بارك الله للإمام النووي–رحمه الله- في عمره، فهذا القدر اليسير من العمر –خمس وأربعون سنة- أنتج فيه هذا الإنتاج العظيم من المصنفات، مع أنه لم يكن يُشغل عمره أو جلّ وقته في التصنيف؛ فعنده في اليوم الواحد اثنا عشر درسًا، والعبادة تأخذ من وقته الشيء الكثير؛ فهو معدود من العُبَّاد -رحمه الله-، وله شفاعات كثيرة جدًا لذوي الحاجات عند الولاة، حتى أنه أُمر بالكف عن هذه الشفاعات فما امتثل -رحمه الله-، فالوقت فيه بركة لمن استغله وصدق في نيته، والله -سبحانه وتعالى- يعينه. ولا يعتذر الإنسان بأنه مشغول، وإذا قيل له: لم لا تحضر الدرس الفلاني؟ قال: أنا مرتبط وأشغالي كثيرة، أو طُلب منه تأليف تعلل بأعذار واهية، فالآن يُعرف أناس يعملون في ساعات العمل الرسمي كاملًا هذه الأيام -من الساعة الثامنة إلى الثانية-، ومع ذلك يُدرِّسون في حلقات القرآن الكريم وعندهم أعمال أخرى، ويوجد كذلك من يختم القرآن ممن هذه صفاته كل يوم وإن كان نادرًا، وكذلك يزور المقابر في كل أسبوع، ويزور المستشفيات، ويصل الأرحام، وهذه إعانة من الله -سبحانه وتعالى-، وأكثر الناس وللأسف يضيع عمره سدى.