شرح كتاب الأربعين النووية (08) - حديث: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله))

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح الأربعين النووية (8)

شرح حديث: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله...))

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 سم.

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحديث الثامن: "حرمة المسلم". 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام الحافظ العلامة النووي - رحمه الله تعالى-:

عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم، وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى)) رواه البخاري ومسلم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:

فيقول المؤلف - رحمه الله تعالى- في الحديث الثامن من الأربعين: "عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-" كنيته أبو عبد الرحمن وقد سبقت في حديث: ((بُني الإسلام على خمس)), قال هناك: "عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -" فهو في أول موطن يذكر الاسم كاملاً ويذكر الكنية، ولذا جرده من الكنية هنا، وقد يأتي في موضع آخر يقول: عن ابن عمر مكتفياً بذلك عن ذكر اسمه؛ لأن هذه عادة جرى عليها أهل العلم يذكرون الاسم كاملاً في الموضع الأول, وبعد ذلك يحيلون على الموضع الأول فيقتصرون في المواضع اللاحقة على ما يحدد العَلَم المراد.

 "عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -" بتثنية الضمير؛ لأن الراوي ووالده كلاهما من المسلمين، لكن تميم بن أوس الداري - رضي الله عنه- ما قيل: "رضي الله عنهما"؛ لأن والده غير مسلم, لو كان مسلماً لقال: "رضي الله عنهما".

"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أمرت أن أقاتل الناس))"، "أمرت": الآمر للنبي - عليه الصلاة والسلام - هو الرب - جل وعلا-، لا آمر فوقه - عليه الصلاة والسلام - إلا الله - جل وعلا-، بينما لو قال غير الرسول - عليه الصلاة والسلام -: "أمرت", أو "أمرنا", مثلما لو قال الصحابي: "أمرنا أن نفعل كذا, ونهينا عن كذا", فإذا قال الصحابي ذلك فالغالب على الظن أن الآمر والناهي هو الرسول - عليه الصلاة و السلام-؛ لأنه هو الذي له الأمر والنهي لا سيما في المسائل الشرعية، والمقرر عند جمهور أهل العلم أنه مرفوعٌ حكماً.

قول الصـحابي من السنة أو    

بعد النبي قالـه بأعصر   

 

نحو أمرنا حكــمه الــــرفع ولـــو   

على الصحيح وهو قول الأكثر    

يعني: ولو قاله بعد عصر النبي - عليه الصلاة والسلام -. إذا قال الصحابي في عصر النبي - عليه الصلاة والسلام-: "من السنة" أو "أمرنا" فلا يريد بذلك إلا سنة النبي - عليه الصلاة والسلام-، ولا يريد بذلك إلا الأمر النبوي، هذا في عصره -عليه الصلاة والسلام-. ومنهم من يخالف إذا كان قول الصحابي: "أمرنا"، أو "من السنة" بعد وفاته - عليه الصلاة والسلام-، لاحتمال أن يكون الآمر الخليفة، فله أمر على الرعية ولا مانع أن يقول: "أمرنا بكذا"، والآمر له الوالي، والسلطان، والولاة لهم أوامر، لكن الأوامر الشرعية إنما تتلقى عن الله, وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-. فلوجود هذا الاحتمال، قال بعضهم: "إن الصحابي إذا قال: "أمرنا", أو قال: "من السنة" بعد وفاة النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه لا يأخذ حكم الرفع؛ لاحتمال أن يكون الآمر والناهي غير الرسول - عليه الصلاة والسلام -", لكن الجمهور يقولون: "له حكم الرفع؛ لأنه لا يتصور أن يأمر أحد بمسألة شرعية, وللرسول -عليه الصلاة والسلام- فيها قول". فالأمر والنهي إليه -عليه الصلاة والسلام- في حياته في مسائل الشرع وبعد مماته، لكن إذا قال الصحابي: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-"، هنا معلوم.

في بعض الأحاديث: ((أمرني ربي)), و((ونهاني ربي، عن قتل المصلين)) هذا ليس فيه إشكال أن الآمر والناهي سواء كان مبرزاً ظاهراً مبنياً للمعلوم, أو مستتراً, والفعل مبنى للمجهول لا يختلف الحال, فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يمكن أن يؤمر من قِبل أحد إلا من الله - جل وعلا-، سواء قال: ((أمرني ربي)) أو قال – عليه الصلاة والسلام-: ((أُمرت)), فهذا مفروغ منه, ولا إشكال فيه. لكن قول الصحابي: "أمرني -صلى الله عليه وسلم-"، أو "نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-", أو "أمرنا" بالتصريح بالآمر والناهي، هذا لا يختلف في كونه من قبيل المرفوع، لكن الاختلاف من بعض المتكلمين, وداود الظاهري يقولون: "لا يحمل على حقيقة الأمر المقتضية للوجوب حتى يصرح الصحابي باللفظ النبوي"، يعني: لو قال: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-", أو "نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن كذا" فهذا لا يحمل على الأمر, ولا على النهي المقتضي للوجوب والتحريم حتى ينقل لنا اللفظ النبوي. لماذا؟ قالوا: "لأن الصحابي قد يسمع لفظاً يظنه أمراً فيعبر عنه بالأمر، أو يظنه نهياً فيعبر عنه بالنهي، والحقيقة ليست كذلك".

هذا على حسب دعوى ما نسب إلى داود الظاهري, وبعض المتكلمين، لكن هذا القول له وجه أو لا وجه له؟ ليس له حظ من النظر؛ لأنه إذا جاء اللفظ الذي فهم من الصحابي أنه أمر أو نهي، واستغلق ذلك على الصحابي فمن يفهمه بعد الصحابي؟ الصحابي عاصر النبي - عليه الصلاة والسلام - وعرف أحواله, وسيرته, ومنهجه, وعرف مدخله ومخرجه، وأهدافه ومقاصده فإذا لم يكن الصحابي أعرف من غيره في هذه الأمور في المصطلحات الشرعية, من يعرفها؟ وهم عرب أقحاح يفهمون الكلام، يعني يترك الفهم لمن جاء بعدهم بعد الاختلاط بالأعاجم؟! لا، ومثل هذا الخلاف لا ينبغي أن يعد خلافاً.

"قال - عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أقاتل الناس))".

أولاً: "أقاتل الناس" المراد بهم الكفار، أو من ارتكب ما يستدعي المقاتلة من المسلمين؛ لأنه ثبت في الصحيح: ((أن النبي - عليه الصلاة والسلام- إذا غار على قوم، انتطر حتى يأتي وقت الصبح، فإن سمع الأذان كف، وإن لم يسمع الأذان قاتل)). فالشعائر الظاهرة إذا اتفق على تركها فئام أو جماعة من المسلمين فإنهم يقاتلون, حتى يذعنوا. مثاله ما لو اتفق قوم على ترك صلاة العيد, يقاتلون سواء كان على القول بأنها سنة, أم فرض كفاية؛ لأنها شعيرة ظاهرة من شعائر الدين لا يجوز تعطيلها، مثل الأذان على الخلاف بين أهل العلم في وجوبه, وسنيته, نظريه سواء بسواء، وهكذا الشعائر الظاهرة.  

"((أن أقاتل الناس))"، (أل) هذه جنسية يعني جميع الناس. "((حتى يشهدوا))"، (حتى) هذه الغاية معناه حتى توجد هذه الغاية والقتال هنا قتال طلب أو قتال دفع؟

قتال طلب, بلا شك وما الذي أخرج الصحابة من المدينة إلى الآفاق إلا قتال الطلب, وهل قتال الطلب للتشفي والانتقام من الأعداء أو رحمة للعالمين؟ من أجل جرهم إلى الجنة بالسلاسل وإبعادهم عن النار، وزحزحتهم عن النار, ليفوزوا في الدنيا والآخرة. وهناك فرق بين قتال المسلمين لغيرهم لإدخالهم في الإسلام، وبين قتال غيرهم من الكفار للتغلب عليهم, والتسلط عليهم، والتحكم في أموالهم, ودمائهم, وأعراضهم، فرق بين هذا وهذا. فحينما تُشن الحرب على الجهاد, لا سيما جهاد الطلب لأنه إرهاب مثلاً, هل هذا الكلام صحيح؟ هل القتل والتسلط على الآخرين، هل هو هدف من أهداف الجهاد؟ أبداً، كلا والله، وإنما الهدف منه رحمة العالمين, وقال الله -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [سورة الأنبياء:107]. هل يرحم من يُقاتَل ويُقتل؟ يرحم، نعم حتى يشهد أن لا إله إلا الله.

 "((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله))"، هناك خيارات إما لعموم الناس -على قول-، أو فئات من الناس, كأهل الكتاب ومن يلحق بهم كالمجوس، فيكون البدل على المقاتلة الجزية؛ لقول الله -تعالى-: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [سورة التوبة:29] فهذا بدل إما لليهود والنصارى والمجوس على قول، أو للعموم لعموم الكفار تأخذ منهم الجزية, على خلاف بين أهل العلم. على كل حال هناك بدل للغاية التي هي الشهادة والدخول في الإسلام.

 "((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله))", هل نقول: إن الشهادة لا بد من مطابقتها للواقع؟ أو نقول: تُفسر الشهادة بالرواية الأخرى: ((حتى يقولوا لا إله إلا الله)) فإذا نطقوا بها كفى؟ حتى ينقطوا بالشهادتين، وأما ما في القلوب فلا يمكن الاطلاع عليه إلا من قبل علام الغيوب؛ ولذلك قال في آخر الحديث: ((وحسابهم على الله تعالى)).

نحن نقبل الظاهر إذا قال الواحد منهم: "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، وأقام الصلاة, وآتى الزكاة، يجب الكف عنه، مهما كان الدافع له. وحديث أسامة لما قتل الذي قال: "أشهد أن لا إله إلا الله" معروف، قال أسامة: "إنه قالها اتقاءً للسيف"، وشدد النبي - عليه الصلاة والسلام - في أمره، حتى تمنى أنه لم يُسلم قبل اليوم.

 فإراقة الدم شأنها عظيم عند الله - جل وعلا-, وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ولا يزال المسلم في فسحة من دينه وأمره حتى يصيب دماً حراماً)). فإذا قال: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله", ثم جاء وقت الصلاة فصلى مع المسلمين, وأدى الزكاة فإنه يجب الكف عنه، ولا يقال: "هذا شهد حقناً لدمه", نعم الشهادة وما أضيف إليها تحقن الدم، ولا يقال أيضاً: "يصلي, أو يزكي تقية, أو مراءً, أو ما أشبه ذلك", هذا ليس إلينا إنما حسابه على الله - جل وعلا- الذي يعلم السر وأخفى، وأنت لست بمأمور أن تنقب عما في قلوب العباد أو تستدل بأمارات, أو قرائن تظهر لك دون غيرك، الحكم ليس إليك.

"((أمرت أن أقاتل الناس))", فرق بين القتال والمقاتلة، فإنه لم يقل: "أمرت أن أقتل الناس", لا، بل قال ((أقاتل)). والمقصود من المقاتلة: الإذعان، والمقصود من القتل: الإبادة.

 ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)) ، من أجل إخراجهم من عبودية العباد إلى عبودية الله - جل وعلا- الواحد الأحد, الفرد الصمد، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله, ينطق بهذه الكلمة, وأن محمداً رسول الله, يشهد أن لا إله إلا الله فينفوا جميع ما يعبد من دون الله, ويثبتوا العبادة لله وحده - جل وعلا-، وأن يعتقدوا اعتقاداً جازماً بأنه لا معبود بحق إلا الله - جل وعلا-، وأن محمداً رسول الله, ويقيموا الصلاة, ويؤتوا الزكاة.

أما من شهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة, وآتى الزكاة, وأتى بناقض من نواقض الإسلام, فهذا يأتي في الاستثناء ((إلا بحق الإسلام)), يحقن دمه, إلا إذا ارتكب ما يقتضى القتل من حق الإسلام على ما سيأتي.

"((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله))"، ولا بد لهذه الشهادة أن يعرف معناها, وأن يعمل بمقتضاها, فالأعجمي الذي لا يفهم يجب أن يُفَهَّم معنى الشهادة؛ لأنه لا يمتنع من الشرك الأكبر وهو يشهد أن لا إله إلا الله إذا كان لا يعرف معناها, وإذا وجد في البلاد التي تنتسب إلى الإسلام, من يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله" أثناء طوافه على القبر, أو أثناء ذبحه للجن، يقول: "لا إله إلا الله", مثل هذا لا يفيده، وحينئذٍ أبو جهل أعرف منه بمعنى لا إله إلا الله. فلا بد من معرفة معنى لا إله إلا الله، على طريقة المسلمين المستَمَدَّة من الكتاب والسنة، لا على طريقة المتكلمين الذين يقولون: "لا بد أن يبدأ, أو يتوصل إلى إسلامه وإيمانه بالنظر, أو القصد إلى النظر, أو الشك", فلا بد أن يشك ثم يدخل في الإسلام، لا بد أن ينظر في أدلتهم, وبراهينهم العقلية, ثم بعد ذلك يدخل في الإسلام، لا بد أن يقصد إلى النظر, وينوي النظر ثم بعد ذلك يدخل في الإسلام, كل هذه لا أثارة عليها من علم, لا من الكتاب ولا من السنة, ولا من أقاويل سلف الأمة، وإنما هي مما ابتكره المتكلمون وابتدعوه. وكان الرجل من العرب يفهم لا إله إلا الله, ويدخل في الإسلام بمجرد النطق بها؛ لأنه يعرف معناها. ولذا لما طلبها النبي - عليه الصلاة والسلام - من المشركين قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [سورة ص:5], يعرفون المعنى, لكن ممن يعيش بين ظهراني المسلمين -مع الأسف الشديد- من يخفى عليه معنى لا إله إلا الله, وشهادة أن لا إله إلا الله.

 "((وأن محمداً رسول الله))", يشهد بأن محمداً رسول الله, وأنه خاتم الأنبياء, ويعتقد أنه هو القدوة والأسوة, وأنه لا يُقتدى بأحد سواه. فأركان أو شروط القبول بالنسبة للعبادات كلها: الإخلاص لله - جل وعلا-, والاقتداء, والمتابعة للنبي - عليه الصلاة والسلام-.

"((وأن محمداً رسول الله))"، لو قال: "لا إله إلا الله"، ولم يقل: "محمداً رسول الله"؟ فلا إله إلا الله لا يدخل في الإسلام حتى يأتي بأشهد أن محمداً رسول الله. عند قوله -جل وعلا-: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [سورة الشرح:4] قال: لا أُذكر حتى تذكر معي، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله. لكن إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله, مِن لازمها أن يشهد أن محمداً رسول الله؛ لأنه إذا أقر أنه لا إله إلا الله وقد أمره الله, هذا الإله الذي لا إله غيره بالاعتراف بالنبي - عليه الصلاة والسلام - مرسل منه. فلزم من شهادة أن لا إله إلا الله شهادة أن محمداً رسول الله، ويلزم من شهادة أن محمداً رسول الله تصديقه فيما أخبر, ومن ذلك شهادة أن لا إله إلا الله, ومع ذلك لا بد من النطق بالجملتين, وإن كانت كل واحدة متطلبة للأخرى, لكن لا بد من النطق بهما معاً لحقن الدم, ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله)).

هل ذلك يكفي؟ لا, بل لا بد مع ذلك من إقامة الصلاة. يعني في الدخول في الإسلام يكتفى بالشهادتين, لكن إذا جاء وقت الصلاة لا بد أن يصلي، فإذ لم يصلِّ فإنه يقتل؛ لأن إقامة الصلاة جزء من الغاية التي رُتبت عليها المقاتلة، فلا يتم الكف حتى يقيم الصلاة.

والمراد بإقامة الصلاة المأمور بها في الكتاب والسنة، الإقامة, يعني: جعلها قويمة, قائمة, مستقيمة على مراد الله ومراد رسوله - عليه الصلاة والسلام-، بأركانها, وشروطها, وواجباتها, فهذه إقامة الصلاة، وتكمل أيضاً: بسننها, كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).

((ويقيموا الصلاة))، الركن الثاني من أركان الإسلام إقامة الصلاة، فيه دليل على أن تارك الصلاة يكفر, فتارك الشهادتين كافر بالإجماع، وتارك الصلاة يقتل؛ لأن مما رتب عليه حقن الدم إقامة الصلاة، فدل على أن الذي لا يقيم الصلاة لا يحقن دمه, بل يقتل. لكن هل يقتل كفراً ورِدّة أو يقتل حداً مع كونه في دائرة الإسلام على ما يقوله بعض أهل العلم؟ لكن جاء عنه - عليه الصلاة و السلام-: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)), وفي الحديث: ((بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة)).

فيما نقله الحافظ العراقي في طرح التثريب عن بعض المغاربة في القرن السابع أن الخلاف في حكم ترك الصلاة نظري ليس بعملي. كيف نظري؟ لأنه لا يُتصور مما يدعي الإسلام أن يترك الصلاة، هذا نظري، ما يمكن أن يوجد مسلم ما يصلي، إلا أن يكون قرب قيام الساعة, وفي وقت الدجال، حينما تقوم الساعة على شرار الناس. لكن كيف لو رأى هؤلاء حال المسلمين اليوم؟! والقول بكونه يقتل مرتداً كافراً هذا هو الذي يدل عليه النصوص التي ذكرنا كقوله - عليه الصلاة والسلام-: ((بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة)), وقوله - عليه الصلاة والسلام-: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)), ومن أهل العلم من يرى أنه كفر دون كفر.

 أما الركن الأول لا خلاف في كونه يكفر بتركه، وأما الثاني فالخلاف فيه موجود، وإن كان المرجح أن يكفر كفراً أكبر مخرجا من الملة وهو المفتَى به.

وأما بالنسبة لبقية الأركان هنا فأضاف إلى الصلاة إيتاء الزكاة.

((وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ)) مقتضى ما ذُكِرَ أن ترك الزكاة مثل ما قرن معه. إذا قلنا: بدلالة الاقتران, قلنا: إنه ما دام ترك الشهادتين كفر، وترك الصلاة كفر، إذاً ترك الزكاة كفر، هذا ما تقتضيه دلالة الاقتران. ومعلوم أن دلالة الاقتران ضعيفة عند أهل العلم. لكن أبا بكر قاتل مانعي الزكاة, أما من جحدها كفر إجماعاً؛ لأنها معلومة من دين الإسلام بالضرورة، ودلت عليها الأدلة القطعية، فالحكم من جحدها كفر اتفاقاً كالصلاة. وأما من تركها بخلاً لا جحوداً، فإنه يُقاتل ويُرغم على دفعها، لكن هل يكفر أو لا يكفر؟ القول بكفر تارك الأركان الأربعة، الصلاة والزكاة، والحج، والصيام، قول معروف في مذهب مالك, ورواية في مذهب أحمد، أي: من ترك الصلاة كفر، من ترك الزكاة كفر، من ترك الصيام كفر، من ترك الحج كفر، وقال الله -تعالى-: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران:97]. على كل حال هذا قول معروف في مذهب مالك, ورواية عن أحمد, وقال به جمع من السلف.

وعامة أهل العلم أنه لا يكفر بترك الأركان الأربعة عدا ما تقدم من الخلاف القوي في الصلاة، وأنه المرجح وأنه المفتى به، أما بقية الأركان فمن عظائم الأمور أن لا يزكي من عنده زكاة, ووُجِدَتْ الأحاديث الصحيحة الصريحة المشددة في شأن الزكاة، وكذلك في شأن الصيام, وكذلك في شأن الحج، لكن عامة أهل العلم على عدم كفر تارك الأركان الثلاثة، وإن قال به من قال.

"((ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة))"، هؤلاء الذين امتنعوا من دفع الزكاة بعده - عليه الصلاة والسلام-، اختلف الصحابة في شأنهم وفي قتالهم، حتى قال من قال كعمر- رضي الله عنه-: "كيف تقاتل من يقول: لا إله إلا الله"؟، فقال أبو بكر: "والله لأُقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً أو عناقاً يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليها". استدلال أبي بكر - رضي الله عنه - وإذعان عمر لهذا الاستدلال, وما أنْ عَرَفَ أن الله - جل وعلا- شرح صدر أبي بكر للقتال إلا وقد عرف أن الحق معه, هذا عمر. واستدلال أبي بكر على قتالهم بأنهم فرقوا بين الأختين، فالصلاة لا تكاد تذكر إلا ويذكر معها الزكاة، "والله لو منعوني" فاستدله بهذا النصوص، يدل على أنه لا يحفظ حديث الباب، أو نسيه أو لم يبلغه، وإلا فالحديث صريح على قتال مانع الزكاة: ((أمرت أن أقاتل)). معناه أنه لو كان هذا الحديث حاضرًا عنده, أو بلغه هذه الحديث لقال: قتالهم منصوص عليه في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة)).

 وهذا يدل على أنه قد يخفى على الكبير ما يعرفه الصغير، فأبو بكر أفضل الأمة بعد نبيها - عليه الصلاة والسلام - ومع ذلك لم يحفظ هذا الحديث وابن عمر -رضي الله عنهما- حفظ. عمر - رضي الله تعالى عنه - الذي يلي أبا بكر في المنزلة خفي عليه حديث الاستئذان, الذي حفظه أبو موسى، وأبو سعيد من صغار الصحابة، هذا لا يعني: أن الإنسان إذا كان كبيراً في قدره, وفي علمه, وفي دينيه, أنه يكون أعلم من غيره مطلقاً، حتى لو قرر أن فلاناً أعلم من فلان، فهذا تفضيل جُمْلي, لا تفصيلي، فقد يكون عند المفضول ما ليس عند الفاضل -كما هنا-، فكون ابن عمر عنده هذا النص, ولم يستشهد به ولم يستدل به أبو بكر دليل على أنه لم يستحضر, إما نسياناً, أو لعدم بلوغه إياه.

ولهذا لا يُقال: "إن العالم لا يُنكر عليه, ولا يُنصح، وهو أعرف منا"، هذه كثير من العوام يحتجون بها، إذا اُستدل على حكم بحديث صحيح قال: "الإمام أحمد أعرف منا بالحديث". لا، لا يلزم قد يخفى عليه الحديث, وقد يفهم من الحديث ما لا يفهمه غيره، وقد يكون فهم غيره أرجح من فهمه، كما في الحديث: ((ورب مبلغ أوعى من سامع))، وسليمان -عليه السلام - استمع إلى الهدهد واستفاد منه, ودخل بسببه الإسلام أمة.

على كل حال من علم ومن حفظ حجةٌ على من لم يحفظ، فابن عمر - رضي الله عنهما- حفظ هذا الحديث وخفي على أبي بكر, ومع ذلك وُفِّقَ أبو بكر في اجتهاده, واستنباطه إلى ما ثبت عن النبي - عليه الصلاة و السلام-.

"((فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم، وأموالهم، إلا بحق الإسلام))" هناك نفس يقال لها: معصومة، ولو لم تكن مسلمة بعهد, أو ميثاق, أو ذمة, أو ما أشبه ذلك, فضلاً عن المسلم المعصوم، معصوم الدم. كيف نقرر أنه لا معصوم إلا النبي - عليه الصلاة والسلام -، ونقول: نفس معصومة؟ يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم، وأموالهم)) فهي معصومة من هذا الباب، معصومة الدم، معصومة المال, يعني: ممنوعة من انتهاك الدم, أو المال, أو العِرض. قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم, عليكم حرام كحرمة يومكم هذا, في بلدكم هذا في شهركم هذا)) فإذا فعلوا ما تقدم من الشهادتين, والصلاة, والزكاة, فبعضها أفعال، وبعضها أقوال، والتغليب للاثنين ظاهر على أن القول يطلق عليه الفعل, وهو فعل اللسان وحركته، فهو فعل؛ فيدخل قول: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله" باعتبار أنه فعل وإن كان قولاً. فيطلق القول على الفعل، ويطلق الفعل على القول، فإذا فعلوا أطلق على القول الذي هو التلفظ بالشهادتين، كما أنه يطلق القول على الفعل كما في حديث التيمم, ((فقال بيديه هكذا))، وهو فعل، فيطلق هذا على هذا، وهذا على ذاك.

 "((فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم))"، فعلوا ذلك, يعني: ما تقدم من الأمور الثلاثة، وماذا عن بقية أركان الإسلام كالصيام والحج؟ الصيام فُرِض في السنة الثانية, وصام النبي - عليه الصلاة والسلام - تسع رمضانات, والحج فُرض في السنة السادسة على قول, أو التاسعة فهل نقول: إن هذا الحديث قبل فرض الصيام والحج؟ كما في حديث بعث معاذ إلى اليمن، إذ قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((فليكن أول ما تدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، ثم إن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات, فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم)) فلم يذكر الصيام ولا الحج كما هنا سواء بسواء.

من الشراح من يقول: إن هذا كان قبل فرض الصيام, وقبل الحج، ومنهم من يقول: إنه إذا أذعن واعترف لله بالوحدانية, والألوهية, ولرسوله بالرسالة, وأدى الصلاة التي تتكرر في اليوم الواحد, وهي عمود الدين، فأقامها, ودفع الزكاة، جاد بماله, فإنه في هذه الحالة إذا أدى ذلك فإنه لن يتردد في صيام شهر في السنة, أو حج في عمره مرة واحدة.

ولا شك أن الحديثين فيهما الدلالة على أن الأهمية لما ذكر أكثر مما لم يذكر، لكن يبقى أن مما لم يذكر الصيام, والحج، وهما من أركان الإسلام، وقد تقدم حديث عبد الله ابن عمر: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان)), أو ((صوم رمضان والحج)) على الخلاف بين الروايتين على ما تقدم شرحه.

"((فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم))" بعض من منع الزكاة تمسك بشبهة وهي أن الزكاة إنما هي مقرونة بوجوده -عليه الصلاة والسلام- ولا تطلب بعد وفاته؛ استدلالاً بقوله - جل وعلا-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [سورة التوبة: 103]، فإذا كان الأمر متجها إلى النبي عليه الصلاة والسلام فغيره لا يقوم مقامه. وهذه قد تكون شبهة حتى تُجلى، وإن كانت الشبهة ضعيفة، واهية؛ لأن الزكاة ركن من أركان الإسلام باقية إلى قيام الساعة، ومن يقوم مقامه - عليه الصلاة والسلام - في جميع الأمور، يقوم مقامه في أخذ الزكاة.

واستدل بعضهم على عدم استمرار صلاة الخوف بعده -عليه الصلاة والسلام- بقوله - جل وعلا-: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ} [سورة النساء: 102] إلى آخر الآية, إذا كنت فيهم مفهومها هذا ينسب لأبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة, فمفهومها إذا لم تكن فيهم فلا تكن صلاة خوف. والجواب عنه مثل الجواب عن قوله -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [سورة التوبة: 103] هذا وإن كان موجهاً إلى النبي -عليه الصلاة و السلام - فإن من يقوم مقامه من ولاة الأمور يكون في حكمه.

"((فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم))" الدماء, والأموال, والأعراض, حرام إلى يوم القيامة، ونبه عليها النبي - عليه الصلاة و السلام - ونوه بها في المجمع العظيم في حجة الوداع في الخطبة المشهورة المسطورة في صحيح مسلم وغيره. نبه على أن الدماء, والأموال, والأعراض, كلها حرام إلى يوم القيامة، وضرب لذلك أمثلة مبادرة في الامتثال، ((وأول دم أضع دم ابن الحارث بن عبد المطلب))، الذي هو ابن عمه، وضعه النبي - عليه الصلاة والسلام - فلم يطالب به؛ لأنه من أمور الجاهلية, والامتثال يكون بالأقرب فالأقرب, ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((وأول رباً أضعُ رِبانا, ربا العباس بن عبد المطلب)) عمه. فإذا كان الذي يأمر بالأوامر هو أول من يمتثل وأول من يطبق على الأقربين صارت أوامره نافذة, وأما إذا كان الآمر ينتهك هذه الأمور، أو يستثني الأقربين فإن هذه الأوامر في الغالب لا نفوذ لها ولن تمتثل؛ ولذلك مثّل النبي -عليه الصلاة و السلام- بأقرب دم إليه, وأقرب مالٍ إليه.

"((عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام))" إلا بحق الإسلام، هذا الاستثناء يدخل فيه ما يستدعي القتل والمقاتلة، وإن وجدت الغاية المذكورة في الحديث؛ لأنه قد يقول: هذا الزاني المحصن يشهد أن لا إله إلا الله, ويصلي, ويزكي، هذا القاتل يشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله ويصلي, ويزكي, فإنه -عليه الصلاة والسلام استثنى: ((إلا بحق الإسلام))، يعني: ما يوجب القتل في الإسلام، كالنفس بالنفس والزاني المحصن يرجم، والتارك لدينه المفارق للجماعة يقتل، كل ما يُوجد القتل في الإسلام مستثنى. وما دل الدليل على استثنائه ودخوله لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إلا بحق الإسلام)) لا يمكن أن يعترض عليه في صدر الحديث؛ لأنه مستثنى، فالزاني المحصن يرجم إجماعاً, والقاتل يقتل، والمرتد يقتل لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من بدّل دينه فاقتلوه)).

 لكن هل يستثنى ممن بدَّل دينه فاقتلوه المرأة أو لا تستثنى؟ جاء النهي عن قتل الشيوخ في القتال، وجاء النهي عن قتل النساء, والذراري، فمن ارتد من هؤلاء، من المكلفين كالشيخ الكبير الهرم الفاني، هل يدخل في النهي عن قتل الشيوخ؟ والمرأة إذا ارتدت هل تدخل في النهي عن قتل النساء أو نقول: هم داخلون فيمن بدّل دينه فاقتلوه؟

 عندنا النهي عن قتلهم ثابت, وعندنا الأمر بقتلهم إذا ارتدوا أيضاً ثابت، فهل نقول: إن من بدل دينه و"مَن" هذه من صيغ العموم عامة، والنهي عن قتل النساء والشيوخ هذا خاص، والخاص مقدم على العام؟ كما يذكر عند الحنفية، فالمرأة عندهم إذا ارتدت لا تقتل، والشيخ الكبير إذا ارتد لا يقتل؛ لأن هناك النهي عن قتل الشيوخ والنهي عن قتل النساء. أو نقول: إن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من بدل دينه فاقتلوه)) خاص بالمرتدين, والنهي عن قتل الشيوخ, والنساء, والذراري لفظه يعم المرتدين والكفار الأصليين، والخاص مقدم على العام، فالمرتد مخصص من النهي عن قتل النساء؟ نهينا عن قتل النساء، لكن إذا ارتدت المرأة دخلت في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من بدل دينه فاقتلوه)) فالذي بين هذه النصوص عموم وخصوص وجهي وليس بعموم وخصوص مطلق؛ لنقول الخاص مقدم على العام. لا، فالمرتدة تدخل في عموم النهي عن قتل النساء، كما أنها تدخل في عموم: ((من بدَّل دينه فاقتلوه)), ويخصها النهي عن قتل النساء, ويخصها باعتبارها مرتدة ((من بدّل))، فينتابها العموم والخصوص على حد سواء في النصين، وحينئذ يطلب مرجح خارجي، هل النهي عن قتل النساء محفوظ؟ أو دخله مخصصات، المرأة إذا قتلت تقتل أو لا تقتل؟ تقتل إجماعاً, المرأة إذا زنت وهي محصنة تقتل أو لا تقتل؟ تقتل. إذاً عموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) محفوظ، وعموم النهي عن قتل النساء دخله الخصوص, وقد ضعف فيرجح عليه: ((من بدل دينه فقتلوه)), وعلى هذا تقتل المرتدة؛ لأنه بحق الإسلام.

((بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى))، هؤلاء الذين شهدوا أن لا إله إلا الله, وشهدوا أن محمداً رسول الله, وأقاموا الصلاة, وآتوا الزكاة, هؤلاء يقبل منهم الظاهر، وتوكل سرائرهم إلى الله – تعالى-، حسابهم على الله، فمن قال: "أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله"، وصلى, وآتى الزكاة بصدق ويقين وإقرار وإذعان, وخضوع, لله - جل وعلا-، هذا صدق في دعواه ظاهراً, وباطناً, ومآله إلى الجنة. وأما من قالها بلسانه ولم يقر الإيمان في قلبه, فهذا يُعصم دمه, وماله, وحسابه على الله؛ ولذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقتل المنافقين؛ لأنهم يشهدون في الظاهر, ويصلون في الظاهر, أما الباطن والسريرة فذلك إلى الله -جل وعلا-، ولئلا يُتحدث أن محمداً يقتل أصحابه.

على كل حال الخفي لا يعلمه إلا الله، ((حتى يشهدوا)) أي يتلفظوا. لو وقر الإيمان في قلبه واعترف بأنه لا إله إلا الله, وشهد أن محمداً رسول الله بقلبه ولم يتلفظ بذلك يكفي أو لا يكفي؟ في الدنيا لا يكفي؛ لأن الغاية الشهادة، والشهادة لا بد أن يكون منطوقاً بها. فما الذي يدرينا أنه شهد أو لم يشهد؟ وفي بعض الروايات: ((حتى يقول)), والقول لا بد أن يكون ملفوظاً به. وعلى هذا لو وقر الإيمان في قلبه ولم يتلفظ فإنه حينئذ يقاتَل حتى يتلفظ، ولو مات وقد وقر الإيمان في قلبه فإن أمره إلى الله، أما الكف في الدنيا, وأحكام الدنيا, والمعاملة في الدنيا, فإنما هي على ما يظهر, والسرائر إلى الله - جل وعلا -؛ ولذا قال: ((وحسابهم على الله -تعالى-)). ومنهم من يقول: حتى لو وقر الإيمان في قلبه، وصدق, وأذعن، ولا يوجد ما يمنعه من التلفظ فإنه كافر ظاهراً وباطناً، فما الذي منعه أن يشهد أن لا إله إلا الله, وهو يستطيع الشهادة؟ فيكون حينئذ كافراً في الظاهر والباطن، أما بالنسبة للظاهر وهو الذي يهمنا, وهو التعامل معه في الدنيا على هذا الأساس هو كافر بلا شك، لكن يبقى أن أمره إلى الله - جل وعلا -؛ ولذا قال في آخر الحديث: ((وحسابهم على الله  تعالى)). والبشر لا يكلفون إلا الظاهر، والنبي - عليه الصلاة والسلام - إنما يحكم على الظاهر، ولا يحكم على الباطن؛ ولذا الحكام من القضاة وغيرهم ليس لهم أن يحكموا إلا بالمقدمات الشرعية، وليس للقاضي أن يحكم بعلمه, فإذا أحضر المدعي الشهود حكم له إذا كانوا ممن تقبل شهاداتهم, وإن لم يجد شهوداً عَدَلَ إلى المدعى عليه، وطلب منه اليمين، ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر))، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

هذا يسأل سؤال عن التحويل يقول: إذا أراد أحد أن يرسل إلي فلوساً من بلاد الغرب فله طريقان، أحدهما: أن يدفع المبلغ إلى أحد بنوك التحويل المصرفي، ولكن المشكلة أنه إذا أرسل الدولار لا أستطيع أن أخذها إلا بالريالات, فهل يجوز هذا؟ وهل فيه شبهة الربا؟ وما المخرج،

هذا يسأل سؤال عن التحويل يقول: إذا أراد أحد أن يرسل إلي فلوساً من بلاد الغرب فله طريقان، أحدهما: أن يدفع المبلغ إلى أحد بنوك التحويل المصرفي، ولكن المشكلة أنه إذا أرسل الدولار لا أستطيع أن أخذها إلا بالريالات, فهل يجوز هذا؟ وهل فيه شبهة الربا؟ وما المخرج، والبنك الموكل يأخذ على هذا عمولة؟ يقول: والغالب أنه في بلاد الغرب لا يستطيع أن يرسل إلا الدولار أو اليورو؟
إذا أرسل إليك الدولار فلا مانع أن تصرفه وأنت واقفٌ عنده, من غير أن تنصرف إذا ذهبت لتقبض مالك الـمـُحول، لا مانع أن تقبض عنه ريالاً بالصرف، وإذا كانوا يبتاعون الإبل بالدراهم ثم يقبضون بدلها الدنانير فجاء في الخبر: "لا بأس على أن لا يفترقا وبينهما شيء"، فكأن الصرف وقع في هذه اللحظة، الصرف وقع في هذه اللحظة، فإذا حول الدولار من أي دولة إلى أخرى، وهذه الدولة المحول إليها لا تتعامل بالدولار، والمحول إليه لا بد من أن يصرف، لا شك أن الأحوط أن يقبض الدولار ثم يصرفه, وفي مكان الصرف يداً بيدٍ، يأخذ العملة التي يستفيد منها في هذا البلد، لكن إذا حُول المبلغ بالدولار ثم أخذ بدله الريالات على أن لا يفترقا وبينهما شيء, ولا يحصل الصرف إلا في وقت مجيء هذا المستلم الذي حول إليه نظير ما بيع بالدراهم أو بالدنانير ثم عند الوفاء يؤخذ العكس، إذا بيع بالدراهم يجوز أن يستوفي بالدنانير على أن لا يفترقا وبينهما شيء, وإذا بيعت السلعة بالدنانير يجوز أن يستوفي بالدراهم على ألا يفترقا وبينهما شيء، أما بالنسبة للعمولة هذه إذا كان الإنسان مضطراً لمثل هذه المعاملة, ولا بد أن يحول فهذه العمولة إن كانت بنية أتعاب هذا البنك ومصاريف الموظفين وغيرها وأجور، له أن يأخذ بقدر أجرة المثل؛ بقدر أجرة المثل, وإن كانت من باب الزيادة على المطلوب فهذا هو الربا.
ثانيهما: عبر الحساب البنكي وذلك كأن يكون لديه حساب في أحد البنوك بالدولار, ويتم تحويله إلى حسابي، ولكن المشكلة تكمن أيضاً في الصرف حيث هو سيرسل دولار وأنا لا أستطيع أن أخذ إلا الريال، وقد استفسرت في بنك الراجحي عن هذا, فقال أحد المسئولين: إنني لا أستطيع أن أخذ الريال إلا بعد عدة ساعات من إرسال الأخ، ذلك أن الدولار سيذهب أولاً إلى بنك الراجحي في مركزه الموجود في الرياض ويتم هناك تحويل الدولار بالريال, وبعد عدة ساعات أستطيع أن آخذ ريالات ولا أستطيع غيرها, والتأخر بحسب الوسائط البنكية فإذا كانت هناك الوسائط بين بنكي وبنك الراجحي كثيرة سيتأخر الاستلام أكثر؟
هذا لا يجوز، لا بد أن يكون إذا أراد أن يغير العملة المُحولة لا بد أن يكون في الوقت نفسه، لا يجوز أن يفترقا وبينهما شيء, وفي هذا الحالة عليه أن يقبض الدولار, يمنعون أن يسلموا لك دولار ما يمنعون حول لك دولارًا، استلم دولارًا، ثم اصرفه فوراً، وقد يقولون: إن مثل هذا قد يكون هناك فرق في الصرف بين أن يكون في بلد المحول وبلد المحول عليه نتحمل هذا الفرق.

يقول: ما المقصود بكلمة: ((وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم)) في هذا الحديث؟ وكيف يطبق ذلك الإمام، وعن أبي ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك....

يقول: ما المقصود بكلمة: ((وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم)) في هذا الحديث؟ وكيف يطبق ذلك الإمام، وعن أبي ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات))؟
هذا بالنسبة للمأموم, بالنسبة لصلاة الصبح, وباق على افتراشه كالتشهد، وفي صلاة المغرب وهو متورك، لا يغير جلسته وثني رجليه قبل السلام يستمر حتى يقول: لا إله إلا الله إلى آخره عشر مرات بعد صلاة الصبح وبعد صلاة المغرب, وأما بالنسبة للإمام فهذا معارض بالانصراف إلى المأمومين لفعله - عليه الصلاة والسلام-، فلا يدخل في هذا؛ فالنبي - عليه الصلاة والسلام - يقتدي به كل مسلم فيما يخصه، السلطان يقتدي بالنبي - عليه الصلاة والسلام - في الأحكام، القاضي كذلك، الإمام في الصلاة يقتضي به في الإمامة، والمأموم يقتدي بأقواله التي لا تختص بالإمام وأفعاله, وأيضاً ما يوجه المأموم إليه مما لا يصلح أن يفعله الإمام هذا يكون مما يختص به المأموم كما هنا.

يقول: كيف نوفق بين هذا الحديث المتضمن مقاتلة الناس حتى يدخلوا في الإسلام، وقوله -جل وعلا-: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [سورة البقرة:256]؟

{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، لا إكراه في الدين، يعني: مع وجود الخيار؛ لأن هناك خيار، هناك جزية، مَن دفع الجزية لا يُكره، لكن من امتنع عن الدخول في الإسلام وامتنع عن الجزية فإنه يقاتَل.

يقول: أنا أطلب العلم وتأتيني أوقات يبلغ مني النهم في الطلب مبلغه، وما أن أرى منظراً في شاشة أو نحوها إلا فترتُ، وأخذت بعدها فترة طويلة حتى أعود عليه ما كنت عليه، فما الحل مع العلم بكثرة هذه الفتن في كل بيت وتعم بها البلوى ونرجو الدعاء إلى آخره؟

نقول: هذه الفتن على طالب العلم بل على المسلم عموماً لا سيما طالب العلم أن ينصرف عنها، ويحتاط لدينه منها؛ لأنها وإن كان في بعضها ما يظن نفعه, لا شك أن فيها ما يضر وهو الأكثر، وإذا نظر الإنسان إلى شيء محرم فإنه يعاقب لهذا الذنب، طالب العلم يعاقب بالحرمان، العابد يعاقب بحرمان لذة العبادة، العابد والمتعلم يحرم لذة العلم وقد يحال دونه ودونه، وإذا كان في السلف من نظر نظرة مرة واحدة محرمة ووجد غبها بعد حين ونُسي بسببها القرآن, كما ذكر عن نفسه، هذه لا شك أنها عقوبات لهذه المعاصي, فعلى المسلم أن يحتاط لدينه لا سيما طالب العلم.

هذه أُم أحمد تقول: هل يجوز للمرأة الإنكار على الرجل الأجنبي, وهي مع مجموعة نساء أو مع محرمها كأن تكون في سيارة أجرة وهو مشغل موسيقى فتنكر عليه ليغلقه، وما ضابط إنكار المرأة على الرجل الأجنبي؟

أولاً: وجود المرأة مع الرجل الأجنبي إن كان مع خلوة فهذا منكر يجب إنكاره، وإن كان معها محرمها فلتخبر محرمها لينكر، تقول: أنكر عليه، فتنكر بواسطة المحرم، وأما إذا كانت في مكان عام وسمع فبالكتابة, أو بتبليغ من تجوز لها محادثته, على أن من أهل العلم من يرى أن صوت المرأة ليس بعورة إذا كان صوتاً عادياً من غير خضوع، فالمنهي عنه الخضوع, إذا أنكرت بأسلوب مناسب من غير خضوع لا يظهر منعه لا سيما على القول بأن صوت المرأة ليس بعروة، وأما عند من يقول: بأنه عروة، فتنكر بكتابة, أو بإشارة, أو بواسطة من يسوغ له الإنكار.

يقول: كيف يُرد على من يقول: إن دخول الناس بهذه الطريقة في الإسلام، أي: دخولهم بمجرد تلفظهم بالشهادة يزيد من عدد المنافقين بين المسلمين؛ لأنهم إنما قالوها لحقن دمائهم فقط، وإن الصلاة يقومون بها شكلياً فقط ويكذبون في أداء الزكاة ويقولون: أديناها؟

على كل حال هذه ليست بحجة من مقاتلة الناس حتى يصلوا إلى هذه الغاية, ولا شك أن وجود المنافقين وإن كانوا ضرراً على الإسلام والمسلمين إلا أن فيه ما يدل على قوة الإسلام والمسلمين، وإلا ما الداعي للنفاق، هذا يدل على قوة الإسلام، وفي الوقت الذي يضعف فيه المسلمون لا داعي للنفاق، لا داعي للنفاق، فوجودهم لا شك أن فيه قوة، دلالة على قوة الإسلام والمسلمين, مع أنه أُمرنا بدعوتهم والحرص على هدايتهم, ومن أظهر شيء ينقض الإسلام فإنه منهم، يقاتل.

يقول: ظهر أحد المفتين على إحدى القنوات الفضائية ويقول: إن الغناء المحرم ما يثير الغرائز، أما ما عداه فجائز؟

أصلاً ما فيه غناء لا يثير الغرائز, لا بد أن يؤدى بلحون مثيرة, وإلا ما صار غناء، إذا أنشد بلحون العرب التي لا تثير، كما أُنشد بين يدي النبي - عليه الصلاة والسلام - هذا ليس بغناء، الإنشاد ليس بغناء، فإذا أُدي بلحون الأعاجم ولحون أهل الفسق لا شك أنه سوف يثير, هذا إذا لم تصحبه آلة، أما إذا صحبته آلة فلا إشكال في منعه, ولا بد مع ذلك أن يكون لفظه مباحاً، يعني لجواز الإنشاد أن يكون لفظه مباحاً, ويخلو عن الآلة المحرمة ويؤدى بلحون العرب.

يقول: وجدت اختلافا في المتن والسند عند حفظنا لمتن الأربعين والعمدة، وذلك باختلاف الطبعات ودور النشر، فما هو التحقيق المناسب، وهل لهذا الاختلاف أثر في حفظنا؟

على كل حال يوصى الطالب، طالب العلم الذي يريد الحفظ إذا أراد أن يحفظ هذه المتون أن يرجع إلى الأصول، النووي عزا الحديث إلى البخاري ومسلم, يرجع إلى البخاري ومسلم، ويتأكد من صحة اللفظ, وأنه نقل بحروفه، وإذ وجدت هناك فرقا فليتصور هذا الفرق ويحفظ الصحيح.

يقول: ما أفضل الحلول والطرق لبلوغ منزلة التقوى والثبات عليها؟

التقوى هي: امتثال الأوامر, واجتناب النواهي، فاحرص على ما سيأتي في حديث: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) يحرص جاهداً أن يمتثل كل ما يسمع من الأوامر إذا كان يطيق ذلك، ويجتنب جميع ما نُهي عنه، وهذه حقيقة التقوى, ويلزمها ويثبت عليها، ويصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي؛ لأن صحبة الأخيار من أعظم أسباب الثبات على التقوى، بخلاف صحبة الأشرار فإن هؤلاء من أقوى الأسباب على الانحراف، ويكثر من الدعاء من أن يثبت الله قلبه كما يكثر النبي - عليه الصلاة والسلام - من قول: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) ويكثر من ذكر الله, وشكره, والاعتراف بفضله ومنِّه، ومع ذلك يُعان على الثبات.

يقول: ما العلة في امتناعكم من النداء بأرقام الفائزين بالجوائز أمس؟ وهل التحكم يرتفع للمجيز وضع أسئلة يجيب عليها الطلاب بلا تحديد؟ فالاختيار لا بد منه في كلا الحالتين؟

أنا طلب مني أن أختار أرقام من بين واحد إلى ثلاث مائة وما أدري كم على أي أساس أختار؟ إذا كان لا على أساس البينة هذا هو التحكم، وهذا التفريق بين المتماثلات كلهم طلاب, وكلهم على حد سواء بالنسبة لنا، أما إذا كان هناك أسئلة وأجاب بعضهم عليها دون بعض، هذا مبرر.

يقول: هل يجب على طالب العلم أن يتبنى قولاً إذا كان هناك خلاف قوي بين العلماء؟

نعم, عليه أن يعمل بقول واحد ولا يكون عائراً بين قولين مرة يعمل بهذا, ومرة يعمل بهذا, والترجيح الأصل فيه الدوران مع الأدلة، فإذا كان طالب العلم مبتدئ لا يستطيع أن يتصرف ويتعامل مع الأدلة ويرجح, فإن هذا يرجح باعتبار القائلين, فيقلد أوثقهما وأعلمهما؛ لأنه حينئذ يكون فرضه فرض العامي, سؤال أهل العلم، فإذا اختلف أهل العلم فيقلد الأوثق، يقلد الأوثق ولا يعمل بمقتضى هواه.

ما هي الأسباب التي تجعل طالب العلم يحب الطلب وتزداد همته في ذلك؟

أولاً: الاطلاع على النصوص التي تحث على العلم، وفيها جزاء أهل العلم, وفضل العلم وأهله، هذه لا شك أنها تجعل طالب العلم يهتم، وتزداد همته في ذلك لتحصيل هذه المنازل التي رُصدت لمن تحلى واتصف بالعلم؛ إضافة إلى القراءة في سير الأخيار في سير العلماء، وعلى رأسهم النبي - عليه الصلاة والسلام - ومن تبعه بإحسان من أهل العلم والفضل.

يقول: إحدى الأخوات مصابة بعيب خلقي, وهو سقوط شعر الحاجبين فما حكم غرز مادة مكانها، وتستمر إلى سنتين أو ثلاث ثم تبدأ بالاضمحلال؟

على كل حال إذا كانت مما تقذر به هذا إن صبرت واحتسبت هذه هو الأصل ولها الأجر من الله - جل وعلا-، وإن كانت مما تقذر به فلو وضعت مكانه مادة, يعني غرز الشعر قد يلحق بالوصل, وإن كان ليس بوصل في الحقيقة لكن الشبهة قائمة، لو وضعت مكانه مثل الكحل أو ما أشبه ذلك, لكان الأمر أسهل إن شاء الله.
تشقير الحاجب بلون البشرة، بحيث تعد هذه المشقرة نامصة أو لا شعر في حاجبها, هذا ملحق بالنمص.

يقول: كما تعلمون أن فصل الصيف موسم للزواج، وعندنا في ليبيا بعض الأمور ونريد الحكم في هذه الأمور:

أولاً: الذبح عند دخول الزوجين لموقع العرس الخيمة..
هذه إذا كانت لوليمة العرس فهذه شرعية بل واجبة، وليمة العرس واجبة, وإذا كانت لأمر آخر إما لطرد عين, أو تقرب إلى جن؛ لئلا يصيبوهم بشيء، فهذا هو الشرك - نسأل الله العافية-.
يقول: جلوس الرجل بجانب زوجته على المنصة مع وجود النساء الأجانب؟
دخول الرجال على النساء ممنوع، نعم إذا كُن متحجبات وأمنت الفتنة، والحاجة داعية إلى ذلك, وإلا فالأصل أن المرأة لا ترى الرجال ولا يرونها.
يقوم موكب السيارات بالدوران حول المقبرة؟
هذا إشكال كبير، لماذا يدور حول المقبرة, هل هذا بنية طواف, أو بنية تبرك, أو بنية... لا شك أن هذا بدعة.

ما حكم من ذهب لمسجد الفتح مكان واقعة الخندق وصلى ودعا، ويستدل على فعل جابر بن عبد الله؟

أولاً: لو كان خيراً لسبقونا إليه، كون بعض الصحابة يجتهد دون غيره من سائر الصحابة هذا لا يدل على شرعية هذا الاجتهاد، ولابن عمر - رضي الله عنهما - نصيب من تتبع هذه الآثار التي جلس فيها النبي - عليه الصلاة و السلام - أو مرّ بها.
على كل حال مثل هذا لم يفعله أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، ولا غيرهم ممن هم أفضل من جابر - رضي الله عن الجميع-, فلا يُفعل.

يقول: عالم مات ولكن أفكاره الباطلة شائعة بين الناس وتقبل، فيكف ينصح للعالم المتوفى؟

أولاً: من يشيع هذه الأفكار, ومن يبث البدع لا شك أن عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، هذه من النصيحة لهذا العالم لا سيما إذا كان فضله راجحًا, مثل هذا يبين ما في كتبه من المخالفات؛ لئلا يكثر المقتدي به فيها فتزداد ذنوبه بسببه، وأما بالنسبة للأحياء فلا بد من بذل النصيحة لهم.

يقول: هذا من جنوب إفريقيا يقول: فتحنا دكاناً أنا وزميلي نقتسم الربح خمسين بالمائة والخسارة أيضاً، أنا أعمل بالدكان, وهو لا يعمل وآخذ ألفين مقابل عملي شهرياً ثم نقسم الربح بيننا على نصفين، هل هذا صحيح؟

نعم صحيح, الأجرة في مقابل العمل، الأجرة في مقابل العمل, والربح يكون على قدر الأموال.

يقول: رجل مسلم تزوج بامرأة مسلمة إلا أن أسرتها غير مسلمين، فهو تزوجها على عقد الكفار.

إذا وجد الإيجاب والقبول من الولي المسلم؛ لأن الذي يعقد لها لا بد أن يكون مسلماً، فإذا كان وليها كافرًا ينتقل إلى غيره، وإذا وجد الإيجاب والقبول من الولي ومن المتزوج, بحضور الشهود كفى.

قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)) هل يفيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لن يعبد البتة؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - استجاب الله دعائه، أم أن الواقع يشهد أن من أمته من عبده ودعاه بمغفرة الذنوب وقضاء الحاجات؟

ابن القيم - رحمه الله تعالى- يرى أن الدعوة أجيبت, فلا يتمكن أحد من عبادته, ومن أهل العلم من يرى أن الدعوة لم تجب، على كل حال ما يتعلق به - عليه الصلاة والسلام - من غلو وأمور حصلت من بعض الغلاة تصل إلى حد الشرك هذا موجود ولا ينكر، سواء كان في المصنفات والمؤلفات.
يا أكرم الخلق ما لي لمن ألوذ به ----- سواك عند حلول الحادث العمم
هذا ليس له إلا هو، يعني: ما أبقى لله - جل وعلا-؟، يقول:
فإن من جودك الدنيا وضرتها.
يعني: الدنيا والآخرة كلها من جود النبي - عليه الصلاة والسلام - ماذا أبقى لله - جل وعلا-؟ هذا لا شك أنه صرف بحق الله - جل وعلا- إلى عبده ورسوله - عليه الصلاة والسلام-، الذي صرح بأنه لا يملك لأقرب الناس إليه شيئاً، وحاول جاهداً هداية عمه الذي له اليد عليه وعلى دعوته فلم يستطع: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [سورة القصص:56] فالأمور أزمتها كلها بيد الله - جل وعلا-.
يقول العلامة ابن القيم - رحمه الله-:
وقد أجاب رب العالمين دعاءه ----- فأحاطه بثلاثة الجدران
هذا رأي ابن القيم, وأنت ترون ويُرى في بعض الأحيان من يسجد جهة القبر إما مستدبراً عن الكعبة أو جاعلاً لها عن يساره، هذا إذا كان خارج المسجد، ورأيناه ورآه غيرنا، ووجد من يسجد باتجاه غرفة اللي يسمونها غرفة المولد، والكعبة خلفه, فصرف شيء من العبادة للنبي -عليه الصلاة والسلام- هذا موجود، أما العبادة بكامل أنواعها وفروعها فقد تكون الدعوة قد أجيبت فيه.

يقول: أنا شاب منّ الله علي بالاستقامة وكنت لا أعرف حكم الغسل من الجنابة فربما صليت وأنا على جنابة فما حكم ذلك؟ هل علي إعادة الصلوات مع أنني لا أدري العدد، كنت على ذلك حوالي سبع سنين؟

إذا كنت لا تعرف العدد, أو تعرفه ولكن يشق عليك مشقة بالغة فأنت تغتسل فوراً, وتستقبل الصلوات اللاحقة بطهارة تامة, ولا تعود إلى مثل ذلك، وتكثر من النوافل.

يقول: ما حكم الاستفادة واستعمال الإنترنت اللاسلكي، علماً بأنني غير مشترك في خدمة، وأستفيد من هذه خلال الخدمة من خلال جيراني المشتركين في هذه الخدمة؟

هناك أمور جاء الشرع بأنها لا تمنع ممن يستفيد منها، إذا أمكن الإفادة منها من غير ضرر بصاحبها، رجل مستظل بجدار بيت، هل لصاحب البيت أن يقول لهذا المستظل: قم عن هذا الظل، هذا ظل جداري؟ أو مستصبح بمصباحه، السور عليه كهرباء فأراد أن يقرأ ورقة معه، استصبح، هل لصاحب البيت أن يطرده من غير تضرر؟ لكن إذا كان يتضرر، لا, فإذا كانت هذه الخدمة يمكن استخدامها من غير ضرر بوجه من الوجوه فلا تزاد عليه الرسوم, ولا يختل استعماله لهذه الخدمة بحال من الأحوال, فاستخدامه لها مستواه لا يتغير باستخدام غيره, فهذا مثل الاستظلال بجداره والاستضاءة بنوره.

يقول: قد جربني الله في الوسوسة، لعله ابتلاني نعم؟ ابتلاه الله بالوسوسة واضطراب القلب حتى أحياناً من أجل ذلك لا أفهم الدروس فهماً صحيحاً وإذا كان الشيخ يتكلم فلا أدري ماذا يقول، فأرجو منكم أن يساعدني إخواني بالدعاء؟

أسأل الله - جل وعلا - أن يشفيه من هذا المرض, وعليه أن يسعى جاهداً بطرد هذه الوسوسة وعدم الالتفاف إليها, واللجوء إلى الله - جل وعلا- بالدعاء بصدقٍ وإخلاصٍ, ويتحرى الأدعية الجامعة, ومواطن الإجابة, وأماكنها، وعليه أيضاً أن يكثر من الذكر بحضور قلب، ومن تلاوة القرآن على الوجه المأمور به.

يقول: لم أفهم كيف يكون النصح للبائع والمشتري؟

النصح للبائع كما جاء في قصة جرير بن عبد الله البجلي، ذهبت إلى محل تجاري ووجدت عنده سلعة فإما أن يكون من باب الخطأ, أو لا يعلم قيمتها الحقيقية أو آلت إليه بإرث أو هبة أو ما أشبه ذلك, فوضع عليها قيمة رخيصة جداً فيها غبن، فمن النصح له أن تقول: هذه السلعة تستحق أكثر، كما فعل جرير بن عبد الله البجلي، لما اشترى الفرس بثلاث مائة, وتم الإيجاب والقبول فقال له: إن فرسك يستحق أكثر، فما زال به حتى وصل إلى الثمانمائة، هذا نصح للبائع.
نصح للمشتري, إذا دخلت محل تجاري ووجدت السلعة مكتوب عليها قيمة وأنت لا تعرف قيمتها، لا تعرف قيمتها، فقلت: بكم هذه القيمة؟ قال: بألف، قلت: هذا ألف, فإذا كانت هذه السلعة قيمتها غير مطابقة لما في الأسواق، يعني: كانت هذه السلعة عند صاحبها قديمة أو جديدة بسعر مرتفع، ويوجد عند غيره ما هو أرخص من ذلك, فمن النصح للمشتري أن يقال: هذه القيمة عندي بهذا المبلغ ولا أستطيع أن أبيع بأقل، لكن عند فلان تجد أرخص, تجد أرخص, لكن ما السائد في أسواق المسلمين اليوم، السائد في الغالب العكس, يعني: تأتي إلى محل وهذا في الغالب من يتعامل مع النساء, وبعض الرجال يرون أن الجودة تابعة للقيمة، الجودة تتبع القيمة، فتأتي المرأة أو الرجل إلى محل الأقمشة مثلاً فتشتري المرأة لنفسها قطعة من القماش أو يشتري الرجل لزوجته، فإذا قال له صاحب المحل: المتر بثلاثمائة ريال اشترت المرأة بدون تردد، قالت له: لو صار مائتين وخمسين, يعني: يمكن تماكس مائتين وخمسين مائتين وستين، مائتين وسبعين ثم يبيعها، وهي في الحقيقة قيمتها لا تصل إلى عشرين ريال، وهذا واقع لكن ما السبب الذي جعل صاحب المحل يرفع القيمة إلى هذا الحد؟ يقول: لو أقول قيمتها عشرين ريالا ما اشترت, تقول: هذا رديء، ويحدثنا شخص من زملائنا جلس عند صاحب محل، فجاءت امرأة لتشتري قالت: بكم هذا القماش؟ قال: المتر بعشرين ريال بمائة وعشرين, قال: بمائة وعشرين قالت: أعطنا أربعة أمتار، ثلاثة أمتار بقدرها فقطع لها ثلاثة أمتار ووضعها في الكيس وذهبت, يقول: فقلت له أما تخاف الله, هذه نفس القماش الذي معي في الكيس أنا اشتريته من جارك بخمسة عشر ريالاً المتر، قال: تبي بعشرة، لكن لو أقول لها: بخمسة عشر، بعشرة، بعشرين ما اشترت، فهذا لا يخول بحال من الأحوال أن ترفع الأسعار، هذا لا يخول، والرزق بيد الله - جل وعلا - والبركة من عنده، وجاء النص على البركة مقرونة بالصدق: ((فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما)) ولن يبارك لهذا بهذا العلة أبداً, وليست بمبرر لرفع الأسعار.

يقول: إذا تعذر وجود العلماء في بعض البلاد التي يحارب فيها الإسلام, فما هي الطريقة المثلى لطلب العلم، مع العلم أن أكثر كتب السنة يمنع نشرها وبيعها؟ وذكر بعض الأمثلة، مثل كتب شيخ الإسلام والمشايخ المعروفين يمنعون في بعض البلدان؟

أولاً: الحمد لله لما أغلقت هذه الأبواب فتح الله أبواباً أخرى، فهناك استخدام الآلات من الإنترنت, وأجهزة التسجيل, وإذا كان التسجيل العادي يكلف بحمله ويصادر إذا وصل إلى تلك الأماكن فإنه هناك تسجيلات ما تكلف شيئًا على أقراص صغيرة تحمل الألوف من الساعات، فتيسرت الأمور -ولله الحمد- وفرجت، نعم كان الأمر مستغلقًا لا يمكن الخروج من هذا البلد, ولا يمكن أن يرد إليه شيء, هذه لا شك أنه مصيبة وكارثة، لكن الآن البدائل موجودة.

يقول: جاء في كتاب السنة بسند صححه الألباني عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - مرفوعاً: ((تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك))، ثم قال أبو الدرداء: صدق الله ورسوله لقد تركنا على مثل البيضاء, السؤال: ما الرد على من يستدل مثل هذا ال

أما التزام هذا التصديق فلم يرد به نص، التزامه على كل قراءة يقول: صدق الله العظيم، وأما التصديق أحياناً, فقد قال ابن مسعود: حدثنا الصادق المصدوق، يعني: ما في بأس أن يقال مثل هذا أحياناً مع اعتقاد أنه هو الصادق المصدوق: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً} [سورة النساء:122], {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا} [سورة النساء:87] لكن مع ذلك لا يلتزم بعد كل قراءة.

يقول: ما هيئة اليدين في الجلسة بين السجدتين؟

على الركبتين, مبسوطتين على الركبتين.

يقول: أنا طالب في أحد المعاهد الشرعية قررت الزواج في هذا الصيف، ولم يكن عندي مال كاف للزواج, فهل الأولى أن استدين -أقترض مالاً- أو أطلب ممن يعينني، مع أني لا أستطيع قضاء الدين؟

لا، إذا أمكن أن تأخذ بدون مقابل, والزواج حاجة أصلية يجوز لك أن تأخذ من الزكاة لتتزوج فهو أفضل وأيسر لك من الاقتراض، لكن إن لم تجد من يقرضك بدون فائدة, أو يعطيك من مال الله الذي آتاه, فإذا استدنت يعينك الله على القضاء.
ونترك باقي الوقت للأخوة الصائمين؛ لأنه اليوم يلاحظ على بعض الإخوان في يوم الاثنين, نترك لهم الفرصة للاستعداد للفطور والله أعلم.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول: هل السلام على المقابر التي يفصل بيني وبينها أسوار وأنا مار بالسيارة بدعة؟

لا، ليس ببدعة, ولو قلنا بهذا لقلنا: إن السلام على النبي - عليه الصلاة والسلام - مستحيل؛ لأنه محوط بأسوار، فإذا تابع السلف على السلام عليه - عليه الصلاة والسلام - خارج هذه الأسوار فليسلم على هذه المقابر خارج الأسوار.

يقول أيضاً هذا في ليبيا: أو تقول: عندنا عادة في أفراح الزواج وهو إذا أراد الزوج أن يدخل زوجته إلى مكان العرس، قام أحد الرجال بذبح شاة, ويقوم الزوجان بالدوس على الدم المراق من الشاة؟ ما حكم هذا الذبح، مع العلم أن الزوج يجلس مع زوجته على المنصة إلى آخره؟

هذه السائلة هي السائلة للسؤال الأول, فتبين أن المراد بالذبح ليس المراد به من أجل وليمة العرس, وإنما هو من أجل الدوس على الدم، وهذا هو الشرك بعينه، والله أعلم.

تقول أم مالك: أخبرني زوجي ذات يوم عن سر لزوجته الثانية ولا يريد أن يعلم عنه وخصوصاً أهله وأهلي ولكني أخبرت صديقاتي، وبعد فترة عرف أن أمه قد علمت بهذا السر؟

أولاً: الزوج لا يجوز له أن يفضي بسرٍ لزوجة عند الثانية، الأمر الثاني: إذا ائتمنها على هذا السر لا يجوز لها أن تفضي به إلى غيره, ولا شك أن السر إذا علم به الثالث لا يؤمن أن يعلم به الألف.
وبعد فترة عرف أن أمه قد علمت بهذا السر ووبخني وقال: لو أنت أخبرتي أحد غير أمي وأختي بالكلام الذي قلته لك فأنت طالق، وخفت أن أخبره أنني قلت لصديقاتي، وكان زوجي ساعتها مسافراً حيث يقيم في دولة ثانية وبعد مرور ثلاثة أشهر تقريباً أو زيادة كلمته هاتفياً وصارحته بالأمر بأني أخبرت صديقاتي، فقال: لماذا لم تخبريني قبل مضي ثلاثة أشهر على الأقل أرجعك ثم لم يرجع إلى البيت على أنني أصبحت طليقة، وقد حاول أن يخرج لي ورقة الطلاق من بلده الأصلي بعد مرور سنتين من التلفظ بالطلاق، فحكى الموضوع للمأذون, فقال: هذا طلاق وعليك أن تتلفظ بالطلاق أمامي، وأمام الشهود، فقال له زوجي: لا لن أتلفظ بالطلاق ولكن الشهود يشهدون بإثبات الواقعة, إن كانت طلاقاً على فتواك فقال: هي طلاق طلقة واحدة وتلفظ أمامي بالطلاق؟
يعني: هذا إشكال يرد عند مثل هؤلاء المأذونين, وهو أنه إذا كان الطلاق مشكوكاً فيه، مشكوك في وقوعه، رجل طلق امرأته وهي حائض, فأفتاه من أفتاه بأن هذا الطلاق لا يقع، ثم بحث المسألة فترجح عنده أن الطلاق يقع، هذه مسألة واقعة هل لا بد أن يتلفظ بالطلاق ليكون على يقين وتحل المرأة لمن يخطبها بعده ببينة ووضوح, أو أن نقول: ما دام الطلاق وقع فتحل للخُطّاب بعده، هنا الطلاق علق على شرط يقصد منه المنع، يقصد منه المنع، وإذا كان الطلاق بهذه الصورة وهو ما يسميه العلماء بالحلف بالطلاق؛ لأن مفاده مفاد اليمين يقصد منه المنع لا يقصد منه الطلاق، وهذا عند شيخ الإسلام ومن يقول بقوله: الطلاق لا يقع وهو المفتى به الآن, لكن الجمهور على وقوعه إذا وقع الشرط، فمثل هذا هل يحتاج المطلق إذا أفتي بأن هذا الطلاق واقع خروجاً من الخلاف أن يصرح بالطلاق أو لا يقال؟ أو يقال له لا تصرح لئلا تقع طلقة ثانية؟ هذه مسألة لا شك أنها مشكلة وهو يقول: المأذون قال له: عليك أن تتلفظ بالطلاق أمامي، لماذا؟ لأنه وإن حكم بالطلاق في هذه الصورة إلا أنه في شك من وقوعه؛ لأن ممن يفتي بعدم الوقوع أئمة علماء تبرأ الذمة بتقليدهم, والخلاف في المسألة قوي، فإذا قلنا بوقوع الطلاق، فهل يلزم أن يصرح لتبين منه على بينة وتحل لمن بعده بدون أدنى شك؟ أو نقول: ما دام حكم، فالحكم الشرعي يبيح المرأة كما جاء في الحديث الصحيح: ((إنما أنا بشر أحكم على نحو ما أقضي بنحو ما أسمع، فمن حكمت له بشيء من حق أخيه فإنما أحكم له بقطعة من نار فليأخذها أو يذرها)) فإذا حكم الحاكم حلت، يعني: إذا حكم في مسألة مالية حلت للمحكوم له، وإن كان الواقع خلاف ذلك، إذ كانت المقدمات شرعية ما هو بحكم بهوى، مقدمات شرعية، ادعى أن في مذمته أو في ذمة زيد له مبلغ كذا وطلبت منه البينة, فقال: ما عندي بينة, ثم طلب من المدعى عليه اليمين فحلف، حكم القاضي بهذا الحلف, إن كان المدعى عليه في يمينه كاذبًا لا تحل له بحال, وإن كان من أهل العلم من يقول: تحل له بالحكم، لكن عامة أهل العلم على أنها لا تحل له؛ لأنها قطعة من نار، ولو كانت حلالاً ما صارت من نار، وهنا هل يلزم أن يصرح إذا تلفظ بالطلاق لتحل لمن بعده بيقين؟ أو نقول: هذا من باب الوسوسة؟ كمن أصابه ماء لا يدري, أو مر بجوار ميزاب لا يدري هل أصابه منه شيء أو لم يصبه شيء، يقول: ارجع تحت الميزاب وخليه يصيبك بيقين من أجل أن يرتفع الوسواس, هذا لا يجوز بحال, أما في مسألة الطلاق لا سيما مع القول بقوة الرأي الآخر، على كل حال بالنسبة للمفتي عليه أن يفتي بما يدين الله به ولا يلتفت إلى غيره، يفتي بما يدين الله به ولا يلتفت إلى غيره, يوجد مثل هذا التردد عند من لم تكمل عنده آلة الاجتهاد، فيكون عنده شيء من الاضطراب وحينئذ يأمره بلفظ صريح يسجله بلفظه من أجل أن لا يستدرك عليه؛ لأنه لو حكم بالطلاق في مثل هذه الصورة لكانت فتواه مخالفة لما يفتى به في الدوائر الرسمية، فيخشى من السؤال والجواب فيقول: تلفظ من أجل أن يكتب اللفظ الصريح, يا أخي إذا أنت ما أنت مرتاح أحله إلى غيرك، تقول: مثل اللفظ يفتي به فلان اذهب إليه، فقال له زوجي: لا لن أتلفظ بالطلاق, وإذا تلفظ استجابة لطلب هذا, هل تعد طلقة ثانية أو لا تعد؟ أو هي تأكيد للأولى، نعم, هو ما قصد طلاق ثاني الذي يظهر أنه تأكيد للطلاق الأول.
لن أتلفظ بالطلاق ولكن الشهود يشهدون بإثبات الواقع إن كانت طلاقاً على فتواك، قال: هي طلاق طلقة واحدة وتلفظ أمامي بالطلاق؟
أنا أقول: مثل التصرف إنما يبعثه مسألة التردد في الوقوع وعدمه فيريد أن يقع الطلاق بدون تردد, أو يخشى من المساءلة أوقع طلاق الفتوى على خلافه، فيريد أن يثبت في الوثيقة التي يكتبها طلاقاً صريحاً لا يستدرك عليه.
وثبت في الصك أنه حضر لدي فلان ابن فلان لإثبات واقعة الطلاق بدون تلفظ به أمام القاضي ولكن المحكمة لم تصادق على الصك ثم سافر إلى مكان عمله وإقامته وأخبر القاضي بالقصة كاملة فقال القاضي: ماذا كنت تنوي طلاقاً أو تهديداً؟ فقال له: تهديد، فقال: هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل. فقال له زوجي: خلاص سأطلق الآن، فقال له القاضي اعتبرنا ما حصل طلاقاً فلا يجوز لك تطليق مطلقتك، ولا يحق ذلك، وإذا اعتبرنا الأمر ليس بطلاق فلا بأس وهذا لن يعرف إلا بسؤال مفت إبراء للذمة فما تقولون في هذه المسألة؟
هو مثل ما ذكر, يعني: المسألة لا شك أن الفتوى على عدم وقوع الطلاق المعلق بشرط يقصد منه الحث أو المنع، ويكون حكمه حكم اليمين، يكفر بكفارة يمين، وهذه المسألة لا يحلها إلا الجهة المخولة لذلك، فيكتب للمفتي ويجيبهم إن شاء الله تعالى-.

يقول: ما الفرق بين من ترك ركنًا من أركان الإيمان، ومن ترك ركنًا من أركان الإسلام؟

الذي يترك ركن من أركان الإيمان بأن آمن بالله ولم يؤمن بالملائكة مثلاً هذا كافر، هذا ليس بمؤمن، هذا كافر, ولم يدخل في الإسلام بعد، وإذا ترك ركنًا من أركان الإسلام خرج من الإسلام بتركه، على الخلاف في بعض الأركان دون بعض، إذا شهد أن لا إله إلا الله، إذا لم يشهد ألا إله إلا الله هذا لم يدخل في الإسلام أصلاً, لكن إذا شهد أن لا إله إلا الله وترك الصلاة خرج من الإسلام الذي دخل فيه بترك الصلاة، وأما بقية الأركان فلا شك أن الخلاف فيها قوي بين أهل العلم وعرفناه, ومن ترك ركنًا من أركان الإيمان فهو لم يؤمن أصلاً, بالاتفاق.