودًا في ستين صفحة يكون أصلها واحدًا، كُررت سهوًا من الناسخ، ثمَّ تناقلها النُسَّاخ من بعده، ما يمنع. ما فيه تكرار، ما لها معنى.

وعلى كل حال، المُعلِّق يقول: الخبر ضعيف الإسناد صحيحٌ لغيره، لمَ لا يصير حسنًا لغيره؟ ما قال عندكم؟ مخرج؟ ماذا يقول؟

طالب: يقول: وأخرجه ابن جرير، قال: حَدَّثني المُثنى وابن إبراهيم، وأخرجه البيهقي من طريق عثمان بن سعيدٍ الدارمي، وأبو جعفر النحَّاس في ((الناسخ والمنسوخ))، قال: حدَّثنا بكر بن سهل، قال: حدَّثنا عبد الله بن صالح، قال: حدَّثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.

لا، هذا الثاني. خبر علي بن أبي طلحة الذي يليه.

هو عندنا قال: ضعيف الإسناد، صحيحٌ لغيره، ما يأتي.

طالب: يقول: أخرجه ابن أبي حاتم، قال: حدَّثنا الحسن بن محمد ...

ولو كان، الضعيف ما يرتقي إلا إلى الحَسَن لغيره فقط.

طالب: ...

هو قال: ضعيف الإسناد صحيحٌ لغيره. العلماء قاطبة، ما يرون الضعيف يرتقي درجتين، يرتقي درجة واحدة. الضعيف ما يرتقي إلا درجة واحدة. ابن كثير هو الذي قال: لو كان الشاهد أو المُتابِع في أحد الصحيحين، يُمكن أن نقول: صحيح. وهنا ما فيه شيءٍ من ذلك، رواه ابن أبي حاتم والحاكم في ((المُستدرك))، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين، والبيهقي في سُننه، والواحدي في ((أسباب النزول))، يقول: قلت: عطاء لم يُدْرِك ابن عباس.

طالب: ...

ما قال إلا هذه الكلمة، الحاكم؟ ألم يُصحح حديث الطير وهو موضوع بالاتفاق؟

قلت: عطاء لم يُدْرِك ابن عباس، فالحديث مُنقَطِع، وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر. هم اعتمدوا على الشيخ أحمد شاكر، واعتمادٌ على الشيخ أحمد شاكر مثل الحاكم.

طالب: ...

ما ينفع أبدًا.

طالب: ...

كل المذكورين في هذه السلسلة، كلهم متساهلون. الشيخ أحمد شاكر من أشدهم تساهلاً، ويقول: وثَّق في الترمذي أكثر من عشرين راويًا، عامة أهل العلم على تضعيفهم. كلهم عندنا مدونون بالأسماء.

طالب: ...

واسع الخطو، هو يعتمد على الترمذي، والترمذي، جمع من أهل العلم لا يعتمد على تصويبه.

طالب: ...

أوسع من ابن حبان، أحمد شاكر، رَحِمَ الله الجميع.

المقصود أن الجملة الثانية لا محل لها.

"ونَسَخَهَا، فَقَالَ: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس قال: كان أول ما نُسِخَ مِنَ القُرْآن القبلة. وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ -وَكَانَ أهلُها اليهودَ- أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ. فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ".

يعني من باب التأليف لليهود، وكان النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-  في أول الأمر يُحب موافقتهم، يعني: من باب التأليف. فلما أيس من إسلامهم، خالفهم. ولذلك.. لما هاجر إلى المدينة، وجدهم يصومون عاشوراء، فصام -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-. وقال: «نحنُ أحقّ بموسى منهم»، ولم يخالفهم في صيام التاسع إلا في آخر سنة من حياته، لما أيس من إسلامهم خالفهم، وأمر بمخالفتهم.

"فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ يَدْعُو وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} فَارْتَابَ مِنْ ذَلِكَ الْيَهُودُ، وَقَالُوا: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ التِي كَانُوا عَلَيْهَا؟، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}"

{وَلِلَّهِ}، الآية التي معنا.. {وَلِلَّهِ}. لكن، هل هذه نزلت بعد: {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا} [سورة البقرة:142] أو قبلها؟

طالب: {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ليست في هذه الآية.

ما هي موجودة عندنا، أنزل الله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}، وقال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.

طالب: عندنا: "فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}".

الكلام على الآية التي معنا، هل هي بعد نزول: {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ}، أو أن الأليق أن الآية التي هي تكملة للآية السابقة أو بعدها {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}؟

المقصود أن الآية التي معنا هي بمعنى الآية المذكورة: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}، فهل هذه الآية نزلت بعد تلك؟ أو أن هذه الآية لا ارتباط بمسألة تغيير القبلة ونسخ القبلة؟ وفي الآيات التي نزلت النسخ، ما يقوم مقام هذه الآية.

طالب: ...

على كلامهم في الروايات التي مرَّت بنا: أن أول ما نُسِخَ القبلة. مسألة القبلة هي أول ما حصل من نسخ، لكن هل النسخ تأخَّر في الأحكام؟ ما نُسِخَ ولا حكم، حتى صلى النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بعد الهجرة، ستة عشرة أو سبعة عشرة شهرًا، ليكون أول ما نُسِخَ؟

يقول عندنا: "أَوَّلُ مَا نُسِخَ لنا مِنَ الْقُرْآنِ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا"، معروف أن الخبر ضعيف. وتكرر هذا في الخبر الذي يليه: كان أول ما نسخ من القرآن القبلة. وعرفنا أن عطاء لم يُدرِك ابن عباس، وعلي بن أبي طلحة لم يدرك ابن عباس، لكن صحيفة علي بن أبي طلحة، التي يرويها عن ابن عباس، تُلقِّيَت بالقبول، ونقل منها البخاري أشياء في تراجم كتابه، ما نقل فيها شيئًا في الأصول، لا، في التراجم ذكر منها.

طالب: ...

هو استداركنا الأول ما هو على أن يرتقي الخبر عن الضعف، لكنه من ضعيف إلى صحيح، هذه المسألة تحتاج إلى نظر. واعتماده، ما ذكر عندنا شيء إلا، يعني: شيء ينهض بالخبر إلا تصحيح ابن حبان، تصحيح الحاكم، وتصحيح أحمد شاكر.

الشيخ أحمد شاكر أوسع خطوًا من الترمذي؛ لأن جمهور أهل العلم لا يعتدون بتصحيح الترمذي، وواقع كتابه يشهدُ بذلك، صحح أحاديث أسانيدها منقطعة، وصحح أحاديث في أسانيدها رواة ضعفاء، ومنهم من هو شديد الضعف. ثمَّ جاء الشيخ أحمد شاكر، قال: والصواب أن تصحيح الترمذي مُعتبَر وتوثيقٌ لرجاله، هذا أوسع من كلام الترمذي. يعني: مجرد ما يروي الترمذي عن راوٍ ويقول: حسنٌ صحيح، خلاص، هذا الراوي ثقة عنده. قد يكون تصحيح الترمذي نظرًا لطرقه، ما هو لهذا الراوي. قال: لا، وتوثيق لرجاله. مما يدلُّ على تساهل الشيخ أحمد شاكر أكثر من الترمذي.

"فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}"

وَقَالَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}"

عندك {يَهْدِي مَن يَشَاءُ}؟

طالب: نعم، عندي {قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [سورة البقرة:142].

يعني في الموضع الأول؟

طالب: نعم، {قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ}.

"وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قَالَ: قِبْلَةُ اللَّهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهْتَ شَرْقًا أَوْ غَرْبًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قَالَ: قِبْلَةُ اللَّهِ، وقال مجاهد: حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَلَكُمْ قِبْلَةٌ تَسْتَقْبِلُونَهَا: الْكَعْبَةُ".

الكعبة.

طالب: ...

فَلَكُمْ قِبْلَةٌ تَسْتَقْبِلُونَهَا: الْكَعْبَةُ.

طالب: ...

فَلَكُمْ قِبْلَةٌ تَسْتَقْبِلُونَهَا، هي الْكَعْبَةُ.

طالب: ...

 

فَلَكُمْ قِبْلَةٌ تَسْتَقْبِلُونَهَا، ما هذه القبلة؟ الْكَعْبَةُ.

"وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بَعْدَ رِوَايَتِهِ الْأَثَرَ الْمُتَقَدِّمَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي نَسْخِ الْقِبْلَةِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْهُ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَقَتَادَةَ، وَالسُّدِّيِّ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، نَحْوَ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ التَّوَجُّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ".

وهذا الظاهر أن هذه قبل النسخ، وتُحْمَل على من اجتهد فأخطأ أو صلى على الدابة.

طالب: ...

لا، هذه محمولة على من اجتهد في موضع الاجتهاد فأخطأ. مثلاً صلوا بالليل، ولما أصبحوا وجدوا أن صلاتهم إلى غير جهة القبلة.

نقول: هذه الآية لا علاقة لها بالنسخ، إنما تدلُّ على أن الإنسان إذا اجتهد في مكانٍ يسوغ فيه الاجتهاد. لأن العلماء يقولون: إن البُلدان ليست محل اجتهاد. فإذا اجتهد وبذل وسعه وصلى إلى غير القبلة، {لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}. أو صلى على راحلته حيثما توجهت به، {لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}.

طالب: ...

لا، ما علاقتها بالتي بعدها؟ آية النسخ. ولذلك يكون المُتجه: فأنزل الله {قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [سورة البقرة:142]، ما هي هذه الآية.

"وَإِنَّمَا أَنْزَلَهَا تَعَالَى لِيُعْلِمَ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابَهُ أَنَّ لَهُمُ التَّوَجُّهَ بِوُجُوهِهِمْ للصلاة، حيث شاؤوا مِنْ نَوَاحِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُوَجِّهُونَ وُجُوهَهُمْ وَجْهًا مِنْ ذَلِكَ وَنَاحِيَةً إِلَّا كَانَ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ- فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ وَتِلْكَ النَّاحِيَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَعَالَى الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ، وَأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ".

وهذه العبارة سينتقدها المؤلف -رَحِمَهُ الله-.

"كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [سورة الْمُجَادَلَةِ: 7] قَالُوا: ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْفَرْضِ الذِي فُرِضَ عَلَيْهِمُ التوجُّهَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

هَكَذَا قَالَ، وَفِي قَوْلِهِ: وَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ: إِنْ أَرَادَ عِلْمَهُ تَعَالَى فَصَحِيحٌ؛ فَإِنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، وَأَمَّا ذَاتُهُ تَعَالَى فَلَا تَكُونُ مَحْصُورَةً فِي شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم-".

يقول المُعَلِّق، ينقل عن الشيخ أحمد شاكر، قال: ولا يُفْهَم من كلام الطبري إلا الوجه الأول. يعني: لا يخلو مكانٌ من علمه -جلَّ وعلا-، لا من ذاته، كما يقول أهل الحلولية: أنه لا يخلو منه مكان، حالٌّ في كل مكان. هذا قولٌ مُبتدَّع، بل بدعةٌ مُغلَّظة عند أهل العلم. بل هو على عرشه، بائنٌ من خلقه، وعلمه مُحيطٌ بكل شيء.

طالب: ...

يقول الشيخ أحمد شاكر: لا يُفْهَم من كلام الطبري إلا الوجه الأول الصحيح، وقد صرَّح بذلك في تفسير سورة المجادلة. قال الشيخ شاكر: ولكن هذه الشبهة إنما جاءت بما غلب على الناس من اصطلاحات علماء الكلام المتأخرين، حتى تكاد تُخْرِج العربية من دلالتها الصحيحة. هذا في ((عُمدة التفسير على الحافظ ابن كثير)) للشيخ أحمد شاكر.

"إِنْ أَرَادَ عِلْمَهُ تَعَالَى فَصَحِيحٌ"؛ لأنه مُحيط بجميع المخلوقات والمعلومات. "وَأَمَّا ذَاتُهُ تَعَالَى فَلَا تَكُونُ مَحْصُورَةً فِي شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ"، يعني: كونه في كل مكان يدلُّ على أنها محصورة؛ لأنه يريد أن ينتقد الفهم الثاني للعبارة، أنه في كل مكان بذاته، يريد أن ينتقد ذلك، قال: "وَأَمَّا ذَاتُهُ تَعَالَى فَلَا تَكُونُ مَحْصُورَةً فِي شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ"، هل هذا الرد يُناسب قولهم إنه بذاته في كل مكان؟ تأملوا يا إخوان.

طالب: ...

نعم، ولكن "فَلَا تَكُونُ مَحْصُورَةً فِي شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ".

طالب: ...

إذا كان ما هو محصور في مكانٍ واحد، نقول: محصور؟ ليس محصورًا في أماكن معينة، في كل الأماكن، يصير حصرًا هذا؟ ما يصير حصرًا.

طالب: ...

في كلها، في كل مكان، يصير محصورًا؟ لا، ما تأتي..

طالب: ...

لا، أنا أقول إن رد الحافظ ابن كثير -رَحِمَهُ الله تَعَالَى- فيه ما هو أوضح من ذلك وأدق، ولا يُطابق المردود عليه من كل وجه.

"وَأَمَّا ذَاتُهُ تَعَالَى فَلَا تَكُونُ مَحْصُورَةً فِي شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا". يعني أدلة العلو والاستواء ترد على الحلولية، تكفي، كافية، أكثر من ألف دليل على العلو، كلها ترد على من يقول: إنه حالٌّ في كل مكان. وفصلَّها ابن القيم -رَحِمَهُ الله- في ((الصواعق)) وفي ((النونية))، وفي كثيرٍ من مؤلفاته.

طالب: ...

الرد لا يُطابق المردود الآن، لكن صوابه أن نقول: أدلة العلو، ومنها أدلة الاستواء على العرش تردُّ قول الحلولية.

"قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- إِذْنًا مِنَ اللَّهِ أَنْ يُصَلِّيَ التَّطَوُّعَ حَيْثُ تَوَجَّهَ مِنْ شَرْقٍ أَوْ غَرْبٍ، فِي مَسِيرِهِ فِي سَفَرِهِ، وَفِي حَالِ الْمُسَايَفَةِ وَشَدَّةِ الْخَوْفِ.

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا عبد الملك -هو ابن أبي سليمان- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ. وَيَذْكُرُ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

وطبعًا هذه صورة من صور..، أو مفرد من مفردات الآية: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}.

"وَيَذْكُرُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَيَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدُوَيه، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، بِهِ. وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْن عُمَرَ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْآيَةِ.

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَصَفَهَا ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ كان خوف أشدَّ من ذلك صلوا رجالاً قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَرُكْبَانًا مُسْتَقْبَلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا.

قَالَ نَافِعٌ: وَلَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

مَسْأَلَةٌ: وَلَمْ يُفَرِّقِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، بَيْنَ سَفَرِ الْمَسَافَةِ وَسَفَرِ الْعَدْوَى، فَالْجَمِيعُ عَنْدَهُ يَجُوزُ التَّطَوُّعُ فِيهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَجَمَاعَتِهِ، وَاخْتَارَ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ، التَّطَوُّعَ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْمِصْرِ، وَحَكَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَاخْتَارَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ، حَتَّى لِلْمَاشِي أَيْضًا".

لكن الفرق بين سفر المسافة وسفر العدوى، ما المراد بسفر العدوى؟

طالب: ...

ما المقصود بالعدوى؟ يقول: المكان البعيد عنك؟

هو المقصود بالمسافة التي هي مسافة القصر، فإذا تحققت مسافة القصر جاز التنفُّل على الراحلة، الدابة. والنبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لم يثبت عنه أنه تنفَّل على الدابة في المصر، وإنما هي في السفر، ما ثبت عنه. ولذلك جمهور أهل العلم لا يرون التنفُّل على الدابة في الحضر، بينما في السفر ثبت عنه -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أنه كان يصلي النافلة على الراحلة.

طالب: ...

ما يُسمى سفرًا، أقل من مسافة القصر ما يُسمى سفرًا.

على كل حال، الإشكال في مسافة العدوى.

طالب: ...

عدوى، وما يصلي على راحلة، كيف؟

طالب: ...

من الجري وهو على الراحلة؟! الكلام في الصلاة على الراحلة.

طالب: ...

ما تجيء.

طالب: ...

سفر المسافة وسفر العدوى، المقابلة تقتضي هذا، المقابلة بالمسافة يعني: المسافة التي هي مسافة القصر، هذا اصطلاح أهل العلم. سفر العدوى أو العدو لا شك أن الاصطلاح غامض، وإلا فأهل العلم يرون السفر المُباح والسفر الذي فيه العدوان، الذي هو سفر المعصية. ولا يرى الجمهور الترخُّص في سفر المعصية. ولا شك أن الصلاة على الراحلة ترخُّص، فإن كان هذا هو المقصود، ولا سيما أنه وافق الشافعي أبو حنيفة. لكن لا يُعرف عن الشافعي- رَحِمَهُ الله- أنه يُجيز الترخُّص في سفر المعصية. هو معروف عند الحنفية، لكن عند الشافعية لا.

طالب: ...

أو دونه.

طالب: ...

يُسمى عدوى؟ له اصطلاح غامض، يعني ما يكشفه إلا ((المجموع)) للنووي.

طالب: ...

سفر المسافة مفروغٌ منه.

طالب: ...

لا، المسافة هي مسافة القصر المعروفة، المتفق عليها عند أهل العلم.

طالب: ...

على كلامهم هي أقل؛ لأنه ما جاز في سفر المسافة، فما فوقها من باب أولى. يبقى النظر فيما دونها.

قال: "وَاخْتَارَ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ، التَّطَوُّعَ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْمِصْرِ"، هذا مروي عن أنس بن مالك. وإلا فالجماهير لا يرون التطوع على الدابة في الحضر، وهذا القول يُمكن أن يُحتاج إليه إذا احتاج الإنسان إلى ركوب السيارة في الحضر، وخشي على الراتبة أن تفوت، ولو نزل فات أمرٌ يشق عليه فواته، يمكن أن يُحتاج إلى مثل هذا القول. وإلا لم يثبت عنه -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أنه تطوَّع على الدابة في الحضر، هو مذكور عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-.

طالب: ...

هو الأصل أنه للمسافر، إنما ما ثبت عنه -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أنه صلى على الدابة إلا في السفر. والسفر إذا أُطْلِق عند أهل العلم يُحْمَل على ما يجوز الترخُّص فيه، وهذه رخصة من الرخص.

"وَاخْتَارَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ، حَتَّى لِلْمَاشِي أَيْضًا"؛ لأن الماشي وإن أمكنه الركوع والسجود إلى جهة القبلة، فإنه في وقت المشي لا شك أنه يعوقه عن سيره إلى الجهة التي يريد، والترخُّص أو الترخيص في مثل هذا، لا شك أنه يحُث على كثرة التطوُّع.

وتكثر الأسئلة عمن يجلس في السيارة أوقات طويلة ويرغب في الصلاة، والصلاة خيرُّ مُستكثرٍ منه. يمضي ساعة في السيارة، لو أتيحت له هذه الرخصة لاستكثر من الصلاة، بخلاف ما لو مُنِعَ منها. فمثل هذه الظروف، وقد وُجِدَ الأصل والمانع من ذلك: عدم التوجه إلى القبلة، حتى في السفر والحضر. وإذا ترك التوجُّه، وهو شرط من شروط الصلاة في السفر، فالحضر ما هو بعيدٌ منه، لا سيما مع شدة الحاجة إليه، كما هو في عصرنا هذا. وقد وُجِدَ له أصل من فعل أنس بن مالك، وهو خادم النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، ويعرف من أحواله ما لا يعرفه غيره.

نافلة أم..؟ هذا الذي نقوله: في المصر، ما هو مسافر.

أما السفر، فثابت عنه -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

"قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ عُمِّيتْ عَلَيْهِمُ الْقِبْلَةُ، فَلَمْ يَعْرِفُوا شَطرها، فَصَلَّوْا عَلَى أَنْحَاءَ مُخْتَلِفَةٍ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لِيَ الْمَشَارِقُ وَالْمَغَارِبُ فَأَيْنَ"

فأنَّى، مثل الآية: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ} [سورة البقرة:115]...

"فَأَيْنَ وَلَّيْتُمْ وُجُوهَكُمْ فَهُنَالِكَ وَجْهِي، وَهُوَ قِبْلَتُكُمْ فَيُعْلِمُكُمْ بِذَلِكَ أَنَّ صَلَاتَكُمْ مَاضِيَةٌ".

وعلى هذا الآية لا علاقة لها بالنسخ، الآيات اللاحقة في بداية الجزء الثاني لا ارتباط لها بهذه الآية، وتُحْمَل هذه الآية على من أخطأ بعد الاجتهاد، أو صلى على الدابة، فلا يلزمه أن يستقبل القبلة.

"حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ".

أحمد أم محمد؟

طالب: يقول: في (ن) محمد وهو خطأ. شيخ الطبري هو أحمد بن إسحاق بن عيسى الأهوازي، وهو من شيوخ أبي داود، ومُترجم في التهذيب.

نعم، لا سيما أنه في ((الأزهرية)) أقدم النُسَخ: أحمد.

طالب: يقول: محمد وهو خطأ.

طالب: ...

نعم؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح: «بين المشرق والمغرب قبلة».

طالب: ...

بالمعنى يعني، ما هو بسياق الآية.

"قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قال: أخْبَرَنَا أَبُو الرَّبِيعِ السَّمَّانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ".

أو عبيد الله، عن عبيد الله بن عبد الله. عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عبيد الله، التبس عليه.

"عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَيْلَةٍ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَجَعَلَ الرَّجل يأخذُ الأحجارَ فَيَعْمَلُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ. فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْنَا إِذَا نَحْنُ قَدْ صَلَّيْنَا عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ صَلَّيْنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} الآية.

ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيع، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ السَّمَّانِ، بِنَحْوِهِ.

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، عَنْ وَكِيع. وَابْنِ مَاجَهْ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ السَّمَّانِ.

وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ السَّمَّانِ، وَاسْمُهُ: أَشْعَثُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ، وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ السَّمَّانِ، وَأَشْعَثُ يُضَعَّف فِي الْحَدِيثِ.

قُلْتُ: وَشَيْخُهُ عَاصِمٌ أَيْضًا ضَعِيفُ الْحَدِيثِ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَتْرُوكٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طريقٍ آخر، عَنْ جَابِرٍ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدُويه فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَبِيبٍ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ"

عبيد الله أم عبد الله؟

طالب: أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ.

"قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ الْعَرْزَمِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بَعَث رسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّة كُنْتُ فِيهَا، فَأَصَابَتْنَا ظُلْمَةٌ فَلَمْ نَعْرِفِ الْقِبْلَةَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَّا: قَدْ عَرَفْنَا الْقِبْلَةَ، هِيَ هَاهُنَا قِبَلَ الشِمَال. فصلُّوا وخطُّوا خُطُوطًا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ أَصْبَحَتْ تِلْكَ الْخُطُوطُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ. فَلَمَّا قَفَلْنَا مِنْ سَفَرِنَا سَأَلْنَا النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَكَتَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.

ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ العَرْزَمي، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، بِهِ.

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قُرِئَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ -وَأَنَا أَسْمَعُ- حَدَّثَكُمْ دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيرٍ فَأَصَابَنَا غَيْمٌ، فَتَحَيَّرْنَا فَاخْتَلَفْنَا فِي الْقِبْلَةِ، فَصَلَّى كُلُ رجلٍ مِنَّا عَلَى حِدَةِ، وَجَعَلَ أَحَدُنَا يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَنَعْلَمَ أَمْكِنَتَنَا، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِالْإِعَادَةِ، وَقَالَ: «قَدْ أَجَزَّأَتْ صَلَاتُكُمْ».

ثُمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَا قَالَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ".

طالب: ...

صلاة ليل، ما هي بفريضة ليقتدوا به. مع أن الخبر ضعيف. قال: ضعيفٌ، رواه الدارقطني، وفي ((مُستدرك الحاكم)) قال: حديثٌ صحيح، رواته كلهم ثقات، غير محمد بن سالم، فإني لا أعرفه بعدالةٍ ولا جرح. فكيف صار ثقة؟

طالب: ...

وهو لا يعرف عنه شيء، فمن لم يُذكر فيه شيء فهو مجهول. وهؤلاء الذين لا يُذْكَر فيهم جرح ولا تعديل، هؤلاء ثقات عند أحمد شاكر. كثيرًا ما يقول: ذكره البخاري في ((تاريخه))، وابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل))، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً، فهذه أمارة توثيقه.

أحمد شاكر في كثير من المواضع يقول هذا. لكن مع تساهله، يعني من باب الإنصاف، قراءة تحقيقاته وتخريجاته، وبيان بعض العلل التي يتنبه لها مما لا يتنبه لها كثير من طُلاب العلم اليوم، مما يُنْصَحُ به طالب العلم. لكن مع ذلك، ما يلزم تقليده في كل ما يقول.

"ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُويه أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ سرِيَّة فَأَخَذَتْهُمْ ضَبَابَةٌ، فَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى الْقِبْلَةِ، فَصَلَّوْا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ. ثُمَّ اسْتَبَانَ لَهُمْ بَعْدَ ما طلعت الشَّمْسِ أَنَّهُمْ صلوا لغير القبلة. فلما جاؤوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدَّثُوه، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.

وَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ فِيهَا ضَعْفٌ، وَلَعَلَّهُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَأَمَّا إِعَادَةُ الصَّلَاةِ لِمَنْ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَهَذِهِ دَلَائِلُ عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي سَبَبِ النَّجَاشِيِّ".

منهم من يقول: تجب الإعادة في الوقت، لا بعده. يعني: ما دام الوقت باقيًا تُعاد الصلاة، فإذا خرج الوقت انتهت، هذا قولٌ ثالث في المسألة.

"كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَام".

هِشَامُ بْنُ مُعَاذٍ.

طالب: يقول: في (ز) هشام بن معاذ، وهو خطأٌ مُحقق، وهو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الاستوائي، أحد الثقات. وُجلُّ روايته عن أبيه.

مع أنه يقول في ((الأزهرية)): معاذ بن هشام. ((الأزهرية)) ذكرت مرارًا أنها أول عرضة للكتاب، أول كتابة للكتاب من الحافظ ابن كثير: ((الأزهرية)). وقلل من شأنها الشيخ محمد رشيد رضا، وقال: إنها نسخة لا يوثق بها، وفيها تحريف وأسقاطٌ كثيرة. هي ما فيها أسقاط، ليس فيها أسقاط. هذه هي العرضة الأولى للكتاب، والحافظ ابن كثير زاد عليها نُقُولًا كاملة، ثلاثة أسطر، أربعة أسطر، أحيانًا خمسة من تفسير القرطبي، ومن تفسير الرازي، ومن تفسير الزمخشري، نُقُولًا من كتب أخرى. هذه ليست سقطًا، ما يُقال لها سقط، هذه إضافات من الحافظ ابن كثير، حينما أعاد النظر في تفسيره. لذلك الشيخ أحمد شاكر يراها أصحَّ النُسَخ.

"حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنْ أَخًا لَكُمْ قَدْ مَاتَ فَصَلُّوا عَلَيْهِ». قَالُوا: نُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ} [سورة آلِ عِمْرَانَ: 199] قَالَ قَتَادَةُ: فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَةِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.

وَهَذَا غَرِيبٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فائدة: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ".

مكتوب فائدة عندك؟ من أصل النسخة أو من المحقق؟

طالب: من النسخة.

"وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ النَّاسِخ إِلَى الْكَعْبَةِ، كَمَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ قَتَادَةَ، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذَ بِذَلِكَ مِنْ ذَهَبَ إِلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ، قَالَ: وَهَذَا خَاصٌّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحُدُهَا: أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- شَاهَدَهُ حِينَ صُلِّىَ عَلَيْهِ طُوِيَتْ لَهُ الْأَرْضُ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ صَلَّى عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَلِكٌ مُسْلِمٌ لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى دِينِهِ، وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ هَذَا: لَعَلَّهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ شَرْعِيَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ. وَهَذَا جَوَابٌ جَيِّدٌ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِنَّمَا صَلَّى عَلَيْهِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ كَالتَّأْلِيفِ لِبَقِيَّةِ الْمُلُوكِ، وَاللَّهُ أعلم".

الصلاة على الغائب مختلفٌ فيها بين أهل العلم والأصل فيها: صلاته -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- على النجاشي، وهي ثابتة في الصحيحين وغيرهما. لما مات، أخبر النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عن وفاته في اليوم الذي مات فيه، وصلى عليه وكبَّر أربعًا، إلى آخره.

فاختلفوا، منهم من يقول: لا يُصلى على الغائب وأجابوا عن قصة النجاشي، قالوا: مات خلقٌ كثير من المسلمين ما صلى عليهم النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-. ولا حُفِظَ أن أحدًا صلى من الخلفاء على الغائب، إلا في هذه القصة. وهذه القصة يُقال: يُمكن الجواب عليها. منهم من يقول: كُشِفَ له، ومنهم من يقول: إنه لم يُصل عليه في بلده، فلم يسقط الواجب، لم يسقط فرض الكفاية، فصلى عليه النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-. منهم من يقول: إذا كان الميت في جهة القبلة، يُصلى عليه صلاة الغائب. وإذا لم يكن في جهة القبلة، فإنه لا يُصلى عليه، استدلالاً بقصة النجاشي. وهذا كلام ابن حبان في صحيحه، ولا شك أن الحبشة بالنسبة للمدينة في جهة القبلة.

طالب: ...

لا، لا يمين ولا شمال، متوسطة.

على كل حال، من فعل...

طالب: ...

أبعد من مكة، قدام. لكن إذا صليت، تُصلي إلى جهة الكعبة، ولو كان أبعد من الحبشة بعد؛ لأنك مُستقبل القبلة.

على كل حال، من صلى على الغائب له سلف، والحديث يصلح أن يكون أصلاً، وهو في الصحيحين وغيرهما. ومن قال: إن الرسول ما صلى إلا على النجاشي، أيضًا له وجه، فالمسألة فيها سعة. وهذا الكلام كله لا يوجد في ((الأزهرية)) من الفائدة إلى آخره، لا يوجد في ((الأزهرية))؛ لأنه مما أضيف. ما هو عندك؛ لأن طبعة ((الشعب)) صورة طبقة الأصل عن ((الأزهرية))، نقل من الخط إلى الطبع، وما هو موجود. فهي تُقْتنى من أجل صحتها، والزوائد تؤخذ من غيرها، طبعة ((الشعب)).

"وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُويه فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ".

ما هو اسم أبو معشر؟.. اسمه: نجيح بن عبد الرحمن السندي، وهو ضعيف. في أبو معشر البرَّاء، صح؟ أو البَرَاء؟ البرَّاء الذي يبري السهام.. وفي: أبو معشر الطبري، هذا من القُرَّاء، يعرفونه أصحاب القراءات.

إن كان أشرف موجود يعرفه، .. أين هو؟ ما يفيدنا أبد، يبعد أم.. عشان ما نسأله، أبو معشر الطبري تعرفه يا أبا عمر؟

ولو كان المهم أنه قارئ.. ما يصير.. ما يغمط. 

هذا أبو معشر يُقرأ عليه من عددٍ، عشرة أو يزيدون، ويستمع للجميع في آنٍ واحد، ويرد عليهم. له كتاب في الباب، اسمه: ((شوق العروس))..

الحافظ العراقي أراد أن يعتني بالقراءات، فنصحه ابن جماعة، فقال: إنه كثير التعب قليل الفائدة، فعليك بالحديث، فاتجه إلى الحديث، ومع ذلك أنت مُعتنٍ بالقراءات، وتارك الحديث بعد.

"عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ»".

قال ابن المبارك لأهل المشرق، أما كونها قبلة لأهل المدينة فهذا واضح، وقبلة لأهل اليمن، وقبلة لأهل الشام. لو وضعت المغرب عن يمينك، والمشرق عن يسارك، صارت قبلتك إلى الكعبة، في المدينة والشام. لكن ما يتجه من مصر، نجد، ما يُمكن. يصير ما بين الشمال والجنوب قبلة.

"وَلَهُ مُنَاسَبَةٌ هَاهُنَا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَعْشَرٍ، وَاسْمُهُ نَجِيح بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّندي الْمَدَنِيُّ، بِهِ «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ».

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَتَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَبِي مَعْشَرٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعَلَى بْنُ مَنْصُورٍ"

يوجد اختلاف في صيغ الأداء، بين: حدَّثنا وأخبرنا، فيما يقرأه الشيخ وبين ما معنا. والفرق بينهما يسير، وإلا فكلاهما يُفيد الاتصال.

"حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْرمِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ بن المغيرة الْأَخْنَسِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ الْمُقْبِرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ».

ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَحَكَى عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا أَقْوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَعْشَرٍ وَأَصَحُّ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ؛ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاس ".

هذا يدلُّ على التوسُّع في أمر القبلة لمن بَعُدَ عن مكة، وبَعُدَ عن الكعبة. والإلزام بعين الكعبة أو بعين القبلة، كما يُذكر عن الشافعية، لا شك أنه حرج وعنت، والجمهور على أن الجهة كافية. لكن الذي يُخفف في مذهب الشافعية، وإلا ففي حرج شديد إذا ألزمنا بعين الكعبة لمن بَعُد، الذي يُخفف من هذا الأمر أن إصابة عين الكعبة بغلبة الظن، ما هو باليقين، فيتسع الأمر.

" مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاس -رضي الله عنهم أجمعين- وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِذَا جَعَلْتَ الْمَغْرِبَ عَنْ يَمِينِكَ وَالْمَشْرِقَ عَنْ يَسَارِكَ، فَمَا بَيْنَهُمَا قِبْلَةٌ، إِذَا اسْتُقْبِلَتِ الْقِبْلَةُ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَرْدُويه: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ يُوسُف مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قَالَ: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ».

وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ الْمَشْهُورُ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَوْلُهُ".

يعني: من قوله، يعني: موقوفًا عليه.

"قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَيُحْتَمَلُ: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ فِي دُعَائِكُمْ لِي فَهُنَالِكَ وَجْهِي أَسْتَجِيبُ لَكُمْ دُعَاءَكُمْ، كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيج: قَالَ مُجَاهِدٌ: لَمَّا نَزَلَتْ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غَافِرٍ: 60] قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ فَنَزَلَتْ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَمَعْنِى قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} يَسَعُ خَلْقَهُ كُلَّهُمْ بِالْكِفَايَةِ، والْجُودِ والإفضال.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: {عَلِيمٌ} فَإِنَّهُ يَعْنِي: عَلِيمٌ بِأَعْمَالِهِمْ، مَا يَغِيبُ عَنْهُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ، بَلْ هُوَ بِجَمِيعِهَا عَلِيمٌ".

اللهَمَّ صَلِّ وسَلِّم على عبدك ورسولك.