التعليق على تفسير القرطبي - سورة الليل

سورة والليل مكية، وقيل: مدنية، وهي إحدى وعشرون آية بإجماع، بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى*وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى*وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى*إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}[الليل:1-4] قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:1] أي يغطي، ولم يذكر معه مفعولاً؛ للعلم به، وقيل: يغشى النهار، وقيل: الأرض، وقيل: الخلائق، وقيل: يغشى كل شيء بظلمته، وروى سعيد عن قتادة قال: أول ما خلق الله النور والظلمة، ثم ميز بينهما، فجعل الظلمة ليلاً أسود مظلمًا، والنور نهارًا مضيئًا مبصرًا. { وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل:2] أي إذا انكشف ووضح وظهر وبان.. "

أيهما أسبق؟ آية الليل أو آية النهار، الظلام أو الظلمة أو النور؟ {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً}[الإسراء:12] فأيهما أسبق؟ { فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ} [الإسراء:12] الأسبق آية النهار.

طالب: .................

أفلا تبصرون مناسب للظلام.

طالب: .................

أفلا تسمعون نعم؛ لأن ما فيه بصر، فيه حاسة السمع تكون أقوى.

" {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى}[الليل:3] قال الحسن: معناه والذي خلق الذكر والأنثى فيكون قد أقسم. "

يعني الامتنان في كل حاسة بما يناسبها وما هي أظهر فيه وأقوى، الآن أنت لو تجذب لك واحدًا في ظلام دامس تقول: احمد ربك على هذا البصر الذي أعطاك الله إياه، أنت ترى شيئًا. إلا إذا كان بضدها تستدل على هذه النعمة مع ضدها، وعند فقدها ممكن، أما في وقت الظلام البصر ما ينفع.

" فيكون قد أقسم بنفسه- عز وجل- وقيل: معناه وخلْق الذكر والأنثى، فما مصدرية على ما تقدم، وأهل مكة يقولون للرعد: سبحان ما سبحت له، فما على هذا بمعنى من، وهو قول أبي عبيدة وغيره، وقد تقدم وقيل: المعنى {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى}[الليل:3] فتكون. "

إذا قلنا: إنها بمعنى من قلنا ومن خلق القسم بمن خلق الذكر والأنثى بالليل والنهار وما خلق الذي خلق هو الله إذا قلنا: إنها بمعنى من، وكون القسم في السياق بمخلوقات يدل على أن الخلق خلق الذكر والأنثى هو المقصود، وليس المقصود أن يقسم الله- جل وعلا- بنفسه الذي خلق الذكر والأنثى.

" فتكون من مضمرة، ويكون القسم منه بأهل طاعته من أنبيائه وأوليائه، ويكون قسمه بهم تكرمة لهم وتشريفًا وقال أبو عبيدة: وما خلق أي من خلق وكذا قوله: {وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا}[الشمس:5] {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}[الشمس:7] ما في هذه المواضع بمعنى من، وروي عن ابن مسعود أنه.. "

ما يلزم أن تكون بمعنى الذي موصولة {وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا} الشمس:5 يعني والذي بناها {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} الشمس:7 والذي سواها {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} الليل:3 والذي خلق الذكر والأنثى، فهو قسم بالله- جل وعلا- لكن يرد عليه أن ما لغير العاقل، ثم نحتاج إلى تأويل ما بمعنى من التي هي للعاقل، ثم يؤول الكلام إلى ما ذكر، وإلا فهي موصولة على كلامه.

" وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى، ويسقط وما خلق. وفي صحيح مسلم عن علقمة قال: قدمنا الشام، فأتانا أبو الدرداء فقال: فيكم أحد يقرأ علي قراءة عبد الله؟ فقلت: نعم أنا، قال: فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:1]؟ قال: سمعته يقرأ: والليل إذا يغشى والذكر والأنثى، قال: وأنا والله هكذا سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرؤها، ولكن هؤلاء يريدون أن أقرأ: وما خلق، فلا أتابعهم. "

على كل حال لو صحت هذه القراءات كانت قبل إجماع الصحابة على مصحف واحد وإحراقهم لما عداه، حتى مصحف ابن مسعود أحرق، والمصاحف التي بأيدي الصحابة والصحف كلها أحرقت، فجمعهم عثمان على مصحف واحد؛ خشية أن تقع الفتنة بين المسلمين، وأجمع على ذلك الصحابة ووُفِّقوا، ومن أعظم أعمال عثمان - رضي الله عنه- جمع الناس على مصحف واحد، وإلا فكيف تكون حال الأمة لو كانت القراءات التي كان يتداولها الناس قبل العرضة الأخيرة موجودة الآن والنبي -عليه الصلاة والسلام-قال: «من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد»، ثم بعد ذلك في النهاية يحرق مصحفه؟! نعم خشية الفتنة التي تنشأ من اختلاف هذه المصاحف، ولا نقول مثل ما قال- نسأل الله العافية- الحجاج يقول: وددت أن أحك قراءة ابن أم عبد من المصحف بضلع خنزير، نسأل الله العافية، نعوذ بالله من الطغيان، لكن لا شك أن إحراق المصاحف وإتلافها مجمع عليه من الصحابة، وما ثبت عن جميعهم باتفاقهم بين الدفتين هو القرآن الذي لا يقبل الزيادة ولا النقصان، وهو الموافق للعَرضة الأخيرة من جبريل على النبي -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: ...............

هذا في أول الأمر امتنان؛ لأنه نزل على أناس كبار في السن، الكبير من قبيلة هُذيل تريد تلزمه بما يقرأ به القرشي أو التميمي؟! ما يقدر، لسانه ما يطيع، ما ترى العامة الآن كيف؟! ما تقدر تعدل لسانه، والله إن شخصًا كبير السن درس عندنا من البادية، وحضر الدروس، وحضر الآجرومية والقطر والألفية، وحضر كتب العربية كلها، قلنا له: إلى متى يظل لسانك كذا؟ عجزنا نعدل، فهو يقرأ بالفرائض رقاً وقتل واختلاف دين، وهو قارئ كل كتب العربية قال: والله أنا أيست، قرأت الآجرومية والقطر وألفية، وما بقي إلا زرادية - يلوي لسانه- كبير السن ما يستطيع ما يقدر، خلاص، تعود لسانه على شيء، فلو ألزم الناس في أول التنزيل مع كبار السن، ستين سبعين ما يقدرون، من رحمة الله بهم إلى أن انتهى هذا الجيل فنسخت هذه القراءات السبع، واتفق الصحابة على العرضة الأخيرة.

قال.

طالب: ...............

ليس المقصود القراءات السبعة المتواترة التي مازالت الآن تتداول، الكلام على القراءات بأحرف زائدة وناقصة وكلمات متغيرة، أقبل هلم أدبر تعال هلم، يعني هذه كلها يجوز القراءة بها من أول الأمر إلى أن استوت ألسنتهم وذلت ألسنتهم بالقرآن فنسخت.

" قال: أبو بكر الأنباري: وحدثنا محمد بن يحيى المروزي قال: حدثنا محمد قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري. "

الزُّبَيري.

" الزُّبَيري قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال: أقرأني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إني أنا الرزاق ذو القوة المتين قال أبو بكر: كل من هذين الحديثين مردود بخلاف الإجماع له، وأن حمزة وعاصمًا يرويان عن عبد الله بن مسعود ما عليه جماعة المسلمين، والبناء على سندين يوافقان الإجماع أولى من الأخذ بواحد يخالفه الإجماع والأمة. "

حتى لو صح السند يحكم عليه بالشذوذ؛ لمخالفته ما هو أقوى منه.

" وما يبنى على رواية واحد إذا حاذاه رواية جماعة تخالفه أُخذ برواية الجماعة، وأبطل نقل الواحد؛ لما يجوز عليه من النسيان والإغفال، ولو صح الحديث عن أبي الدرداء، وكان إسناده مقبولاً معروفًا، ثم كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة- رضي الله عنهم- يخالفونه لكان الحكم العملَ بما روته الجماعة، ورفض ما يحكيه الواحد المنفرد الذي يسرع إليه من النسيان ما لا يسرع إلى الجماعة وجميع أهل المِلة. "

ولا شك أن الجماعة أولى بالحفظ من الواحد في قول الجميع، ما أحد يختلف في هذا أن الجماعة أولى بالحفظ من الواحد.

" وفي المراد بالذكر والأنثى قولان: أحدهما: آدم وحواء، قاله ابن عباس والحسن والكلبي، الثاني: يعني جميع الذكور والإناث من بني آدم والبهائم. "

إما أن تكون (ال) للعهد الذكر والأنثى، فيكون المراد آدم وحواء، أو تكون (ال) للجنس، فيشمل الجميع.

" لأن الله تعالى خلق جميعهم من ذكر وأنثى من نوعهم، وقيل: كل ذكر وأنثى من الآدميين دون البهائم؛ لاختصاصهم بولاية الله وطاعته. "

فهم الذين يستحقون أن يقسم بهم من قبل الله- جل وعلا- له أن يقسم بما شاء، لكن لا يقسم إلا بالمعظم من خلقه، من له شأن.

"{ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} الليل:4 هذا جواب القسم، والمعنى إن عملكم لمختلف وقال: عكرمة وسائر المفسرين: السعي العمل فساعٍ في فكاك نفسه، وساعٍ في عطبها يدل عليه قوله -عليه السلام-: «الناس غاديان، فمبتاع نفسه فمعتقها وبائع نفسه فموبقها»، وشتى واحده شتيت مثل مريض ومرضى، وإنما قيل للمختلف: شتى؛ لتباعد ما بين بعضه وبعضه أي إن عملكم لمتباعد بعضه من بعض؛ لأن بعضه ضلالة، وبعضه هدى، أي فمنكم مؤمن وبر وكافر وفاجر ومطيع وعاصٍ، وقيل: {لَشَتَّى} الليل:4 أي لمختلف الجزاء، فمنكم مثاب بالجنة ومعاقب بالنار، وقيل: أي لمختلف الأخلاق، فمنكم راحم وقاسم وحليم وطائش وجواد وبخيل وشبه ذلك. "

لكن الأقرب أنه يكون من سعي الشخص ومن اختياره، لا مما يُضطر إليه ويجبر عليه من الأخلاق والغرائز، سعيه الذي ينسب إليه شتى متباين تجد هذا في الخير وذاك في الشر، هذا يعين على الخير وذاك يعين على الشر، هذا مفتاح للخير، وذاك مفتاح للشر، وتجد هذا مطّردًا في حياته، وذاك مطّردًا في حياته، فبينهما بَون شاسع وفرق كبير، الذي يبين الشتات وبعد الأطراف في مثل هذا.

" قوله تعالى {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5-10] فيه أربع مسائل؛ الأولى: قوله تعالى: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل:5] قال: ابن مسعود: يعني أبا بكر - رضي الله عنه- وقاله عامة المفسرين، فروي عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: كان أبو بكر يعتق على الإسلام عجائز ونساء قال: فقال: له أبوه قحافة أي بنيّ، لو أنك أعتقت رجالاً جلدًا يمنعونك ويقومون معك. "

أعتقهم لله لا للدفاع عنه- رضي الله عنه وأرضاه-.

" فقال: يا أبت، إنما أريد ما أريد، وعن ابن عباس في قوله تعالى: { فَأَمَّا مَن أَعْطَى} [الليل:5] أي بذل {وَاتَّقَى}[الليل:5] أي محارم الله التي نهى عنها {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل:6] أي.. "

يعني انطباق الآية على أبي بكر وإطباق المفسرين على ذكره في تفسيرها، وقد يكون سببًا لنزولها إلا أن لفظها أعم، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، { فَأَمَّا مَن تَابَ} [القصص:67] عموم {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى*وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: ٥ - ٦] فله هذا الوعد ييسر للجنة، وبضده من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فيسهل وييسر له دخول النار، نسأل الله العافية.

"{وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل:6] أي بالخلف من الله تعالى على عطائه. { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:7] وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا»، وروي من حديث أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من يوم غربت شمسه إلا بُعث بجنبتها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين: اللهم أعط منفقًا خلفًا، وأعط ممسكًا تلفًا»، فأنزل الله تعالى في ذلك في القرآن {فَأَمَّا مَن أَعْطَى } [الليل:5] الآيات وقال: أهل التفسير: فأما من أعطى المعسرين. وقال قتادة: أعطى حق الله تعالى الذي عليه. وقال الحسن: أعطى الصدق من قلبه. {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل:6] أي بلا إله إلا الله، قاله الضحاك والسلمي وابن عباس أيضًا، وقال: مجاهد: بالجنة، دليله قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] الآية وقال: قتادة: بموعود الله الذي وعده أن يثيبه. وقال زيد بن أسلم: بالصلاة والزكاة والصوم. وقال الحسن: بالخلف من عطائه. وهو اختيار الطبري، وتقدم عن ابن عباس، وكله متقارب المعنى، إذ كله يرجع إلى الثواب الذي هو الجنة. "

يعني اختلاف تنوع ما هو باختلاف تضاد، كله مآله إلى شيء واحد.

" الثانية: قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}[الليل:7] أي نرشده لأسباب الخير والصلاح حتى يسهل عليه فعلها، وقال زيد بن أسلم: {لِلْيُسْرَى} [الأعلى:8] للجنة، وفي الصحيحين والترمذي عن علي- رضي الله عنه- قال: كنا في جنازة بالبقيع فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فجلس وجلسنا معه، ومعه عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء فقال: «ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها» فقال القوم: يا رسول الله، أفلا نتّكل على كتابنا، فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء؟ قال: «بل اعملوا فكل ميسر.. أما من كان من أهل السعادة»."

ميسر يعني لما خلق له.

"«أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر لعمل الشقاء»، ثم قرأ: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى*وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى*وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: ٥ - ١٠] هذا لفظ الترمذي وقال فيه: حديث حسن صحيح، وسأل غلامان شابان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالا: العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير، أم في شيء يستأنف؟ فقال -عليه السلام-: «بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير»، قالا: ففيم العمل؟ قال: «اعملوا فكل ميسر لعمل الذي خلق له»، قالا: فالآن نجِدُّ ونعمل. "

لا شك أن مثل هذا المقام قد يشكل على بعض الناس أنه مادام مكتوبًا عليك الشقاء لماذا تتعب؟ مكتوب عليك السعادة لماذا تتعب؟ لكن الشقاوة كتبت بمقدمات وأسباب، والسعادة كتبت بمقدمات وأسباب، ولو أردت الزواج ثم قال لك شخص: لمَ تتزوج، إن كان مكتوب لك أولاد سيأتون، وإن كان ما كتب لك أولاد فلن يأتون، فما تقول له؟ توافق؟ تقول: خلاص دعنا من الزواج؟! لن يأتي الأولاد إلا بسبب، ولا أنت بداخل الجنة إلا بسبب، بما كنتم تعملون، نعم أصل الدخول برحمة الله، ومنازلها بتفاضل الأعمال، ويبقى أن كل شيء تحت إرادة الله وقدرته ومشيئته التي لا غالب لها ولا رادّ، فالحمد لله، الأمر بيّن وواضح، ولا حجة فيه لقدرية ولا جبرية ولا أحد، فالحق أبلج.

طالب: أحسن الله إليك، حديث الشابين الغلامين.

حديث الشابين ماذا يقول عنه.

طالب: ...............

بُشَيْر بُشَيْر، نعم، ماذا قلت؟

طالب: ...............

وعلى كل حال معناه ثابت في أحاديث صحيحة.

طالب: ...............

ماذا؟

طالب: ...............

من هم؟

طالب: ...............

مادام حديثهم ما هو بثابت، فيه كلام كثير لأهل العلم.

" الثالثة: قوله تعالى: {وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} [الليل:8] أي ظن بما عنده فلم يبذل خيرًا، وقد تقدم بيانه وثمرته في الدنيا في سورة آل عمران، وفي الآخرة مآله النار، كما في هذه الآية، وروى الضحاك عن ابن عباس {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:10] قال: سوف أحول بينه وبين الإيمان بالله وبرسوله، وعنه عن ابن عباس قال: نزلت في أمية بن خلف. وروى عكرمة عن ابن عباس { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} الليل:8 يقول: بخل بماله واستغنى عن ربه. {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} الليل:9 أي بالخلف، وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} قال: بالجنة، وبإسناد عنه آخر قال: {بِالْحُسْنَى} أي بلا إله إلا الله. {فَسَنُيَسِّرُهُ} الليل:7 أي نسهل طريقه {لِلْعُسْرَى} الليل:10 أي للشر، وعن ابن مسعود: للنار. وقيل: أي فسنعسر عليه أسباب الخير والصلاح حتى يصعب عليه فعلها، وقد تقدم أن الملك ينادي صباحًا ومساءً: «اللهم أعط منفقًا خلفا وأعط ممسكًا تلفًا» رواه أبو الدرداء. مسألة. "

شراح الحديث في صلاة الجمعة وما ورد فيها من التهديد الشديد والوعيد قالوا: أكثر من واحد قال: ولا شك أن ترك الجمعة مع ما ورد فيها من هذه النصوص أنه من باب تيسير العسرى يعني تسهيل دخول النار.. نسأل الله العافية.

" مسألة قال: العلماء: ثبت بهذه الآية وبقوله. "

بعض الطلاب لما يُسأل عن هذه الجملة: تيسير العسرى أنه من باب تيسير الأمر العسير هذا مدح أم ذم؟ والسياق ذم أم مدح؟ ذم بلا شك، وربطه بهذه الآية ماذا معناه.

" ثبت بهذه الآية وبقوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون}[البقرة:3]، وقوله: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً} [البقرة:274] إلى غير ذلك من الآيات أن الجود من مكارم الأخلاق والبخل من أرذلها، وليس الجواد الذي يعطي في غير موضع العطاء، ولا البخيل الذي يمنع في موضع المنع، لكن الجواد الذي يعطي في موضع العطاء، والبخيل الذي يمنع في موضع العطاء، فكل من استفاد بما يعطي أجرًا وحمدًا فهو الجواد، وكل من استحق بالمنع ذمًّا أو عقابًا فهو البخيل، ومن لم يستفد بالعطاء أجرًا ولا.. "

نعم هذا الأصل في المسألة، لكن يبقى أنه الممدوح منه ما ينفعه في الآخرة؛ لأنه قد يُمدح عليه على نوع من الجود، وهو لا ينفع عند الله- جل وعلا- لما قارنه من شرك أو رياء أو ما أشبه ذلك.

" ومن لم يستفد بالعطاء أجرًا ولا حمدًا، وإنما استوجب به ذمًّا فليس بجواد، وإنما هو مسرف مذموم، وهو من المبذرين الذين جعلهم الله إخوان الشياطين وأوجب الحجْر عليهم، ومن لم يستوجب بالمنع عقابًا ولا ذمًّا واستوجب به حمدًا فهو من أهل الرشد الذين يستحقون القيام على أموال غيرهم بحسن تدبيرهم وسداد رأيهم. الرابعة قال: الفراء: يقول القائل: كيف؟ قال: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:10] وهل في العسرى تيسير؟ فيقال: في الجواب هذا في إجازته بمنزلة قوله- عز وجل-: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم}[آل عمران:21] والبشارة في الأصل على المفرح والسائر. "

والسار.

على المفرح والسار.

لكن أسلوب التهكم يرد بمثل هذا، وهؤلاء يستحقون من يسخر بهم ويتهكم بهم.

" والبشارة في الأصل على المفرح والسار، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر جاءت البشارة فيهما، وكذلك التيسير في الأصل على المفرح، فإذا جمع في كلامين هذا خير، وهذا شر، جاء التيسير فيهما جميعًا قال الفراء: وقوله.. "

لفظ التيسير لا شك أنه ممدوح في الجملة، لكن يبقى أن تيسير العسير أو تيسير الشديد يسلب عنه هذا المعنى.

وقوله تعالى..

قد يكون فيه نوع من التنافر في الألفاظ، تيسير العسير {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:10]  تنافر يسمونه لفظيًّا ما فيه تآلف بين الكلمتين، لكن هو جاء في أفصح الكلام، وكل كلام يراد يضاد به فهو منقوض، يعني نظير ذلك ما يقوله أهل المصطلح يقولون: المتصل ما اتصل إسناده، والمنقطع ما انقطع إسناده، والمقطوع ما يضاف إلى التابعي ولو اتصل إسناده فلا يرون أن يقال: هذا متصل مقطوع، المقطوع اصطلاحًا ما يضاف إلى التابعي فمن دونه، يقابله الموقوف على الصحابي، والمرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمقطوع غير المنقطع، فما يرون أنك تقول هذا متصل مقطوع وإن اتصل سنده إلى التابعي، يقولون هذا للتنافر اللفظي، كيف متصل مقطوع؟!

طالب: ...............

هو مع انفكاك الجهة ما فيه إشكال، هم يقولون هذا من باب التنافر اللفظي.

.........................
 

 

ولم يروا أن يدخل المقطوع
 

يعني في المتصل؛ لوجود التنافر اللفظي كأنه يضله ويهديه.

طالب: ...............

المقصود أنه إذا انفكت الجهة ما فيه إشكال، ينكشف الأمر، لكن ما يرون التعبير وأنت في حال السعة أن تلجأ إلى كلمتين متنافرتين وتقرن بينهما، نقول: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:10] هذا على اصطلاحهم تنافر، لكن هذا أفصح الكلام، ما لأحد كلام.

طالب: ...............

هذا الكلام، لكن المقصود التيسير والتعسير لفظان متنافران لفظان، لكن ما مادام جاء في أفصح الكلام فما لأحد كلام، كل القواعد ترد إليه.

" وقوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ}[الليل:7] سنهيئه، والعرب تقول: قد يسرت الغنم إذا ولدت أو تهيأت للولادة قال:

هما سيدانا يزعمان وإنما
 

 

يسوداننا أن يسرت غنماهما
 

قوله تعالى:{وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى}[الليل:11] أي مات، يقال: ردي الرجل يردى ردى إذا هلك قال.. "

يعني كما لو تردى من شاهق أو من جبل أو من جدار أو من شيء فمات، سبب من أسباب الهلاك، وهنا يتردى في النار، نسأل الله العافية.

طالب: ...............

الله- جل وعلا- يقول: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ } [فاطر:8] لكن هنا تيسير الله- جل وعلا- ييسر ويسهل ويمهد له دخول النار، بل هو في أفعاله يسعى في ذلك بنفسه.

قال:

صرفت الهوى عنهن من خشية الردى

 

................................
 

" وقال أبو صالح وزيد بن أسلم: {إِذَا تَرَدَّى}[الليل:11] سقط في جهنم، ومنه المتردية ويقال: ردي في البئر وتردى إذا سقط في بئر، أو تهوَّر من جبل، يقال: ما أدري أين ردي أي أين ذهب، وما يحتمل أن تكون جحدًا أي ولا يغني عنه ماله شيئًا. "

يعني تكون نافية.

" ويحتمل أن تكون استفهامًا معناه التوبيخ أي أيّ شيء يغني عنه إذا هلك ووقع في جهنم؟ {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى}[الليل:12] أي إن علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلالة، فالهدى بمعنى بيان الأحكام، قاله الزجاج، أي على الله البيان بيان حلاله وحرامه.. "

يعني الدلالة على الخير.

" أي بيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته، قاله قتادة. "

{إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى}[الليل:12]يعني هداية الدلالة والإرشاد بخلاف هداية التوفيق والقبول، هداية الدلالة والإرشاد لكل أحد، الله- جل وعلا- ما ترك لأحد حجة، أما هداية التوفيق والقبول فهذه لمن اصطفاهم الله- جل وعلا- لجنته وطاعته.

" وقال الفراء: من سلك الهدى فعلى الله سبيله؛ لقوله: {وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ}[النحل:9] يقول: من أراد الله فهو على السبيل القاصد، وقيل: معناه: إن علينا للهدى والإضلال فترَك الإضلال كقوله: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ}[آل عمران:26]

يعني من باب الاكتفاء يسمونه اكتفاءً { بِيَدِكَ الْخَيْرُ}[آل عمران:26] وبيده الشر أيضًا {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}[النحل:81] يعني والبرد.

" وبيده ملكوت كل شيء، وكما قال: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}[النحل:81] وهي تقي البرد، وعن الفراء أيضًا وقيل: أي إن علينا ثواب هداه الذي هديناه، وإن لنا للآخرة والأولى، للآخرة الجنة والأولى الدنيا، وكذا روى عطاء عن ابن عباس: أي الدنيا والآخرة لله تعالى، وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: ثواب الدنيا والآخرة، وهو كقوله تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}[النساء:134]، فمن طلبهما من غير مالكهما فقد أخطأ الطريق. قوله تعالى: { فَأَنذَرْتُكُمْ} [الليل:14] أي حذرتكم وخوفتكم { نَارًا تَلَظَّى} [الليل:14] أي تلهب.. "

{وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى} [الليل:13] أزمَّة الأمور كلها بيد الله- جل وعلا- لا يستطيع أن يملك أحد مثقال ذرة دونه- جل وعلا- فكل الأمور المتعلقة سواء كانت بالدنيا أو بالآخرة كلها لله- جل وعلا-، وبيده وتصرفه لا يستطيع أحد أن يتصرف منها بشيء إلا بإذنه.

" وأصله تتلظى، وهي قراءة عبيد بن عمير ويحيى بن يعمر وطلحة بن مصرّف. { لاَ يَصْلاَهَا} [الليل:15] أي لا يجد صلاها وهو حرها {إِلاَّ الأَشْقَى} [الليل:15] أي الشقي {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل:16] نبي الله محمد. "

نعم ليس المراد الأفعل أفعل التفضيل الذي هو أشقى من غيره، وإلا فجنس الشقي يصلى النار وإذا قلنا: {لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى} [الليل:15] بمعنى أفعل التفضيل أن من دونه في الشقاء لا يتوعد عليها إلا الشخص الذي هو بلغ الغاية في الشقاء، ومن دونه في الشقاء لا يدخل في هذا، لكن قالوا: أفعل التفضيل ويراد بها الوصف، لا يراد بها المفاضلة.نعم

"{الَّذِي وَتَوَلَّى} [الليل:16] نبي الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- {وَتَوَلَّى}[الليل:16] أي أعرض عن الإيمان، وروى مكحول عن أبي هريرة قال: كلٌّ يدخل الجنة إلا من أباها قال: يا أبا هريرة، ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ قال: الذي كذب وتولى، وقال مالك: صلى بنا عمر بن عبد العزيز المغرب فقرأ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}[الليل:1] فلما بلغ: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى}[الليل:14]وقع عليه البكاء، فلم يقدر يتعداها من البكاء، فتركها وقرأ سورة أخرى. وقال الفراء: {ِلاَّ الأَشْقَى}[الليل:15] إلا من كان شقيًّا في علم الله- جل ثناؤه-."

قلوب حية تعي ما تقرأ، وتعي ما تسمع، أما الآن في حال كثير من الناس حتى من ينظر إليهم على أنهم من الخاصة أو من طلاب العلم أو من أهل العلم لا يحرك فيهم ساكنًا، نسأل الله أن يحيي قلوبنا، يعني ما تجد فرقًا بين من يقرأ القرآن ومن يتلو الأخبار، ما هنا فرق.

" وروى الضحاك عن ابن عباس قال: {لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى}[الليل:15] أمية بن خلف ونظراؤه الذين كذبوا محمدًا -صلى الله عليه وسلم-. وقال قتادة: كذّب بكتاب الله وتولى عن طاعة الله. وقال: الفراء: لم يكن كذب برد ظاهر، ولكنه قصّر عما أمر به من الطاعة، فجُعل تكذيبًا كما تقول: لقي فلانٌ العدوّ فكذَب إذا نكل ورجع عن اتباعه، قال. "

يعني حال كثير من المسلمين الذين يسمعون ما جاء عن الله وعن رسوله في وصف الجنة ووصف النار والوعد والوعيد، حال كثير منهم في الإعراض كحال المكذب كأنه ما هو مصدق، يعني لو كان مصدقًا وقد ركب الله فيه العقل ما صارت هذه حاله.

" قال: وسمعت أبا ثروان يقول: إن بني نمير ليس لجدهم مكذوبة يقول: إذا لقوا صدقوا القتال ولم يرجعوا، وكذلك قوله- جل ثناؤه-: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَة}[الواقعة:2] يقول: هي حق، وسمعت سْلم بن الحسن يقول: سمعت أبا إسحاق الزجاج يقول: هذه الآية التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء، فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر؛ لقوله- جل ثناؤه-: {لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى*الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[الليل:15-16]  وليس الأمر كما ظنوا، هذه نار موصوفة بعينها لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى، ولأهل النار منازل، فمنها أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، والله سبحانه كلما وعد عليه بجنس من العذاب فجائز أن يعذِّب به، وقال- جل ثناؤه-: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}[النساء:48]  فلو كان كل من لم يشرِك لم يعذَّب لم يكن في قوله: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}[النساء:48] فائدة، وكان. "

نعم فدل على أن كل مشرك معذّب، وأنه لا يُغفر له إذا كان الشرك أكبر، ولو كان شركه ولو كانت شقاوته دون غيره من عُتاة المشركين والمنافقين لو كان دونهم، وإلا فالصيغة تختص بالأشقى، لكن لا شك أن هذا غير مراد إذا قلنا: إن المراد جنس النار{فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى}[الليل:14-15] وإذا قلنا نوع خاص من النار يعني جهة من جهاتها أو درك من دركاتها قلنا: نعم هذا لأشدهم شقاوة، ويبقى لمن دونهم نار أخرى، كما أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وغيرهم من الكفار في نواحٍ أخرى.

" وكان ويغفر ما دون ذلك كلامًا لا معنى له قال الزمخشري: الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين فقيل: الأشقى وجعل مختصًّا بالصلي كأن النار لم تخلق إلا له، وقيل: الأتقى وجعل مختصًّا بالجنة كأن الجنة لم تخلق إلا له، وقيل: هما أبو جهل أو أمية. "

يعني من تمام المقابلة بين الطائفتين.

" وقيل: هما أبو جهل أو أمية بن خلف وأبو بكر - رضي الله عنه-."

رأس المسلمين مع رأس الكفر، نسأل الله العافية.

" قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا}[الليل:17] أي يكون بعيدًا منها {الأَتْقَى}[الليل:17] أي المتقي الخائف قال ابن عباس: هو أبو بكر - رضي الله عنه- يُزَحزَح عن دخول النار، ثم وصف الأتقى فقال:{الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}[الليل:18] أي يطلب أن يكون عند الله زاكيًا، ولا يطلب بذلك رياءً ولا سمعة. "

يؤتي ماله ليتزكى يعني يتقرب بماله لتتم تزكيته من الله- جل وعلا-.

" ولا يطلب بذلك رياءً ولا سمعة، بل يتصدق به مبتغيًا وجه الله تعالى وقال بعض أهل المعاني: أراد بقوله الأتقى والأشقى أي التقي والشقي كقول طَرفة:

تمنى رجالٌ أن أموت وإن أمت
 

 

فتلك سبيل لست فيها بأوحد
 

أي واحد ووحيد، وتوضع أفعل موضعَ فعيل نحو قولهم: الله أكبر بمعنى كبير، وهو أهون عليه بمعنى هيّن. قوله تعالى: {وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى}[الليل:19] "

يعني مثل ما ذكرنا سابقًا أن أفعل يراد بها الوصف لا يراد بها التفضيل.

"{وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى}[الليل:19] أي ليس يتصدق ليجازى على نعمه، إنما يبتغي وجه ربه الأعلى أي المتعالي. {وَلَسَوْفَ يَرْضَى}[الليل:21] أي بالجزاء، فروى عطاء والضحاك عن ابن عباس قال: عذب المشركون بلالاً، وبلالٌ يقول: أحد أحد، فمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «أحد» يعني اللهَ تعالى ينجيك ثم قال لأبي بكر: «يا أبا بكر إن بلالاً يُعذّب في الله». فعرف أبو بكر الذي يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فانصرف إلى منزله فأخذ رطلاً من ذهب، فمضى به إلى أمية بن خلف فقال له: أتبيعني بلالاً؟ قال: نعم، فاشتراه فأعتقه فقال المشركون: ما أعتقه أبو بكر إلا ليدٍ كانت له عنده فنزلت: {وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى}[الليل:19]أي عند أبي بكر. {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُون}[النحل:53]أي من يد ومنّة تجزى، بل ابتغاء بما فعل وجه ربه. "

ابتغاءً يعني مفعول لأجله.

" بل ابتغاءً بما فعل وجه ربه الأعلى. "

لما قُطع عن الإضافة نون، لكن لما أضيف في الآية حذف التنوين.

جعلها بين قوسين على أنها الآية.

لا.

طالب: ...............

نعم، ما هي من الآية، لكن إذا بغيت تقرأ ابتغاءً بما فعل فلازم تنوّن.

طالب: كأنه سبق...

سبق، نعم.

" ابتغاءً بما فعل وجه رب الأعلى، وقيل: اشترى أبو بكر من أمية وأبي بن خلف بلالاً ببردة وعشر أواقٍ فأعتقه لله، فنزلت:{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}[الليل:4] وقال سعيد بن المسيِّب: بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر حين قال له أبو بكر: أتبيعنيه؟ فقال: نعم أبيعه بنصطاس، وكان نصطاس عبدًا لأبي بكر صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوارٍ ومواشٍ، وكان مشركًا، فحمله أبو بكر على الإسلام على أن يكون له ماله فأبى، فباعه أبو بكر به. "

يعني ببلال، باعه ببلال.

" فقال المشركون: ما فعل أبو بكر ببلال هذا إلا ليد كانت لبلال عنده، فنزلت:{وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى*إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى}[الليل:19-20]  أي لكن ابتغاء فهو استثناء منقطع، فلذلك نُصبت كقولك: ما في الدار أحد إلا حمارًا. "

فيكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه.

" ويجوز الرفع وقرأ يحيى بن وثاب إلا ابتغاءُ وجه ربه بالرفع على لغة من يقول يجوز الرفع في المستثنى، وأنشد في اللغتين قول بشر بن أبي خازم:

أضحت خلاءً قفارًا لا أنيس بها
 

 

إلا الجآذر والظلمان تختلف
 

وقول القائل:

وبلدة ليس بها أنيس
 

 

إلا اليعافير وإلا العيس
 

وفي التنزيل: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}[النساء:66]، وقد تقدم. "

لا شك أن الاستثناء إذا كان تامًّا موجبًا فالمستثنى منصوب، وإذا كان ليس بتام ولا موجب، فإنه يرفع. لا إله إلا اللهُ؛ لأنه ليس بتام وليس بموجب، إذا اختل أحد الشرطين رُفع.

" وجه ربه الأعلى أي مرضاته، وما يقرب منه، والأعلى من نعت الرب الذي استحق صفات العلو، ويجوز أن يكون {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار}[الرعد:22] مفعولاً له على المعنى؛ لأن معنى الكلام لا يؤتي ماله إلا ابتغاءَ وجه ربه لا لمكافأة نعمته. {وَلَسَوْفَ يَرْضَى}[الليل:21] أي سوف يعطيه في الجنة ما يرضى، وذلك أنه يعطيه أضعاف ما أنفق، وروى أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «رحِم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالاً من ماله»، ولما اشتراه أبو بكر قال له بلال: هل اشتريتني لعملك أو لعمل الله؟ قال: بل لعمل الله، قال: فذرني وعمل الله، فأعتقه وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- يقول: أبو بكر سيدُنا، وأعتق سيدَنا، يعني بلالاً - رضي الله عنه-."

بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- طلب أبو بكر من بلال أن يؤذن، فرفض بلال، العتق أمره نفذ وانتهى، وأجرك على الله، يعني ما بقي شيء، لكن أن ترجو شيئًا من هذا الأمر، وأبو بكر لا يرجو إلا ابتغاء وجه ربه حتى مثل هذا الطلب لا يكرره ولا يلوي عليه بعد أن بيّن له بلال أنه أعتقه لله.

" وقال عطاء: وروي عن ابن عباس: إن السورة نزلت في أبي الدحداح في النخلة التي اشتراها بحائط له فيما ذكر الثعلبي عن عطاء وقال القشيري عن ابن عباس: بأربعين نخلة ولم يسم الرجل، قال عطاء: كان الرجل من كان لرجل من الأنصار نخلة يسقط من بلحها في دار جارٍ له، فيتناوله صبيانه، فشكا ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تبيعها بنخلة في الجنة» فأبى، فخرج فلقيه أبو الدحداح فقال: هل لك أن تبيعنيها بحسنى حائط له فقال: هي لك، فأتى أبو الدحداح إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال.. "

يعني بالحائط، أي بمقابل الحائط، وهي نخلة واحدة.

" وقال: يا رسول الله، اشترِ مني بنخلة في الجنة قال: «نعم والذي نفسي بيده»، فقال: هي لك يا رسول الله، فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- جار الأنصاري فقال: «خذها» فنزلت:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}[الليل:1] إلى آخر السورة في بستان أبي الدحداح وصاحب النخلة {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى}[الليل:5] يعني أبا الدحداح، {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}[الليل:6] أي بالثواب، {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}[الليل:7] يعني الجنة {وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}[الليل:8] يعني الأنصاري، {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}[الليل:9] أي بالثواب، {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}[الليل:10] يعني جهنم، {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى}[الليل:11] أي مات إلى قوله.. "

الآن بعض الناس يحتاج المسجد مثلاً إلى متر من بيته، فيطلب منه، فيرفض، يأتي الجيران يقولون له: المتر كم يساوى؟ يساوى ألفًا؟ نعطيك عشرة آلاف، يقول: لا، ما أريد إلا متري، يا ابن الحلال للمسجد، أو تكون أرض ما لها أي ميزة بجوار مسجد، والمسجد يحتاج إلى توسعة وبجواره أرض أفضل منه يقولون له، خذ هذه الأرض، يقول: لا ما أريد إلا أرضي، محروم الحرمان ما له نهاية.

" إلى قوله {لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى}[الليل:15]"

مخرج الحديث حديث أبي الدحداح؟

طالب: ....................

ماذا؟

طالب: ....................

نزول الآية في أبي بكر، لكن قصة أبي الدحداح مع صاحب النخلة لها أصل.

طالب: ....................

بهذا اللفظ، أما بغيره فلها أصل.

" وكان يعني بذلك الخزرجي، وكان منافقًا فمات على نفاقه {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى}[الليل:17] يعني أبا الدحداح {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}[الليل:18]، في ثمن تلك النخلة، {وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى}[الليل:19] يكافؤه عليها يعني أبا الدحداح، {وَلَسَوْفَ يَرْضَى}[الليل:21] إذا أدخله الله الجنة، والأكثر أن السورة نزلت في أبي بكر - رضي الله عنه-، وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن الزبير وغيرهم، وقد ذكرنا خبرًا آخر لأبي الدحداح في سورة البقرة عند قوله: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا } [البقرة:245] والله تعالى أعلم. "

 

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه...

"