شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (21)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- وغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين:
باب: ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف:
حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر وإسحاق بن منصور قال أبو عبيدة: حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثني أبي عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يعيش بن الوليد المخزومي عن أبيه عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاء فأفطر فتوضأ، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له فقال: صدق، أنا صببت له وضوءه.
قال أبو عيسى: وقال إسحاق بن منصور: معدان بن طلحة، قال أبو عيسى: وابن أبي طلحة أصح، قال أبو
عيسى: وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم من التابعين الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء وهو قول مالك والشافعي، وقد جوّد حسين المعلم هذا الحديث، وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب، وروى معْمَر هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير فأخطأ فيه فقال: عن يعيش بن الوليد عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- ولم يذكر فيه الأوزاعي، وقال: عن خالد بن معدان وإنما هو معدان بن أبي طلحة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف" القيء: ما يخرج من المعدة عن طريق الفم، والرعاف الدم الذي يخرج من طريق الأنف، الخارج النجس من البدن لا يخلو إما أن يكون من المخرجين السبيلين فهذا ينقض الوضوء بالاتفاق، قليه وكثيره، أو من غيرهما، فإن كان نجساً محكوم بنجاسته فلا يخلو إما أن يكون فاحشاً، فهذا ينقض عند جمع من أهل العلم، وعليه يدل ما في الباب، وإن كان يسيراً فلا عند الجميع.
يقول -رحمه الله تعالى- قال: "حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر وهو أحمد بن عبد الله الهمداني الكوفي" يقول عنه ابن حجر: صدوق يهم "وإسحاق بن منصور" الكوسج، ثقة ثبت "قال أبو عبيدة -بن أبي السفر-: حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا" الترمذي ميز بين صيغ الأداء، فبين أن صيغة شيخه أبو عبيدة: حدثنا، وصيغة رواية إسحاق عن شيخه عبد الصمد: أخبرنا، وهذا جارٍ على الاصطلاح الذي استقر عليه الأمر بين التفريق بين الصيغتين، الأصل أن التحديث والإخبار بمعنىً واحد {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة] فالتحديث والإخبار معناهما واحد، وإن كان الإخبار أوسع من التحديث بدليل أن من قال لعبيده: من أخبرني بكذا فهو حر، أنه يعتق إذا أخبره بأي طريق يفهم الإخبار، سواءً كان بالمشافهة أو بالكتابة أو بالإشارة المفهمة، لكن لو قال: من حدثني بكذا فهو حر، فإنه لا يعتق حتى يشافهه بالخبر، حتى يشافهه بالخبر، فهذا التعميم والتخصيص، العموم والخصوص بين اللفظين لم يلتفت إليه كثير من أهل العلم وعلى رأسهم الإمام البخاري، فسواءٌ قال الراوي: حدثنا أو قال: أخبرنا لا فرق، بينما الاصطلاح استقر على التفريق بينهما، وهو الذي يعتني به ويهتم به الإمام مسلم، والترمذي كما هنا، والإمام أحمد في مسنده قبلهما، وأبو داود والأكثر من علماء الحديث في المشرق، كلهم أو جلهم يفرقون، جلهم يفرقون بين التحديث والأخبار، ولذا احتاج الترمذي أن يقول: قال أبو عبيدة حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا، ولا شك أن هذا من دقته وتحريه، حينما استقر الاصطلاح على ذلك ينبغي متابعة الاصطلاح في هذا، فمتى يقول المحدث حدثنا ومتى يقول أخبرنا؟ يقول: حدثنا إذا روى الحديث بطريق السماع من لفظ الشيخ، إذا سمع من لفظ الشيخ قال: حدثنا، وإذا قرأ على الشيخ أو قرئ بحضرته على الشيخ قال: أخبرنا.
يقول: "قال أبو عبيدة: حدثنا، وقال إسحاق: أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث" وهذا صدوق "قال: حدثني أبي" عبد الوارث بن سعيد ثقة "عن حسين المعلم" وقد يقال: المكتِّب، ومعناهما واحد، المُكتِّب الذي يعلم الناس في الكتاب، يعلمهم القراءة والكتابة، حسين بن ذكوان المعلم ثقة، المعلم والمكتب، كان الناس يتعلمون في الكتاب، وأدرك هذا الكتاب حتى بعض من حضر أدرك الكتاب، ويوجد من يعلم الناس الحروف بالألواح أو بالأوراق، ويعلمهم الكتابة ومبادئ القراءة وقصار السور، هذا يقال له: معلم أو مكتب، المقصود به أنه صاحب كُتاب، وصاحب الكُتاب هو معلم صبيان، أجره عند الله عظيم، وهو في زمرة المعلمين؛ لأن التعليم لا يختص بالكبار، بل الرباني عند جمع من أهل العلم يقولون: من يعلم صغار العلم قبل كباره، وبعض الناس يأنف من هذه المهنة، لا سيما وقد سُطِّر في كتب الأدب الذم لهؤلاء الذين يعلمون الصبيان، وقالوا: إنهم لا يلبثون إذا اقتصروا على ذلك أن عقولهم تنزل على مستوى الصغار، ويألفون ذلك، فتضعف عقولهم، لكنها مهنة لا بد من القيام بها، ولا يعني هذا أن الإنسان إذا بدأ يعلم الصغار أنه لا يجالس الكبار، ولا يتعلم مع الكبار، ولا يكمل دراسته مع الكبار، لا، نعم إذا اقتصر على الصغار وصار معهم ليله ونهاره، وكتب الأدب فيها التندر بهم كثير، حتى المتأخرين منهم، يعني كتب الأدب القديمة هذا كثير حدث ولا حرج، يعني معلم الصبيان عندهم صفة ذم.
أحمد أمين في فيض الخاطر ذكر عن نفسه أنه لما دخل الكتاب وجد في مصر يسمون المعلم هذا الفقيه، وقد يحذفون الهاء، المقصود أن الفقيه عندهم هذا من طول ممارسة هذه المهنة ومعاملة الصبيان يحتاج إلى طرق في التعامل معهم قد لا تكون مناسبة، والأديب هذا أحمد أمين أسفّ كثيراً في وصف هذا الكُتاب وهذا المكتب هذا المعلم في فيض الخاطر، وقال: إن عنده عصا طويلة للبعيد، وعصا قصيرة للقريب، ويحذف العصا أحياناً فتصيبه في مقتل، وذكر من عدم النظافة الشيء الذي تتقزز منه النفوس، يعني فيما يُشرب في المكتب في محل الدرس، وفيما يجلس عليه، وفيما يأكل من أرغفة سوداء، وأخذ يذم ذماً بالغاً، يقول: ثم جاء الولد فلما بلغ سن التمييز، قبل ذلك قبل التمييز يعني قبل خمس أدخلته الروضة ذهبت به إلى الروضة فاستقبلتنا آنسة في فناء مزروع مظلل، ما أدري، أخذ يمدح مدح لا نظير له، في مقابل ذم الكُتاب عنده، وهو رجل بليغ يعني أديب كبير يعني إذا أراد أن يذم استطاع يعني بقوة، وإذا أراد أن يمدح رفع شأن الممدوح وإن كان الأصل أن هذا لله -جل وعلا-، يعني هو يذم ويبالغ ويمدح ويبالغ، لكن الذي يضر ذمه ومدحه هو الله -جل وعلا-، في النهاية ختم كلامه بعد أن ذم الكُتاب ذماً بليغاً ومدح الروضة التي استقبلته فيها الآنسة والمكان المزروع والمكيف، أخذ يمدح مدح شيء.. ولا يقبل الطالب لو يكح أو يعطس لا يقبل من الغد إلا بتقرير طبي، يقول: نحن في الكُتاب إلى الكتف ندخل اليد في الزير لنتناول الكأس لنشرب به، إلى الكتف، يقول، إلى الإبط، ندخل اليد في الزير، كل هذا من أجل ذم هذا ومدح هذا، يقول: وفي النهاية -شوف النتيجة- وفي النهاية حفظت القرآن ولم يحفظ ولدي شيئاً، يعني حفظ القرآن في الكُتاب وولده ما استفاد شيء، لكن الأسلوب الذي ذم به الكُتاب وهو يريد أني يتوصل إلى هذه النتيجة هذا الكلام ليس بصحيح، يعني إذا أراد الإنسان أن يقرر نتيجة طيبة لا بد أن يمهد لها بكلام طيب، وأن هذا يعني يمكن تصحيحه، ويمكن يغتفر في مقابل أن الإنسان يحفظ القرآن؛ لأن هذا أمر عظيم، لكن ماذا عن الذين استقبلوا بالورود وفرشت لهم الأراضي بالزروع؟ وما أدري إيش؟ ما حفظ، يقول: ولا سورة واحدة، فحقيقة أنا ما استطعت تأويل ذمه الشديد لهذا الكُتاب وفي النهاية فحظ القرآن، ومدحه الشديد للروضة، روضة الأطفال وفي النهاية لا شيء، يعني الأصل أنه إن كان يهمه حفظ القرآن كان يهمه حفظ القرآن، إن كان بالفعل يعنى بحفظ القرآن يقدم بمقدمات تجعل السامع يقدم على هذا الأمر، ما يصرف الناس عن هذا المكتب الذي في النهاية حفظ القرآن، ويمدح الروضة التي في النهاية لم يحفظ شيئاً.
ينبغي أن تكون مقدمات مناسبة للنتائج، إذا كان هناك أخطاء يسعى في تصحيحها، إذا كان هناك ما يجلب الأمراض، وهناك أوساخ وكذا تصحح، لكن ليس بهذه الطريقة إلا إذا كان وهذا أستبعده يعني؛ لأنه وإن كان أديباً له عليه ملاحظات كثيرة، لكنه مدرس في مدرسة القضاء الشرعي، يعني إذا كان لا يهمه حفظ القرآن، يهمه النظافة، يهمه الترتيب يهمه كذا، فالمقال ماشي، يعني ماشي على ما يريد، وإن كان يهتم بحفظ القرآن فليست هذه الصياغة المناسبة لإغراء الناس بحفظ القرآن، وإلحاق أطفالهم بالكتاتيب التي تحفظ القرآن، هذه جاءت بمناسبة المُكتِّب هذه.
"عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي" ابن أبي كثير ثقة، والأوزاعي إمام "عن يعيش بن الوليد المخزومي" وثقه النسائي "عن أبيه" الوليد بن هشام الأموي "عن معدان بن أبي طلحة" اليعمري شامي ثقة "عن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاء فأفطر فتوضأ" قاء: يعني خرج من معدته ما خرج عن طريق الفم، "قاء فأفطر" الفاء هذه إن كانت سببية فالقيء مفطِّر، يعني أفطر بسبب القيء، فتوضأ إن كانت سببية كذلك توضأ بسبب القيء، وإن كانت تعقيبية يعني أنه حصل منه لما قاء أفطر، يعني أجهد بعد ذلك وتعب فاحتاج إلى أن يفطر فأفطر، وتلوث بدنه وثيابه فتوضأ، يعني وضوءاً لغوياً، ولذا اختلف في مفاد هذا الحديث، ومنهم من لا يثبت: "فتوضأ" من لا يثبتها، إنما يقول: قاء فأفطر، ولذلك أورده الترمذي في كتاب الصيام، يقول: قاء فأفطر، الفاء على القول الأول سببية، فدل على أن الفطر مرتب على القيء وبسببه، وكذلك الوضوء، ولكنها ليست نصاً صريحاً في أن القيء ناقض للوضوء؛ لاحتمال أن تكون الفاء للتعقيب من دون أن تكون سببية، ومنهم من يقول: إن "فتوضأ" ليست محفوظة في الحديث، إنما الحديث: "قاء فأفطر" لكن قول ثوبان: "صدقت" تصديقاً لأبي الدرداء: أنا صببت له وضوءه، تدل على أن الوضوء محفوظ، يعني سواءً جاء مع الإفطار أو دونه، فهو محفوظ بدليل أن ثوبان هو الذي صب الوضوء للنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو الماء الذي يتوضأ فيه أو يتوضأ منه.
قال معدان: "فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له" ذكرت له أن أبا الدرداء حدثني بذلك "فقال ثوبان: صدق أبو الدرداء، أنا صببت له -صلى الله عليه وسلم- وضوءه" أي الماء بفتح الواو الذي يتوضأ منه.
"قال أبو عيسى: وقال إسحاق بن منصور: معدان بن طلحة" رواية الباب ابن أبي طلحة، وإسحاق بن أبي منصور قال: معدان بن طلحة، الآن الحديث يرويه الإمام الترمذي عن طريق أبي عبيدة بن أبي السَّفَر، وإسحاق بن منصور، الترمذي بين الفرق بين صيغتي الأداء قال أبو عبيدة: حدثنا، وقال إسحاق: أخبرنا، ثم بعد ذلك أبو عبيدة قال: عن معدان بن أبي طلحة، وإسحاق بن منصور قال: معدان بن طلحة، لماذا لم يبين هذا وهو أهم من بيان صيغة الأداء لم يبينه في الإسناد؟ الآن الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- بين صيغة الأداء بالنسبة لأبي عبيدة فقال: حدثنا، وبالنسبة لإسحاق بن منصور الكوسج قال: أخبرنا، وأبو عبيدة بن أبي السفر قال: عن معدان بن أبي طلحة، وإسحاق بن منصور قال: معدان بن طلحة، فاهتم الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- لبيان الفرق بين صيغتي الأداء من قبل الشيخين ولم يبين الفرق بين معدان بن طلحة وابن أبي طلحة وهذا أهم، لماذا؟ يعني الاختلاف في الصحابي لا شك أن الاهتمام به أولى من الاهتمام بصيغة أداء الأثر فيها ضعيف؛ لأنه حتى لو قدر أن هذا تلقاه بصيغة السماع، وذاك تلقاه بصيغة العرض على الشيخ كلاهما مجمع على صحة الرواية به، ولذا الإمام البخاري لا يلتفت إلى هذه الأمور، بينما الخلاف في الراوي "قال أبو عيسى: وقال إسحاق بن منصور: معدان بن طلحة" بحذف أبي، ابن أبي طلحة، قال أبو عيسى: "وابن أبي طلحة أصح" طيب أبو عيسى ما الذي أثبته في الكتاب في أصل الكتاب؟ ابن أبي طلحة، وهو عنده أصح، وإذا كانت رواية إسحاق: معدان بن طلحة، إذاً اللفظ الثاني رواية أبي عبيدة الراوي الثاني، الذي رواه الترمذي، هذا الذي رجحه الترمذي يخالف ما رجحه يحيى بن معين، يقول الإمام يحيى بن معين: أهل الشام يقولون: ابن طلحة، وقتادة وهؤلاء يقولون: ابن أبي طلحة وأهل الشام أثبت فيه، وعلى كل حال هو متميز، سواءً قلنا: ابن طلحة أو ابن أبي طلحة، يعني لا يختلط بغيره ولا يلتبس بغيره، وسواءً قلنا: ابن طلحة وابن أبي طلحة الأثر العملي وثمرة الخلاف في هذا معدومة، ولهذا قال: هذا أصح، يحيى بن معين قال: ابن طلحة أصح، وأهل الشام أثبت فيه، وقد يختلف في اسم الراوي في اسمه، وقد يختلف في كنيته فضلاً عن كونه يختلف في اسم أبيه أو في كنيته، ولا يؤثر مثل هذا الاختلاف إلا إذا وجد راوٍ آخر يلتبس به، فيذكر معدان بن طلحة، ويختلف فيه هل هو ابن طلحة ويلتبس بآخر اسمه: معدان بن طلحة أو ابن أبي طلحة، وفيه ضعف، حتى لو قُدر أنهما ثقتان، عندنا اثنان: معدان بن طلحة، ومعدان ابن أبي طلحة كلاهما ثقة هذا لا يضر، كما لو قيل: سفيان، ولم ندر أيهما، هل هو الثوري أو ابن عيينة؟ كلاهما ثقة، أو حماد ولا ندري هل ابن سلمة أو ابن زيد كلاهما ثقة، لكن الإشكال حينما يشترك معه في الاسم ويلتبس معه في الاسم بحيث لا يستطاع تمييزه مع ضعيف، هذا المؤثر، مع أن معدان بن طلحة لا يشاركه في اسمه أحد، سواءً قلنا: ابن طلحة أو ابن أبي طلحة، فهذا الاختلاف غير مؤثر.
"قال أبو عيسى: وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم من التابعين الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق" استدلالاً بحديث الباب، وهو قول الزهري وعلقمة والأسود والشعبي وعروة والنخعي وقتادة والحكم وحماد والثوري والأوزاعي، جمع غفير من أهل العلم، "وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء، وهو قول مالك والشافعي" فعند مالك لا يتوضأ من رعاف ولا قيء ولا قيح، ولا يجب الوضوء إلا من حديث يخرج من قبل أو دبر أو نوم.
قال البخاري في صحيحه: وقال الحسن: مازال المسلمون يصلون في جراحاتهم، وصلى عمر -رضي الله عنه- وجرحه يثعب دماً، استدلوا بهذا، وبمثله، استدلوا بأنه ثبت عن جمع من الصحابة أن الواحد منهم يحرك أنفه فينزل منه الدم ولا يقطع صلاته، وقد يعصر البثرة فيخرج منها الدم، ولا يعيد صلاته ولا وضوءه لكن هذا محمول على القليل، لكن: "ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم، وصلى عمر وجرحه يثعب دماً" هذا دليل قوي لمن يقول بعدم النقض، لكن الإجابة عنه ممكنة: أن الجرح إذا لم يمكن إيقافه فيكون صاحبه بمنزلة من حدثه دائم، مثل المستحاضة، ومثل من به سلس، لا يستطيع إيقافه، فإذا كان لا يستطيع إيقافه يصلي على حسب حاله.
والذين لا يقولون بالنقض عرفنا أنهم يجيبون عن حديث الباب بأن الفاء ليست للسببية وإنما هي للتعقيب، وأيضاً قالوا: إن لفظ: "فتوضأ" ليس بمحفوظ؛ لأن الحديث روي بلفظ: "قاء فأفطر" لكن مثل ما ذكرنا سابقاً أن قول ثوبان: أنا صببت له وضوءه، يدل على أن اللفظة محفوظة، وكونه يقتصر على بعض الحديث لا يعني أن من زاده -وهي زيادة ثقة- أن من زاده لا تثبت به الزيادة، فالزيادة من الثقة مقبولة، وكون الترمذي يورده في كتاب الصيام لما يناسبه من قوله: قاء فأفطر.
البخاري -رحمه الله تعالى- ذكر عن أبي هريرة وغيره قاعدة في الصيام وفي النقض، نقض الوضوء قال: الفطر مما دخل لا مما خرج، والوضوء مما خرج لا مما دخل، الفطر مما دخل لا مما خرج، والوضوء مما خرج لا مما دخل، لكن مثل هذا الكلام لا يوافق عليه طرداً ولا عكساً، فبالنسبة للصيام الحجامة إخراج وليست إدخال وهي مفطرة عند جمع من أهل العلم، وبالنسبة للطهارة أكل لحم الإبل إدخال وليس بإخراج وهو ناقض على القول الصحيح، إذا عرفنا هذا فالقول بنقض الوضوء والفطر بالقيء والرعاف ونحوه، أما بالنسبة للرعاف فلا شك أنه يفضي إلى ضعف البدن، كالحجامة، ثم بعد ذلك قد يحتاج الصائم إلى أن يفطر، وكونه يفطر، في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «أفطر الحاجم والمحجوم» مع أنه جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه احتجم وهو صائم، وفي رواية: "صائم محرم" على كل حال المسألة خلافية، ونقض الوضوء والصيام بهذه الأمور إنما هو احتياط؛ لأن النصوص محتملة، يعني كونه قاء فأفطر، هذه حكاية خبر، حكاية خبر، نعم إن كان الصيام صيام رمضان فلا يمكن أن يفطر إلا إذا كان القيء مفطراً، وإن كان في صيام تطوع فالقيء والرعاف يضعفانه، فيحتاج إلى شيء من الأكل؛ ليعوض كالحجامة مثلاً، لا شك أن هذا لا يدل على أنهما مفطران، وعلى كل حال الذي يترجح عندي أن الفطر والوضوء إنما هو احتياط للاحتمال المذكور في الفاء هل هي سببية أو تعقيبية؟ إن قلنا: إنها سببية قلنا: أفطر بسبب القيء، بسبب الرعاف، توضأ بسبب القيء، على أن أهل العلم عندنا الحديث: "قاء فأفطر" يستدلون بحديث: «من ذرعه القيء» ذرعه القيء: يعني قاء من غير قصد ولا اختيار، فإنه لا يفطر، بينما من استقاء يعني من طلب القيء وتسبب له فإنه يفطر، وفي الحديث: "قاء فأفطر"، هل يعني هذا أنه تسبب له أو ذرعه القيء؟ هل هذا ذرعه القيء أو استقاء؟ الحديث ما فيه ما يدل على هذا، وإذا قلنا: إنه استقاء فلن يكون هذا في رمضان، لن يطلب ما يبطل صيام الفرض، ونعود إلى أن المتطوع أمير نفسه، ولو لم يلزمه الفطر إنما أفطر لحاجته إلى الفطر، وما دام النص بهذه المثابة من الاحتمالات فيكون الفطر احتياط، وقضاء مثل هذا اليوم احتياط، وكذلك إعادة الوضوء بسبب القيء أو الرعاف إنما هو من باب الاحتياط، قال: "وقد جود حسين المعلم هذا الحديث" جوده هل نقول: إنه صححه وقال: بأنه حديث جيد؟ أو نقول: بأنه ضبطه وأتقنه؟ هذا الذي يظهر، أنه جوده يعني ضبطه وأتقنه "وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب" يقول ابن منده: هو صحيح متصل.
"وروى معمر هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير فأخطأ فيه فقال: عن يعيش بن الوليد عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء، ولم يذكر فيه الأوزاعي، وقال: عن خالد بن معدان وإنما هو معدان بن أبي طلحة".
يعني أخطأ في موضعين، أسقط الأوزاعي وقال: عن خالد بن معدان، وإنما هو معدان بن أبي طلحة، فيحيى بن أبي كثير حفظ عليه هذا الخطأ، وإن كان ثقة في الأصل، ومن يعرى من الخطأ والنسيان كما قال الإمام أحمد.
سم.
عفا الله عنك يا شيخ في القيء في الوضوء هل يقال: إنه إذا استقاء عمداً كالصيام؟ بمعنى أنه إذا ذرعه...
إذا استقاء، يعني مفهوم حديث: «من ذرعه القيء» أنه إذا تطلب القيء واستدعاه فإنه يفطر.
عفا الله عنك.
في نقض الوضوء إذا ذرعه القيء في حال وضوءه، هل يقال: إنه ينقض أو لا بد أن يتذرع هو بذلك يستقيء؟
يعني يطلب يستدعي القيء، يستقيء، على كل حال المسألة في البابين في الوضوء وفي الصيام إنما هو احتياط، نعم.
طالب:.......
نعم، الإجماع نقل على هذا، نقل على هذا، نقل على هذا، وإن كانت الأدلة لا تنهض للاستدلال على نجاسته، لا تنهض الأدلة على...، كما نقل الإجماع على نجاسة الخمر، مع أن الأدلة لا تنهض، وقد يكون الإجماع استند على أدلة لم نطلع عليها، فإذا وجد الإجماع الإجماع الملزم غير المخروق والمخروم الذي يوجد من يخالف؛ لأن دعاوى الإجماع كثيرة، دعاوى الإجماع ممن يعتني به كثيرة ويوجد مخالف، هذا غير ملزمة، لكن الكلام في الإجماع الذي لم يخرق، يعني ما يوجد مخالف البتة، فهذا نقول: يجب العمل بمقتضاه ولو لم نقف على دليله، نعم.
عفا الله عنك.
قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الوضوء بالنبيذ:
حدثنا هناد قال: حدثنا شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألني النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما في إداوتك؟» فقلت: نبيذ، فقال: «تمرة طيبة، وماء طهور» قال: فتوضأ منه.
قال أبو عيسى: وإنما روي هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث، لا تعرف له رواية غير هذا الحديث، وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ منهم سفيان الثوري وغيره.
وقال بعض أهل العلم: لا يتوضأ بالنبيذ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقال إسحاق: إن ابتلي رجل بهذا فتوضأ بالنبيذ وتيمم أحب إلي.
قال أبو عيسى: وقول من يقول: لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه؛ لأن الله تعالى قال: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الوضوء بالنبيذ"
النبيذ: ما يعمل من الأشربة من التمر أو الزبيب أو العسل أو الحنطة أو الشعير كله نبيذ، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- ينبذ له، ينبذ له: يعني يلقى ويطرح التمرات أو الحبات من العنب في الماء ليكون طعمه حلواً ليلة واحدة يتخمر فيه شيء يؤثر في الطعم، ولا يؤثر في الإسكار، والفرق بين مذهب الجمهور ومذهب الحنفية في مسألة شرب النبيذ أن الجمهور يقولون: إذا كان لليلة واحدة فلا مانع من شربه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان ينبذ له، والحنفية يقولون: يشرب ما لم يغلب على الظن أنه يسكر، يعني لو كان ثلاث ليال، لو تغير واشتد وقذف بالزبد، ما لم يغلب على الظن أنه يسكر فيشرب من أي نوع كان إلا العنب، فإنهم لا يرون إلا من العنب فقط، ولا يطلقون الخمر إلا ما تخمر عن العنب، مع أن الجمهور يقولون: الخمر ما خامر العقل من أي مادة كان، وهذا هو الصحيح؛ لأنه نزل تحريم الخمر وما بالمدينة إلا التمر، لم يكن فيها عنب، فدل على أن الخمر المأخوذ من التمر خمر حقيقة شرعية ولغوية وعرفية، والحنفية يخصونه بالعنب، فيقولون: هذا النبيذ الذي يلقى فيه شيء من التمر أو غيره مما يمكن أن يتخمر ويسكر فيما بعد، إذا لم يغلب على الظن أنه يسكر ولو اشتد وقذف بالزبد فإنه يشرب، ولا شك أن قول الجمهور هو الحق الموافق للأدلة والنصوص، وقول الحنفية يجعل الإنسان على خطر لا يهاب الخمر؛ لأنه قد يغلب على ظنه أنه لا يسكر ثم يسكر، وشنع الأئمة على الحنفية في شربهم للنبيذ وإباحة شرب النبيذ، ويتفرع على هذا أن النبيذ إذا أثر فيه ما وضع فيه فقد سلبه اسم الماء لا يسمى ماء، والله -جل وعلا- كما أشار المؤلف قال: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة النساء] فعلق جواز التيمم على عدم الماء، وهذا ليس بماء، إذا تغير الماء ولو بطاهر انتقل عن كونه ماء، والإضافة مؤثرة يعني تقول: ماء التمر، ماء الورد، إلى غير ذلك إذا أضيف إلى غيره تأثر، فلا يسمى ماء مطلق وحينئذٍ لا يتوضأ به، الحنفية قالوا: يتوضأ به ولو أضيف؛ لأن الإضافة غير مؤثرة عندهم، يعني مثل إضافة ماء الورد وماء الحناء وماء التمر وماء كذا، كل ما أضيف لا تؤثر فيه الإضافة، كما أنها لا تؤثر في قولنا: ماء النهر، ماء البئر، ما البحر، إضافة غير مؤثرة، لكن فرق بين إضافة إلى ظرف لا يتأثر به الماء، وبين الإضافة إلى أمر يمازج الماء ويخالطه ويتأثر به، يريدون أن ماء الورد الذي اختلط بالورد وأثر فيه مثل ماء القارورة هذه، هذه إضافة وهذه إضافة ما تؤثر.
طيب ماذا عن ماء الرجل وماء المرأة مؤثرة وإلا ما هي مؤثرة؟ إذا قيل: ماء الرجل هو مثل ماء البئر وإلا مثل ماء البحر وإلا، هل يمكن أن يقول الحنفية بمثل هذا؟ يعني الإضافة أثرت وإلا ما أثرت؟ أثرت قطعاً، الحنفية يتوضئون بالنبيذ وعمدتهم هذا الحديث المجمع على ضعفه، مجمع على ضعفه، ومخالف لقواعد الحنفية في كونه يتضمن زيادة على النص، يعني على ما جاء في كتاب الله، والزيادة على النص عندهم نسخ، والنسخ لا يثبت إلا بقطعي، فلا يثبت بالحديث الآحاد ولو صح –النسخ- عندهم، فكيف يثبت بحديث أجمع العلماء على ضعفه؟ اتفق الأئمة على ضعف حديث الباب فكيف؟ لكنه التعصب للمذهب.
محمود بن سبكتوكين هذا حاكم في المشرق ومعروف بالعلم ومحبته لأهل العلم وإجلاله لأهل العلم، أشار عليه من أشار أن يتحول من مذهب الشافعي إلى مذهب أبي حنيفة فقال بعض أئمة الشافعية: نريد أن نصلي بين يديك على مذهب الشافعي وعلى مذهب أبي حنيفة ثم اختر، الصلاة عمود الإسلام، عمود الدين، فتوضأ وضوءاً كاملاً وأدى الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها بخشوعها على مذهب الشافعي -رحمه الله- ثم هذا الشافعي صلى على مذهب أبي حنيفة فتوضأ بنبيذ والجو حار فاجتمعت عليه الذبان، حلو، وجاء بجلد ميتة وجعل ما يلي اللحم هو الظاهر والباطن هو الشعر فتكاثرت عليه الحشرات، جلد ميتة مدبوغ أو على كل حال هذا مما يختلف فيه الحنفية عن الشافعية؛ لأن الشافعية يقولون: يصلى عليه ولا يصلى به كالحنابلة ولذلك يقولون: صلى به، هذا الفرق بينهم، ثم صلى ركعتين نقرهما؛ لأن الحنفية عندهم الطمأنينة ليست بركن، ثم بعد ذلك لما انتهى من تشهده وقبل السلام أحدث، فالتفت محمود بن سبكتوكين إلى الشيخ الحنفي قال: إيش رأيك في الصلاة صحيحة عندكم وإلا ما هي بصحيحة؟ قال: والله هذه المسائل مصححة عندنا، لكن ما يمكن أن يقال: مجتمعة هكذا الصلاة صحيحة، لكن الوضوء بالنبيذ صحيح، وإذا أحدث قبل السلام صلاته صحيحة، وإذا يعني اجتمعت كل المساوئ في هذه الصلاة فعدل عن رأيه، يقول: هذا المذهب الذي هذا عمود الإسلام وركن الإسلام الأعظم يؤدى على هذا الكيفية ما لازم مذهب، خلونا على مذهب الشافعي، كيف نتقرب إلى الله بمثل هذه العبادة؟
صاحب دائرة معارف القرن العشرين ذكر هذه القصة وأخذ يفند ما جاء فيها، لم ينكرها هو، ما أنكرها، وإنما قال: هب أن المسلم توضأ بالنبيذ والنبيذ فيه كحول، والكحول معقم، مطهر، يعني هو أولى بالوضوء من الماء، يعني عكس القضية، فجعل هذه محاسن بعد أن كانت مساوئ، لكن العبرة بالاتباع، العبرة بقال الله وقال رسوله، سواءً كانت أعظم في التنظيف، عاد إلا نبي واحد يتوضأ بكلوركس بعد كان يمكن أنظف منه بعد، نعم.
طالب:........
لا، ليس المرد إلى الرأي ولا إلى العقل، الدين قال الله وقال رسوله، والاتباع هو الأصل بل هو شرط لقبول العبادة، ومعول الحنفية في الوضوء بالنبيذ على هذا الحديث.
قال: "حدثنا هناد" يعني ابن السري، وهو ثقة "قال: حدثنا شريك" بن عبد الله النخعي القاضي، صدوق، له أخطاء وأوهام "عن أبي فزارة" راشد بن كيسان "عن أبي زيد" مجهول لا يدرى من هو، ولا من أبوه، وما بلده "عن عبد الله بن مسعود قال: سألني النبي -عليه الصلاة والسلام-: «ما في إداوتك؟» يعني الإناء الذي يحمله فيه الماء «ما في إداوتك؟» فقلت: نبيذ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «تمرة طيبة، وماء طهور» أي النبيذ ما هو في الحقيقة إلا تمرة وهي طيبة، وما هو أيضاً إلا ماء، وهو طهور فليس فيها ما يمنع التوضؤ، يعني لو صح الخبر حمل على هذا "«تمرة طيبة، وماء طهور» قال: فتوضأ منه".
"قال أبو عيسى: وإنما روي هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله عن النبي -عليه الصلاة والسلام-" ورواه أيضاً أبو داود وابن ماجه "وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث، لا يعرف له رواية غير هذا الحديث".
يقول ابن حبان: أبو زيد شيخ يروي عن ابن مسعود لا يدرى من هو ولا أبوه ولا بلده، ومن كان بهذا النعت ثم لم يروِ إلا خبراً واحداً خالف فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس استحق مجانبة ما رواه.
قال: "وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ منهم سفيان الثوري وغيره" ومنهم أيضاً: أبو حنيفة -رحمه الله- في المشهور عنه، وأنه يتوضأ من النبيذ ولا يتمم بعده، وعند الحنفية أنه يتمم ولا يتوضأ، وهذا قول أبي يوسف، ومنهم من قال: يجمع بينهما وهو محمد بن الحسن، توضأ من النبيذ ويتيمم، هذا ذكره الجصاص في أحكام القرآن، ذكر الروايات الثلاثة.
"وقال بعض أهل العلم: لا يتوضأ بالنبيذ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق" بل هو قول جماهير العلماء، "وقال إسحاق: إن ابتلي رجل بهذا فتوضأ بالنبيذ وتيمم أحب إلي" يعني كأنه جعل وجوده مثل عدمه.
مثل ما قال بعض القضاة جيء له بشخص من الأعيان فهاب أن يقول: لا أقبل شهادته؛ لأنه كذا وكذا، قال: فلان ونِعِم، لكن نبي معه شاهدين، هذا يبي يتوضأ منه ويتيمم، ما له داعي مثل هذا، ما دام الماء متغير وسلب الاسم المطلق، مطلق الماء فلا يتمم به، ولا يلتفت إليه، مثل العصير الآن الذي يباع في الأسواق، لو واحد توضأ به، على مقتضى قول الحنفية ما في إشكال يتوضأ به؛ لأنه في حكم النبيذ "إن ابتلي رجل بهذا فتوضأ بالنبيذ وتيمم أحب إلي".
"قال أبو عيسى: وقول من يقول لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه؛ لأن الله تعالى قال: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] والنبيذ ليس بماء، يقول ابن حجر: هذا الحديث أطبق علماء السلف على تضعيفه.
ومثله عند الملأ علي قاري في المرقاة، ومما يضعفه قول ابن مسعود؛ لأن هذا الحديث في بعض رواياته ما يدل على أنه حصل في ليلة ذهاب النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الجن، وابن مسعود صرح بسند يثبت عنه أنه لم يكن ليلة الجن مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتمنى أن لو كان معه.
بعض من تكلم على الحديث قال: كان أبو زيد نباذاً بالكوفة "عن أبي زيد عن عبد الله بن مسعود" أبو زيد هذا نباذ، يعني يصنع النبيذ، وفي عارضة الأحوذي لابن العربي يقال: إن أبا فزارة كان نباذاً بالكوفة، لكن أبو فزارة قد لا يليق به مثل هذا، أما بالنسبة لأبي زيد فمجهول لا يدرى من هو ولا من أبوه ولا بلده، يمكن أن يكون نباذ، وإذا جاء الخبر عن مثل هذا فيما يستفيد منه يعني أهل الأطعمة كثر وضعهم للحديث، الهراس قال: "عليكم بالهريسة فإنها تشد الظهر" وصاحب العدس يقول: "عليكم بالعدس فإنه قدس على لسان سبعين نبياً" وأبو فزارة نباذ قال: "تمرة طيبة، وماء طهور" فهؤلاء يبثون هذه الدعايات لتجاراتهم مع ضعفهم في الأصل، فلا يقبل قولهم، وإذا كان المبتدع الذي تدين بالبدعة لا تقبل روايته فيما يؤيد بدعته فمثل هذا الفاسق المجهول لا تقبل روايته من باب أولى.
سم.
عفا الله عنك.
قال الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: في المضمضة من اللبن:
حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شرب لبناً فدعا بماء فمضمض، وقال: «إن له دسماً».
قال: وفي الباب عن سهل بن سعد الساعدي وأم سلمة.
قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح، وقد رأى بعض أهل العلم المضمضة من اللبن، وهذا عندنا على الاستحباب، ولم يرَ بعضهم المضمضة من اللبن.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب: في المضمضة من اللبن" وجاء: «توضئوا من اللبن، إن له دسماً» ويحمل على هذا أنه تمضمض، اقتصر على المضمضة، والمضمضة لا شك أنها وضوء لغة، يعني غسل، غسل للفم، وضوء لغوي.
قال: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن عقيل" هو ابن خالد "عن الزهري" الإمام محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري "عن عبيد الله بن عبد الله -بن عتبة- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- شرب لبناً فدعا بماء فمضمض" في بعض النسخ: "تمضمض", "وقال: «إن له دسماً» الدسم: هو الدهن والودك، وهذه علة المضمضة مما يدل على استحباب المضمضة من كل شيء يبقى أثره وغسله من البدن والثوب لا سيما إذا كان مما ينبعث له رائحة.
"قال: وفي الباب عن سهل بن سعد الساعدي وأم سلمة".
"قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح" أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي "قال: وقد رأى بعض أهل العلم المضمضة من اللبن، وهذا عندنا على الاستحباب، ولم يرَ بعضهم المضمضة من اللبن" ولا شك أن هذا من باب النظافة؛ لأن ترك هذه الأمور سواءً كانت في الفم أو في اليد أو في شيء من البدن، هذه الدهونات التي تبقى لا شك أنها إذا تراكمت انبعث منها روائح كريهة، تؤذي الجليس، تؤذي المصلي، تؤذي الملائكة.
يقول ابن العربي في العارضة: النظافة محبوبة شرعاً، محثوث عليها ديناً، فلذلك استحبها العلماء، ولم يوجبوها، إلا ما ورد من إيجاب الغسل والوضوء «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ» فهو داخل في حيز النظافة، أما ما عدا ذلك فهو على الاستحباب.
يقول: ولم يوجبوها، إلا أن تكون غالبة من صناعة أو ملازمة شعث، يعني مهنة تجعل الإنسان ملازم للوسخ والقذر فإن هذا لا ينبغي أن يغشى بيوت الله ويؤذي المصلين، ويؤذي الملائكة بروائحه، ويتسبب في تقذير المسجد والمصلين، لأن بعض الناس يحضر بثياب فيها أوساخ، يأنف المصلي أن يصلي بجانبه، وإذا سجد على الفرش لوّثه، فمثل هذا لا يجوز له ذلك، لا يجوز له أن يغشى المسجد بهذه الثياب التي تؤذي المصلين، وتلوث المسجد، وبعض المساجد يوضع فيها سجاجيد صغيرة بقدر المصلي من أجل أن يصلي عليها العمال، لكن هذا يتلافى فيه تقذير المسجد، لكن ماذا عن المجاور؛ لأن النفس تأنف، يعني من الرواة من ترك الصلاة مع الجماعة، لماذا؟ قال: والله يصلي جنبي حمّال وزبال وكذا وكذا، هذا لا يجوز له أن يترك صلاة الجماعة بسبب هذا، لكن الأذى لا بد من رفعه، أما أن تترك الجماعة بسبب هذا يقول: والله بجنبي حمال وإلا زبال.... الآن في يوجد من يصلي مع الناس وقد يتعذر ويترك الصلاة بهذا العذر هؤلاء أصحاب الصرف الصحي، أهل الوايتات الذين يسحبون البيارات -أكرم الله الجميع- هؤلاء يصل إلى ثيابهم وأيديهم وأبدانهم، ويقولون: لا نستطيع التغيير إلا أن نذهب إلى البيت، وتجدهم يزاولون هذه المهن والناس يصلون بحجة أنه لا يستطيع أن يصلي، فلا معنى لإيقاف العمل وقت الصلاة، إذا كان لا يستطيع أن يصلي وهو يريد أن يؤدي الصلاة في أقرب وقت يقول: يكمل ويمشي ويروح يغير ويصلي، لكن مثل هذا لا بد من إيقافه وقت الصلاة، ولا بد من إلزامه أن يتهيأ للصلاة قبل أن تقام، وإلا فتكون فوضى على هذا، كل من تعذر بشيء أو تذرع بشيء لا يؤمر ولا ينهى ثم يضيع الأمر، بل نجدهم بكثرة، يعني يمكن في هذا البلد قلة، لكن في الرياض ما تمر على شارع إلا وايت يسحب ووايت ما أدري إيش؟ ويتذرعون بملابسهم، وأنا لا نستطيع أن نصلي في المسجد الملابس نجسة، يا أخي ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يجب عليك أن تتوقف قبل الصلاة وتتهيأ للصلاة بوقت كافي.
يقول: إلا أن تكون غالبة من صناعة أو ملازمة شعث فتكره، فتكون إزالتها واجبة، والخروج عن الجماعة لأجلها فرض كالثوم والبصل يأكلهما المرء وكل ما يضر بالجليس فيمنع من الجماعات المشروعة، والمساجد المطيبة؛ لئلا تتأذى الملائكة وعَمَرَة بيوت الله وجلساء المسلمين، ولأجل عظيم كراهية النبي -صلى الله عليه وسلم- للرائحة الخبيثة قال له أزواجه في حال الغيرة من شرب العسل عند زينب: أكلت مغافير، وهو نبت كريه الرائحة، فقال: «بل شربت عسلاً» فقلن له: جرست نحله العرفط، يعني أخذت وأكلت النحل هذه التي خرج من بطنها هذا العسل جرست العرفط، وهو أيضاً نبت كريه الرائحة فتعين يقيناً في الشريعة حسن المحافظة على النظافة من كل طريقة.
وهذا هو اللائق بالمسلم، الإسلام لا شك أنه دين الطهارة، ولذلك أوجب الغسل والوضوء وغسل النجاسات، وجعلها شرط لأعظم العبادات البدنية، ويذكر أن غسال ثياب في بلاد الكفر أعلن إسلامه من غير دعوة، ما دعي، فقيل له: ما الذي دعاك إلى الإسلام؟ قال: أنا غسال فتأتيني ثياب المسلمين ليس لها رائحة إن لم تكن مطيبة فأقل الأحوال ليس لها رائحة، وثياب الكفار منتنة؛ والسبب في ذلك هو الاستنجاء، المسلمون يستنجون، والكفار لا يستنجون، فالنجاسات ملازمة لهم، وهذا من محاسن هذا الدين العظيم.
سم.
عفا الله عنك.
قال الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: في كراهة رد السلام غير متوضئ:
حدثنا نصر بن علي ومحمد بن بشار قالا: حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري عن سفيان عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً سلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبول فلم يرد عليه.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وإنما يكره هذا عندنا إذا كان على الغائط والبول، وقد فسر بعض أهل العلم ذلك، وهذا أحسن شيء روي في هذا الباب.
قال أبو عيسى: وفي الباب عن المهاجر بن قنفذ وعبد الله بن حنظلة وعلقمة بن الفغواء وجابر والبراء.
يقول: -رحمه الله تعالى-:
"باب: في كراهة" في بعض النسخ: "كراهية"، "في كراهة رد السلام غير متوضئ" فيستحب الوضوء للذكر، وأن يذكر الله -جل وعلا- على طهارة، مع أنه ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه يذكر الله في جميع أحيانه وأحواله، هنا في هذا الحديث الصحيح المتفق عليه، النبي -عليه الصلاة والسلام- تيمم لرد السلام.
قال: "حدثنا نصر بن علي ومحمد بن بشار قالا: حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري عن سفيان عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر أن رجلاً سلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبول فلم يرد عليه".
هذا القدر من الحديث ليست فيه مطابقة للترجمة، إذا كان وهو يبول فقط ولم يرد عليه، وأنه رد عليه بعد أن فرغ من بوله ليس فيه ما يدل على أنه توضأ لرد السلام، ورد السلام يشتمل على دعاء بالسلامة، والسلام من أسماء الله الحسنى، فلا يذكر في هذه الحال، حال قضاء الحاجة، تمام الحديث: أن رجلاً سلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبول، فسلم فلم يرد عليه حتى فرغ من حاجته، ثم وضع يده على الجدار ثم تيمم ورد عليه، أراد أن يذكر الله -جل وعلا- على طهارة، وهذا فيما لا تشترط له الطهارة، إذا كانت طهارة مشترطة لا يجزئ التيمم مع وجود الماء، لكن إذا كانت من باب الكمال وليست من باب الاشتراط فإنه يجزئ الوضوء.
وعلى هذا لو وجدت جنازة لو وجدت جنازة وخشي من رفعها إن ذهب يتوضأ، يقول شيخ الإسلام: يتيمم، ولا يفوت هذه الجنازة؛ لأنها بالنسبة له مستحبة، والواجب قام بها غيره، وإذا ذهب يتوضأ رفعت هذه الجنازة فجوز التيمم في هذه الصورة، والجمهور يقولون: «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ» وهذه صلاة، هل يتسامح في النوافل فتؤدى بغير طهارة يتيمم لها مع وجود الماء؟ لا، الحكم واحد، فما يشترط للفرض يشترط للنفل، أما ما لا يشترط للفرض، ما لا يشترط له مثل الذكر يشترط له الطهارة فيكفي فيه التيمم، لكن لو اشترطت الطهارة للذكر لا بد من الوضوء، سلم على النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم ينكر عليه كما سيأتي في كلام ابن العربي فدل على أن المشغول يسلم عليه، سواءً كان مشغول بقضاء حاجة مثلاً، أو مشغول بقراءة أو مشغول بصلاة، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يسلم عليه وهو يصلي فيرد بالإشارة، لهذا لم ينكر النبي -عليه الصلاة والسلام- على من سلم عليه، وإنما انتظر حتى فرغ من حاجته ثم تميم فرد عليه السلام.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا البخاري "وإنما يكره هذا عندنا إذا كان على الغائط والبول، وقد فسر بعض أهل العلم ذلك" لم يرد عليه وهو يبول؛ لأن السلام من أسماء الله -جل وعلا-، وهو دعاء بالسلامة أيضاً للمسَّلِم لا يذكر في هذه المواطن.
قال: "وهذا أحسن شيء روي في هذا الباب".
"قال أبو عيسى: وفي الباب عن المهاجر بن قنفذ" هذا عند أبي داود والنسائي وابن ماجه "وعبد الله بن حنظلة" عند الإمام أحمد في المسند "وعلقمة بن الفغواء" عند الطبراني في الكبير "وجابر" إن كان جابر بن عبد الله فهو عند ابن ماجه، وإن كان جابر بن سمرة فهو عند الطبراني، فهو مروي عنهما "والبراء" عند الطبراني في الأوسط.
ابن العربي يقول: في الحديث خمس مسائل:
يقول: فيه الجري على سنة المار، وأنه يبدأ بالسلام، هذا الأصل أن المار يسلم، الماشي يسلم على الجالس، يسلم على الجالس، لكن إذا ما سلم المار تترك السنة أو يسلم الجالس؟ يعني هذا على سبيل الإلزام أو نقول: خيرهما الذي يبدأ بالسلام؟ وأن الماشي هو الأولى أن يسلم؟ يعني كما لو التقى كبير وصغير، الصغير يسلم على الكبير، لكن ما سلم الصغير ألا يسلم عليه الكبير؟ نعم؟
طالب: يسلم.
يسلم، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يسلم على الصبيان، لكن الأولى بهذا أن الصغير يسلم على الكبير، والأولى بهذا أن الماشي يسلم على الجالس، الراكب يسلم على الماشي وهكذا، لكن إذا لم يسلم وفوت الأجر والفضل فإن خيرهما الذي يبدأ بالسلام.
وبعض الناس إذا مر مثلاً وهذه توجد أحياناً مع العمال، العمال تجده جالس فإذا مر اللي يسمونه المواطن يعني السعودي أهل البلد قال العامل: السلام عليكم، يبادره بالسلام، يعني كأنه من منطلق، هذا من منطلق قوة وهذا ضعف، هذه أمور يعني ما جاء به شرع ولا عقل، لكن حاصلة يعني، فتجد العامل يبادر على ما قالوا المواطن بالسلام، كله من باب أن هذا وافد ومحتاج إلى التأليف بخلاف المواطن المتعزز بنفسه وبعشيرته وببلده، هذا ليس من أخلاق المسلمين، بل عليك أن تسلم على كل مسلم، وإذا سلمت لك الأجر، هذا بالنسبة للبداءة بالسلام سنة، والرد واجب، فإذا سلم عليك أن ترد، عليك أن ترك مطلقاً، في السلام تسلم على من يغلب على ظنك أنه مسلم، وقد لا تسلم على عاصي أو مبتدع من باب الهجر، إذا كان الهجر أنفع، لكن إذا سلم عليك لا بد أن ترد {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [(94) سورة النساء] لا بد أن ترد السلام، إن كان مسلماً فتقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وإن غلب على ظنك أنه غير مسلم تقول: وعليكم، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يرد على اليهود، ويعامل المبتدع الذي يكفر ببدعته على هذا الأساس.
يقول: فيه الجري على سنة المار وأنه يبدأ بالسلام.
ثانياً: أنه لم ينكر على من سلم حال البول حتى فرغ، ولو كان مكروهاً لما أقره عليه.
ثالثاً: ترك الكلام بذكر الله على قضاء الحاجة.
رابعاً: التيمم لذكر الله على الطهارة وهو أفضل، لا سيما إذا كان دعاءً كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور» الصلاة تشمل اللغوية والشرعية، فاللغوية هي الدعاء، فإذا كان دعاء فيكون على طهارة، مع أن استعمال اللفظ في معنييه اللغوي والاصطلاحي فيه ما فيه يعني، فيه ما فيه؛ لأن الصلاة الشرعية يشترط لها الطهارة، والصلاة اللغوية التي هي الدعاء لا يشترط لها طهارة، فتناول اللفظ للأمرين اللغوي والاصطلاحي يرد فيه ما ورد من إطلاق اللفظ في أكثر من معنى، وكان مالك لا يقرأ عليه الحديث حتى يتوضأ.
يقول: خامساً: تيممه -صلى الله عليه وسلم- على الجدار وهو من حجارة أو من لبن، وفي ذلك رد على الشافعي في قوله: لا يتيمم إلا بتراب له غبار، وسيأتي هذا -إن شاء الله تعالى-.
سم.
عفا الله عنك.
قال الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في سؤر الكلب:
حدثنا سوّار بن عبد الله العنبري قال: حدثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أيوب يحدث عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات أولاهن أو أخراهن بالتراب» وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو هذا، ولم يذكر فيه: «إذا ولغت فيه الهرة غسل مرة» قال: وفي الباب عن عبد الله بن مغفل.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في سؤر الكلب" السؤر: هو بقية الشراب، يعني ما يبقى في الإناء بعد الشرب، هذا يقال له: سؤر.
قال: "حدثنا سوار بن عبد الله العنبري" التميمي ثقة "قال: حدثنا المعتمر بن سليمان" التيمي، وهو أيضاً ثقة ثبت "قال: سمعت أيوب" بن أبي تميم السختياني، إمام "يحدث عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات»" ولغ: يعني شرب بطرف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحركه شرب أو لم يشرب «سبع مرات أولاهن أو أخراهن» (أو) هذه للشك أو للتخير، يعني إن شاء جعلها الأولى، وإن شاء جعلها الأخيرة، أو للشك هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام- أولاهن أو أخراهن؟ ورواية مسلم: «أولاهن» يقول ابن حجر: وهي رواية الأكثر وهي الأرجح؛ لأن تتريب الأخيرة يحتاج إلى غسلة أخرى لتنظيفه، وعلى هذا إذا خلط التراب بالماء في الغسلة الأولى ثم تواردت عليه الغسلات الباقية لا يحتاج إلى غسله قدراً زائداً على المأمور به شرعاً «أولاهن أو أخراهن بالتراب» التراب كما قال أهل الخبرة فيه ما يقضي على الجرثومة التي يفرزها الكلب مع لعابه، ولا يوجد ما يقوم مقام التراب في هذا، لا صابون ولا أشنان، ولا جميع المنظفات والمزيلات لا تزيل هذه الجرثومة؛ لأنها لا تزول إلا بالتراب "وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة" وهذه الجملة ليست من المرفوع، وأول الحديث فيما يتعلق بالكلب رواه الجمعة، وأما ذكر الهرة فليس بمرفوع إنما هو موقوف.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق" وإليه ذهب ابن عباس وعروة وابن سيرين وطاووس والأوزاعي ومالك وأبو ثور وأبو عبيد وداود.
مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ومن معهم يقولون: بأنه يغسل سبعاً على خلاف بينهم، هل غسله لنجاسته، كما في قوله: «طهور إناء أحدكم» أو لا لنجاسته بل الكلب عند الإمام مالك طاهر يغسل تعبداً، ولو كان للنجاسة لكفى فيه ثلاث، كما يكفي في العذرة، أبو حنيفة يقول: يكفي غسله ثلاث مرات، ولا يلزم سبع؛ لأن أبا هريرة أفتى بالثلاث، والعبرة عندهم بما رأى لا بما روى؛ لأنه لو كان يراه ثابتاً أو يراه محكماً غير منسوخ لما أفتى بخلافه، لكن هذا مردود؛ لأن أبا هريرة ثبت عنه الفتوى بالسبع، وهي أقوى وأرجح من الفتوى بالثلاث، والعبرة مع ذلك بما روى لا بما رأى.
احتج الحنفية بأن العذرة أشد في النجاسة ولم تقيد بالسبع، وأجيب بأنه لا يلزم من كونها أشد في الاستقذار أن تكون أشد في تغليظ الحكم، وبأنه يرد عليهم أيضاً بأن هذا قياس مع وجود النص، والقياس مع النص فاسد الاعتبار.
ابن العربي أطال في تقرير مذهب مالك في قوله: بطهارة عين الكلب ولعابه وأن الغسل من ولوغه مجرد تعبد لا للنجاسة، والجمهور على أنه نجس، يستدلون بأدلة كثيرة منها: «طهور إناء أحدكم» الطهارة لا تكون إلا من حدث أو خبث ولا حدث هنا إذاً تعين الخبث، ومالك لهم أجوبة، لا سيما ابن العربي أطال في تقرير هذه المسألة وأنه طاهر، وأن المسلم يتوضأ ويغتسل وهو طاهر، يجب غسله بدنه وهو طاهر، والمسلم إذا مات يغسل وهو طاهر، ولا يقترن.. تقترن الطهارة الحكمية مع النجاسة العينية.
على كل حال عامة أهل العلم على أنه نجس، كما يستدل المالكية بأن ما صاده بفمه يؤكل من غير غسل، فدل على طهارته، وأن ما باشره بفمه ولعابه طاهر، والمسألة يعني البحث فيها طويل، والأدلة كثيرة من الطرفين، والمرجح هو قول الجمهور.
سم.
عفا الله عنك.
قال الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في سؤر الهرة:
حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت عند ابن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن أبا قتادة دخل عليها قالت: فسكبت له وضوءاً قالت: فجاءت هرة تشرب فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه فقال: أتعجبين يا بنت أخي؟ فقلت: نعم، قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات» وقد روى بعضهم عن مالك: وكانت عند أبي قتادة، والصحيح ابن أبي قتادة.
قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي وأحمد وإسحاق لم يروا بسؤر الهرة بأساً، وهذا أحسن شيء روى في هذا الباب، وقد جوَّد مالك هذا الحديث عن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يأتِ به أحد أتم من مالك.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في سؤر الهرة" وأنه طاهر، خلافاً لما تقتضيه الجملة الأخيرة في الباب السابق مما يدل على أنها غير مرفوعة ولا محفوظة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والسؤر هنا هو السؤر هناك، يعني بقية الشراب، بقية ما شرب منه أو شربت منه الهرة.
قال: "حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن" بن عيسى بن يحيى الأشجعي، وهو ثقة ثبت "قال: حدثنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة" مالك إمام دار الهجرة نجم السنن، ولا يحتاج أن يقال فيه: ثقة ولا غير ثقة، ما يحتاج إلى أن يوثق، ولا يحتاج أن يراجع له الكتب، ولا يحتاج أن يراجع له أقوال أهل العلم، هو نجم السنن، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وصححوا استغناء ذي الشهرة عن |
|
تزكية كـ(مالك) نجم السنن |
لأنه ما يحتاج إلى تزكية مالك قال: "عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة" الأنصاري المدني، وهو ثقة أيضاً "عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة" قال ابن حجر: مقبولة، الأنصارية "عن كبشة" زوج إسحاق بن عبد الله "عن كبشة بنت عبد الله" يعني زوج إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الراوي عنها، وهي تروي "عن كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت عند ابن أبي قتادة" عبد الله بن أبي قتادة، يقول ابن حبان: لها صحبة "أن أبا قتادة" وهو الحارث بن ربعي الأنصاري فارس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "دخل عليها" أي على كبشة، وهي زوجة ابنه "قالت: فسكبت له وضوءاً" يعني صببت له ماءً يتوضأ به "قال: فجاءت هرة تشرب فأصغى" يعني أمال لها "الإناء" ليسهل عليها الشرب "حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه" نظر المنكر أو المتعجب "فقال: أتعجبين من شربها من وضوئي يا بنت أخي؟ يعني في الإسلام؟ "فقلت: نعم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنها ليست»" يعني الهرة «إنها ليست بنجس» ونجس مصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع، فتقول: هو نجس وهي نجس وهما نجس وهن نجس {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] يستوي فيه المذكر والمؤنث، يعني ليست نجسة «إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات» الطوافين الخدم في البيوت، وجاء بالواو أيضاً «إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات» فـ(أو) هذه إما أن تكون للشك أو للتنويع، الطوافين الذكور والطوافات الإناث.
ونظراً لهذه العلة وهي أنها إنما حكم بطهارتها لأنها طوافة، فيشق الاحتراز عنها، ولذا يقول أهل العلم: وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر؛ لأنه إذا شق التحرز عن الهرة، شق التحرز عما هو دونها في الخلقة من باب أولى.
"وقد روى بعضهم عن مالك: وكانت عند أبي قتادة -الحارث بن ربعي- والصحيح عند ابن أبي قتادة" عند ابنه وليست عنده، ولذلك قال: يا ابنة أخي؛ لأنه لا يحسن أن يقال للزوجة: يا ابنة أخي، فتدعى بما يدعى به المحارم.
"قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة" عائشة عند أبي داود والدارقطني وابن ماجه، وحديث أبي هريرة عند الدارقطني أيضاً، وأيضاً رواه أنس فيما ذكره الزيلعي في نصب الراية.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني، وقال الحافظ في التلخيص: صححه البخاري والترمذي، الترمذي قال: هذا حديث حسن صحيح.
"وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي وأحمد وإسحاق" ومالك والليث والأوزاعي، كلهم "لم يروا بسؤر الهرة بأساً" يعني فهو طاهر من غير كراهة، وقال الحنفية: هو طاهر مع الكراهة، وحديث الباب يدل على أن لا كراهة فيه "وهذا أحسن شيء روى في هذا الباب، وقد جود مالك هذا الحديث عن عبد الله بن أبي طلحة" يعني صححه وجعله جيداً، واحتج به في موطئه "ولم يأتِ به أحد بأتم مما جاء به مالك" يعني مما ذكره في موطئه واحتج به، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نعم يبدأ بالأكبر سواءً كان سناً أو قدراً، ثم من عن يمينه هو، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الإناء يمين هذا الأكبر.
المس على كل حال أصله باليد، ويكنى به عن الجماع، هذا ما يخالف فيه، لكن هل المرجح في مثل الآية {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] في قراءة حمزة والكسائي: "لمستم" وهذا يرجح قول من يقول: إن المراد به الناقض اللمس فقط باليد، وهذا هو حقيقة اللفظ، وأما الملامسة بمعنى الجماع فمن لازم الجماع الملامسة، من لازمه الملامسة، لكن لا يعني أن المس لا يطلق أو الملامسة لا تطلق على الجماع أو العكس، لكن يأتي هذا وهذا والسياق هو الذي يحدد المراد.
والله ما قرأت هذا الشرح، والشيخ -حفظه الله ووفقه- مظنة للتجويد، لكن مع ذلك لا يكفي عن كتب المصطلح.
هذا الاختلاف في عود الضمائر في أبيه وجده هو الذي أوجد خلاف في الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فمن قال: عن أبيه شعيب عن جده محمد جد عمرو محمد، قال: لا يحتج بهذه السلسلة؛ لأن الخبر يكون مرسلاً، محمد ليس بصحابي تابعي، ومن قال: إن جده يعود إلى الأب الذي هو شعيب فيكون جد عبد الله بن عمرو بن العاص، فيكون حينئذٍ الخبر متصلاً إن ثبت سماع شعب من جده عبد الله بن عمرو، على كل حال المسألة مختلف فيها، والذي يراه أهل التحقيق وأهل الإنصاف والاعتدال من أهل العلم أن السند قابل للتحسين إذا صح إلى عمرو، فإذا صح السند إلى عمرو فالخبر لا ينزل عن درجة الحسن.
إذا أحب العبد مع الله غيره إذا كانت المحبة الشرعية التي من مقتضاها تقديم ما يهواه المحبوب على غيره فهذا شرك، وإن كانت المحبة الجبلية التي فطر الناس عليها فهذه لا تنافي محبة الله -جل وعلا- ومحبة رسوله.
صحيح.
وكذلك سورة الإخلاص أدبار الصلوات؟
هي جاءت سورة الإخلاص مع آية الكرسي، وأما المعوذتان فلا إشكال فيهما، لكن سورة الإخلاص أقل مما جاء في المعوذتين.
إذا دفعتها بعد أن تحريت التحري التام ثم تبين لك أنه لا يستحقها لا تعد، لكن إذا فرطت عليك الإعادة.
إذا أدى إلى الموالاة والمعاداة فإن هذا شأنه خطير -نسأل الله العافية-.
مع العلم أن غالب المشجعين يغضبون للنادي ما لا يغضبون لله؟
لا شك أن هذه مخالفة عظيمة، فعلى الإنسان أن يكون هواه تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-.
يعني يختلف أدائهم بالتكبير تكبير الركوع، تكبير السجود، تكبير الجلوس، تكبير القيام.
يقول: بحيث لو كان المأموم مغمض العينين لعرف أنه يركع أو يسجد أو أنه في التشهد الأخير؟
لا شك أن هذا مما يعين المأموم على ضبط صلاته، لا سيما إذا كان لا يرى الإمام، وإذا كان القصد إعانة المأموم والمأموم كما يقال: إذا كان سبب المنع أننا نعينه على الغفلة هو غافل غافل، الغافل غافل لا نعينه ولا نزيده، على كل حال هذه من الأمور المتروكة التي لم يرد فيها صفة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكيفما أديت صحت.
جواب أبي بكر في قوله: "لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة" تدل على أن المجادلة كانت في مانعي الزكاة.
ما أدري ويش يعني حديث بسرة مع حديث طلق؟ طيب.
أنه لا يمكن القول بالنسخ؛ لأن وفد طلق بن علي مع أبيه أول الهجرة وأبو هريرة روى حديث بسرة؛ لأن أبا هريرة قد يكون رواه عن غيره كما هو موجود كثير كما روى قصة دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمه أبي طالب عند الوفاة، أن الشيء إذا رتب على علة فلا يمكن أن يزول هذا الحكم إلا بزوال العلة، ولا يمكن أن يكون الذكر ليس بضعة منه فما الجواب؟
أولاً: من حيث الترجيح لا شك أن حديث بسرة أرجح، أرجح من حيث الإسناد، ومن حيث المتن، ومطابقته للقواعد العامة؛ لأنه ناقل عن الأصل، وحديث طلق مبق للأصل، فالذي يغلب على الظن أنه متقدم، وإذا عرفنا هذا الترجيح وأن حديث بسرة أرجح، والذي يغلب على الظن أن حديث طلق وإن قيل: إن أبا هريرة قد يروي حديث بسرة عن غيره ممن تقدم إسلامه لكن هذا خلاف الأصل، هو قد يروي، والصحابي قد يروي عن غيره من الصحابة ويكون من مراسيل الصحابة، لكن هذا خلاف الأصل، فالذي يظهر أن حديث طلق متقدم، أما القول بأن الحكم رتب على علة ولا يزول إلا بزوال العلة، نعم إذا كانت العلة طارئة، أما إذا كانت أصلية لا يمكن تزول هذه لا يرتب عليها، لا يمكن أن يقال بمثل هذا.
العموم عند أهل العلم يخصص بالقياس بدليل في قول الله -جل وعلا-: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [(2) سورة النــور] وجاء في الإماء: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [(25) سورة النساء] ثم قيس الذكر من العبيد على الأنثى من الإناث فخُصص الإناث من عموم الجلد مائة جلدة بالنص، وخصص الذكور بالقياس، وهذا من أوضح الأدلة على ذلك أن العموم يخصص بالقياس.
على كل حال قالوا: إن تغميض العينين من فعل اليهود، وفعله مشابهة لهم، لكن ابن القيم -رحمه الله- يقول: إذا كان الشخص لا يقصد مشابهة اليهود في هذا، وليس له وسيلة في الخشوع إلا هو فيرجى.
أنا ما أعرف دليل يدل على ذلك، لا أعلم دليلاً يدل على ذلك، لكن شيوخنا أهل الأثر يحضرون هذه الاحتفالات بدءاً من الشيخ ابن باز وغيره، كلهم يحضرونها، وإن كنت أنا لا أحضرها، لكن الشيوخ المظنون بهم أنهم لا يعملون إلا بدليل، لا سيما من أهل التحري منهم، مثل الشيخ ابن باز من أهل التحري في هذا الباب.
أنت ومالك لأبيك ما لم يكن مضراً به، ما لم يكن الأخذ مضراً بالولد، وإلا فالأصل أن الذي يصرف له له.
لا، مراده الطبقة، أما المرتبة فيبينها باللفظ، ثقة، صدوق، ضعيف، مجهول، يبينها باللفظ.
ما يذكره الله -جل وعلا- على لسان بعض الكفار من الأمم السابقة لا شك أن أصل الفكرة منهم، وإلا فلغاتهم غير عربية، هم ليسوا من العرب، فنقل كلامهم بالعربية هو كلام الله -جل وعلا- في بلاغته وفصاحته، لكن محتواه وما يتضمنه من معنى هو قول من نسب إليه.
أحسنها على الإطلاق شرح ابن سيد الناس مع تكملة الحافظ العراقي.
لا، هو معتبر، معتبر سد الذرائع الموصلة إلى الحرام، الذرائع الموصلة إلى الحرام حرام، فلا بد من سدها، {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [(108) سورة الأنعام] فلما تسبب إلى سب الله -جل وعلا- حرم سب آلهتهم، وهذا من سد الذرائع.
هذا هو الصحيح، وهو الذي تدل عليه الأدلة، وإن كان غالب الأدلة إنما هو في الزيادة، وأهل العلم على أن ما قبل الزيادة قبل النقص.
وهو أن الإيمان يزيد وينقص، لكن كيف يجاب على من يقول: إن التصديق نفسه لا يزيد ولا ينقص، بل لو وصف بالزيادة والنقصان لكان قابلاً للشك؟
أولاً: أن الإيمان حقيقته في الأصل التصديق مع اليقين، وهذا اليقين له درجات، منه ما هو في أعلاه، ومنه ما هو في أدناه، ومن هنا قبل الزيادة والنقص، مع أن الإيمان في حقيقته الشرعية لا يطابق التصديق من كل وجه، نعم هو تصديق في الجملة لكن له إضافات كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان: أن الحقائق الشرعية لا تنافي الحقائق اللغوية لكنها تزيد عليها، ليس من لازم التصديق الاتباع التصديق المجرد ليس من لازمه الاتباع، لكن الإيمان من لازمه الاتباع، والعمل بمقتضاه، فلا شك أن الإيمان الشرعي إيمان لغوي وزيادة، والحقائق الشرعية إذا تأملناها نجدها تقر الحقائق اللغوية وتزيد عليها، فليس مطابقاً للتصديق من كل وجه، بل هو تصديق وزيادة، على أن التصديق نفسه يقبل الزيادة ويقبل النقصان، يعني إذا أخبرك من تثق بخبره أن زيداً قد حضر تصدقه، لكن لو أخبرك من هو أوثق منه، يكون تصديقك له أشد، ولو أخبرك من هو دونه ممن يقبل خبره لكان تصديقك أقل.
الأدلة عليها لا يمكن حصرها، النبي -عليه الصلاة والسلام- أوصد جميع الأبواب الموصلة إلى الشرك، وما تحريم النظر إلى النساء من قبل الرجال أو العكس إلا لسد الذريعة الموصلة إلى الفاحشة.
لا شك أن التطاول في البنيان من علامة آخر الزمان، التطاول في البنيان من أشراط الساعة كما جاء في الحديث الصحيح، ومع ذلك جاء أيضاً ما يدل على أن النفقات كلها مخلوفة إلا ما يوضع في التراب، فغاية ما يهتم به المسلم الذي يُعنى بما خلق من أجله أن يبني بيتاً يكنه ويكن من تحت يده من الحر والبرد، وما زاد على ذلك فهو سَرَف.
على كل حال إذا ثبت اللفظ في رواية من الروايات فاختصار الحديث عند أهل العلم جائز.
يقول: ولم يذكر الحج مع أن قدوم الوفد كان عام الفتح فهل يدل هذا على أن الحج لم يفرض إلا في السنة التاسعة؟
هذا هو المرجح عند الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- أنه ما فُرض إلا في السنة التاسعة، ورجحه ابن القيم.