شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (279)

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".

مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: كنا في الحلقة الماضية، أحسن الله إليكم، في نقل عن صاحب المُغني استشكلنا مسألة الأفرع والأقرع، وأشرتم، أحسن الله إليكم، إلى أنَّه قد يكون هو الأفرع، ووعدتم الإخوة والأخوات ببحث هذه المسألة والإيضاح فيها، لعلنا نبدأ بها.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بالرجوع إلى كتب اللغة، كتب الغريب تبين أنَّ المراد في كلام صاحب المغني أنَّه الأفرع بالفاء، لا الأقرع، فالأفرع بالفاء كما في كتب اللغة ضد الأصلع، بينما الأقرع هو الأصلع، لو نظرنا في كلام الزبيدي في تاج العروس يقول: الأفرع ضد الأصلع، كالفرعان بالضمان كالصمان والعميان والعوران، والصلعان في جموع الأصم والأعمى والأعور والأصلع، قال: وسئل عمر- رضي الله تعالى عنه- الصلعان خير أم الفرعان؟ فقال: الفرعان خير. أراد تفضيل أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- على نفسه.

المُقَدِّم: يعني عمر كان أصلع؟

نعم، وقد تقدم إلى آخره.

المُقَدِّم: شيخ، نلحظ أنَّه يقول: أفرع وأصلع، ما يقول: أفرع وأقرع حتى ما تستشكل في الكتابة، دائمًا يتخذون هذا المنهج في كتب اللغة.

نعم؛ لأنَّه قد تقرأ بالعكس.

المُقَدِّم: نعم.

إذا قيل: أيهما أفضل؟

المُقَدِّم: أفرع أم أقرع؟

أفرع أو أقرع؟ فقال: أفرع، يُمكن أن تقرأ أقرع.

المُقَدِّم: صحيح.

فاللفظان متباينان في الصورة في الخط، لا شك أنَّ الفرق بينهما أوضح.  في اللسان يقول: الفرع، الشعر التام، والفَرَعُ صدر الأفرع، وهو التام الشعر، المقصود أنَّ الكلمة التي مرت بنا في كلام صاحب المغني المراد بها الأفرع وليس الأقرع.

المُقَدِّم: في مسألة غسل الوجه.

نعم، في مسألة غسل الوجه، وأنَّ الأفرع هو الذي ينزل شعر رأسه...

المُقَدِّم: نعم.

إلى أثناء جبينه، يعني إلى منتصفه، وقد يصل أحيانًا إلى ما يقرب من الحاجبين.

المُقَدِّم: فهذا يغسل، قلنا إنَّه يغسل الوجه.

نعم يغسله هو داخل في حد الوجه.

بعد هذا وقفنا على قوله: «ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى» هكذا؟

المُقَدِّم: نعم.

وأخذنا منها شيئًا، لكن لربط الكلام نعيد ما ذكرنا، قال: «ثم أخذ غرفة من ماء» عطف على ما تقدم، ومعناه كسابقه، «فغسل بها يده اليمنى إلى المرفق، ثم أخذ غرفة فأخذ بها يده اليسرى إلى المرفق كذلك»؛ لقوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6]، يقول ابن العربي في أحكام القرآن: اختلف العلماء في وجوب إدخالهما في الغسل- يعني المرفقين-، وعن مالك روايتان، وذكر أهل التأويل في ذلك ثلاثة أقاويل:

الأول: أنَّ إلى بمعنى مع، كما قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء:2]، إلى بمعنى...

المُقَدِّم: مع.

مع، {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء:2] معناه مع أموالكم.

الثاني: أنَّ إلى حد، يعني غاية، أنَّ إلى حد، والحد إذا كان من جنس المحدود يعني إذا كانت الغاية من جنس المغيَّا..

المُقَدِّم: تدخل معه.

دخلت فيه، تقول: بعتك هذا الفدان من هاهنا إلى هاهنا فيدخل الحد فيه، ولو قلت: من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة ما دخل الحد في الفدان.

الثالث: أنَّ المرافق حد الساقط.

المُقَدِّم: حد الساقط، والساقط العظم.

حد الساقط لا حد المفروض، قاله القاضي عبد الوهاب، وما رأيته لغيره. وتحقيقه أنَّ قوله: {وَأَيْدِيَكُمْ} يقتضي بمطلقه من الظفر إلى المنكب، فلمَّا قال: {إِلَى الْمَرَافِقِ} أسقط ما بين المنكب والمرفق، وبقيت المرافق مغسولة إلى الظفر، وهذا كلام صحيح يجري على الأصول لغة ومعنى.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ {إِلَى} [المائدة:6] بِمَعْنَى مَعَ فَلَا سَبِيلَ إلَى وَضْعِ حَرْفٍ مَوْضِعَ حَرْفٍ، إنَّمَا يَكُونُ كُلُّ حَرْفٍ بِمَعْنَاهُ، وَتَتَصَرَّفُ مَعَانِي الْأَفْعَالِ، وَيَكُونُ مَعْنَى التَّأْوِيلِ فِيهَا لَا فِي الْحُرُوفِ. معنى كلام ابن العربي وأمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ {إِلَى} [المائدة: 6] بِمَعْنَى مَعَ فَلَا سَبِيلَ إلَى وَضْعِ حَرْفٍ مَوْضِعَ حَرْفٍ، إنَّمَا يَكُونُ كُلُّ حَرْفٍ بِمَعْنَاهُ، وَتَتَصَرَّفُ مَعَانِي الْأَفْعَالِ، وَيَكُونُ مَعْنَى التَّأْوِيلِ فِيهَا لَا فِي الْحُرُوفِ. هذا يوافق كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وأنَّ تضمين الحروف، تضمين الأفعال أولى من تضمين الحروف.

المُقَدِّم: أولى من تضمين الحروف.

يبقى الحرف على دلالته، فنأوِّل الفعل أو فنضمن الفعل معنىً يتصرف أو يتعدى بهذا الحرف، واضح؟

المُقَدِّم: نعم.

يعني كثير من اللغويين والشراح والمفسرين سهل عليهم أن يضمنوا أو يقارضوا بين الحروف، ويرون أنَّ المقارضة بين الحروف أسهل ويضمنون حرف معنى حرف، كما هنا {إِلَى} بمعنى مع، لكنَّ ابن العربي يقول: لَا سَبِيلَ إلَى وَضْعِ حَرْفٍ مَوْضِعَ حَرْفٍ، إنَّمَا يَكُونُ كُلُّ حَرْفٍ بِمَعْنَاهُ، وَتَتَصَرَّفُ مَعَانِي الْأَفْعَالِ، وَيَكُونُ مَعْنَى التَّأْوِيلِ فِيهَا لَا فِي الْحُرُوفِ. وهو نفس كلام شيخ الإسلام، وأنَّ تضمين الأفعال أولى من تقارض الحروف.

المُقَدِّم: ويستوي عندهم تضمين الفعل السابق واللاحق للحرف، والا يضبطونه؟

لا، هذا الكلام عن الفعل الذي يتعلق به الجار والمجرور. يعني مثلًا: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ} [طه:71].

المُقَدِّم: {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71]

{فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71] جرت عادة المفسرين...

المُقَدِّم: في بمعنى على.

"في" بمعنى "على"، كلهم مطبقون على هذا، لكن كيف نأوِّله على رأي ابن العربي وشيخ الإسلام ابن تيمية؟

المُقَدِّم: كيف نضمن الفعل أصلبنكم هنا.

ما في إلا أن تقول: معنى أصلبنكم أدخلنَّكم في جذوع النخل، من أجل إيش؟ أن يكون الحرف.

المُقَدِّم: كما هو ما يتغير

ما يتغير.

المُقَدِّم: والتضمين في الفعل.

والتضمين في الفعل وهذا رأي شيخ الإسلام والذي يذكره ابن العربي.

المُقَدِّم: فمن شدة الربط كأنَّه أدخله

كأنَّه عصرهم فأدخلهم في جذع النخلة، وهذا لا شك أنَّه أبلغ، أبلغ ويستقيم الكلام على هذا.

المُقَدِّم: نعم.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ: فَاغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ مُضَافَةً إلَى الْمَرَافِقِ، يعني مثل إيش؟{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء:2] يعني مضافة إلى أموالكم، وهنا مضافة إلى المرافق، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء:2] مَعْنَاهُ مُضَافَةً إلَى أَمْوَالِكُمْ. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَوَضَّأَ أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ».

في سُبل السلام للصنعاني يقول: «ثم غسل يده اليمني» فيه بيان لما أجمل في الآية من قوله: {وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة:6] الآية، وأنه تقدم اليمنى، «إلى المرفق» بكسر ميمه وفتح فائه، وبفتحهما مَرفَق، المرفق بكسر ميمه وفتح فائه كمنبر، وبفتحهما.

المُقَدِّم: مَرفَق.

نعم، ويقول الصنعاني: وكلمة " إلى "، في الأصل للانتهاء، وقد تستعمل بمعنى: معْ، وبينت الأحاديث أنَّه المراد كما في حديث جابر: «كان يدير الماء على مرفقيه»، أي النبي-عليه الصلاة والسلام-؛ أخرجه الدارقطني بسند ضعيف، يقول الصنعاني: بسند ضعيف، وأخرج بسند حسن في صفة وضوء عثمان- رضي الله عنه- أنَّه غسل يديه إلى المرفقين، حتى مسح أطراف العضدين، وهو عند البزار، والطبراني، من حديث وائل بن حجر في صفة الوضوء: «وغسل ذراعيه حتى جاوز المرافق» وفي الطحاوي والطبراني من حديث ثعلبة بن عباد عن أبيه: «ثم غسل ذراعيه حتى سال الماء على مرفقيه» .

فهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضًا، يعني إذا كانت إلى محتملة الدخول وعدم الدخول، وإنَّما الذي يحددها السياق، نعم، فهذه الأحاديث مجتمعة يقوي بعضها بعضًا فتدل على أنَّ المرفق تابع للمغسول، لا للمتروك.

قال إسحاق بن راهويه: "إلى" في الآية يحتمل أن تكون بمعنى الغاية، وأن تكون بمعنى: مع، فبينت السُّنة أنها بمعنى مع. هذا في كلام الصنعاني، قال إسحاق بن راهويه: "إلى" في الآية يحتمل أن تكون بمعنى الغاية، وأن تكون بمعنى: مَعْ، فبينت السُّنة أنها بمعنى "مع". لكن هل مثل هذا الأسلوب "أن تكون بمعنى الغاية وأن تكون بمعنى: مع، فبينت السُّنة أنها بمعنى مع" يناسب عصر إسحاق وأحمد؟ يعني لا يكون من مفهوم كلام إسحاق أن الآية محتملة، والسُّنَّة بينت.

المُقَدِّم: إيش الفرق بين محتمل من كلامه وأن يكون من كلامه.

يعني هل

المُقَدِّم: الأسلوب يعني؟

الأسلوب يناسب جيل إسحاق بن رهوايه يقول:"إلى" في الآية تحتمل أن تكون بمعنى الغاية، وأن تكون بمعنى: مع، فبينت السُّنة أنها بمعنى مع، يعني بهذه التركيبة كاملة، يعني لو نقل عن الإمام أحمد مثل هذا الكلام، يعني تعابير المتقدمين.

المُقَدِّم: آه

يعني هذا التعبير كأنَّه بأساليب المتأخرين أليق، وعلى كل حال هذا المنسوب إليه لا نستطيع نفيه سواء كان بلفظه أو بمعناه.

قال الشافعي- رحمه الله-: لا أعلم خلافًا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء، بهذا عرفت أنَّ الدليل قد قام على دخول المرافق. هذا كلام الصنعاني، قال الزمخشري، لفظ "إلى" يفيد معنى الغاية مطلقًا، فأمَّا دخولها في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل، ثم ذكر أمثلة لذلك، وقد عرفت أنَّه قد قام هاهنا الدليل على دخولها.

وقال العيني: فيه البداءة باليمين، -انتهينا من مسألة المرافق ودخولها في المغسول وأنَّه يجب غسلها تبعًا لليدين-،

قال العيني: فيه البداءة باليمنى وهو سُنة بالإجماع ومن نقل خلافه فقد غلط ثم هذا بالنسبة إلى اليد والرجل، وأمَّا الخدان والكفان فيطهران دفعة واحدة وكذلك الأذنان على الأصح عند الشافعية. فيه البداءة باليمنى وهو سُنة بالإجماع ومن نقل خلافه فقد غلط هذا بالنسبة إلى اليد والرجل، يعني إذا كان اليمنى متميزة عن اليسرى، أمَّا إذا كانت متصلة بها، وأمَّا الخدان والكفان فيطهران دفعة واحدة وكذلك الأذنان على الأصح عند الشافعية.

إذا كانت الرجل اليمنى مقدمة على اليسرى فبدلها كذلك؛ لأنَّ البدل له حكم المبدل، يعني إذا مسحنا على الخفين، نمسح الخف اليمنى ثم اليسرى؛ لأنَّ البدل له حكم المبدل، ومنهم من يقول أنَّه يمسحهما دفعة واحدة، لكن على حد هذا الكلام، وأنَّهما متميزان بعضهم من بعض، والفرع له حكم أصله، نعم، تُمسح اليمنى ثم تُمسح اليسرى. 

«ثم مسح برأسه» لم يذكر لها غرفة مستقلة، فقد يستمسك به من يقول بطهورية الماء المستعمل، لم يذكر لها غرفة مستقلة يعني في هذا الحديث.

المُقَدِّم: أينعم.

فقد يتمسك به من يقول بطهورية الماء المستعملة هذا كلام ابن حجر، لكن في روأية أبي داود «ثم قبض قبضة من الماء ثم نفض يده ثم مسح رأسه»، زاد النسائي من طريق عبد العزيز الدراوردي عن زيد- يعني بن أسلم-« وأذنيه مرة واحدة».

المُقَدِّم: الكلام الأول يا شيخ يتمسك به من يقول بطهورية الماء المستعمل، المقصود به أنَّه لمَّا غسل يديه

مسح رأسه بما بقي

المُقَدِّم: مسح بما تبقى.

بما بقي.

المُقَدِّم: على أساس يُفهم.

يعني بما بقي، لكن في رواية أبي داود «ثم قبض قبضة من الماء ثم نفض يده ثم مسح رأسه»، زاد النسائي من طريق عبد العزيز الداروردي عن زيد «وأذنيه مرة واحدة» يعني بماء جديد غير فضل.

المُقَدِّم: ماء اليدين.

ماء اليدين. ومن طريق ابن عجلان باطنهما بالسباحتين، وظاهرهما بإبهاميه

المُقَدِّم: المقصود الأذنين يعني

نعم، باطنهما بالسباحتين، وظاهرهما بأبهاميه وزاد بن خزيمة من هذا الوجه وأدخل إصبعيه فيهما.

في شرح الكرماني، يقول: «ثم مسح برأسه» فيه تقدير إذ لا يجوز المسح بما غسل به يده، لماذا؟ لأنَّه ماء مستعمل،

 المُقَدِّم: هذا اللي يقول لا يجوز من؟

الماء المستعمل في الطهارة، الكرماني يقول: «ثم مسح برأسه» فيه تقدير، يعني لابد فيه من تقدير.

 المُقَدِّم: نعم، لأنَّه لا يجوز.

نعم، إذ لا يجوز المسح بما غسل به يده، وذلك نحو أن يقدر ثم بل يده فمسح برأسه، أقول: لا حاجة لهذا التقدير مع رواية أبي داود، ومادام جاء في روايات أخرى أنَّه أخذ ماءًا جديدًا غير فضل يديه، لا حاجة إلى هذا التقدير يعني مع رواية أبي داود التي تقدمت في كلام ابن حجر.

ولذا قال العيني، يقول العيني: لو وقف الكرماني على هذه الرواية لقال الحديث يفسر بعضه بعضًا، والتقدير هاهنا هكذا، يعني أخذ ماءًا جديدًا غير فضل يديه.

والمسح مسح الرأس لا خلاف في وجوبه، بل هو فرض من فروض الوضوء كغسل الوجه واليدين والرجلين، وقد نصَّ الله تعالى عليه بقوله:

المُقَدِّم: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6].

{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6]، قال ابن قدامة، قاله ابن قدامة وقال: واختلف في قدر الواجب، الآن في قوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6]، لاختلاف أهل العلم في معنى الباء ولما جاء في الحديث في المسألة من آثار اختلف العلماء في قدر الواجب، يقول: فروي عن أحمد وجوب مسح جميعه في حق كل أحد، يعني من ذكر وأنثى و

المُقَدِّم: أفرع وأصلع.

نعم، في مسح جميعه وهو ظاهر قول الخرقي ومذهب مالك، يعني مالك وأحمد عندهم وجوب مسح.

المُقَدِّم: كامل الرأس.

جميع الرأس، وروي عن أحمد يجزئ مسح بعضه. وبه قال الحسن والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، إلا أنَّ الظاهر عن أحمد - رحمه الله -، في حق الرجل، وجوب الاستيعاب، وأنَّ المرأة يجزئها مسح مقدم الرأس، يعني يكون في هذا عن الإمام أحمد.

المُقَدِّم: قولين أو ثلاثة.

ثلاث روايات، مسح الجميع، الاكتفاء بالبعض.

المُقَدِّم: والتفصيل بين الرجل

والتفصيل بين الرجل والمرأة، الرجل يمسح جميع الرأس والمرأة تمسح مقدم رأسها.

المُقَدِّم: في مثل هذه الحالات يا شيخ، وروايات الإمام أحمد الكثيرة.

نعم.

المُقَدِّم: تؤخذ من مظانها، من كتب أتباعه، لكن كيف يكون طالب العلم بالنسبة له اختيار الإمام أحمد يضبطه؟

أولًا طالب العلم المبتدئ لا يستطيع أن يخلص إلى الرواية الراجحة من هذه الروايات؛ ولذلك أُلف له الكتب التي هي على رواية واحدة، كالعمدة، والزاد والدليل على رواية واحدة.

المُقَدِّم: الأشهر عندهم.

كيف؟ يعني هذه الكتب أُلِّفت على رواية واحدة باعتبار أنَّ طالب العلم المبتدئ لا يستطيع أن يرجح بين هذه الروايات، وهذا صنيع الموفق في العمدة، ثم بعد ذلك جعل المقنع على روايتين ليكون لمن هو أعلى درجة من المبتدأ، المتوسط، ثم جعل الكافي على روايات يستوعب روايات المذهب، نعم، وهذا للطالب طالب العلم في إطار المذهب المجتهد في المذهب، الذي يستطيع أن يرجح بين هذه الروايات. والمغني جعل فيه المذاهب كلها، و.. المذهب برواياته والمذاهب الأخرى ليتسنى لطالب العلم المنتهي النظر في المذاهب بأدلتها ويرجح بين هذه الأدلة ويخلص إلى القول الراجح ولو كان خارج المذهب، وهذا شأن المجتهد.

الإنصاف جمع الروايات كلها، روايات المذهب، لم يخرج عن المذهب لكنه في إطار المذهب جمع جميع الروايات، ولا تكاد أن تكون رواية خارجة عن المذهب، أو رواية من روايات المذهب تكون خارجة عن ما في الإنصاف، وهذا معروف يعني الترجيح بين الروايات إذا كان الإمام أحمد له أكثر من قول في المسألة، فالحنابلة كما في مقدمة الإنصاف، مقدمة الفروع والخاتمة الجامعة في الإنصاف، وكتب أخرى يعني المدخل لابن بدران، وبيان المصطلحات للشيخ علي الهندي هذه جعلوا لطالب العلم قواعد يسير عليها في ترجيح الرواية الراجحة واعتماد المذهب من هذه الروايات، والمتقدمون لهم اصطلاح، والمتوسطون لهم اصطلاح، والمتأخرون لهم اصطلاح، نعم، فالقاضي وأبو الخطاب مثلًا عند المتقدمين إذا اجتمعوا على رواية فهي المذهب، والموفق والمجد بالنسبة للمتوسطين إذا اتفقا على رواية فهي المذهب، والمنتهى والإقناع إذا اتفقا على رواية فهي المذاهب، هذه تفصيلات كثيرة في المذهب حتى أنَّهم أرباب، حتى أنَّ أرباب المذاهب يبالغون في مثل هذا حتى يجعلوا الروايات في مذاهبهم بمنزلة النصوص، فيقول أنَّها تعامل معاملة النصوص فإذا عرف المتقدم من المتأخر، فالمتأخر ناسخ للمتقدم، وإذا لم يعرف عرف الخاص والعام قدم الخاص على العام، قدمت المطلقة على المقيدة يعني يتعاملون مع الروايات كتعاملهم مع النصوص، نعم، وعلى كل حال هذه المذاهب قائمة ولها روادها ومدارسها المعروفة يعني في الشرق في المشرق والمغرب، وهذه المذاهب قائمة منذ قرون طويلة، وعلى كل حال الأئمة أئمة، يبقون أئمة والأتباع أتباع، نعم.

المُقَدِّم: صحيح.

والمعول على الدليل، المعول على الدليل من الكتاب والسُّنَّة، فإذا كان لديه أكثر من رواية في المذهب الحنبلي، أو أكثر من قول في المذاهب، نعم، فأنا مطالب بما أدين الله به مما أرجحه في نظري إذا كنت أهلًا لذلك بالدليل.

المُقَدِّم: لكن أحيانًا يا شيخ قد يأتي عن الإمام أحمد رأي، ثم يأتي رأي آخر مخالف تمامًا، يعني متضادان هل يعقل هذا، هل يتصور أن يكون

يتصور، يتصور.

المُقَدِّم: والسبب؟.

لأنَّ الاجتهاد يختلف، يطلع على نصوص وعلى أدلة لم يطلع عليها قبل.

المُقَدِّم: طيب لماذا هنا؟

فهمه للنص قد يختلف من حين إلى آخر.

المُقَدِّم: آه، لماذا لا نقول بأنَّ الرأي الثاني هو الصواب إذا عرفنا وخلاص ويُلغى الرأي الأول في مذهب الإمام أحمد؟ لماذا يقول به بعض الأتباع؟

مسألة يُلغى قد يكون الفهم والقول الأول يمكن اعتباره أو قبوله لظرف معين، في حالة معينة، سئل الإمام أحمد عن مسألة فنظر في حال السائل والقرائن الدالة على أنَّ

المُقَدِّم: السائل يحتاج إلى شيء.

يحتاج إلى كذا، والسائل الثاني يحتاج إلى أشد من ذلك، والثالث وهكذا.

المُقَدِّم: آه آه.

ففي مثل هذه الظروف والأحوال لها مدخل في تغير الاجتهاد، لا أقول في تغير الحكم، في تغير الاجتهاد.

المُقَدِّم: لكن أهل العلم ما صنفوا للإمام كما صنفوا للشافعي مذهب قديم ومذهب جديد، لماذا الإمام أحمد لم يكن له مثل هذا؟

هو الإمام أحمد، الشافعي عُرف أنَّه تغير اجتهاده كثيرًا لمَّا انتقل إلى مصر.

المُقَدِّم: أينعم، وعرفت أقواله هناك.

وعرفت أقواله، وأكثر المصنفات على القول الجديد، وأمَّا قوله القديم محفوظ عند أصحابه، ولا شك أنَّ مثل هذا على أنَّ الشافعية أيضًا وعندهم قول جديد وقول

المُقَدِّم: قديم.

قديم، والمتبادر والواضح أنَّ الجديد ناسخ لجميع القديم، نعم، إلا أنَّ الفتوى عندهم على الجديد مطردة إلا في بضع عشرة مسألة.

المُقَدِّم: على القديم.

على القديم، يفتون فيها على القديم، يعني الشافعية يعني في مقدمة شرح المهذب موجودة وفي آخر الأشباه والنظائر أيضًا منظومة، على كل حال.

المُقَدِّم: وهل بضع عشرة يا شيخ متزنة

أي متفقة

المُقَدِّم: وفقًا لقاعدة معينة

نعم، ماشي على قواعد الإمام وهي الأقرب من وجهة من رجحها إلى الدليل، وهي أقرب إلى أصول الإيمان.

المُقَدِّم: طيب شيخنا، بس نختم لأن ما بقي في الحلقة؛ على أساس نرجئ الحديث عن مسح الرأس أحسن الله إليكم، بالنسبة لضبط أصول مذهب الإمام أحمد، أحسن من كتب في هذه المسألة؟ في ضبط الأصول.

أصول مذهب الإمام أحمد كتب فيها الكثير، ابن القيم في إعلام الموقعين كتب كثيرًا في هذا، وأيضًا ابن بدران وكتب الأصول كلها لا سيما مصنفات الحنابلة تكتب عن أصول مذهب الإمام أحمد، لكن الدكتور عبد الله التركي رسالته في أصول مذهب الإمام أحمد.

المُقَدِّم: صحيح.

جمع فيها جمعًا طيبًا.

 

المُقَدِّم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، أيُّها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإيَّاكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، لنا بكم لقاء بإذن الله لاستكمال ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث في حلقة قادمة وأنتم على خير، شكرًا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.