تعليق على تفسير سورة البقرة (51)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-:

"قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [سورة البقرة:144] قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: كان أول ما نُسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود فأمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بضعة عشر شهرًا، وكان يحب قبلة إبراهيم، فكان يدعو إلى الله وينظر إلى السماء، فأنزل الله {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [سورة البقرة:144] إلى قوله: {فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [سورة البقرة:144]، فارتاب من ذلك اليهود فقالوا: {مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [سورة البقرة:142]، وقال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [سورة البقرة:115]، وقال الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [سورة البقرة:143].."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رواية علي بن أبي طلحة منقطعة؛ لأنه لم يدرك ابن عباس، لكن أهل العلم يعتمدون روايته في غريب الحديث عنه، الصحيفة التي يرويها علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في غريب الحديث أخذ منها البخاري الشيء الكثير، والاعتماد عليها لا من جهة الرواية؛ لأن الرواية كما قلنا: منقطعة، لكن مثل غريب القرآن يعني في غريب القرآن مثل غريب القرآن يؤخذ على أنه.. أو الصحيفة في غريب القرآن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس على أنها من لغة العرب كما تؤخذ اللغة عن أهلها، وهما من أهلها، علي بن أبي طلحة وابن عباس من أهل اللغة.

 فبعضهم يقول: كيف يعتمد البخاري على الصحيفة وهي منقطعة من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وهو لم يدرك عباس، يعني أخذ البخاري من هذه الصحيفة لا يقدح في صحة صحيحه؛ لأنهما من أهل اللغة، يعني لو كانت عن علي بن أبي طلحة دون ابن عباس، علي بن أبي طلحة في الوقت الذي يحتج به فيُعمَل بها كما يؤخذ عن غيره عن مجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما، وكونها تضاف إلى ابن عباس نور على نور، ولا يلزم من كل منقطع ألا يكون صحيحًا، لا يلزم من كل منقطع هو اصطلاحًا ضعيف للانقطاع؛ لأننا لا نعلم حال الواسطة الذي ترك، لكن لا يلزم، قد يكون في السند راوٍ ضعيف في ضبطه، ومع ذلك لا يعني أنه لا يضبط شيئًا من أموره، قد يكون ضبط هذا الخبر، كما أنه قد يكون السند صحيحًا ورجاله كلهم ثقات حفاظ، لكن لا يلزم أن يكونوا معصومين، فقد يهم الضابط، قد يسهو ويغلط، ومن يعرى من الخطأ والنسيان، كما قال الإمام أحمد؟

على كل حال هذه الصحيفة من حيث الاعتماد عليها في اللغة البخاري أدخل منها شيئًا كثيرًا، وأما بالنسبة لما معنا مما يتعلق بسبب النزول وأول ما نُسِخ هذه لا شك أنها أقوال بالنسبة لأول.. كان أول ما نُسخ من القرآن إن ثبت عن ابن عباس هذا رأيه، وقد يحفظ غيره غير هذا إلى غير ذلك، ولا يمكن نسبتها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأسباب النزول فأنزل الله إلى قوله.. أسباب النزول عند جمع من أهل العلم له حكم الرفع، كما تقدم مرارًا، وحُمل قول الحاكم إن تفسير الصحابي له حكم الرفع على أسباب النزول، كما قال الحافظ العراقي، وقد ذكرناه مرارًا.

وعد ما فسره الصحابي
 

 

 رفعًا فمحمول على الأسباب
 

"وروى ابن مردويه من حديث القاسم العَمْري.."

العُمَري.

"العُمَري عن عمه عبيد الله بن عمر.."

القاسم ضعيف جدًّا، وعمه ثقة، عمه عبيد الله المصغَّر ثقة، وعمه الثاني عبد الله أقل منه، يعني ضعفه ليس بشديد، لكنه ليس مثل أخيه عبيد الله.

"عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سلَّم من صلاته إلى بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء فأنزل الله: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [سورة البقرة:144] إلى الكعبة إلى الميزاب يؤم به جبرائيلُ -عليه السلام-، وروى الحاكم.."

الخبر وإن كان ضعيفًا إلى القاسم العُمَري، لكن يشهد له قوله -جل وعلا-: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [سورة البقرة:144].

"وروى الحاكم في مستدركه من حديث شعبة عن يعلى بن عطاء عن يحيى بن قنطة قال: رأيت عبد الله بن عمرو جالسًا في المسجد الحرام بإزاء الميزاب فتلى هذه الآية: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [سورة البقرة:144] قال: نحو ميزاب الكعبة، ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ورواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن عرفة عن هشيم عن يعلى بن عطاء به، وهكذا قال غيره، وهو أحد قولي الشافعي -رحمه الله- أن الغرض إصابة عين الكعبة، والقول الآخر وعليه الأكثرون أن المراد المواجهة، كما رواه الحاكم من حديث أبي إسحاق عن عمير بن زياد الكِنْدي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [سورة البقرة:144] قال: شطره قِبَلَه، ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وهذا قول أبي العالية ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس وغيرهم، وكما تقدم في الحديث الآخر: «ما بين المشرق والمغرب قبلة»."

فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام أي جهة المسجد الحرام، الشطر الجهة، شطر الشيء جهته وقِبَله، وقوله في الحديث: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» يجعل القبلة فيها سعة، وأنها ما لم يكن الانحراف كثيرًا فالمسألة فيها سعة لاسيما غير المعايِن وعند الشافعي -رحمه الله- أنه لا بد من استقبال العين قد يقول قائل: هذا مستحيل إذا بعد يستحيل، لكنه عندهم يستقبل العين على غلبة الظن، وهؤلاء يقولون: يستقبل الجهة، الجمهور يقولون: يلزمه استقبال العين على غلبة الظن، والفرق بين القولين أنه في مذهب الشافعية لا بد أن يتحرى أكثر ليغلب على ظنه أنه استقبل العين وإلا فالخلاف قريب من اللفظي، هؤلاء يستقبلون الجهة، وأولئك يستقبلون العين، لكن على غلبة الظن، إذا غلب على ظنه أنه استقبل العين يكفي، ومع هذا فالشافعية يرون التحري والاحتياط والبحث عن أدلة استقبال القبلة أشد منه عند غيرهم.

"وقال القرطبي: روى ابن جريج عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي» وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا.."

البيت قبلة لأهل المسجد، والآن ألا يصلي بعض الناس لغير البيت وهو في داخل المسجد؛ لما يوجد مما يحول بينه وبين البيت؟ موجود، لكن مع ذلك على الإنسان أن يتحرى ما توجهه الفرش، بعض الناس مع الفُرُش لو أتى واحد يسحب الفراش لعمود يريد أن يصلي عليه وتنحرف القبلة يمينًا أو شمالًا صلى على الفرش، على الإنسان أن يتحرى؛ لأن هذه صلاة، استقبال القبلة شرط، وأنت في مكان يمكنك أن تصلي إلى عين الكعبة.

 وأما من تعذَّر عليه ذلك في الأدوار العليا حيث لا يمكن أن يرى عين الكعبة أو يحول بينه وبينها عُمد ونحو ذلك أو صفوف فيتجه مع الناس ولا يخالفهم، وقد وضع هناك علامات تدل على شيء من هذا، وضعت الفرش، ووضعت خطوط كلها تدل على ما يقرب من عين الكعبة، وفي الأصل على عين الكعبة، لكن بعض الناس يتصرف في الفرش ويسحبها إلى العُمُد؛ ليستند إليها، ثم تنحرف عن القبلة، بعض الناس ما يهمه، ما يتحرى، أنتم رأيتم في هذا المسجد وفي المسجد الذي قبله يصلون إلى جهة المشرق من غير تحرٍّ، وإلا لو التفت ورأى المحراب وصل إلى حقيقة الأمر؛ لأن المحاريب الإسلامية يجب العمل بها، المحاريب الإسلامية يجب العمل بها، ولا يمكن أن يجتهد وهي موجودة.

"وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن البراء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى قِبَل بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه قبلته قِبَل البيت، وأنه صلى صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان يصلي معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قِبَل مكة، فداروا كما هم قِبَل البيت. وقال عبد الرزاق: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما قَدِم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب أن يحوَّل نحو الكعبة فنزلت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [سورة البقرة:144]، فصرف إلى الكعبة.

 وروى النسائي عن أبي سعيد بن المعلَّى قال: كنا نغدو إلى المسجد على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فنصلي فيه، فمررنا يومًا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعد على المنبر فقلت: لقد حدث أمر، فجلست، فقرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [سورة البقرة:144] حتى فرغ من الآية، فقلت لصاحبي: تعالَ نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنكون أول من صلى، فتوارينا فصليناهما، ثم نزل النبي -صلى الله عليه وسلم- وصلى للناس الظهر يومئذ."

هذا كله تقدَّم.

"وكذا روى ابن مردويه عن ابن عمر أن أول صلاة صلاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الكعبة صلاة الظهر، وأنها الصلاة الوسطى، والمشهور أن أول صلاة صلاها إلى الكعبة صلاة العصر، ولهذا تأخر الخبر عن أهل قباء إلى صلاة الفجر."

طالب: ..............

الصلاة قبل إلى بيت المقدس قبل النسخ إلى بيت المقدس، ثم لما نُسخت صارت إلى القبلة إلى الكعبة، وفي مكة يجعل البيت بينه وبين بيت المقدس فيستقبل القبلتين.

طالب: ..........

لما هاجر، هذا كله بعد الهجرة.

طالب: ..........

قبل الهجرة يصلي إلى بيت المقدس، لكن يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، لما هاجر صلى إلى بيت المقدس ستة عشر، ويستحيل معه أن يستقبل الكعبة، ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، ثم حُوِّلَت القبلة.

"وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري قال: حدثنا رجاء بن محمد السقطي قال: حدثنا إسحاق بن إدريس قال: حدثنا إبراهيم بن جعفر قال: حدثني أبي عن جدته أم أبيه نويلة بنت مسلم قالت: صلينا الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة، فاستقبلْنا مسجد إيلياء فصلينا ركعتين، ثم جاء من يحدثنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد استقبل البيت الحرام، فتحوَّل النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء، فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام، فحدثني رجل من بني حارثة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أولئك رجال يؤمنون بالغيب». وقال ابن مردويه أيضًا: حدثنا محمد بن علي بن دحيم قال: حدثنا أحمد بن حازم قال: حدثنا مالك بن إسماعيل النهدي قال: حدثنا قيس عن زياد بن علاقة عن عمارة بن أوس قال: بينما نحن في الصلاة نحو بيت المقدس ونحن ركوع، إذ أتى منادٍ بالباب أن القِبْلَة قد حولت إلى الكعبة، قال: فأشهد على إمامنا أنه انحرف فتحول هو والرجال والصبيان وهم ركوع نحو الكعبة.

 وقوله: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [سورة البقرة:144] أمر تعالى باستقبال الكعبة من جميع جهات الأرض شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا، ولا يستثنى من هذا شيء سوى النافلة في حال السفر، فإنه يصليها حيثما توجه، حيثما توجه قالبه وقلبه نحو الكعبة.."

طالب: .........

أين؟

"وكذا في حال المسايفة في القتال يصلي على كل حال، وكذا من جهل.."

حيث توجَّه قالَبُه يعني جسمه وقلبه نحو الكعبة.

النافلة في السفر تُصلَّى على الراحلة أينما توجه، أينما كانت الوجهة، لكن القلب ينبغي أن يكون إلى القبلة الحقيقية، وهي جهة الكعبة مع أنه ما يلزم.

طالب: .........

قد يتعدد السبب لنازل واحد، قد يتعدد السبب لنازل واحد.

"وكذا من جهل جهة القبلة يصلي باجتهاده وإن كان مخطئًا في نفس الأمر؛ لأن الله تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها.

 مسألة وقد استدل المالكية بهذه الآية على أن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده كما ذهب إليه الشافعي وأحمد.."

لأنه مأمور بأن يولِّي وجهه شطر الكعبة جهة الكعبة، فيكون وجهه تلقاء الكعبة وجهة الكعبة فينظر إليها إلى تلك الجهة، هذا قول المالكية استدلالاً بالآية {فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [سورة البقرة:144]، والجمهور يرون أنه ينظر إلى موضع سجوده؛ لأنه أحفظ لصلاته، وأدعى إلى الخشوع.

"كما ذهب إليه الشافعي وأحمد وأبو حنيفة، قال المالكية: لقوله: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [سورة البقرة:144] فلو نظر إلى موضع سجوده لاحتاج أن يتكلَّف ذلك بنوع من الانحناء، وهو ينافي كمال القيام وقال بعضهم: ينظر المصلي في قيامه.."

يعني تحقيق الأمر فولّ وجهك شطر المسجد الحرام مع نظره إلى موضع سجوده يحتاج إلى أن يكون في وقوفه على وضع يحقق فيه الأمرين ويجمع بينهما، ولا يكون ذلك مع الاعتدال في الوقوف، لا يمكن أن يكون مع الوقوف المعتدل.

"وقال بعضهم: ينظر المصلي في قيامه إلى صدره، وقال شريك القاضي: ينظر في حال قيامه إلى موضع سجوده كما قال جمهور الجماعة؛ لأنه أبلغ في الخضوع وآكد في الخشوع، وقد ورد به الحديث، وأما في حال ركوعه فإلى موضع قدميه، وفي حال سجوده إلى موضع أنفه، وفي حال قعوده إلى حجره.

 وقوله: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ} [سورة البقرة:144] أي واليهود الذين أنكروا استقبالكم القبلة وانصرافكم عن بيت المقدس يعلمون أن الله تعالى سيوجهك إليها بما في كتبهم عن أنبيائهم من النعت والصفة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمته، وما خصه الله تعالى به وشرَّفه من الشريعة الكاملة العظيمة، ولكن أهل الكتاب يتكاتمون ذلك بينهم؛ حسدًا وكفرًا وعنادًا، ولهذا يهددهم الله تعالى بقوله.."

تهددهم.

تهددهم؟

تهددهم.. ولو قيل هددهم..

"ولهذا تهددهم الله تعالى بقوله: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [سورة البقرة:144].

 قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} [سورة البقرة:145].

 يخبر تعالى عن كفر اليهود وعنادهم ومخالفتهم ما يعرفونه من شأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه لو أقام عليهم كل دليل على صحة ما جاءهم به لما اتبعوه وتركوا أهواءهم كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ = 97 } [سورة يونس:96-97]، ولهذا قال هاهنا: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ} [سورة البقرة:145]، وقوله: {وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} [سورة البقرة:145] إخبار عن شدة متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما أمره الله تعالى به، وأنهم كما هم مستمسكون بآرائهم وأهوائهم فهو أيضًا مستمسك بأمر الله وطاعته واتباع مرضاته، وأنه لا يتبع أهواءهم في جميع أحواله وما كان متوجِّهًا إلى بيت المقدس لكونها قبلة اليهود، وإنما ذلك عن أمر الله تعالى، ثم حذر تعالى عن مخالفة الحق الذي يعلمه العالم إلى الهوى، فإن العالم الحجة عليه أقوم من غيره، ولهذا قال مخاطبًا للرسول والمراد الأمة: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} [سورة البقرة:145].

 قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} [سورة البقرة:121]."

الذي يتبع الهوى من أهل العلم ويخالف ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه شبيه باليهود، شبيه باليهود، فالواجب على العالم وطالب العلم أن يكون قائده وسائقه كتاب الله -جل وعلا- وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، ولا يلتفت إلى هوى ولا إلى بشر كائنًا من كان، ويوجَد من مقلِّدة المذاهب من يتبع إمامه ويخالف في ذلك النص الصحيح الصريح؛ لأن إمامه قال كذا، بل صرَّح بعضهم بأنه لا يجوز الخروج عن المذهب، وكل ما يخالف المذهب من نص سواء كان من الكتاب أو من السنة فإنه منسوخ أو متأوَّل، لا بد أن يكون منسوخًا أو متأوَّلًا، ولا يمكن أن يخالف النص المذهب.

 نعم النص الصحيح لا يخالف العقل الصريح، لا يخالف العقل الصريح، لكن الاجتهادات منها ما يوافق الأدلة، ومنها ما يختلف مع الأدلة، وما يوافق الدليل هو الصواب، وللمجتهد فيه أجران، وما يخالف الدليل هو الخطأ وإذا كان عن اجتهاد، والمجتهد هذا من أهل الاجتهاد ما هو بدعي له أجر واحد أجر الاجتهاد، ويفوته حينئذٍ أجر الإصابة، وبعضهم يشدِّد في هذا ويقول: إن الأصل التزام المذهب حتى قال القائل من المالكية، الصاوي قال: ولا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة، ولو خالف الكتاب والسنة وقول الصحابي هذا في طرف. والطرف الثاني من حرَّم التقليد على كل أحد حتى العامِّي لا يجوز له أن يقلِّد في دينه الرجال، العامي فرضه ما جاء في قوله -جل وعلا-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة النحل:43] فرضه التقليد، ما ينظر في النصوص وهو لا يعرف كيف يتعامَل معها، وإنما يقلِّد أهل العلم الذين تبرأ الذمة بتقليدهم.

طالب: ...........

لكن يقول: فإن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر كيف توجِّه هذا؟ تقدر توجِّه هذا الكلام؟ لا.

"قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [سورة البقرة:146-147] يخبر تعالى أن علماء أهل الكتاب يعرفون صحة ما جاءهم به الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما يعرف أحدهم ولده، والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا، كما جاء في الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل معه صغير: «ابنك هذا؟» قال: نعم يا رسول الله أشهد به، قال: «أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه»."

{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سورة الأنعام:164] وهو ابنه وأقرب الناس إليه، لا يتحمل عنه، ولا يلزم أباه ما حصل منه.

"قال القرطبي: ويروى عن عمر أنه قال لعبد الله بن سلام: أتعرف محمدًا كما تعرف ولدك؟ قال: نعم، وأكثر، نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعته فعرفته، وإني لا أدري ما كان من أمه؟ قلت: وقد يكون المراد {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [سورة البقرة:146] من بين أبناء الناس.."

ما فيه أحد يدري عما كان من الأم بالنسبة لولدها، وإنما تثبت هذه الأنساب بالاستفاضة، تثبت هذه الأنساب بالاستفاضة، وهذا في سائر الناس، وأما بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- أنه ثبت بالحديث الصحيح عنه -عليه الصلاة والسلام- وهو لا ينطق عن الهوى أنه مولود من نكاح لا من سفاح -عليه الصلاة والسلام- وإلا فعموم الناس ما فيه أحد يمكن أن يتابع من الجماع إلى الولادة، وأنه ما حصل خلل ولا كذا.. لكن مثل هذه الأمور تثبت بالاستفاضة عند أهل العلم، وإذا ثبت بالاستفاضة لا يجوز أن يتعرض لها أحد بقدح، ومن تعرض لها بعد الثبوت بالاستفاضة صار قاذفًا يقام عليه الحد إن لم يأتِ بالشهود الأربعة.

"وقد يكون المراد {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [سورة البقرة:146] من بين أبناء الناس لا يشك أحد ولا يمتري في معرفة ابنه إذا رآه من بين أبناء الناس كلهم، ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقق والإيقان العلمي {لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ} [سورة البقرة:146] أي ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سورة البقرة:75]، ثم ثبَّت تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين، وأخبرهم بأن ما جاء به الرسول- صلى الله عليه وسلم- هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك فقال: {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [سورة البقرة:147].

 قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة البقرة:148] قال العوفي عن ابن عباس: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [سورة البقرة:148] يعني بذلك أهل الأديان يقول: لكل قبيلة قبلة يرضونها ووجهة الله حيث توجَّه المؤمنون."

لكل لكل..

قبيلة..

عندكم؟

طالب: ...........

لا، ما يستقيم الكلام.

طالب: ...........

لكل قبيلة قبلة، لكن هل هذا هو الواقع أن كل قبيلة لها قبلة؟

طالب: ...........

لكل من.. من أي شيء..

طالب: ...........

هو يقول: لكل قبيلة قبلة يرضونها ووجهة الله حيث توجه المؤمنون، يعني إلى أي جهة.

طالب: ...........

الذي يظهر أنها لكلٍّ قبلة يرضونها كل قبيلة، يعني لكل ديانة قبلة.

طالب: ...........

نعم هذا على هذا بدون قبيلة وإذا قلنا: لكل قبيلة قبلة يرضونها يتوجهون إلى ما يعبدون، كل قبيلة تتوجه إلى ما تعبد، على كل حال اللفظ محتمِل.

"وقال أبو العالية: لليهودي وجهة هو موليها، وللنصراني وجهة هو موليها، وهداكم أنتم أيتها الأمة القبلة التي هي القبلة.."

إلى..

إلى القبلة؟

إلى القبلة التي هي القبلة.

"وهداكم أنتم أيتها الأمة إلى القبلة التي هي القبلة، وروي عن مجاهد وعطاء والضحاك والربيع بن أنس والسدي نحو هذا، وقال مجاهد في الرواية الأخرى والحسن: أُمر كل قوم أن يصلوا إلى الكعبة.."

ولكن أُمر.. في كلام أبي العالية ما يفسِّر الجملة السابقة لكلٍّ قبلة أي لكل أهل ديانة، ولذلك قال أبو العالية: لليهودي وجهة، وللنصراني وجهة، وللنصراني وجهة، وهداكم إلى قبلتكم التي ارتضاها لكم.

"وقرأ ابن عباس وأبو جعفر الباقر وابن عامر: {ولكل وجهة هو مَوْلاَها}."

مُوَلَّاها.

"{هو مُوَلَّاها} وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعًا} [سورة المائدة:48]، وقال هاهنا: {أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة البقرة:148] أي هو قادر على جمعكم من الأرض وإن تفرقت أجسادكم وأبدانكم.

 قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [سورة البقرة:149-150] هذا أمر ثالث من الله تعالى باستقبال المسجد الحرام من جميع أقطار الأرض، وقد اختلفوا في حكمة هذا التكرار ثلاث مرات فقيل: تأكيد؛ لأنه أول ناسخ وقع في الإسلام على ما نص عليه ابن عباس وغيره، وقيل: بل هو منزَّل على أحوال، فالأمر الأول لمن هو مشاهِد الكعبة، والثاني لمن هو في مكة غائبًا عنها، والثالث لمن هو في بقية البلدان، هكذا وجَّهه فخر الدين الرازي.

وقال القرطبي: الأول لمن هو بمكة، والثاني لمن هو في بقية الأمصار، والثالث لمن خرج في الأسفار، ورجَّح هذا الجواب القرطبي وقيل: إنما ذكر ذلك لتعلُّقه.."

ما الفرق بين القول الذي وجهه الرازي، وبين ما رجحه القرطبي؟ الأول لمن هو بمكة، والأول في القول الأول من هو شاهد الكعبة، والثاني هو الأول عند القرطبي، والثالث هو الثاني عند القرطبي، والثالث عند القرطبي من خرج في الأسفار؛ لأنه يصلي حيثما توجهت به راحلته في النافلة، ويجتهد في الفريضة، ومن الاجتهاد ما لا يلزم إصابته، فلو تبين له بعد ذلك أنه صلى إلى غير القبلة بعد أن اجتهد تصح صلاته ولا يلزمه إعادتها.

"وقيل: إنما ذكر ذلك لتعلقه بما قبله أو بعده من السياق فقال أولاً: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [سورة البقرة:144] إلى قوله: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [سورة البقرة:144]، فذكر في هذا المقام إجابته إلى طلبته وأمره بالقبلة التي كان يود التوجه إليها ويرضاها، وقال في الأمر الثاني: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سورة البقرة:149]، فذكر أنه الحق من الله وارتقاءه المقام الأول حيث كان موافقًا لرضى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فبيَّن أنه الحق أيضًا من الله يحبه ويرتضيه. وذكر في الأمر الثالث حكمة قطع حجة المخالِف من اليهود الذين كانوا يتحججون باستقبال الرسول إلى قبلتهم وقد كانوا يعلمون بما في كتبهم أنه سيصرف إلى قبلة إبراهيم -عليه السلام- إلى الكعبة، وكذلك مشركو العرب انقطعت حجتهم لما صُرف الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن قبلة اليهود إلى قبلة إبراهيم التي هي أشرف، وقد كانوا يعظمون الكعبة، وأعجبهم استقبال الرسول إليها، وقيل غير ذلك من الأجوبة عن حكمة التكرار، وقد بسطها الرازي وغيره، والله سبحانه وتعالى أعلم.

 وقول: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [سورة البقرة:150] أي أهل الكتاب فإنهم يعلمون من صفة هذه الأمة التوجه إلى الكعبة، فإذا فقدوا ذلك من صفتها ربما احتجوا بها على المسلمين، ولئلا يحتجوا بموافقة المسلمين إياهم في التوجه إلى.."

التكرار الذي أشار إليه المؤلف -رحمه الله تعالى- إنما هو لترسيخ هذه القضية في قلوب المسلمين، ومن أجل تثبيتها؛ لأن اليهود أجلبوا على هذا النسخ لما حُوِّل عن قبلتهم إلى قبلة إبراهيم -عليه السلام- وشوشوا على الناس بأنه -عليه الصلاة والسلام- مرة يتوجه كذا، ومرة يتوجه كذا، وزعموا أن ذلك اضطراب في طريقته ومنهجه -عليه الصلاة والسلام-، وفي المدينة من المنافقين مَن يشيعون مثل هذا الكلام وينشرونه بين الناس، فأكد الله ذلك في ثلاثة مواضع، وثبت المؤمنين، والحمد لله رب العالمين.

.. قوله..

"وقوله: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [سورة البقرة:150] أي أهل الكتاب، فإنهم يعلمون من صفة هذه الأمة التوجه إلى الكعبة، فإذا فقدوا ذلك من صفتها ربما احتجوا بها على المسلمين، ولئلا يحتجوا بموافقة المسلمين إياهم في التوجه إلى بيت المقدس، وهذا أظهر. قال أبو العالية: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [سورة البقرة:150] يعني به أهل الكتاب حين قالوا: صُرِف محمد إلى الكعبة وقالوا: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه، وكان حجتهم على النبي -صلى الله عليه وسلم- انصرافه إلى البيت الحرام ظهرأن قالوا: سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا، وقال ابن أبي حاتم.."

هم توقعوا أنهم كما توجه إلى قبلتهم ثم صُرِف عنها أنه يأتي في يوم من الأيام أنه سيُصرَف إليها، ولا يعلمون أن هذا نسخ إلى قيام الساعة، وقد يعلمون مما جاء في كتبهم، لكنهم يريدون بذلك التشويش على ضعيفي الإيمان من المسلمين.

"وقال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد وعطاء والضحاك والربيع بن أنس وقتادة والسدي نحو هذا وقال هؤلاء في قوله: {إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} [سورة البقرة:150] يعني مشركي قريش، ووجه بعضهم حجة الظلمة وهي داحضة أن قالوا: إن هذا الرجل يزعم أنه على دين إبراهيم، فإن كان توجُّهه إلى بيت المقدس على ملة إبراهيم فلِمَ رجع عنه؟

والجواب: أن الله تعالى اختار له التوجه إلى بيت المقدس أولاً لما له تعالى في ذلك من الحكمة، فأطاع ربه تعالى في ذلك، ثم صرفه إلى قبلة إبراهيم وهي الكعبة، فامتثل أمر الله في ذلك أيضًا، فهو -صلوات الله وسلامه عليه- مطيع لله في جميع أحواله لا يخرج عن أمر الله طرفة عين، وأمته تبع له.

 وقوله: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [سورة البقرة:150] أي لا تخشوا شبه الظلمة المتعنِّتين، وأفردوا الخشية لي، فإنه تعالى هو أهل أن يخشى.."

لأن الخشية من أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها إلا لله -جل وعلا- من أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله -جل وعلا-، ولذا قال: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [سورة البقرة:150]، وأنواع العبادة التي ذكرها الإمام المجدد في الأصول الثلاثة لا يجوز صرف شيء منها لغير الله -جل وعلا-، وهذا المتن الصغير الذي فيه أصول الدين الثلاثة كان الناس يعتنون به ويلقنونه أطفالهم ويدرسونه عامتهم في المساجد، ولو تسأل الآن بعض طلاب العلم عما احتواه هذا الكتاب الصغير الذي هو في بضع ورقات تجده يخفى عليه؛ لأنهم انصرفوا عنه وصُدُّوا إلى مقررات حديثة ألفت، وإن كان الأصل أنه يُدرَس الأصول الثلاثة في المرحلة الابتدائية، وكان يُدرَس بحروفه ثم غُيِّر إلى أسئلة وأجوبة وأشياء وبعبارات مُحْدَثة، فذهب رونقه وقوته وجماله وجلاله إلى مؤلفات المُحْدَثين، وهكذا المتون الأخرى التي كانت معتمدة في التعليم، وهذه المقررات أيضًا فيها خير كثير، لكن ما هي مثل كتب الأئمة أبدًا؛ لأن كتب الأئمة ألفها علماء مخلصون صادقون راسخون، فاستفاد الناس منها فائدة عظيمة، وتداولوها جيلاً عن جيل، وعصرًا عن عصر، ودرسوها طبقة عن طبقة، ونفع الله نفعًا عظيمًا، ثم غيرت في أساليبها وأشكالها، وأُدخِل عليها بعض الأمور التي لو جُرِّدَت عنها لكان أولى، والله أعلم.

طالب: ...........

محتمل.. {إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} [سورة البقرة:150] هذا.. {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} [سورة البقرة:150]  الذين ظلموا هم الذين يحتجون علينا.

طالب: ...........

هي منقطعة عن الجميع بلا شك، لكن من الذين يحتجون هم الذين ظلموا، فيكون الاستثناء متصلًا على قول ابن كثير -رحمه الله-.

"فإنه تعالى هو أهل أن يُخشى منه.

 وقوله: {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} [سورة البقرة:150] عطف على {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [سورة البقرة:150] لأتم نعمتي عليكم فيما شرعت لكم من استقبال الكعبة؛ لتكتمل لكم الشريعة من جميع وجوهها، {وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [سورة البقرة:150] أي إلى ما ضلت عنه الأمم هديناكم إليه وخصصناكم به، ولهذا كانت هذه الأمة أشرف الأمم وأفضلها. قوله تعالى.."

نستطيع؟

نستطيع قراءة الآية؟ فيه وقت؟ الآية كاملة؟ فيه وقت؟

طالب: ...........

خمس؟ لا، ما يكفي.

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك...

طالب: ...........

ماذا فيه؟

طالب: ...........

هو لأهل الكتاب يعني سيرجع..

طالب: ...........

هو رجع إلى قبلتهم أول ما وُجِّه إليها، يعني صلى إلى قبلتهم، بمعنى صلى إلى قبلتهم.