التعليق على تفسير القرطبي - سورة يوسف (10)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

"قوله -تعالى-: {قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ} [يوسف: 47]، فيه مسألتان:

الأولى: قوله -تعالى-: {قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ} [يوسف: 47] لما أعلمه بالرؤيا جعل يفسرها له، فقال: السبع من البقرات السمان والسنبلات الخضر سبع سنين مخصبات، وأما البقرات العجاف والسنبلات اليابسات فسبع سنين مجدبات، فذلك قوله: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً} [يوسف: 47] أي متوالية متتابعة، وهو مصدر على غير المصدر؛ لأن معنى {تَزْرَعُونَ} [يوسف: 47] تدأبون كعادتكم في الزراعة سبع سنين.

وقيل: هو حال، أي دائبين."

يعني مصدر بالمرادف؛ كما تقول: قعدتُ جلوسًا، وقفت قيامًا، زرعت دأبًا؛ لأن الدأب هو الزراعة، الزراعة دأب.

"وقيل: صفة لسبع سنين، أي دائبة. وحكى أبو حاتم عن يعقوب {دَأَباً} [يوسف: 47] بتحريك الهمزة، وكذا روى حفص عن عاصم".

يعني قراءة الجمهور: (دَأْبًا) [يوسف: 47]، بإسكان الهمزة، (دَأْبًا) [يوسف: 47]، قراءة عاصم {دَأَبًا} [يوسف: 47]، ما يوافق عليها غيره.

"وهما لغتان، وفيه قولان، قول أبي حاتم: إنه من دئِب. قال النحاس: ولا يعرف أهل اللغة إلا دأَب".

دئب دأبًا، دئب دأبًا، مثل فهم فهمًا، لكن يأتي مصدر مثل هذا الوزن على دأبًا، فرح فرحًا.

وفعل اللازم بابه فعل

 

كفرح وكجوًى وكشلل

"والقول الآخر: إنه حرك؛ لأن فيه حرفًا من حروف الحلق، قاله الفراء، قال: وكذلك كل حرف فتح أوله وسكن ثانيه فتثقيله جائز إذا كان ثانيه همزة، أو هاء، أو عينًا، أو غيًنا، أو حاء، أو خاء، وأصله العادة، قال:

كدأبك من أم الحويرث قبلها

 

....................................".

الذي مضت كلها، همزة، أو هاء، أو عينًا، أو غينًا، أو حاءً، أو خاءً؛ لأن الهمزة إذا سبقتها ألف يوضع التنوين على الهمزة، ولا يوضع على ألف، عندك عين، غين، حاء منونة، منصوبة منونة، ولا تحتاج إلى ألف؛ لأن قبلها ألفًا بخلاف ما لو كان قبلها غير الألف لاحتاجت إلى ألف.

"وقد مضى في آل عمران القول فيه. {فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ} [يوسف: 47] قيل: لئلا يتسوس، وليكون أبقى، وهكذا الأمر في ديار مصر. {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ} [يوسف: 47] أي استخرجوا ما تحتاجون إليه بقدر الحاجة".

والسوس، والسوس في بلاد مصر أكثر منه في غيرها، شاهد هذا في الكتب، يعني إذا جاءت من مصر فالغالب سوس، سوس غير الأرضة، السوس غير الأرضة.

طالب: ..........

 مثل ما يأتي للخبز، يعمل السوس خروقًا صغيرة مثل النقط، غير الأرضة، الأرضة تأكل بالجملة، لكن هذه تخرب، تمكن قراءة الكتاب بالراحة، لكن تشوه الكتاب، أما ما عداها من البلدان فيندر أن يوجد فيها سوس، يوجد فيها أوبئة أخرى تتلف الورق، لكن غير السوس، عندنا ما يُعرف السوس، ما فيه كتاب نجدي فيه سوس، فيه أرضة صحيح، لكن السوس ما فيه.

طالب: ..........

نعم، ما يمكن أن يوجد كتاب نجدي فيه سوس، أرضة صحيح، الأرضة تأكل الجميع، الأرضة تقول: اقرأ وإلا قرأت، صحيح تسلط على الكتاب الذي يركن ولا يُقرأ، سبحان الله العظيم.

طالب: ..........

...... الله المستعان.

طالب: ..........

فيه أدوية، هم أغنياؤهم وأثرياؤهم يجعلون لها برادات الكتب.

طالب: ..........

برادات، يعني غرفة برادة تُجعل فيها الكتب وتستمر سليمة، نحن جانا تركة قبل خمس سنوات مات صاحبها من خمسين سنة؛ كأنها اليوم خرجت من المطبعة الكتب، كأنها اليوم خرجت من المطبعة.

طالب: ..........

لا، يأتي بجو مناسب، بجو مناسب.

طالب: ..........

ما يضر أبدًا، أبدًا، ولا يتأثر، ولا يعفن.

"وهذا القول منه أمر، والأول خبر. ويحتمل أن يكون الأول أيضًا أمرًا، وإن كان الأظهر منه الخبر".

يعني يمكن أن يأتي الأمر بلفظ الخبر.

"فيكون معنى: {تَزْرَعُونَ} [يوسف: 47] أي ازرعوا.

الثانية: هذه الآية أصل في القول بالمصالح الشرعية التي هي حفظ الأديان والنفوس والعقول والأنساب والأموال، فكل ما تضمن تحصيل شيء من هذه الأمور فهو مصلحة، وكل ما يفوت شيئًا منها فهو مفسدة، ودفعه مصلحة".

الشرائع كلها جاءت بحفظ الضرورات الخمس التي هي الأديان والنفوس والعقول والأنساب والأموال أيضًا، جاءت الشرائع متفقة على حفظ هذه الضرورات الخمس، فحرمت كل ما يعرض لها مباشرة أو سببًا.

"ولا خلاف أن مقصود الشرائع إرشاد الناس إلى مصالحهم الدنيوية؛ ليحصل لهم التمكن من معرفة الله -تعالى- وعبادته الموصلتين إلى السعادة الأخروية، ومراعاة ذلك فضل من الله- عز وجل- ورحمة رحم بها عباده، من غير وجوب عليه، ولا استحقاق، هذا مذهب كافة المحققين من أهل السنة أجمعين، وبسطه في أصول الفقه.

قوله -تعالى-: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ} [يوسف: 48]، فيه مسألتان:

الأولى: قوله -تعالى-: {سَبْعٌ شِدادٌ} [يوسف: 48] يعني السنين المجدبات. {يَأْكُلْنَ} [يوسف: 48] مجاز، والمعنى يأكل أهلهن. {ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} [يوسف: 48] أي ما ادخرتم لأجلهن، ونحوه قول القائل:

نهارك يا مغرور سهو وغفلة

 

وليلك نوم والردى لك لازم

والنهار لا يسهو، والليل لا ينام، وإنما يسهى في النهار، وينام في الليل".

{بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ: 33]، {مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ: 33]، يعني المكر في الليل والنهار.

"وحكى زيد بن أسلم عن أبيه: أن يوسف كان يضع طعام الاثنين فيقربه إلى رجل واحد فيأكل بعضه، حتى إذا كان يوم قربه له فأكله كله".

هذا اختبار، هذا اختبار، متى تدخل أو متى تنتهي السبع؟ متى تدخل السبع العجاف؟ ما عندهم تقاويم وتواريخ مضبوطة.

طالب: ..........

 لا، اختبر دخولها بهذه الطريقة، يقدم طعام الاثنين للواحد، إن بقي منه شيء، ما زال الأمر، في يوم أكله كله، قال: خلاص، جاءت العجاف.

"فقال يوسف: هذا أول يوم من السبع الشداد. {إِلَّا قَلِيلًا} [يوسف: 48] نصب على الاستثناء. {مِمَّا تُحْصِنُونَ} [يوسف: 48] أي مما تحبسون لتزرعوا؛ لأن في استبقاء البذر تحصين الأقوات.

وقال أبو عبيدة: تحرزون.

وقال قتادة: {تُحْصِنُونَ} [يوسف: 48] تدخرون، والمعنى واحد، وهو يدل على جواز احتكار الطعام إلى وقت الحاجة".

لا ليقصد به الغلاء فيستغل حاجة الناس، وإنما يدخره إلى وقت حاجته، إذا كان عنده طعام لا يبذر فينفد في أسرع وقت، يدخره ويتقوته كما هو قوت على مر الأيام، لا بأس بذلك أن يدخر قوت سنة مثلًا يأكله بالتدريج، لكن يدخره ليبيعه على الناس مستغلًا حاجتهم، ويدخر أكثر من حاجته من أجل استغلال حاجة الناس، هذا هو المنهي عنه.

"الثانية: هذه الآية أصل في صحة رؤيا الكافر، وأنها تخرج على حسب ما رأى، لا سيما إذا تعلقت بمؤمن، فكيف إذا كانت آية لنبي، ومعجزة لرسول، وتصديقًا لمصطفى للتبليغ، وحجة للواسطة بين الله -جلَّ جلاله- وبين عباده؟".

«الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة»، ورؤيا هذين أو هذه الرؤيا التي حصلت، الرؤيا التي حصلت للملك، وقبلها ما حصل ما كان لصاحبي السجن صادقة، فهل نقول: إن مثل هذه الرؤيا جزء من النبوة؟ هل مشبهة للنبوة في الصدق، لا أن من حصل له مثل هذه الرؤيا -ولو كانت صادقة- أنه يحصل له شيء من النبوة، ولا قائل يقول: إن من حصل له ست وأربعين رؤيا صادقة مطابقة للواقع يكون نبيًّا؛ أنه تحصل النبوة له، لا، إنما هي مشبهة للنبوة في مطابقة الواقع والصدق.

طالب: ..........

هي تدخل في حفظ الأديان، هذه داخلة في حفظ الأديان، أقول: تدخل في حفظ الأديان؛ لأنه لا يتم حفظ دين المرء إلا بمخالفة المشركين.

طالب: ..........

ما أدري، هذه أول مرة أسمعه، لكن إن ثبت فهو من باب الاهتمام بها والعناية بشأنها تُعد؛ لئلا يغفل عنها، يعني مثل من قال: إنه يجب أن يكتفى باشتراط المتابعة لصحة العمل، ولا يحتاج إلى اشتراط النية، لماذا؟

لأن النية فرع عن المتابعة، ما فيه متابعة إلا بنية، لكن تفرد النية للعناية بها؛ لئلا يغفل عنها الناس، إن كان ثبت عن شيخ الإسلام أنه أفرد ذلك؛ لكي يُهتم به.

"قوله -تعالى-: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ} [يوسف: 49] هذا خبر من يوسف -عليه السلام- عما لم يكن في رؤيا الملك، ولكنه من علم الغيب الذي آتاه الله. قال قتادة: زاده الله علم سنة لم يسألوه عنها إظهارًا لفضله، وإعلامًا لمكانه من العلم وبمعرفته. {فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ} [يوسف: 49] من الإغاثة أو الغوث، غوث الرجل قال: واغوثاه، والاسم الغوث والغواث والغواث، واستغاثني فلان فأغثته، والاسم الغياث، صارت الواو ياءً لكسرة ما قبلها. والغيث المطر، وقد غاث الغيث الأرض أي أصابها".

أصله واو، أصلها واو، غواث، غواث، لكن لما كُسر ما قبلها قُلبت ياءً.

"وغاث الله البلاد يغيثها غيثًا، وغيثت الأرض تغاث غيثًا، فهي أرض مغيثة ومغيوثة، فمعنى {يُغاثُ النَّاسُ} [يوسف: 49] يمطرون. {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 49] قال ابن عباس: يعصرون الأعناب والدهن، ذكره البخاري.

وروى حجاج عن ابن جريح قال: يعصرون العنب خمرًا، والسمسم دهنًا، والزيتون زيتًا".

زيت السمسم يسمونه إيش؟ شيرج.

"وقيل: أراد حلب الألبان لكثرتها، ويدل ذلك على كثرة النبات".

يعصرون الزروع، يعصرون الزروع من أجل حلبها، على كل حال هو داخل، داخل في عموم العصر.

"وقيل: {يَعْصِرُونَ} [يوسف: 49] أي ينجون، وهو من العصرة، وهي المنجاة. قال أبو عبيدة: والعصر بالتحريك الملجأ والمنجاة، وكذلك العصرة، قال أبو زبيد:

صاديًا يستغيث غير مغاث

 

ولقد كان عصره المنجود

والمنجود الفزع. واعتصرت بفلان وتعصرت أي التجأت إليه. قال أبو الغوث: {يَعْصِرُونَ} [يوسف: 49] يستغلون، وهو من عصر العنب. واعتصرت ماله أي استخرجته من يده، وقرأ عيسى: (تُعصَرون) [يوسف: 49] بضم التاء وفتح الصاد، ومعناه: تمطرون، من قول الله: {وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً} [النبأ: 14]، وكذلك معنى (تُعصِرون) [يوسف: 49] بضم التاء وكسر الصاد، فيمن قرأه كذلك".

وأصل العصر في المحسوسات، في الأجسام، تعصر الثوب، تعصر العكة، تعصر ما فيه مما يحتاج إليه من سمن وغيره، ويستعمل أيضًا العصر في المعنويات؛ كما سُميت صلاة العصر، والكتاب الشديد الاختصار، أو الكلام الشديد الاختصار يسمونه معتصرًا، وما أطول منه يقال له: مختصر، فالمختصر من المختصر يسمى معتصرًا، فيستعمل في المحسوسات، كما يستعمل في المعنويات.

كونها سُميت صلاة العصر، لماذا؟

طالب: ..........

يعني الوقت ضاق عليه واعتصر؟

طالب: ..........

هم الحنفية الذين يقولون هذا، يقولون: اعتصر، اعتُصر النهار فضُيق عليها، فضُيق عليها، لماذا يقولون مثل هذا الكلام؟

طالب: ..........

نعم، آخر وقت النهار، آخر النهار هو وقت صلاة العصر، من مصير ظل الشيء مثليه.

"قوله -تعالى-: {وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} [يوسف: 50] أي فذهب الرسول فأخبر الملك، فقال: ائتوني به. {فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ} [يوسف: 50] أي يأمره بالخروج قال: {ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ} [يوسف: 50] أي حال النسوة. {اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف: 50] فأبى أن يخرج إلا أن تصح براءته عند الملك مما قذف به، وأنه حبس بلا جرم.

وروى الترمذي عن أبى هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم»".

يوسفُ، يوسفُ خبر.

"قال: «ولو لبثت في السجن ما لبث ثم جاءني الرسول أجبت -ثم قرأ-: {فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف: 50] قال: ورحمة الله على لوط، لقد كان يأوي إلى ركن شديد إذ قال: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80]، فما بعث الله من بعده نبيًّا إلا في ذروة من قومه»".

يعني ركن شديد من قوم وعشيرة؛ لأنه لم يكن من قبيلة كبيرة أو له عشيرة تمنع، تمنعه، على كل حال كما جاء في الحديث: «يرحم الله لوطًا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد»، وهو الله -عزَّ وجلَّ- في الحديث الصحيح.

"وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يرحم الله لوطًا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي ونحن أحق من إبراهيم إذ قال له: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]» وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «يرحم الله أخي يوسف، لقد كان صابرًا حليمًا ولو لبثت في السجن ما لبثه أجبت الداعي ولم ألتمس العذر»".

الذي في الصحيح: «نحن أحق بالشك من إبراهيم»؛ لئلا يظن ظان أو يتوهم متوهم أن إبراهيم شك حينما قال لله -عزَّ وجلَّ-: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]، فنفى عنه الشك، ولا يلزم من ذلك أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يشك، لا، بل هو أفضل الخلق، أفضل من إبراهيم وغير إبراهيم، قوله أيضًا: «لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي» إشادة بيوسف، ولا يعني هذا أنه أفضل من محمد -عليه الصلاة والسلام-، وهذا من باب رفعة من يستحق الرفعة أو من يُتوهم تنقصه من بعض السفهاء المتطاولين، وهضم للنفس، لنفسه -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: {رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80].

االله -سبحانه وتعالى-.

طالب: ..........

كيف؟

طالب: ..........

يأوي إلى ركن شديد.

طالب: ..........

يعني لو قصد الله، أن الله يمنعهم أن يحاولوا مضرته، لا بأس، لا بأس، لا بأس.

"وروي نحو هذا الحديث من طريق عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك، في كتاب التفسير من صحيح البخاري، وليس لابن القاسم في الديوان غيره".

يعني في صحيح البخاري، الديوان، ديوان البخاري، صحيحه.

"وفي رواية الطبري: «يرحم الله يوسف لو كنت أنا المحبوس ثم أُرسل إليّ لخرجت سريعًا أن كان لحليمًا ذا أناة».

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين سئل عن البقرات لو كنت مكانه لما أخبرتهم حتى اشترط أن يخرجوني، ولقد عجبت منه حين آتاه الرسول ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب».

قال ابن عطية: كان هذا الفعل من يوسف -عليه السلام- أناة وصبرًا، وطلبًا لبراءة الساحة، وذلك أنه -فيما روي- خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة، ويسكت عن أمر ذنبه صفحًا فيراه الناس بتلك العين أبدًا ويقولون: هذا الذي راود امرأة مولاه، فأراد يوسف -عليه السلام- أن يبين براءته، ويحقق منزلته من العفة والخير، وحينئذ يخرج للإحظاء والمنزلة، فلهذا قال للرسول: ارجع إلى ربك وقل له: ما بال النسوة؟ ومقصد يوسف -عليه السلام- إنما كان: وقل له يستقصي عن ذنبي، وينظر في أمري هل سجنت بحق أو بظلم، ونكب عن امرأة العزيز حسن عشرة، ورعاية لذمام الملك العزيز له.

فإن قيل: كيف مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- يوسف بالصبر والأناة وترك المبادرة إلى الخروج، ثم هو يذهب بنفسه عن حالة قد مدح بها غيره؟ فالوجه في ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أخذ لنفسه وجها آخر من الرأي، له جهة أيضًا من الجودة، يقول: لو كنت أنا لبادرت بالخروج".

لا شك أن ما فعله يوسف -عليه السلام- ليخرج بريئًا وتظهر براءته لدى الخاص والعام قبل أن يصطفيه الملك، ويتخذه مقربًا لديه؛ لأنه إذا نال هذه المنزلة يمكن النفس الإنسانية أو البشرية تجعله وتحمله على أن يسكت، ولا يسعى في إظهار براءته قبل التمكن، وهذا ظاهر مشاهد، تجد كثيرًا من الناس أو جُلّ الناس يستطيع أن يتكلم ويستطيع أن ينكر ما لم تحصل له حظوة عند الملك أو عند المسؤولين، فإذا حصلت له هذه جاءت المداراة، وجاءت المداهنة، وجاء تحقيق المصالح ودرء المفاسد على حسب ما يزعمون، فأراد أن تظهر براءته قبل كل شيء، قبل أن يصطفى.

لأن مثل هذا الاصطفاء لا شك أنه ابتلاء، مَن مِن الناس يستطيع بعد الاصطفاء أن يظهر الإنكار كما كان يظهره قبل ذلك؟ من مثل العالم الذي وُلي الحسبة، استدعاه الملك وقال له: أنت مسؤول عن الحسبة -الأمر والنهي-.

قال: أما وقد قلت ذلك: البساط الذي تحتك حرير، قم، وأن نقوم أو نقول بالحق لا نخاف في الله لومة لائم، هذا أصل، لكن الله المستعان.

"فإن قيل: كيف مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- يوسف بالصبر والأناة وترك المبادرة إلى الخروج، ثم هو يذهب بنفسه عن حالة قد مدح بها غيره؟ فالوجه في ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أخذ لنفسه وجهًا آخر من الرأي، له جهة أيضًا من الجودة، يقول: لو كنت أنا لبادرت بالخروج ثم حاولت بيان عذري بعد ذلك، وذلك أن هذه القصص والنوازل هي معرضة لأن يقتدي الناس بها إلى يوم القيامة، فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمل الناس على الأحزم من الأمور، وذلك أن تارك الحزم في مثل هذه النازلة، التارك فرصة الخروج من مثل ذلك السجن، ربما نتج له البقاء في سجنه، وانصرفت نفس مخرجه عنه، وإن كان يوسف -عليه السلام- أمن من ذلك بعلمه من الله".

لعل يوسف اطلع بوحي من الله -سبحانه وتعالى- أنه يخرج بعد ظهور براءته، لكن لو كان شخص من آحاد الناس، ويُؤمر بالخروج، فيقال له: ارجع، ارجع، قل للملك كذا وكذا وكذا، أنا أشترط كذا، أنا أفعل كذا، الملك يعني ما الذي يمنعه أن يقول: خلوه يجلس، لا يطلع أبدًا؟ بعد يريد أن يخرجه من السجن ويشترط؟ خله يجلس؛ لأنه ما يُؤمن أن يقول الملك مثل هذا، لكن يوسف -عليه السلام- قد علم أنه سيخرج من السجن بوحي من الله -سبحانه وتعالى-، وإلا فالبقاء في السجن والمكث فيه ليس مقصودًا شرعيًّا لذاته، نعم إذا ترتب أو وُجد إثر عمل شرعي أُجر عليه، أما أن الإنسان يتمنى السجن، ويعرض نفسه للسجن من غير حاجة، من غير ضرورة، فلا يمدح بهذا؛ لأنه يعوقه عن تحقيق كثير من المصالح.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

أنه يخرج، أنه يخرج، الحزم أنه يخرج، يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- حينما قال ذلك عن نفسه، لا يقصد نفسه هو، هو يُبلغ بوحي أنه يخرج مثل يوسف، لكن يريد أن يبلغ الأمة أنه لو حصل له مثل هذا الظرف، لو قالوا: اطلع، اطلع، لا تجلس، هذا الحزم، ثم اذكر ما شئت بعد الخروج، أما أن تقول: ارجع إلى الملك، لا، أنا أشترط، ما أطلع إلا إذا كان برد للوظيفة، يقال له: خله يجلس، ثم بعد ذلك ماذا يستفيد؟ يجلس حرًّا طليقًا يتعبد ويزاول ما أُمر به من الطاعات، وينفع الناس، ولا هو موظف ولا غير موظف، ما الذي يمنع؟ هذا الحزم.

طالب: ..........

نعم، لكن هل الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول هذا إشادة بيوسف؟ صح، لكن هل معنى أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لو حصل له من ذلك ما حصل، وهو يعرف أنه سوف يخرج بريئًا تمام البراءة مما اتُّهم به أنه يخرج ثم يُطالب، هو يأمر الأمة بذلك؛ لأنه ما عندهم وحي، إذا أتيحت الفرصة للخروج اخرج، الذي ما عنده وحي، إذا أتيحت له الفرصة يخرج، أحسن من أن يقول: لا، أنا أشترط، يقال له: اجلس، خلاص بدل هذه السنة يجلس للسنة القادمة، حتى يرجع عما برأسه.

 الذي ما عنده وحي، مثل هذا إذا أتيحت له فرصة الخروج يخرج؛ لكي يعبد ربه على مراد الله -سبحانه وتعالى-، وينفع الناس، ولا يضيع أهله.

 المقصود أن المفاسد الحاصلة بسبب السجن كثيرة جدًّا، قد يحصل مصلحة، قد يحصل مصلحة من دعوى المسجونين، من إقبال على عبادة خاصة أو حفظ أو ما أشبه ذلك، أو تعلم من جديد، بعض الناس تعلم في السجن، بعض المسجونين بجرائم حفظوا القرآن كما هو معروف، والنسب مرتفعة، ما هي بشيء سهل أو هين، نسب طيبة، يعني الذين حفظوا القرآن كاملًا، الذين حفظوا نصفه أو جزءًا أو جزأين، هذا كثير جدًّا، وسببه ما صدر من المسؤولين في تخفيف مدة السجن لمن يحفظ.

نعم، قد يحصل له ذلك، قد يكون بعض الناس السجن أنفع لهم من الخروج، أنفع له من خارج السجن؛ لأنه مفسد، وفي السجن يتولاه ناس صالحون، وقد تنكسر نفسه، وتذهب شوكة المعصية من نفسه، لكن هذا خلاف الأصل، هذا خلاف الأصل، والله المستعان؛ كما أن من الناس من لا يصلحه إلا الفقر، ومن الناس من لا يصلحه إلا الغناء، وهكذا.

"وإن كان يوسف -عليه السلام- أمن من ذلك بعلمه من الله، فغيره من الناس لا يأمن ذلك، فالحالة التي ذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه إليها حالة حزم، وما فعله يوسف -عليه السلام- صبر عظيم وجلد.

قوله -تعالى-: {فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ} [يوسف: 50] ذكر النساء جملة ليدخل فيهن امرأة العزيز مدخل العموم بالتلويح حتى لا يقع عليها تصريح، وذلك حسن عشرة وأدب، وفى الكلام محذوف، أي فاسأله أن يتعرف ما بال النسوة. قال ابن عباس: فأرسل الملك إلى النسوة وإلى امرأة العزيز -وكان قد مات العزيز فدعاهن ف{قالَ ما خَطْبُكُنَّ} [يوسف: 51] أي ما شأنكن؟ {إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف: 51]، وذلك أن كل واحدة منهن كلمت يوسف في حق نفسها -على ما تقدم-، أو أراد قول كل واحدة قد ظلمت امرأة العزيز، فكان ذلك مراودة منهن. {قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ} [يوسف: 51] أي معاذ الله.

{ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} [يوسف: 51] أي زنى. {قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} [يوسف: 51] لما رأت إقرارهن ببراءة يوسف، وخافت أن يشهدن عليها إن أنكرت أقرت هي أيضًا، وكان ذلك لطفًا من الله بيوسف. و{حَصْحَصَ الْحَقُّ} [يوسف: 51] أي تبين وظهر، وأصله حصص، فقيل: حصحص، كما قال: كبكبوا في كببوا، وكفكف في كفف، قاله الزجاج وغيره. وأصل الحص استئصال الشيء، يقال: حص شعره إذا استأصله جزًّا، قال أبو القيس بن الأسلت:

قد حصت البيضة رأسي فما

 

أطعم نومًا غير تهجاع

وسنة حصاء أي جرداء لا خير فيها، قال جرير:

يأوي إليكم بلا من ولا جحد

 

من ساقه السنة الحصاء والذِّيْب

كأنه أراد أن يقول: والضبع، وهي السنة المجدبة، فوضع الذئب موضعه لأجل القافية، فمعنى {حَصْحَصَ الْحَقُّ} [يوسف: 51] أي انقطع عن الباطل، بظهوره وثباته، قال:

ألا مبلغ عني خداشًا فإنه

 

كذوب إذا ما حصحص الحق ظالم

وقيل: هو مشتق من الحصة، فالمعنى: بانت حصة الحق من حصة الباطل.

وقال مجاهد وقتادة: وأصله مأخوذ من قولهم: حص شعره إذا استأصل قطعه، ومنه الحصة من الأرض إذا قطعت منها. والحصحص بالكسر التراب والحجارة، ذكره الجوهري".

يعني كما يقال: حصحص البعير، إذا فرق الحجارة والتراب وأثار الغبار من هذا.

"{أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 51] وهذا القول منها -وإن لم يكن سأل عنه- إظهار لتوبتها، وتحقيق لصدق يوسف وكرامته؛ لأن إقرار المقر على نفسه أقوى من الشهادة عليه، فجمع الله -تعالى- ليوسف لإظهار صدقه الشهادة والإقرار، حتى لا يخامر نفسًا ظن، ولا يخالطها شك. وشددت النون في {خَطْبُكُنَّ} [يوسف: 51] و{راوَدْتُنَّ} [يوسف: 51]؛ لأنها بمنزلة الميم والواو في المذكر".

طالب: ..........

حال يوسف بالنسبة له أكمل؛ لأنه يعرف أنه يخرج، لكن لو كان ما يعرف أنه يخرج فلا شك أن الخروج هو الحزم، يخرج ثم يطالب، يخرج ثم يطالب، لكن إذا تمكن من إبراء نفسه بمثل الطريقة التي فعلها يوسف مع علمه أنه يخرج، لا شك أن فعل يوسف أكمل.

طالب: ..........

على كل حال الحاكم كافر كما هو معروف.

طالب: ..........

أين العدل؟ أين العدل وقد سُجن مظلومًا؟ طبيعة، طبيعة المُلك هكذا، طبيعة المُلك، ما يشترط على الملوك، أقول: طبيعة المُلك، ما يمكن أن يشترط عليه، نسأل الله السلامة والعافية، والله المستعان.

"قوله -تعالى-: {ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52] اختلف فيمن قاله، فقيل: هو من قول امرأة العزيز، وهو متصل بقولها: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} [يوسف: 51] أي أقررت بالصدق؛ ليعلم أني لم أخنه بالغيب أي بالكذب عليه، ولم أذكره بسوء وهو غائب، بل صدقت وحدت عن الخيانة، ثم قالت: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي} [يوسف: 53]، بل أنا راودته، وعلى هذا هي كانت مقرة بالصانع، ولهذا قالت: {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53].

وقيل: هو من قول يوسف، أي قال يوسف: ذلك الأمر الذي فعلته، من رد الرسول {لِيَعْلَمَ} [يوسف: 52] العزيز {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52]، قاله الحسن وقتادة وغيرهما. ومعنى {بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52] وهو غائب. وإنما قال يوسف ذلك بحضرة الملك، وقال: {لِيَعْلَمَ} [يوسف: 52] على الغائب توقيرًا للملك.

وقيل: قاله إذ عاد إليه الرسول وهو في السجن بعد، قال ابن عباس: جاء الرسول إلى يوسف- عليه السلام- بالخبر وجبريل معه يحدثه، فقال يوسف: {ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ} [يوسف: 52] أي لم أخن سيدي بالغيب، فقال له جبريل -عليه السلام-: يا يوسف! ولا حين حللت الإزار، وجلست مجلس الرجل من المرأة؟! فقال يوسف: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي} [يوسف: 53] الآية.

وقال السدي: إنما قالت له امرأة العزيز: ولا حين حللت سراويلك يا يوسف؟! فقال يوسف: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي} [يوسف: 53]".

شيخ الإسلام، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يرى أن كل هذا في السياق، على لسان امرأة العزيز، وليس على لسان يوسف، {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]، هذا من قول امرأة العزيز.

"وقيل: {ذلِكَ لِيَعْلَمَ} [يوسف: 52] من قول العزيز، أي ذلك ليعلم يوسف أني لم أخنه بالغيب، وأني لم أغفل عن مجازاته على أمانته. {وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ} [يوسف: 52] معناه: أن الله لا يهدي الخائنين بكيدهم.

قوله -تعالى-: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي} [يوسف: 53] قيل: هو من قول المرأة.

وقال القشيري: فالظاهر أن قوله: {ذلِكَ لِيَعْلَمَ} [يوسف: 52]، وقوله: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي} [يوسف: 53] من قول يوسف.

قلت: إذا احتمل أن يكون من قول المرأة فالقول به أولى حتى نبرئ يوسف من حل الإزار والسراويل، وإذا قدرناه من قول يوسف فيكون مما خطر بقلبه، على ما قدمناه من القول المختار في قوله: {وَهَمَّ بِها} [يوسف: 24]. قال أبو بكر الأنباري: من الناس من يقول: {ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52] إلى قوله: {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53] من كلام امرأة العزيز؛ لأنه متصل بقولها: {أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 51]، وهذا مذهب الذين ينفون الهم عن يوسف -عليه السلام-، فمن بنى على قولهم قال: من قوله: {قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [يوسف: 51] إلى قوله: {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53] كلام متصل بعضه ببعض، ولا يكون فيه وقف تام على حقيقة، ولسنا نختار هذا القول ولا نذهب إليه.

وقال الحسن: لما قال يوسف: {ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52] كره نبي الله أن يكون قد زكى نفسه فقال: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي} [يوسف: 53]؛ لأن تزكية النفس مذمومة، قال الله -تعالى-: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32]، وقد بيناه في النساء.

وقيل: هو من قول العزيز، أي وما أبرئ نفسي من سوء الظن بيوسف. {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53] أي مشتهية له.

{إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي} [يوسف: 53] في موضع نصب بالاستثناء، و{مَا} [يوسف: 53] بمعنى (من)، أي إلا من رحم ربي فعصمه، و(ما) بمعنى (من) كثير، قال الله -تعالى-: {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ} [النساء: 3]، وهو استثناء منقطع؛ لأنه استثناء المرحوم بالعصمة من النفس الأمارة بالسوء".

يعني من غير جنس المستثنى منه، الأصل أن (ما) لغير العاقل، و(من) للعاقل، وقد تُستعمل هذه بمنزلة تلك، والعكس؛ تنزيلًا للعاقل منزلة غير العاقل، {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ} [النساء: 3] تنزيل للنساء لنقصان عقلهن بغير العاقل، وقد يُنزل العاقل، غير العاقل منزلة العاقل؛ لأن السياق بصدد أن يكون هذا -وهو جماد غير عاقل- مثلًا يسبح الله -سبحانه وتعالى-، ويلتزم ولا يعصي، فهو من هذه الحيثية بمنزلة العقلاء، فيقال: يُعبر عنه بصيغة العاقل، والعكس بالعكس، من العقلاء من لا يستحق أن لا ينزل منزلة العقلاء؛ كما أن من النساء من تستحق أن تُوصف وتدخل في خطاب الرجال، ومن الرجال من يستحق أن يدخل في خطاب النساء.

طالب: ..........

يمرون بالدهناء إيش؟ خفافًا إيابهم، ويرجعن، يرجعن إيش؟ من الذي يرجع؟ هؤلاء السراق، قبل السرقة يمرون بالدهناء، يمرون، خطاب مذكر، وبعد السرقة ما يستحقون أن يكون، ما يستحقون، على ما يقول بعضهم.

"وفي الخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ما تقولون في صاحب لكم إن أنتم أكرمتموه وأطعمتموه وكسوتموه أفضى بكم إلى شر غاية، وإن أهنتموه وأعريتموه وأجعتموه أفضى بكم إلى خير غاية»، قالوا: يا رسول الله! هذا شر صاحب في الأرض. قال: «فوالذي نفسي بيده إنها لنفوسكم التي بين جنوبكم»".

إذا أكرمت النفس حملتك على ما لا يرضي الله، وإذا أهنتها وقصرتها على طاعة الله، وصبرت، صبّرتها عن معصية الله، حملتك على الخير، وأفضت بك إلى خير.

طالب: ..........

مخرج؟ ما خرج؟ فيه من الإخوان معه نسخة؟ نسخة فيها تخريج؟ فيها تخريج؟

 على كل حال معناه صحيح؛ لأن الجنة حُفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، يعني ما تشتهيه النفس، فإن أنت تركت نفسك وما تشتهيه حملتك إلى ما يوصلك إلى النار -نسأل الله العافية-، وإن قصرتها وقهرتها على ما يرضي الله -سبحانه وتعالى-، على خلاف مرادها، أوصلتك إلى الجنة.

طالب: ..........

ما هو؟

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

السياق السياق، شيخ الإسلام من وجوه كثيرة بين أنها من قول امرأة العزيز، أنه لا يقوله يوسف من وجوه كثيرة، -رحمه الله-.

طالب: ..........

هذا على كلامه؛ كأنها لما ظهر لها براءة يوسف وصدقه وخرج لهم من السجن؛ كأنها صدقت، أقرت به بعد أن عرفت أن الله -سبحانه وتعالى- حفظه وأكرمه بسبب صدقه.

"قوله -تعالى-: {وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} [يوسف: 54] لما ثبت للملك براءته مما نسب إليه، وتحقق في القصة أمانته، وفهم أيضًا صبره وجلده عظمت منزلته عنده، وتيقن حسن خلاله قال: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} [يوسف: 54] فانظر إلى قول الملك أولًا -حين تحقق علمه- {ائْتُونِي بِهِ} [يوسف: 54] فقط، فلما فعل يوسف ما فعل ثانيًا قال: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} [يوسف: 54]، وروي عن وهب بن منبه قال: لما دعي يوسف وقف بالباب فقال: حسبي ربي من خلقه، عزَّ جاره، وجلَّ ثناؤه، ولا إله غيره، ثم دخل فلما نظر إليه الملك نزل عن سريره، فخر له ساجدًا، ثم أقعده الملك معه على سريره، فقال: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف: 54]، قال له يوسف: {اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ} [يوسف: 55] للخزائن {عَلِيمٌ} [يوسف: 55] بوجوه تصرفاتها.

وقيل: حافظ للحساب، عليم بالألسن.

وفي الخبر: «يرحم الله أخي يوسف، لو لم يقل: اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته، ولكن أخر ذلك سنة».

وقيل: إنما تأخر تمليكه إلى سنة؛ لأنه لم يقل: إن شاء الله. وقد قيل في هذه القصة: إن يوسف -عليه السلام- لما دخل على الملك قال: اللهم إني أسألك بخيرك من خيره، وأعوذ بك من شره وشر غيره، ثم سلم على الملك بالعربية فقال: ما هذا اللسان؟ قال: هذا لسان عمي إسماعيل، ثم دعا له بالعبرانية فقال: ما هذا اللسان؟ قال: لسان آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وكان الملك يتكلم بسبعين لسانًا، فكلما تكلم الملك بلسان أجابه يوسف بذلك اللسان، فأعجب الملك أمره، وكان يوسف إذ ذاك ابن ثلاثين سنة، ثم أجلسه على سريره وقال: أحب أن أسمع منك رؤياي.

 قال يوسف: نعم أيها الملك! رأيت سبع بقرات سمان شهبًا غرًّا حسانًا، كشف لك عنهن النيل فطلعن عليك من شاطئه تشخب أخلافها لبنًا، فبينا أنت تنظر إليهن، وتتعجب من حسنهن، إذ نضب النيل فغار ماؤه، وبدا أسه، فخرج من حمئه ووحله سبع بقرات عجاف شعث غبر مقلصات البطون، ليس لهن ضروع ولا أخلاف، لهن أنياب وأضراس، وأكف كأكف الكلاب وخراطيم كخراطيم السباع، فاختلطن بالسمان فافترسنهن افتراس السباع، فأكلن لحومهن، ومزقن جلودهن، وحطمن عظامهن، ومشمشن مخهن، فبينا أنت تنظر وتتعجب كيف غلبنهن وهن مهازيل! ثم لم يظهر منهن سمن ولا زيادة بعد أكلهن! إذا بسبع سنابل خضر طريات ناعمات ممتلئات حبًّا وماءً، وإلى جانبهن سبع يابسات ليس فيهن ماء ولا خضرة في منبت واحد، عروقهن في الثرى والماء، فبينا أنت تقول في نفسك: أي شيء هذا؟! هؤلاء خضر مثمرات، وهؤلاء سود يابسات، والمنبت واحد، وأصولهن في الماء، إذ هبت ريح فذرت الأوراق من اليابسات السود على الخضر المثمرات، فأشعلت فيهن النار فأحرقتهن، فصرن سودًا مغبرات، فانتبهت مذعورًا أيها الملك، فقال الملك: والله ما شأن هذه الرؤيا، وإن كان عجبًا بأعجب مما سمعت منك!

فما ترى في رؤياي أيها الصديق؟ فقال يوسف: أرى أن تجمع الطعام، وتزرع زرعًا كثيرًا في هذه السنين المخصبة، فإنك لو زرعت على حجر أو مدر لنبت، وأظهر الله فيه النماء والبركة، ثم ترفع الزرع في قصبه وسنبله تبنى له المخازن العظام، فيكون القصب والسنبل علفًا للدواب، وحبه للناس، وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم إلى أهرائك الخمس، فيكفيك من الطعام الذي جمعته لأهل مصر ومن حولها، ويأتيك الخلق من النواحي يمتارون منك، ويجتمع عندك من الكنوز ما لم يجتمع لأحد قبلك.

 فقال الملك: ومن لي بتدبير هذه الأمور؟ ولو جمعت أهل مصر جميعًا ما أطاقوا، ولم يكونوا فيه أمناء، فقال يوسف -عليه السلام- عند ذلك: {اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ} [يوسف: 55] أي على خزائن أرضك، وهي جمع خزانة، ودخلت الألف واللام عوضًا من الإضافة، كقول النابغة:

لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم

 

من الجود والأحلام غير كواذب"

ما ذكره، ما ذكره من تفصيل الخبر -خبر يوسف مع الملك- هذا مما تُلقي عن أهل الكتاب، ولا يُصدق، ولا يُكذب.

"قوله -تعالى-: {أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} [يوسف: 54] جزم؛ لأنه جواب الأمر، وهذا يدل على أن قوله: {ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52] جرى في السجن. ويحتمل أنه جرى عند الملك ثم قال في مجلس آخر: {ائْتُونِي بِهِ} [يوسف: 50] تأكيدًا، {أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} [يوسف: 54] أي اجعله خالصًا لنفسي، أفوض إليه أمر مملكتي، فذهبوا فجاءوا به، ودل على هذا: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ} [يوسف: 54] أي كلم الملك يوسف، وسأله عن الرؤيا فأجاب يوسف، فـ{قالَ} [يوسف: 54] الملك: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف: 54] أي متمكن نافذ القول، {أَمِينٌ} [يوسف: 54] لا تخاف غدرًا.

{قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]، فيه أربع مسائل:

الأولى: قوله -تعالى-: {قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ} [يوسف: 55] قال سعيد بن منصور: سمعت مالك بن أنس يقول: مصر خزانة الأرض، أما سمعت إلى قوله: {اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ} [يوسف: 55] أي على حفظها، فحذف المضاف. {إِنِّي حَفِيظٌ} [يوسف: 55] لما وليت {عَلِيمٌ} [يوسف: 55] بأمره.

وفي التفسير: إني حاسب كاتب، وأنه أول من كتب في القراطيس.

وقيل: {حَفِيظٌ} [يوسف: 55] لتقدير الأقوات، {عَلِيمٌ} [يوسف: 55] بسني المجاعات. قال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «رحم الله أخي يوسف، لو لم يقل: اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته، ولكن أخر ذلك عنه سنة».

قال ابن عباس: لما انصرمت السنة من يوم سأله الإمارة".

هذا في الطبري؟ في الطبري؟

طالب: ..........

من قبله في الطبري؟ ما فيه تخريج عندك؟

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

يعني جاء في كتب التفسير، جاء في كتب التفسير.

"قال ابن عباس: لما انصرمت السنة من يوم سأله الإمارة دعاه الملك، فتوَّجه ورداه بسيفه، ووضع له سريرًا من ذهب، مكللًا بالدر والياقوت، وضرب عليه حلة من إستبرق، وكان طول السرير ثلاثين ذراعًا وعرضه عشرة أذرع، عليه ثلاثون فراشًا وستون مرفقة، ثم أمره أن يخرج، فخرج متوجًا، لونه كالثلج، ووجهه كالقمر، يرى الناظر وجهه من صفاء لون وجهه، فجلس على السرير، ودانت له الملوك".

يعني يرى الناظر وجهه في وجه يوسف -عليه السلام- من صفاء وجهه كالمرآة.

"ودانت له الملوك، ودخل الملك بيته مع نسائه، وفوض إليه أمر مصر، وعزل قطفير عما كان عليه، وجعل يوسف مكانه. قال ابن زيد: كان لفرعون ملك مصر خزائن كثيرة غير الطعام، فسلم سلطانه كله إليه، وهلك قطفير تلك الليالي، فزوج الملك يوسف راعيل امرأة العزيز، فلما دخل عليها قال: أليس هذا خيرًا مما كنت تريدين؟! فقالت: أيها الصديق لا تلمني، فإني كنت امرأة حسناء ناعمة كما ترى، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنت كما جعلك الله من الحسن فغلبتني نفسي".

وبهذا، وبهذا نعرف خطأ من يقدم على تزوج النساء ذوات الاحتياج إلى الرجال وهو ليس له بهن حاجة، لا شك أن مثل هذا يعرض المرأة للفتنة، إذا كان كبير السن، تعطل المنافع، يتزوج امرأة ما زالت في شبابها بحاجة إلى الرجال، مثل هذا يعرضها للفتنة؛ كما كانت امرأة العزيز، ولذا قال عمر -رضي الله عنه-: إذا بلغ الرجال الستين فإياه وإيا الشواب، ولما عرض عثمان -رضي الله عنه- على ابن مسعود أن يزوجه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر الشباب»، يعني ما قال: يا معشر الشيوخ، لا شك أن مثل هذا يعرض المرأة للفتنة، وكم من امرأة قبض عليها بسبب هذا، هذا التصرف، كثير من كبار السن لا يقدرون هذه الأمور قدرها، فلطمع في مال أو جاه أو غير ذلك يقدم ابنته ضحية لمثل هذه الأطماع فيزوجها رجلًا لا يعاشرها المعاشرة التي ترضيها وتعفها عن الناس، فتذهب تبحث عن غيره، نعم هي ملومة بلا شك ومكلفة، لكن مع ذلك جزء كبير من اللوم، من اللوم على ولي أمرها الذي أوقعها، سبب لها مثل هذه التصرفات.

"فوجدها يوسف عذراء فأصابها فولدت له رجلين: إفراثيم بن يوسف، ومنشأ بن يوسف.

وقال وهب بن منبه: إنما كان تزويجه زليخاء امرأة العزيز بين دخلتي الإخوة، وذلك أن زليخاء مات زوجها ويوسف في السجن، وذهب مالها، وعمي بصرها بكاءً على يوسف، فصارت تتكفف الناس، فمنهم من يرحمها، ومنهم من لا يرحمها، وكان يوسف يركب في كل أسبوع مرة في موكب زهاء مائة ألف من عظماء قومه، فقيل لها: لو تعرضت له لعله يسعفك بشيء، ثم قيل لها: لا تفعلي، فربما ذكر بعض ما كان منك من المراودة والسجن فيسيء إليك، فقالت: أنا أعلم بخلق حبيبي منكم، ثم تركته حتى إذا ركب في موكبه، قامت فنادت بأعلى صوتها: سبحان من جعل الملوك عبيدًا بمعصيتهم، وجعل العبيد ملوكًا بطاعتهم، فقال يوسف: ما هذه؟ فأتوا بها، فقالت: أنا التي كنت أخدمك على صدور قدمي، وأرجل جمتك بيدي، وتربيت في بيتي، وأكرمت مثواك، لكن فرط ما فرط من جهلي وعتوي فذقت وبال أمري، فذهب مالي، وتضعضع ركني، وطال ذلي، وعمي بصري، وبعد ما كنت مغبوطة أهل مصر صرت مرحومتهم، أتكفف الناس، فمنهم من يرحمني، ومنهم من لا يرحمني، وهذا جزاء المفسدين.

 فبكى يوسف بكاء شديدًا، ثم قال لها: هل بقيت تجدين مما كان في نفسك من حبك لي شيئًا؟ فقالت: والله لنظرة إلى وجهك أحب إلي من الدنيا بحذافيرها، لكن ناولني صدر سوطك، فناولها فوضعته على صدرها، فوجد للسوط في يده اضطرابًا وارتعاشًا من خفقان قلبها، فبكى ثم مضى إلى منزله، فأرسل إليها رسولًا: إن كنت أيمًا تزوجناك، وإن كنت ذات بعل أغنيناك، فقالت للرسول: أعوذ بالله أن يستهزئ بي الملك! لم يردني أيام شبابي وغناي ومالي وعزي، أفيريدني اليوم وأنا عجوز عمياء فقيرة؟!

فأعلمه الرسول بمقالتها، فلما ركب في الأسبوع الثاني تعرضت له، فقال لها: ألم يبلغك الرسول؟ فقالت: قد أخبرتك أن نظرة واحدة إلى وجهك أحب إلي من الدنيا وما فيها، فأمر بها فأصلح من شأنها وهيئت، ثم زفت إليه، فقام يوسف يصلي ويدعو الله، وقامت وراءه، فسأل الله -تعالى- أن يعيد إليها شبابها وجمالها وبصرها، فرد الله عليها شبابها وجمالها وبصرها حتى عادت أحسن ما كانت يوم راودته، إكرامًا ليوسف -عليه السلام- لما عف عن محارم الله، فأصابها فإذا هي عذراء، فسألها، فقالت: يا نبي الله إن زوجي كان عنينًا لا يأتي النساء، وكنت أنت من الحسن والجمال بما لا يوصف، قال: فعاشا في خفض عيش، في كل يوم يجدد الله لهما خيرًا، وولدت له ولدين، إفراثيم ومنشأ.

وفيما روي أن الله -تعالى- ألقى في قلب يوسف من محبتها أضعاف ما كان في قلبها، فقال لها: ما شأنك لا تحبينني كما كنت في أول مرة؟ فقالت له: لما ذقت محبة الله -تعالى- شغلني ذلك عن كل شيء".

طالب: ..........

غريبة؟ يعني الطبع البشري يأباها؟

طالب: ..........

هذا موجود في الأولين والآخرين، أقول: هذه الغريزة موجودة في السابقين واللاحقين، الحب والعشق والجنون من أجله، والموت بسببه، هذا كله موجود، هذا مركب في الطبائع البشرية، يعني هذه الغرائز إن لم تقاد وتزم بزمام الشرع مهلكة، لا شك أنها مهلكة، والله المستعان.

أما حبها له ومراودتها على هذا فأمر لا ينكره أحد، وأما التفاصيل، السياق لا يأباها وإن كانت لا تُصدَّق ولا تُكذَّب.

طالب: ..........

زليخا، زليخا، لكن يمكن في لغة وفي لغة، يمكن بالعبرية كذا، وبالقبطية كذا، ما يدرى، الله أعلم.

طالب: ..........

ما يمنع أن يكون لها أكثر من اسم بسبب اختلاف اللغات.

طالب: ..........

نعم، نقف على الآية {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ} [يوسف: 56]، ورقة واحدة.

طالب: ..........

ما أدري، والله ما أدري، كتب التفسير تذكر، تذكر كتب التفسير، كلهم مطواطؤون عليه، كل المفسرين يذكرونها.

طالب: ..........

لكن هل ثبت أنها راودت غيره؟ هل ثبت أنها وقع منها فاحشة أو شيء؟

طالب: ..........

يعني هي خيانة لزوجها الأول بلا شك.

طالب: ..........

على كل حال كتب التفسير مطبقة على هذا.

"الثانية: قال بعض أهل العلم: في هذه الآية ما يبيح للرجل الفاضل أن يعمل للرجل الفاجر، والسلطان الكافر، بشرط أن يعلم أنه يفوض إليه في فعل لا يعارضه فيه، فيصلح منه ما شاء، وأما إذا كان عمله بحسب اختيار الفاجر وشهواته وفجوره فلا يجوز ذلك.

وقال قوم: إن هذا كان ليوسف خاصة، وهذا اليوم غير جائز، والأول أولى إذا كان على الشرط الذي ذكرناه. والله أعلم.

قال الماوردي: فإن كان المولي ظالمًا فقد اختلف الناس في جواز الولاية من قبله على قولين: أحدهما: جوازها إذا عمل بالحق فيما تقلده؛ لأن يوسف ولي من قبل فرعون، ولأن الاعتبار في حقه بفعله لا بفعل غيره.

الثاني: أنه لا يجوز ذلك، لما فيه من تولي الظالمين بالمعونة لهم، وتزكيتهم بتقلد أعمالهم، فأجاب من ذهب إلى هذا المذهب عن ولاية يوسف من قبل فرعون بجوابين: أحدهما: أن فرعون يوسف كان صالحًا، وإنما الطاغي فرعون موسى.

الثاني: أنه نظر في أملاكه دون أعماله، فزالت عنه التبعة فيه.

قال الماوردي: والأصح من إطلاق هذين القولين أن يفصل ما يتولاه من جهة الظالم على ثلاثة أقسام: أحدها: ما يجوز لأهله فعله من غير اجتهاد في تنفيذه كالصدقات والزكوات، فيجوز توليه من جهة الظالم؛ لأن النص على مستحقه قد أغنى عن الاجتهاد فيه، وجواز تفرد أربابه به قد أغنى عن التقليد.

 والقسم الثاني: ما لا يجوز أن يتفردوا به ويلزم الاجتهاد في مصرفه كأموال الفيء، فلا يجوز توليه من جهة الظالم؛ لأنه يتصرف بغير حق، ويجتهد فيما لا يستحق".

هذا الكلام، هذا الكلام حقيقة يحتاجه كثير من يحتاج إلى العمل بلاد غير المسلمين أو في بلاد المسلمين ممن يحكمها بعض الظلمة الذين يتصرفون فيها على غير مراد الله -سبحانه وتعالى-، والدخول في الأعمال التي هي في الأصل غير شرعية، لكن من باب تخفيف المظالم، وإعانة من يحتاج من المحتاجين وهكذا، والحكم بالحق بقدر الإمكان وتقليل هذا الظلم وتقليل مخالفة الحق، مسألة تحتاج إلى سياسة شرعية في مثل هذه الأمور، هل يقول الإنسان: أنا ما دام تحت ولاية شخص لا يحكم بالعدل، ولا يطبق شرع الله لا يجوز لي أن أخدمه بأي عمل من الأعمال، ولو توصلت به بواسطته إلى ما يُرضي الله -سبحانه وتعالى- وخففت الظلم، ونشرت بعض ما أستطيعه من العدل؟

منهم من يقول: لا شك أن الشرع جاء بجلب المصالح، وهذه مصلحة، كون الإنسان يتولى، وهو صالح مصلح، وإن كانت تحت ولاية عامة لظالم أو كافر أو ما أشبه ذلك، فإنه بعمله هذا يقلل تلك المفاسد التي تصدر عن هذا الظالم، وعلى كل حال المسألة اجتهادية.

طالب: ..........

الكافر إذا كان يستطيع بواسطة توليه هذا العمل الجزئي أن يحقق العدل فيما وُكل إليه، ويخفف الظلم في الجملة، وهذا شيء يتعذر به كثير من الناس في بعض القطاعات التي تزاول أشياء غير شرعية، يقول: أنا ولا غيري، أنا أخفف الظلم، وقد يُقال له: امسك هذا العمل، وإن كان في الأصل ما هو مشروع، أو مرغوب عنه في الأصل، لكن وجودك خير وبركة أحسن من غيرك، أحسن من أن يأتي شخص يستغل هذا المنصب فيزيد الطين بلة، ولو قيل للصالحين مثلًا: اتركوا هذه القطاعات التي هي في الأصل غير شرعية وتولاها أناس من الأشرار زادوا الظلم ظلمًا، زادوا البلاء بلاءً، ودخول الصالحين في الجملة ينفع في أي قطاع كان، ومنهم من يقول: أبدًا، الورع أن لا تدخل في هذه الأمور، وما أنت بحاجة إلى أن تقحم نفسك في أمور قد لا تُحمد عقباها؛ لأن بعض الفئات الغالب عليها -بعض الجهات- الغالب عليها عدم الصلاح، فيدخل الإنسان بنية الإصلاح، وقد يؤثَر عليه، قد يؤثَر عليه، وقد يكون في بعض الأمر ما لا يخدمه، بل قد يحرفه عن مراده ومقصوده، طبعًا، السلامة لا يعدلها شيء، لكن إن نظر إلى باب المصلحة، وأنه يحقق مصلحة من خلال هذا العمل، لعله يؤجر على قدر نيته وقدر عمله.

طالب: ..........

يعني ما يسلم، ما يسلم؛ لأنه يكون المشرع إما عقلًا مطبوعًا أو شرعًا متبوعًا، هذه فيها نزعة اعتزالية، وإن كان في الأصل ما هو من المعتزلة الخلص.

طالب: ..........

نعم، يعني مثل شخص يطبق القانون بكل حذافيره إلا في زاوية معينة، الأحوال الشخصية مثلًا في الشرع، يقال له: تولى هذا الجانب.

"