شرح كتاب الإيمان من صحيح مسلم (07)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول الإمام مسلم رحمه الله تعالى فيما ترجم عليه النووي رحمه الله في باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت" باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت "ما لم يشرع في النزع وهو الغرغرة ونسخ جواز الاستغفار للمشركين والدليل على أن من مات على الشرك فهو من أصحاب الجحيم ولا ينقذه من ذلك شيء من الوسائل" هذه الترجمة من النووي في شرحه على قصة أبي طالب حينما حضرته الوفاة وطلب منه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقول لا إله إلا الله يقول الإمام مسلم رحمه الله تعالى "وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي قال أخبرنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب" يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري "قال أخبرني سعيد بن المسيِّب" سعيد الإمام سيد التابعين وفقيههم والمقدَّم عند الإمام أحمد وقدَّم غيرُه أويسًا القرني على ما جاء في صحيح مسلم مما يدل على فضله، سعيد بن المسيَّب المسيَّب بالفتح وهو أشهر والكسر خشية من دعوته إن ثبتت بقوله سيَّب الله من سيَّب أبي بعض أهل الورع يقولون المسيِّب "عن أبيه" المسيب بن حزم "قال لما حضرت أبا طالب الوفاة" حضرت الوفاةُ أبا طالب قُدم المفعول على الفاعل ولا لبس لما حضرت أبا طالب الوفاةُ "جاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" معلوم موقف أبي طالب من النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن دعوته ربى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاة جده واعتنى به وحاطه برعايته ووقف معه ومع دعوته وعلِم بصحة دعوته وأنه رسول حقًا وأن ما جاء به حق وقال لولده علي اتبع محمدًا فإنه على حق وقال في قصيدته الشهيرة:

ولقد علمت بأن دين محمد

 

من خير أديان البرية دينا

لولا المذمة أو حذار مسبة

 

لوجدتني سمحًا بذاك مبينا

ومع هذا كله يموت على الكفر نسأل الله الثبات وحسن الخاتمة يموت على الكفر مع هذا كله ويحرص النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على إنقاذه من النار في آخر حياته كما سيأتي في حديث الباب لكنها المشيئة النافذة لا رادّ لما قضاه الله جاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "فوجد عنده أبا جهل عمرو بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة" وجد عنده جلساء السوء من رؤوس الكفر فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «يا عم»" يتطلف في الخطاب وهو عمه "«يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله»" حضرت أبا طالب الوفاة جاءت العلامات والمقدمات مما هو قبل النزع الأخير والغرغرة لأنها إذا وصل إلى هذا الحد لا ينفع نفسًا إيمانها «يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله» وكلمةً بدل من لا إله إلا الله قل كلمة قالوا ويجوز الرفع على إضمار هي، هي كلمةٌ كلمةً أشهد لك بها عند الله هذا الرجل الذي هو أبو طالب عم النبي -عليه الصلاة والسلام- وموقفه منه ومن دعوته أشهر من أن يُذكر حرص النبي -عليه الصلاة والسلام- على أن يقول كلمة التوحيد وشفع فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- فخُفف عنه العذاب ووضع في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه وفي بعض الأحاديث أنه ألبس نعلان يغلي منهما دماغه قال النبي -عليه الصلاة والسلام- «ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار لكان في الدرك الأسفل من النار» الدرك الأسفل لمن؟ للمنافقين والكفار فوقهم طيّب أبو طالب كافر وعمل هذه الأعمال لماذا جوزي؟ لولا شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- لكان هذا مكانه في الدرك الأسفل من النار لأنه ما بقي له حجة عرف من قرب صدق محمد -عليه الصلاة والسلام- ومع ذلك آثر أن يموت على ملة عبد المطلب على قول لا إله إلا الله والمنافقون إنما استحقوا هذه المنزلة وهي الدرك الأسفل من النار لأنهم خالطوا المسلمين وسمعوا النبي -عليه الصلاة والسلام- وعرفوا الدين من قرب ومع ذلكم كفروا فاستحقوا مثل هذا العذاب وهو مثلهم عرف الدين بحيث لا يخفى عليه شيء ولم يبقَ ما يوجب الرفض أو التردد ومع ذلك رفض فاستحق مثل هذا «ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» "فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟!" يعني عن ملة أبيه استثاروا حميته وعصبيته لأبيه في هذا الموقف أترغب عن ملة عبد المطلب؟! ما قالوا أترغب عن ديننا أترغب عن الشرك أترغب عن الكفر لا، جاؤوا له بأسلوب مؤثِّر أترغب عن ملة عبد المطلب؟! "فلم يزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرضها عليه" يعني الشهادة يعرض الشهادة على أبي طالب "ويعيد له" أبو طالب "يعيد له تلك المقالة" أي أبو طالب وفي بعض النسخ يعيدان له يعيدان له أي أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية ويعيد له الشراح يقولون يعيد أبو طالب لكن ماذا أعاد أبو طالب هو في الأخير قال أنه على ملة عبد المطلب والأظهر أنه يعيد له يعني يعرض ويعيد يعني يكرر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- فالضميران له -عليه الصلاة والسلام- على رواية إفراد الضمير وأما على راواية التثنية فهذا ظاهر يكون الضمير يعود إلى أبي جهل وعبد الله بن أبي "أمية حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم" الذي ختمت به حياته مات هذه آخر كلمة فبدلاً من أن يكون آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله فيدخل الجنة آخر ما قال "هو على ملة عبد المطلب" هو على ملة عبد المطلب الضمير يعود على من؟ على المتكلم المعروف أن هو ضمير غائب وليس بضمير متكلم والسياق يقتضي أن يقول أنا على ملة عبد المطلب وقد قال ذلك هو قال أنا على ملة عبد المطلب لكن لماذا جاء في الحديث هو على ملة عبد المطلب لأن الرواة بدءًا من الصحابي إلى آخرهم لا يستسيغون أن ينطقوا بمثل هذا الكلام القبيح وهذا من باب الأدب في الكلام وعدم نسبة الكلام القبيح إلى النفس وإن كان حاكيًا آثرًا وأهل العلم يقررون أن حاكي الكفر أو ناقل الكفر ليس بكافر لكن هذا من باب الأدب والتفنن في الأسلوب هل مثل هذا التصرف يحسن في كل أسلوب في كل حادثة في كل واقعة؟ أحيانًا الأمر يقتضي التصريح بلفظ القائل مهما كان في حديث ماعز حينما زنا وجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليقيم عليه الحد قال يا رسول الله إني زنيت والرواة ينقلونها كما قال ما يقولون إنه زنا لأن مثل هذا يترتب عليه حد لا بد من التصريح وأن يُنقل كلامه بفصه لأنه يترتب عليه حد حكم شرعي وهذا رجل هلك وعُرف مصيره وانتهى الإشكال لو نقل الرواة عن ماعز قال إنه زنا وظنها من يأتي ممن يتفقه ويقول إن ماعزًا قال إنه زنا لم ينسب الفعل لنفسه صراحة فكيف يقام عليه الحد والحد يدرأ بالشبهة؟! "حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله" رفض «كل الناس يدخلون الجنة إلا من أبى» قيل كيف يأبى يا رسول الله أن يدخل الجنة فيه أحد يأبى أن يدخل الجنة؟ قال «من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى» وأبى أن يقول لا إله إلا الله "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" من باب الشفقة على عمه ومن باب استحضار المواقف السابقة من عمه كما كان من إبراهيم عليه السلام بالنسبة لأبيه "«أما والله لأستغفرن لك ما لم أنهَ عنك أمَ والله لأستغفرن لك ما لم أُنهَ عنك» فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم}[التوبة:113] " ما كان للنبي لقول نزلت لقوله -عليه الصلاة والسلام- «أمَ والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» والميم في أمَ مفتوحة بحذف الألف وتُثبت في بعض الروايات «أمَ والله» وفي بعضها «أما والله» وهي كلمة مثل ما يقال ألا وأكثر ما تحذف إذا كان بعدها قسم مثل ما هنا «أمَ والله» «ما لم أنه عنك» ثم نزل النهي {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى }[التوبة:113] هذا نفي يراد به النهي وهو أبلغ من النهي الصريح والصحابة قالوا مادام النبي -عليه الصلاة والسلام- استغفر لنبيه وهو مشرك فلماذا لا نستغفر لآبائنا فنزل فنزلت الآية لتشمل ما ذكره النبي -عليه الصلاة والسلام- وما قاله الصحابة رضوان الله عليهم {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى}[التوبة:113] ولو لم يُذكر والذين آمنوا ما كان للنبي أن يستغفر للمشركين قال بعض الناس إن هذا مناسب لمنزلته الرفيعة ما يتنزل للمشركين يستغفر لهم فغيره لا يشملهم لكن الآية جاءت بهذه الصيغة ما كان للنبي والذين آمنوا يعني ليس لأحد يعني لا يقال هذا من خصائصه لعلو شأنه ورفعة منزلته كيف يستغفر للمشرك؟ {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم}[التوبة:113]  فلا يجوز الاستغفار ولا الدعاء للمشرك المشرك بصدد أن يُبغض ولا يُسلَّم عليه وأيضًا إذا كان حربيًا بصدد أن يُجاهَد وبعض الكتّاب المسلمين من الأدباء إذا أبّن مشركًا سواء كان يهوديًا أو نصرانيًا ترحم عليه واستغفر له من أراد مثالاً فليقرأ ما كتبه المنفلوطي في رثاء جُرجي زيدان وهو نصراني والله المستعان {مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم}[التوبة:113] وهم كفار لكن ننظر إلى {تَبَيَّنَ}[التوبة:113] وعلى هذا من هو على على الإسلام مظهر للإسلام ويُشك مثلاً في خروجه منه أو أن بدعته تبلغ الإخراج من الدين إذا كانت مخرجة من الدين من البدع المغلظة إذا تبين ذلك لا يجوز  الاستغفار له وما دون ذلك إذا لم يتبين فمفهوم الآية أنه لا مانع أن يستغفر له {مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم}[التوبة:113] ومثل هذا في الصلاة ع ليه بعض الناس إذا قُدِّم شخص ليُصَلى عليه بعض الناس يكون من جماعته من جيرانه وكذا ويجده متكاسل عن الصلاة أو يعذره أحيانًا وفي بعض الأحيان لا يرى في المسجد فلا يدرى هل صلى في بيته أو لا، بعض الناس سمعنا يقول لا تصلون عليه هذا ما يصلي عليه هو يصلي أحيانًا وأحيانًا في البيت وأحيانًا الله أعلم ما يدرى لكن إذا تبين أنه لا يصلي مثل هذا لا يصلى عليه فلا بد من التبين لا تبنى هذه الأمور على الشكوك والظنون "وأنزل الله تعالى في أبي طالب فقال لرسوله -صلى الله عليه وسلم- فقال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين}[القصص:56] " إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ مثل عمك هذا الضال أنت تحبه وتحب أن يهتدي تحبه لا لما اعتقده من كفر وإنما للمعروف وحماية الدعوة وصيانتها أحببت مثل هذا الشخص الذي له معروف ويد أو أحببت هدايته كأبي طالب النبي -عليه الصلاة والسلام- أحب هدايته وحرص عليها يعني هذه المحبة لا شك أن الحب في الله والبغض في الله والموالاة والمعاداة أوثق عُرى الإيمان فهو كافر مبغَض يُكرَه ويعادَى لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- من باب الشفقة ومن باب المكافأة أشفق عليه وأحب هدايته والنبي -عليه الصلاة والسلام- أحرص الناس على هداية الخلق {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ}[الشعراء:3]  يعني قاتل نفسك فأنزل الله تعالى في أبي طالب فقال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين}[القصص:56]  هذه الهداية هي هداية التوفيق والقبول هداية التوفيق والقبول أما هداية الدلالة والإرشاد فقد حصلت دله على الحق وأرشده إليه فالمنفية هنا هداية التوفيق والقبول وهداية الدلالة والإرشاد حصلت بقوله «يا عم قل لا إله إلا الله» وأثبتها الله لنبيه -عليه الصلاة والسلام- {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}[الشورى:52]{وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي}[القصص:56] يعني يوفق للقبول {مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين}[القصص:56]  هو أعلم بمن هو أهل لهذه الهداية أهل لهذه الهداية والله جل وعلا بإرسال الرسل وإنزال الكتب لم يترك حجة لأحد لم يترك حجة لأحد هدى الناس وبيّن لهم هديناه النجدين لكن منهم من استجاب ومنهم من عصى منهم من أبى {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد}[فصلت:46] قال رحمه الله "حدثنا إسحاق بن إبراهيم" الحنظلي الإمام ابن راهويه "وعبد بن حميد" الكشّي الإمام المصنف صاحب المسند "قالا" بالتثنية "أخبرنا عبد الرزاق" أخبرنا عبد الرزاق ومعلوم أن إسحاق لا يمكن أن يحدث إلا بصيغة الإخبار وعبد بن حميد كذلك وافقه ولو اختلف لقال حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قال إسحاق أخبرنا وقال عبد حدثنا لكنهما اتفقا على هذه الصيغة صيغة الأداء والإخبار إنما يؤدى به ما تُحمّل بطريق العرض على الشيخ يعني القراءة على الشيخ ومسلم يفرق بين الصيغ بدقة بخلاف البخاري رحم الله الجميع "قالا أخبرنا عبد الرزاق" بن همّام الصنعاني صاحب المصنف والتفسير وغيرهما قال "أخبرنا معمر" بن راشد "ح وحدثنا حسن الحُلواني" وهذه حاء التحويل ويستعملها الإمام مسلم كثيرًا حسن الحلواني "وعبد بن حميد" من جديد بدأ الإسناد فالحديث يرويه الإمام مسلم من طريق إسحاق وعبد وحسن ثلاثة هناك قال وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا أخبرنا وهنا قال ح وحدثنا حسن الحلواني وعبد بن حميد قالا حدثنا يعني عبد بن حميد هل قال أخبرنا أو قال حدثنا؟ يعني في الطريق الأول قال أخبرنا وفي الثاني قال حدثنا ولمعرفتنا بدقة الإمام مسلم في التفريق بين الصّيغ نقول بأن عبدًا حدثه مرة بصيغة التحديث ومرة بصيغة الإخبار بناء على أنه رواه مرة بطريق العرض ومرة بطريق السماع "قالا حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي" إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي وهو إبراهيم بن سعد "عن صالح" عن صالح وهو ابن كيسان صالح بن كيسان من كبار الآخذين عن الزهري وهو أكبر منه سِنًا وقد طلب العلم لاسيما علم الحديث متأخر جدًّا حتى قال بعضهم أن عمره تسعون سنة لما بدأ بطلب الحديث على الزهري ومع ذلك أدرك وحصّل خيرًا كثيرًا فيُعد من كبار الآخذين عن الزهري وليس المراد بالكبار يعني في السن هو كذلك كبير في السن لكن مع ذلك كبير القدر أدرك من العلم في هذه السن أو دونها حتى آخر أصغر أقل ما قيل خمسون سنة لكن تسعون سنة يبدأ بطلب العلم؟! همة عالية توفيق من الله جل وعلا أن يختم للمرء وهو يطلب العلم لاسيما العلم الموروث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- عن صالح كلاهما مَعمَر وصالح "كلاهما عن الزهري" الإمام محمد بن مسلم بن شِهاب الزهري "بهذا الإسناد مثله" يعني بمثل ما تقدم وأهل الحديث إذا قالوا بمثله فإن المطابقة حرفية باللفظ أما إذا قالوا بنحوه فالمراد بمعناه مثله "غير أن حديث صالح انتهى عند قوله فأنزل الله عز وجل فيه ولم يذكر الآيتين" فأنزل الله عز وجل فيه ولم يذكر الآيتين يعني المطابقة الحرفية لا تنفي النقص إنما مطابقة في المذكور فيكون مثله فيما ذكر وإلا كيف تكون مطابقة وهو ما ذكر الآيتين وهما مذكورتان في الطريق الأوّل "وقال في حديثه ويعودان في تلك المقالة" في الطريق الأول ويعيدان أو يعيد "وفي حديث معمر مكان هذه الكلمة فلم يزالا به" انظروا إلى الدقة من الإمام مسلم يذكر هذه الفروق وهي غير مؤثرة من حيث المعنى لكن كأنه يقابل النسخ يقابل الروايات على طريق أهل التحقيق فمسلم دقيق ويذكر الفروق ولو كانت بحرف واحد ولو كانت غير مؤثرة في المعنى قال رحمه الله "حدثنا محمد بن عبّاد وابن أبي عمر قالا حدثنا مروان عن يزيد وهو ابن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة"..  أبو حازم مر بنا مرارًا أن الذي يروي عن أبي هريرة اسمه سلمان سلمان مولى عزّة والذي يروي عن سهل بن سعد اسمه سلمة بن دينار الزاهد المشهور "عن أبي هريرة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمّه عند الموت عمّه أبي طالب «قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة»" هناك قال «عند الله» ولا اختلاف يشهد له بها عند الله يوم القيامة ما فيه اختلاف "فأبى" وفي هذا نعلم عِظَم تأثير الرفيق والجليس فأثره عظيم إن كان صالحًا أثّر في صلاح جليسه وإن كان غير صالح أثّر فيه وأعظم الأثر فيما يُخرج عن الدين في مثل القصة التي معنا كم من شاب ينشأ صالحًا ليست له صبوة ويتردد على المسجد وحِلق التحفيظ والدروس وفي طاعة والديه ثم بعد ذلك يقترن بقرين سوء فيترك ذلك كله وهذه وظيفة ولي الأمر ولي أمره يحرص على أن يقرنه بالصالحين من أقرانه وأسنانه ليثبت على الصلاح والاستقامة إن كان كذلك أو يترك ما كان عليه من مخالفات وتفريط هذه وظيفة ولي الأمر وإن كانت في الأزمان المتأخرة يلاحَظ ضعف تأثير ولي الأمر فالصبي مع زملائه في المدرسة يأخذ وقتًا طويلاً ومع أبناء الجيران إذا خرج من الصلاة أو رجع منها وأسوأ من ذلك الآلات التي هجمت علينا أخيرًا وهي سلاح فتّاك أثّر في الصغار وفي كثير من الكبار من الرجال والنساء والله المستعان والسيطرة عليها من قبل ولي الأمر فيها عسر لأنها أجهزة صغيرة في الجيب ويطّلع على ما فيها من شهوات ومن شبهات حتى بحضرة والده وهو لا يدري والوالد يطمئن على ولده قبل أن ينام وأن الولد في فراشه فالأب يذهب قرير العين لينام لأنه ضمن أن ابنه نام وبينه وبين غطائه هذا الجهاز يطّلع على ما فيه وأحيانًا إلى إلى أن يصحو الوالد من نومه والولد مع هذه الآلة يطلع على ما فيها من شبهات وشهوات وأشياء تقشعر منها الجلود أشياء مقلقة ومحزنة لكن على الأب أن يبذل السبب ويقرب من قلوب أولاده وبناته ليؤثر عليهم ويبذل من ماله شيئًا يتودد به إليهم ويغير أسلوبه في التغيير الذي كان الناس عليه حينما كان مناسبًا في وقت من الأوقات لكن الآن الرفق واللين والتضرع إلى الله جل وعلا أجدى من الأسلوب الذي كان نافعًا في وقته بعض الآباء يقول إن بيته نظيف ما فيه من آلات اللهو شيء ولا من القنوات وقد يصل به التحري ومزيد التحري إلى ألا يدخل رادو راديو ولا فديو ولا ولا قنوات على ما يقولون دينية ولا علمية ولا غيره من باب التحري ومع ذلك كل الشرور في بيته هذه الأجهزة الصغيرة وأمر الأطفال في التعامل معها عجب جدًّا طفل أبو سنة ونصف يستطيع أن يفتح مغلقات هذه الأجهزة فيما لا يستطيعه بعض الكبار والله إنا نشوف بعضهم ما بعد مشى وهو يفتش ويفتح ويرفع ويقصر سبحان الله! وإذا زاد سنة أو سنتين يا الله تعامل معه بالرقم السري والا غيره يفتح لك كل شيء سبحان الله! وهذا كله سببه تعطيل ما أوجب الله على ولي الأمر وكنا نسمع بالطفل يلقّن من ربك وما دينك ويلقن مبادئ الإسلام قبل أن يحسن الكلام يعني يتكلم بكلام مكسّر ويقال له من ربك وفي كل جلسة يكرر عليه وينشَّأ عليه ثم بعد ذلك يعرف بشيء مما يتعلق بالأصل الأول والأصل الثاني والثالث ثم بعد ذلك اندرس ما كنا نعرف "قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمِّه عند الموت «قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة» فأبى فأنزل الله {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[القصص:56]"  الآية وتُقرأ هكذا الآيةَ الحديثَ كذا ضبطها أهل العلم بالفتح لأن المقصود اقرأ الآية أو أكمل الآية بكمالها "حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم الأشجعي عن أبي هريرة" أبو حازم مثل ما قلنا سلمان مولى عزة "عن أبي هريرة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمه « قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة»" يعني عند الله تعالى "قال لولا أن تعيّرني قريش" نعوذ بالله من الخذلان نعوذ بالله من الخذلان لولا أن تعيرني قريش وقال في قصيدته:

لولا المذمة أو حذار مسبة

 

..........................

يخشى أن يسب يقال خاف وجزع من العذاب مسكين جزع من العذاب وخاف "لولا أن تعيرني قريش يقولون إنما حمله على ذلك الجزع" هذا أسلوب لايزال مستعملاً عند التحذير من فعل يريد أن يهم به مسكين خايف إذا بغوا البزران من طفل يريدون أن يتمرد على والده أو على مدرسته أو على مدرسه وش أنت خايف عاد؟ ويقولون له مثل هذا الكلام إلى أن يتمرد وإذا كان الخوف من الأب يعني أمره أقل الأب يضربه ضربتين ثلاث وينتهي والمعلم كذلك يؤدبه لكن الخوف هنا الخلود في النار {مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم}[التوبة:113] "لولا أن تعيرني قريش يقولون إنما حمله على ذلك" حمله على الاستجابة لدعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- "الجزع لأقررت بها عينك فأنزل الله {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء}[القصص:56] " يقول النووي لأقررت بها عينك هكذا في جميع الأصول وجميع روايات المحدثين في مسلم وغيره الجزع بالجيم والزاي وكذا نقله القاضي عياض وغيره عن جميع روايات المحدثين وأصحاب الأخبار أي التواريخ والسير وذهب جماعات من أهل اللغة إلى أنه الخرع بالخاء والراء بالخاء المعجمة والراء المفتوحتين أيضًا ومن نص عليه كذلك الهروي في الغريبين غريب القرآن وغريب الحديث ونقله الخطابي عن ثعلب الخرع بالخاء بدل الجيم وبالراء بدل الزاي ونقله الخطابي عن ثعلب مختارا له وقاله أيضًا شمِر ومن المتأخرين أبو القاسم الزمخشري قال القاضي عياض رحمه الله ونبهنا غير واحد من شيوخنا على أنه الصواب قالوا والخرع هو الضعف والخور والخرع هو الضعف والخور قال الأزهري الخرع الدهش قال قال شمر كل رخو ضعيف كل رِخو ضعيف خريع وخرع فعيل وفعِل من صيغ المبالغة قال والخرع الدهش قال ومنه قول أبي طالب يعني في هذا الحديث إنما حمله على ذلك الخرع ومنه قول أبي طالب والله أعلم لكن مثل ما تقدم في جميع الأصول وجميع روايات المحدثين في مسلم وغيره الجزع بالجيم والزاي يعني تصحيح من صحح الخرع ممن ذكر لم يُبن على رواية وإنهم إنما هو ملاحظة للمعنى المناسب في هذا السياق مع أن الجزع ما فيه إشكال معنى صحيح ومناسب أيضًا للسياق وجاءت به الروايات كلها لأقررت بها عينك يقول أما قوله لأقررت بها عينك في الأصل يعني استجبت لك وأفرحت بها قلبك وسررت بها فؤادك لأن قرير العين من القرّ وهو البرد ويقولون إن دمعة الفرح باردة ودمعة الحزن حارّة.

كم باقي؟

طالب: .............

أربع؟

طالب: .............

قال النووي وأما قوله لأقررت بها عينك فأحسن ما يقال فيه ما قاله أبو العباس ثعلب ثعلب من أئمة اللغة ومن أئمة أهل السنة مثل أبي عبيد قال معنى وصاحب الفصيح الكتاب المشهور المتداول بين أهل العلم المشروح عليه شروح كثيرة قال معنى أقر الله عينه أي بلغه الله أمنيته أي بلغه الله أمنيته حتى ترضى نفسه وتقر عينه فلا تستشرف لشيء وقال الأصمعي معناه أبرد الله دمعته يعني القرّ يقابل الحر، القر.. تولى حارّها من تولى قارّها، معناه أبرد الله دمعته لأن دمعة الفرح باردة وقيل معناه أراه الله ما يسره والله أعلم. أولاً أن الإنسان عليه ألا يأمن سوء الخاتمة وأن يلهج دائمًا بدعاء الله جل وعلا أن يحسن خاتمته وأن يميته على الإسلام وإلا قصة أبي طالب من أعجب وأعظم المواعظ شخص بذل نفسه وماله حتى في الحصار في الشعب لزم الشعب مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وحُوصر وضيّق عليه وقال لابنه علي اتَّبع محمدًا فإنه على حق الإنسان لا يأمن وإذا كان الخليل عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا يقول {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَام}[إبراهيم:35] الذي ألقي في النار من أجل تكسير الأصنام يقول {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَام}[إبراهيم:35]  فكيف يأمن الإنسان على نفسه من سوء الخاتمة الخاتمة؟ في كلام السلف شيء كثير يدل على قلقهم من سوء الخاتمة «وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها» عند أمور يسيرة دخلت النار امرأة في هرة.

"