شرح كتاب التوحيد - 24
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فيقول الإمام المجدد في باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين، تقدم شرح الباب وعشر من مسائله، والآن نبدأ بالحادية عشرة من هذه المسائل، وهي مضرة العكوف على القبر لأجل عمل صالح.
العكوف: هو لزوم الشيء، ومنه الاعتكاف، وهو لزوم المسجد لطاعة الله، فالعكوف على عمل الخير إذا لم يشغل عما هو أهم منه فهو من مطالب الشرع، والعكوف على عمل الشر لا شك أنه من المحرمات، لا سيما إذا كان فيه شرك أو وسيلة إلى الشرك، والعكوف على المباحات وملاذ الدنيا هذا لا شك أنه مذموم، وإذا رأى الإنسان الناس اليوم عجب وذهل من عكوفهم على هذه الآلات، فتجد الإنسان يمضي الساعات الطوال وهو لا يرفع رأسه عن هذه الآلة، هذا عكوف وهذا لزوم وهو يشغله، وإن قلنا: إنه يستعمله في مباح لا شك أنه يشغله عما هو أهم من ذلك من ذكر الله -جل وعلا- ومن صلة الأرحام ومن بر الوالدين، تجده عند أمه أو عند أبيه لا يرفع رأسه عن هذا الجهاز، وأمه تناديه: يا فلان، ويا فلان، ويمكن في أذنه سماعة أو شيء ويسمع.
وهذا هو الحاصل، وهذه فتنة عمت وطمت ودخلت جميع البيوت، لا يستثنى من ذلك إلا القليل النادر، ورأينا بعض الأئمة مجرد ما ينصرف من الصلاة عن المأمومين يخرج الجوال، ماذا يفوته؟ وأول ما ظهرت هذه الوسائل المرئية من التلفزيون عكف عليها بعض الناس، ونظروا في أخبارها وكورتها ومصارعتها، وصار كل وقتهم لها، فذُكِر لبعض المشايخ فقال: إن هذا العكوف محرم، بل وصفه بما هو أشد من ذلك، فعلى الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا- في جميع ما يأتي وما يذر.
ومع الأسف أنه الآن نشأ عليه الصغار، بل معرفة الصغار لهذه الأجهزة أعظم وأشد من معرفة الكبار، وحتى إن هؤلاء الصغار لمعرفتهم بها أصيبوا بالغرور، وذكرت لكم في مناسبات أني رأيت طفلاً عمره سنة ونصف واقف ليس بعيدًا عن الجوال، قريب؛ لأنه قصير، سنة ونصف عمره، لكن من الكِبر يقلب الجوال بأي شيء؟ بإصبع رجله، يعني المسألة وصلت إلى هذا الحد؟ بإصبع الرجل يقلب، هذا كله نهم بهذه الأمور، على الآباء أن يتقوا الله -جل وعلا- في ناشئتهم، لا ينشئونهم على هذا، نعم لهم أن يزاولوا، ولهم أن يستمتعوا بحياتهم، لكن ما تصير على حساب الآخرة، أو على حساب التنشئة الصالحة، تجده لا يحفظ شيئًا من كتاب الله ولا من السنة ولا من أقوال أهل العلم، وتجد كل ما في مخزون هذه الأجهزة ملم به ومطلع عليه، ويقرأ كل ما كتب ويرد عليه، ضاعت الأمور بهذه الطريقة.
ولذا قال: "مضرة العكوف على القبر" هذه مسألة العكوف على القبر من الشرك وغيره إذا كان يعبد من دون الله، هذا الشرك الأكبر، وإذا كان يعبد الرب- جل وعلا- عنده هذه من وسائل الشرك ومن أعظم البدع، المقصود أن العكوف على المباحات، خلونا في المباحات، مع أن في هذه الأجهزة من الشرور شيئًا لا يخطر على البال، وحصل بسببها من الفجور والمنكرات، شيء ما يمكن أن يغطيه هيئة ولا غيرهم، نسأل الله السلامة والعافية.
شخص في الستين من عمره ومعدود من أهل العلم، أوى إلى فراشه في الساعة الثانية من الليل بعد أن صلى الوتر، وأراد أن يطلع الجوال يطلع قصيدة إما نونية أو شاطبية أو شيء من هذه القصائد ريثما يأتيه النوم، ماذا طلع له؟ أنا في مسجد، والله إن الذي طلع صورة عارية، امرأة من غير طوعه ولا اختياره، ولا استطاع أن تذهب هذه الصورة إلى أن قفل الجوال وسحب البطارية ما أدري ما فعل، فتن فتن مدلهمة، هذه الأشياء عظائم، يعني شف آثارها ونتاجها في أفراد الناس وكثرة الكلام، الإلحاد والزندقة، وتداول الشباب له واطلاعهم على أخبار العالم كلها، والخبر الآن وفي ثوانٍ يصل إلى الناس كلهم، بينما كنا في عافية وسلامة لا نعرف هذه الأمور، قد يخفى علينا شيء من الخير الذي فيها، لكن غير مأسوف عليه في مقابل هذه الشرور التي ابتلينا بها.
في قرية من القرى يحدثني شايب يناهز المائة الآن، يقول: جاءنا الخبر ونحن نقرأ القرآن العصر أن اليوم عيد، والبلدان المجاورة لنا معيدون، يعني هذا في مقابل مثل هذه الأمور وانتشار الخير وأخبار الخير، لكن شف المقابل، يعني هذه الحسنات في غمار وبحور هذه السيئات مغمورة بلا شك، كما أن السيئات اليسيرة في بحور الحسنات الكبيرة مغمورة.
المقصود أن الشيخ يقول: "مضرة العكوف على القبر لأجل عملٍ صالح".
إذا عبد الله -جل وعلا- عند قبر، وهو يعبد الله، ويصلي لله، ويدعو لله، ويذكر الله، هذه من وسائل الشرك، ومضرتها عظيمة، وأول ما بدأ في قوم نوح أنهم عكفوا على قبورهم ثم صوروهم بعد ذلك.
"الثانية عشرة / معرفة النهي عن التماثيل" ولا شك أنها من الوسائل، من وسائل الشرك، فإذا نصبت هذه التماثيل لأمر ما ولهدف ما كما فعل قوم نوح لما صوروا ومثلوا وقالوا نتذكر بهم عبادتهم، ثم بعد ذلك نسي العلم ودرس ونسخ فعبدوهم، الآن الصور الكبيرة التي تعلق في المجالس وغيرها للكبار والعظماء، هذه قد يخشى من أن يتطور أمرها إلى أن تعظم التعظيم المحرم، مع أن أصل التصوير هذا معروف حكمه، لكن مسألة التعظيم شيء آخر.
"معرفة النهي عن التماثيل والحكمة في إزالتها" الثانية عشرة لماذا نزيل هذه التماثيل؟ لأنها مظنة، أولاً التماثيل محرمة، المجسم مجمع عليه، وما لا ظل له هو محل كلام لأهل العلم، ولكن المرجح كما دلت عليه النصوص كما في حديث القرآن وغيره داخل في التحريم.
"والحكمة في إزالتها"؛ لئلا يحصل الغلو بها، فيحصل التعظيم.
الثالثة عشر / معرفة عظم شأن هذه القصة" يعني قصة قوم نوح مع أصنامهم وتماثيلهم "وشدة الحاجة إليها مع الغفلة"؛ لأن الإنسان قد يقع فيها أو في نظيرها وهو لا يشعر، وقد وقع كثير من الناس في كثير من أقطار المسلمين مع الأسف الشديد في مثل هذا وفي مثل ما هو أشد منه.
"وشدة الحاجة إليها مع الغفلة عنها"؛ لأن هذه البدع ينشأ عليها الصغير، ويربو عليها الكبير، ويهرم عليها وهو لا يستشكل، لماذا؟ لأن هؤلاء العوام الطغام الذين لا يعرفون نصوص الكتاب والسنة، ولا بلغهم شيء من الحجة يرون شيوخهم المعظمين وهم من يوم أن خرجوا إلى هذه الدنيا وهم يقال: يا شيخ فلان، وتقبل يده، ويحتفى به، بل ويحصل معه شيء من الغلو، فإذا قيل له: يا أخي هذا حرام لا يجوز، قال: أنت ما أنت أعرف من فلان، ولا أعلم من فلان، وقريب منه وليس مثله، إذا قيل للعامي: أنت تعمل كذا، والدليل على كذا كذا، يقول: أنت أعرف من الإمام أحمد؟ ما يناقشك بالدليل.
الآن هو ليس من أهل النظر، لكن أنت أتيت له بدليل في أصل المسألة بحيث يفهمه فيقول لك: والله ما أنت بأعرف من فلان أو فلان من الأئمة في مسائل التقليد، على كل حال العوام فرضهم التقليد، لكن إذا سمع الواحد منهم الدليل يجب أن يتوقف حتى يعرف الراجح من المرجوح بسؤال من يثق بعلمه ودينه، ممن تتوافر فيه الشروط الثلاثة.
وَلَيْسَ فِي فَتْوَاه مُفْتٍ مُتَّبَعْ مَا لَمْ يُضِفْ لِلعِلْمِ وَالدِّينْ الوَرَعْ
بعض الناس تجده عنده دين، لكن ما عنده ورع، تكلم بما شاء، تجد عنده دينًا ما عنده علم، أو عنده علم ولا عنده دين، وهذا موجود مع الأسف في صفوف المتعلمين، لكن إذا اجتمعت الشروط الثلاثة: العلم، والدين، والورع، هذا تبرأ الذمة بتقليده.
"الرابعة عشرة / وهي أعجب وأعجب قراءتهم إياها في كتب التفسير والحديث" يعني هؤلاء الشيوخ الذين هم في الأقطار في المغرب، في مصر، في الشام، في الهند، في غيرها من البلدان في تركيا، هؤلاء ما قرؤوا القصة في تفسير ابن كثير أو ابن جرير، أو في كتب التواريخ؟ هل يقال: إنهم ما قرؤوا؟ قرؤوا، ويقرؤون من النصوص الصحيحة في البخاري وغيره، ولهم شغف ببعض الكتب مثل البخاري هذا يردد في جميع الأقطار كالورد عند بعضهم، لكن هل يقرؤونه للانتفاع، أو للبركة؟ كثير منهم يقرؤونه للبركة، ويرى ما يناقض ما هو عليه ويقول: شيوخنا أعرف، وهذه عقدة إعجاب الكبراء، وتقدم ذكرها.
"الرابعة عشرة / وهي أعجب وأعجب قراءتهم إياها في كتب التفسير والحديث ومعرفتهم بمعنى الكلام".
يعني ما يقال والله صعب الكلام ما يفهمونه، ما قيل اقرؤوها في كتب المنطق أو في كتب الفلسفة يقال: معقدة، ما نفهم حتى ولا في كتب الأصول يقولون: ما نفهم، هي موجودة في كتب التفسير والحديث ويعرفونها، ويعرفون ألفاظها، بالمقابل الكلام الرديء الذي جرى على لسان بعض المبتدعة وفيه الكفر الصريح في كلام بعض علماء وحدة الوجود، ينتسبون لوحدة الوجود في كلام ابن عربي وغيره، خلونا على المكشوف، تجد الكلام المحاد والمناقض لكلام الله ورسوله.
ألا بذكر الله تزداد الذنوب وتنطمس البصائر والقلوب
ثم يأتي من يقرأ هذا الكلام ويقول: أنتم ما تفهمون، ما تدرون ما يعني هذا، أنتم ما يدريكم؟ لا أنت ولا شيخك ابن تيمية يفهم هذا الكلام، نحن نقول: كلامنا مفهوم هذا بالتفاسير والحديث، ماذا يقول؟ ما تفهمون أنتم؟ نحن إذا جاؤوا بكلام واضح مثل الشمس يقول ما تفهمون، نحن نقول أنتم تفهمون ولكم عقول وعندكم معرفة بالعربية وأساليب العرب، وبعضهم متخصص في علوم الشرع وما يسنده من علوم العربية وبارز ويقرأ هذا الكلام ولا كأنه يسمع، نسأل الله العافية.
"ومعرفتهم بمعنى الكلام" وكون الله حال بينه وبين قلوبهم، يعني واضح، ما يحتاج إلى تفسير، لكن الله -جل وعلا- حال بينهم وبين قلوبهم فلا يدركون، وهكذا يصل الأمر إلى أن يكون المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، الآن الذي يدعو إلى تحقيق التوحيد وتنقيته وتصفيته من شوائب الشرك والبدع، أطلق عليه الكفر، كُفر شيخ الإسلام وشيخ محمد كفروا وهم دعوتهم إلى ماذا؟ إلى التوحيد.
"حتى اعتقدوا أن فعل قوم نوح هو أفضل العبادات" قد يتكايس الإنسان ولا يصادم مصادمة واضحة مثل النار يقول: هذا يختلف عن فعل قوم نوح وهو مثله؛ لئلا يقال له: شف الدليل يقول: لا، هذا يختلف، تقول له: ما وجه الاختلاف؟ شيوخنا يعرفون نحن ما نعرف، وهذه إحالة على غير مليء.
"واعتقدوا أن نهي الله ورسوله عنه هو الكفر المبيح للدم والمال" مثل ما قلنا: إن من يدعو إلى التوحيد يحكم عليه بالكفر، يكفّر.
"الخامسة عشرة / التصريح أنهم لا يريدون إلا الشفاعة" هم عبدوهم قالوا ندخلكم الجنة؟ ليقربونا إلى الله، قالوا: ليغفروا لنا ذنوبنا؟ قالوا: ليقربونا إلى الله الذي يغفر الذنوب، لكن بعض الطوائف ممن يتكلمون به على الملأ صرح بما هو أعظم من ذلك، وفي المطاف تحت الكعبة يقول: يا أبا عبد الله جئنا بيتك، وقصدنا حرمك، نرجو مغفرتك، ما هو يرجو الشفاعة، لا، صار هو الإله مثل هذا ماذا ترك لله؟ نسأل الله السلامة والعافية، حتى وصل بهم الأمر إلى أن قال قائلهم، وهذا ليس افتراضًا أو كلام متقدمين غلاة، بل موجود الآن، الآن يردد في القنوات:
يقول: وعندي عهد من أبي عبد الله- يعني الحسين- أن أحدًا لا يسمع كلامي إلا بكى، فبأبي عبد الله لو نزل الجبار لبكيته، نسأل الله العافية، ومع ذلك يزعمون أنهم حماة الإسلام، ويكفرون الطوائف الأخرى، والله المستعان، كلام... تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.
"التصريح أنهم لا يريدون إلا الشفاعة" هؤلاء ماذا يريدون؟ يريدون مغفرة؟ ليست مسألة شفاعة، الآن صرح بعضهم بما هو أشنع من ذلك وأعظم، مما يدل دلالة واضحة على أنهم لا نظر لهم في الإسلام، ولا يريدون الإسلام، وإنما يريدون هدم الإسلام من بداية المذهب إلى يومنا هذا، ما نقول والله هذا معتدل هذا كذا، هذا مذهبهم.
"السادسة عشرة / ظنهم أن العلماء الذين صوروا الصور أرادوا ذلك" يعني أرادوا عبادتهم، الذي صوروا الصور، العلماء الذين صوروا أولاً يعني ما أدري عن كونهم علماء هم قوم صالحون، وأولئك قوم صالحون، فقالوا: نصورهم لنتذكرهم ونتذكر عباداتهم، أما من جاء بعدهم...
طالب: ...........
العلم الذي هو السبب الذي من أجله صوروها، السبب أنهم يتذكرون عبادتهم وينشطون إذا رأوهم، أليس في عباد الله من إذا رؤي ذكر الله، أليس موجودًا؟ موجود الآن على مر الزمان، لكن هؤلاء صوروهم ليذكروا الله، وينشطوا على العادة، ثم بعد ذلك نسي العلم، ودرس العلم، وعبدوا من دون الله، جاءهم الشيطان قال: ما صوروهم إلا ليعبدوهم، ويجيء من يجيء ممن ينتسب- مع الأسف- للسنة ويقول: إنه إذا صلى خلف ماذا؟ صلى خلف صنم ما تكفره؛ لأنه احتمال أنه اتخذه سترة، طيب عنده غيره، ماذا أتى الصنم أصلاً؟ من الذي جاء بالصنم لأهله ويصلي إليه؟ وتقول: لا، سترة، الله المستعان.
"السادسة عشرة / ظنهم أن العلماء الذين صوروا الصور أرادوا ذلك" أرادوا عبادتهم، وهذا هو المآل بعد أن دُرس العلم ونسي قال لهم الشيطان: لإنهم صوروهم ليعبدوهم.
"السابعة عشرة / البيان العظيم في قوله –صلى الله عليه وسلم-: «لا تطروني كما أطرت النصارى».
البوصيري يقول:
دَعْ عَنْكَ مَا ادَّعَتْهُ النَّصَارَى فِي نَبِيِّهِم وَقُلْ مَا شِئْتَ بَعْدَ ذَاكَ مِنْ الكَلِم
قل ما تريد، لكن لا تقل ما قال النصارى إنه هو الله، هو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، والباقي ما عليك منه، كل أنواع الغلو، كل أنواع العبادة التي لا تصرف إلا لله قلها في حقه –عليه الصلاة والسلام-، لكن دع عنك ما ادعته النصارى في نبيهم، لماذا؟ حتى ما تقع في الحديث: «لا تطروني كما أطرت النصارى»، وما عدا ذلك قل ما شئت، قل ما قالته اليهود، قل ما قال المشركون قاطبة، ما عندك مشكلة، لكن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى».
دَعْ عَنْكَ مَا ادَّعَتْهُ النَّصَارَى
لا تقل: هو الله، هو ابن الله، هو ثالث ثلاثة، تجنب هذه الألفاظ، والباقي قل ما شئت من الكلم.
وَقُلْ مَا شِئْتَ بَعْدَ ذَاكَ مِنْ الكَلِم
ثم في البيت الذي يليه ادعى أن الآيات أنه مظلوم محمد –عليه الصلاة والسلام- أنه مظلوم، ما جاء من الآيات ما يبين منزلته التي تليق به، البيت الآن ما أضبطه.
«لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم» فصلوات الله وسلامه على من بلغ البلاغ المبين، ماذا أوضح من هذا؟.. ما الكلام الذي يكون أبين من هذا؟ ومع ذلك كل كلامه وكل بيانه نوقض مناقضة تامة ممن ينتسب إليه –عليه الصلاة والسلام- ويزعمون حبه، ويقيمون الموالد، ويقيمون السهرات التي يرون أنه يحضر فيها، ويسمونها الحضرة، ويقومون قيام وقوف وهم جالسون يقولون: دخل النبي –عليه الصلاة والسلام- .
واحد من شيوخ أنصار السنة جاءه واحد في حيه من المتصوفة من المعاصرين، قال له: لعلك ترحل عن حينا، قال: ليش؟ قال: الرسول –عليه الصلاة والسلام- يتضايق من وجودك في هذا الحي، فلا تحرجنا مع الرسول، نسأل الله العافية، قال: طيب لمَ لا ترحل أنت؟ قال: الرسول تعود على هذا البيت ويجيئنا ويتردد علينا، وما أدري، يقول: لا تحرجنا، كلام يليق أن يقال في مقامه –عليه الصلاة والسلام- لجعله مثل آحاد الناس وأفرادهم يتردد على شخص ما يساوى فلسًا.
"الثامنة عشرة / نصيحته –عليه الصلاة والسلام- إيانا بهلاك المتنطعين".
لأنه قال –عليه الصلاة والسلام-: «هلك المتنطعون»، وهل هذا خبر أو دعاء؟ يعني الأسلوب خبر، لكن يراد به الدعاء عليهم بالهلاك، وواقعهم الهلاك، يعني يصلح أن يكون خبرًا باعتبار أنه أخبر عن هلاكهم في الحال أو المآل، وهو أيضًا في الوقت نفسه يحتمل أن يكون دعاءً عليهم بأن يهلكهم الله -جل وعلا-.
المتنطعون: المتقعرون المتشدقون المتشددون، التنطع لا يلزم منه أن يكون بهذه المنزلة التي هي التشدد المخرج عن حيز الاتباع، قد يكون في أمور الدنيا، يأتي شخص تعلم شيئًا من العربية ويدخل السوق ويخاطبهم بها، باللغة العربية الفصحى وبالكلام المتتابع، العامة ما يعرفون هذا يسمونه تنطعًا وتشدقًا، ويكون حينئذٍ مسخرة للناس قال: إذا قال: أنا أريد أعود الناس على لغة القرآن، ليس بهذه الطريقة، فرد واحد يستطيع أن يعود الناس أو يردهم نعم إذا بذلت جهود كبيرة متضافرة تكون على مستوى إعادة الناس ممكن، نرى بعض المشايخ الوافدين وهو يتكلم ويقرأ بعض الأمور أو يتحدث في بعض القضايا تجد التكلف، والله المستعان.
"التاسعة عشرة / التصريح أنها لم تعبد حتى نسي العلم".
كانوا في بداية الأمر يتذكرون بها، يعبدون الله -جل وعلا- عند قبورهم؛ لينشطوا بذلك هم يعبدون الله، ثم صوروا تلك التماثيل لتذكرهم بهم، بعد مدة وأمد وانقراض هذا الجيل قال لهم الشيطان: هم ما صوروهم ليتذكروهم، إنما صوروهم ليعبدوهم حتى نسي العلم.
"ففيها بيان معرفة قدر وجوده ومضرة فقده" العلم من يصحح لك عباداتك إذا جهلت؟ العلم، صلاة المسيء متى صححت؟ بالعلم –عليه الصلاة والسلام- وبعض الناس من العامة تجده يصلي العقود وفي صلاته خلل، ولا يسأل عن صلاته، وبعض المصلين أيضًا فيهم غفلة لا ينبهون مثل هذا الجاهل، مع أن الدين االنصيحة، من نصيحته أن تصحح له صلاته، من نصيحته له أن تصحح له عباداته، المقصود أن العلم قدره عظيم، وجاءت بفضله وشرفه نصوص الكتاب والسنة، ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [سورة الأنعام:132] ما مقدار الدرجة؟ خمس وعشرون أم ما بين السماء والأرض؟ الرفعة ليست سهلة.
والعلم يسير على من يسره الله عليه، وأخلص فيه، ومسك الجادة من أولها، وقد آتاه الله من الأدوات ما يتمكن به من الحفظ والفهم، وإلا فقد يطلب العلم السنين الطويلة ولا يدرك شيئًا، ورأينا من هذا النوع من ضاع عليه، الصلاح ظاهر والعبادة، لكنه ما مشى على الجادة، ويحضر الدروس من درس إلى آخر، ومع ذلك ما كتب له شيء من العلم مع طول المدة، ومثل هذا يكفيه حديث: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة»، فطالب العلم على أي حال رابح، أدرك أو لم يدرك، وعليه أن يبذل ما يستطيعه من الأسباب، والنتائج بيد الله -جل وعلا-، تاجر قد يتعب ليل نهار وعشرات السنين، وفي النهاية لا شيء، وقل مثل هذا في المزارع، مثل هذا في الصانع، مثل هذا في جميع الأعمال.
"ففيها بيان معرفة قدر وجوده وجود العلم ومضرة فقده" ذكرنا في درس الأمس ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾ [سورة التحريم:6] قال علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-: بالعلم، الآن لو تسأل أي شخص من المجتهدين في العبادة وهو يصلي تقول له: كم أركان الصلاة؟ ما يفرق بين ركن وبين سنة، لابد أن يعرف الأركان، يعرف الشروط، يعرف الواجبات، يعرف السنن؛ لئلا يقع فيما يخل في صلاته، وهو لا يشعر، فإذا كان هذا العلم الذي يصحح لك أعظم العبادات، طيب إذا كان ما يعرف شروط لا إله إلا الله، وما يعرف ما تثبت ولا ما تنفي فهذا خطر، ولا يعني هذا أن العامي مطالب بالاجتهاد في هذه الأمور، لا، لكن يأخذ منها شيئًا له طريقة في الكليات في الأصول، فيه حديث صاحب الشجة الذي أصيب بحديث جابر عند أبي داود فشج في رأسه حضرت الصلاة قال: هل تجدون لي رخصة أن أتيمم؟ قالوا: لا نجد لك رخصة، والماء عندك، اغتسل، فمات، مات الرجل، فقال النبي –عليه الصلاة والسلام- والحديث فيه كلام، حديث صاحب الجشة: «قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ جهلوا، فإن شفاء العي السؤال؟»، ومن الذي يسأل؟
أهل العلم، فيه واحد من الذين يعظون العوام وهو شبه عامي، ولكن عنده أساليب، وعنده أشياء، وهو يعظ الناس قال: أنت اللاعب عندك أفضل من العالم يقول للشباب، قال: نعم اللاعب نجم قال: إذا مات أبوك تجيء بعالم يغسله أو تجيء لك بمطوع ممن لا تريدهم أنت؟ المسألة مسألة رأي، والعالم شأنه في الأمة شأن عظيم أعظم من شأن مطوع أو عابد، وإلا فإذا تخلف العلم.. تخلف العمل، فلا قيمة للعلم؛ لأن الثمرة العظمى من العلم هي العمل، ولذلك يقول: "ومضرة فقده".
"العشرون / أن سبب فقد العلم موت العلماء" في الحديث الصحيح في البخاري وغيره: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا» ينتزعه من صدور الرجال «وإنما يقبض العلم بقبض العلماء»، والشيخ يقول: إن سبب فقد العلم بسبب موت العلماء، هذا قبض العلماء، "فإذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جُهَّالاً، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا"، وما أكثرهم الآن مع الأسف الشديد- لا كثرهم الله-، والآن تصدروا في المجالس، وتسلموا المناصب، ومع ذلك هم في الحقيقة جهال، وإن زعموا أنهم عندهم شيء من العلم، وإن ادعي لهم العلم، وإن حملوا الشهادات، لكن هم في الحقيقة جهال.
هذا يسأل يقول: ما هي المدة التي خلالها ألف الإمام محمد بن عبد الوهاب متن التوحيد؟ ما أدري والله، يعني هل ألفه في شهر أو شهرين وكذا هذا المقصود؟ لأنه لا يمكن أن ينطبق عليه السؤال الثاني إذا قلنا بالفهم أنه ألفه في أول عمره أو آخر عمره، حتى أول عمره وآخر عمره يخالف زمنًا في كثير من الأمور؛ لأنه يقول: هل يقال بأن هذا المتن كثير من أبوابه يتناقض مع التطبيق وبخاصة أنه أُلف في زمن يخالف هذا الزمن؟ دين الله واحد، والقرآن واحد، والسنة واحدة، وكيفية التعامل مع الكتاب والسنة واحد، نعم هناك أمور اجتهادية تؤثر فيها المصالح إذا زادت، والمفاسد إذا زادت.
المقصود أن أصول الدين والقضايا المشهورة في الأمة والقضايا المعروفة هذه لأول الزمان وآخره، ما نقول: والله كتاب التوحيد ألف له ثلاث مائة سنة أو مائتان وثلاثون، نعم أكثر من مائتين وثلاثين، حوالي مائتين وخمسين، حوالي مائتين وخمسين سنة، قرنين ونصف نقول: ما يصلح لزماننا، هو قصة أو واية تنتهي بوقتها؟ قال الله وقال الرسول صالح لكل زمان ومكان، ولا شك أنه علاج لكثير من القضايا الموجودة في كثير من أقطار المسلمين، مع الأسف الشديد والمسلمون بأمس الحاجة إليه وإلى مثله؛ لأنه يعالج قضايا كبرى تناقض أصل الدين التوحيد، أما أن يقال: هذا المتن يتناقض مع التطبيق، هذا ليس صحيحًا، بل يتكلم عن قضايا موجودة بحروفها الآن، وكما قيل: لكل قومٍ وارث.
طالب: .............
ماذا؟
لكن الكلام عن الواقع، احكم على الكتاب بغض النظر، كثير من الناس اهتدى ولا يقرأ للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ودونه ردة فعل في كثير من أقطار المسلمين بعد أن لبست الشبهة الوهابية على ما قالوا، وأنه يكفر المسلمين ويفعل ويترك، صار فيه ردة فعل، صار ما يقبل كلام الشيخ، ولا تقرأ كتبه، بل تحرق كما أحرقت قبل ذلك كتب شيخ الإسلام وابن القيم، فبعض الناس يجتهد ويخلع الصفحة الأولى ويخليه، بدون اسم فقرأه أكثر من واحد واهتدوا بسببه، وبعضهم يحذف اسم والد الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيقول: محمد بن سليمان نسبة إلى جده التميمي، وقرأه الناس واستفادوا منه، ترجموه إلى اللغات، فكون الشيخ- رحمه الله- صغير السن، ابن عباس يفتي وعمره كم؟ في العقد الثاني، يعني من بعد سبعة عشرة أو ستة عشر.. والإمام مالك أفتى وعمره سبعة عشر سنة، هذا معروف عند أهل العلم الذي ينبغ ما يمنع من التأليف والفتوى، لكن المحظور أن يتزبب الطالب قبل أن يحصرم، يعني ما يمر بالمراحل المطلوبة، فتجده يتشيخ من أول الأمر، هذا يضيع نفسه، ويضيع غيره، أما إذا تأهل فلا أحد يمنعه سواء كان كبيرًا أو صغيرًا.
هذا ينقل عن فتح الباري يقول: قال النووي تبعًا لعياض: الشفاعة خمس: الأولى في الإراحة من هول الموقف (الشفاعة العظمى). الثانية في إدخال قومٍ الجنة بغير حساب. الثالثة في إدخال قوم حوسبوا فاستحقوا العذاب أن لا يعذبوا. الرابعة في إخراج من أدخل النار من العصاة. الخامسة في رفع الدرجات بقي.. الشفاعة الخاصة بأبي طالب، المقصود أن هذه الشفاعات الخمس: الإراحة من هول الموقف هذه متفق عليها، وإدخال قوم الجنة بغير حساب معروفة عند أهل العلم، قوم حوسبوا فاستحقوا العذاب أن لا يعذبوا، قومُ حوسبوا واستحقوا العذاب وأدخلوا النار ليسوا من أهل الخلود فشفع فيهم فأخرجوا وهم من العصاة أخرجوا من النار، وأيضًا في الدرجات فيه من يشفع كالأفراط في الوالد ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [سورة الطور:21]
بالمناسبة ابن حزم يقول: أن أمهات المؤمنين أفضل من أبي بكر وعمر وبقية العشرة لماذا؟ لأنهن في منزلته ومعه –عليه الصلاة والسلام- في منزلته هؤلاء أمهات المؤمنين رفعن إلى درجته بسببه، ومعلوم أن ما يثبت تبعًا لغيره ليس كمن يثبت له الأمر أصالةً، وهذا حتى في واقع الناس معروف، تجد السائق أو الخادم في بيت من بيوت الأثرياء عيشته أفضل من حال كثير من أوساط الناس، ولو نظرت إليه بمفرده لا شيء، فأمهات المؤمنين على جلالتهن وعظم منزلتهن وقدرهن، وهذا مما لا شك فيه، لسن كأبي بكر وعمر، وإن كن فوقه في المنزلة تبعًا للرسول –عليه الصلاة والسلام- فقد يثبت الشيء تبعًا لغيره لم يثبت له لو كان منفردًا.
يقول: دليل الأولى سيأتي التنبيه عليه بشرح حديث السابع عشر، الأولى التي هي الشفاعة العظمى ودليل الثانية قوله تعالى في جواب قوله –صلى الله عليه وسلم-: «أمتي أمتي، أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم» كذا قيل، ويظهر لي أن دليله سؤاله –صلى الله عليه وسلم- الزيادة على السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فأجيب، وقد قدمت بيانه في شرح الحديث المذكور في الباب الذي قبله، ودليل الثالثة قوله في حديث حذيفة عند مسلم، ودليل الثالثة بإدخال قومٍ حوسبوا فاستحقوا العذاب أن لا يعذبوا، أقول: ودليل الثالثة قوله في حديث حذيفة عند مسلم ونبيكم على الصراط يقول: «يا رب سلم» وله شواهد سأذكرها بشرح حديث السابع عشر.
ودليل الرابعة ذكرته أيضًا فيه مبسوطًا، دليل الرابعة في إخراج من أدخل النار من العصاة يعني من أهل الكبائر الذين استحقوا العذاب، وهم في الأصل تحت المشيئة، من شاء عذبه، ومن شاء غفر له، فهؤلاء الذين دخلوا النار بسبب هذه الكبائر يُخرجون منها مآلهم إلى الخروج إما ينالهم ما يستحقونه من العذاب ثم يخرجون أو تنالهم شفاعته –عليه الصلاة والسلام- لكن هؤلاء يخرجون، وهذا محل إجماع واتفاق بين أهل السنة، ولم ينكر هذه الشفاعة إلا الخوارج والمعتزلة على ما تقدم من بيان مذهبهم من خلود العصاة في النار باب الكبائر.
ودليل الخامسة التي هي رفع الدرجات قوله: في حديث أنس عند مسلم: «أنا أول شفيع في الجنة»، كذا قاله بعض من لقيناه وقال: وجه الدلالة منه أنه جعل الجنة ظرفًا لشفاعته. قلت: وفيه نظر يعني ليس بواضح، وفيه نظر؛ لأني سأبين أنها ظرف في شفاعته الأولى المختصة به، والذي يطلب هنا أن يشفع لمن لم يبلغ عمله درجة عالية أن يبلغها بشفاعته، وأشار النووي في الروضة أن هذه الشفاعة من خصائصه مع أنه لم يذكر مستندها، وأشار عياض إلى استدراك شفاعة سادسة وهي التخفيف عن أبي طالب في العذاب، وهذه ذكرت في الشفاعات الست، وزاد بعضهم شفاعة سابعة، وهي الشفاعة لأهل المدينة؛ لحديث سعدٍ رفعه «لا يثبت على لأوائها أحدٌ إلا كنت شهيدًا أو شفيعًا له» أخرجه مسلم، ولحديث أبي هريرة رفعه «من استطاع أن يموت في المدينة فليفعل فإني أشفع لمن مات بها» خرجه الترمذي.
قلت: القائل ابن حجر: وهذه غير واردة؛ لأن متعلقها لا يخرج عن واحدة من الخمس الأول، نعم هذه شهادة عموم، ليست شهادة أو شفاعة بنوع بعينه من الشفاعات المذكورة، ولو عد مثل ذلك لعد حديث عبد الملك بن عباد، سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: «أول من أشفع له أهل المدينة ثم أهل مكة ثم أهل الطائف» أخرجه البزار والطبراني، وأخرج الطبراني من حديث عمر رفعه «أول من أشفع له أهل بيتي ثم الأقرب فالأقرب ثم سائر العرب ثم الأعاجم»، وهذان الحديثان فيهما ضعف كما هو معلوم، وذكر القزويني في العروة الوثقى شفاعتَه لجماعة من الصلحاء في التجاوز عن تقصيرهم، ولم يذكر مستندها، ويظهر لي أنها تندرج في الخامسة، وزاد في القرطبي أنه أول شافعٍ في.. جعلها رقم سبعة.. دخول أمته الجنة قبل الناس، وهذه أفردها النقاش بالذكر وهي واردة، ودليلها يأتي في حديث الشفاعة الطويل، وزاد النقاش أيضًا شفاعته في أهل الكبائر من أمته، وليست واردةً؛ لأنها تدخل في الثالثة أو الرابعة، وظهر لي بالتتبع شفاعة أخرى وهي الثامنة: الشفاعة فيمن استوت حسناته وسيئاته أن يدخل الجنة، ومستندها ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس قال: السابق يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يرحمه الله، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلونها بشفاعة النبي –عليه الصلاة والسلام- بناءً على أن أهل الأعراف هم الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم.
ومن الطرائف، أني سئلت عن وقف مصرفه لمن استوت حسناته وسيئاته يعطى حسنة منه يقال ما يعطى إلا حسنة من هذا الوقف، تصرفات الناس فيها عجب، تجديد، يقول: هذا الوقف لمن استوت حسناتهم وسيئاتهم، لكن ما يزاد على حسنة واحدة حتى ترجح الحسنات ويستفيد من هذا الوقف أكثر من واحد.
يقول: وقد تقدم قريبًا أن أرجح الأقوال في أصحاب الأعراف أنهم قومٌ استوت حسناتهم وسيئاتهم، وهذا قول الجمهور.
التاسعة / وهي شفاعة أخرى، شفاعته فيمن قال: لا إله إلا الله ولم يعمل خيرًا قط، ومستندها رواية الحسن عن أنس كما سيأتي بيانه في شرح الباب الذي يليه، ولا يمنع من عدها قول الله تعالى له: "ليس ذلك إليك"؛ لأن النفي يتعلق بمباشرة الإخراج وإلا نفس الشفاعة منه قد صدرت وقبولها قد وقع وترتب عليها أثرها، فالوارد على الخمس أربع، فالوارد على الخمسة يعني الخمس الأول الأربعة المتأخرة، وما عداه لا يُرَد، كيف لا يَرد، وما عداها لا يرد، لا يَرد، كما ترِد الشفاعة في التخفيف عن صاحبي القبرين وغير ذلك؛ لكونه من جملة أحوال الدنيا، يعني لا يرد شفاعة في الدنيا في البرزخ وليست في الآخرة.
طالب:............
مذكورة هذه؟ ذكرناها أمس، لعله في قوله: ودليل الثانية وهي إدخال قوم الجنة بغير حساب قوله تعالى في جواب قوله –صلى الله عليه وسلم-: «أمتي أمتي، أدخل الجنة من أمتك»
طالب: ..........
لا لا الذي يشفع بهم يدخلون الجنة بغير حساب أول وهلة، هم الذين لا حساب عليهم، أما من يحاسب فما يدخل في هذا.
طالب: ........
ماذا يقول؟
دَعْ عَنْكَ مَا ادَّعَتْهُ النَصَارَى فِي نَبِيّهِمُ وَاحْكُمْ بِمَــا شِئْـتَ مَدْحًا فِيهِ وَاحْتَـكـِمِ
وَانْسُـبْ إلَى ذَاتِهِ مَـا شِئْــتَ مِـــنْ شَــرَفٍ وَانْسُبْ إِلَى قَدْرِهِ مَا شِئْتَ مِنْ عِظَمِ
فَـــــــــإنَّ فَـــــــضْــــــلَ رَسُـــولِ اللهِ لَــــــيْـــسَ لَــهُ حَــــــدٌّ فَـــــيُــعـْـــرِبُ عَـــــــنـْهُ نَــــاطِقٌ بِفَمِ
لَــــــوْ نَــــاسَــبَـــتْ قَـــــدْرَه آيَــــــاتُــــهُ عِــــظَـــــــــمًا
يعني لو أن الذي جاء في المصحف في القرآن مناسب لحال الرسول –عليه الصلاة والسلام-، لكنه في الحقيقة أقل.
لَــــــوْ نَــــاسَــبَـــتْ قَـــــدْرَه آيَــــــاتُــــهُ عِــــظَـــــــــمًا أَحْـــيَــا اسْــمُهُ حِينَ يُدْعَى دَارِسَ الرِّمَمِ
لو يذكر اسمه فقط الميت يحيا.
لَــــــوْ نَــــاسَــبَـــتْ قَـــــدْرَه آيَــــــاتُــــهُ عِــــظَـــــــــمًا أَحْـــيَــا اسْــمُهُ حِينَ يُدْعَى دَارِسَ الرِّمَمِ
انتهى الوقت أم بقى؟
نعم نرى لنا سؤالًا.
مسألة: أو في الباب الذي يليه؛ لأنه سأل عنها هذا: ما حكم الصلاة في المقبرة؟ ستأتي بالباب اللاحق، وإن كان لها علاقة في الباب السابق، لكن بحثوها في الباب اللاحق، وفيها حديث أبي مرثد: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» في حديث مسلم، الصلاة في المقبرة عند أهل العلم منهم من يرى الصحة مع التحريم، وأن النهي إنما هو لأمر خارج عن ذات العبادة وشرطها، لكن البقعة شرط لصحة الصلاة، وهذا النهي عن هذه البقعة، فالصلاة حينئذٍ لا تصح، ومنهم من يفرق بين المقبرة القديمة والجديدة وبين المقبرة المنبوشة وغير المنبوشة التي اختلطت ترابها بصديد الموتى، وكل هذا بناءً على علة النهي النجاسة، لكن هذا غير صحيح، وإنما علة النهي نجاسة الشرك المعنوية، والنجاسة.. الآدمي طاهر على كل حال، الصلاة في المقبرة لا تصح، والعلة في ذلك نجاسة الشرك لا النجاسة العينية التي يزعمون أنها إذا فرشت أو بلطت أو طينت تزول، العلة لا تزول.
طالب: ..........
يعني هذا إقرار الذي عندهم؟ كل العبادات فيمن عبدَ اللهَ هذا فهم شيخ الإسلام -رحمه الله- جاء بالترجمة أعم من الواقع فيمن عبدَ اللهَ عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبد الله بأي نوع مما يتقرب به إلى الله -جل وعلا-، يرد على هذا مسألة، وهو أنه قد تكون شهود الجنازة أو دخول المقبرة في وقت الأذكار الصباح أو المساء، يعني دخلت المقبرة، تسكت ما تقول شيئًا؟ لأن هذا الذكر عبادة ويتقرب إلى الله -جل وعلا- ويشمله كلام الشيخ ولا شك أن هذا أحوط، وصلاة الميت مستثناة، والجنازة مستثناة، جاء بها النص، صلاة الجنازة.
طالب: ............
نعم لكن أنت ما تتقرب بهذا الدعاء لنفسك وجاء به الحديث النص «اسألوا له التثبيت»، والفائدة من زيارة القبور نفع الأموات بالدعاء لهم، أنت ما تقصد بذلك أن هذه البقعة أفضل من غيرها في الدعاء والعبادة، أنت تدعو للميت من أجل الخصوص، هذا يختلف.
طالب: ..............
تسمى مقبرة، ولو لم يكن فيها إلا قبر واحد.
طالب: استقبال المقبرة عند الدعاء؟
غير القبلة؟
طالب: نعم.
هم قالوا: يستقبل وجه القبلة عند السلام، ويستقبل القبلة عند الدعاء، هذا المعروف.
طالب: ............
يعني هذا غير مقصود يستقبله لذاته كما يفعلون عند قبره –عليه الصلاة والسلام- يستدبرون القبلة ويتجهون إليه- عليه الصلاة والسلام- هذا ما يجوز.
طالب: ............
والله ينبه.