تعليق على تفسير سورة المائدة من أضواء البيان (18)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}[المائدة:95] هذه الآية الكريمة يُفهم من دليل خطابها، أي: مفهوم مخالفتها، أنهم إن حلوا من إحرامهم جاز لهم قتل الصيد، وهذا المفهوم مُصرحٌ به في قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة:2] يعني إن شئتم، كما تقدم إيضاحه في أول هذه السورة الكريمة".

في قوله -جلَّ وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ}[المائدة:95]، حال كونكم حُرمًا، المفهوم إذا كان المنع في حال الإحرام، فإذا انتهت هذا الحال أنه يُباح الصيد، وقد صُرِّح به في قوله –جلَّ وعلا-: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة:2]، على خلافٍ بين أهل العلم الأمر بعد الحظر ماذا يُراد به؟ والمرجح أنه يعود إلى ما كان عليه قبل الحظر كما هنا، وفي قوله–جلَّ وعلا-: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا}[الجمعة:10] وغيرها من نظائرها.    

"قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا}[المائدة:95] الآية، وذهب جمهور العلماء إلى أن معنى هذه الآية الكريمة: ومن قتله منكم متعمدًا لقتله ذاكرًا لإحرامه، وخالف مجاهد -رحمه الله- الجمهور قائلاً: إن معنى الآية: ومن قتله منكم متعمدًا لقتله، في حال كونه ناسيًا لإحرامه، واستدل لذلك بقوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}[المائدة:95]، كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى، وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول".

القيد المفهوم قيد العمد المفهوم من قوله –جلَّ وعلا-: {مُتَعَمِّدًا}[المائدة:95] هذا يدل على أن من لم يتعمد القتل بأن كان غافلاً أو ساهيًّا أو ناسيًا يكون غير متعمدٍ القتل فإنه لا يدخل، لكن جمهور أهل العلم الذين يرون تعلق الحكم بالإتلاف إذا كان العمل فيه إتلاف مثل: قتل الصيد، ومثل: قص الأظفار، وحلق الشعر هذا يقولون: فيه إتلاف، فيُرتبون عليها الجزاء، ولو لم يكن عن عمد، لماذا؟

لأن فيه إتلافًا بحيث لا يمكن إعادته، وأما ما يُمكن إعادته كلبس المخيط مثلاً فإنه لا يؤثر فيه إذا فُعِل، الحكم لا يترتب عليه إذا فُعِل مع النسيان أو مع الجهل؛ لأنه يُمكن إعادته كأن لم يكن شيء حصل، بخلاف ما يترتب عليه الإتلاف.

ولكن ماذا عنه قوله: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا}[المائدة:95] الشيخ سيذكر الخلاف في المسألة ومثَّل له.      

"وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، ويكون فيها قرينةٌ دالةٌ على عدم صحة ذلك القول".

إذا اقترن القول بما يُبطله، أو فيما استدل به ما يدل على بطلانه، هنا يذكر الشيخ قول مجاهد في هذه الآية في الآية ما يدل على ضعفه، إن لم يقل ببطلانه، وهو قوله –جلَّ وعلا-: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ}[المائدة:95].

"وإذا عرفت ذلك فاعلم أن في الآية قرينةً واضحة دالةً على عدم صحة قول مجاهد -رحمه الله- وهي قوله تعالى: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ}[المائدة:95]، فإنه يدل على أنه متعمدٌ أمرًا لا يجوز، أما الناسي فهو غير آثمٍ إجماعًا، فلا يناسب أن يقال فيه: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ}[المائدة:95] كما ترى، والعلم عند الله تعالى".

طالب:.........

نعم.

طالب:.......

هو غير متعمد ضد العمد، ما في إثم.

طالب:.......

قد يقترن بالفعل ما يُحمِّله نوع إثم، قد يكون خطأ، قد يكون نسيان، لكنه نسيانٌ يعتريه شيء من التفريط، فتكون المقدمات فيها نوع تفريط، الآن الذي يحفظ القرآن، ثم ينساه، فنقول: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا}[البقرة:286] أو نقول: إنه فرَّط في المحافظة على ما حفظ؟ وهو إن نسي، لكن عليه تبعة.

"قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}[المائدة:96] الآية.

ظاهر عموم هذه الآية الكريمة يشمل إباحة صيد البحر للمحرم بحجٍّ أو عمرة، وهو كذلك، كما بينه تخصيصه تعالى تحريم الصيد على المحرم بصيد البر في قوله: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}[المائدة:96] فإنه يُفهم منه أن صيد البحر لا يحرم على المُحرم، كما هو ظاهر".

هو نص في حِل صيد البحر، وتحريم صيد البر، لكن من أنواع الصيد ما يتردد بين هذا وهذا، ما يتردد بين كونه بحريًّا أو بريًّا، كما هو معروف فيما يُسمى بالبرمائي، يعني يعيش في البر أحيانًا، ويعيش في البحر أحيانًا، وهذا يندرج على حِل ميتة البحر، هل تتناول ما يعيش فيه جميع الوقت فقط، أو يندرج على ما يعيش في البر أحيانًا، ولكن الغالب عيشه في البحر؟ النص في البحر «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» الجراد والحوت ما ماتا في البحر من هذا النوع الذي لا يعيش، ومما لا ينبغي أن يُختلف فيه، إلا ما كان له نظيره في البر مما نزل فيه حكمٌ بالتحريم هذا أيضًا محل خلاف عند أهل العلم: كإنسان البحر، وخنزير البحر، وغير ذلك من الحيوانات المحرمة في البر بأن نظيرها هو من صيد البحر أو مما يعيش في البحر يأخذ الحكم أو يندرج في عموم ميتة البحر؟ وقل مثل هذا في الصيد، والشيخ سيذكر في المسائل أنواع الصيد.     

"مسائل تتعلق بالاصطياد في الإحرام أو في الحرم:

المسألة الأولى: أجمع العلماء على منع صيد البر للمحرم بحجٍّ أو عمرة.

وهذا الإجماع في مأكول اللحم الوحشي كالظبي، والغزال ونحو ذلك، وتحرم عليه الإشارة إلى الصيد، والدلالة عليه؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- أنه كان مع قومٍ من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو حلالٌ وهم محرمون، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُحرمٌ أمامهم، فأبصروا حمارًا وحشيًّا وأبو قتادة مشغول يخصف نعله فلم يؤذنوه، وأحبوا لو أنه أبصره فأبصره فأسرج فرسه، ثم ركب ونسي سوطه ورمحه، فقال لهم: ناولوني السوط والرمح، فقالوا: والله لا نُعينك عليه، فغضب فنزل، فأخذهما فركب فشد على الحمار فعقره، ثم جاء به وقد مات، فوقعوا فيه يأكلونه، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حُرم، فأدركوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألوه فقررهم على أكله، وناوله أبو قتادة عضد الحمار الوحشي، فأكل منها -صلى الله عليه وسلم-.

 ولمسلم: «هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ» قالوا: لا، قال: «فَكُلُوهُ».

وللبخاري: «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا» أو «أَشَارَ إِلَيْهَا» قالوا: لا، قال: «فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا» وقد أجمع جميع العلماء على أن ما صاده مُحرمٌ لا يجوز أكله للمحرم الذي صاده، ولا لمحرمٍ غيره، ولا لحلالٍ غير محرم؛ لأنه ميتة.

واختلف العلماء في أكل المُحرم مما صاده حلال على ثلاثة أقوال:

قيل: لا يجوز له الأكل مطلقًا، وقيل: يجوز مطلقًا، وقيل: بالتفصيل بين ما صاده لأجله، وما صاده لا لأجله فيمنع الأول دون الثاني.

واحتج أهل القول الأول بحديث الصعب بن جثامة -رضي الله عنه-: أنه أهدى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمارًا وحشيًّا".

الصعب بن جثامة مشهور وحديثه مشهور.

"أنه أهدى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمارًا وحشيًّا وهو بالأبواء أو بودان، فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حَرَامٌ» متفقٌ عليه، ولأحمد ومسلم «لَحْمَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ».

واحتجوا أيضا بحديث زيد بن أرقم -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُهدي له عضوٌ من لحم صيد فرده، وقال: «إِنَّا لَا نَأْكُلُهُ إِنَّا حُرُمٌ» أخرجه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.

واحتجوا أيضًا بعموم قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}[المائدة:96]، ويروى هذا القول عن عليٍّ، وابن عباسٍ، وابن عمر، والليث، والثوري، وإسحاق، وعائشة وغيرهم".

على هذا يحرم أكل المحرم من صيد الحرم أو مما يصيده المُحرم سواءٌ صاده له من أجله أو لم يصده من أجله، وهذا هو القول الأول في المسألة.

طالب:........

وهو محرم؟

طالب:........

ولو كذلك.

طالب:........

هذا القول على الإطلاق.

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

الصعب؟

طالب:........

الذي يظهر أنه حلال.

طالب:........

نعم، الصعب كان حلال، وأبو قتادة كان حلال، ولو صاده محرم صار ميتة على ما سيأتي تفصيله.

"واحتج من قال: بجواز أكل المحرم ما صاده الحلال مطلقًا؛ لعموم الأحاديث الواردة بجواز أكل المحرم من صيد الحلال".

يعني الجمع بين الأحاديث يحصل بالقول الثالث: أنه إن صِيد من أجله لا يحل، وإن صِيد لا من أجله فقد أكل النبي –عليه الصلاة والسلام- مما صِيد.

"كحديث طلحة بن عبيد الله عند مسلمٍ، والإمام أحمد: أنه كان في قومٍ محرمون، فأُهدي لهم طير، وطلحة راقد، فمنهم من أكل، ومنهم من تورع فلم يأكل، فلما استيقظ طلحة -رضي الله عنه- وفق".

وافق، وافق.

"وافق من أكله وقال: أكلناه مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

اللهم صل وسلم على محمد.

"وكحديث البهزي واسمه زيد بن كعب، أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-".

اللهم صل وسلم على محمد.

 "في حمارٍ وحشيٍّ عقير في بعض وادي الروحاء وهو صاحبه: شأنكم بهذا الحمار، فأمر-صلى الله عليه وسلم- أبا بكر فقسمه في الرفاق وهم مُحرمون، أخرجه الإمامان مالك في (موطئه) وأحمد في (مسنده) والنسائي، وصححه ابن خزيمة وغيره، كما قاله ابن حجر. وممن قال بإباحته مطلقًا أبو حنيفة وأصحابه.

قال مقيده -عفا الله عنه-: أظهر الأقوال وأقواها دليلاً، هو القول المفصِّل بين ما صيد لأجل المحرم، فلا يحل له، وبين ما صاده الحلال، لا لأجل المحرم، فإنه يحل له، والدليل على هذا أمران:

الأول: أن الجمع بين الأدلة واجبٌ متى ما أمكن؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، ولا طريق للجمع إلا هذه الطريق، ومن عدل عنها لا بُد أن يلغي نصوصًّا صحيحة.

الثاني: أن جابرًا -رضي الله عنه- روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-"

اللهم صل وسلم على محمد.

 "أنه قال: «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، مَا لَمْ تَصِيدُوهُ، أَوْ يُصَدْ لَكُمْ» رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، والدارقطني.

وقال الشافعي: هذا أحسنَ".

أحسنُ.

 هذا أحسنُ حديثٍ روي في هذا الباب وأقيس، فإن قيل في إسناد هذا الحديث: عمرو بن أبي عمر ومولى المطلب".

لا لا، عن أبي عمرو مولى المطلب"

"عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن مولاه المطلب، عن جابر، وعمروٌ مختلفٌ فيه، قال فيه النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وإن كان قد روى عنه مالك".

والقاعدة أن من يروي عنه مالك فهو ثقة؛ لأنه لا يروي عن ثقة، وهذه القواعد المطلقة المرسلة قد يخرج عنها ما يخرج، فالإمام مالك روى عن عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف، لكن في الجملة من يروي عنه مالك هو توثيقٌ له، وفيه نوع توثيق، ولكن لا يعني أنهم بأعيانهم كلهم ثِقات، وقد روى عن ابن أبي المخارق وهو ضعيف عند أهل العلم.  

"وقال الترمذي في مولاه المطلب أيضًا: لا يُعرف له سماعٌ من جابر، وقال فيه الترمذي أيضًا في موضعٍ آخر، قال مُحمد: لا أعرف له سماعًا من أحدٍ من الصحابة، إلا قوله: حدثني من شهد خطبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

هذ كافٍ في ثبوت المعاصرة للصحابة، وأيضًا الصحابة كلهم عدول، فكونه يروي عن من شهد الخطبة، فمن شهد الخطبة الصحابة، من شهد خطبة النبي –عليه الصلاة والسلام- صحابي وهو روى عن بعض الصحابة بهذا الإجمال.

طالب:........

البخاري "قال مُحمد" يعني: البخاري، نعم.

"فالجواب أن هذا كله ليس فيه ما يقتضي رد هذا الحديث؛ لأن عمرًا المذكور ثقة، وهو من رجال البخاري ومسلم، وممن روى عنه مالكٌ بن أنس، وكل ذلك يدل على أنه ثقة. وقال فيه ابن حجر في (التقريب): ثقةٌ ربما وهِم. وقال فيه النووي في (شرح المهذب): أما تضعيف عمرو بن أبي عمرو فغير ثابت؛ لأن البخاري ومسلمًا رويا له في صحيحيهما، واحتجا به، وهما القدوة في هذا الباب.

وقد احتج به مالكٌ، وروى عنه وهو القدوة، وقد عُرف من عادته أنه لا يروي في كتابه إلا عن ثقة، وقال أحمد بن حنبلٍ فيه: ليس به بأس، وقال أبو زُرعة: هو ثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به.

وقال ابن عديٍّ: لا بأس به؛ لأن مالكًا روى عنه، ولا يروي مالكٌ إلا عن صدوقٍ ثقة، قلت: وقد عُرف أن الجرح لا يثبت إلا مفسرًا، ولم يفسره ابن معينٍ والنسائي بما يُثبت تضعيف عمروٍ المذكور.

وقول الترمذي: إن مولاه المطلب بن عبد الله بن حنطب، لا يُعرف له سماعٌ من جابر، وقول البخاري للترمذي: لا أعرف له سماعًا من أحدٍ من الصحابة إلا قوله: حدثني من شهد خطبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس في شيءٍ من ذلك ما يقتضي رد روايته؛ لما قدمنا في سورة النساء من أن التحقيق هو الاكتفاء بالمعاصرة".

رأي مسلم الذي نقل عليه الإجماع ونصره، وقسى على من قال بخلافه في مقدمة الصحيح، نعم.

"ولا يلزم ثبوت اللُقي، وأحرى ثبوت السماع، كما أوضحه الإمام مسلمٌ بن الحجاج -رحمه الله تعالى- في مقدمة (صحيحه) بما لا مزيد عليه، مع أن البخاري ذكر في كلامه هذا الذي نقله عنه الترمذي، أن المطلب مولى عمرو بن أبي عمروٍ المذكور صرَّح بالتحديث ممن سمع خطبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو تصريحٌ بالسماع من بعض الصحابة بلا شك.

وقال النووي في (شرح المهذب): وأما إدراك المطلب لجابر، فقال ابن أبي حاتم: وروى عن جابر، قال: ويُشبه أن يكون أدركه، هذا هو كلام ابن أبي حاتم، فحصل شكٌّ في إدراكه، ومذهب مسلم بن الحجاج الذي ادعى في مقدمة (صحيحه) الإجماع فيه أنه لا يشترط في اتصال الحديث اللقاء، بل يُكتفى بإمكانه، والإمكان حاصلٌ قطعًا، ومذهب علي بن المديني، والبخاري، والأكثرين اشتراطَ ثبوت اللقاء".

اشتراطُ.

"اشتراطُ ثبوت اللقاء، فعلى مذهب مسلم الحديث متصل، وعلى مذهب الأكثرين يكون مرسلاً لبعض كبار التابعين".

الإمام مسلم نسب القول باشتراط ثبوت اللقاء إلى مبتدع؛ ليروج بدعته، وينفي من الأحاديث ما لا يوافق هواه، وهو قول معروف عن البخاري وعن شيخه علي بن المديني، فهل مسلم يخفى عليه قول البخاري أو أنه يقصد بالمبتدع البخاري وعلي بن المديني؟ كلا لا يُمكن أن يقصد بالمبتدع الإمام البخاري، وشيخه علي بن المديني، ولا يُمكن أن يخفى عليه قول البخاري ولا علي بن المديني، والذي يظهر أن مسلمًا يرد على مبتدع بالفعل، يرد على مبتدع جيَّر هذا القول لنصر بدعته؛ ليرد ما لا يؤيد بدعته من الأحاديث، وإلا من قال ذلك مجتهدًا، وأداه إليه اجتهاده وهو معروفٌ بالمُكنة في هذا العلم لا يُمكن أن يُقال له: مبتدع.

ونحن إذا رددنا على المعتزلة كأبي الحسين البصري وغيره الذين قالوا: باشتراط العدد في الرواية، ليس معناه أننا نرد على عمر حينما طلب من يشهد لأبي موسى الأشعري في حديث الاستئذان، ولم يقبل روايته بمفرده، إنما هذا المعتزلي الذي طلب العدد في الرواية، وتمسك برد عمر لحديث أبي موسى، لا لأن عمر يرى العدد في الرواية، وإنما أراد أن يتثبت في رواية الحديث، ليس معناه أن هذا منهجه لا يقبل من أحدٍ من خبرًا إلا إذا شُهِد له، لكن إذا حصل تردد أو شك في شيء فالتثبت مطلوب، فرق بين يتخذ هذا ديدنًا، ويتخذه مذهبًا قاعدة عامة، وبين من يطلبه في قضيةٍ أو في قضايا محدودة، ومع ذلك هذه دعوى كلهم يدعيها قيلت في هذا وفي هذا.

المقصود أن مسلمًا يتزعم هذا الرأي، وعلى بن المديني مع البخاري يتزعمون رأيًا، ولكلٍ منهما ناصر.

طالب:.......

نقل الإجماع على حده ممكن أنه يرى الإجماع على قول الأكثر، ما المانع؟ كابن جرير الطبري وغيره.           

"وقد سبق أن مرسل التابعي الكبير يُحتج به عندنا إذا اعتضد بقول الصحابة أو قول أكثر العلماء، أو غير ذلك مما سبق.

وقد اعتضد هذا الحديث، فقال به من الصحابة -رضي الله عنهم- من سنذكره في فرع مذاهب العلماء. انتهى كلام النووي، فظهرت صحة الاحتجاج بالحديث المذكور على كل التقديرات، على مذاهب الأئمة الأربعة".

هذا الحديث لو ما ورد، وثبت عندنا أحاديث متعارضة أنه أكل مما صِيد –عليه الصلاة والسلام- ورد ما صِيد، أكل مرة، ورد مرة، أليس من لازم الجمع أن نبحث عن توفيق بين هذين الحديثين، وأن أولى وصف يُعلَّق به الجواز هو أنه لم يُصَد من أجله، وأولى وصف يُعلق به الامتناع أنه صِيد من أجله، لو لم يرد الحديث الناص على ذلك.

"لأن الشافعي منهم هو الذي لا يحتج بالمرسل، وقد عرفت احتجاجه بهذا الحديث على تقدير إرساله".

على كل حال المرسل معروف، والخلاف فيه معروف مالك وأبو حنيفة يحتجون به وأتباعهم، وغيرهم من الأئمة على اختلافٍ في الرواية عن الإمام أحمد أنه يرى الاحتجاج بالمرسل، والقول الآخر أنه رده؛ لأنه من قسم الضعيف الإمام أحمد، والشافعي قبله بشروط.  

"قال مقيده -عفا الله عنه-: نعم، يُشترط في قبول رواية المدلس التصريح بالسماع، والمُطلب المذكور مُدلس، لكن مشهور مذهب مالك، وأبي حنيفة، وأحمد -رحمهم الله تعالى- صحة الاحتجاج بالمرسل، ولاسيما إذا اعتضد بغيره كما هنا، وقد علمت من كلام النووي موافقة الشافعية.

واحتج من قال بأن المرسل حجة، بأن العدل لا يحذف الواسطة مع الجزم بنسبة الحديث لمن فوقها، إلا وهو جازمٌ بالعدالة والثقة فيمن حذفه".

لأن المسألة مفترضة في ثقة، وهذا الثقة لا يُتصور منه أن يحذف ضعيفًا، فالذي يغلب على الظن أن المحذوف ثقة، والأحكام مبنية على غلبة الظن، هذه حجة من يقول: الاحتجاج بالمرسل، وذهب بعضهم فيما نقله ابن عبد البر في مقدمة التمهيد إلى أن المرسل أقوى من المتصل؛ لأن من أرسل فقد ضمن لك من حذف، ومن وصل أحالك على من ذكر، ولكن هذا القول ليس بشيء.

"واحتج من قال بأن المرسل حجة، بأن العدل لا يحذف الواسطة مع الجزم بنسبة الحديث لمن فوقها، إلا وهو جازمٌ بالعدالة والثقة فيمن حذفه؛ حتى قال بعض المالكية: إن المرسل مقدمٌ على المسند؛ لأنه ما حذف الواسطة في المرسل إلا وهو متكفلٌ بالعدالة والثقة فيما حذف بخلاف المسند، فإنه يُحيل الناظر عليه، ولا يتكفل له بالعدالة والثقة، وإلى هذا أشار في (مراقي السعود) بقوله في مبحث المرسل:

وَهُوَ حُجَّةٌ وَلَكِنْ رُجِّحَا

 

عَلَيْهِ مُسْنَدٌ وَعَكْسٌ صُحِّحَا

يعني ترجيحه على المسند صُحح عند بعض المالكية، وأشار إليه ابن عبد البر في مقدمة (التمهيد).

"ومن المعلوم أن من يحتج بالمرسل يحتج بعنعنة المُدلس من باب أولى".

لأنه في حال الإرسال مجزوم بالمحذوف، فيه محذوف جزمًا، وفي عنعنة المدلس احتمال وليس بجزم.

طالب:.......

والمرسل قد يحذفه.

طالب:.......

لا، هذا قال ما لا يُلتفت له.  

"فظهرت صحة الاحتجاج بالحديث المذكور عند مالكٍ، وأبي حنيفة، وأحمد مع أن هذا الحديث له شاهدٌ عند الخطيب وابن عدي من رواية عثمان بن خالدٍ المخزومي، عن مالكٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، كما نقله ابن حجر في (التلخيص) وغيره وهو يقويه.

وإن كان عثمان المذكور ضعيفًا؛ لأن الضعيف يقوي المرسل، كما عُرف في علوم الحديث، فالظاهر أن حديث جابرٍ هذا صالح، وأنه نصٌّ في محل النزاع، وهو جمعٌ بين هذه الأدلة بعين الجمع الذي ذكرنا أولاً، فاتضح بهذا أن الأحاديث الدالة على منع أكل المُحرِم مما صاده الحلال كلها محمولةٌ على أنه صاده من أجله، وأن الأحاديث الدالة على إباحة الأكل منه محمولةٌ على أنه لم يصده من أجله، ولو صاده لأجل مُحرمٍ مُعين حرم على جميع المحرمين، خلافًا لمن قال: لا يحرم إلا على ذلك المُحرم المعين الذي صِيد من أجله.

ويروى هذا عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وهو ظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أَوْ يُصَدْ لَكُمْ» ويدل للأول ظاهر قوله في حديث أبي قتادة: «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ لَهَا؟» قالوا: لا، قال: «فَكُلُوهُ»، فمفهومه أن إشارة واحدٍ منهم تُحرِمه عليهم كلهم، ويدل له أيضًا ما رواه أبو داود عن علي أنه دُعي وهو مُحرم إلى طعامٍ عليه صيد فقال: أطعموه حلالاً فإنَّا حُرم، وهذا مشهور مذهب مالك عند أصحابه مع اختلاف قوله في ذلك".

طالب:........

عند أم عن؟

طالب:........

لا لا عن ما تجيء عن.

طالب:........

 القرائن قرائن، نعم.

"المسألة الثانية: لا تجوز زكاة المحرم للصيد بأن يذبحه مثلاً، فإن ذبحه فهو ميتة لا يحل أكله لأحد كائنًا من كان؛ إذ لا فرق بين قتله بالعقر وقتله بالذبح؛ لعموم قوله تعالى: { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}[المائدة:95] وبهذا قال مالكٌ وأصحابه كما نقله عنهم القرطبي وغيره، وبه قال الحسن، والقاسم، وسالم، والأوزاعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، والشافعي في أحد قوليه، وقال الحكم، والثوري، وأبو ثور: لا بأس بأكله، قال ابن المنذر: هو بمنزلة ذبيحة السارق.

وقال عمرو بن دينار وأيوب السختياني: يأكله الحلال، وهو أحد قولي الشافعي، كما نقله عنهم ابن قدامة في (المغني) وغيره".

يعني المخالفة من المحرم بصيد شيءٍ من صيد البر، خالف وصاد، هل التحريم للصيد أو للمصيد؟ الآن السارق إذا سرق شاةً فذبحها وأكلها وأطعم منها، هذا التحريم طارئ ليس تحريمًا أصليَّا، هل ينتقل إلى تحريم العين أو أنه يُحرِّم الفعل وتبقى العين على أصلها؟ العلماء يُشددون في صيد البر من قِبل المُحرم، ويجعلونه مثل الميتة، بل يُقدمون الميتة عليه، بعضهم يُقدم الميتة على الصيد، صيد المُحرم وهو في الحرم، أين الشرط المختل في هذا؟ والحرم والإحرام.

طالب:........

نعم...

طالب:........

ما فيه إشكال، هذا المهم من قضيتنا.

فرق بين أن تنفك الجهة وبين ألا تنفك، إذا انفكت الجهة يُحكم على كل جهةٍ بحكمها، إذا تلازمت الجهات ولم تنفك الجهة حينئذٍ يُمنع.

طالب:.........

هل نقول: إن تزكية المُحرم مثل تزكية المُشرك؟ {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ}[المائدة:96]. 

طالب:........

لا لا، الحكم واحد.

طالب:........

المسألة يعني واحدة كونه يمسك الصيد ويذبحه أو يرميه ببندقية أو بشيء.

طالب:........

ماذا فيها؟

طالب:........

ما الفرق بين الصيد والتزكية؟

طالب:........

لا لا هو قال: أصله صيد ما هو من المزكيات، ما هو من الأهليات هو صيد.

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

الصيد والقتل بالصيد.

طالب:........

نعم نعم المقدور عليه يُزكى مهما كان، وغير المقدور عليه يُصاد ولو كان أهليًّا لو شرد بعيد ومد بعيدًا يُصاد، يصير حكمه حكم الوحش.  

"واحتج أهل هذا القول بأن من أباحت ذكاته غير الصيد أباحت الصيد كالحلال، والظاهر هو ما تقدم من أن ذبح المحرم لا يُحل الصيد، ولا يعتبر ذكاة له؛ لأن قتل الصيد حرامٌ عليه، ولأن ذكاته لا تحل له هو أكله إجماعًا، وإذا كان الذبح لا يُفيد الحل للذابح، فأولى وأحرى ألا يفيد لغيره؛ لأن الفرع تبعٌ للأصل في أحكامه، فلا يصح أن يثبت ما لا يثبت لأصله، قاله القرطبي، وهو ظاهر".

طالب:........

أين؟

طالب:........

هذا السارق سرق شاة وذكاها ذكاة شرعية وهو مسلم، تنقلب عينها إلى ميتة؟ هذا المُحرم مسلم، وصاد هذا الصيد، تنقلب عينها إلى ميتة؟

طالب:........

أين؟

طالب:........

خلونا من الإجماع الذي يُحكى، ما كل إجماع يكون إجماعًا، مر علينا أكثر من إجماع ومنقوض.

على كل حال حينما يقولون: إلا إذا لم يوجد إلا ميتة ولا صيد فأيهما أولى؟ قالوا: الميتة؛ لأنها تُباح في الضرورة، وهذا ما أُبيح في الضرورة، لكن إذا كانت النفس لا يُمكن أن تقبل هذه الميتة، والصيد لم يتأثر، مذبوح وذبحه مسلم، صحيح أنه تخطى وتعدى، وارتكب مُحرمًا هذا شيء، نحن لما نبحث مسألة أخذ ورد مع طلاب علم ليس معناه أننا نُقرر –يا إخوان- لنصل إلى نتيجة فقط.

كمل يا شيخ.   

"المسألة الثالثة: الحيوان البري ثلاثة أقسام: قسمٌ هو صيد إجماعًا، وهو ما كالغزال من كل وحشيٍّ حلال الأكل، فيُمنع قتله للمحرم، وإن قتله فعليه الجزاء، وقسمٌ ليس بصيدٍ إجماعًا، ولا بأس بقتله، وقسمٌ اختُلف فيه.

أما القسم الذي لا بأس بقتله، وليس بصيدٍ إجماعًا فهو: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور".

الخمسة المنصوص عليها، نعم.

"وأما القسم المُختلف فيه: فكالأسد، والنمر، والفهد، والذئب، وقد روى الشيخان في صحيحيهما عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقتل خمس فواسق في الحِل، والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور".

ومن منع من قتل: الأسد، والنمر والفهد، والذئب على أنها خارجة عن الخمس المنصوص عليها، ومن أجاز قتلها، قال هي: أولى مما نُص عليه، فالأسد أشد من الكلب العقور، والنمر كذلك، والذئب فهو من باب قياس الأولى،.  

"وفي الصحيحين أيضًا عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ»، ثم عد الخمس المذكورة آنفًا، ولا شك أن الحية أولى بالقتل من العقرب.

وقد أخرج مسلم عن ابن مسعود: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر مُحرمًا بقتل حيةٍ بمنى.

وعن ابن عمرو سُئل: ما يقتل الرجل من الدواب وهو مُحرم؟ فقال: حدثتني إحدى نسوة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور، والفأرة، والعقرب، والحدأة، والغراب، والحية، رواه مسلم أيضًا.

والأحاديث في الباب كثيرة، والجاري على الأصول تقييد الغراب بالأبقع، وهو الذي فيه بياض؛ لِما روى مسلم من حديث عائشة في عد الفواسق الخمس المذكورة، والغراب الأبقع، والمقرر في الأصول حمل المطلق على المقيد، وما أجاب به بعض العلماء من أن روايات الغراب بالإطلاق متفقٌ عليها، فهي أصح من رواية القيد بالأبقع لا ينهض، إذ لا تعارض بين مقيدٍ ومُطلق؛ لأن القيد بيانٌ للمراد من المطلق".

ولا يُشترط فيه التساوي بين المطلق والمقيد، شريطة أن يصح، لا ينزل عن المقبول في الاحتجاج، لكن لا يلزم أن يكون القيد مساويًا للإطلاق في الصحة، وقُل مثل هذا في العموم والخصوص.

"ولا عبرة بقول عطاءٍ، ومجاهد بمنع قتل الغراب للمحرم؛ لأنه خلاف النص الصريح الصحيح، وقول عامة أهل العلم، ولا عبرة أيضًا بقول إبراهيم النخعي: إن في قتل الفأرة جزاءً، لمخالفته أيضًا للنص وقول عامة العلماء، كما لا عبرة أيضًا بقول الحكم وحماد: لا يقتل المُحرم العقرب، ولا الحية، ولا شك أن السباع العادية: كالأسد، والنمر، والفهد أولى بالقتل من الكلب؛ لأنها أقوى منه عقرًا، وأشد منه فتكًا.

واعلم أن العلماء اختلفوا في المراد بالكلب العقور، فروى سعيد بن منصور عن أبي هريرة بإسنادٍ حسن، أنه الأسد، قاله ابن حجر، وعن زيد بن أسلم أنه قال: وأي كلبٍ أعقر من الحية.

وقال زفر: المراد به هنا الذئب خاصة، وقال مالكٌ في (الموطأ): كل ما عقر الناس، وعدا عليهم، وأخافهم، مثل: الأسد، والنمر، والفهد، والذئب فهو عقور، وكذا نقل أبو عبيدٍ عن سفيان، وهو قول الجمهور.

وقال أبو حنيفة: المراد بالكلب هنا هو الكلب المتعارف خاصة، ولا يُلحق به في هذا الحكم سوى الذئب، واحتج الجمهور بقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}[المائدة:4] فاشتقها من اسم الكلب، وبقوله -صلى الله عليه وسلم- في ولد أبي لهب: «اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ، فَقَتَلَهُ الْأَسَدُ» رواه الحاكم وغيره بإسناد حسن.

قال مقيده -عفا الله عنه-: التحقيق أن السباع العادية ليست من الصيد، فيجوز قتلها للمُحرم وغيره في الحرم وغيره؛ لِما تقرر في الأصول من أن العلة تعمّم معلولها؛ لأن قوله: «الْعَقُورُ» علةٌ لقتل الكلب، فيُعلم منه أن كل حيوانٍ طبعه العقر كذلك.

ولذا لم يختلف العلماء في أن قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي بكرة المتفق عليه: «لَا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» أن هذه العلة التي هي في ظاهر الحديث الغضب تُعمم معلولها فيمتنع الحكم للقاضي بكل مشوشٍ للفكر، مانعٍ من استيفاء النظر في المسائل كائنًا ما كان غضبًا أو غيره، كجوعٍ وعطشٍ مُفرطين، وحزنٍ وسرورٍ مفرطين، وحقنٍ وحقبٍ مفرطين ونحو ذلك".

لأنها كلها تجتمع في منع تمام النظر عند القاضي، تمام النظر عند القاضي لا يتم مع وجود هذه الأمور.

"وإلى هذا أشار في (مراقي السعود) قوله في مبحث العلة:

وَقَدْ تُخَصَّصُ وَقَدْ تُعَمَّمُ

 

لِأَصْلِهَا لَكِنَّهَا لَا تُخْرَم

لا تُحرِّم، الذي عندنا ولكنها لا تُحرِّم.

طالب:........

الجراد مختلفٌ فيه، فجاء في فتاوى بعض الصحابة أنه لا جزاء فيه؛ لأنه نثرة حوت، وهذا ثابت عن الصحابة، لكن لا يمنع أن يكون مُتلقى من أهل الكتاب، وبعضهم قال: فيه الجزاء؛ لأنه صيد، وأفتوا به بقبضة طعام كجرادة، وبعضهم قال: درهم، المقصود أن فيه الجزاء، وعلى هذا يكون من الصيد.

طالب:........

الكلام على الخوف الخوف الوهمي غير الخوف الطبيعي، واقع، بعض الناس عنده استعداد أن يخرج من بيته في الظلام وفيه سباع وهوام؛ ليتوضأ، وبعضهم لا يخرج في الظلام ولو ما فيه شيء ما عليه خطر، يتيمم أم ما يتيمم؟ بعضهم هذا أشد من ذاك الخوف، فهل الوهم مُعتبر أو غير مُعتبر؟

طالب:.........

يمكن أن ينجو، الله أعلم، نعم.     

"ويدل لهذا ما أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والإمام أحمد من حديث أبي سعيدٍ الخدري: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئل عما يقتل المحرم فقال: «الْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفُوَيْسِقَةُ، وَيَرْمِي الْغُرَابَ وَلَا يَقْتُلُهُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالسَّبُعُ الْعَادِيُّ»، وهذا الحديث حسَّنه الترمذي.

وضعَّف ابن كثيرٍ رواية يزيد بن أبي زياد، وقال فيه ابن حجرٍ في (التلخيص): فيه يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف، وفيه لفظةٌ منكرة وهي قوله: «وَيَرْمِي الْغُرَابَ وَلَا يَقْتُلُهُ».

وقال النووي في (شرح المهذب): إن صح هذا الخبر حُمل قوله هذا على أنه لا يتأكد ندب قتل الغراب كتأكيد قتل الحية وغيرها.

قال مقيده -عفا الله عنه-: تضعيف هذا الحديث، ومنع الاحتجاج متعقبٌ من وجهين:

الأول: أنه على شرط مسلم؛ لأن يزيد بن أبي زياد من رجال صحيحه، وأخرج له البخاري تعليقًا".

لكنه لم يُخرِّج له في الأصول، وفي (الألفية) قال:

وللإمام اليعموري إنما

 

قول أبي داود يحكي مسلمًا

 يعني شرط أبي داود بدل شرط مسلم.

حيث يقول جملة الصحيح لا

 

توجد عند مالكٍ والنبلاء

فاحتاج أن ينزل في الإسناد إلى يزيد بن أبي زيادة يحتاج، متى يحتاج؟ من المتابعات والشواهد، فالشيخ –رحمة الله عليه- مادام خرَّج له مسلم خلاص صحيح، هذا ليس بمطرد، فرق أن يُخرَّج له في الأصول، وأن يُخرَّج له في الشواهد والمتابعات، سواءً كان في البخاري أو في مسلم، لكن وجوده في الصحيح، التخريج له في الصحيح، ولو كان فيه كلام لأهل العلم يدل على أنه ليس بشديد الضعف؛ لأن حديثه مما يقبل الترقية.

طالب:........

نعم، ليس معنى أني أرى راويًا في البخاري احتاج أن ينزل إليه؛ لحاجته إلى هذا الحديث الذي رواه من طرق أخرى، ثم أجعله أصلًا وقاعدة، فإذا وجدت له حديثًا في أي كتابٍ قبلته، نعم.   

"ومنع الاحتجاج بحديثٍ على شرط مسلم لا يخلو من نظر، وقد ذكر مسلمٌ في مقدمة (صحيحه): أن من أخرج حديثهم في غير الشواهد والمتابعات أقل أحوالهم قبول الرواية، فيزيد بن أبي زيادٍ عند مسلم مقبول الرواية، وإليه الإشارة بقول العراقي في ألفيته:

فَاحْتَاجَ أَنْ يَنْزِلَ فِي الْإِسْنَادِ

 

إِلَى يَزِيدَ بْنَ أَبِي زِيَاد

بنِ بنِ.

فَاحْتَاجَ أَنْ يَنْزِلَ فِي الْإِسْنَادِ

 

إِلَى يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَاد

 

الوجه الثاني: أنَّا لو فرضنا ضعف هذا الحديث، فإنه يقويه ما ثبت من الأحاديث المتفق عليها من جواز قتل الكلب العقور في الإحرام وفي الحرم، والسبع العادي إما أن يدخل في المراد به، أو يُلحق به إلحاقًا صحيحًا لا مراء فيه، وما ذكره الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- من أن الكلب العقور يلحق به الذئب فقط؛ لأنه أشبه به من غيره لا يظهر؛ لأنه لا شك في أن فتك الأسد والنمر مثلاً، أشد من عقر الكلب والذئب، وليس من الواضح أن يُباح قتل ضعيف الضرر، ويُمنع قتل قويه؛ لأن فيه علة الحكم وزيادة، وهذا النوع من الإلحاق من دلالة اللفظ عند أكثر أهل الأصول، لا من القياس، خلافًا للشافعي وقوم، كما قدمنا في سورة النساء.

وقال القرطبي في تفسير هذه الآية ما نصه: قلت: العجب من أبي حنيفة -رحمه الله- يحمل التراب على البر بعلة الكيل، ولا يحمل السباع العادية على الكلب بعلة الفسق والعقر، كما فعل مالك، والشافعي- رحمهما الله-.

واعلم أن الصيد عند الشافعي هو مأكول اللحم فقط، فلا شيء عنده في قتل ما لم يؤكل لحمه، والصغار منه والكبار عنده سواء، إلا المتولد من بين مأكول اللحم وغير مأكوله، فلا يجوز اصطياده عنده، وإن كان يحرم أكله، كالسَّمُع وهو المتولد من بين الذئب والضبع".

السِّمع.

"كالسِّمع وهو المتولد من بين الذئب والضبع، وقال: ليس في الرخمة، والخنافس، والقردان، والحُلم".

الحَلمِ.

"والحَلمِ وما لا يؤكل لحمه شيء؛ لأن هذا ليس من الصيد؛ لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}[المائدة:96] فدل أن الصيد الذي حرم عليهم، هو ما كان حلالاً لهم قبل الإحرام، وهذا هو مذهب الإمام أحمد".

يعني إذا نظرنا إلى الخمس الفواسق عند الشافعية أن العلة في إباحة قتلها أنها غير مأكولة اللحم، وعند غيرهم أنها فواسق، الفسق هو العلة، كل ما شاركها في هذه العلة جاز قتله، وما كان أشد وأدخل في هذه العلة كان قتله أولى؛ لأن ضرره أكثر، وإذا قالوا: بأن العلة عدم الأكل فكل ما لا يؤكل لحمه يجوز قتله عند الشافعية. 

"أما مالكٌ -رحمه الله- فذهب إلى أن كل ما لا يعدو من السباع، كالهر، والثعلب، والضبع وما أشبهها، لا يجوز قتله. فإن قتله فداه، قال: وصغار الذئاب لا أرى أن يقتلها المُحرم، فإن قتلها فداها، وهي مثل فراخ الغربان.

قال مقيده -عفا الله عنه-: أما الضبع فليست مثل ما ذَكر".

ذُكِر معها.

"فليست مثل ما ذُكر معها؛ لورود النص فيها دون غيرها بأنها صيدٌ يلزم فيه الجزاء، كما سيأتي إن شاء الله تعالى".

كونها تأكل الجيَّف ولها ناب يكون هذا من باب التخصيص والاستثناء، وتحريم ما له ناب من السباع، وبعضهم يُشكك في كون الضبع الموجود هو المنصوص عليه في السابق، كما شككوا في حمار الوحش، قالزا: ليس هو، ولكن تواتر العمل والتوارث بين المسلمين من الصدر الأول إلى يومنا هذا كافٍ في أن يُحكم بأنها هي، إلا لو وجدت أوصاف لا تنطبق عليها، أوصاف معتمدة من النصوص، أو من كلام الصحابة، أو من يوثق به من أهل العلم، فيُنظر في المسألة.

طالب:......

على الكلام، الناس مشوا على المخطط، وصار بعض الناس يُشكك..

طالب:......

أنت تقول: ما كانوا، التاريخ أين هو؟

طالب:.........

النفي والإثبات يحتاج إلى خرط القتاد، وليكن فرد من أفراده، هذا فرد من أفراده يدخل في النص. على كل حال التواتر، والعمل، والتوارث تثبت به أحكام كثيرة.       

"ولم يجز مالك للمحرم قتل الزنبور، وكذلك النمل، والذباب، والبراغيث، وقال: إن قتلها محرمٌ يطعم شيئًا، وثبت عن عمر -رضي الله عنه- إباحة قتل الزنبور، وبعض العلماء شبهه بالعقرب، وبعضهم يقول: إذا ابتدأ بالأذى جاز قتله، وإلا فلا، وأقيسها ما ثبت عن عمر بن الخطاب؛ لأنه مما طبيعته أن يؤذي.

وقد قدمنا عن الشافعي، وأحمد، وغيرهم أنه لا شيء في غير الصيد المأكول، وهو ظاهر القرآن العظيم".

اللهم صلِّ على محمد.

"