التعليق على تفسير القرطبي - سورة الحج (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

السابعة: أجمع العلماء على أن الأمة تكون أم ولد بما تسقطه من ولد تام الخلق، وعند مالك، والأوزاعي، وغيرهما بالمضغة كانت مخلقة أو غير مخلقة، قال مالك: إذا علم أنها مضغة، وقال الشافعي، وأبو حنيفة: إن كان قد تبين له شيء من خلق بني آدم أصبع أو عين أو غير ذلك فهي له أم ولد، وأجمعوا على أن المولود إذا استهل صارخًا يصلى عليه."

مذهب الإمام مالك في هذه المسألة أن الأحكام تترتب عل التغير في الخلق بمجرد انتقاله من طور إلى طور فتترتب عليه الأحكام، وأما غيره من أهل العلم- الأئمة الثلاثة- كلهم على أن أحكام الأم إنما تتعلق بالتصوير إذا خلقت وتبين فيها شيء من خلق الإنسان على خلاف بينهم في المراد بهذا التبين، هل المراد به أن يظهر لكل أحد، أو يشهد أهل  الخبرة والمعرفة أن هذا إنسان أو بداية إنسان مما وجد فيه من شيء خفي يدل على ذلك؟

"وأجمعوا على أن المولود إذا استهل صارخًا يصلى عليه؛ فإن لم يستهل صارخًا لم يصلَّ عليه عند مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وغيرهم."

وعلى هذا لو كان سقطًا لا يُصلى عليه، ولو نُفخت فيه الروح، والمعروف عند بعض أهل العلم كالحنابلة أنه إذا نُفخت فيه الروح تثبت أحكامه، فيُغسل ويُصلى عليه.

طالب: نقل العلماء أن الرسول لم يصلَّ على إبراهيم.

هل نقل العدم أو ما نقل الفعل؟

طالب: ما نقل الفعل.

ما يكفي، فعدم نقل الفعل يدل على أنه كغيره من الناس، إبراهيم مات ابن ثمانية عشر شهرًا، ما فيه إشكال.

"وروي عن ابن عمر أنه يصلى عليه، وقال ابن المسيب، وابن سيرين، وغيرهما، وروي عن المغيرة بن شعبة أنه كان يأمر بالصلاة على السقط، ويقول: سموهم، واغسلوهم، وكفنوهم، وحنطوهم؛ فإن الله أكرم بالإسلام كبيركم وصغيركم، ويتلو هذه الآية: {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ... إلى وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [ سورة الحج: 5]. قال ابن العربي: لعل المغيرة بن شعبة..."

{خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ} أي خلقنا أصلكم وهو أبوكم آدم، ومنهم من يذهب إلى أن كل إنسان مخلوق  من تراب من ولد آدم إلى قيام الساعة، كيف؟ يقول: إن النطفة أصلها الغذاء، والغذاء أصله من تراب، أصل الغذاء من تراب. لكنه قول في غاية البعد.

"قال ابن العربي: لعل المغيرة بن شعبة أراد بالسقط ما تبين خلقه، فهو الذي يُسمى، وما لم يتبين خلقه فلا وجود له، وقال بعض السلف: يصلى عليه متى نفخ فيه الروح وتمت له أربعة أشهر، وروى أبو داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا استهل المولود ورث».

الاستهلال: رفع الصوت، فكل مولود كان ذلك منه، أو حركة، أو عطاس، أو تنفس فإنه يورث؛ لوجود ما فيه من دلالة الحياة."

نعم يدل على أن حياته مستقرة، حياة حقيقة مستقرة، أما مجرد الحركة التي لا تدل على الحياة كحركة المقتول أوالمذبوح، فهذه لا يورث بها، إنما المراد بالحركة الحركة التي تدل على الحياة المستقرة.

"وإلى هذا ذهب سفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي. قال الخطابي: وأحسنه قول أصحاب الرأي، وقال مالك: لا ميراث له، وإن تحرك، أو عطس ما لم يستهل صارخًا."

وقوفًا مع الحديث، وقوفًا مع الحديث إذا استهل المولود يرث مفهومه أنه إذا لم يستهل ولو حصل منه ما يدل على الحياة فلا يرث، لكن الحديث إنما جاء ببعض الأفراد الدالة على ذلك، ولا  ينفي ما عداه.

"وروي عن محمد بن سيرين، والشعبي، والزهري، وقتادة.

الثامنة: قال مالك- رضي الله عنه-: ما طرحته المرأة من مضغة، أو علقة، أو ما يُعلم أنه ولد إذا ضرب بطنها ففيه الغرة."

الغرة خمس من الإبل أو عشر دية أمه.

"وقال الشافعي: لا شيء فيه حتى يتبين من خلقه، قال مالك: إذا سقط الجنين فلم يستهل صارخًا ففيه الغرة."

لأن حكمه حكم الحمل، لأن حكمه حينئذ حكم الحمل.

"وسواء تحرك، أو عطس ففيه الغرة أبدًا، حتى يستهل صارخًا ففيه الدية كاملة."

كالميراث على ما تقدم.

"وقال الشافعي- رضي الله عنه- وسائر فقهاء الأمصار: إذا عُلمت حياته بحركة، أو بعطاس، أو باستهلال، أو بغير ذلك مما تستيقن به حياته ففيه الدية.
التاسعة: ذكر القاضي إسماعيل أن عدة المرأة تنقضي بالسقط الموضوع، واحتج عليه بأنه حمل..."

سواء بالسقط تنتهي العدة على رأي القاضي إسماعيل بأي سقط كان، ولو كان مضغة، لو لم يتبين فيه خلق الإنسان.

"وقال: قال الله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [ سورة الطلاق:65]. قال القاضي إسماعيل: والدليل على ذلك أنه يرث أباه، فدل على وجوده خلقًا، وكونه ولدًا وحملاً. قال ابن العربي: ولا يرتبط به شيء من هذه الأحكام إلا أن يكون مخلقًا. قلت: ما ذكرناه من الاشتقاق وقوله- عليه الصلاة والسلام-: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه...». يدل على صحة ما قلناه؛ ولأن مسقطة العلقة والمضغة يصدق على المرأة إذا ألقته أنها كانت حاملاً ووضعت ما استقر في رحمها، فيشملها قوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [ سورة الطلاق:65]، ولأنها وضعت مبدأ الولد عن نطفة متجسدًا كالمخطط، وهذا بيِّن."

ومن حيث المعنى أنها إذا ألقت هذه النطفة أو هذه المضغة على رأي القاضي إسماعيل أننا  نجزم ببراءة الرحم، نجزم ببراءة الرحم، لكن ما الذي يمنع أن يكون في بطنها حمل آخر؟ ما الذي  يمنع أن يكون في بطنها حمل آخر غير هذا؟

"العاشرة: روى ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا خالد بن مخلد: حدثنا يزيد عن عبد الملك النوفلي عن يزيد بن رومان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لسقط أقدمه بين يدي أحب إلي من فارس أخلفه»، وأخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث له عن سهيل..."

عن سهيل  بن أبي صالح.

"عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، فقال: «أحب إلي من ألف فارس أخلفه ورائي»."

على كل حال الحديث ضعيف؛ لأن يزيد بن الرومان لم يدرك أبا هريرة، لكن يشهد له حديث سهيل  بن أبي صالح عن أبيه.

"الحادية عشرة: لنبين لكم، يريد: كمال قدرتنا بتصريفنا أطوار خلقكم، ونقر في الأرحام قرئ بنصب نقر، ونخرج، رواه أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل عن عاصم قال: قال أبو حاتم: النصب على العطف، وقال الزجاج: نقر بالرفع لا غير..."

لأن الإقرار الإقرار أو قوله: ونقر  ليس من تمام العلة، يعطف على لنبين، فلا وجه للعطف عندهم.

"وقال الزجاج: نقر بالرفع لا غير؛ لأنه ليس المعنى: فعلنا ذلك لنقر في الأرحام ما نشاء، وإنما خلقهم- عز وجل -؛ ليدلهم على الرشد والصلاح، وقيل: المعنى لنبين لهم أمر البعث، فهو اعتراض بين الكلامين، وقرأت هذه الفرقة بالرفع: ونقر: المعنى ونحن نقر، وهي قراءة الجمهور، وقرئ: ويقر ويخرجكم بالياء، والرفع على هذا سائغ، وقرأ ابن وثاب: ما نِشاء بكسر النون."

يعني مثل ما قرأ الأعمش: نستعين بكسر النون نستعين.

"والأجل المسمى يختلف بحسب جنين جنين؛ فثم من يسقط، وثم من يكمل أمره ويخرج حيًّا."

أيضًا من يكمل ويخرج حيًّا يختلف قراره في الرحم، فمنهم من يولد لستة أشهر ومنهم لسبع ومنهم لثمانية ومنهم لتسع، ومنهم من يزيد على ذلك.

"وقال: ما نشاء، ولم يقل: من نشاء؛ لأنه يرجع إلى الحمل؛ أي يقر في الأرحام ما يشاء من الحمل ومن المضغة وهي جماد، فكنى عنها بلفظ ما."

التي هي في الأصل لغير العاقل؛ لأنه لم يوجد العاقل بعد.

"الثانية عشرة: قوله تعالى: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} أي أطفالاً؛ فهو اسم جنس، وأيضًا فإن العرب قد تسمي الجمع باسم الواحد.

 قال الشاعر:       

يلحينني في حبها ويلمنني         

 

  إن العواذل ليس لي بأمير

ولم يقل: أمراء، وقال المبرد: وهو اسم يستعمل مصدرًا كالرضا والعدل، فيقع على الواحد والجمع..."

وعلى المذكر والمؤنث. إن العوازل ليس لي بأمير مفرد مذكر، وعوازل جمع عازلة، جمع مؤنث، ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [ سورة الأعراف:56] ولم يقل قريبة.

"قال الله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [ سورة النور:31]."

والمراد الأطفال بدليل عود الضمير عليهم بالجمع لم يظهروا.

"وقال الطبري: وهو نصب على التمييز، كقوله تعالى: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا} [سورة النساء:4]. وقيل: المعنى ثم نخرج كل واحد منكم طفلاً، والطفل يطلق من وقت انفصال الولد إلى البلوغ، وولد كل وحشية..."

وبعده الشباب، بعد الطفولة الشباب إلى الثالثة والثلاثين أو الخامسة والثلاثين ثم الكهولة ثم الشيخوخة.

"وولد كل وحشية أيضًا طفل، ويقال: جارية طفل، وجاريتان طفل، وجوارٍ طفل، وغلام طفل، وغلمان طفل."

كلها بلفظ واحد، بلفظ واحد على ما تقدم.

"ويقال أيضًا: طفل، وطفلة، وطفلان، وطفلتان، وأطفال، ولا يقال..."

على المطابقة، يعني ذاك على لزوم الإفراد، والثاني على المطابقة هذا طفل، وهذه طفلة، وهذان طفلان، وهاتان طفلتان، وهؤلاء أطفال.

"ولا يقال: طفلات، وأطفلت المرأة صارت ذات طفل، والمطفلة: الظبية معها طفلها، وهي قريبة عهد بالنتاج، وكذلك الناقة، والجمع مطافل ومطافيل."

صيغة منتهى الجموع مساجد ومساجيد، مصابح ومصابيح مثلها.

"والطَّفل" بالفتح في الطاء" الناعم؛ يقال: جارية طَفلة أي ناعمة، وبنان طَفل، وقد طَفَل الليل إذا أقبل ظلامه، والطفل "بالتحريك": بعد العصر إذا طفلت الشمس للغروب، والطفل أيضًا: مطر قال:

لوهد جاده طَفـل الثـريا"

لوهد يعني مكان منخفض، ومثله ما يوجد في أصل العنق، المنخفض الذي قال له الوهدة  الذي يُنحر منها الإبل.

"{ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} قيل: إن ثم زائدة كالواو في قوله: {حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [سورة الزمر،73]؛ لأن ثم من حروف النسق كالواو. أشدكم: كمال عقولكم، ونهاية قواكم، وقد مضى في الأنعام بيانه."

قيل: هذه صيغة تمريض والأصل عدم الزيادة والقرآن معصوم من الزيادة والنقصان، الأمر أن بعض الحروف من حيث المعنى يعني لو حذفت ما تأثر المعنى يكون زائدًا، وبعضهم يتأدب ويقول: هذه صلة، وهنا معناها واضح ترتيب الأطوار بعضها على بعض، منها ما كان قبل الولادة، ومنها ما كان بعد الولادة. وأما الواو في قوله: وفتحت منهم من قال: إنها واو الثمانية؛ لأن أبواب الجنة ثمانية، وهذا تقدم الكلام فيه.

"{وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ} أي أخسه وأدونه، وهو الهرم والخرف حتى لا يعقل؛ ولهذا قال: {لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا}."

ينسى ما  كان عرفه وحفظه بالتدريج، ينسى بالتدريج الأبعد ثم الأقرب إليه، من خفت ملازمته له، ثم من كثرت إلى أن يصل النسيان إلى الزوجة والأولاد، لكن بالنسبة للمحفوظ آخر ما ينساه ما حفظه في الصغر، أما ما حفظه في آخر عمره فهذه سهل النسيان، وكذلك ما عرف ومن عرف فينساه بسرعة، بينما أخباره في عهد الصبى وفي عهد الشباب وما حفظه في تلك الحقبة يتأخر نسيانه، ثم ينسى كل شيء.

"كما قال في سورة يس: {وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [ سورة يس: 68]، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم -يدعو فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وعذاب القبر» أخرجه النسائي عن سعد، وقال: وكان يعلمهن بنيه كما يعلم المكتب الغلمان، وقد مضى في النحل هذا المعنى."

يعني المكتب الذي يعلم الناس في الكتاتيب، المعلم في بداية الأمر يسمونه مُكْتِبًا.

"قوله تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً} ذكر دلالة أقوى على البعث، فقال في الأول: فإنا خلقناكم من تراب، فخاطب جمعًا.

 وقال في الثاني: وترى الأرض فخاطب واحدًا، فانفصل اللفظ عن اللفظ، ولكن المعنى متصل من حيث الاحتجاج على منكري البعث."

كونه يجمع في الأول فيقال: فإن خلقناكم في الأرض جميعًا، ويفرد في الثاني ويراد به الجميع؛ لأنه متجه لكل من تتأتّى منه الرؤية، {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً} يعني كل من تتأتى منه الرؤية يخاطب به الأرض.

"هامدة يابسة لا تنبت شيئًا؛ قال ابن جريج، وقيل: دارسة، والهمود الدروس، قال الأعشى:

قـالت قتيلة ما لجسمك شاحبًا 

 

وأرى ثيابك باليات همدًا

ج

قال الهروي: هامدة أي جافة ذات تراب، وقال شَمِر: يقال: همد شجر الأرض إذا بلي وذهب، وهمدت أصواتهم إذا سكنت، وهمود الأرض ألا يكون فيها حياة، ولا نبت، ولا عود، ولم يصبها مطر، وفي الحديث: «حتى كاد يهمد من الجوع» أي يهلك."

خرج الحديث؟

طالب: ..............

 "يقال: همد الثوب يهمَد إذا بلي، وهمدت النار تهمد."

يهمُد من باب نصر.

"همد الثوب يهمُد إذا بلي، وهمدت النار تهمد.

قوله تعالى: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ} أي تحركت، والاهتزاز: شدة الحركة؛ يقال: هززت الشيء فاهتز؛ أي حركته فتحرك، وهزَّ الحادي الإبل هزيزًا فاهتزت هي إذا تحركت في سيرها بحدائه، واهتز الكوكب في انقضاضه، وكوكب هازّ، فالأرض تهتز بالنبات؛ لأن النبات لا يخرج منها حتى يزيل بعضها من بعض إزالة خفية؛ فسماه اهتزازًا مجازًا.

 وقيل: اهتز نباتها، فحذف المضاف، قاله المبرد."

لكن {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ}: لاشك أن الضمير يرجع إلى الأرض، وأما كونه يرجع إلى النبات والنبات لا شك أنه يهتز مع الريح، لكن العطف وأنبتت يُبعد كون المراد به النبات.

"واهتزازه شدة حركته، كما قال الشاعر:

تثنى إذا قامت وتهتز إن مشت      

 

كما اهتز غصن البان في ورق خضر

والاهتزاز في النبات أظهر منه في الأرض.

وربت أي ارتفعت وزادت. وقيل: انتفخت؛ والمعنى واحد، وأصله الزيادة، ربا الشيء يربو ربوًّا أي زاد، ومنه الربا والربوة، وقرأ يزيد بن القعقاع، وخالد بن إلياس وربأت أي ارتفعت حتى صارت بمنزلة الربيئة، وهو الذي يحفظ القوم على شيء مشرف؛ فهو رابئ وربيئة على المبالغة.

 قال امرؤ القيس:

بعثنا ربيئًا قبل ذاك مخملاً

 

 

كذئب الغضا يمشي الضراء ويتقي

وأنبتت أي أخرجت، من كل زوج أي لون."

المخمَّل يعني الذي يمشي بهدوء ورفق؛ لئلا يشعر به، وهي لغة دارجة، الإنسان خامل يعني راتب وساكن، وإن كان في الأصل صيغة ذم، لكنها تستعمل فيمن يمشي برفق لئلا يشعر به. ذئب الغضا يمشي بين الأشجار بحيث لا يُرى.

"بهيج أي حسن عن قتادة أي يبهج من يراه، والبهجة الحسن، يقال: رجل ذو بهجة، وقد بهج بالضم بهاجة وبهجة فهو بهيج، وأبهجني أعجبني بحسنه.

ولما وصف الأرض بالإنبات دل على أن قوله: اهتزت وربت يرجع إلى الأرض لا إلى النبات، والله أعلم."

إذا كان يرجع إلى الأرض، وهو المرجح، وهو الظاهر من اللفظ والسياق، فما معنى اهتزاز الأرض وزيادتها التي عبارة عن قوله ربت، فربت يعني زادت، فالأرض إذا نزل عليها الماء ترتفع أم تنزل؟

تنزل.

كيف يقال: ربت وهي نزلت؟

النبات الذي ظهر من تحتها لاشك أنه يرفعها، وهكذا تكون الزيادة، وحركة التراب أثناء خروج هذا النبات هو اهتزاز في الجملة وإن كان ضعيفًا فهو ليس مثل اهتزاز النبات.

"قوله تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} لما ذكر افتقار الموجودات إليه وتسخيرها على وفق اقتداره واختياره في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ - إلى قوله- مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} {سورة الحج: 5].

 قال بعد ذلك: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} [ سورة الحج:6-7] فنبه سبحانه وتعالى بهذا على أن كل ما سواه وإن كان موجودًا حقًّا فإنه لا حقيقة له من نفسه."

لأنه لا يستقل بنفسه، وإنما وجوده بإيجاد غيرعه له وهو الله -جل وعلا- فوجوده وإن كان حقيقيًّا وموجودًا إلا أنه من حيث الجملة لا يستقل بنفسه، فوجود المضاف إليه ليس بحقيقي؛ لأنه موجَد وليس بموجِد، فالوجود الحقيق لله- جلا وعلا-: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [ سورة الحج:7] إذا تأملنا حقيقة هذه الدنيا بما احتوته من موجودات، ونظرنا إليها بعين البصيرة وجدنا أنها باطل، هذه الأموال التي يتكالب الناس عليها ويتقاتلون عليها ما حقيقتها؟ يعني لو نظرت بعين البصيرة إلى أنها بمجرد استمرار الوجود والنوع الإنساني، وإلا فهي مجرد أوراق لا قيمة لها، والقدر الزائد على الحاجة منها وبال ليس بمغنم إن لم يستغل فيما يرضي الله- جل وعلا-. فالحصر هنا بأن الله هو الحق حصر حقيقي.

"فنبَّه سبحانه وتعالى بهذا على أن كل ما سواه وإن كان موجودًا حقًّا؛ فإنه لا حقيقة له من نفسه؛ لأنه مسخر مصرف."

هذا إذا كان المراد به الوجود، وإن كان المراد به المعبود فهو ظاهر، ذلك بأن الله المعبود هو الحق أو هو المعبود بحق، وعليه تدل كلمة الشهادة لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله- جل وعلا-.

"والحق الحقيقي: هو الموجود المطلق، الغني المطلق؛ وأن وجود كل ذي وجود عن وجوب وجوده؛ ولهذا قال في آخر السورة: وأن ما يدعون من دونه هو الباطل.

 والحق الموجود الثابت الذي لا يتغير ولا يزول، وهو الله تعالى.

 وقيل: ذو الحق على عباده، وقيل: الحق بمعنى في أفعاله، وقال الزجاج: "ذلك" في موضع رفع؛ أي الأمر ما وصف لكم وبين بأن الله هو الحق أي لأن الله هو الحق، وقال: ويجوز أن يكون ذلك نصبًا أي فعل الله ذلك بأنه هو الحق."

وتكون الباء بمعنى اللام كما فسرها، فعل ذلك ما تقدم؛ لأنه هو الحق؛ لأن الباطل لا يستطيع أن يفعل.

"{وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي وبأنه قادر على ما أراد."

وأنه قدر الباء؛ لأن العطف على نية تكرار العامل.

"{وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ} عطف على قوله: ذلك بأن الله هو الحق من حيث اللفظ، وليس عطفًا في المعنى؛ إذ لا يقال: فعل الله ما ذكر بأن الساعة آتية، بل لا بد من إضمار فعل يتضمنه؛ أي وليعلموا أن الساعة آتية، {لَّا رَيْبَ فِيها} أي لا شك، {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} يريد للثواب والعقاب.

قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} [ سورة الحج: 8] أي نير بين الحجة، نزلت في النضر بن الحارث، وقيل: في أبي جهل بن هشام، قاله ابن عباس، والمعظم على أنها نزلت في النضر بن الحارث كالآية الأولى."

كالتي تقدمت، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [ سورة الحج:3]، وهنا {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} [ سورة الحج: 8].

هناك قال: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ} [ سورة الحج:3]، وهنا قال: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [ سورة الحج: 8-9] بعض المفسرين يرى أن الآية الأولى غير الآية الثانية هذه في الأتباع {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ}، والأخرى أو الثانية في المتبوعين {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} أي ليضل غيره فهي في المتبوعين وتلك في الأتباع، فالتابع يجادل أي يجادل غيرعه برأي متبوعه، والمتبوع يجادل غيره برأيه هو، وقد يكون الجادل بعلم وقد يكون بغير علم، فكثير من الجهال يجادل ويتبعه فئام من الناس على جهله، فهذا على قراءة ليُضل أما على قراءة ليَضل عما سيأتي فلا تدل على ما قاله.

 "والمعظم على أنها نزلت في النضر بن الحارث كالآية الأولى، فهما في فريق واحد، والتكرير للمبالغة في الذم؛ كما تقول للرجل تذمه وتوبخه: أنت فعلت هذا! أنت فعلت هذا!"

قوله في الآية الأولى: ويتبع كل شيطان مريد، الإتباع نسبي، فقد تكون في الأتباع الذين يتبعون روؤسائهم ويجادولون عنهم، والروؤساء يجادلون عن مبادئهم وأفكارهم، ولكن حتى الروؤساء المتبوعين يتبعون كل شيطان مريد؛ لأنه ما أغواهم إلا الشيطان، فيكون معنا في الآيتين منصب على قضية واحدة.

 "ويجوز أن يكون التكرير؛ لأنه وصفه في كل آية بزيادة؛ فكأنه قال: إن النضر بن الحارث يجادل في الله بغير علم، ويتبع كل شيطان مريد، والنضر بن الحارث يجادل في الله من غير علم ومن غير هدى وكتاب منير؛ ليضل عن سبيل الله، وهو كقولك: زيد يشتمني وزيد يضربني، وهو تكرار مفيد، قاله القشيري."

يعني يكرر  الفاعل؛ لتكرر أفعاله، لتكرر أفعاله.

"وقد قيل: نزلت فيه بضع عشرة آية، فالمراد بالآية الأولى إنكاره البعث، وبالثانية إنكاره النبوة، وأن القرآن منزل من جهة الله، وقد قيل: كان من قول النضر بن الحارث أن الملائكة بنات الله، وهذا جدال في الله تعالى: من في موضع رفع بالابتداء، والخبر في قوله: ومن الناس.

{ثَانِيَ عِطْفِهِ} نصب على الحال، ويتأول على معنيين: أحدهما: روي عن ابن عباس أنه قال: هو النضر بن الحارث، لوى عنقه مرحًا وتعظمًا، والمعنى الآخر: وهو قول الفراء: أن التقدير: ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ثاني عطفه: أي معرضًا عن الذكر ذكره النحاس."

يعني حال، أي حال كونه ثاني عطفه.

"وقال مجاهد، وقتادة: لاويًا عنقه كفرًا، ابن عباس: معرضًا عما يدعى إليه كفرًا، والمعنى واحد، وروى الأوزاعي عن مخلد بن حسين عن هشام بن حسان عن ابن عباس في قوله- عز وجل-: {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} قال: هو صاحب البدعة.

قال المبرد: العطف ما انثنى من العنق، وقال المفضل: والعطف الجانب؛ ومنه قولهم: فلان ينظر في أعطافه أي في جوانبه، وعطفا الرجل من لدن رأسه إلى وركيه."

والنظر في الأعطاف كناية عن الكبر- نسأل الله العافية-.

 "وكذلك عطفا كل شيء جانباه، ويقال: ثنى فلان عني عطفه إذا أعرض عنك، فالمعنى: أي هو معرض عن الحق في جداله ومول عن النظر في كلامه؛ وهو كقوله تعالى: {وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} [ سورة لقمان: 7]، وقوله تعالى: {لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} [ سورة المنافقون: 5]، وقوله: {أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ} [ سورة فصلت: 51]، وقوله: {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} [ سورة القيامة: 33].

{لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} أي عن طاعة الله تعالى، وقرئ: ليَضِلَّ بفتح الياء، واللام لام العاقبة؛ أي يجادل فيضل."

هكذا يقول كثير من المفسرين أن اللام هنا لام العاقبة والصيرورة بحيث يصير مآله إلى ذلك، كما في قوله: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [ سورة القصص: 8]: فهم ما قصدوا أن يكون ذلك، ولكن العاقبة صارت كذلك،  والحافظ ابن كثير يقرر في هذا كله أنها لام تعليل العلة ليضل عن سبيل الله، فمنهم من يضل الناس عن سبيل الله بقصد، ومنهم من يضل الناس عن سبيل الله بغير قصد.

 "كقوله تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [ سورة القصص: 8] أي فكان لهم كذلك."

كان لهم كذلك؛ لأنهم ما قصدوا أن يكون لهو عدوًا وحزنًا، فليس السبب في أخذهم إياه ليكون لهم عدوًا وحزنًا، وإنما ليستفيدوا منه لا ليتضرروا به، لكن العاقبة والمآل والصيرورة صارت كذلك.

 "ونظيره: {إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [ سورة النحل: 54] ليكفروا.

{لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} أي هوان وذل بما يجري له من الذكر القبيح على ألسنة المؤمنين إلى يوم القيامة، كما قال: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [ سورة القلم:10] الآية، وقوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [ سورة المسد:1]، وقيل: الخزي هاهنا القتل."

هذا عوقب بنقيض قصده، تكبر وطغى وثنى عطفه وحاول إضلال الناس ليترأس عليهم، ثم بعد ذلك كانت عاقبته له في الدنيا خزي أي هوان- نسأل الله العافية- وذل، خلاف ما توقعه من أنه إذا أضل الناس وتبعوه أنه يكون رئيسًا عليهم مقدمًا عندهم ومقربًا إليهم، لكنه عوقب بنقيض قصده، فأصابه الذل- نسأل الله العافية- والخزي والعار.

"وقيل: الخزي هاهنا القتل. فإن النبي- صلى الله عليه وسلم- قتل النضر بن الحارث يوم بدر صبرًا، كما تقدم في آخر الأنفال.

{وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ} أي نار جهنم.

{ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} أي يقال له في الآخرة إذا دخل النار: ذلك العذاب بما قدمت يداك من المعاصي والكفر، وعبر باليد عن الجملة؛ لأن اليد التي تفعل وتبطش للجملة."

يعني غالب الأفعال تكون باليد وإلا فأفعاله التي كفر بها بقلبه وبلسانه وليس بيديه، لكن العرب تجعل اليد مكان الكل؛ لأن غالب الأعمال تكون بها، ذلك بما قدمت يداك، فهو قال بلسانه واعتقد بقلبه، هذا هو السبب، لكن العرب مثل ما قال المؤلف؛ لأن اليد التي تفعل وتبطش للجملة،... والقرآن نزل بلسانهم.

"وذلك بمعنى هذا، كما تقدم في أول البقرة."

يعني استعمال الإشارة للبعيد مكان الإشارة للقريب، {ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ} [ سورة البقرة: 2] فالمقصود هذا الكتاب، لكن حين يشار إليه من بعد يكون لتعظيمه، وهذا لتهويله أي لتهويل هذا العذاب- نسأل الله العافية-.

"قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ} من: في موضع رفع بالابتداء، والتمام انقلب على وجهه على قراءة الجمهورخَسِرَ، وهذه الآية خبر عن المنافقين، قال ابن عباس: يريد شيبة بن ربيعة كان قد أسلم قبل أن يظهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما أوحي إليه ارتد شيبة بن ربيعة، وقال أبو سعيد الخدري: «أسلم رجل من اليهود فذهب بصره، وماله، فتشاءم بالإسلام، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: أقلني! فقال: إن الإسلام لا يقال، فقال: إني لم أصب في ديني هذا خيرًا، ذهب بصري، ومالي، وولدي! فقال: يا يهودي إن الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد، والفضة، والذهب» فأنزل الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ}."

الحرف أي الطرف، الطرف هذا الحرف، فيكون يترك ما هو بصدده لأدنى شيء، لأدنى سبب، لأدنى علة، يوازن بين مصالحه ومفاسده يبدي رأيه في دنياه ثم بعد ذلك يترك وما استفدنا مثل من ذهب بصره وماله وولده وترك دينه، شخص من الأعراب لا يقرأ ولا يكتب نزل في مكان في بلدة ومعه ثمانون من الإبل غالية الأثمان، ومعه ثمانية من الأولاد الكبار الذين يخدمونه، فما لبث إلا وقتًا يسيرًا فذهبت الإبل ومات الأولاد، ولم يبق عنده إلا ناقة جرباء، فقال: منه وإليه، فركب الناقة ورجع إلى بلده،- الله المستعان- {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [سورة الليل: 4]، فهذا ذهب بصره وماله فترك الإسلام بالكلية.

 "وروى إسرائيل عن أبي حُصَين."

حَصِين أم حُصَين؟

"عن أبي حَصِين."

راجعه يا أبا عبد الله في التقريب.

طالب: حَصِين.

راجعه في الآخر، في الكنى.

طالب: ................

من أي طبقة؟

طالب: ................

نحن نريد ما عندك.

طالب: ...............

الذي يظهر أنه حَصِين.

 "وروى إسرائيل عن أبي حَصِين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ} قال: كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلامًا ونتجت خيله قال: هذا دين صالح؛ فإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء.

 وقال المفسرون: نزلت في الأعراب كانوا يقدمون على النبي- صلى الله عليه وسلم- فيسلمون؛ فإن نالوا رخاء أقاموا، وإن نالتهم شدة ارتدوا، وقيل: نزلت في النضر بن الحارث، وقال ابن زيد وغيره: نزلت في المنافقين.

 ومعنى على حرف على شك، قاله مجاهد وغيره. وحقيقته أنه على ضعف في عبادته كضعف القائم على حرف مضطرب فيه، وحرف كل شيء طرفه، وشفيره، وحده، ومنه حرف الجبل، وهو أعلاه المحدد.

 وقيل: على حرف أي على وجه واحد، وهو أن يعبده على السراء دون الضراء، ولو عبدوا الله على الشكر في السراء، والصبر على الضراء لما عبدوا الله على حرف.

 وقيل: على حرف: على شرط، وذلك أن شيبة بن ربيعة قال للنبي- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يظهر أمره: ادع لي ربك أن يرزقني مالاً، وإبلاً، وخيلاً، وولدًا حتى أومن بك، وأعدل إلى دينك، فدعا له، فرزقه الله- عز وجل- ما تمنى، ثم أراد الله- عز وجل- فتنته واختباره- وهو أعلم به- فأخذ منه ما كان رزقه بعد أن أسلم فارتد عن الإسلام، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ} يريد شرط."

ولا يمنع أن يكون المعنى الأصلي موجودًا وهو الطرف.

 "وقال الحسن: هو المنافق يعبد الله بلسانه دون قلبه، وبالجملة فهذا الذي يعبد الله على حرف ليس داخلاً بكليته، وبيَّن هذا بقوله: فإن أصابه خير صحة جسم ورخاء معيشة."

 يعني مثل هذا ما دخل في الإسلام بكليته، ما دخل بقلبه وقالبه، إنما دخل ظاهرًا وليس باطنًا.

"فإن أصابه خير صحة جسم ورخاء معيشة رضي وأقام على دينه.

وإن أصابته فتنة أي خلاف ذلك مما يختبر به انقلب على وجهه أي ارتد فرجع إلى وجهه الذي كان عليه من الكفر. خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين قرأ مجاهد، وحميد بن قيس، والأعرج، والزهري، وابن أبي إسحاق، وروي عن يعقوب: خاسر الدنيا بألف نصبًا على الحال، وعليه فلا يوقف على وجهه، وخسرانه الدنيا بأن لا حظ في غنيمة، ولا ثناء، والآخرة بأن لا ثواب له فيها."

خسرانه الدنيا من كل وجه- نسأل الله السلامة والعافية-، لا حظ له في الغنية إذا جاهد؛ لأنه لم يجاهد، ولا ثناء من الناس، وأيضًا لم يسلم من القتل، والأمر الثالث حياته التي كان مستقرًّا فيها يفقدها، فهو خاسر من كل وجه- نسأل الله السلامة والعافية-.

"قوله تعالى: {يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ} أي هذا الذي يرجع إلى الكفر يعبد الصنم الذي لا ينفع ولا يضر، {ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} قال الفراء: الطويل.

قوله تعالى: {يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ} أي هذا الذي انقلب على وجهه يدعو من ضره أدنى من نفعه أي في الآخرة؛ لأنه بعبادته دخل النار، ولم يرَ منه نفعا أصلاً، ولكنه قال: ضره أقرب من نفعه ترفيعا للكلام."

يعني على سبيل التنزل هذا إذا كان فيه نفع فضره أقرب من نفعه، هذا لو قدر أن فيه نفعًا، ولذا قال في الآية الأولى: {مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ} [ سورة الحج: 12]، فنفى النفع والضر بالكلية ثم على سبيل التنزل لو قدر أن فيه نفعًا فضره أقرب من نفعه، هذا على كلام المؤلف أنه على سبيل ترفيع الكلام، لكن إذا قلنا: إن المعبود سوى الله- جل وعلا- يختلف، فمنهم ما لا نفع فيه ولا ضر كالجمادات، ومنهم من ينفع وقد يضر وهو من يعقل كالذين يعبدون الأشخاص ينفعونهم مثلاً فرعون لما اتخذوه إلهًا من دون الله وعبدوه من دون الله فنفع من حوله وضر بعض الناس، فتكون الآية الأولى فيمن يدعو الجمادات، والثانية فيمن يدعو من يعقل ممن يملك الضر والنفع بتمليك الله- جل وعلا- له، ولذلك اختلف الموصول فقال: {يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا } [ سورة الحج:12] التي هي لغير العاقل.

والثانية: {يدعو لمن} فمن هذه للعاقل، فاختلف وإلا ظاهر التعارض بين الآيتين في الآية الأولى ينفي الضر والنفع، وفي الثانية يثبت؛ لأن أفعل التفضيل بسبب الإثبات، يعني هو موجود، فالضر والنفع موجودان، لكن الضر أقرب من النفع؛ لأن مقتضى أفعل التفضيل أن يكون هناك شيئان اشتركا في وصف، وهو الوجود، القرب أي القرب من العابد، لكن أحدهما أدخل في هذا الوصف من الآخر، فالضر أقرب وأدخل في الوصف من النفع، فهذا فيه إثبات للنفع والضر، لكنه على سبيل التنزل كما يرى المؤلف أو يقال: إن هذا الاختلاف هو اختلاف المعبودات.

 "كقوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } [ سورة سبأ: 24] وقيل: يعبدونهم توهم أنهم يشفعون لهم غدًا كما قال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ} [ سورة يونس: 18]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ} [ سورة الزمر: 3]، وقال الفراء، والكسائي، والزجاج: معنى الكلام القسم، والتأخير أي يدعو والله لمن ضره أقرب من نفعه، فاللام مقدمة في غير موضعها، ومن: في موضع نصب ب يدعو، واللام جواب القسم، وضره: مبتدأ، وأقرب: خبره، وضعف النحاس تأخير الكلام، وقال: وليس للام من التصرف ما يوجب أن يكون فيها تقديم ولا تأخير، قلت: حق اللام التقديم وقد تؤخر."

اللام المزحلقة عند أهل العلم معروفة ومشهورة، وجلهم يقولون بها وأنها تتأخر وقد تتقدم، فتضعيف النحاس لا وجه له.

 "قال الشاعر:

 خالي لأنت ومن جرير خاله

 

ينل العلاء ويكرم الأخوالا"

الأصل لأنت أي لخالي أنت، فهو داخل على المبتدأ؛ لأنه مؤكدة له.

"أي لخالي أنت، وقد تقدم، قال النحاس: وحكى لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد قال: في الكلام حذف، والمعنى يدعو لمن ضره أقرب من نفعه إلها.

 قال النحاس: وأحسب هذا القول غلطًا على محمد بن يزيد؛ لأنه لا معنى له؛ لأن ما بعد اللام مبتدأ فلا يجوز نصب إله، وما أحسب مذهب محمد بن يزيد إلا قول الأخفش، وهو أحسن ما قيل في الآية عندي، والله أعلم.

 قال: يدعو بمعنى يقول، ومن مبتدأ وخبره محذوف، والمعنى يقول لمن ضره أقرب من نفعه إلهه.

يعني يزعم.

قلت: وذكر هذا القول القشيري- رحمه الله- عن الزجاج، والمهدوي عن الأخفش، وكمل إعرابه فقال: يدعو بمعنى يقول، و من مبتدأ، و ضره مبتدأ ثان، و أقرب خبره، والجملة صلة من، وخبر من محذوف، والتقدير يقول لمن ضره أقرب من نفعه إلهه، ومثله قول عنترة: يــــدعـــون عنتـر، والرمــــاح....."

على الوجهين على الرفع والنصب.

"يدعون عنتر، والرماح كأنها  

 

أشطان بئر في لبان الأدهم

 

قال القشيري: والكافر الذي يقول: الصنم معبودي لا يقول ضره أقرب من نفعه، ولكن المعنى يقول الكافر لمن ضره أقرب من نفعه في قول المسلمين معبودي وإلهي، وهو كقوله تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ } [ سورة الزخرف: 43] أي يا أيها الساحر عند أولئك الذين يدعونك ساحرًا."

ولو اعتقدوا أنه ساحر على هذا الكلام لو اعتقدوا أنه ساحر ما طلبوا منه الدعاء؛ لأنه ساحر فما يتصور منه إجابة الدعاء اللهم إلا أن يكون قولا على سبيل الاستهزاء والسخرية منه.

"وقال الزجاج: يجوز أن يكون يدعو في موضع الحال، وفيه هاء محذوفة أي ذلك هو الضلال البعيد يدعوه أي في حال دعائه إياه، ففي يدعو هاء مضمرة، ويوقف على هذا على يدعو، وقوله: لمن ضره أقرب من نفعه كلام مستأنف مرفوع بالابتداء، وخبره لبئس المولى؛ وهذا لأن اللام لليمين والتوكيد، فجعلها أول الكلام.

 قال الزجاج: ويجوز أن يكون ذلك بمعنى الذي، ويكون في محل النصب بوقوع يدعو عليه؛ أي الذي هو الضلال البعيد يدعو كما قال: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ} [ سورة طه:17] أي ما الذي.

 ثم قوله لمن ضره كلام مبتدأ، ولبئس المولى خبر المبتدأ، وتقدير الآية على هذا: يدعو الذي هو الضلال البعيد."

يعني يدعو الشيء الذي في  حقيقته هو الضلال البعيد.

 "قدم المفعول وهو الذي كما تقول: زيدًا يضرب، واستحسنه أبو علي.

 وزعم الزجاج أن النحويين أغفلوا هذا القول، وأنشد:

عدس ما لعباد عليك إمارة            

 

نجوت وهذا تحملين طليق"

هذا موصول أصله والذي تحملين، والعائد عليه محذوف، فيكون هذا الذي تحملينه طليق.

"أي والذي، وقال الزجاج أيضًا والفراء: يجوز أن يكون يدعو مكررة على ما قبلها على جهة تكثير هذا الفعل الذي هو الدعاء، ولا تعديه إذ قد عديته أولا؛ أي يدعو من دون الله ما لا ينفعه ولا يضره يدعو؛ مثل ضربت زيدا ضربت، ثم حذفت يدعو الآخرة اكتفاءً بالأولى.

 قال الفراء: ويجوز لمن ضره بكسر اللام؛ أي يدعو إلى من ضره أقرب من نفعه، قال الله- عز وجل-: بأن ربك أوحى لها أي إليها، وقال الفراء أيضًا والقفال: اللام صلة؛ أي يدعو من ضره أقرب من نفعه؛ أي يعبده، وكذلك هو في قراءة عبد الله بن مسعود."

 بدون اللام.

"{لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ} أي في التناصر، {وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} أي المعاشر والصاحب والخليل، قال مجاهد: يعني الوثن."

يعني المدعو، المدعو سواء كان  ممن يعقل أو ممن لا يعقل. وسوف يكون عشيرًا لهم في النار،- نسأل الله السلامة-.

"قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [سورة الحج: 14] لما ذكر حال المشركين، وحال المنافقين والشياطين ذكر حال المؤمنين في الآخرة أيضًا."

هذا أسلوب القرآن، وهذا سر في تسميته مثاني، يذكر أحوال قوم، ثم يذكر أحوال من يضاده.

"{إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} أي يثيب من يشاء ويعذب من يشاء؛ فللمؤمنين الجنة بحكم وعده الصدق وبفضله، وللكافرين النار بما سبق من عدله؛ لا أن فعل الرب معلل بفعل العبيد."

لا أن فعل الرب معلل بفعل العبيد، إذًا ماذا عن قوله: بما كنتم، بما كنتم؟ فالباء هذه سببية، لكن السبب الذي جعله سببًا هو الله- جل وعلا-، فصح أنه بجعل الله إياه صار له أثر، وهذا الأثر قد يتخلف كغيره من الأسباب فيكون مرده أولاً وآخرًا إلى فضل الله، ولن ينجو أحد من النار بعمله، ولم يدخل أحد الجنة بعمله، وإنما برحمة الله، قالوا: ولا أنت يارسول؟ قال: ولا أنا.

"قوله تعالى: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} قال أبو جعفر النحاس: من أحسن ما قيل فيها أن المعنى: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا- صلى الله عليه وسلم - وأنه يتهيأ له أن يقطع النصر الذي أوتيه.

{فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} أي فليطلب حيلة يصل بها إلى السماء.

{ثُمَّ لْيَقْطَعْ} أي ثم ليقطع النصر إن تهيأ له، فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ وحيلته ما يغيظه من نصر النبي- صلى الله عليه وسلم-. والفائدة في الكلام..."

قد يكون المعنى من كان يظن من غلب على ظنه أنه لن ينصر في الدنيا والآخرة فهو شقي في الدنيا والآخرة، إن وجد حل فليبحث، ولو كان هذا الحل في حبل يربطه بالسماء فيصعد إليه ثم يقطعه، ينتحر، يفعل ما يشاء، إذا كان خسر الدنيا والآخرة، وظن أن لن ينصره اللهم، وضاقت به الدنيا بما رحبت، وهذا على  سبيل التهديد {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [ سورة فصلت: 40] وإلا فالانتحار محرم.

فالذي يغلب على ظنه أو يرى أن الدنيا ضاقت به، وأنه لا يستفيد من دنيا ولا آخرة كما يفعل كثير من الأشقياء منهم من المسلمين من انتحر، وكثير من الكفار تضيق بهم الدنيا زرعًا فينتحرون، ووجد من المسلمين مع ذلك؛ لأنه غطى اليأس على قلبه، فظن أن لن يؤتَ شيء بالفرج، اربط حبلًا في السماء إن استطعت، اربط حبلًا بالسماء ثم اقطعه وانتحر. فلينظر إذا فعل ذلك هل شفى غيظه؟ فالآن هو مغيظ من التعاسة والشقاء، وكذا ثم انتحر وبعد؟ ذهبت هذه التعاسة؟ ذهب هذا الشقاء؟ والله المستعان.

"والفائدة في الكلام أنه إذا لم يتهيأ له الكيد والحيلة بأن يفعل مثل هذا لم يصل إلى قطع النصر، وكذا قال ابن عباس: إن الكناية في ينصره الله ترجع إلى محمد- صلى الله عليه وسلم-، وهو وإن لم يجر ذكره فجميع الكلام دال عليه؛ لأن الإيمان هو الإيمان بالله وبمحمد- صلى الله عليه وسلم-، والانقلاب عن الدين انقلاب عن الدين الذي أتى به محمد- صلى الله عليه وسلم-؛ أي من كان يظن ممن يعادي محمدًا- صلى الله عليه وسلم- ومن يعبد الله على حرف أنا لا ننصر محمدًا فليفعل كذا وكذا.

 وعن ابن عباس أيضًا: أن الهاء تعود على من، والمعنى: من كان يظن أن الله لا يرزقه فليختنق، فليقتل نفسه؛ إذ لا خير في حياة تخلو من عون الله، والنصر على هذا القول الرزق تقول العرب: من ينصرني نصره الله؛ أي من أعطاني أعطاه الله، ومن ذلك قول العرب: أرض منصورة أي ممطورة."

النصر أعم من الرزق،  النصر على ما يضايقه  في هذه الحياة، وما  يسبب له الحرج والضيق إذا ظن وغلب على ظنه أن الله لا يجعله أو يستطيع التتغلب على هذه المصالح فهو أعم من الرزق.

"قال الفقعسي:

وإنك لا تعطي امرأ فوق حقه         

 

ولا ملك الشق الذي الغيث ناصره

وكذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: من كان يظن أن لن ينصره الله أي لن يرزقه، وهو قول أبي عبيدة، وقيل: إن الهاء تعود على الدين؛ والمعنى: من كان يظن أن لن ينصر الله دينه.

 {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} أي بحبل، والسبب ما يتوصل به إلى الشيء {إِلَى السَّمَاءِ} إلى سقف البيت."

يعني إلى جهة العلو، ومن جهة العلو السقف، ولا يلزم أن يمد حبل إلى السماء الحقيقة؛ لأنه لن يستطيع ذلك.

"قال ابن زيد: هي السماء المعروفة، وقرأ الكوفيون: ثم لْيقطع بإسكان اللام، وقال النحاس: وهذا بعيد في العربية؛  لأ ن  ثم ليست مثل الواو والفاء، ولأنها يوقف عليها وتنفرد."

الأصل ثم ليقطع، وإسكان اللام بعد العاطف يكون خاصًا بالوار والفاء، ولتسلم ولتفعل كذا.

"وفي قراءة عبد الله فليقطعه ثم لينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ.  قيل:  ما  بمعنى الذي؛ أي هل يذهبن كيده الذي يغيظه، فحذف الهاء ليكون أخف، وقيل: ما  بمعنى المصدر؛ أي هل يذهبن كيده غيظه.

قوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} يعني القرآن، {وَأَنَّ اللَّهَ} أي وكذلك أن الله يهدي من يريد علق وجود الهداية بإرادته؛ فهو الهادي لا هادي سواه."

طالب:.....

يكفي، يكفي.

الله صل علي سيدنا محمد.

والباء في قوله: ادخلوا بما كنتم، فالباء هذه ماذا تصير؟ سببية، لكنها كغيرها من الأسباب قد يفعل السبب ولا يترتب عليه أثره إلا برحمة الله،  فالمرد إلى رحمة الله أولاً وآخرًا..

طالب:......

ذرياتهم، لكنهم في حدود من تنالهم الشفاعة، {ألحقنا بهم ذريتهم}.

طالب....

ولو كان،

 يلحقون بما ألحقنا بهم فضلًا من الله- جل وعلا-، ولا يكون فضله وشرفه كفضل المتبوع الذي من أجله وصل إلى هذا المكان، يعني مثل أزواج النبي- عليه الصلاة والسلام- معه في الجنة، لكن لا يقول أحد خلافًا لابن حزم الذي يقول: إن أزواج النبي- عليه الصلاة والسلام- أفضل من أبي بكر وعمر؛ لأن منزلتهن من الجنة فوق مع النبي، لكن من نال الشيء تبعًا، ليس كمن ناله أصالة، فشواهد الأحوال تدل على هذا، كثير من الناس، كثير من أوساط الناس عيشته في دنياه أقل من عيشة قدم بعض الناس.

"