تعليق على تفسير سورة البقرة (41)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثير -رحمنا الله تعالى وإياه-:

"قوله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [سورة البقرة:120-121] قال ابن جرير: يعني بقوله -جل ثناؤه-: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [سورة البقرة:120] وليست اليهود يا محمد ولا النصارى براضية عنك أبدًا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضى الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق.

وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [سورة البقرة:120] أي قل يا محمد: إن هدى الله الذي بعثني به هو الهدى، يعني هو الدين المستقيم الصحيح الكامل الشامل، قال قتادة في قوله.."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد،

فيقول المولى -جل وعلا-: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [سورة البقرة:120] وهذا هو الواقع، فقد وقع طبق ما أخبر الله به --جل وعلا-- قديمًا وحديثًا حينما طلب المسلمون رضى النصارى في بلاد الأندلس، وتنازلوا لهم وأجابوهم إلى كل ما طلبوا، كان من آخر مطالبهم أن طلب رئيسهم الأدفنش أن تلد زوجته في محراب الجامع، يعني هذا طلب؟! يعني ما بقي من المطالب إلا هذا؟! إلى الصلاة التي هي عمود الإسلام صاروا يصلونها بالإيماء، والتيمم بمسح الجدار بحيلة ليست ظاهرة، وصل الأمر إلى هذا الحد، ثم بعد ذلك في النهاية قتلوهم وشردوهم واستعبدوهم.

وكذلك المغول والتتار ماذا فعلوا ببلاد المسلمين بعد أن تنازلوا لهم عن جميع أو عن جل ما يريدون إلا أنهم لم يوافقوهم على الردة عن الإسلام، واليهودي والنصراني لا يرضيه إلا أن تترك دينك، وتصير مثلهم، أعطوهم جميع ما يملكون في دمشق، وفي النهاية قسمت الأحياء على رؤساء العساكر عساكر تيمور، فعثوا فيها فسادًا ولم يبق إلا شيء من الزروع فأحرقوها.

الله -جل وعلا- يقول: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [سورة البقرة:120] هو الإشكال حينما يتنازل المسلمون شيئًا فشيئًا حتى يصلوا إلى أن يكون ما بأيديهم شيء لا حل ولا ربط، فيكون -مع الأسف- مآلهم هو مآل من سبق القتل والتشريد والانتهاك والتعذيب، ولكل قوم وارث، التاريخ -كما يقال- يعيد نفسه الذي يحصل الآن في بعض أقاليم وأقطار المسلمين هو تكرار لما سبق، والذي حصل في العراق، ويحصل الآن في سوريا وفي بعض جهات ليبيا وبعض الجهات الأخرى، المقصود أن هذا إذا قرأنا التاريخ وجدناه صورة طبق الأصل لما حصل لأسلافهم من قبل، وهذا ظاهره الشر المحض، وفي خفاياه خير.

 يعني في البوسنة والهرسك في حربهم قبل عشرين سنة حصل للمسلمين من الضرر ما حصل، لكن كان الدعاة الذين يذهبون إلى تلك الجهات يقولون: ليس فيهم من الإسلام إلا الاسم، الصلاة ما يعرفونها، يقول: رأيت رجلاً كبير السن كث اللحية البيضاء يبيع السمك وبين يديه مصحف جوامعي، المصحف الجوامعي القطع الكبير، فإذا باع سمكة قطع ورقة ولفها وأعطى الزبون، ويكرر لا إله إلا الله محمد رسول الله، يعني انصرف الناس عن دينهم وأبعدوا وجهلوا أبجديات العلم الشرعي، ثم بعد هذا حصل ما حصل من الضرر الكبير الواضح، لكن النتيجة أن عاد الناس إلى دينهم، ولا يقال: إنهم على منهج السلف الصالح وعلى طريقة الصحابة، لكنهم أفضل بكثير من قبل {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [سورة النساء:19] وليس معنى هذا أننا نهون من شأن ما يحصل لإخواننا في أقطارهم لا، ولا نتمنى لقاء عدو، لكن هذا الحاصل حصل ما كتبه الله -جل وعلا- عليهم، وفي النتائج -الله أعلم- ماذا يكون، لكن في البلدان التي حصل فيها القتال مثل البوسنة والهرسك رجع الناس إلى دينهم، وصاروا أفضل مما كانوا عليه، ونرجو أن تكون الأحوال أحسن، إن شاء الله، وأن تنتهي هذه الأزمات على خير، وأن يعود الناس إلى رشدهم ودينهم، ويعرفوا قدر عدوهم، وأنه لا يرضيه شيء مهما تنازلوا ما يرضون، ويقول الله -جل وعلا، ومن أصدق من الله قيلاً: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [سورة البقرة:120] يقول: وليست اليهود يا محمد ولا النصارى براضية عنك أبدًا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبِل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق.

قد يقول قائل: لماذا لا ننابذهم ونرفض كل ما يطلبون، لكن هل لدينا قدرة على أن نفعل ذلك الآن في الوضع الراهن؟ ليست لدينا قدرة، فما لنا إلا أن نسدد ونقارب، نجعل رضا الله -جل وعلا- هو الأصل وبين أعيننا والأمور التي.. المفاسد التي يُدرأ بها ما هو أعظم منها ارتكابها أمر مقرَّر في الشريعة، والمصالح التي يتجاوز بها ما دونها تطلب، وارتكاب أخف الضررين وتحصيل أعلى المصلحتين من الأمور المقررة في الشرع، فعلينا التسديد والمقاربة، وأن يصلح كل فرد منا ما بينه وبين ربه؛ ليصلح ما بينه وبين الناس، وليبدأ بنفسه أولاً ثم بمن ولاه الله عليه، وبهذا تحسن الأمور وتصلح إذا رجعنا إلى الله -جل وعلا-.

"قال قتادة في قوله: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [سورة البقرة:120] قال: خصومة علمها الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يخاصمون بها أهل الضلالة قال قتادة: وبلغنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقتتلون على الحق..»."

يقاتِلون يقاتِلون..

يقاتَلون؟

يقاتِلون على الحق.

"«لا تزال طائفة من أمتي يقاتِلون على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله»."

والحديث مخرج في الصحيحين.

"قلت: هذا الحديث مخرَّج في الصحيح عن عبد الله بن عمرو {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم} [سورة البقرة:120]."

وعن غيره من الصحابة.

"{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [سورة البقرة:120] فيه تهديد ووعيد شديد للأمة عن اتباع طرائق اليهود والنصارى بعدما علموا من القرآن والسنة عياذًا بالله من ذلك، فإن الخطاب مع الرسول والأمة مرادة، وقد استدل كثير.."

والمراد لأمته..

طالب: ........

نعم، فإن الخطاب مع الرسول -عليه الصلاة والسلام- والأمر لأمته؛ لأن ما في الآية من الشرط والجزاء الرسول -عليه الصلاة والسلام- معصوم منه، فهذا من باب تحذير الأمة إذا كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهو المعصوم يوجَّه إليه مثل هذا الخطاب مثل قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [سورة الزمر:65] وهو معصوم -عليه الصلاة والسلام- من الشرك، لكن الذي يسمع هذا الخطاب الموجَّه له -عليه الصلاة والسلام- من أمته، يحذر ويخاف.

"وقد استدل كثير من الفقهاء بقوله: {تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [سورة البقرة:120]، حيث أفرد الملة على أن الكفر كله ملة واحدة كقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [سورة الكافرون:6] فعلى هذا لا يتوارث المسلمون والكفار، وكل منهم يرث قرينه."

قريبه قريبه.

"وكل منهم يرث قرينه.."

قريبه.

قريبه؟

"وكل منهم يرث قريبه سواء كان من أهل دينه أم لا؟ لأنهم كلهم ملة واحدة، وهذا مذهب الشافعي وأبو حنيفة وأحمد.."

طالب: ........

وأنا عندي قرينه، لكن هل هذا صحيح؟!  هذا صحيح؟!

"وأحمد في رواية عنه وقال في الرواية الأخرى كقول مالك: إنه لا يتوارث أهل ملتين شتى كما جاء في الحديث، والله أعلم."

لكن أصحاب القول الآخر مالك وأحمد في رواية كيف يجيبون عن الآية {حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [سورة البقرة:120]؟ مفرد مضاف، والمفرد إذا أضيف يعم، إذا أضيف المفرد يعم، رب اغفر لي ذنبي تقصد ذنبًا واحدًا أم جميع الذنوب؟ جميع الذنوب؛ لأنه مفرد مضاف.

طالب: ........

قد يرضى دينه؟

طالب: ........

أمور دنياه ما هي داخلة، كلها عواطف، هذه تصير ما هو رضا شرعي؛ لأنه أحسن إليه، وقد يرضى اليهودي والنصراني دين المسلمين، ولا يستطيع أن يعتنقه لأمور أخرى، هذا الذي يمكن أن يرِد يعجبه دين المسلمين كما كان من أبي طالب، أبو طالب أثنى على دين محمد وقال في قصيدته المعروفة:

ولقد علمت بأن دين محمد
 

 

 من خير أديان البرية دينا
 

ما المانع؟

لولا المذمة أو حذار مسبة
 

 

 لوجدتني سمحًا بذاك مبينا
 

فالذي منعه هو خوف الذم والمسبة وإلا فقد رضيه؛ لأنه عرفه من قرب واقتنع به، لكن منعه من ذلك في قوله: هو على ملة عبد المطلب، أن الرغبة عن ملة عبد المطلب تشق عليه، كما تشق على نظرائه وأمثاله، نسأل الله العافية.

على كل حال هو رضي، وقد يوجَد في اليهود من يرضى، لكن الكلام على العموم.

"وقوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} [سورة البقرة:121].

قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: هم اليهود والنصارى، وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جرير.

وقال سعيد عن قتادة: هم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: حدثنا إبراهيم بن موسى وعبد الله بن عمران.."

ابن عمر عندنا..

"ابن عمران الأصبهاني قال: حدثنا يحيى بن يمان قال: حدثنا أسامة بن زيد عن أبيه عن عمر بن الخطاب {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} [سورة البقرة:121] قال: إذا مر بذكر الجنة سأل الله الجنة، وإذا مر بذكر النار تعوذ بالله من النار.

وقال أبو العالية: قال ابن مسعود: والذي نفسي بيده، إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئًا على غير تأويله، وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ومنصور بن المعتمر عن ابن مسعود، وقال السدي عن أبي مالك عن ابن عباس في هذه الآية قال: يحلون حلاله ويحرمون حرامه، ولا يحرفونه عن مواضعه. قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن مسعود نحو ذلك، وقال الحسن البصري: يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويكلون ما أُشكل عليهم إلى عالمه.."

أَشكل.. ويكلون ما أَشكل عليهم..

"ويكلون ما أَشكل عليهم إلى عالمه، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة قال: حدثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا ابن أبي زائدة قال: أخبرنا داود بن هند عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} [سورة البقرة:121] قال: يتبعونه حق اتباعه، ثم قرأ: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} [سورة الشمس:2] يقول: اتبعها. قال: وروي عن عكرمة وعطاء ومجاهد وأبي رَزين وإبراهيم النخعي نحو ذلك، وقال سفيان الثوري: أخبرنا زَبيد عن مرة عن عبد الله بن مسعود.."

زُبيد زُبيد.

زُبيد؟

"قال: أخبرنا زُبيد عن مرة عن عبد الله بن مسعود في قوله: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} [سورة البقرة:121] قال: يتبعونه حق اتباعه.

قال القرطبي: وروى نصر بن عيسى عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} [سورة البقرة:121] قال: يتبعونه حق اتباعه ثم قال: في إسناده غير واحد من المجهولين فيما ذكره الخطيب إلا أن معناه صحيح، وقال أبو موسى الأشهري.."

الأشعري.

طالب: ........

حق اتباعه..

"وقال أبو موسى الأشعري من يتبع القرآن يهبط به على رياض الجنة.."

يعني في قوله -جل وعلا- الذين آتيناهم الكتاب، يعني الاختلاف في المراد بهم هل هم اليهود والنصارى، أو هذه الأمة من الصحابة ومن بعدها. "الذين" من صيغ العموم، والسياق يتناول الجميع كل من أوتي الكتاب وأخذه بحقه تلاه حق تلاوته واتبعه حق اتباعه، وحق التلاوة أن يؤتى بها على الوجه المأمور به، حق التلاوة أن يؤتى بها على الوجه المأمور به من الترتيل والتدبر والانتفاع والاستنباط والعمل، كل هذا مطلوب؛ لأن القراءة على غير الوجه المأمور به من غير ترتيل ولا تدبر قد تحصل أجر الحروف؛ لأن أجر قراءة الحروف كل حرف بعشر حسنات على مجرد القراءة، من قرأ حرفًا من القرآن كان له به عشر حسنات، والقراءة قد حصلت، لكن حق التلاوة غير، فالعلم كله والهدى وانتفاع القلب والطمأنينة وزيادة اليقين كلها في حق التلاوة الذي هو القراءة على الوجه المأمور به هي التي تورث العلم.

فتدبر القرآن إن رمت الهدى
 

 

 فالعلم تحت تدبر القرآن
 

ولكن مَن تعوَّد الهذ والسرعة قد يصعب عليه أن يخالفها، لكن عليه أن يوطن نفسه على هذا ولا مانع، وقد فعله بعض السلف أن يجعل له ختمة للحروف، وختمة للتدبر، يعني مثلاً يجعل قراءة النهار مثلاً لكسب الحروف، والتدبر يجعله لقراءة الليل وقيام الليل وإلا من تعود الهذ يصعب عليه تركه، يصعب عليه جدًّا، وهذا مجرب، لكن على طالب العلم أن يجعل له قراءة لاسيما في الليل إذا انتهت مشاغله، وسكن الجو من حوله يقرأ في القرآن متدبرًا له بنية العلم والعمل كما كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يقرؤون القرآن فلا يتجاوزن العشر آيات حتى يعلموا ما فيها من علم وعمل، وبهذا أدركوا وتفقهوا في القرآن، وكثير من الناس يقرأ القرآن ويفرغ منه كأنه ما قرأ شيئًا، والله المستعان.

طالب: ........

ما هي متساويات يختم ختمة الحروف، يختم عشر مرات وهو ما ختم مرة من الختمة الثانية، ذكر الحافظ ابن كثير عن شخص وإن كان في عقيدته خلل، لكن يهمنا أنه يختم كل يوم، وجعل ختمة للتدبر مكث فيها عشرين سنة ولم يتمها، مات قبل أن يتمها، كأنه جعل لكل يوم آية واحدة، كأنه جعل آية واحدة لكل يوم، فالتدبر يحتاج إلى وقت، لكنه مع ذلك نفعه وجدواه أعظم.

طالب: ........

أين المتكلم؟

طالب: ........

نعم، النظر ما يساعد.

طالب: ........

يراجع التفاسير المختصرة؛ لأن التفاسير المطولة يكون بيده تفسير من التفاسير المختصرة التي تحل له الألفاظ بحيث إذا أشكل عليه شيء يراجع هذا اللفظ، والقراءة في التفاسير المطولة تعوقه عن متابعة القراءة بالتدبر، تقطع عليه تدبره.

 طالب: ........

والله التفاسير المختصرة مثل تفسير الشيخ ابن سعدي أو تفسير الشيخ فيصل بن مبارك، وفيه تفاصيل معاصرة نافعة.

"وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: هم الذين إذا مروا بآية رحمة سألوها من الله، وإذا مروا بآية عذاب استعاذوا منها."

هذا من نتائج التدبر، من نتائج التدبر أنه يفرق بين ما تحويه الآيات.

"قال: وقد روي هذا المعنى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية عذاب تعوذ."

وهذا محفوظ عنه في الصحيح في صلاة الليل، ويختلف أهل العلم هل يفعل ذلك في الفرائض، يعني هل يُفعل مثل هذا في الفرائض اقتداءً به -عليه الصلاة والسلام-؟ منهم من يقول: يقتصر فيه على صلاة الليل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حفظ عنه أنه فعل ذلك في الفرائض، وبعضهم يقول: عدم النقل لا يعني عدم الثبوت، وإذا ثبت في النفل ثبت في الفرض.

طالب: ........

يسأل، لكن بينه وبين نفسه في النافلة، والفرض فيها الخلاف.

"وقوله: {أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [سورة البقرة:121] خبر عن {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} [سورة البقرة:121] أي من أقام كتابه من أهل الكتاب المنزَّلة على الأنبياء المتقدمين حق إقامته آمن بما أرسلناك به يا محمد كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} [سورة المائدة:66] الآية وقال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} [سورة المائدة:68] أي إذا أقمتموها حق الإقامة، وآمنتم بها حق الإيمان، وصدقتم ما فيها من الأخبار بمبعث محمد -صلى الله عليه وسلم- ونعته وصفته والأمر باتباعه ونصره ومؤازرته، قادكم ذلك إلى الحق واتباع الخير في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [سورة الأعراف:157] الآية.

وقال تعالى: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} [سورة الإسراء:107-108] أي إن كان ما وعدنا به من شأن.."

الذي يتلو كتابه حق تلاوته، ويحقق معنى حق لا بد أن يقوده ذلك إلى أن يؤمن بما وصف له في كتابه أو بمن وصف له في كتابه وهو محمد -عليه الصلاة والسلام-، وإذا لم يتحقق له هذا الأمر فحق التلاوة لم يتحقق.

"أي إن كان ما وعدنا به من شأن محمد -صلى الله عليه وسلم- لواقعًا.

وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [سورة القصص:52-54]، وقال تعالى.."

يؤتون أجرهم مرتين؛ لأنهم آمنوا برسلهم وأنبيائهم، وآمنوا بنبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-، الأجران لأنهم آمنوا بأنبيائهم وآمنوا بمحمد -عليه الصلاة والسلام- كما جاء في الحديث الصحيح، وكذلك العبد إذا أدى حق الله وحق مواليه فله أجران، وكذلك من كانت له جارية فأدبها وعلمها، وأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها.

"وقال تعالى: {وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [سورة آل عمران:20]، ولهذا قال تعالى: {وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [سورة البقرة:121]، كما قال تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [سورة هود:17] وفي الصحيح: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار»."

يعني من أمة الدعوة من أمة الدعوة، أما أمة الإجابة فليس فيها يهودي ولا نصراني.

طالب: ........

أين؟

طالب: ........

لا لا، وغيرهم من باب أولى.

طالب: ........

لا، وخرج من هؤلاء، يعني لو يستثنى أحدًا استثني هؤلاء.

طالب: ........

بلا شك.

"قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} [سورة البقرة:122-123] قد تقدم نظير هذه الآية في صدر السورة، وكررت هاهنا للتأكيد، والحث على اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- النبي الأمي الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه وأمره وأمته، فحذرهم من كتمان هذا وكتمان ما أنعم به عليهم، وأمرهم أن يذكروا نعمة الله عليهم من النعم الدنيوية والدينية، ولا يحسدوا بني عمهم من العرب على ما رزقهم الله من إرسال الرسول الخاتَم منهم، ولا يحملهم ذلك الحسد على مخالفته وتكذيبه والحيدة عن موافقته -صلوات الله وسلامه عليه- دائمًا إلى يوم الدين."

العرب أبناء عم بالنسبة لليهود والنصارى؛ لأن العرب من ولد إسماعيل وأولئك من ولد إسحاق.

طالب: ........

ماذا؟

طالب: ........

كيف أخطأ؟

طالب: ........

{لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ} [سورة البقرة:123] النفع لمَن؟

طالب: ........

وهنا؟

طالب: ........

لا، اللفظ واحد، اللفظ واحد.

طالب: ........

تقديم وتأخير فقط، تقديم وتأخير وإلا فاللفظ واحد.

طالب: ........

ما فيه فرق في المعنى.

"قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [سورة البقرة:124] يقول تعالى منبهًا على شرف إبراهيم خليله -عليه الصلاة والسلام- ،وأن الله تعالى جعله إمامًا للناس يقتدى به في التوحيد حينما قام بما كلفه الله تعالى به من الأوامر والنواهي، ولذا قال: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [سورة البقرة:124]، واذكر يا محمد لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الذين ينتحلون ملة إبراهيم وليسوا عليها وإنما الذي هو عليها مستقيم فأنت والذين معك من المؤمنين، اذكر لهؤلاء ابتلاء الله إبراهيم أي اختباره له بما كلفه به من الأوامر والنواهي {فَأَتَمَّهُنَّ} [سورة البقرة:124] أي قام بهن كلهن كما قال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [سورة النجم:37] أي وفى جميع ما شرع له، فعمل به صلوات الله وسلامه عليه.

وقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة النحل:120-123].

وقال تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام:161].

وقال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة آل :67-68].

وقوله تعالى: {بِكَلِمَاتٍ} [سورة البقرة:124] أي بشرائع وأوامر ونواهٍ، فإن.."

ومن أعظمها تحقيق التوحيد والبراءة من الشرك، وظهر هذا في إبراهيم جليًّا -عليه السلام-، واستعاذ بالله -جل وعلا-.. ودعاه أن يجنبه عبادة الأصنام {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} [سورة إبراهيم:35] مع أنه هو الذي كسر الأصنام، مما يدل على حرصه الشديد على البراءة من الشرك والتخلص منه، ودعا لبنيه أن يكونوا مثله، ولذا قال عن.. جاء عن إبراهيم التيمي أنه كان يقول: ومَن يأمن البلاء بعدك يا إبراهيم إذا كان إبراهيم الذي كسر الأصنام، وهو الأمة القانت الحنيف  الخليل يدعو الله -جل وعلا- أن يجنبه عبادة الأصنام، فمَن غيره من باب أولى.

يجب أن يكون الإنسان خائفًا أشد الخوف أن يزاول شيئًا من الشرك سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، وأن يبرأ منه، وأن يدعو الله -جل وعلا- أن لا يشرك به وهو يعلم، وأن يغفر له ما لا يعلم، والشرك أخفى من دبيب النمل في هذه الأمة، فعلى الإنسان أن يحرص أشد الحرص على تحقيق التوحيد؛ لأنه رأس المال، فإذا لم يتحقق التوحيد ما نفعت الأعمال الأخرى، والله المستعان.

"فإن الكلمات تطلق ويراد بها الكلمات القدرية كقوله تعالى عن مريم -عليها السلام-: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [سورة التحريم:12]، وتطلق ويراد بها الشرعية كقوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ} [سورة الأنعام:115]."

المصنف -رحمه الله- يقرأ بقراءة الجمهور بالجمع لا بالإفراد، بالجمع لا بالإفراد؛ لأنه على قراءة نافع وليس على قراءة حفص عن عاصم، ولكن الذين يطبعون الكتب يتصرفون، وهذا خطأ حتى في تفسير القرطبي قراءته غير القراءة التي طُبعت مع تفسيره، وهذا يوجِد حيرة عند القارئ المطبوع غير الذي يفسره المؤلف، وإن كان الاختلاف في كلمة يسيرة زيادة حرف أو نقص حرف، لكن الأصل أن يطبع المتن الموافق للشرح، وقلنا مرارًا مثل هذا في فتح الباري؛ لأن الحافظ اعتمد على رواية أبي ذر، وأشار إلى ما عداها، والذين طبعوا المتن مع الشرح طبعوه على غير هذه الرواية، فتجد الحافظ يقول: قوله كذا يأتي بكلمة أو جملة من المتن، ولا توافِق المتن المشروح المطبوع مع الشرح، فيكون هناك حيرة واضطراب، وهذا كله من شؤم التصرف في كتب أهل العلم، فمن أراد أن يطبع متنًا لا يوجد أصله في الكتاب في الشرح أو.. ومن باب أولى إذا كان موجودًا وغُيِّر هذا أشد.

يقول الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله-: قراءة حمزة والكسائي وعاصم الذي حفص أحد رواته كلمة بالإفراد، وقرأ باقي العشرة كلمات بالجمع، وهي التي أثبتها الحافظ والمؤلف هنا، وفسرها بمعنى الجمع {وتمت كلمات ربك صدقًا وعدلاً} أي كلماته الشرعية، والمثبت في التفسير مفردة على غير ما يعتمده المفسر -رحمه الله- من قراءة وغُيِّرت يقول: وهي التي أثبتها الحافظ المؤلف هنا، وفسرها بمعنى الجمع، وكذلك ثبتت في المخطوطة الأزهرية المخطوطة الأزهرية هي أقدم نسخة من التفسير، أقدم نسخة من التفسير، وهذه في مناسبات كثيرة ودروس متعددة أشرنا إليها أقدم نسخة من التفسير وأصح، لكن الشيخ محمد رشيد رضا ذكر أنها نسخة سيئة، ولا يعتمد عليها، والشيخ أحمد شاكر يقول: هي أصح النسخ وأقدم النسخ، فرق بين الكلامين الشيخ أحمد شاكر ينظر إلى الواقع الموجود فيها أصح ما في التفسير، والشيخ -رحمه الله- صور هذه النسخة، وهي في سبعة كبار، صورها وجلَّدها في أربعة عشر جزءًا، ورقم آثارها وأحاديثها، والحمد لله، هذه النسخة آلت إلي يعني بعد تصوير الشيخ وترقيمه وعنايته بها.

الشيخ محمد رشيد رضا رماها بأنها أسوأ النسخ لماذا؟ لأن الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أضاف إليها إضافات، الآن النقل الذي مر عن القرطبي، ما هو موجود في الأزهرية لماذا؟ لأن المفسِّر- رحمه الله- بعد أن اكتمل التفسير في النسخة الأزهرية أخذ يضيف في عرضات قادمة نقول عن الطبري وعن الرازي وعن الزمخشري وعن القرطبي، نُقول في ثلاثة أسطر أو أربعة في كثير من المواضع، وهي غير موجودة في الأزهرية، والشيخ رشيد -رحمه الله- يرى أن في هذه أسقاطًا وخللًا.. ما عرف حقيقة الأمر، ولكن ينبغي أن يُعتنى بها، والزوائد تكتب وتلحق ويقتني طالب العلم أكثر من نسخة، والنسخة الأزهرية هذه يمثلها طبعة الشعب، وهي موجودة متداولة في الأسواق مأخوذة بحروفها في الأزهرية، ثم بعد ذلك يضيف إلى نسخ.. نسخة أخرى من أجل هذه الزيادات التي ألحقها ابن كثير في الكتاب بعد ذلك.

تفضَّل.

"أي كلماته الشرعية، وهي إما خبر صدق، وإما طلب عدل إن كان أمرًا أو نهيًا، ومن ذلك هذه الآية الكريمة {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [سورة البقرة:124] أي قام بهن {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} [سورة البقرة:124] أي جزاءً على ما فعل كما قام بالأوامر وترك الزواجر جعله الله للناس قدوة وإمامًا يقتدى به ويحتذى حذوه.

وقد اختلف العلماء في تفسير الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم الخليل -عليه السلام-، فروي عن ابن عباس في ذلك روايات فقال عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة قال: ابن عباس ابتلاه الله بالمناسك، وكذا رواه أبو إسحاق السبيعي عن التميمي عن ابن عباس وقال عبد الرزاق أيضًا: أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [سورة البقرة:124] قال: ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد، في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس، وفي الجسد تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء.

قال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن المسيب ومجاهد والشعبي والنخعي وأبي صالح وأبي الجلد نحو ذلك.

 قلت: وقريب من هذا ما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء» قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمة، قال وكيع: انتقاص الماء يعني الاستنجاء.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط» ولفظه لمسلم.."

الاختلاف بين هؤلاء في المراد بالكلمات هل هي المناسك أو سنن الفطرة؟ هذه من أفراد الكلمات منها وليست كلها، وليست كل الكلمات، فإبراهيم ابتلي بشريعة بأوامر ونواهٍ كاملة من التوحيد فما دونه ومن الشرك فما دونه شريعة كاملة، تمثل هذه الكلمات، وهذه أمثلة قد يكون إبراهيم عليه السلام تفرد بشيء منها أو ابتَدأ شيئًا منها أو ابتُدئ بشيء منها على يديه فنسبت إليه، وإلا ففي شريعة إبراهيم ما هو أعظم من هذه الأمور، لكنه مشترَك بين جميع الرسل.

في تفسير المنار نقلاً عن محمد عبده كلام كأنه يقول: إن التفسير بسنن الفطرة التي ذُكرَت هنا لا يتجه أن يكون هو المطلوب بالكلمات أو المقصود بالكلمات، وله كلام في هذه المسألة أنا بعيد العهد جدًّا، فلعل بعض الإخوان يحضره في الدرس القادم في تفسير المنار يعني في آخر المجلَّد الأول.

"وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن حنش بن عبد الله الصنعاني عن ابن عباس أنه كان يقول في هذه الآية: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [سورة البقرة:124].."

عندنا في تفسير هذه الآية، وهو المقصود في تفسيرها وهو واضح.

"{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [سورة البقرة:124] قال: عشر، ست في الإنسان وأربع في المشاعر، فأما التي في الإنسان حلق العانة ونتف الإبط والختان، وكان ابن هبيرة يقول: هؤلاء الثلاثة واحدة وتقليم الأظفار وقص الشارب والسواك وغسل يوم الجمعة، والأربعة التي في المشاعر الطواف والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والإفاضة.

وقال داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: ما ابتلي بهذا الدين أحد فقام به كله إلا إبراهيم؛ قال الله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [سورة البقرة:124] قلت له: وما الكلمات التي ابتلى الله إبراهيمَ بهن فأتمهن؟ قال: الإسلام ثلاثون سهمًا منها عشر آيات في براءة {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ} [سورة التوبة:112] إلى آخر الآية، وعشر آيات في أول سورة {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [سورة المؤمنون:1]، و{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [سورة المعارج:1]، وعشر آيات في الأحزاب {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [سورة الأحزاب:35] الآية إلى آخر الآية، فأتمهن كلهن فكتبت له براءة، قال الله: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [سورة النجم:37] هكذا رواه الحاكم وأبو جعفر بن جرير وأبو محمد بن أبي حاتم بأسانيدهم إلى داود بن أبي هند به، وهذا لفظ ابن أبي حاتم.

وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال: الكلمات التي ابتلى الله بهن إبراهيم فأتمهن فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم.."

في قوله: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} [سورة مريم:48] هذه عزلة، والعزلة شرعية لاسيما إذا خشي الإنسان على دينه هي شرعية، وجاءت فيها أحاديث صحيحة «يوشِك أن يكون خير مال المسلم غنمًا يتبع بها شعف الجبال، يفر بدينه من الفتن».

"ومحاجته نمرود في الله حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافه، وصبره على قذفه إياه في النار ليحرقوه في الله على هول ذلك من أمرهم، والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده في الله حين أمره بالخروج عنهم، وما أمره به من الضيافة والصبر عليها وما له، وما ابتلي به من ذبح ابنه حين أمره بذبحه، فلما مضى على ذلك من الله كله وأخلصه للبلاء قال الله له: أسلم، قال: أسلمت لرب العالمين على ما كان من خلاف الناس وفراقهم.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن أبي رجاء عن الحسن- يعني البصري-: وإذ ابتلى إبراهيمُ ربه بلكمات.."

إبراهيمَ..

نعم.

إبراهيمَ..

"{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [سورة البقرة:124].."

{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} [سورة البقرة:124].

ربُّه؟

نعم.. هذا من تقديم المفعول على الفاعل، وهذا شائع وإن كان المتأخر يشتمل على ضمير يعود إلى المتقدم، لكنه وإن تأخر في اللفظ إلا أنه متقدم في الرتبة يعني إبراهيم.. ربُّه هو الفاعل، ويشتمل على ضمير يعود على متأخر في الرتبة متقدِّم في اللفظ.

وشاع نحو خاف ربه عمر
 

 

 وشذ نحو زان نوره الشجر
 

فإذا عاد الضمير على متأخر لفظًا ورتبةً شذ التركيب، كان التركيب شاذًّا.

"قال: ابتلاه بالكوكب فرضي عنه، وابتلاه بالقمر فرضي عنه، وابتلاه بالشمس فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة فرضي عنه، وابتلاه بالختان.."

لأنه تبرأ منها كلها، تبرأ من الكوكب، وتبرأ من القمر، وتبرأ من الشمس ووجه وجهه إلى الله- جل وعلا-.

"وابتلاه بالختان فرضي عنه، وابتلاه بابنه فرضي عنه، وقال ابن جرير.."

نعم اختتن، أمر بالختان فاختتن بالقدوم وعمره ثمانون سنة.

"وقال ابن جرير: حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد بن زريق قال: حدثنا سعيد عن قتادة قال: كان الحسن يقول: إي والله ابتلاه بأمر فصبر عليه، ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر فأحسن في ذلك، وعرف أن ربه دائم لا يزول فوجه وجهه.."

نعم؛ لأن هذه كلها أفلت، يعني غابت وزالت.

"فوجه وجهه للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما كان من المشركين، ثم ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجرًا إلى الله، ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة فصبر على ذلك، وابتلاه الله بذبح ابنه والختان فصبر على ذلك. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عمن سمع الحسن يقول في قوله: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [سورة البقرة:124] قال: ابتلاه الله بذبح ولده وبالنار وبالكوكب والشمس والقمر. وقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا ابن بشار قال: حدثنا سلْم بن قتيبة قال: حدثنا أبو هلال عن الحسن {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [سورة البقرة:124] قال: ابتلاه بالكوكب وبالشمس والقمر فوجده صابرًا. وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس: وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن فمنهن قال: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} [سورة البقرة:124]، ومنهن {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [سورة البقرة:127] ومنهن الآيات في شأن المنسك والمقام الذي جعل لإبراهيم."

عندنا المناسك في شأن المناسك.

"في شأن المناسك.."

طالب: ........

هي في الحقيقة مناسك، لكن إذا أريد به الجنس مشى.

"والمقام الذي جُعل لإبراهيم، والرزق الذي رزق ساكن البيت، ومحمد بعث في دينهما.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال: حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [سورة البقرة:124] قال الله لإبراهيم: إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال: تجعلني للناس إمامًا. قال: نعم، قال: ومن ذريتي، قال: لا ينال عهده الظالمين. قال: تجعل البيت مثابة للناس، قال: نعم، قال: وأمنًا، قال: نعم، قال: وتجعلنا مسلمَين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك، قال: نعم، قال: وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله، قال: نعم. قال ابن أبي نجيح: سمعته عن عكرمة، فعرضته على مجاهد فلم ينكره، وهكذا رواه ابن جرير من غير وجه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.

وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [سورة البقرة:124] قال: ابتلي بالآيات التي بعدها {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [سورة البقرة:124].

وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [سورة البقرة:124] قال: الكلمات {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} [سورة البقرة:124]، وقوله: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً} [سورة البقرة:125]، وقوله: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125]، وقوله: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} [سورة البقرة:125] الآية، وقوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [سورة البقرة:127] الآية قال: فذلك كله من الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم.

وقال السدي: الكلمات التي ابتلى بهن إبراهيمَ ربُّه {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ} [سورة البقرة:127-128]، {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ} [سورة البقر ة:129].

وقال القرطبي: وفي الموطأ وغيره عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إبراهيم -عليه السلام- أول من اختتن، وأول من ضاف الضيف، وأول من استحد، وأول من قلم أظفاره، وأول من قص الشارب.."

قف على كلام القرطبي.

اللهم صل على محمد..

هذا كله من الأمثلة، التفسير بالمثال، والاختلاف فيه من باب اختلاف التنوع، ولا تعارض بينها ولا تناقض، وقد تكون كلها مرادة.