شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (02)

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال -رحمه الله- تعالى:

"حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ وَقُتَيْبَةُ جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهمَا- قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، قَالَ: «فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَا فَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا».

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُوسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، وَقَالَ: «هُنَّ لَهُمْ وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ، مِنْ غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ».

وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ».

وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا-: وَذُكِرَ لِي وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ».

وحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- عَنْهم عن أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الشَّامِ مَهْيَعَةُ وَهِيَ الْجُحْفَةُ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا-: "وَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ قَالَ: «وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ».

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلَ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلَ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا-: وَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ قَالَ: «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ».

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهمَا- يُسْأَلُ عَنْ الْمُهَلِّ فَقَالَ: سَمِعْتُ، ثُمَّ انْتَهَى، فَقَالَ: أُرَاهُ يَعْنِي النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-.

وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ قَالَ: عَبْد أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهمَا- يُسْأَلُ عَنْ الْمُهَلِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ -أَحْسَبُهُ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ الْجُحْفَةُ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

يقول الإمام -رحمه الله تعالى- في مواقيت الحج:

"حدثنا يحيى بن يحيى وخلف بن هشام وأبو الربيع" الزهراني "وقتيبة" يعني ابن سعيد "جميعاً عن حمادٍ، قال يحيى: أخبرنا حماد بن زيدٍ عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: وقّت" رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وقّت يعني حدّد وعيّن وأوجب، "رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأهل المدينة ذا الحليفة" ميقات أهل المدينة قريب جداً، ستة أميال من المدينة، وهو أبعد المواقيت إلى مكة، أربعمائة كيلو، يعني بالمراحل كم؟ عشر مراحل، وتسمى بأبيار علي، وهي مكان معروف، "ولأهل الشام الجحفة"، وتسمى أيضاً مهْيعة، قريبة من رابغ، وهي قرية خربت، دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تنقل إليها حمى المدينة؛ لأن سكانها في ذلك الوقت من اليهود، "ولأهل نجدٍ قرن المنازل"، قرن بإسكان الراء، ووهم الجوهري في صحاحه حيث قال: هو بتحريك الراء، ونسب إليها أويساً القرني، وهذا كله من أوهامه -رحمه الله-، فهي بإسكان الراء، وهي عن مكة مسافة مرحلتين، وهي أقرب المواقيت إلى مكة، "ولأهل اليمن يلملم"، ويقال لها: السعدية، وتبدل الياء بالهمزة فيقال: ألملم، "قال: «فهن لهن ومن أتى عليهن من غير أهلهلن»" هن أي هذه المواقيت، لهن أي لأهل هذه الجهات، "ولمن أتى عليهن من غير أهلهن"، يعني أن المدني يحتمل أن يأتي المدني من طريق الجحفة، وهو الطريق الآخر إذا جاء المدني أو جاء العراقي على طريق المدينة أو جاء النجدي عن طريق المدينة، «ولمن أتى عليهن من غير أهلهن» الأصل أن ميقات النجدي قرن المنازل، ولولا قوله -عليه الصلاة والسلام- «ولمن أتى عليهن من غير أهلهن» لكان التحديد لازم لمن اتصف بهذا الوصف، وهذه النسبة إلى هذه الجهة، وهذا من التيسير، أن لا يكلف الناس غير الطريق الذي يسلكه، فإذا أتى النجدي عن طريق المدينة يلزمه أن يحرم من ميقات أهل المدينة؛ لكن لو قال: "هن لهن" على ميقات قرن، ولا أحرم من ذي الحليفة، أتجاوز ذي الحليفة، أتجاوز ذا الحليفة وأحرم من قرن الذي وقّته النبي -عليه الصلاة والسلام- لنا، وهذا يفعله كثير من الناس الذين يأتون عن طريق المدينة، ولهم أعمال في جدة مثلاً، ويريدون أن يفرغوا من هذه الأعمال قبل الإحرام، فيقولون: نذهب إلى ميقاتنا، وقد يقال لهم: اذهبوا إلى الجحفة، يعني إلى رابغ أقرب لكم من ميقاتكم، فهل يجوز ويسوغ أن يتجاوزوا ذا الحليفة إلى ميقاتهم وهو قرن؟ وهو أقرب من ذا الحليفة؟ وهذا ميقاتهم الأصلي، أو يحرمون من أقرب ميقات بالنسبة لهم، وهو أرفق بهم؟ «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن» النجدي جاء من طريق المدينة ميقاته الأصلي قرن المنازل، ومقتضى قوله: «ولمن أتى عليهن من غير أهلهن» أن يحرم من ذي الحليفة، يعني مقتضى الجملة الأولى "فهن لهن" أن يحرم من قرن، وهو مقتضى الجملة الثانية: "ولمن أتى عليهن من غير أهلهن" أن يحرم من ذي الحليفة، والجمهور يلزمونه بدم إذا تجاوز ذا الحليفة من غير إحرام، والإمام مالك يقول: يجزئه أن يحرم من ميقاته الأصلي أو من غيره من المواقيت المعتبرة المحددة إذا كان أرفق به، وكان الإحرام من ذي الحليفة فيه شيء من المشقّة، يمكثون بالإحرام عشرة أيام، تسعة أيام، ثمانية أيام، على حسب سرعة السير، وقد تكون البرودة –برودة الجو- قارسة، فيشق عليهم، فيقول: أذهب وأنطلق إلى ميقاتي الأصلي وأرتاح أكثر من أسبوع بدون إحرام، في مذهب الإمام مالك وفي قوله -رحمه الله- مندوحة لمثل هؤلاء، فإذا ذهب إلى جدة ليقضي عملاً فيها مثلاً، ومكث فيها المدة التي قرر أن يمكثها، ثم رجع إلى الجحفة قليلاً أو ذهب إلى السيل وأحرم لا يلزمه شيء عند الإمام مالك، ويلزمه دم عند الجمهور، وعلى كل حال إن خالف جملة من الحديث فقد وافق أخرى، والملحوظ في التعبير التيسير، وإلا لألزم كل شخص أن يحرم من ميقاته المحدد له؛ لكن في قوله: «ولمن أتى عليهن من غير أهلهن» يلحظ التيسير، فلعل قول الإمام مالك بمثل هذا متجه.

"«ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة»" أولاً: الإحرام من الميقات واجب، يجب بتركه دم عند جمهور أهل العلم، وإن قال بعض السلف: أن من تجاوز الميقات فلا شيء عليه، ويقابله قول سعيد بن جبير: من تجاوز الميقات فلا حجّ له، قول الجمهور هو القول الوسط، "«ممن أراد الحج والعمرة»" الذي لا يريد الحج والعمرة منتدب إلى مكة، ولا يريد لا حج ولا عمرة هل يلزم بالإحرام؟ المعروف عند الحنابلة وهو وجه عند الشافعية أنه إذا كان يرد إلى مكة بغير حاجةٍ تتكرر أنه يلزمه الإحرام، ولا يجوز له أن يتجاوز هذه المواقيت إلا محرماً، والأكثر على أنه لا يلزمه، وهو الذي يؤيده قوله -عليه الصلاة والسلام-: «ممن أراد الحج والعمرة» يعني لا يلزم الإحرام إلا من أراد النسك، "«فمن كان دونهن»" دون هذه المواقيت، يعني بين هذه المواقيت ومكة، "«فمن كان دونهن فمن أهله»" يعني فيحرم من أهله، يعني يحرم من مكانه –محل إقامته- فعلى هذا أهل الشرائع يحرمون من الشرائع، وأهل جدة يحرمون من جدة، هذا ميقاتهم، ومن له بيتان منهم من يقول: يحرم من الأبعد لأنه الأحوط، والأولى أن يحرم من حيث أنشأ، من حيث نوى، جدة ميقات لأهل جدة، والجحفة ميقات لأهل الشام، شخص من أهل الشام مر بالمدينة وتجاوزها إلى الجحفة، وأحرم منها لأنها ميقاته الأصلي يلزمه شيء وإلا ما يلزمه؟ على قول الإمام مالك ما يلزمه شيء.

شخص من أهل جدة مرّ بالمدينة وقال: ميقاتي جدة، أنا دون المواقيت، ولا أحرم إلا من جدة يلزمه وإلا ما يلزمه؟

طالب: مالك ما يلزمه دم.

هو من أهل جدة، وجاء مروراً بالمدينة، وقال: أنا محلي دون الميقات، يعني قلنا: في الشامي الذي مر بالمدينة وأخّر الإحرام إلى الجحفة على قول الإمام مالك ما يلزمه شيء، شخص من أهل جدة جاء من الرياض مروراً بالمدينة وتجاوز المدينة، تجاوز الميقات إلى جدة، وقال هذا النص، من كان دون الميقات يحرم من مكانه يلزمه وإلا ما يلزمه؟

طالب: هو وافق الجملة الأخيرة: «ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ»

هو أنشأ قبل ذلك، هو مر بالمدينة مريداً الحج، مريداً العمرة، وقال: أنا دون المواقيت مسكني في جدة، أو في الشرائع، أنا لا أحرم إلا من مسكني، على قول الجميع يلزمه دم، لماذا؟ لأن جدة ليست ميقات أصلي، ليست بميقاتٍ أصلي، لا ترد على قول مالك.

"«فكذلك حتى أهل مكة يهلّون منها»" أهل مكة يهلون منها، مفاد هذه الجملة أنهم يهلون منها، إذا أرادوا النسك، ويستوي في ذلك الحج والعمرة، يهلون من مكة، حتى أهل مكة يهلون منها، وسبق أن قال: «ممن أراد الحج والعمرة» إذاً يهلون منها للحج والعمرة، هذا الظاهر، ولذا ترجم الإمام البخاري -رحمه الله- تعالى: باب مهل المكي للحج والعمرة، وأورد الحديث، «حتى أهل مكة يهلون من مكة» فعلى هذا لا فرق بين الحج والعمرة بالنسبة للمكي يهل من مكة، ولا يلزمه أن يخرج إلى الحل، وهذا اختيار البخاري -رحمه الله-، والجمهور على أنه يلزمه بالنسبة للعمرة أن يخرج إلى الحل، يلزمه الخروج إلى الحل ليجمع في نسكه بين الحل والحرم؛ لكن هل هذا منصوص عليه بالجمع بينهما؟ أو هو مجرد التماس لإلزامه بالخروج ليجمع كما أن الحاج يجمع ولو أهل من مكة، لأنه سوف يخرج إلى عرفة وعرفة من الحل، الدليل على لزوم الخروج إلى الحل، وبعضهم يلزم بالتنعيم لأنها هي الميقات للمكي في العمرة، والجمهور أنه لا يلزمه التنعيم، يخرج إلى الحل، وأما كونه -عليه الصلاة والسلام- أمر عبد الرحمن ابن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم لكونه أرفق وأقرب الجهات التي هو محل للإقامة، إقامتهم، بعد أداء النسك، النبي -عليه الصلاة والسلام- انتظر، قال: «اذهب بها إلى التنعيم» وانتظر، ومعلوم أن هذه العمرة تطييب لخاطر عائشة -رضي الله عنها-؛ لكن الانتظار الطويل ليخرج إلى التنعيم، ويذهب ليطوف ويسعى ألا يكفي أن يطيب خاطرها بأن تعتمر من مكانها، ثم تأتي بعمرة، كونه أمره أن يخرج بها إلى التنعيم دل على أن الخروج إلى الحل مقصود، وهذا هو عمدة الجمهور في إيجاب الخروج إلى التنعيم، ويكون هذا مخصص لهذا الحديث، مخرج للعمرة من عموم هذا النص، وأن هذا يبقى في الحاج.

يقول: "وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُوسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، وَقَالَ: «هُنَّ لَهُن وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ» وبمعنى ما تقدم "«مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ»".

ثم قال:"وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ»" يعني يحرمون، وأصل الإهلال رفع الصوت عند رؤية الهلال، ثم صار حقيقة شرعية لرفع الصوت بالإحرام والتلبية به، قال: "«يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ" –يعني ابن عمر-: "وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ»".

وبلغني، في بعض الروايات قال: ولم أسمع، على ما سيأتي، لكنه ثابت من حديث غيره من الصحابة، وبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أن أهل اليمن يهل من يلملم» هذا البلاغ من ابن عمر -رضي الله عنهما- هل يعتبر من مراسيل الصحابة؟ باعتبار أن المبلغ له صحابي أو هو متصل في راوٍ مبهم؟

طالب: رواية الصحابي عن الصحابي؟

لكنه غير مصرح به، والاحتمال قائم أن يكون ابن عمر روى عن تابعي، يستحيل؟ ما يستحيل هذا، لكن الغالب أن الصحابي لا يروي إلا عن صحابي، لا سيما وقد ثبت عن جمع من الصحابة، مثل هذه الصيغة: بلغني هل تدخل في مراسيل الصحابة التي نقل الإجماع على الاحتجاج بها؟ وإن خالف في ذلك أبو إسحاق الإسفراييني ومعه نزر من أهل العلم، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-:

أما الذي أرسله الصحابي

 

فحكمه الوصل على الصوابِ

لكن هل هذا من مراسيل الصحابة؟ الصحابي يحكي قصة أو ينقل قول عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مما لم يسمعه منه، يحكي قصة لم يشهدها لصغر سنه كرواية عائشة -رضي الله عنها- في قصة بدء الوحي، لم يشهدها لصغر سنه أو لغيبته، أو لتأخر إسلامه، يكون إرسال؛ لكن إذا قال: بلغني، هنا يسمى إرسال وإلا ما يسمى إرسال؟ أو نقول: لا بد من مبلغ، صرح ابن عمر بأنه مبلَّغ، والمبلِّغ مبهم، فيكون متصل فيه راوٍ مبهم، هو من حيث الناحية العملية ما فيه فرق، من حيث الاحتجاج ما فيه فرق، الذي يقبل مراسيل الصحابة يقبل هذا؛ لكن المسألة مسألة اصطلاحية، على اصطلاح البيهقي أن إبهام الراوي إرسال يدخل هذا، وعلى قول غيره لا يدخل مثل هذا، قال: "وبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ويهل أهل اليمن من يلملم»".

"وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا-: وَذُكِرَ لِي وَلَمْ أَسْمَعْ" مثله، ذُكر لا بد من وجود ذاكر، ولم أسمع أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ» لكن مثل هذا لا يضر، الذاكر والمبلغ في الغالب صحابي، وجهالة الصحابي لا تضر، وهو أيضاً ثابت من حديث غيره.

"وحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ -وهو ابن يزيد الأيلي- عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الشَّامِ مَهْيَعَةُ»" وضبطت بكسر الهاء مهيعة، على وزن كبيرة وعظيمة، والأكثر على أنها: بإسكان الهاء، مهْيعة، كمجبنة ومبخلة، "وَهِيَ الْجُحْفَةُ، «وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ»، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا-: وَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ: «وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ»" كسابقه.

"حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرُونَ: حَدَّثَنَا"، وهذا من دقة الإمام مسلم -رحمه الله- في التعبير، يفرق بين صيغ الأداء، وإن كانت الفوارق غير مؤثرة، الإمام البخاري -رحمه الله- لا يلتفت لمثل هذه الأمور، بينما مسلم يفرق، "قال يحيى: أخبرنا، وقال الآخرون: حدثنا" ومقتضى ذلك أن يحيى روى الخبر بطريق العرض، والآخرون رووه بطريق السماع، "حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلَ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلَ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا-: وَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ قَالَ: «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ»".

ثم قال -رحمه الله- "حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ" الحنظلي المعروف بابن راهويه الإمام، قال: "حدثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قال: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ" أبو الزبير المكي، محمد بن مسلم ابن تدرس، وصرح بالسماع من جابر -رضي الله عنه-، "أنه سمع جابر بن عبد الله -رضي الله عنهمَا- يُسْأَلُ عَنْ الْمُهَلِّ" المهل مكان الإهلال، "فَقَالَ: سَمِعْتُ، ثُمَّ انْتَهَى فَقَالَ: أُرَاهُ يَعْنِي النَّبِيَّ -عليه الصلاة والسلام-" يعني أظنه، ولم يجزم بذلك، وجزم بذلك غيره.

"وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهمَا- يُسْأَلُ عَنْ الْمُهَلِّ فَقَالَ: سَمِعْتُ -أَحْسِبُهُ أو أحسَبه رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ الْجُحْفَةُ، «وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ»" والميقات الزائد على ما تقدم ميقات ومهل أهل العرق من ذات عرق، ومفاده أن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي وقّت لأهل العراق ذات عرق، أحسِبه رفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والذي في الصحيح -في البخاري- أن الذي وقّت لأهل العراق ذات عرق هو عمر -رضي الله عنه-، وفي السنن التصريح بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي وقّت لأهل العراق ذات عرق، بعضهم يضعّف الخبر بأن العراق لم تفتح بعد، العراق لم تفتح بعد فكيف وقت النبي -عليه الصلاة والسلام- لأهل العراق ذات عرق؟

طالب: من علامات النبوة؟

علم من أعلام النبوة، وقد أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن العراق تفتح، وأن مصر تفتح، وأن الشام.. وهكذا، أخبر بذلك ووقّت لأهل الشام قبل أن تفتح الشام.

طالب:........

ولو دخل، المقصود جملة الشام، الكلام عن الشام على سبيل العموم، فوقّت لهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتضعيف رفع الخبر بهذا غير وجيه، نعم ترجيح البخاري أن الذي وقت عمر -رضي الله عنه- وأنه لم يعرف له مخالف من الصحابة وهو خليفة راشد وأمرنا بالاقتداء به «اقتدوا بالذين من بعدي» «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» عمر -رضي الله عنه- قال: "انظروا حذوها" لأن عدول من ذي الحليفة والجحفة جور عليهم، أو قرن، كلها جور عليهم، فقال: "انظروا حذوها" فوقّت لهم ذات عرق، وعلى كل حال لو ثبت المرفوع مع ثبوت الموقوف لا تعارض، فإن عمر -رضي الله عنه- له موافقات كثيرة، وليكن هذا منها، هذا التحديد لهذه المواقيت، أولاً: هذه المواقيت تعرف بالمواقيت المكانية، وحينئذٍ لا يجوز تجاوزها لمن أراد الحج والعمرة بغير إحرام، وإذا تجاوز الميقات لزمه أن يرجع وإلا لزمه دم، إذا تجاوز وأحرم ثم رجع إلى الميقات، إذا تجاوز الميقات ثم أحرم دون الميقات ثم رجع إلى الميقات قيل له: لا يجوز لك أن تتجاوز الميقات، ثم رجع إلى الميقات، عليه دم؛ لكن لو قيل له قبل أن يحرم فرجع إلى الميقات وأحرم منه، لا شيء عليه، لو أحرم قبل الميقات؟

طالب: يجوز مع الكراهة.

أحرم قبل الميقات، قال: أنا أريد أن أحرم من الرياض، وليس معنى هذا الإحرام التهيؤ للإحرام بالتنظف ولبس الإزار والرداء، الإحرام نية الدخول في النسك، الذي هو ركن من أركان الحج؟

طالب: باطل؟

باطل؟ يعني لو أحرم من الرياض؟

طالب: الإحرام يكون غير صحيح.

لقائل أن يقول مثل كلام الأخ، النبي -عليه الصلاة والسلام- وقت هذه المواقيت كما وقت للوقوف عرفة، ووقت للمبيت منى، نعم له أن يقول ذلك؛ لكن نُقل الإجماع على أنه ينعقد الإحرام، وأن الأمر لا يعدو الكراهة، وإن قال بعضهم إنه بدعة، وابن حزم قال ما هو أعظم من ذلك؛ لكن هو مأثور عن جمع من الصحابة، مأثور عن جمع من الصحابة الإحرام قبل الميقات، ويروى عن علي -رضي الله عنه- وعن غيره في قوله -جل وعلا-: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] "إتمامها أن تحرم بهما من دويرة أهلك" وجاء في بيت المقدس والمسجد الأقصى على جهة الخصوص أن الإحرام منه «من أحرم من بيت المقدس غفر له ما تقدم من ذنبه» فعلى سبيل الخصوص، وإن كان فيه مقال، وأحرم منه ابن عمر -رضي الله عنه-، وأحرم جمع من الصحابة الذي أحرم من البصرة، والذي أحرم من القادسية، ثبت هذا عن الصحابة؛ لكن الأكمل فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحرم من بيته، لم يحرم من مسجده وهو أفضل، فالأكمل أن يحرم من أراد الحج والعمرة من المواقيت، بعض الناس يدخل المسجد النبوي وهو محرم والمظنون به أنه تأهب للإحرام، أو عقد الإحرام من شقته من أجل إيش؟ النسك؛ لكن قد يلتبس الأمر على بعض الجهال فيظن أن هذا الإحرام للزيارة، قد يلتبس هذا، ثم يقتدى به في ذلك، فيكون الجاهل هذا لا يدخل المسجد ليزور المسجد أو يزور النبي -عليه الصلاة والسلام- ويسلم عليه إلا بإحرام، هذه بدعة مغلظة؛ لكن إذا كان القصد أنه تأهب للإحرام، أو عقد نية الإحرام على القول الآخر في مسكنه، ومر ليؤدي صلاة في المسجد أو ليسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام- من غير ارتباطٍ بين هذه الزيارة أو الإحرام فالأمر سهل، لكن يبقى أن مثل هذا يمنع سداً للذريعة؛ لأن الناس تخفى عليهم أحكام الدين، فيظن من يظن أن الزيارة لمسجده أو لقبره -عليه الصلاة والسلام- له في قبره تحتاج إلى إحرام، فيلتبس الأمر على الجهال، فهذا يمنع من باب سد الذريعة، يعني كما قيل نظيره في الذين يجرون حول المقبرة من خارجها على الرصيف، مثل هؤلاء ينبغي أن يمنعوا، يبحثون لهم عن مكانٍ آخر، لئلا يقال بعد مدة متطاولة أن الناس كلهم كانوا يطوفون على القبور في وقت فلان وفلان من أهل العلم، ولم ينكر عليهم، يطوفون على المقابر والبدايات تبدأ بمثل هذا، فأقول: الدخول إلى المسجد النبوي ينبغي أن يمنع بالإحرام لئلا يجر ذلك إلى الاقتداء به من بعض الجهال، وقد يكون جاهل هو نفسه الذي دخل جاهل، وش اللي يمنع؟

طالب:......

يمنع يذهبن إيه، ما يلزم، لئلا يقتدي به أحد، ثم يظن أن الزيارة لا بد لها من إحرام، هذا بالنسبة للميقات المكاني، هناك ميقات زماني، وهو وقت النسك، أما العمرة فوقتها العام كله، يحرم بالعمرة متى شاء، ما لم يكن متلبساً بالحج، وميقات الحج الزماني: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وبعضهم وهو قول الإمام مالك -رحمه الله- ذو الحجة كامل، ثلاثة أشهر، والدليل على ذلك قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [(197) سورة البقرة] والأشهر جمع، وأقل الجمع الثلاثة، هذا ما يستدل به لمالك -رحمه الله-، والجمهور يقولون: اثنان وبعض الثالث.

إذا أحرم بالحج قبل ميقاته المكاني عرفنا ذلك، وإذا أحرم به قبل ميقاته الزماني أحرم بالحج من رمضان؟

طالب: لا يصح.

يعني كما لو كبر للصلاة قبل دخول وقتها، هذا مقتضى القياس، وقال به الشافعي، والأكثر على أنه ينعقد مع الكراهة، يعني تقدم الميقات الزماني مثل تقدم الميقات المكاني، ينعقد مع الكراهة، وترجم الإمام البخاري بما يدل على الكراهة، كراهة الإحرام قبل الميقات الزماني، ترجم: بأشهر الحج، ثم قال: ذكر آثار ومنها: وكره عثمان أن يحرم من كرمان، هذا تقدم الميقات الزماني أو المكاني؟ وكره عثمان أن يحرم من كرمان، والترجمة في الميقات الزماني..

طالب: لبعد المسافة.

نعم لبعد المسافة، أكثر من ثلاثة أشهر، وأكثر من سبعين يوماً التي هي أشهر الحج، الذي ينظر في الصحيح كيف دخل البخاري -رحمه الله- هذا الخبر وهو مكان؟! لكن في الوقت الحاضر ما يرد مثل هذا، ما يرد إلا المكان، الزمان لا يرد في الوقت الحاضر؛ لأن كرمان إلى جدة كم؟ ساعتين أو ثلاث، ما تجي شيء؛ لكن في وقتهم تحتاج إلى وقتٍ طويل، والله المستعان.

طالب:.......

جدة ليست بميقات، نعم ما يحاذيها كونها محاذية للمواقيت لبعض الجهات مثل سواكن مثلاً، هذه ينص أهل العلم على أن الإحرام منها مجزئ، وإلا فليست بميقات.

طالب:.......

لا، لا، ما لها حاجة أبداً، العبرة بما ثبت عن الشارع.

"حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- يَزِيدُ فِيهَا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ".

"حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَنَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ فَقَالَ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ» قَالُوا: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- يَقُولُ: هَذِهِ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ نَافِعٌ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ -رضي الله عنها- يَزِيدُ مَعَ هَذَا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ، لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ".

"وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- قَالَ: تَلَقَّفْتُ التَّلْبِيَةَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ".

"وحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: فَإِنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُهِلُّ مُلَبِّدًا يَقُولُ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» لَا يَزِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- كَانَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يُهِلُّ بِإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَيَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ".

"وحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْيَمَامِيُّ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ يَعْنِي ابْنَ عَمَّارٍ قال: حَدَّثَنَي أَبُو زُمَيْلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهمَا- قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ قَالَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «وَيْلَكُمْ قَدْ قَدْ» فَيَقُولُونَ: إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ".

يقول الإمام -رحمه الله تعالى- في سياق أحاديث التلبية، تلبية النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإهلاله بالتوحيد، "حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ" الأحاديث –أحاديث الموطأ- غالب ما يرويها الإمام مسلم عن طريق يحيى بن يحيى التميمي، هذا هو الغالب، كما أن غالب ما يرويه الإمام البخاري منها عن طريق عبد الله بن يوسف التنِّيسي، قال: "يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ على مالك عن نافع عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ" إِنَّ وأَنَّ، "إن الحمد والنعمة لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ" لبيك تثنية لبى، من قولهم: لبى بالمكان إذا أقام فيه، يعني أن المجيب لنداء إبراهيم يخبر عن نفسه أنه مقيم على طاعة الله -عز وجل-، مجيباً لندائه في هذا الأمر وفي غيره، هذا هو الأصل في المسلم، يعني كما قال -جل وعلا-: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [(91) سورة المائدة] ماذا كان جواب الصحابة؟ انتهينا انتهينا، هذا الأصل في المسلم، وليس لمسلمٍ خيرة يختار ما يناسبه من الأوامر فيفعل، وما يناسبه من الأوامر فيكف، لا، ليس له هو خيرة في ذلك، بل عليه أن يمتثل، سمعنا وأطعنا، وليس لأحدٍ أن يعرض الأوامر والنواهي على أحدٍ ليقبلها أو يرفضها، بل الأوامر الأصل فيها الوجوب، وجوب الفعل، والنواهي الأصل فيها التحريم.

"لبيك اللهم لبيك إن الحمد" يروى بكسر الهمزة، ويروى بفتحها، وهما وجهان مشهوران لأهل الحديث واللغة، الكسر كما يقول الجمهور أجود، "إن الحمد" الكسر يفيد أن الحمد لله -جل وعلا- على كل حال، والفتح يجعل الجملة تعليلية، لبيك اللهم لبيك لأن الحمد والنعمة لك، يعني الحمد في هذه حال، وإن كان الله -جل وعلا- محموداً على كل حال، فالذي رجحه الجمهور الكسر لتفيد الجملة الحمد على كل حال، إن الحمد والنعمة لك والملك، "إن الحمد" منصوب الحمد على أساس أنه اسم "إنّ" والنعمة: معطوف عليه فهو منصوب مثله، "لك" جار مجرور متعلق بمحذوف هو خبر "إنّ" والملك: معطوف عليهما، "الحمد" وجه واحد وهو النصب، وأما "النعمة" فالمشهور النصب، ويروى أيضاً بالرفع على أساس أن الواو استئنافية وليست عاطفة؛ لكن المرجح بل عند أهل العربية يتعيّن نصب النعمة، لماذا؟ لأن العامل لم يستكمل عمله، يعني ما جاء خبر الحمد.

وجائزٌ رفعك معطوفاً على

 

منصوب (إنّ) بعد أن تستكملا

أما قبل الاستكمال فلا يجوز عنده، وعلى هذا يتعيّن من حيث العربية نصب "النعمة"، أما "الملك" هو الذي يجوز فيه الوجهان؛ لأن إن استكملت، "لا شريك لك" إن الحمد والنعمة لك وحدك والملك أيضاً لله الواحد القهار، لا شريك له، الملك الحقيقي لله -جل وعلا-، فهو مالك الملوك وما يملكون، لا شريك لك، أي لا يشركه -جل وعلا- في هذا أحد، كائناً من كان، قال: "وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ" هذه تلبية النبي -عليه الصلاة والسلام- التي لزمها ولم يزد عليها، وكان -عليه الصلاة والسلام- يسمع بعض الصحابة يزيدون من الجمل الجائزة ولا ينكر عليهم، "وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهمَا- يَزِيدُ فِيهَا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ، لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ" لبيك إجابة وإقامة على هذه الإجابة والاستجابة بعد إقامة، وسعديك: إسعاداً بعد إسعاد، والخير كله بيدي الله -جل وعلا-، «والشر ليس إليك» كما جاء في الحديث، وإن كان الكل بتقديرٍ من الله -جل وعلا-، لبيك والرغباء بالمد مع فتح الراء، وبالقصر مع ضم الراء، والرغباء إليك، يعني الرغبة في تيسير الأمور، وقضاء الحوائج كلها يجب أن تكون لله -جل وعلا-، إلى الله -جل وعلا-، فلا يجوز لمسلم أن يرغب إلى أحد، وإن تُصور أن يكون هذا الشخص وسيلة لقضاء الله -جل وعلا- الحاجة على يديه؛ لكن المرغوب إليه هو الله -جل وعلا-، والعمل المقصود به العمل الذي يُتعبد به، إنما يتعبد به لله -جل وعلا-، لا إلى غيره.

"حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَنَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ" -ابن عمر- "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- وهنا أدخل المولى بين الولدين، والترتيب على سبيل التدلي في الجلالة، فسالم أجلّ من نافع، كما هو قول الأكثر، ونافع وإن كان مولىً هو أجل من حمزة، "عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ"، إذا استوت به راحلته أهل، هذا رأي ابن عمر، وكان ينكر على من يقول: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل بالبيداء على ما سيأتي، ويصفه بالكذب، وموضع إهلاله -عليه الصلاة والسلام- سيأتي، "كَانَ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ َفقَالَ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ» قَالُوا: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- يَقُولُ: هَذِهِ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-" يعني لم يكن يزيد عليها.

"قَالَ نَافِعٌ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ -رضي الله عنه- يَزِيدُ مَعَ هَذَا: "لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ، لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ" قد يقول قائل: لماذا لم يلزم ابن عمر تلبية النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو المعروف بالاقتداء والائتساء؟ بل كان يتتبع من آثار النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يوافق عليه؟ حتى أنه ذكر عليه أن كان يكفكف دابته لتقع أخفافها على أخفاف دابة النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن هذا لم يوافق عليه ابن عمر، ولا فعله من هو أجل من ابن عمر، فكيف لم يلزم تلبية النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ هم يعرفون أن مثل هذه الأذكار ليست توقيفية، ما دامت معانيها صحيحة فليست توقيفية.

يقول: "وحَدَّثَنَي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- قَالَ: تَلَقَّفْتُ التَّلْبِيَةَ" يعني أخذتها بسرعة، وفي بعض الروايات: تلقيت، ومعنى أنه أخذها من النبي -عليه الصلاة والسلام- من فيه مباشرةً دون واسطة، "مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِهم" الثلاثة الذين سبق ذكرهم.

"وحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: فَإِنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُهِلُّ مُلَبِّداً"، يهل يعني يرفع صوته بالتلبية بالإهلال حال كونه ملبداً، ملبداً شعره بصمغٍ ونحوه، بعد ظفره يلبد بشيءٍ لئلا يشعث؛ لأن المسافة طويلة، يعني عشر مراحل بين ذي الحليفة ومكة، فيحتاج أن يلبده بصمغٍ ونحوه، "يَقُولُ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ» لَا يَزِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- كَانَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ"، وكان هذه الأصل فيها الاستمرار، ويستدل بهذا من يقول: أن الإحرام له ركعتان، هما ركعتا الإحرام، وبهذا يقول جمهور العلماء، أنه ينبغي أن يقع الإحرام بعد صلاة، إن كانت فريضة ففريضة وإلا فنافلة من أجل الإحرام، وجاء الأمر بهما: «صل في هذا الوادي المبارك وقل...»

طالب:.......

لا ما هو وجوب، لا.

طالب: خاصة بالإحرام؟

خاصة بالإحرام، يعني إن كانت بعد فرض وإلا فنفل.

طالب: نافلة بنية الإحرام.

بنية الإحرام، هذا قول الأكثر، ويستدل له بمثل ما عندنا، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يركع بذي الحليفة ركعتين ليقع الإحرام بعد صلاة، وقد وقع إحرامه -عليه الصلاة والسلام- بعد صلاة، إما صلاة الصبح، كما جاء في بعض الروايات، وإلا بعد صلاة الظهر كما هي رواية الأكثر بالنسبة لحجه -عليه الصلاة والسلام-، أما إحرامه في عمرة الحديبية وعمرة القضاء فيشمله ما عندنا، كان يركع، ولا يلزم أن تكون بعد فريضة؛ لأن (كان) هذه تدل على الاستمرار، ولهذا الإنكار بشدة على من يقول: بأن للإحرام ركعتين مع وجود ما يدل على ذلك.

طالب: بس يا شيخ بعض العلماء ينكرون هذا؟

أنا عارف، أقول لك: إنكار بشدة ما يلزم يا أخي والنصوص منها ما يدل عليه، ولو أنكروا، العبرة بما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، وجاء الأمر بذلك، «صل في هذا الوادي المبارك وقل...» وهنا كان يركع بذي الحليفة ركعتين.

طالب: ما يكون خاص بذي الحليفة؟

لا، ما يلزم ما يلزم، أقول: لا داعي للإنكار على من صلى ركعتين بنية ركعتي الإحرام، حتى أن الشافعية يقولون: تُصلى ولو كان وقت نهي.

طالب: من قال به من السلف؟

من لم يقل به من السلف؟ أجب، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يركع بذي الحليفة ركعتين، وقيل له: «صل في هذا الوادي المبارك» وهو قول جمهور أهل العلم، نحتاج مع هذا إلى شيء؟ يا أخي المسألة واكبت شيء، ووافقت شيء في النفس، جاء مثل هذا الكلام حينما أنكره شيخ الإسلام -رحمه الله- ومن يقول بقوله في وقتٍ ثار فيه الناس على التقليد، ويورد في المذاهب ركعتي الإحرام، فواكب هذا الإنكار مع الثورة على التقليد، وقل مثل هذا في تحية المسجد، الذي يجلس ما يصلي تحية المسجد في وقت النهي ينكرون الناس عليه، الإنكار ليس بصحيح مع ثبوت النهي؛ لكن كل هذا يواكب الثورة على التقليد التي حدثت قبل ربع قرن أو أكثر، واستروح الناس إلى هذا، وصار هو المقرر في نفوسهم، وهذا ليس بصحيح، العبرة بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا كلام لأحد مع كلامه، وما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، لا أقول: إن دلالة النص في الصراحة بحيث ينكر على من أنكر؟ لا، أنا أقول: أقل الأحوال لا تنكر على من صلى، مع وجود مثل هذه النصوص.

"ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يُهِلُّ بِإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-" يعني بالألفاظ، بالجمل التي اقتصر عليها النبي -عليه الصلاة والسلام-، مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وأما الإهلال بالنوع الذي أهل به النبي -عليه الصلاة والسلام- من أبي موسى وعلي -رضي الله عنهما- سيأتي -إن شاء الله تعالى-، "يُهِلُّ بِإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَيَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ"، يعني يزيد على ما يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويزيد عليه قوله: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ" هذا يدل على أن الأمر فيه سعة إذا كانت الجمل صحيحة، وتدل على معنى إجابة الدعوة.

"وحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ قال: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْيَمَامِيُّ قال: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ -يَعْنِي ابْنَ عَمَّارٍ- قال: حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهمَا- قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، كلام طيب وتوحيد، "لبيك لا شريك لك، فَيَقُولُ لهم رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «وَيْلَكُمْ قَدٍ قَدٍ»" يكفي، اقتصروا على التوحيد، "فَيَقُولُونَ: إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ" الشرك الأكبر –نسأل الله العافية- "يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ" وعلى كل حال التلبية هي مشروعة بالإجماع، التلبية مشروعة بالاتفاق، لم يخالف في شرعيتها أحد، والجمهور على أنها سنة، من تركها أساء وأخطأ السنة؛ لكن لا يلزمه شيء، وقيل بوجوبها بحيث يلزم تاركها دم، يجبر تركها بدم، وقال بعضهم: أنه لا ينعقد الإحرام إلا بالتلبية، وعلى كل حال قول الجمهور أنها سنة كسائر الأذكار، يعني لو طاف شخص بالبيت سبعاً دار ولا تكلم ولا بكلمة، لا تكبير ولا دعاء ولا ذكر ولا شيء، طوافه صحيح وإلا باطل؟ صحيح، لو جلس في عرفة شخص محروم جلس عشية عرفة ولا فتح فمه ولا بذكر ولا دعاء، وقوفه صحيح وإلا ليس بصحيح؟ صحيح، إذاً التلبية كسائر الأذكار في الحج، مشروعة، سنة ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها؛ لكن كونه يلزم بشيء إذا تركها؟ لا، هذا بالنسبة لمن تلبس بالنسك؛ لكن التلبية للحلال، التلبية للحلال، يعني سمعنا شخص في أسواق الرياض مثلاً يلبي، نقول: بهذه الصيغة لم ترد إلا في الحج؛ لكن ورد لفظ التلبية في غير الحج، «لبيك إن العيش عيش الآخرة» فلا مانع أن يقال مثل هذا، ولا مانع أن يجاب الداعي بها، يقول: يا فلان: يقول: لبيك، إيش المانع؟ لا مانع من ذلك؛ لكن ما يقال بالتلبية الكاملة الواردة في النسك.

طالب: حديث: «صل في هذا الوادي المبارك» إيش سنده؟

صحيح صحيح، ما في شك.

طالب:.......

لا، لا أبداً، يرفع صوته بها وينعقد الإحرام.

طالب:.......

كيف؟ لا الأذكار في الجملة ليست توقيفية إلا ما ورد النص على أنه متعبد بلفظه، ولذا في ذكر النوم في حديث البراء «ونبيك الذي أرسلت» قال البراء لما أعاده على النبي -عليه الصلاة والسلام-: "ورسولك الذي أرسلت" قال: لا، قل: «ونبيك الذي أرسلت» فمثل هذا يتعبد بلفظه فلا يجوز أن تتعدى، وما عدا ذلك الأمر فيه سعة.

اقرأ يا عبد الله.

"حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيهَا مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ" يَعْنِي ذَا الْحُلَيْفَةِ، وحَدَّثَنَاه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- إِذَا قِيلَ لَهُ: الْإِحْرَامُ مِنْ الْبَيْدَاءِ قَالَ: الْبَيْدَاءُ الَّتِي تَكْذِبُونَ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَّا مِنْ عِنْدِ الشَّجَرَةِ حِينَ قَامَ بِهِ بَعِيرُهُ".

يقول -رحمه الله تعالى-:

"حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يعني عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-"، البيداء المكان القفر الذي لا بناء فيه، وتسمى مفازة تفاؤلاً، "بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها" يعني منهم من قال: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أهلّ بالبيداء، وقال ابن عمر: أنه أهل من عند المسجد، مسجد ذي الحليفة، منهم من قال: أنه أهلَّ حينما انبعثت به راحلته، ومنهم من قال: أنه أهلّ بعدما فرغ من صلاته، ولا مانع من أن يهلّ -عليه الصلاة والسلام- في هذه المواضع كلها، وكل يروي ما رأى وسمع، فمن سمعه وهو يهل بالمسجد قال: أهل بعد فراغه من الصلاة، ومن سمعه وهو يهل بعدما خرج من المسجد ويهل عند المسجد قبل أن يركب الدابة قال: كما هنا إلا من عند المسجد، ومن رآه يهل بعدما ركب دابته وانبعثت به قائمةً قال: أهلّ حينما انبعثت به دابته، بعد ذلك من رآه يهل بالبيداء قال: أهل بالبيداء، وليس معنى هذا إنشاء الإهلال، وإنما الإنشاء الأول وما بعده استمرار للإهلال، لم يزل -عليه الصلاة والسلام- يلبي، ومعروف أن التلبية إنما تنقطع بالنسبة للعمرة، قبل أن يباشر الطواف، وبالنسبة للحج تنقطع التلبية إذا باشر أول أسباب التحلل، والأصل أنه الرمي، في الترتيب النبوي الرمي؛ لكن إذا قدم الطواف قبل الرمي تنتهي التلبية.

طالب:.......

في الأول من أسباب التحلل تنقطع عند مباشرة الأول من أسباب التحلل، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

"