شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (262)

 

بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة، الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

لتذكير الإخوة والأخوات، نحن في كتاب الوضوء، في أول حديث في المختصر 110، 135 في الأصل، لعل الإخوة والأخوات يبدؤون في المتابعة معنا في هذا الكتاب.

قال المصنف- رحمه الله تعالى-: " كتاب الوضوء:

عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لا يُقْبَلُ صَلاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ». قَالَ رَجُلٌ".

كذا عندك لا يُقْبَلُ؟

المقدم: عندنا: لا يُقْبَلُ.     

«لا تُقْبَلُ».

 المقدم: لا تُقبل!

نعم.

المقدم:"«لا تُقْبَلُ صَلاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ». قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحْبه أجمعين، أمَّا بعد،

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى- كما في الأصل:" كتاب الوضوءالكتاب مصدر كَتَبَ يكتب كتابًا وكتابةً وكَتْبًا، ومدار المادة على الجمع، كما يُقال: تَكَتَّب بنو فلان إذا اجتمعوا، ومنه قيل لجماعة الخيل: كتيبة، ومنه الكتابة؛ لاجتماع الكلمات والحروف، وهو من المصادر السيَّالة كما قال أهل العلم يعني هي التي تحدث شيئًا فشيئًا، يعني لا تحدث الكتابة دفعة واحدة مثل القيام مثلًا، إنَّما الكتابة تحدث...

المقدم: شيئًا فشيئًا.

شيئًا فشيئًا، والمراد هنا المكتوب الجامع لمسائل الوضوء، وتقدم تعريف الكتاب في كتابي الإيمان والعلم.

والوضوء كما في تهذيب اللغة للأزهري، يقول: قال الليث: الوضاءة مصدر الوضيء، وهو الحسن النظيف، والفعل: وَضُؤَ يَوْضُؤُ وَضاءةً.

وعن ابن السكيت قال: اسم الماء الذي يتوضأ به الوَضوء. قال: وتوضأت وضوءًا حسنًا، وقال أبو حاتم: توضّأتُ وَضوءًا، وتطهّرتُ طَهورًا، قال: والوَضوء الماء، والطَّهور مثله.

المقدم: الوُضوء بالضم الماء؟

قال: والوَضوء الماء؛ لأنَّ هنا قال عن ابن السكيت قال: اسم الماء الذي يتوضأ به الوَضوء.

المقدم: الوَضوء، نعم.

نعم، قال: والوَضوء الماء، والطَّهور مثله، ولا يُقال فيهما بضم الواو والطاء، لا يُقال الوُضوء ولا الطُّهور.

قال: وقال الأصمعي: قلت لأبي عمرو بن العلاء: ما الوَضوء؟ فقال: الماء الذي يتوضأ به، قال: قلت: فما الوُضوء بالضم؟ فقال: لا أعرفه. وعمرو بن العلاء يقول: الوُضوء لا أعرفه.

وقال ابن الأنباري: هو الوُضوء للماء الذي يتوضأ به، يعني جعلهما شيئًا واحدًا، الوُضوء والوَضوء شيءٌ واحد.

قال: والوَضوء مصدر وَضُؤَ يَوْضُؤُ وُضُوءًا، ووَضاءةً.

وفي المصباح: وضؤ الوجه مهموزٌ وَضاءة. ، في المصباح: وَضُؤ الوجه مهموز وَضَاءةً وِزَانُ ضَخُمَ ضَخَامَةٌ فَهُوَ وَضِيءٌ، وَهُوَ الْحُسْنُ وَالْبَهْجَةُ.

والوَضوء بالفتح الماء الذي يُتوضأ به، وبالضم الفعل، بالضم الفعل الذي هو فعل المتوضئ.

المقدم: الممارسة.

وأنكر أبو عبيد الضم، وقال: المفتوح اسم يقوم مقام المصدر كالقَبول يقوم اسمًا ومصدرًا.

يقول ابن حجر في فتح الباري: المراد بالوُضوء ذكر أحكامه، وشرائطه، وصفته، ومقدماته، والوُضوء بالضم هو الفعل، وبالفتح الماء الذي يُتوضأ به على المشهور فيهما، وحُكي في كل منهما الأمران. يعني حُكي الفتح والضم للماء الذي يُتوضأ به، وحُكي الضم والفتح للفعل، الذي هو فعل المتوضئ، وهو مشتق من الوضاءة، وسُمِّي بذلك؛ لأنَّ المصلي يتنظف به فيصير وضيئًا. وكثيرٌ من أهل العلم من الفقهاء وغيرهم يعبرون بكتاب الطهارة بدل...

المقدم: كتاب الوضوء.

بدل كتاب الوضوء، في عمدة القاري يقول: وقع في بعض النسخ كتاب الطهارة، يعني بدل كتاب الوضوء، وقع في بعض النسخ كتاب الطهارة وبعده باب ما جاء في الوضوء، يقول: وهذا أنسب؛ لأنَّ الطهارة أعم من الوضوء، والكتاب يذكر فيه نوعٌ من الأنواع الذي ينبغي أن يُترجم بلفظ عام حتى يشمل جميع أقسام ذلك الكتاب؛ لأنَّ الطهارة تشمل الوضوء.

المقدم: والفعل.

وتشمل الغسل، وتشمل التيمم.

المقدم: التيمم.

نعم، لكن يلزم على هذا أن لا يُترجم بكتاب الوضوء، ولا بكتاب الغسل، ولا بكتاب التيمم.

المقدم: لأنَّ الطهارة تشمل.

إذا ترجم بكتاب الطهارة.

المقدم: شملت الجميع.

يتفرع عنها أبواب.

المقدم: نعم.

نعم، لكن إذا ترجم بكتاب الوضوء يترجم بكتاب الغُسل، وكتاب التيمم.

المقدم: وفعلًا هو ترجم.

نعم، في الروض المُربِع، هذا شرح زاد المستقنع للبهوتي، بدأ بها أعني الطهارة، ويقصد بذلك صاحب الزاد، بدأ بها كغيره من المؤلفين من الفقهاء والمحدِّثين وغيرهم، بدأ بها؛ لأنَّها مفتاح الصلاة.

المقدم: لكن هذا كتاب فقه وليس حديث.

كتاب فقه نعم، لكن الكلام على مناسبة الترتيب.

المقدم: لكن أقصد أنَّ كتاب الفقه..

لأنَّ الفقهاء يبدؤون بالعبادات.

المقدم: صحيح.

يثنون بالمعاملات، ثم المناكحات ثم الجنايات، هذه هي الأربعة الفقهية.

المقدم: نعم.

لماذا قُدِّمت العبادات؟ نعم، يقول: بدأ بها لأنَّها يعني الطهارة لأنَّها مفتاح الصلاة وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، بدأ بها لأنها مفتاح الصلاة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، في حاشية الشيخ ابن قاسم على الروض يقول: الشهادتين اللتين هما أساس الملة، يعني علَّق على قوله بعد آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، قال: اللتين هما أساس الملة وأصل التوحيد، وله كتب مستقلة، وله كتب مستقلة هذا بالنسبة لكتب الفقه، أمَّا في كتب الحديث فالجوامع من كتب الحديث كالبخاري مثلًا فيه كتاب التوحيد، وفيه كتاب الإيمان، وفيه غيرهم من الكتب، والنبي- صلى الله عليه وسلم- بدأ بالصلاة قبل الزكاة والصوم والحج وغيرها، يعني كما في حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: «بُني الإسلام على خمس» فذكر بعد الشهادتين الصلاة، وإذا ثبت تقديم الصلاة بعد التوحيد فينبغي تقديم مقدماتها، ومنها الطهارة؛ لأنَّ الوسائل تُقدم على الغايات، لماذا؟ لأنَّها قبلها في الوجود، يعني لابد أن توجد قبلها.

المقدم: نعم.

في الوجود الحكمي فلتكن قبلها في الوجود الذكري، واضح أم ليس بواضح؟ يعني هل الوضوء قبلُ أم الصلاة؟

المقدم: لا، الوضوء قبل.

الوضوء قبل الصلاة؛ إذًا يُتحدث عن الوضوء قبل الصلاة.

المقدم: لأنَّها قبلها فعلًا.

وإذا ثبت تقديم الصلاة بعد التوحيد فينبغي تقديم مقدماتها ومنها الطهارة، وفي الحديث «مفتاح الصلاة الطهور» رواه الخمسة إلا النسائي، وذلك أنَّ الحدث مانعٌ منها، فهو كالقُفل يُوضع على المحدث.

المقدم: عند الخمسة الحديث؟

نعم، إلا النسائي.

المقدم: لهذا يقوله ابن القاسم أم لا؟

ابن القاسم، نعم.

المقدم: والخمسة عنده هو المعتاد.

هم المعروفون نعم.

المقدم: الخمسة عنده المحدثون المعروفون.

أصحاب السنن وأحمد، إلا النسائي، وذلك أنَّ الحدث مانع منها، فهو كالقُفل يُوضع على المحدث، حتى إذا توضأ انحل القفل، والمفتاح شأنه التقديم، يعني أنت تحتاج المفتاح قبل الدخول أم بعده؟

المقدم: لا، أظن قبل.

قبل، والمفتاح شأنه التقديم على ما جُعل مفتاحًا له، وما كان مفتاحًا لشيء وشرطًا له فمقدم عليه طبعًا، فيقدم وضعًا، ثم ذكر الشيخ ابن قاسم الترتيب الفقهي مع سببه، فقال: قدموا العبادات اهتمامًا بالأمور الدينية، الأهم للإنسان دينه الذي من أجله خُلق، ثم المعاملات؛ لأنَّها من أسبابها الأكل والشرب ونحوها من الضروري الذي يُحتاج إليه الكبير والصغير، الناس كلهم بحاجة إلى المعاملات، وشهوته شهوة الأكل والشرب ضروريات مقدمة على شهوة النكاح، فقدمت البيوع على النكاح، وقدموه- يعني النكاح- على الجنايات والحدود والمخاصمات؛ لأنَّ وقوعها- وقوع الجنايات والحدود والمخاصمات- في الغالب بعد الفراغ من شهوتي البطن والفرج؛ لأنَّ الإنسان إذا شَبِع في الغالب أنَّه يبطر، فيتعدى على غيره.

 على كل حال هذا ترتيب موجود عند الفقهاء، يبدأون بربع العبادات ثم ربع المعاملات، ثم المناكحات التي يسمونها في عرف المحدثين الأحوال الشخصية، ثم بعد ذلك الحدود والجنايات.

المقدم: شيخ قبل قليل الذين رجحوا أنَّ الوَضوء اسم الماء، والوُضوء الفعل يندرج معه الطهور، كيف يكون الطَّهور اسم الماء؟

ما يُتَطهر به.

المقدم: يعني يندرج نفس الشيء؟

نعم، ما يتطهر به.

المقدم: الطَّهور.

نعم

المقدم: والطُّهور الفعل.

نعم، وسبق أن قال الحافظ إنَّه يطلق كل منهما على الآخر، فالأمر فيه سعة.

الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- بعد الترجمة الكبرى كتاب الوضوء، قال: باب ما جاء في الوضوء، وقول الله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6]، قال: أبو عبد الله، من هو؟ البخاري، قال أبو عبد الله: وبيَّن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنَّ فرض الوضوء مرة مرة، وتوضأ أيضًا مرتين، وثلاثًا، ولم يزد على ثلاث، وكره أهل العلم الإسراف فيه، ولم يجاوزوا فعل النبي- صلى الله عليه وسلم-.

باب ما جاء في الوضوء، يقول ابن حجر: أشار، يعني البخاري بقوله:" ما جاء" إلى اختلاف السلف في معنى الآية، فقال الأكثرون: التقدير إذا قمتم إلى الصلاة مُحدثين، {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة:6] مفادها والظاهر منها أنَّه كلما قمتم إلى الصلاة فاغسلوا، يقول: قال الأكثرون: التقدير إذا قمتم إلى الصلاة مُحدثين، يعني حال كونكم محدثين.

المقدم: أحدَثْتُم.

وقال آخرون: بل الأمر على عمومه من غير تقدير حذف، إلا أنَّه في حق المُحدِث على الإيجاب، وفي حق غيره على الندب، لكن هذا القول إجراء الأمر على عمومه {فَاغْسِلُوا} على عمومه، مع أنَّه في حق المُحدِث على الوجوب، وفي حق غيره يكون تجديدًا على الندب، هذا فيه إيش؟ استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، يعني اغسلوا، هل الأمر هنا للوجوب أو الاستحباب أو لهما معًا؟

للوجوب تارة، وللاستحباب أخرى، على هذا القول لهما معًا، لهما معًا؛ لأنَّه يقول: وقال آخرون بأنَّ الأمر على عمومه من غير تقدير حذف إلا أنَّه في حق المُحدِث على الإيجاب وفي حق غيره على الندب، هنا استعمل اللفظ في معنييه، الوجوب والندب، ولا يجوز استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى في معنييه على ما قالوا، عند الجمهور، وأجازه الشافعية، وقال بعضهم: كان على الإيجاب، يعني كلما قمت إلى الصلاة اغسل، توضأ، كان على الإيجاب ثم نُسخ فصار مندوبًا، ويدل لهذا ما رواه أحمد وأبو داود من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنَّ أسماء بنت زيد بن الخطاب حدثت أباه عبد الله بن عمر عن عبد الله بن حنظلة الأنصاري أنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم-« أُمر بالوضوء لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر، فلمَّا شق عليه وضع عنه الوضوء إلا من حدث»، ولمسلم من حديث بريدة كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: إنَّك فعلت شيئًا لم تكن تفعله، فقال:« عمدًا فعلته»، يعني لبيان الجواز.

ويقول النووي في شرح مسلم: أجمعت الأُمَّة على أنَّ الطهارة شرطٌ في صحة الصلاة، يقول القاضي عياض: واختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة، فذهب ابن الجهم إلى أنَّ الوضوء في أول الإسلام كان سُنَّة، ثم نزل فرضه في آية التيمم، أي التي هي آية المائدة.

المقدم: نعم.

ثم نزل فرضه في آية التيمم، قاله الجمهور، بل قيل: كان قبل ذلك فرضًا، يعني يكون تأخر جدًّا فرضًا.

المقدم: آية التيمم.

صلوات بدون طهارة على هذا الكلام. وفي فتح الباري: تمسك بهذه الآية يعني آية المائدة المذكورة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6]، تمسك بهذه الآية من قال: إنَّ الوضوء أول ما فُرض بالمدينة، فأمَّا ما قبل ذلك فنقل ابن عبد البر اتفاق أهل السِّير على أنَّ غُسل الجنابة إنَّما فُرض على النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو في مكة كما فُرضت الصلاة، وأنَّه لم يصلِّ قط إلا بوضوء، قال: وهذا مما لا يجهله عالم، وقال الحاكم في المستدرك: وأهل السُّنَّة بهم حاجة إلى دليل الرد على من زعم أنَّ الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة، ثم ساق حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- دخلت فاطمة على النبي- صلى الله عليه وسلم- وهي تبكي فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك، فقال: «ائتوني بوضوء فتوضأ».. الحديث.

 قلت- القائل ابن حجر-: وهذا يصلح ردًّا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة، النبي- عليه الصلاة والسلام- توضأ، يصلح ردًّا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة لا على من أنكر وجوبه حينئذٍ، وجزم ابن حزم بأنَّه لم يُشرع إلا بالمدينة، ويرد عليهما- يعني ابن حزم الذي جزم بأنَّه لم يُشرع إلا بالمدينة وابن الجهم الذي يرى سُنيته قبل آية المائدة- ما أخرجه ابن لهيعة في المغازي التي يرويها عن أبي الأسود يتيم عروة عنه- يعني عن عروة- أنَّ جبريل علَّم النبي- صلى الله عليه وسلم- الوضوء عند نزوله عليه بالوحي، وهو مرسل ووصله أحمد من طريق ابن لهيعة أيضًا، وأخرجه ابن ماجه من رواية رشدين بن سعد عن عقيل عن الزهري نحوه، وهذه الطرق ضعيفة كلها.

المقدم: ضعيفة؛ لوجود ابن لهيعة.

يعني فيها إرسال، وفيها ابن لهيعة، وطريق ابن ماجه فيه رشدين بن سعد، وهو ضعيف أيضًا، وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق الليث عن عقيل موصولًا، يقول ابن حجر: ولو ثبت لكان على شرط الصحيح، لكن المعروف رواية ابن لهيعة.

وفي تفسير القرطبي، يقول: ذكر القشيري وابن عطية أنَّ هذه الآية آية المائدة نزلت في قصة عائشة حين فقدت العقد في غزوة المريسيع، وهي آية الوضوء قال ابن عطية: لكن من حيث كان الوضوء متقررًا عندهم، مستعملًا، فكأنَّ الآية لم تزدهم فيه إلا تلاوة يعني الوضوء. يعني كان متقررًا قبل الآية، فالآية زادتهم التلاوة، يقول: وإنَّما أعطتهم الفائدة والرخصة في التيمم، وقد ذُكر في آية النساء خلاف هذا، والله أعلم.

هذا بالنسبة للوضوء متى فُرض؟ مسألة خلافية بين أهل العلم، وعلى كل حال الخلاف له أثر الآن؟

المقدم: لا.

لا أثر له الآن، وهل الوضوء من.. أقول هل الوضوء من خصائص هذه الأُمَّة، أو هو معروف في الأمم السابقة؟

المقدم: في الحديث الذي سيأتينا بعد الثاني ربما يكون ليس من خصائص هذه الأُمَّة.

ماذا في الحديث الثاني؟

المقدم: أقصد أن يكون من أثار- عفوًا- من آثار.

يعني من خصائص هذه الأُمَّة.      

المقدم: من خصائص هذه الأُمَّة.

النووي في شرحه على مسلم يقول في شرح حديث أبي هريرة: «لكم سيما ليست لأحد من الأمم تردون عليَّ غرًا محجلين من أثر الوضوء» استدل به جماعة من أهل العلم..

المقدم: على خصوصيته.

على أنَّ الوضوء من خصائص هذه الأُمَّة، زادها الله شرفًا، وقال آخرون: ليس الوضوء مختصًّا بها، وإنَّما الذي اختصت به هذه الأُمَّة الغرة والتحجيل، واحتجوا بالحديث الآخر هذا «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي»، وأجاب الأولون عن هذا بجوابين: أحدهما أنَّه حديث ضعيف معروف الضعف، والثاني لو صحَّ احتمل أن يكون الأنبياء اختصت بالوضوء دون أممهم إلا هذه الأُمَّة، لكن مما يدل على عدم الخصوصية لهذه الأُمَّة، وأنَّ الأمم السابقة كانت تتوضأ أنَّ سارة زوجة إبراهيم- عليه السلام- لمَّا أرادها الجبار قامت تتوضأ وتصلي، وفي قصة جريج في الصحيح، وفيها: «فتوضأ وصلى».

المقدم: طلب أن يتوضأ.

توضأ وصلى فدلَّ على أنَّ الوضوء معروف في الأمم السابقة، والله أعلم.

المقدم: ليس من خصائصها.

فليس من خصائص هذه الأُمَّة.

والحديث راويه أبو هريرة، راوية الإسلام الصحابي الجليل، اختلف في اسمه على أكثر من ثلاثين قولًا، والأشهر على أنَّه عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أسلم سنة سبع، ومات سنة تسع وخمسين، وقيل قبلها، ومر ذكره مرارًا.

 والحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب لا تُقبل صلاة بغير طهور، قال ابن حجر: هو بضم الطاء المهملة، والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغُسل، الطُّهور، هو بضم الطاء المهملة والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغُسل، وهذه الترجمة لفظ حديث رواه مسلم، وغيره من حديث ابن عمر، وأبو داود، وغيرهم من طريق أبي المليح بن أسامة عن أبيه، وله طرقٌ كثيرة ليس فيها شيء على شرط البخاري؛ فلهذا اقتصر على ذكره في الترجمة، وأورد في الباب ما يقوم مقامه. «لا تُقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ». هو بمعنى حديث «لا تقبل صلاة من غير طهور».

 الحديث خرَّجه الإمام مسلم من حديث ابن عمر لمَّا ذهب إلى ابن عامر يعوده.

المقدم: نعم.

فقال له ابن عامر: عظني، فقال: «لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول، وكنت على البصرة»، هذه أبلغ موعظة في هذا الوقت، «لا تُقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول وكنت على البصرة»، يعني كنت أميرًا على البصرة.

المقدم: يعني انتبه لعمرك.

نعم انتبه، نعم؛ لأنَّ هذه الأعمال مزلة، مزلة أقدام؛ لأنَّه لا رقيب عليه إلا الله- جلَّ وعلا-، نعم، «وكنت على البصرة» فأبلغ في الموعظة في هذا الوقت الذي يستطيع به أن يتخلص من حقوق العباد.

وقال الكرماني: المراد بالطُّهور هنا الوُضوء، وتعقبه العيني بأنَّه هاهنا أعم من الوضوء والغُسل، كما قال ابن حجر آنفًا، وقال العيني: قيل: إنَّ الحديث ليس بمطابق للترجمة.

المقدم: الحديث الذي معنا.

نعم.

المقدم: كيف يكون غير مطابق واللفظ تمام؟

لا ما هو تمام.

المقدم: باب لا تقبل صلاة بغير طهور.

« ولا تُقبل صلاة من أحدث».

المقدم:« حتى يتوضأ».

قيل: إنَّ الحديث ليس بمطابق للترجمة، هذا« حتى يتوضأ»، وذاك «إلا بطهور، بغير طهور».

المقدم: نحن اتفقنا على أنَّهما بمعنى.

لا، الطهور أعم، الطهور يشمل الغُسل، ويشمل التيمم.

المقدم: والوضوء إذا عُدم قام مقامه الغُسل والتيمم.

على كل حال هذا كلامه، يقول: قيل: إنَّ الحديث ليس بمطابقٍ للترجمة؛ لأنَّ الترجمة عام، والحديث خاص، وجوابه أنَّه وإن كان خاصًّا لكنه يُستدل به على أنَّ الأعم منه نحوه بل أولى، على أنَّا قلنا إنَّ الأحاديث التي تطابق الترجمة بحسب الظاهر ليست على شرطه؛ فلذلك لم يذكرها، وحديث أبي هريرة هذا على شرطه فذكره عوضًا عنها؛ لأنَّه يقوم مقامها من الوجه الذي ذكرناه الآن، يقوم مقامها. أنت تترجم بشيء عام، وتورد له شيئًا خاصًّا « بغير طهور»، ولا شك أنَّ الوضوء طهور، لكنَّه فرد من أفراد الطهور، فالترجمة بالعام على الخاص، فيها مطابقة من وجه، يعني لا يلزم أن تكون المطابقة من كل وجه، لكن المطابقة موجودة باعتبار أنَّ الوضوء المترجَم له فرد من أفراد الطهور المترجم به.

المقدم: جيد، أحسن الله إليكم، ونفع بكم، نستكمل بإذن الله ما تبقى من هذا الحديث في حلقة قادمة، وأنتم على خير، أيُّها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإيَّاكم إلى ختام حلقتنا من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا بكم بإذن الله في الحلقة القادمة، شكرًا لطيب متابعتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.