تعليق على تفسير سورة البقرة (49)

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-:

"قال الله تعالى: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة البقرة:135] قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما الهدى إلا ما نحن عليه، فاتبعنا يا محمد تهتدِ. وقالت النصارى مثل ذلك، فأنزل الله -عز وجل-: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ} [سورة البقرة:135]."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

هذا الخبر عن ابن عباس بهذا الإسناد الذي تردد كثيرًا ضعفه معروف ومشهور، وتقدم مرارًا، ولكن بالنسبة لمعناه يندرج تحت ما ورد في الآية، لكن الإشكال أن ما يتعلق بأسباب النزول عند أهل العلم له حكم الرفع، فلا بد أن يُتثبَّت فيه وإلا فهو مندرج تحت معنى الآية، لكن كونه يرد بهذه الصيغة ويضاف ويكون الرسول -عليه الصلاة والسلام- فيه طرف لا يجوز نقله بهذه الطريقة؛ لأنه ضعيف ومشهور الضعف، وأهل العلم يقررون أن ما يتعلق بأسباب النزول له حكم الرفع، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-:

وعد ما فسَّره الصحابي
 

 

 رفعًا فمحمول على الأسباب
 

لأن الحاكم يرى أن تفسير الصحابة كلها من قبيل المرفوع، ولكن رُدَّ عليه؛ إذ من أقوال الصحابة وتفاسيرهم ما لا يجوز رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يمكن نسبته إليه- عليه الصلاة والسلام-، فحملوا ذلك على أسباب النزول كما هنا، والله أعلم.

"وقوله: {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} [سورة البقرة:135] أي لا نريد ما دعوتم إليه من اليهودية والنصرانية، بل نتبع ملة إبراهيم حنيفًا أي مستقيمًا، قاله محمد بن كعب القرظي وعيسى بن جارية، وقال خصيف عن مجاهد: مخلصًا، وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: حاجًّا، وكذا روي عن الحسن والضحاك وعطية والسدي، وقال أبو العالية: الحنيف الذي يستقبل البيت بصلاته، ويرى أن حجه عليه إن استطاع إليه سبيلاً، وقال مجاهد والربيع بن أنس: حنيفًا أي متبعًا، وقال أبو قلابة: الحنيف الذي يؤمن بالرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم، وقال قتادة: الحنيفية: شهادة أن لا إله إلا الله يدخل فيها تحريم الأمهات والبنات والخالات والعمات، وما حرم الله -عز وجل- والختان."

{مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} [سورة البقرة:135] حنيفًا حال من ماذا؟ من إبراهيم، يجوز الحال من المضاف إليه؟

يقول:

ولا تجز حالاً من المضاف له
 

 

 ..........................
 

يقول ابن مالك:

ولا تجز حالاً من المضاف له
 

 

 إلا إذا اقتضى المضاف عمله
 

أو كان جزء ما له أضيف
 

 

أو مثل جزئه ................
 

كما هنا مثلوا بهذا.

...........................
 

 

 أو مثل جزئه فلا تحيف
 

فالحنيفية جزء أو كالجزء من إبراهيم -عليه السلام-، فأجازوه في هذه الصورة، والحنف في الأصل الميل، الحنف في الأصل الميل، والأحنف مائل، الرِّجل الأحنف مائل الرجل، فحنيفًا هنا هو مائل على مقتضى اللفظ من جهة اللغة، وهو مائل عن الأصنام وعبادتها وأهلها، وهنا قالوا: حاجًّا لا شك أن الحج من ملة إبراهيم -عليه السلام-، والذي يستقبل البيت بصلاته، والبيت الذي بناه إبراهيم هو من مقتضى ملته حنيفًا متبعًا، كل ما ذكر أمثلة على الحنيفية، والحنيفية ملة إبراهيم بجميع ما تتطلبه هذه الملة، ونحن مطالَبون منها بما أُقر في شرعنا، فملة إبراهيم الحنيفية، وما ذكر كله فروع، وما لم يذكر كثير.

"قوله تعالى: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [سورة البقرة:136] أرشد الله تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- مفصَّلاً، وبما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملاً، ونص على أعيان من الرسل، وأجمل ذكر بقية الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، وأن لا يفرقوا بين أحد منهم، بل يؤمنوا بهم كلهم، ولا يكونوا كمن قال الله فيهم: {وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً} [سورة النساء:150-151] الآية.

 وقال البخاري: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم» وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي.."

يقول كان أهل الكتاب يقرؤون الكتاب بالعبرانية ويفسرونها بالعربية إذا فسرت التوراة العبرانية، وترجمت إلى العربية هل تلتقي مع القرآن؟ تبقى توراة.

طالب: ........

الأشعرية يقولون، كلام الله واحد ما يتغير إن قرئ بالعبرانية صار توراة، وبالسريانية يكون إنجيل، وبالعربية يكون قرآنًا، فعلى هذا في التوراة والإنجيل سورة الفاتحة، لكنها تقرأ بلغاتهم وهي واحدة، وعندهم سورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [سورة المسد:1] وتقرأ بلغاتهم وهي واحدة، هل يقول بهذا أحد؟! ورقة..

طالب: ........

كل شيء عندنا، وعندنا كل ما عندهم حتى عندنا بالعربية ما حصل لأولئك الأمم بالتفصيل كما حصل عندهم في كتبهم، هذا لا يقول به عاقل، والموجود من التوراة والإنجيل غير محرف، موجود بالعربية، مكتوب مترجم بالعربية، يلتقي مع شيء مما عندنا من القرآن؟ أبدًا.

طالب: ........

لكن لا يصير إنجيل ولا توراة إذا ترجمت القرآن بالعبرانية ماذا يصير؟ يصير توراة.

طالب: ........

هو على كلامهم على سبيل التنزُّل؟

طالب: ........

لحظة مسألة الترجمة تجيء.

طالب: ........

لأنه ليس فيها إعجاز، ليس فيها إعجاز، الآن المنقول من التوراة والإنجيل في القرآن يعني ما حكاه الله -جل وعلا- عن التوراة والإنجيل {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [سورة المائدة:45] إلى آخره هل يبقى توراة مع ترجمته إلى العربية أو ينتقل إلى كلام آخر؟ وما نقله الله -جل وعلا- على لسان أفراد من الأمم السابقة، هل يبقى هو نفسه الذي تكلم به ذلك الفرد أو أنهم أعاجم ليسوا بعرب والله -جل وعلا- تكلم به ابتداءً من تلقاء نفسه.. من نفسه وبلغتنا وحسب ما نفهمه، لكن المسألة الأهم في هذا الباب نقض ما قاله الأشعرية من أن كلام الله واحد، كلام الله واحد إذا قرئ بالعبرانية صار توراة، وبالسريانية إنجيل، وبالعربية يصير قرآنًا، هذا كلام لا يعقل أصلاً؛ لأنه لما قرأ النبي -عليه الصلاة والسلام- القرآن على اليهود وعلى النصارى ما قالوا له: هذا عندنا؛ لأنهم يعرفون العربية، وترجموه إلى لغتهم، ما قالوا: هذا وصلنا قبلكم.

طالب: ........

أبدًا، هذا شيء وهذا شيء، والله -جل وعلا- يتكلم متى شاء إذا شاء على ما يليق بجلاله وعظمته، وكلامه قديم النوع متجدد الآحاد، مقرون بمشيئته -جل وعلا-، هم يقولون: كلام نفسي تكلم به في الأزل، ولا يتكلم به بعد ذلك، فالموجود هو الموجود من أول الدهر إلى آخره، ما فيه غيره، وقواعدهم التي قعَّدوها مع بعدهم عن كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- واعتمادهم على قواعد وأصول وافدة منطقية مجلوبة من أمم سابقة غابرة لا تمت إلى الدين بصلة هو الذي قادهم إلى أن يقولوا مثل هذا الكلام، وإلا لو اعتصموا بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ما وصلوا إلى هذا الحد.

 يعني {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [سورة المسد:1] نازلة على موسى وعلى عيسى وعلى جميع الأنبياء والرسل السابقين ممن نزل عليهم كتب إلا أنها بلغاتهم؟! وقصة الإفك، يعني الرسول- عليه الصلاة والسلام- مثل ما قلنا لما قرأ على النصارى، ولما قرئت سورة مريم على النجاشي وتأثر بها، هل قال: هذا عندنا قبلكم بحرفه؟! الفكرة عندهم بلا شك، الفكرة عندهم، لكن هل الكلام هذا بترتيبه ونسقه موجود عندهم؟ الأشعرية يقولون عندهم، ما جاءنا جديد.

طالب: ........

نعم مسألة الإعجاز يقولون بلفظه كونه يترجم أم ما يترجم مثل ما أشار الشيخ المترجم إلى غير العربية من القرآن هو يستحيل أن يترجم بحروفه، يستحيل أن يترجم القرآن بحروفه؛ لإعجازه، وإنما تترجم معانيه، ولذا فالمترجمون مهما بلغوا في المهارة إذا ترجموا القرآن لو تأتي بعشرة يترجمون القرآن لا بد أن تجد الاختلاف في تراجمهم؛ لأنهم يترجمون معاني، ما يترجمون ألفاظًا.

"وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي من حديث عثمان بن حكيم عن سعيد بن يسار عن ابن عباس قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر ما يصلي الركعتين اللتين قبل الفجر بـ{آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} [سورة المائدة:59] الآية، والأخرى بـ{آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران:52]."

أي الآيتين في آل عمران الآية الأولى في البقرة، والثانية في سورة آل عمران، ورواية جاءت بآية والأخرى بآية، وكلاهما في مسلم.

طالب: ........

نعم.

طالب: ........

الثانية {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى} [سورة آل عمران:52].

طالب: ........

كلاهما ورد به الخبر؛ لأن {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ} [سورة آل عمران:64] جاءت في نصوص مفردة، والآية الثانية قال الإمام مسلم أكثر يعني رواتها أكثر، وعلى كل حال التنويع زين.

"وقال أبو العالية والربيع وقتادة الأسباط: بنو يعقوب اثنا عشر رجلاً، ولد كل رجل منهم أمة من الناس، فسموا الأسباط، وقال.."

الأسباط من الأنبياء؟ الأسباط الاثنا عشر يوسف بلا شك، لكن البقية الأحد عشر، هل هم أنبياء؟ على هذا التفسير ما فيه إشكال.

طالب: ........

أنبياء بلا شك، وشيخ الإسلام يجزم بأنهم أنبياء، لكن الحافظ ابن كثير في بعض المواضع يقول: ما فيه ما يدل على نبوة إخوة يوسف.

طالب: ........

على كل حال هو قرر أنهم أنبياء في موضع، والحافظ ابن كثير في موضع قال: لا يوجد ما يدل على أن إخوة يوسف أنبياء.

طالب: ........

من كلامه أنا أنقل من كلام شيخ الإسلام، على كل حال هل المراد بالأسباط المذكور في الآية فرد أو جمع، جمع سبط؟ ووجد في تراجم أهل العلم وغيرهم من أنواع العباد والزهاد من يسمى بأسباط، الأمر الثاني السِّبط في الأصل ابن الابن أو ابن البنت؟ الأصل ابن البنت عن الحسن بن علي -رضي الله عنه- سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالسبط ابن البنت فننظر ما يقوله غير ابن كثير في هذا المجال.

"وقال الخليل بن أحمد وغيره: الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في بني إسماعيل."

إذا كان المراد في الآية الأسباط الذين هم بمعنى القبائل كيف يقول؟ {وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ} [سورة البقرة:136] إلى هؤلاء القبائل؟ يعني ما أنزل إليهم على أنبيائهم أنزل إليهم عن طريق أنبيائهم، كما أن القرآن أنزل إلينا عن طريق محمد-  عليه الصلاة والسلام-.

طالب: ........

خلنا، كأنه يتكلم عن أصل التسمية، عن الأصل.

طالب: ........

نريد فيه نقولًا عن المفسرين.

طالب: ........

سيجيء كلام..

"وقال الزمخشري في الكشاف: الأسباط حفدة يعقوب وذراري أبنائه الاثني عشر.."

ذراري بدون واو.

ذراري؟

"حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثني عشر، وقد نقله الرازي عنه وقرره، ولم يعارضه، وقال البخاري: الأسباط قبائل بني إسرائيل، وهذا يقتضي أن المراد بالأسباط هاهنا شعوب بني إسرائيل، وما أنزل الله تعالى من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم كما قال موسى لهم: {اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِين} [سورة المائدة: 20]، وقال تعالى.."

هذا الامتنان {جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً} [سورة المائدة:20] جعل فيهم أنبياء، جمع غفير منهم أنبياء، لكن كيف تعاملوا مع هؤلاء الأنبياء؟

طالب: ........

{وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} [سورة المائدة:70] فما صارت منقبة لهم كثرة الأنبياء؟ لأن النعم إذا لم تُستعمل فيما لم يرض الله -جل وعلا- انقلبت نقمة، الأمر الثاني {جَعَلَكُم مُّلُوكاً} [سورة المائدة:20] أين واقعهم من واقعنا وما نعيشه؟ قال المفسرون: كل واحد له زوجته وبيته وأولاده، هذا الملك عندهم، بيت وزوجة وأولاد، هذا الملك، وإلا فما يتصور أن كل واحد ملك ما يجيء ملك على من؟ والثاني ملك عليه والثالث ملك على الثاني..! ماذا يصير؟ لا، المفسرون قالوا: إنهم ملوك بمعنى أن كل واحد في بيته كالملك في مملكته عنده أولاده وزوجته يغلق عليهم الباب، ويتصرف فيهم، ويأمرهم وينهاهم.

"قال تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً} [سورة الأعراف:160] وقال القرطبي: وسموا الأسباط من السبط، وهو التتابع، فهم جماعة متتابعون، وقيل: أصله من السبط بالتحريك وهو الشجر أي هم في الكثرة بمنزلة الشجر، الواحدة سَبِطة، قال الزجاج: ويبين لك هذا ما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال: حدثنا أبو نجيد الدقاق قال: حدثنا الأسود بن عامر قال: حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: كل الأنبياء من بني إسرائيل إلى عشرة.."

إلا..

"إلا عشرة نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمد- عليهم الصلاة والسلام- قال القرطبي: والسبط الجماعة والقبيلة الراجعون إلى أصل واحد. وقال قتادة: أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا به ويصدقوا بكتبه كلها وبرسله، وقال سليمان بن حبيب: إنما أمرنا أن نؤمن بالتوراة والإنجيل، ولا نعمل بما فيهما، وقال: ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن محمد بن مصعب.."

ولا نعمل بما فيهما يعني ما وردنا شرعنا بإقراره وموافقته نعمل به، الأصل بما في شرعنا، ولولا موافقة شرعنا له ما عملنا به، فالعمل به على جهة الاتفاق، وأما الإيمان بجميعه سواء ما أقر وما لم يقر فهذا من أركان الإيمان.

"حدثنا محمد بن محمد بن مصعب الصوري قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المُليح.."

المَليح.

"عن أبي المَليح عن معقل بن ياسر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «آمنوا بالتوراة والزبور والإنجيل، وليسعكم القرآن»."

تلك مجرد إيمان، ولا يجوز لنا أن نبحث عنها وننظر فيها، فقد غضب النبي -عليه الصلاة والسلام- على عمر -رضي الله عنه وأرضاه- لما رأى في يده قطعة من التوراة، وغضب عليه وتكلم بكلام «أوفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! والله لو كان أخي موسى حيًّا لما وسعه إلا اتباعي»، والنظر في التوراة والإنجيل محرَّم عند أهل العلم، بل نقل السخاوي في كتاب سماه الأصل الأصيل في ذكر الإجماع على تحريم النقل من التوراة والإنجيل قد يقول قائل: إن من يحتاج إلى ذلك للرد وبيان الحق مثل شيخ الإسلام في الجواب الصحيح في الرد على من بدَّل دين المسيح نقل عن التوراة والإنجيل أشياء؛ ليرد بها عليهم، مثل هذا من باب الاضطرار كالنظر في كتب المخالفين من أهل البدع وغيرهم، ينظر فيها؛ لنقضها.

طالب: ........

كلام أهل العلم في إخوة يوسف مضطرب، منهم من قال: إنهم أنبياء، ولكن تصرفاتهم، وقد تكون النبوة بعدما حصل منهم، ولا مانع من أن يقع من النبي قبل أن يُوحى إليه شيء من المعاصي والكبائر أيضًا كما حصل لموسى من قتل القبطي وغيره، حصل منهم أشياء، لكنهم بعدما أوحي إليهم حصلت لهم العصمة، وعلى كل حال ما فيه دليل يقطع ويُلزِم بأنهم أنبياء ليجب الإيمان بهم، نؤمن بما نعرفه منهم من الأنبياء تفصيلاً، والذين لا نعرفهم وهم جمع غفير في حديث ثلاثمائة أكثر من ثلاثمائة ألف أنبياء، وجاء عن بني إسرائيل أنهم كانوا يقتلون في اليوم الواحد أكثر من سبعين نبيًّا- قاتلهم الله- فالذي ما فيه دليل ملزِم قاطع يؤمن به إجمالًا، مثل هؤلاء الذين فيهم الخلاف المعروف عند أهل العلم.

طالب: ........

لكن السياق سياق نبوة، السياق سياق نبوة، وإذا كانوا هم أولاً إخوة يوسف، فهل هم الأسباط أو ذرياتهم؟

طالب: ........

هم.. ماذا؟

طالب: ........

نعم، لكن هل يوسف وإخوته الاثنا عشر هم الأسباط؟

طالب: ........

لا، بالنسبة لإبراهيم -عليه السلام- وقلنا: إن السبط يُطلق على ولد الولد وولد البنت، قلنا: هم أسباط ما فيه ما يمنع، وإن كان إطلاق الأسباط على القبائل التي تفرعت عنهم، والأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في غيرهم قالوا هؤلاء يستحيل أن يكونوا أنبياء.

قوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ} [سورة البقرة:137-138].

 يقول تعالى: فإن آمنوا أي الكفار من أهل الكتاب وغيرهم.."

وغيرِهم.

"من أهل الكتاب وغيرِهم بمثل ما آمنتم به أيها المؤمنون من الإيمان بجميع كتب الله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم {فَقَدِ اهْتَدَواْ} [سورة البقرة:137] أي فقد أصابوا الحق وأرشدوا إليه، {وَّإِن تَوَلَّوْاْ} [سورة البقرة:137] أي عن الحق إلى الباطل بعد قيام الحجة عليهم {فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [سورة البقرة:137] أي فسينصرك عليهم ويظفرك بهم، وهو السميع العليم، وقال ابن أبي حاتم: قرئ على يونس.."

قرأ عليَّ، قرئ؟

ياء عليها همزة.

ولا بعد مشددة قرأ عليَّ يونس بن عبد الأعلى، لكن ما تجيء ابن أبي حاتم.. يونس بن عبد الأعلى يقرأ على ابن أبي حاتم؟ ما تجيء، ماذا عندك؟

طالب: ........

قرئ؛ لأن الهمزة على ألف، وعليَّ مشددة، ومن حيث السياق مستحيل يونس بن عبد الأعلى يقرأ على ابن أبي حاتم.

ماذا عندك؟

طالب: ........

فيها ياء.

طالب: ........

همزة على ياء، قرئ.

طالب: ........

عليَّ، قرئ عليَّ.

طالب: ........

ممتاز هذا صحيح، والسياق يقتضيه، أما قرئ عليَّ ما تجيء.

طالب: ........

أنا عندي قرأ عليَّ، لكن خطأ، حتى السياق يأباه، ابن أبي حاتم متأخر كثيرًا عن يونس بن عبد الأعلى، متأخِّر كثيرًا.

"وقال ابن أبي حاتم: قرئ على يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب قال: حدثنا زياد بن يونس قال: حدثنا نافع بن أبي نعيم قال: أرسل إلي بعض الخلفاء مصحف عثمان بن عفان ليصلحه، قال زياد: فقلت له: إن الناس يقولون: إن مصحفه كان في حجره.."

أرسل إليَّ، ماذا عندك؟ أو أرسل إلى بعض الخلفاء؟

أرسل إليَّ بعض الخلفاء.

قال: ليصلحه، ما قال لأصلحه.

طالب: ........

ماذا؟

طالب: ........

لو كان هو المتكلِّم لقال: لأصلحه.

طالب: ........

إذًا ليصلحه ما معنى ليصلحه؟

طالب: ........

هو الخليفة أَرسل أم أُرسل إليه ليصلحه؟

طالب: ........

هو المتكلِّم يقول: لأصلحه.

طالب: ........

أَرسل إليَّ، ما قال: أَرسل إليه ليصلحه.

طالب: ........

من الذي يصلحه؟

طالب: ........

لكن الضمائر ما تمشي على بعض.

طالب: ........

أين؟

طالب: ........

السياق مضطرب، فيه ركاكة، فإما أن يكون يمشي على سياق واحد، أَرسل إليَّ بعض الخلفاء مصحف عثمان لأصلحه ماشٍ، أو أُرسل إلى بعض الخلفاء مصحف عثمان ليصلحه، وعلى كل حال.

طالب: ........

طيب نعم.. على كل حال القصة تتعلق بنزول الدم على الآية {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [سورة البقرة:137] حينما قتل عثمان -رضي الله عنه-.

طالب: ........

معروف من الذي يصلحه؟

طالب: ........

ما يقول لأصلحه، أَرسله إليَّ لأصلحه أو أُرسل إليه ليصلحه.

طالب: ........

نعم.

طالب: ........

فقال نافع: بَصرت عيني على هذا الدم وقد قدُم على كل حال المقصود من الخبر نزول الدم على هذه الآية دفاعًا عن هذا العبد الصالح المظلوم الذي قُتل صائمًا وهو يتلو القرآن في بيته وقد دافع عن الإسلام، وبذل في سبيله وإعلاء شأنه ما لم يبذله أحد، حتى قُدِّر ما بذله عثمان لدينه هو يبذل ذهب بالمليارات -رضي الله عنه وأرضاه-، ويُقتَل، والمهاجرون والأنصار متوافرون، ويمنعهم من الدفاع عنه، ويُدفَن ليلا خُفية بعد ثلاث ليالٍ، وينزل عليه في قبره، وتكسر أضلاعه، الفتن، الفتن ليست سهلة، إذا بدأت وشبَّت أمرها صعب، وتحار فيها العقول، انظروا ما يفعل بسبب مقتل شخص واحد أو شخص أشعل شرارة أو شيء، وأبيدت أمة بسببه، والله المستعان.

"قال: حدثنا نافع بن أبي نعيم قال: أرسل إلي بعض الخلفاء مصحف عثمان بن عفان ليصلحه قال زياد: فقلت له: إن الناس يقولون: إن مصحفه كان في حجره حين قتل، فوقع الدم على {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [سورة البقرة:137] فقال نافع: بصرت عيني بالدم على هذه الآية وقد قدُم.

وقوله {صِبْغَةَ اللَّهِ} [سورة البقرة:138] قال الضحاك عن ابن عباس دين الله، وكذا روي عن مجاهد وأبي العالية."

طالب: ........

قبل {صِبْغَةَ اللَّهِ} [سورة البقرة:138]؟ بعد ماذا وقد قدُم؟

طالب: ........

ما هو عندك ولا بحاشية ولا شيء؟ عندك يا شيخ إبراهيم؟

طالب: ........

وأنا ما عندي، ما الطبعة التي معك؟

طالب: ........

السلامة نعم .. يُقرأ يُقرأ نسمعه..

"وذكر القرطبي في تفسيره أن الخليفة المنصور كان قد ألزَم الجند بلبس طرطور طويل ودراعة مكتوب عليها {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [سورة البقرة:137]، وأن يشد أحدهم بالسيف على وسطه، فدخل أبو دلامة على المنصور، وأبو دلامة على هذه الصفة فقال: كيف أنت يا أبا دلامة؟ قال: بشر يا أمير المؤمنين، قال: ولمَ؟ قال: كيف حال من وجهه في وسطه، وسيفه عند استه، وقد نبذ كتاب الله وراء ظهره؟ فضحك المنصور، وأمر بتغيير هذا الزي."

هي قصة..

يقول الزيادة في (ج) و(ط).

هذا نقل عن القرطبي، وعرفنا أن الحافظ ابن كثير يزيد في تفسيره إلى أن مات، الزوائد لا توجد في النسخ المتقدمة لاسيما الأزهرية التي تعد أول النسخ.

طالب: ........

هو.. هل المراد بها تعليقها من أجل الاستعانة بها، أو التذكير؟

طالب: ........

ما هو لتذكير بعضهم ببعض إذا رآها تذكر هذا الدعاء ودعا به، أو أنه بهذا الدعاء يستعين على العدو، أو بهذا الذكر، على كل حال هي قصة ثبتت أو ما ثبتت ما يترتب عليه حكم شرعي.

طالب: ........

كيف؟

طالب: ........

الكفاية لا يعني أن تكون في الدنيا الآن كما مر بنا في تفسير القرطبي، هل القتل هزيمة، أو قد يكون النصر بالقتل، كما في قصة الغلام، في قصة الأخدود أرشدهم إلى قتل نفسه، وآمن بسببه فئام من الناس وهو مقتول، هل نقول: انتصر أو هُزِم؟ النصر الأعظم في درجات القيامة.

طالب: ........

ماذا؟

طالب: ........

ماذا؟

طالب: ........

لا لا، هذه إشارة، كون الدم وقع في مصحف عثمان إشارة إلى أن الله سيكفيه إياهم.

طالب: ........

ماذا فيهم؟

طالب: ........

الله أعلم، لكن من لم تحصل له العقوبة في الدنيا فما يُدخر يوم القيامة أعظم.

طالب: ........

نعم.

"وقوله: {صِبْغَةَ اللَّهِ} [سورة البقرة:138] قال الضحاك عن ابن عباس: دين الله، وكذا روي عن مجاهد وأبي العالية وعكرمة وإبراهيم والحسن وقتادة والضحاك وعبد الله بن كثير وعطية العوفي والربيع بن أنس والسُّدي نحو ذلك، وانتصاب {صِبْغَةَ اللَّهِ} [سورة البقرة:138] إما على الإغراء كقوله: {فِطْرَةَ اللَّهِ} [سورة الروم:30] أي الزموا ذلك عليكموه، وقال بعضهم: بدل من قوله: {مِّلَّة إِبْرَاهِيمَ} [سورة البقرة:130]، وقال سيبويه: هو مصدر مؤكَّد.."

مؤكِّد.

"مصدر مؤكِّد انتصب عن قوله: {آمَنَّا بِاللَّهِ} [سورة البقرة:8]، كقوله: {وَاعْبُدُواْ اللَّهَ} [سورة النساء:36] وقد ورد في حديث رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه من رواية أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن بني إسرائيل قالوا: يا موسى هل يصبغ ربك؟ فقال: اتقوا الله، فناداه ربه يا موسى، سألوك هل يصبغ ربك؟ فقال: نعم أنا أصبغ الألوان الأحمر والأبيض والأسود والألوان كلها من صبغي»، وأنزل الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم- {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [سورة البقرة:138] كذا وقع في رواية ابن مردويه مرفوعًا، وهو في رواية ابن أبي حاتم موقوف، وهو أشبه إن صح إسناده، تبارك وتعالى أعلم."

لكن السياق الصبغة المذكورة في الآية غير الصبغ بالألوان، غير الصبغ بالألوان {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [سورة البقرة:138] فالصبغة التي هي صبغة الله هي الدين، أما مسألة الألوان فيتفاوت فيها الناس، وما رأينا إلا مثلاً صبغة السماء وصبغة الصبغات الصبغة الإلهية وما أشبه ذلك، وليس هو المراد قطعًا، وما يقول لك: صبغة السماء أفضل من صبغة.. لا، هذا لا يعني ولا يجدي شيئًا، لكن المراد بالصبغة الصبغة المعنوية، الصبغة المعنوية التي هي الدين والفطرة ولزوم ذلك.

 وعلى كل حال الخبر مضعَّف، فيه ضعف شديد، أما المرفوع فلا يصح ألبتة، ويقول عندنا في التخريج ضعيف رواه ابن أبي حاتم في تفسيره بإسناد ضعيف، فأشعث لم يدرك سعيد بن جبير، أشعث لم يدرك سعيد بن جبير، لكن أشعث بن إسحاق عن جعفر بن المغيرة عن سعيد بن جبير هو ما رواه أشعث عن سعيد بن جبير مباشرة.

طالب: ........

ما فيه جعفر بن المغيرة؟

طالب: ........

موجود، وموجود في النسخة التي يعلق عليها، يعني ما هو.. لو سقط عنده قلنا ما فيه إشكال، هو يتحدث عما بين يديه، لكنه موجود في النسخة التي بين يديه، فالعلة لا شك أن الخبر منكَر، وأما العلة التي أبداها من الانقطاع ففيه ذكر الواسطة.

طالب: ........

وعْد الله..

طالب: ........

لا لا لا لا، كأنه قرأ وعد الله، لكنه..

طالب: ........

لا لا لا، ما تجيء المصدر المؤكَّد المؤكَّد وعْد وعْد..

طالب: ........

كقوله وعْد الله.

طالب: ........

المصدر انتصب عن قول.. والمصدر الذي هو عندنا ملة إبراهيم ومؤكِّد لملة إبراهيم المنتصب عن قوله آمنا بالله.

طالب: ........

المصدر وعْد الله، وعْد الله.

"قوله تعالى: { قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [سورة البقرة:138-141].

 يقول تعالى مرشدًا نبيه -صلوات الله وسلامه عليه- إلى درء مجادلة المشركين {قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ} [سورة البقرة:139] أي أتناظروننا في توحيد الله والإخلاص له والانقياد واتباع أوامره وترك زواجره، وهو ربنا وربكم، المتصرف فينا وفيكم، المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [سورة البقرة:139] أي نحن برآء منكم وأنتم برآء منا كما قال في الآية الأخرى: {وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} [سورة يونس:41]، وقال تعالى: {فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [سورة آل عمران:20]، وقال تعالى إخبارًا عن إبراهيم -عليه السلام-: {وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} [سورة الأنعام:80]، وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ} [سورة البقرة:258] الآية، وقال في هذه الآية الكريمة: {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} [سورة البقرة:139] أي نحن برآء منكم كما أنتم برآء منا.

 {وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} [سورة البقرة:139] أي في العبادة والتوجه، ثم أنكر تعالى عليهم في دعواهم أن إبراهيم ومن ذكر بعده من الأنبياء والأسباط كانوا على ملتهم إما اليهودية وإما النصرانية فقال: {قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [سورة البقرة:140] يعني بل الله أعلم.."

البراءة من الشرك وأهله لا بد منها، لا بد منها، وهجر المشركين والهجرة عنهم من الأمور المقررة في الشرع.

وقد برئ المعصوم من كل مسلم
 

 

 يقيم بدار الكفر غير مصارم
 

«أنا بريء ممن يقيم..» إلى آخره والله -جل وعلا- ما عذر في كتابه من يقيم بين أظهر الكفار إلا الضعيف الذي لا يستطيع حيلة، ولا يهتدي إلى السبيل.

المقصود أن البراءة لا بد منها، والولاء والبراء من ضرورات ن اأن البحياط التوحيد وصيانته، أما الذي يخالط الكفار ويعيش معهم ولا يرى في الإقامة بينهم والتعامل معهم بكل ارتياح فهذا على خطر، نسأل الله العافية.

"وقد أخبر أنهم لم يكونوا هودًا ولا نصارى كما قال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة آل عمران:67] الآيةُ والتي بعدها وقوله.."

الآيةَ.

"الآيةَ والتي بعدها. وقوله.."

إذا قرأت إذا استدللت بآية ولم تذكرها كاملة أو بحديث واقتصرت على بعضه فانصب قل: الآيةَ، الحديثَ، يعني أكمل الآية، أو اقرأ الحديث فهو منصوب.

"وقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ} [سورة البقرة:140] قال الحسن البصري كانوا يقرؤون في كتاب الله أتاهم.."

الذي، ... كتاب الله الذي.

"في كتاب الله الذي آتاهم إن الدين الإسلام، وإن محمدًا رسول الله، وإن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا برآء من اليهودية والنصرانية، فشهد الله بذلك وأقروا به على أنفسهم لله، فكتموا شهادة الله عندهم من ذلك.

 وقوله: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سورة البقرة:74] فيه تهديد ووعيد شديد أي أن.."

أي إن..

"أي إن عمله محيط بعملكم وسيجزيكم عليه، ثم قال تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} [سورة البقرة:134] أي قد مضت {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ} [سورة البقرة:134] أي لهم أعمالهم ولكم أعمالكم، {وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة البقرة:134] وليس يغني عنكم انتسابكم إليهم من غير متابعة منكم لهم، ولا تغتروا بمجرد النسبة إليهم حتى تكونوا مثلهم منقادين لأوامر الله واتباع رسله الذين.."

النسب من غير اتباع لا يكفي ولا ينفع ولا يجدي، والقرابة لا تنفع ما لم يتفقوا في الأصول {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} [سورة الطور:21] أما إذا لم يحصل الإيمان ما يحصل الإتباع، ولا يحصل الإلحاق، ومن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه.

"واتباع رسله الذين بُعثوا مبشرين ومنذرين، فإنه من كفر بنبي واحد فقد كفر بسائر الرسل ولاسيما من كفر بسيد الأنبياء وخاتم المرسلين ورسول رب العالمين إلى جميع الإنس والجن من سائر المكلَّفين -صلوات الله وسلامه عليه- وعلى سائر أنبياء الله أجمعين أبدًا دائمًا إلى يوم الدين، ورضي الله عن أصحابه وأصحابهم المتبعين إلى يوم الحشر واليقين."

اللهم صل وسلم على عبدك...