أما بالنسبة للعطية والهبة فلا بد من التعديل؛ لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» [البخاري: 2587]، ولقوله –صلى الله عليه وسلم-: «أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟» قال: بلى، قال: «فلا إذًا» [مسلم: 1623]، وطلب منه أن يسوي بينهم، لكن في النفقة وفيما يحتاجه من تجب نفقته عليه فإن الحاجة هي التي تحدد، وهي المنظور إليها، فمثلاً الصغير يحتاج إلى أشياء تناسبه وهي لا تناسب الكبير، فإذا أعطى الصغير مثلاً نفقة يفطر بها في المدرسة، والكبير متخرج في الجامعة مثلاً هل نقول أعطه نفقة مثله؟ وكذلك إذا اشترى حليبًا للصغير هل نقول: اشتر للكبير حليبًا من باب التعديل؟ وكذلك إذا اشترى سيارة يحتاجها الكبير له وللأسرة هل نقول: لا بد أن يرصد مالًا بقدر قيمة السيارة لهذا الصغير؟ لا، هذه المسألة تحددها الحاجة كالأكل والشرب والكُسوة، فثوب الكبير لا شك أنه أغلى من ثوب الصغير، وكذلك الكبير يأكل أكثر من الصغير، فهل نقول: يرصد القدر الزائد من ثوب الكبير وطعامه لصالح الصغير؟ لا، هذا لا ينظر إليه، إنما الحاجة هي التي تحدد سواء كانت الزيادة مع الصغير أو مع الكبير، أما في الهبات فلابد من التعديل، وحديث النعمان بن بشير السابق واضح.
يقول ابن قدامة في (المغني): (فإن خَصَّ بعضَهم لمعنى يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك؛ لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة. والعطية في معناه. ويحتمل ظاهر لفظه المنع من التفضيل أو التخصيص على كل حال؛ لكون النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستفصل بشيرًا في عطيته)، على كل حال الزيادة والنقص المعلقة بالوصف لا بالشخص سواء كانت في العطية أو كانت في مصرف الوصية أو الوقف -والأصل أن لا وصية لوارث، لكن لو صار في مصارف الوصية من وُصف بطلب علم أو زمانة أو عمى أو ما أشبه ذلك- فهنا لا مانع أن يكون هذا العطاء وهذا الصرف من أجل الوصف لا من أجل الشخص، ونص على ذلك جمع من أهل العلم، وكلام ابن قدامة واضح، فإنه يقول: (فإن خَصَّ بعضَهم لمعنى يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل)، فلا مانع من الزيادة؛ لوجود هذه الأوصاف؛ لأنه لا يعطي هذا لشخصه وإنما يعطيه لوصفه والوصف معتبر، قال: (أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها) يعني منع أن يُعطى فلان، أو يُعطى من اتصف بالفسق، أو من يستعين بهذه العطية على معصية الله -جل وعلا-.
على كل حال الهدف الشرعي من الوقف ومثله الوصية لا بد من تحقيقه، وهو وجود الخير والتعاون عليه، وكف الشر ومنع الإعانة عليه، والوقف الذي لا يحقق الهدف الشرعي يقول شيخ الإسلام: (هذا ليس بوقف)؛ لأن الوقف في الشريعة إنما شرع لهدف، فلا بد من تحقيق هذا الهدف، وهو وجود الخير ووجود البذل والإحسان في المصارف التي يستعان بها على ما يرضي الله -جل وعلا- وأيضًا كف الشر وكف التعاون على ما لا يرضي الله -جل وعلا- فإن هذا ممنوع كما هو مقرر.
فالقاعدة في العدل بين الأبناء أنه بالنسبة للأشخاص لابد من العدل، أما بالنسبة للأوصاف فإذا عَلق الموصي العطاءَ بالوصف فلا أحد يتطاول على هذا الوصف الذي ذكره هذا الموصي؛ لأنه إذا قيل: (لطالب العلم من الورثة) هذا حث لجميع الورثة أن يطلبوا العلم، لكن الذي يقصر في طلب العلم هذا هو الجاني على نفسه، وأبوه ما فضل أخاه عليه لذاته أو لشخصه، إنما فضله للعلم المرغب فيه في الشرع، فهو مقصد شرعي صحيح، وقل مثل هذا إذا كان لا يستطيع الكسب كالزمِن والأعمى أو ما أشبه ذلك، فمثل هذه الأوصاف لها أثر ولا يأتي في نفوس الآخرين مثل ما يأتي فيما لو كان الوصف متحدًا وخُصَّ بعضهم دون بعض الذي جاء النهي عنه في حديث النعمان بن بشير –رضي الله عنه-.
ويدخل في العطاء بالوصف لا بالشخص ما كان على سبيل الجائزة لتفوق في دراسة أو علم أو عمل من الأعمال، فهذا داخل فيه؛ لأنه كأنه يقول: (من جَدَّ في طلب العلم، أو من حصل من العلم قدر كذا، أو من مَهَر في كذا فله كذا) فهذا لا إشكال فيه إن شاء الله؛ لأنه للوصف لا للشخص.