التعليق على تفسير القرطبي - سورة المسد

  بسم الله الرحمن الرحيم، سورة تبت، وهي مكية بإجماع، وهي خمس آيات، قوله تعالى:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب}[المَسَد:1] فيه ثلاث مسائل؛ الأولى: قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب}[المَسَد:1]  في الصحيحين وغيرهما واللفظ لمسلم عن ابن عباس قال: لما نزلت: وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين. "

المخلَصين أو المخلِصين.

" ورهطك منهم المخلَصين خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى صعد الصفا، فهتف: يا صباحاه، فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد، فاجتمعوا إليه فقال: «يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب» فاجتمعوا إليه فقال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدِّقيّ؟» قالوا: ما جربنا عليك كذبًا، قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد»، فقال أبو لهب: تبًّا لك، أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة، تبت يدا أبي لهب وقد تبّ، كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة، زاد الحميدي وغيره: فلما سمعت امرأته ما نزل في زوجها وفيها من القرآن أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر- رضي الله عنه- وفي يدها فهر من حجارة، فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا ترى إلا أبا بكر فقالت: يا أبا بكر، إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه والله إني لشاعرة:

مذممًا عصينا

 

وأمره أبينا

 

ودينه قلينا  

 

         

ثم انصرفت. "

وهذا الهجاء ليس لمحمد -عليه الصلاة والسلام- ليس له، ما قالت: محمد عصينا، مذمم، وليس بمذمم -عليه الصلاة والسلام-، فصرف عنه الهجاء كما صرفها عنه.

" فقال أبو بكر: يا رسول الله، أما تراها رأتك؟ قال: «ما رأتني، لقد أخذ الله بصرها عني»، وكانت قريش إنما تسمي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مذممًا، يسبونه، وكان يقول: «ألا تعجبون لما صرف الله عني من أذى قريش، يسبون ويهجون مذممًا، وأنا محمد» وقيل: إن سبب نزولها ما حكاه عبد الرحمن بن زيد أن أبا لهب أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ماذا أُعطى إن آمنت بك يا محمد؟ فقال: «كما يُعطى المسلمون» قال: ما لي عليهم فضل؟ قال: «وأي شيئًا تبغي» قال: تبًا لهذا من دين أن أكون وهؤلاء سواء. "

متعودون على ما جرى عليه العرف من أن عم الملك وعم السيِّد المطاع له مزيِّة على غيره، هم يتصورون مثل هذا، ما فيه شيء في دين الله {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] .

" فأنزل الله تعالى فيه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب}[المَسَد:1]،  وقول ثالث حكاه عبد الرحمن بن كيسان قال: كان إذا وفد على النبي -صلى الله عليه وسلم- وفْد انطلق إليهم أبو لهب فيسألونه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويقولون له: أنت أعلم به منَّا، فيقول لهم أبو لهب: إنه كذاب ساحر، فيرجعون عنه ولا يلقَونه، فأتى وفد ففعل معهم مثل ذلك فقالوا: لا ننصرف حتى نراه ونسمع كلامه، فقال لهم أبو لهب: إنا لم نزل نعالجه فتبًّا له وتعسًا، فأُخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاكتأب لذلك فأنزل الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب} [المسد:1] السورة، وقيل: إن أبا لهب أراد أن يرمي النبي -صلى الله عليه وسلم- بحجر فمنعه الله من ذلك وأنزل الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب}[المَسَد:1]  للمنع الذي وقع به. "

حيث قبضت يده عن رمي الحجر عليه -عليه الصلاة والسلام-.

" ومعنى تبت: خسرت، قاله قتادة، وقيل: خابت، قال ابن عباس، وقيل: ظلت، قاله عطاء، وقيل: هلكت، قاله ابن جبير، وقال يمان بن رئاب: صَفرت من كل خير. "

يعني عادت صفرًا خالية، نسأل الله العافية.

" حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه لما قتل عثمان- رحمه الله- سمع الناسُ هاتفًا يقول:

لقد خلوك وانصرفوا

 

فما آبوا ولا رجعوا

ولم يوفوا بنذرهم

 

فيا تبًا لما صنعوا

وخص اليدين بالثياب؛ لأن العمل. "

بالتباب.

" وخص العمل بالتباب. "

وخص اليدين.

" وخص اليدين بالتباب؛ لأن العمل أكثر ما يكون بهما أي خسرتا وخسر هو، وقيل: المراد باليدين نفسه، وقد يعبَّر عن النفس باليد كما قال الله تعالى: {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج:10]  أي نفسك، وهذا مهيع كلام العرب تعبر ببعض الشيء عن كله تقول: أصابت. "

هذه طريقتهم وجادّتهم يعبّرون بالبعض عن الكل، كما أنهم يعبرون بالكل عن البعض.

تقول..

طالب: ...................

ماذا فيه؟

طالب: ...................

عثمان بن عفان.

طالب: ...................

ما هنا جادّة، ما هنا قاعدة، يقول لك مالك- رضي الله عنه- ما هو ماشي على الاصطلاح والعرف، المعروف كثير من أهل العلم الشافعية يقولون- رضي الله عنه- عن الشافعي، والحنابلة كذلك ما هم ملتزمون بما استقر عليه العرف من الترضي عن الصحابة، والترحم على من دونهم من بعدهم، وهذه الرحمة على كل حال مطلوبة لكل أحد، الأمر سهل.

" تقول: أصابته يد الدهر ويد الرزايا والمنايا أي أصابه كل ذلك، قال الشاعر:

لما أكبّت يد الرزايا

 

عليه نادى ألا مجيرُ

وتب قال الفراء: التب الأول دعاء، والثاني خبر، كما يقال: أهلكه الله وقد هلك، وفي قراءة عبد الله وأبيّ: وقد تبّ. وأبو لهب اسمه عبد العزى، وهو ابن عبد المطلب عم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وامرأته العوراء أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب، وكلاهما كان شديد العداوة للنبي -صلى الله عليه وسلم- قال طارق بن عبد الله المحاربي: إني بسوق ذي المجاز إذ أنا بإنسان يقول: «يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا»، وإذا رجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول: يا أيها الناس إنه كذاب فلا تصدقوه. فقلت: من هذا؟ فقالوا: محمد زعم أنه نبي، وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب، وروى عطاء عن ابن عباس قال: قال أبو لهب: سحركم محمد إن أحدنا ليأكل الجذعة ويشرب العُسَّ من اللبن فلا يشبع، وإن محمدًا قد أشبعكم من فخذ شاة وأرواكم من عسّ لبن. "

-عليه الصلاة والسلام- البركة، وهذا يقول إنه سحركم ما كانت الجذعة تكفي واحدًا وصارت تكفي الفئام من الناس، ما يدركون مثل هذه الأمور.

" الثانية: قوله تعالى: {أَبِي لَهَبٍ } [المسد:1]  قيل: سُمي باللهب لحسنه وإشراق وجهه، وقد ظن قوم أن في هذا دليلاً على تكنية المشرك، وهو باطل،وإنما كناه الله بأبي لهب عند العلماء لمعانٍ أربعة الأوّل: أنه كان اسمه عبد العزى، والعزى صنم، ولم يضف الله في كتابه العبودية إلى صنم. الثاني: أنه كان بكنيته.. "

لأن العدول عن التسمية، التسمية محرمة، وكتاب الله منزّه أن يعبّد فيه أحد لغير الله، جل وعلا.

" الثاني: أنه كان بكنيته أشهر منه باسمه فصرّح بها. الثالث: أن الاسم أشرف من الكنية فحطه الله- عز وجل- عن الأشرف إلى الأنقص. "

لكن المعروف عند أهل العلم أن التكنية أكمل من التسمية بدلاً من أن يقال: يا فلان أفضل من هذا أن يقال: يا أبا فلان، وإذا كانت فيه قرابة بينه وبين من يدعوه بقرابته يا عم، يا خال، يا أبتِ وهكذا.

طالب: ...............

أبو أيش؟

طالب: ...............

خاب وخسر ماذا يبحث؟ صحيح والله ماذا يبحث؟!

طالب: ...............

بلا شك والأمور بمقاصدها، ماذا يقصد؟ ما عدل إلى هذا الرجل الذي هذا وضعه ونزل فيه من القرآن ما نزل والكنية ذكرت في هذا القرآن على سبيل الذم ويعدل إليها إلا أن  في نفسه شيئًا أو في عقله شيئًا.

طالب: ...............

«إن عم الرجل صنو أبيه».

طالب: ...............

ولو كان صغيرًا، النبي- عليه الصلاة والسلام- قال: «إن عم الرجل صنو أبيه» يعني مثل أبيه.

طالب: ...............

لكن ما هو برسمي يتداوله الناس فيما بينهم، ما هو برسمي.

طالب: ...............

الشيء إذا جروا عليه وعرفوه وتعارفه الناس كلهم وصعب عليهم تغييره أمره سهل، يعني ما هم يذكرونه لتعظيمه، وإنما لأنهم جروا ما يعرفونه إلا بهذا الاسم.

طالب: ...............

ماذا فيه؟

طالب: ...............

نعم، باعتبار أنه فيه مناسبة لهذا، ما فيه شك.

طالب: ...............

غلط.

طالب: ...............

لكن ما هو مناسب، لم يصل إلى العقوق المحرم، لكن غير مناسب أبدًا.

" فحطه الله- عز وجل- عن الأشرف إلى الأنقص إذا لم يكن بدٌّ من الإخبار عنه، ولذلك دعا الله تعالى الأنبياء بأسمائهم، ولم يكنِ عن أحد منهم، ويدلك على شرف الاسم على الكنية أن الله تعالى يسمّى ولا يكنَّى، وإن كان ذلك لظهوره وبيانه واستحالة نسبة الكنية إليه؛ لتقدسه عنها. الرابع: أن الله تعالى.. "

كلها ربع ساعة يا أبا عبد الله خلِّهم يقفوا.

طالب: ...............

ما له ولد يكنى به؛ لأن التكنية توهم بأن هناك ولدًا.

" الرابع: أن الله تعالى أراد أن يحقق نسبته بأن يدخله النار، فيكون أبًا لها تحقيقًا للنسب وإمضاءً للفأل والطيرة التي اختارها لنفسه. "

وإن كان الأولى أن تكون أمًّا له {فَأُمُّهُ هَاوِيَة} [القارعة:9] .

" وقد قيل: اسمه كنيته، فكان أهله يسمونه أبا لهب؛ لتلهب جسمه وحسنه. "

وجهه.

" لتلهب وجهه وحسنه، فصرفهم الله عن أن يقولوا أبو النور وأبو الضياء الذي هو المشترك بين المحبوب والمكروه، وأجرى على ألسنتهم أن يضيفوه إلى لهب الذي هو مخصوص بالمكروه المذموم، وهو النار، ثم حقق ذلك بأن يجعلها مقره، وقرأ مجاهد وحميد وابن كثير وابن محيصن: أبي لهْب بإسكان الهاء، ولم يختلفوا في ذاتَ لهب أنها مفتوحة؛ لأنهم راعوا فيها رؤوس الآي. الثالثة قال ابن عباس: لما خلق الله- عز وجل- القلم قال له: اكتب ما هو كائن وكان فيما كتب تبت يدا تبت يد أبي لهب، وقال منصور: سئل الحسن عن قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب} [المسد:1]  هل كان في أم الكتاب؟ وهل كان أبو لهب يستطيع ألا يصلى النار؟ فقال: والله ما كان يستطيع ألا يصلاها، وإنها لفي كتاب الله من قبل أن يخلق أبو لهب وأبواه، ويؤيده قول موسى لآدم: أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأسكنك جنته، وأسجد لك ملائكته، خيّبت الناس وأخرجتهم من الجنة. قال آدم: وأنت موسى الذي اصطفاك بكلامه وأعطاك التوراة تلومني على أمر كتبه الله عليّ قبل أن يخلق الله السموات والأرض؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فحاج آدم موسى»، وقد تقدم هذا، وفي حديث همام عن أبي هريرة أن آدم قال لموسى: بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن يخلقني قال: بألفي عام قال: فهل وجدت فيها {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121] قال: نعم. قال: أفتلومني على أمر وكتب الله علي أن أفعله من قبل أن أخلق بألفي عام؟ فحج آدمُ موسى، وفي حديث طاوس وابن هرمز والأعرج عن أبي هريرة بأربعين عامًا. "

تخريجه، بألفي عام.

طالب: ..............

كلها تقدمت؟ يعني تقدمت في قصة آدم عليه السلام يعني الاحتجاج بالقدر على المعايب هو الذي حج به آدم موسى؛ لأنها صارت مصيبة بعد أن تاب منها بقيت مصيبة، وعلى هذا فيحتج بالقدر عليها.

طالب: ..............

خمسين ألفًا هذا المحفوظ.

طالب: ..............

عُرْف أنت لو يقال لك: يا فلان أفضل من أن يقال: يا أبا فلان عرف، هذا ما تعارف عليه الناس.

" قوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَب} [المسد:2]  أي ما دفع عنه عذاب الله ما جمع من المال ولا ما كسب من جاه، وقال مجاهد: من الولد، وولد الرجل من كسبه. وقرأ الأعمش: وما اكتسب، ورواه عن ابن مسعود وقال أبو الطفيل: جاء بنو أبي لهب يختصمون عند ابن عباس فاقتتلوا، فقام ليحجز بينهم فدفعه بعضهم فوقع على الفراش، فغضب ابن عباس وقال: أخرجوا عني الكسب الخبيث يعني ولده وعن عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنما إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولدي من كسبه»."

وإن ولده، ماذا عندكم؟

طالب: ..............

وإن ولدي من كسبه ولده، لا ما تصلح ولدي، وإن ولده من كسبه.

" وإن ولده من كسبه، خرجه أبو داود وقال ابن عباس: لما أنذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشيرته بالنار قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقًّا فإني أفدي نفسي بمالي وولدي فنزل {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَب} [المسد:2]  وما في قوله ما أغنى يجوز أن تكون نفيًا، ويجوز أن تكون استفهامًا أي أيّ شيء أغنى عنه؟ وما الثانية يجوز أن تكون بمعنى الذي، ويجوز أن تكون مع الفعل مصدرًا أي ما أغنى عنه ماله وكسْبه. قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَب} [المسد:3]  أي ذات اشتعال وتلهّب، وقد مضى في سورة المرسلات القول فيه، وقراءة العامة: سيصلى بفتح الياء، وقرأ أبو رجاء والأعمش بضم الياء، ورواها محبوب عن إسماعيل عن ابن كثير وحسين عن أبي بكر عن عاصم، ورُويت عن الحسن وقرأ أشهب العقيلي وأبو سمّال العدَوي ومحمد بن السميقع سيُصلى بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام. "

سيُصَلَّى.

سيُصَلّى.

سيُصَلّى نعم.

" سيُصَلّى بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام، ومعناها سيصليه الله.. "

الفرق بين هذه القراءة والتي قبلها سيُصْلَى وسيُصَلَّى سيُصْلى سيصْليه الله، والثانية مثلها إلا أنها مضعفة، والتضعيف الذي هو التشديد يدل على التكثير بخلاف التخفيف.

" من قوله: {وَتَصْلِيَةُ جَحِيم} [الواقعة:94]، والثانية: من الإصلاء أي يصليه الله من قوله: {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} [النساء:30]،  والأولى هي الاختيار لإجماع الناس عليها، وهي من قوله: {إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيم} [الصافات:163] . "

لا شك أن الذي يصليه النار هو الله- جل وعلا- وينسب الفعل إلى الفاعل الحقيقي وإلى غيره لأدنى سبب مثل ما يقال: مات زيد وتوفاه الله، توفي زيد، فالمتوفي في الحقيقة هو الله- جل وعلا- ينسب إليه الوفاة باعتبار أنها حلت به كما أنه أيضًا ينسب إلى الواسطة والسبب {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام:61]  فالفعل يسند إلى المباشر له الفاعل الحقيقي ولغيره لأدنى مناسبة.

" قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَب} [المسد:4]  قوله تعالى: وامرأته أم جميل، وقال ابن العربي: العوراء أم قبيح، وكانت عوراء، حمالةُ الحطب قال ابن عباس. "

حمالةُ هذه قراءة نافع وعليها المؤلف المفسر.

" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: كانت تمشي بالنميمة بين الناس تقول العرب: فلان يحطب على فلان إذا ورّش عليه، قال الشاعر:

إن بني الأدرم حمال الحطب

 

هم الوشاة في الرضا وفي الغضب

عليهم اللعنة تترى والحرب

 


 

وقال آخر:

من البيض لم تصطد على ظهر لأمة

 

ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب

يعني لم تمش بالنمائم، وجعل الحطب رطبًا ليدل على التدخين الذي هو زيادة في الشر، وقال أكثم بن صيفي لبنيه: إياكم والنميمة، فإنها نار محرقة، وإن النمام ليعمل في ساعة ما لا يعمل الساحر في شهر، أخذه بعض الشعراء فقال:

إن النميمة نار ويك محرقة

 

ففر عنها وجانب من تعاطها

ولذلك قيل: نار الحقد لا تخبو، وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يدخل الجنة نمّام»، وقال: ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهًا. "

شر الناس ذو الوجهين، وجاء: «لا يدخل الجنة قتات»، والمراد به النمام، ومر النبي -عليه الصلاة والسلام- بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة» نسأل الله العافية.

" وقال -عليه الصلاة والسلام-: «من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه»، وقال كعب الأحبار: أصاب بني إسرائيل، فخرج فيهم موسى- عليه السلام- ثلاث مرات يستسقون فلم يُسقَوا فقال موسى: إلهي عبادك، فأوحى الله إليه إني لا أستجيب لك ولا لمن معك؛ لأن فيهم رجلاً نمامًا قد أصر على النميمة، فقال موسى: يا رب من هو حتى نخرجه من بيننا؟ فقال: يا موسى أنهاك عن النميمة وأكون نمامًا؟! قال: فتابوا بأجمعهم فسُقوا، والنميمة من الكبائر لا خلاف في ذلك حتى قال الفضيل بن عياض: ثلاث تهد العمل الصالح، ويفطرن الصائم، وينقضن الوضوء: الغيبة والنميمة والكذب. وقال عطاء بن السائب: ذكرت للشعبي قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يدخل الجنة سافك دم ولا مشاء بنميمة ولا تاجر يربي»، فقلت: يا أبا عمرو قرن النمام بالقاتل وآكل الربا؟ فقال: وهل تُسفك الدماء وتُنهب الأموال وتهيّج الأمور العظام إلا من أجل النميمة. "

نسأل الله العافية، نسأل الله العافية.

" وقال قتادة وغيره: كانت تعير. "

الحديث..

طالب: ..............

الأخير نعم.

طالب: ..............

كلهم متوعدون بدخول النار، نسأل الله العافية.

" وقال قتادة وغيره: كانت تعير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالفقر ثم كانت مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظهرها؛ لشدة بخلها فعيّرت بالبخل، وقال ابن زيد والضحاك: كانت تحمل العضاء والشوك فتطرحه بالليل على طريق النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وقاله ابن عباس، قال الربيع: فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يطؤه كما يطأ الحرير، وقال مرة الهمداني: كانت أم جميل تأتي كل يوم بإبالة من الحسك فتطرحها على طريق المسلمين، فبينما هي حاملة ذات يوم حزمة أعيت فقعدت على حجر لتستريح فجذبها الملك من خلفها فأهلكها. وقال سعيد بن جبير: حمالة الخطايا والذنوب، من قولهم: فلان يحتطب على ظهره، دليله قوله تعالى: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} [الأنعام:31]  وقيل: المعنى حمالة الحطب في النار، وفيه بُعد. "

يعني حمل الخطايا والذنوب هو في الحقيقة حمل للوقود الذي توقد به في النار؛ لأن الذنوب هي وقودها، وهي سبب الإيقاد عليها، فكأنها تحمل حطبًا ليوقد عليها، نسأل الله العافية.

" وقراءة العامة: حمالةُ بالرفع على أن يكون خبرًا وامرأته ويكون في جيدها حبل من مسد جملة في موضع الحال من المضمر في حمالة أو خبرًا ثانيًا، أو يكون حمالةُ الحطب نعتًا لامرأته والخبر في جيدها حبل من مسد فيوقف على هذا على ذاتَ لهب، ويجوز أن يكون وامرأته معطوفة على المضمر في سيصلى، فلا يوقف على ذات لهب ويوقف على وامرأته، وتكون حمالة الحطب خبر ابتداء محذوف، وقرأ عاصم حمالة الحطب بالنصب على الذم كأنها اشتهرت بذلك، فجاءت الصفة للذم لا للتخصيص كقوله تعالى: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا} [الأحزاب:61]  وقرأ أبو قلابة: حاملة الحطب قوله.. "

يعني باسم الفاعل بدلاً من صيغة المبالغة فعّالة.

" قوله تعالى: {فِي جِيدِهَا} [المسد:5]  أي عُنقها، وقال امرؤ القيس:

وجيد كجيد الريم ليس بفاحش

 

إذا هي نصته ولا بمعطَّل

{حَبْلٌ مِّن مَّسَد} [المسد:5]  أي من ليف، قال النابغة: مقذوفة بذَخْيَس. "

بدَخِيْس.

بدَخِيْس؟

بدَخِيْس النَّحْضِ.

"مقذوفة بدَخِيْس النَّحْضِ بازلها

 

له صريف صريف القعو بالمسد

وقال آخر:

يا مسد الخوص تعوذ مني

 

إن كنتُ لدنا ليّنا فإني

ما شئت من أشمط ......."

 

 

مقسئني.

مقسئني.

" وقد يكون من جلود الإبل أو من أوبارها، قال الشاعر:

ومسد أمر من أيانق

 

.....................

أُمِرَّ ومسد أُمِرَّ.

ومسد أُمِرَّ من أيانق

 

لسن بأنياب ولا حقائق

وجمع الجيد أجياد والمسد.. "

يكون من جلود الإبل؛ لأنها إذا ربطت ويبست صَلُبت تكون من أقوى ما يمكن أن يربط به يسمونه القِدّ.

" وجمع الجيد أجياد، والمسد أمساد، قال أبو عبيدة: هو حبل يكون من صوف. قال الحسن: هي حبال من شجر تنبت باليمن تسمى المسد، وكانت تقتل. "

تُفتل.

" وكانت تُفتل قال الضحاك وغيره: هذا في الدنيا فكانت تعير النبي -صلى الله عليه وسلم- بالفقر وهي تحتطب في حبل تجعله في جيدها من ليف، فخنقها الله- جلَّ وعز- به فأهلكها، وهو في الآخرة حبل من نار، وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: في جيدها حبل من مسد قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعًا. وقاله مجاهد وعروة بن الزبير: تدخل من فيها وتخرج من أسفلها ويلوى سائرها على عنقها، وقال قتادة: حبل من مسد قال: قلادة من ودَع، الودَع خرَز بيض تخرج من البحر تتفاوت في الصغر والكبر، قال الشاعر:

والحِلْم حِلْم صبي يمرث الودَعة

 

..........................

والجمع ودعات قال الحسن.. "

يمرث يعني يمص الودَع.

" قال الحسن: إنما كان خرزًا في عنقها. وقال سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة من جوهر فقالت: واللات والعزى لأنفقنّها في عدواة محمد، ويكون ذلك عذابًا في جيدها يوم القيامة، وقيل: إن ذلك إشارة إلى الخذلان، يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء كالمربوط في جيده بحبل من مسد، والمسْد الفتل يقال.. "

والربط كما يكون لها ولأمثالها عن الإيمان يكون أيضًا لمن كان مسلمًا فيوثق عن بعض الأعمال الصالحة بما كسبت يداه من بعض الذنوب والمعاصي، كثير من الناس تصعب عليه الصلاة والنوافل، يصعب عليه صيام النافلة، يصعب عليه قيام الليل، يصعب عليه الذكر الذي لا يكلف شيئًا؛ لأنه موثق مقيد عن هذه الأعمال ببعض ما كسبت يداه من الذنوب، نسأل الله العافية، نسأل الله أن يفك أسرنا.

"والمسد الفتل يقال: مسد حبله يمسده مسدًا أي أجاد فتْله، قال: يمسد أعلى لحمه ويأرمه يقول: إن البقل يقوي ظهر هذا الحمار ويشده، ودابة ممسودة الخلق إذا كانت شديدة الأسر، قال الشاعر:

ومسد أُمِرَّ من أيانق

 

صُهب ................."

صُهْبٍ.

"...................

 

صُهْب عتاق ذات مخ زاهق

لسن بأنياب ولا حقائق

 

......................................

ويروى:

...................

 

ولا ضعاف مخهن زاهق

قال الفراء: هو مرفوع، والشعر مُكْفأ."

مُكْفأ.

" والشعر مُكْفأ. "

يقول: الإكفاء في الشعر المخالفة بين ضروب إعراب قوافيه، ومن الإكفاء أيضًا المخالفة بين هجاء قوافيه إذا تقاربت مخارج الحروف أو تباعدت.

" يقول: بل مخهن مكتنز رفعه على الابتداء، قال: ولا يجوز أن يريد ولا ضعاف زاهق مخهن كما لا يجوز أن تقول: مررت برجل أبوه قائمٍ بالخفض، وقال غيره: الزاهق هنا بمعنى الذاهب كأنه قال: ولا ضعاف مخهن، ثم رد الزاهق على الضعاف. "

بهذا يسمونه النعت السببي وليس النعت الحقيقي؛ لأنه نعت للأب وليس للرجل.

" ورجل ممسود أي مجدول الخَلْق وجارية حسنة المسْد والعصب والعصب والجدْل والأرم، وهي ممسودة ومعصوبة ومجدولة ومأرومة، والمساد على فِعَال لغة في المِآب. "

في المساب.

" لغة في المسأب وهي نحي السمن وسقاء العسل. "

يقول: وقد يهمز فيقال مِسْأب كمنبر.

" وهي نحي السمن وسقاء العسل، قال جميعه الجوهري، وقد اعتُرض فقيل: إن كان ذلك حبلها الذي تحتطب به، فكيف يبقى في النار؟ وأجيب عنه بأن الله- عز وجل- قادر على تجديده كلما احترق. "

كما يقدر على تجديد الجلود {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء:56]  ومثل هذا الحبل.

" والحكم ببقاء أبي لهب وامرأته في النار مشروط ببقائهما على الكفر إلى الموافاة، فلما ماتا على الكفر. "

يعني في علم المخلوق، وأما في علم الخالق فهو مقدر عليه.

" فلما ماتا على الكفر صدق الإخبار عنهما، ففيه معجزة للنبي -صلى الله عليه وسلم- فامرأته خنقها الله بحبلها، وأبو لهب رماه الله بالعدسة بعد وقعة بدر لسبع ليال بعد أن شجته أم الفضل، وذلك أنه لما قدم الحَيْسَمان مكة يخبر خبر بدر قال له أبو لهب: أخبر خبر الناس قال: نعم والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يضعون السلاح منا حيث شاؤوا، ومع ذلك ما لمست الناس لقينا رجالاً بيضًا على خيل بُلْقٍ، لَا وَاللَّهِ مَا تُبْقِي مِنَّا، يَقُولُ: مَا تُبْقِي شَيْئًا. قال أبو رافع: وكنت غلامًا للعباس أنحت الأقداح في صفة زمزم، وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرّنا ما جاءنا من الخبر، فرفعَتْ طُنُب الحجرة فقالت: تلك والله.. "

فرفَعْتُ فقلتُ، قلتُ.

طالب: أقرب مذكور أم الفضل، وعندي أم الفضل.

نعم، لكن من الذي رفع، ومن الذي قال؟

طالب: أبو رافع؟

كنت غلامًا للعباس، يمكن أبو رافع.

أحسن الله إليك.

" فرفَعْتُ طُنُب الحجرة فقلت: تلك والله الملائكة، قال: فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة منكرة، وثاورته وكنت رجل ضعيفًا، فاحتملني فضرب بي الأرض وبرك على صدري يضربني، وتقدمت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فتأخذه وتقول: استضعفته أن غاب عنه سيده؟! وتضربه بالعمود على رأسه فتفلقه شجة منكرة، فقام يجر رجليه ذليلاً، ورماه الله بالعدسة فمات، وأقام ثلاثة أيام. "

يقول: العدسة تخرج بالبدن فتقتل، نسأل الله العافية.

" فمات وأقام ثلاثة أيام لم يُدفن حتى أنتن، ثم إن ولده غسلوه بالماء قذفًا من بعيد مخافة عدوى العدسة، وكانت قريش تتقيها كما يُتقى الطاعون، ثم احتملوه إلى أعلى مكة فأسندوه إلى جدار، ثم رضموا عليه الحجارة. "

الحمد لله، اللهم لك الحمد.

اللهم صل على محمد وعلى...

"