شرح كتاب الإيمان من صحيح مسلم (20)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
فيقول الإمام مسلم فيما ترجم عليه النووي بقوله: "باب بيان غلظ تحريم النميمة" باب بيان غلظ تحريم النميمة
قال -رحمه الله-: "وحدثني شيبان بن فروخ وعبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي قالا: حدثنا مهدي، وهو ابن ميمون، قال: حدثنا واصل الأحدب عن أبي وائل عن حذيفة أنه بلغه أن رجلاً ينم الحديث" يعني ينقل الحديث على جهة الإفساد، هذه حقيقة النميمة، نقل الحديث من أجل الإفساد، ينم الحديث.
"فقال حذيفة: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وحذيفة صاحب سر النبي -عليه الصلاة والسلام- حذيفة بن اليمان بن حِسل: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يدخل الجنة نمام»" يعني الذي ينقل الحديث وينميه ويشيعه وينقله إلى من قيل فيه؛ من أجل الإفساد، هذا هو النمام، وهو القتات على ما سيأتي في الروايات اللاحقة "«لا يدخل الجنة نمام»" إن استحل النميمة بعد علمه بحكمها صار النفي على حقيقته، وإن كان ممن لا يستحلها بل يزاولها كما يزاول كثير -مع الأسف الشديد- من المنتسبين إلى الإسلام هذه الخصلة الدنيئة الشنيعة وأختها التي هي الغيبة التي غزت مجالس المسلمين، وأصبحت ألذ عليهم وعلى أسماعهم من الفواكه، حتى سماها بعضهم بفاكهة المجالس، وبدلاً من أن يكون الأكل مما أحل الله وأباحه يكون الأكل مما حرمه الله {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} [سورة الحجرات:12] هذا في ماذا؟
في الغيبة، ولكن النميمة أمرها أشد؛ لأن الأثر المترتب عليها أعظم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- مر بقبرين وقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الثاني فكان لا يستنزه من البول» أو «لا يستبرئ من البول» أو «لا يستتر من البول». المقصود أن هذين الذنبين العظيمين الكبيرين هما من أعظم أسباب العذاب في البرزخ «وما يعذبان في كبير» يعني في نظر الناس، الناس يتساهلون في هذه الأمور مع علمهم بما ورد فيهما من الوعيد الشديد في نصوص الكتاب والسنة.
«لا يدخل الجنة نمام» إذا كان على طريقة عامة من يتناول هذه الخصال القبيحة وهو يرى تحريمها ولا يستبيحها هذا نفي دخوله الجنة مع أول من يدخلها، مع أول الداخلين، إنما يدخلها بعد ذلك حينما ينقى ويدخل النار إن لم يعفُ الله عنه ويتجاوز بحسب جرمه وذنبه كغيرها من الكبائر، وفي قول ابن المبارك يدخل فيه مثل هذا أن مثل هذه النصوص تترك لا تؤول؛ لأنها أبلغ في الزجر إذا سمع النمام قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لا يدخل الجنة نمام» أبلغ في الزجر، أما إذا سمع قوله -عليه الصلاة والسلام- وهو في البخاري: «ولعن المصوِّر» لا تؤول، لعن المصور، لعن المصور أبلغ في الزجر أن يمر اللفظ كما جاء «لا يدخل الجنة نمام».
ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن حجر السعدي وإسحاق بن إبراهيم" وهو الحنظلي المعروف بابن راهويه "قال إسحاق: أخبرنا" لا يكاد يحدث إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي لا يكاد يروي إلا بأخبرنا "قال إسحاق: وأخبرنا جرير عن منصور" جرير بن عبد الحميد "عن منصور" بن المعتمر "عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: كان رجل ينقل الحديث إلى الأمير" قال: كان رجل ينقل الحديث إلى الأمير، النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى أن يبلَّغ عن أصحابه شيئًا: «لا تبلغوني عن أصحابي شيئًا»؛ لأنه يريد -عليه الصلاة والسلام- أن يخرج إليهم وهو سليم الصدر، لكن إذا جاء إلى الأمير وقال إن فلانًا قال كذا، والشيخ قال كذا، وطالب العلم قال كذا، والخطيب قال كذا، انشحن الأمير وتولد في نفسه ملكة لبغض هذه الفئة التي ينقل فيها الكلام.
ولذلك "قال: كان رجل ينقل الحديث إلى الأمير، فكنا جلوسًا في المسجد فقال القوم: هذا ممن ينقل الحديث إلى الأمير قال: فجاء حتى جلس إلينا فقال حذيفة: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يدخل الجنة قتات»" وهو النمام، هل معنى هذا أن الأمور تترك فوضى، من أراد الإفساد في أوساط المسلمين يترك ما يبلغ عنه؟ لا، المفسِد والذي يُخشى تعدي ضرره إلى غيره هذا يبلَّغ عنه، ويوقف عند حده، لكن في الأمور اليسيرة والأمور المحتملة والأمور التي يمكن تأويلها على وجه صحيح لماذا ينقل كل شيء، وكل شيء يسجل وكل شيء..؟ لا، والتحامل على فئة معينة كطلاب العلم مثلاً، ورصد أقوالهم ونقلها دون غيرهم من الفئات الأخرى لا شك أن هذا خطأ كبير شنيع؛ لأن هذا يجعل الولاة ومن بيده السلطة يتجه إلى هذه الفئة، وينظر إليها نظرة خاصة، يتعدى ذلك إلى أمور أخرى. المقصود أن هذا لا يعني أن من أراد الإفساد في البلاد وإشاعة الشر بين العباد أنه لا ينقل كلامه ولا يبلغ عنه، لا بد من نقل كلامه، ولا بد من إيقافه عند حده حتى ما يصير هناك خلط.
لأنه يكثر السؤال عن العمل في هذه الوظائف التي هي حقيقتها نقل الكلام، يكثر السؤال: يجوز أتوظف أم ما أتوظف؟ نقول: توظف، لكن لا تنقل إلا كلامًا صحيحًا متثبتًا منه ويترتب عليه ضرر لو ترك يترتب عليه مفسدة، وإلا فلو ترك الناس يخططون ويفعلون وينفذون، ولا أحد يراقبهم وينقل أفعالهم ضاعت الدنيا، وكم من عمل إجرامي أحبط وقضي عليه قبل بدئه سببه النقل والترصد لمثل هذه الأعمال القبيحة الشنيعة التي كثرت في زمننا هذا، وفي وقتنا كنا إلى وقت قريب ما نعرف هذه الأمور، ويتجه القول بأن النقل جملة لا ينبغي ولا يسوغ، لكن الآن الوضع اختلف، وكل فرد من أفراد المسلمين ينبغي أن يجند نفسه؛ ليكون مباحث لا أقول: مباحث ينقل كلام الأخيار، ويترصد، ويضرهم، لا، المسألة خاصة بالأشرار ومن يخشى ضرره، ويتعدى ضرره إلى المسلمين هذه وظيفة.. ولذلك الصحابي لما سمع ما سمع قال: لأخبرن بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن هذا عمل متعدي الضرر، فيفرق بين هذا وهذا؛ لأن الإنسان قد يسمع كلام حذيفة وحذيفة ماذا؟!.. يعني إلى وقت قريب والبلد -ولله الحمد- على قلب رجل واحد، وعمل المباحث قليل وضعيف جدًّا لا يحتاج إليه إلا في.. نطاق ضيق، لكن الآن يحتاج إليه على أوسع نطاق؛ لأن الأضرار المترتبة على هذه الأعمال وعلى هذه المخططات الإرهابية الضرر كبير جدًّا، يعني هذا الذي يدخل المسجد، ويفجر المسجد، ويموت عشرات، هذا الذي يراه ويعلم بتخطيطه ويتركه ما يأثم؟! جرمه عظيم، وهو مشارك له، نسأل الله العافية، هو شريك له.
قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية" يعني الضرير محمد بن خازم "ووكيع" وهو ابن الجراح "عن الأعمش" سليمان بن مهران، "ح وحدثنا منجاب بن الحارث التميمي، واللفظ له، قال: أخبرنا ابن مسهر عن الأعمش عن إبراهيم" الأعمش مدلِّس "عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: كنا جلوسًا مع حذيفة، فجاء رجل حتى جلس إلينا فقيل لحذيفة: إن هذا يرفع إلى السلطان أشياء فقال حذيفة: إرادة أن يسمعه" إرادة أن يسمعه، يريد أن يسمعه الحديث: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يدخل الجنة قتات»".
الأعمش مدلِّس، وروى بالعنعنة قالوا: المدلس لا بد أن يصرح بالتحديث، لكن عنعنات المدلسين في الصحيحين محمولة على الاتصال عند أهل العلم، ولا كلام فيها عندهم، الغزالي في الإحياء ذكر ستة أشياء يجب أن تتخذ تجاه النمام قال:
الأول: ألا يصدقه المنقول إليه، لا يصدق هذا النمام لماذا؟ لأنه فاسق، والفاسق لا يقبل خبره. الثاني: أن ينهاه عن ذلك، وينصحه، ويقبح له فعله، ويقول: إن هذا من النميمة، والنمام لا يدخل الجنة. الثالث: أن يبغضه في الله تعالى، فإنه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض من أبغضه الله تعالى. الرابع: ألا يظن بأخيه الغائب السوء، ألا يظن بأخيه السوء؛ لأنه مجرد نقل هذا الفاسق، نقل هذا الفاسق يجعلك تظن، أولاً تكذب هذا الفاسق الناقل، وإذا كذبته صار الخبر وجوده كعدمه، لا تظن بأخيك ظن السوء. الخامس: ألا يحمله ما حكي له على التجسس والبحث عن ذلك، ما هو قيل إنه يرد الخبر؛ لأنه فاسق؟ يقول قائل: الله -جل وعلا- يقول: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [سورة الحجرات:6] أو {فتثبتوا} أنا سأتثبت وأتحسس وأتجسس، أشوف هذا الكلام صحيح أو لا. نقول: لا. السادس: ألا يرضى، الخامس ألّا يحمله ما حكي له على التجسس والبحث عن ذلك؛ لأنه قد يقول مادام فاسقًا وخبره يجب أن يتثبت فيه، ويتبين أنا أريد أن أتبين، يمكن أن يكون صحيحًا، نقول: لا، أعرض عنه. السادس ألا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه، فلا يحكي نميمته عنه فيقول: حكى فلان كذا، فيصير به نمامًا، ويكون آتيًا ما نهى عنه. هذا آخر كلام الغزالي.
لأن بعض الناس يجيئه من يغتاب عنده أحدًا أو ينقل له كلامًا على جهة الإفساد من باب النميمة، هذا المنقول له فعل الصفات الخمس، لكن بدأ إذا جلس المجلس، والله جاءني فلان، ونقل لي عن فلان وطردته وقلت له: ما يجوز النقل، وقد يسمعه الطرف الثاني، ثم بعد ذلك تتسلسل النميمة، فيكون نمامًا مثله.
ثم قال- رحمه الله تعالى- فيما تُرجم عليه بـ "باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم"
قال -رحمه الله-: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار قالوا" يعني الثلاثة "قالوا: حدثنا محمد بن جعفر" ابن بشار محمد المعروف ببندار، وشيخهم محمد بن جعفر المعروف بغندر، "عن شعبة عن علي بن مدرك عن أبي زرعة" بن عمرو بن جرير البجلي "عن خرشة" عن خرشة "بن الحر عن أبي ذر" الصحابي الجليل جندب بن جنادة الغفاري "عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة»" في الحديث الصحيح: «ما منكم إلا سيكلمه ربه من غير ترجمان» يعني من دون واسطة، يعني يكلمه، طيب الثلاثة هؤلاء ما هم منكم؟ قالوا: المراد بالكلام المنفي هو كلام الرضى، وإلا فقوله -جل وعلا- للكفار: {اخْسَؤُوا فِيهَا} [سورة المؤمنون:108]، وهم أشد من هؤلاء الثلاثة، هذا كلام ليس كل كلام منفيًّا "«لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم»" نظر رحمة وشفقة، "«ولا يزكيهم»" يطهرهم، "«ولهم عذاب أليم» قال: فقرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات" يعني كررها ثلاث مرات؛ لأهميتها، وكان من عادته -عليه الصلاة والسلام- أنه إذا تكلم تكلم ثلاثًا، وإذا دعا دعا ثلاثًا.
"فقرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرار قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟" لا شك أن الذي لا يكلمه الله يوم القيامة، ولا ينظر إليه، وله عذاب.. هذا هو الخسران المبين، "خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: «المسبل»" مسبل الإزار وما في حكمه بإنزاله تحت الكعبين هذا الإسبال، وهذا بالنسبة للذي ورد فيه النص، وهناك إسبال الكم مثلاً، إسبال العمامة، وأمور أخرى، لكن الوعيد الشديد في الإزار وما في حكمه؛ لأن ما أسفل من الكعبين فهو في النار، إسبال الكم، كمه -عليه الصلاة والسلام- إلى الرسغ، ما زاد على ذلك إسبال، لكنه لم يرد فيه وعيد، وإنما يقال فيه خلاف الأولى، خلاف الأولى.
"«المسبل والمنان»" الذي إذا تصدق بشيء أو أهدى شيئًا أو فعل معروفًا مَنَّ به، أتبعه بالمن والأذى وجاء مدح المتصدقين الذين لا يتبعون صدقتهم بالمن والأذى.
"«والمنفِّق سلعته بالحلف الكاذب»" والمنفِّق سلعته بالحلف الكاذب، ومع الأسف أن هذا موجود، ولا هو بنادر، يعني في أسواق المسلمين تجد الأيمان، البائع يحلف، والمشتري يحلف، والله اشتريت بكذا وهو كاذب، والمشتري يقول: والله وجدت بكذا وهو أيضًا كاذب، نسأل الله العافية، الدنيا كلها ما تقوم لهذا الوعيد الشديد، كلها لو تذهب جملة "«والمنفِّق سلعته بالحلف الكاذب»" ماذا عن الحلف الصادق؟ يحلف أنه اشتراه بكذا وهو صادق، هو لا يدخل في هذا الوعيد، لكن عموم الحلف على السلعة منهي عنه.
قال: "وحدثني أبو بكر بن خلاد الباهلي قال: حدثنا يحيى وهو القطان" ابن سعيد القطان قال: "حدثنا سفيان" أبو بكر بن خلاد الباهلي قال: حدثنا يحيى وهو القطان قال: حدثنا سفيان، سفيان إذا جاء مهملاً بدون نسبة ويحتمل أنه سفيان الثوري كما يحتمل أنه سفيان بن عيينة، طيب الذي عندنا كم بينه وبين المؤلف من راوٍ؟ كم راويًا؟ حدثني أبو بكر بن خلاد الباهلي قال: حدثنا يحيى وهو القطان قال: حدثنا سفيان، بينهم اثنان، الذهبي -رحمه الله- يقول: إذا جاء سفيان مهملاً في الكتب الستة، وذكر القاعدة في آخر الجزء السابع من سير أعلام النبلاء، فإن كان بينه وبين المؤلف واحد فهو ابن عيينة؛ لأنه متأخر، وإن كان بينه وبين المؤلف اثنان فهو الثوري؛ لأنه متقدم، وهذه القاعدة ليست كلية، وإنما هي أغلبية؛ لأنه قد يكون واحد معمَّر، فيقوم مقام اثنين، وقد يكون العدد من اثنين، قد يكون ممن قصرت أعمارهم فيكون بمثابة الواحد. على كل حال القاعدة ذكرها الذهبي، وهي قاعدة أغلبية ونافعة في هذا الباب, وعلى كل حال إذا استغلق الأمر ولم نستطع أن نميز هذا المهمل فالحديث صحيح؛ لأنه أينما دار دار على ثقة.
قال: "حدثنا سفيان قال: حدثنا سليمان الأعمش عن سليمان بن مسهر" عن سليمان بن مسهر "عن خرشة بن الحر عن أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة المنان الذي لا يعطي شيئًا إلا مَنَّه، المنان الذي لا يعطي شيئًا إلا مَنَّه»" منان يعني صيغة مبالغة فعَّال، لكن الذي يمن مرة، مرتين، أو مرات يسيرة ما يسمى منانًا، لكن المنان مبالغة، إذا حصلت المبالغة، ولذلك قال: لا يعطي شيئًا إلا مَنَّه، صارت صفة ملازمة، ملكة له، كل ما بذل شيئًا أو أعطى شيئًا، أو نفع أدنى نفع بدأ يقول: أنا فعلت، وأنا فعلت، المنان الذي لا يعطي شيئًا إلا مَنَّه. من أسماء الله الحسنى المَنَّان، المَنَّان، وهو الذي يمن بالعطاء قبل السؤال، يمن بالعطاء قبل السؤال، بخلاف هذا الذي وصف بأنه يتبع معروفه وصدقته وإحسانه بالمن والأذى لمن يحسن إليه.
والمنفِّق سلعته بالحلف الفاجر والمراد به الكاذب كما في الرواية الأولى «والمسبل إزاره» بأن ينزله تحت الكعب.
قال "وحدثنيه بشر بن خالد قال: حدثنا محمد" يعني ابن جعفر "عن شعبة قال: سمعت سليمان بهذا الإسناد وقال: «ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم»" والفائدة من إيراد هذا الطريق كونه عن طريق شعبة، ولا يعرف بتدليس، وصرّح بالسماع من سليمان؛ ليقوي بذلك ما ذكره سابقًا عن الأعمش بالعنعنة، والأعمش معروف أنه مدلس.
"وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع وأبو معاوية" محمد بن خازم ووكيع بن الجراح، "عن الأعمش سليمان، سليمان بن مهران "عن أبي حازم" سلمان الأغر مولى عزة، "عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم -قال أبو معاوية: ولا ينظر إليهم- ولهم عذاب أليم» مَن هم؟ «شيخ زانٍ، وملك كذاب، وعائل مستكبر»".
بالنسبة للإسبال الذي ورد فيه الإطلاق وورد فيه التقييد: لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء، وجاء الإطلاق ما أسفل من الكعبين ففي النار، فمن أهل العلم من يرى حمل المطلق على المقيد ويقيِّد الوعيد بمن جره خيلاء، ومنهم من يقول: إن هذه الصورة لا تدخل في الصور المذكورة عند أهل العلم في حمل المطلق على المقيَّد؛ لأن للمطلق مع المقيَّد صور أربع: أن يتفقا في الحكم والسبب هذا يحمل المطلق على المقيد بالاتفاق، وإذا اختلفا في الحكم والسبب هنا لا يحمل المطلق على المقيَّد بالاتفاق، إن اتفقا في الحكم دون السبب الجمهور على حمل المطلق على المقيد، والعكس بالعكس، الجمهور على عدم حمل المطلق على المقيد، ففي مثل هذه الصورة المتجه أنه لا يحمل المطلق على المقيد لاسيما وأن من يقول عن نفسه أنه لا يجره خيلاء هذا كلامه يتضمن تزكيته لنفسه، والخيلاء أمر خفي، فهل يكون بمثابة من شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما قال أبو بكر: إن إزاره يسترخي قال: «أنت لست ممن يفعله خيلاء»؟ يجيئنا واحد يسحب ثوبه أو بشته أو البنطلون أو أي شيء مما يلبس على أسفل البدن يقول: أنا لا ألبسه خيلاء، هذه تزكية للنفس، وجاء النهي عن تزكية النفس {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [سورة النجم:32]، طيب الله -جل وعلا- يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [سورة الشمس:9] فيه تناقض أم لا؟
التزكية بالدعاوى الكاذبة وعموم الدعاوى التي تحتمل لا تزكوا أنفسكم، لكن من زكاها بالأعمال الصالحة هذا هو المطلوب، يفلح من زكاها بالأعمال الصالحة.
"«شيخ زانٍ»" طيب الشاب إذا زنى ما يدخل في الحديث؟ ما يدخل، له وعيد ثانٍ، ولذا الشيخ هذا إذا كان ثيِّبًا فحده الرجم، الشاب إذا لم يكن ثيِّبًا، وهذا هو الغالب، هذا يجلد، فأمره أخف، لماذا خفف عن هذا وشدد على هذا؟ الشيخ الزاني الدواعي ما هي موجودة، مما يدل على أن الشر متأصل فيه، ما فيه داعٍ للزنا عندك أيها الشيخ، فإذا حصل دل على أنك غير مهتم ولا مكترث، يعني مجرد مزاولة الشر لذاته لا لداع يطلبه، والله المستعان.
"«وملك كذاب»" ما الذي يدعو إلى الكذب، عند الناس عمومًا جلب المصلحة أو درء مفسدة، لكن الملك الذي بيده الأمر والنهي بعد الله -جل وعلا- هل يخشى من شر أحد أو يدفع مفسدته أو يجلب مصلحة من أحد؟! لا داعي للكذب، فهو مثل الشيخ إذا زنى.
"«وعائل مستكبر»" طيب الكبر، ما الذي يبعث عليه؟ الغنى في الغالب أو أي وصف من الأوصاف التي تقتضي رفعته على الناس، القوة في البدن، أو جمال أو ما أشبه ذلك، لكن عائل فقير مسكين يتكفف الناس ويستكبر؟! هذا الداعي عنده ضعيف، وقد لا يوجد هذا الداعي، ومع ذلك صار الشر متأصلاً فيه "«وعائل مستكبر»".
قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح ذكوان السمان عن أبي هريرة، وهذا حديث أبي بكر" يعني ابن أبي شيبة "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاث لا يكلمهم الله»" ثلاث، ثلاث مذكر أم مؤنث؟ المذكر ينبغي أن يكون معدوده مؤنثًا، ثلاث نساء مثلاً ،أما الرجال فيقال: ثلاثة، ولذلك قال: رجل على فضل ماء، فالمقصود في الحديث الرجال، وإن كان النساء شقائق الرجال، لكن المقصود في العدد ثلاث قالوا المراد به: ثلاث أنفس، والنفس تؤنَّث، وجاء في شعر العربية.
فكان مجني دون من كنت أتقي |
|
ثلاث شخوص كاعبان ومعصر |
فكان مجني دون من كنت أتقي |
|
ثلاث شخوص ................ |
والمراد به النساء، ثلاث شخوص، الشخص لفظه مذكَّر، لكن المراد به هنا المؤنث؛ لأن كاعبان ومُعْصِر كله نساء.
"«ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل»" «رجل على فضل ماء» فيه ماء غدير مثلاً في الفلاة في البراري والقفار موجود، جلس عنده، وكل من جاء يأخذ يطرده، رجل على فضل ماء بالفلاة، فضل يعني قدر زائد على حاجته، وإلا إذا كان بقدر حاجته، وقد سبق إليه فهو أحق به، يمنعه من ابن السبيل يقولون هذا إذا لم يكن ملكًا له، أما إذا كان ملكًا له، تعب عليه واستنبطه من الماء بالآلات، وخسر عليه يكون من اختصاصه، المقصود بالماء المذكور بالحديث الذي ورد فيه الوعيد أنه لا يكون من ملكه، ومع ذلك الذي يمنع فضل الماء مذموم على أي حال سواء كان في ملكه لاسيما مع الحاجة إليه، أما الواحد يدخل محل بقالة أو محلًّا تجاريًّا ويحمل كرتونًا من الماء المقطَّر، المتعوب عليه، المبذول فيه الدراهم ويقول: هذا فضل ماء، أنت عندك مائة كرتون، لا؛ لأنه قال: بالفلاة "«رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل يعني المار به.
«ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر»" بعد العصر لا شك أن وقت العصر وقت معظَّم وجاءت بتعظيمه النصوص {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ} [سورة المائدة:106] يعني من بعد صلاة العصر "«ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر، فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه، وهو على غير ذلك»" يعني بعد الظهر ما يخالف، جائز؟ أو الضحى؟ لا، لكن هذا أشد بعد العصر، فتعظيم الوقت تعظيم الزمان تعظيم المكان له شأن في زيادة الحسنات والسيئات، فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه، وهو على غير ذلك، يجيء إلى صاحب السيارة يحرج، تسوم عشرين ألفًا ويحلف أنه اشتراها بثلاثين وما هو بصادق، أنت إذا سمعت أنه اشتراها بثلاثين وهو جاء ليخسر، تصدقه وتعطيه الثلاثين، وفي حقيقتها هو ما دفع ثلاثين، دفع عشرين، أو خمسًا وعشرين أو أكثر أو أقل، هذا داخل في الثلاثة؛ لأن المشتري صدقه بسبب اليمين، فصدقه على غير ذلك.
"«ورجل بايع إمامًا»" بالإمامة بالخلافة بالولاية "«لا يبايعه إلا لدنيا»" مضمر في نفسه أنه إن أعطاه شيئًا، إن استفاد وكسب استمر، وإن ما أعطاه شيئًا راح يبحث عن غيره، نسأل الله العافية "«ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفَّى»" أو وفَى بالتخفيف والتشديد، "«وإن لم يعطه منها لم يفِ»" يعني إذا وجد غيره ممن يقوم عليه، توقَّع أن هذا ينتفع به في أمر دنياه أكثر، أعرض عن بيعة الأول، وبايع الثاني، هذا من الثلاثة الذين جاء فيهم الوعيد الشديد، نسأل الله العافية.
"وحدثني زهير بن حرب قال: حدثنا جرير ح وحدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي قال: أخبرنا عبثر كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد مثله، غير أن في حديث جرير رجل ساوم رجلاً بسلعة" ساوم قبل أن يشتري، يعني مازالت المداولة بين صاحب السلعة وبين من يريد شراءها.
"وحدثني عمرو الناقد قال: حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي صالح عن أبي هريرة -قال: أراه مرفوعًا-" أراه يعني أظنه مرفوعًا، وهذا الشك في هذه الرواية لا يؤثر في الروايات السابقة التي جزم فيها بالرفع قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالتردد هنا لا يؤثر في صحة الخبر.
"قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله»" فيه إثبات صفة الكلام لله -جل وعلا-، وهي ثابتة في كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ومجمع عليها بين سلف الأمة وأئمتها، "«ولا ينظر إليهم»" وفيه أيضًا صفة النظر لله -جل وعلا-، وهي كذلك، "«ولهم عذاب أليم رجل حلف على يمين بعد العصر على مال مسلم فاقتطعه»" وهذه الغموس، اليمين الغموس يحلف كاذبًا على مال مسلم؛ ليقتطع به مال مسلم ،هذه اليمين التي تسمى الغموس، ولا كفارة لها؛ لأنها أعظم من أن تكفَّر، وسميت غموسًا؛ لأنها تغمس صاحبها في النار.
"وباقي حديثه نحو حديث الأعمش".
ثم قال -رحمه الله- تعالى فيما ترجم عليه بـ "باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه"
قال- رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج" عبد الله بن سعيد بن حصين "قالا: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها»" يطعن نفسه في النار بهذه الحديدة التي قتل بها نفسه "«من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ»" يطعن "«بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا»" يعني قتل النفس أعظم أم قتل الغير؟ على هذا أعظم، لا شك أن قتل المؤمن متعمدًا جاء فيه الوعيد الشديد بنحو هذا {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [سورة النساء:93] نسأل الله العافية، وهنا يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم.
«خالدًا مخلدًا فيها أبدًا» قتل النفس شأنه عظيم، وأمره شديد، وتساهل الناس به بالانتحار، وقد كثر، قد كان موجودًا في بلاد الكفر؛ لما يعيشونه من ضنْك، وإن كان ظاهر حياتهم سعادة، لكنهم في شقاق شديد، يعيشون ضنكًا، وتجد أكثرهم في هذه السعادة المزعومة عندهم هم أهل الانتحار، نسأل الله العافية، وفيه مناظرة في بعض القنوات عن السعادة، هل السعادة لدى المرأة الغربية أو الشرقية؟ كل ينظر إلى السعادة بمنظوره قالوا: إن السعادة حقيقتها وإن كانت الدنيا أقل وإن وجد بعض المشاكل في بيوت المسلمين، لكن لا نسبة لسعادة المسلمين والمسلمات؛ لأن الكلام عنهن لا نسبة بينها وبين سعادة نساء الكفار؛ لأنهم يزاولون ويتناولون ما يريدون، ما عندهم حد؛ لأنه ما بعد الكفر ذنب، ومع ذلك هم في شقاء وتعاسة، وذكروا نِسب الانتحار ومسائل المشاكل والتي تحدث في بيوت الكفار، يعني من أتعس من شخص يربي بنته، فإذا بلغت ثمانية عشر سنة طلعت ولا عليها منه، تفعل ما تريد؟ هل هناك سعادة مع هذا التصرف؟
والله إن هذا عين الشقاء، أم عجوز كبيرة تعبت على هذا البيت خلال ستين سنة أو أكثر، ثم بعد ذلك يطلعون ويدعونها تموت جوعًا؛ لأن ما عندهم نصوص مثل ما عندنا تأمرنا بتربية الأولاد، وتأمرنا ببر الوالدين وصلة الأرحام، ما عندهم شيء، لذا ما له علاقة، يموتون حسرة، هل هذه سعادة؟ لا والله، كثر الانتحار، ثم سرى إلينا، ودب إلينا بسبب بعض ضغوط الحياة، وقبله ضعف الديانات، كثير من الناس صار عندهم خلل في التدين، ومع وجود ضغوط الحياة ولا ينظرون في نصوص شرعية تأمرهم بالصبر والاحتساب والالتجاء إلى الله -جل وعلا- والانكسار بين يديه، وبذل الأسباب المباحة، ما ينظر إلا لمن فوقه في أمر الدنيا، فيعيش هذه التعاسة، ثم بعد ذلك يقدم على ما يقدم عليه فينتحر.
وأسوأ من ذلك من يتدين بهذا ويراه دينًا ويراه شهادة، لا يوجد نص شرعي من كتاب ولا من سنة يدل على أن للإنسان ولو في صورة واحدة أن يباشر قتل نفسه، ما في النصوص ما يدل على ذلك أن يباشر قتل نفسه، قد يوجد في النصوص أن يتسبب مثل قصة الغلام التسبب غير المباشرة، فإذا تسبب في قتل نفسه وانضاف إلى ذلك قتل غيره هذه عظائم الأمور، ولذا قال: "«من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا.
ومن شرب سَمًّا»"ويقال بالضم والفتح والكسر، والفتح أشهرها، بل قالوا: هو أفصحها، "«فقتل نفسه فهو يتحساه»" يتحسى السَّم بمعنى أنه يشربه على مهل يتجرعه "«فهو يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردى من جبل»" أسقط نفسه من جبل شاهق ليموت بهذه الطريقة "«فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا»".
وعلى كل حال هذه الأمور من عظائم الأمور ومن الموبقات الكبار، ولكن يبقى أنه إن كان مستحلاًّ لذلك فإنه يكفر، وإن كان غير ذلك فهو كسائر الكبائر تحت المشيئة، وهو على خطر عظيم، والوعيد شديد كما سمعنا.
"وحدثني زهير بن حرب قال: حدثنا جرير ح وحدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي قال: حدثنا عبْثَر ح وحدثني يحيى بن حبيب الحارثي قال: حدثنا خالد" يعني ابن الحارث "قال: حدثنا شعبة، كلهم بهذا الإسناد مثله يعني مثل ما تقدم. "وفي رواية شعبة عن سليمان قال: سمعت ذكوان" قال: سمعت ذكوان، يعني صرح بالتحديث، سليمان هو ابن مهران الأعمش المذكور في السند السابق وقلنا إنه مدلس، واستُفيد في هذا قال: سمعت الأعمش، يعني صرح، سمعت ذكوان يعني صرح بالتحديث.
ثم قال: "حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا معاوية بن سلاَّم بن أبي سلاَّم الدمشقي عن يحيى بن أبي كثير أن أبا قلابة عبد الله بن زيد الجَرمي أخبره أن ثابت بن الضحاك أخبره أنه بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة يعني بيعة الرضوان زمن الحديبية، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حلف على يمين»" يستفاد من قوله أنه بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة يعني ذكر ما يحتف بالخبر من ملابسات ومن قصة يدل على ضبطه وإتقانه من قبل الراوي، "وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حلف على يمين بملة غير الإسلام»" يعني قال هو يهودي إن لم يكن كذا، هو يهودي إن كان كذا، هو نصراني، أو قال: واللات والعزى أو ما أشبه ذلك. "«من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبًا فهو كما قال»".
طيب لو كان صادقًا تقول "كاذبًا" هذا القيد لا مفهوم له، والحلف بملة غير الإسلام يدخل في الحديث سواء كان كاذبًا أو صادقًا؛ لأن القصد من الحلف بملة غير الإسلام تعظيم المحلوف به، وهذا لا يختلف بين كونه كاذبًا وصادقًا، يعني الكذب له شأن وله حكمه، لكن الأمر الأعظم والعظيم كونه يعظِّم غير الإسلام، هذا هو محل النص، مورد النص، ولذلك يُذكَر عن ابن مسعود أنه يقول: لأن أحلف بالله كاذبًا خير لي من أن أحلف بغيره صادقًا.
"«كاذبًا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة» كما تقدم «وليس على رجل نذر في شيء لا يملكه»" يعني لو قال: عليه نذر أن يعتق عبد فلان، أو يتصدق بمال فلان، أو يطلق زوجة فلان، ما يحصل شيء من هذا، وليس على رجل نذر في شيء لا يملكه، لكن هل عليه كفارة يمين أو لا؟ قيل بذلك، ولكن الحديث لم يذكر شيئًا، فيبقى على الأصل أنه لا شيء فيه، ليس عليه شيء، يصير الكلام لغوًا.