عمدة الأحكام - كتاب الطلاق (2)

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال الإمام عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى-، وغفر له ولشيخنا، وللحاضرين:

باب: العدة

عن سبيعة الأسلمية أنها كانت تحت سعد بن خولة، وهو من بني عامر بن لؤي، وكان ممن شهد بدراً، فتوفي عنها في حجة الوداع، وهي حامل لم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل أبن بعكك -رجل من بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراك متجملة لعلك ترجين للنكاح؟ والله ما أنتِ بنكاح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد كللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي، قال ابن شهاب: ولا أرى بأساً أن تتزوج حين وضعت، وإن كان في دمها غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: العدة

العدة: مدة التربص والانتظار، والمتوفى عنها المطلقة بعد الدخول، أما من طلقت قبل الدخول ليس عليها من عدة، تبقى المطلقة بعد الدخول، والمتوفى عنها مطلقاً سواء كان........ {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ} [(228) سورة البقرة] {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ} [(234) سورة البقرة] فالعدة مدة التربص، والإحداد قدر زائد على مسألة العدة بالنسبة للمتوفى عنها.

يقول: "عن سبيعة الأسليمة أنها كانت تحت سعد بن خولة، وهو من بني عامر بن لؤي" سعد بن خولة الذي تقدم في حديث سعد بن أبي وقاص يرثي له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن مات بمكة "وكان ممن شهد بدراً، فتوفي عنها في حجة الوداع"....... بمكة، وأما سعد بن أبي وقاص الذي خشي أن يموت بمكة، فطمأنه النبي -عليه الصلاة والسلام- ((ولعلك أن تخلف)) يعني تعيش بعد هذه السنة، وخلف طويلاً كما سمعنا سابقاً "فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تلبث أن وضعت حملها بعد وفاته" فالمطلقة الحامل، المتوفى عنها الحامل تنتهي عدتها بوضع الحمل، ولو بلحظة؟ نعم ولو بلحظة، طيب هذه انتهت عدتها يلزمها إحداد أو ما يلزمها إحداد؟ يعني هل الإحداد واجب مستقل أو تابع للعدة؟ يعني يلزمها إحداد ولو خرجت من العدة؟ هاه؟

طالب:.......

مرتبط بالعدة......، فعندنا المتوفى عنها تنتظر أربعة أشهر وعشر كما سيأتي،..... هذا عام في كل من توفي عنها زوجها حاملاً كانت أو حائلاً {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [(4) سورة الطلاق] وهو أيضاً عام في المطلقات والمتوفى عنهن.........

يفعل لهن، يأتي مناسبة للجمع بين الأمرين، أو في أثناء هذا الحديث -إن شاء الله-.

طالب:.......

أو بعد وفاته بساعة احتمال، بعد وفاته بيوم احتمال، بعد وفاته بشهر، أسبوع احتمال، المهم أنها بعد وفاته وقبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام، فالوصف الذي علق به انتهاء العدة {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [(4) سورة الطلاق].

............. والنصف من الليل يسأل، طيب ما الذي دعاك أن تتصل في هذا الوقت؟ قال: أنا حصل مني طلاق والزوجة في الطلق، يمكن ما تنتظر الفجر، تخرج من العدة يصير ليس له عليها سلطان، هل وقع وإلا ما وقع؟ يعني تنتهي العدة بوضع الحمل ولو بعد ربع ساعة، يعني له وجه يسأل في هذا الوقت وإلا ما له وجه؟

يقول: "لم تلبث أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها" تعلت يعني مدة النفاس فرغت من نفاسها "تجملت للخطاب".

طالب:.......

لا لا يعني في تقدير الناس، امرأة خرجت من نفاسها أربعين يوم بعد الوضع وتجملت للخطاب، وفي الواقع؟ تأخرت، يعني لما ولدت تجملت وش المانع؟ انتهت عدتها "فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك -رجل من بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراك متجملة؟" كأنه يراها استعجلت؛ لأنه الذي يفهم من حكم هذه المسألة أن المتوفى عنها تمكث أربعة أشهر وعشرة أيام "ما لي أراك متجملة لعلك ترجين النكاح؟" أو تُرجين، ضبط بهذا وهذا، نعم؟ إيش لون؟

طالب:.......

إيش أقول أنا؟ ماذا قلت أنا؟ ضبطت بهذا وهذا، ما نأتي للجر للطباعين ونرد به على..، ترى ما يصلح، على كل حال الضبط صحيح تَرجين "فلعلك ترجين النكاح والله ما أنتِ بناكح" أقسم حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر، يلزمه كفارة أو ما يلزمه كفارة؟ نعم؟

طالب:.......

لماذا؟ "والله ما أنتِ بناكح" يعني بناء على غلبة ظنه، والذي يحلف على غلبة ظنه لا يلزمه كفارة، الأحكام مبنية على غلبة الظن كالذي أقسم الذي وطء في نهار رمضان قال: والله ما بين لابتيها، عنده مسح شامل لبيوت المدينة أنه ما يوجد أفقر منه؟ لكن يغلب على ظنه أنه لا يوجد أفقر منه، يعني أنت لو تدخل على أسرة تجد ما عندهم فرش ولا مكيفات ولا ثلاجة ولا كذا ولا كذا......... أنه ما في جدة أفقر منهم، لكن يمكن في بيت ثاني ما عندهم ثلاجة ولا فرش ولا مكيف ولا شيء وعليهم ديون، أنت وش اللي فيك؟ أيهما أفقر؟ أنت حلفت على غلبة ظنك ما يلزمك شيء، ولذا الذي وطء في نهار رمضان قال: والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا، ما............ من دليل.

"والله ما أنتِ بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر" {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [(234) سورة البقرة] هذه عدة المتوفى عنها هذا الأصل فيها، والمراد بذلك غير الحامل، وأما بالنسبة للحامل فعدتها، {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [(4) سورة الطلاق] وإن كان عاماً في المطلقة والمتوفى عنها إلا أن حديث الباب يدخل المتوفى عنها دخولاً منصوصاً عليه في العموم، "قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت" نعم إذا وجد إشكال لا بد من السؤال، ما قالت هذا صحابي ودليله من القرآن، تسأل، لعل في المسألة ما يعارض الدليل مما لم يطلع عليه "فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت" ما راحت في النهار، لماذا؟ لأن المساء أستر للنساء من النهار "فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي" يعني فور وضع الحمل، وقت وضع الحمل "وأمرني بالتزويج إن بدا لي" فمن يقرأ هذا الحديث من قائل يقول: استعجلت، يمكن إنها يوم واحد وأربعين تجملت للخطاب استعجلت، ومن قائل يقول: تأخرت؛ لأن لها أن تتجمل فور ولادتها.

"قال ابن شهاب: ولا أرى بأساً أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر" هذا معروف من أدلة أخرى، ولذا العقد على الحائض والنفساء صحيح وإلا غير صحيح؟ صحيح، يعقد على المرأة وهي حائض، كثير ما يأتي السؤال عن هذا، يستشكل، يسمعون عن طلاق الحائض فيظنون أن العقد على الحائض فيه ما فيه، لا ما في شيء، وهنا النفساء لو كان في يوم الولادة وهي بالمستشفى يمكن يعقد عليها وش المانع؟ في اليوم الأول من الولادة يعقد عليها، والعقد صحيح؛ لأنها انتهت علائقها بالزوج الأول المتوفي.

"قال ابن شهاب: ولا أرى بأساً أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها" لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: قد أقتاها بأنها حللت، حلت للخطاب حين وضعت الحمل، ووضع الحمل يكون بانفصال ما تبين فيه خلق الإنسان، وأحكام الأم تتعلق بما فيه خلق الإنسان ولو كان خفياً، وأحكام الطفل من التغسيل والتكفين والصلاة عليه معلقة بإيش؟ بنفخ الروح، طيب هذه حملته فطلقت في الشهر الرابع أو في الشهر الثالث، طلقت في الشهر الثالث من الحمل، فعلى هذا يبقى على الولادة الطبيعية ستة أشهر استعجلت، بعد شهرين تبين الخلق وغلب على ظنها أنه تبين الخلق فأسقطته، تخرج من العدة وإلا ما تخرج؟ أو يقال: هذه تعامل بنقيض قصدها لأنها استعجلت؟ نعم؟ بفعلها يعني بفعلها استعجلت، ولو أسقطت فيه.....؟ ويصدق عليها أنها وضعت الحمل؟ يعني ما في أحكام يعامل فيها المكلف بنقيض قصده؟ هي استعجلت، ومن تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه، قاعدة عند أهل العلم، تتجمل للخطاب في اليوم الذي أسقطت فيه الحمل وإلا تنتظر حتى تمضي العدة المعتادة معاملة لها بنقيض قصدها؟ ومعاقبة لها بالحرمان؟ والاعتداد والعدة وما يتبعها من إحداد الزوج له نصيب، فكونها تسعى لإسقاط حق الغير ما تملك، فالذي يظهر لي الآن أنها تعامل بنقيض قصدها، ....... الحمل المعتاد، تجلس إلى الحمل المعتاد، على أن الإسقاط يجيزه أهل العلم قبل الأربعين بدواء مباح، ولا بد أن يربط بالحاجة، وأمر الإسقاط والإجهاض أمر يحتاج إلى مزيد عناية؛ لأنه كثر في هذه الأيام بعد أن كثرت المشاكل، فلا بد أن يولى عناية فائقة، وما كان مجوزاً عند أهل العلم في السابق لا بد أن يحتاط فيه الآن؛ لأن الحمل لا شك أنه يحد من انتشار الجريمة، فإذا سهل أمر الحمل خف وزن الجريمة عند بعض ضعاف النفوس، فلا بد أن يحتاط لهذا الأمر، طيب حملت بتوأم اثنين يكفي خروج الأول أو لا بد من خروج الثاني؟ يعني إذا خرج الأول ما يقال: وضعت؟ نعم؟

طالب:......

والنفاس من أين؟ من أولها، أول النفاس من أولها فعلى هذا يتصور أن امرأة حملت بتوأم ويعقد عليها بين الاثنين، وضعت الأول يتم العقد عليها، تتجمل للخطاب إلى أن يطيح الثاني، نعم المسائل فيها بعد لكنها متوقعة يعني ما هي بمستحيلة، نعم؟

طالب:......

براءة الرحم، لكن هل يتصور أنه يمكن أن يختلط النسب؟ هل للثاني أن يقربها قبل أن تطهر من نفاسها؟ نعم؟

طالب:......

كيف؟

طالب:......

أيوه.

طالب:......

لكن الآن وضعت الأول وأحكام النفاس مرتبطة بالأول، ويصدق عليها أنها وضعت حمل، الذي علق به الخروج من العدة هنا، نعم، ولن يقربها، هاه؟

طالب:......

وهي تبقى؟ ما دام الثاني موجود حامل {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [(6) سورة الطلاق] والحمل مصدر مضاف يفيد العموم، لا شك أن الاحتياط أن تنتهي من وضع جميع ما في بطنها، لكن النفاس معلق بوضع الأول.

"وأمرني بالتزويج إن بدا لي" يعني وكل الأمر إليها "قال ابن شهاب: ولا أرى بأساً" لأن لو لم تقل: "إن بدا لي" فالأمر بالتزويج حكمه؟ يعني افترض إن "بدا لي" ليست موجودة "وأمرني بالتزويج" واجب أو مستحب؟ أو نقول: أمر بعد حظر فيرجع إلى حكمه قبل الحظر؟

اقرأ الحديث الثاني.

وعن زينب بنت أم سلمة قالت: توفي حميم لأم حبيبة فدعت بصفرة فمسحته بذراعيها، وقالت: إنما أصنع هذا لأني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)).

الحميم: القرابة.

وعن أم عطية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيباً إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار)) العصب: ثياب من اليمن فيها بياض وسواد.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن زينب بنت أم سلمة قالت: توفي حميم" حميم قريب، القريب مطلقاً أو في هذا الحديث؟ هل يلزم من هذا أن يكون قريب أو صديق محب؟ المقصود من له أثر في النفس، توفي حميم المراد به قريبها "لأم حبيبة فدعت بصفرة فسمحت بذراعيها" بصفرة، لماذا؟ لئلا يظن بها أنها محدة؛ لتبين للناس أنها غير محدة، فإذا خشي الإنسان أن يتهم بشيء عمل عملاً ينفي عنه هذه التهمة، ومن هذا ما يصنعه بعض السلف إذا كان صائماً وظهرت أمارات الصوم عليه ادهن؛ ليظهر للناس أنه ليس بصائم، بل قد يبدو على أطرافه ما يدل على أنه أكل قريباً وعلى شفتيه، وهذا من إخفاء العبادة، وبالمقابل لو أن إنساناً قبل أذان المغرب من يوم الاثنين مثلاً حمل كيساً فيه التمر والماء والقهوة، ودخل المسجد، وفل الصماط، ووضع التمر والماء، وجهز القهوة، وهو ما صام، يقول: الأكل في المسجد جائز، كون ما آكل حتى يؤذن بعد وش اللي يمنع؟ مثل هذا ينبغي وإلا ما ينبغي؟ يذم أو ما يذم؟ نعم؟ يذم بلا شك، ولذا جاء في الحديث -حديث عمر-: ((من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) نعم الهجرة من أجل الدنيا فيها شيء وإلا ما فيها شيء؟ ما فيها شيء، هجرة من أجل الزوجة ما فيها شيء، بحث عن زوجة في بلد ما وجد وهاجر إلى بلد آخر ليتزوج ما فيها شيء، سيقت مساق الذم هنا؛ لأن من هاجر وهو سبب ورود الحديث...... أظهر أنه هاجر من أجل إيش؟ من أجل......، فذُم، وإلا فالأصل ما يستحق ذم، هذا الذي أكل في المسجد مع أذان المغرب هذا الأصل أنه أكل مباح، وكونه انتظر إلى الآن مباح، لكن كونه يظهر للناس من خلال عمله أنه يتقرب إلى الله، وأنه صائم، وينظر إلى الأبواب كل من دخل قال: تفضل يا فلان، هذا يظهر للناس أنه صائم فيذم من هذه الحيثية، وهذا عكس ما كان يفعله خيار الأمة وسلفها من إخفاء العبادة.

هذه خشية أن تتهم بأنها محدة، وأرادت أن تظهر هذه السنة "فقالت: إنما صنعت هذا لأني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تقول: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث))" وقل مثل هذا في أكل التمرات قبل الحضور لصلاة عيد الفطر؛ لأن بعض الناس قد يقول: أنا أستمر صائماً، صائم ثلاثين يوم وجالس ليلة العيد في المسجد تبع الاعتكاف، ولا أخرج إلا إلى صلاة العيد، أبا استمر إلى أن أصلي العيد، نقول: لا، لا بد أن تظهر خلاف ما كنت عليه لأن هذا يوم يحرم صيامه.

يقول: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث)) لا شك أن موت القريب، موت الصديق، موت الحميم، هذا له أثر في النفس، وقد لا يطيق بعض الناس مثل هذه المصيبة، فينجمع على نفسه، ويترك بعض الأمور المباحة هذا نوع من الإحداد، لكن أكثر من ثلاثة أيام لا يجوز ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث)) لامرأة طيب يحل للرجل أو لا يحل؟ لا يحل البتة ولا يوم للرجل، يحل للدول تنكس الأعلام؟ لا يجوز أبداً، تحد ما يجوز، تسمعون أنتم إذا مات زعيم وإلا مات أحد نكسوا الأعلام، وأعلنوا الحداد لمدة كذا، نعم لا يجوز هذا.

((لا يحل)) نعم؟

طالب:.......

أولاً: الإحداد من شأن النساء ما هو من شأن الرجال، وعلى الزوج خاصة، لكن لما كان بعض الأمور يصعب انفكاك الإنسان منها، أبيح للمرأة أن تحد على الميت ثلاث فأقل.

((إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)) قال: الحميم القرابة" والمراد بالإحداد امتناع المرأة المتوفى عنها من الزينة، من لباس وطيب ونحوهما، وكل ما كان من دواعي الجماع، هذه المحدة، فتمتنع عن هذا كله ((إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)) والتحديد لهذه المدة لتعلم براءة رحمها بيقين؛ لأن الوالد يتكامل تخليقه ونفخ الروح فيه في هذه المدة، نعم.

"وعن أم عطية -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تحد امرأة))" لا تحد نفي وإلا نهي؟ نفي، و(لا) إيش؟ لا تحد نهي، ما الذي نصبه؟ تضعيف الآخر، ولذا لو فك قيل: لا تحدد، مثله {وَمَن يَرْتَدِدْ} [(217) سورة البقرة] في موضع، وفي الموضع الآخر {مَن يَرْتَدَّ} [(54) سورة المائدة] مثله.

((امرأة على ميت)) امرأة نكرة في سياق النهي أو النفي فتعم كل امرأة، كبيرة صغيرة، قريبة بعيدة ((على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)) فالمحدة التي يجب عليها الإحداد لا تلبس ثوباً مصوغاً؛ لأن فيه زينة، فيها بياض وسواد يعني مخططة، والعادة أن المخطط ثوب زينة، لكن استثني هذا لأنه مع كونه مخططاً ليس من لباس الزينة ((ولا تكتحل)) لأن الكحل يجمل، وهي ممنوعة من استعمال أدوات التجميل، فالمكاييج بأنواعها ممنوعة من قبل المحدة، لا يجوز لها أن تستعمل شيئاً من ذلك، فهي ممنوعة من أن تتصرف في بدنها ما يرغب الناس فيها ولا في ثيابها ((ولا تكتحل ولا تمس طيباً)) لأنه يدعو..، فإذا منعت من الكحل ومنعت من الثياب المصبوغة فلئن تمنع من الطيب من باب أولى؛ لأنه يدعو إلى نكاحها ويرغب فيها.

((ولا شيئاً)) ولا شيئاً ولا تمس طيباً، ولا شيئاً، شيئاً نكرة في سياق النهي، ولا تمس نفي على كل حال هي عامة، وشيئاً مغرقة في العموم، هل يعني هذا أنها لا تلمس الجدار، لا تمس طاولة، ما تمس باب، ما تمس..

طالب:.......

شيئاً إيش؟ طيب شيئاً من إيش؟ من الزينة أو من الطيب مما عطف عليه؟ ((لا تمس طيباً ولا شيئاً)) يعني العطف يقتضي المغايرة، فالثياب نص عليها، والكحل نص عليه، يدخل في الثياب كل ما يلبس، ويدخل في الكحل كل ما يجمل الوجه، والطيب بأنواعه، ثم قوله: ((شيئاً)) يشمل كل ما يرغب في نكاحها، فهي ممنوعة بهذه اللفظة، ولو لم توجد هذه اللفظة لاقتصرنا على المذكور، وهناك أمور تجمل المرأة وتزينها، وترغب فيها غير المنصوص عليها، فهذا من باب التأكيد ((إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار)) القسط والأظفار نوعان معروفان من أنواع البخور، نعم من أنواع البخور الذي ليس فيه رائحة الطيب، فيه رائحة لكنها ليست رائحة طيب، بدليل أنها لا تمس طيب، إنما فيه رائحة تضيع رائحة.. الرائحة التي كانت من أثر العادة، فتأتي بشيء يضيع هذه الرائحة، نوع من البخور فيه رائحة ليست بطيب؛ لأنها ممنوعة من الطيب، لكن رائحة تضيع الرائحة الكريهة، هذا هو المقصود.

((من قسط أو أظفار)) وهما نوعان من أنواع البخور التي ليس فيها رائحة الطيب، والمرأة ممنوعة من لباس الثياب المعصفرة والمصبغة بأصباغ تجمل الثوب، هذا محل اتفاق بين أهل العلم، لكن هل تلبس الأبيض لأنه الأصل وما عداه يكون مصبوغاً؟ أو تلبس الأخضر؟ أو تلبس الأسود لأنه لباس الحزن؟ ماذا تلبس؟ أو نقول: عليها أن تلبس أي لون كان باقي على أصله؟ يعني المادة الخام التي تصنع منها الثياب المواد مختلفة الألوان، منها ما أصله أبيض، ومنها ما أصله أسود، ومنها ما أصله أخضر، ومنها..، المادة نفسها التي لم يطرأ عليها صبغ، لكن إذا كان قطن مثلاً فالأصل فيه البياض، إذا كان كتان أو غيره كل يتبع أصله، فيلبس على ما كان عليه قبل النسج، فلا يجوز صبغه، لكن أحياناً القطن الأبيض كونه أبيض أجمل من كونه مصبوغاً، هل نقول: لا مانع من صبغه أو يدخل في عموم المصبوغ؟ ممنوع تلبس الأبيض؟ ونقل الاتفاق على أن المحدة ليس لها لبس الثياب المعصفرة ولا المصبوغة، يقولون: إلا ما صبغ بالسواد، لكن بعض الأسود فيه جمال أكثر من غيره، وأيضاً إذا نظرنا إلى أصل المادة الخام التفصيل له دور، نعم قد تقول: والله السواد لباس الحزن لكن التفصيل ما تعرض له النص، صح وإلا لا؟ نقول: تفصل على كيفها أو تجتنب الزينة؟ عليها أن تجتنب الزينة، ودور التفصيل أعظم من دور أصل المادة؛ لأنه قد تشتري المرأة قماش متره ثلاثمائة ريال، ثم يفصل تفصيل يصلح للمحدة، وقد تشتري قماش متره بخمسة ريال، وتفصل تفصيل لا يصلح إلا للعرائس؛ لأن التفصيل له وقع في التجميل وغيره، لا سيما بعد أن افتتن بتقليد الكفار، وصارت البرد ترد علينا من الشرق والغرب، وصرنا نقبل التلقين، كل ما جاءنا قبلناه، وإلا فالأصل أن المرأة المسلمة متميزة بلباسها، نعم بينها وبين زوجها هذا لا يتدخل فيه أحد إلا ما ورد النهي عنه بخصوصه؛ لأنها مأمورة بالتجمل لزوجها، لكن كونها مع الأسف الشديد تتجمل للناس، وتلبس للزوج ثوب المطبخ، هذا واقع كثير من الناس، زوجها يجلس عند الباب ساعة أو ساعتين ينتظرها تتجمل لزيارة آل فلان وآل فلان، وإذا جاءت جاء بها في منتصف الليل أخذ وقت ينتظرها تخلع هذه الثياب، ترى هذا واقع كثير من الناس، يعني انقلبت المفاهيم، الأصل أن تتجمل للزوج هذا الأصل، فأقول: إن التفصيل له دور في تجميل الثياب وعدمها، واللون وحده لا يكفي، فلا يقال: إن أصل الألوان الأبيض أو هذا ثوب قطن أصله أبيض ما دخل عليه شيء نفصله على ما نريد، أو أن الأسود ثوب حزن لا، والله المستعان، في الحديث الذي يليه، نعم.

وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا)) مرتين أو ثلاثة، كل ذلك يقول: ((لا)) ثم قال: ((إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت أحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول)) فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة -حمار أو شاة أو طير- فتفتض به، فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره.

الحفش: البيت الصغير، وتفتض: تدلك به جسدها.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينَاها" أو عينُها، إذا قلنا: الفاعل هي عينها، وإذا قلنا: العين هي الفاعل رفعناها "اشتكت عينها أفنكحلها؟" المسألة مسألة علاج؛ لكنه علاج متضمن لزينة، فما تضمن الزينة تمنع منه المحدة، ولو كان علاجاً، فتعالج بعلاج لا أثر له في التزين، يطلب علاج لا بأس تعالج وهي محدة، وإذا احتاجت الخروج إلى العلاج تخرج متسترة تفلة، تخرج للعلاج لأنه حاجة، لكن هل تخرج للدارسة؟ تخرج للتدريس؟ تخرج للوظيفة؟ لا لأنها مأمورة بالبقاء في بيتها الذي جاءها فيه نعي زوجها، لا يجوز لها أن تخرج، أما العلاج ضرورة، إذا كان لا يوجد عندها من يقضي حوائجها الأصلية مما تضطر إليه تخرج بقدر الحاجة، لكن دراسة وإلا تدريس وإلا وظيفة ما يعارض به مثل النصوص الصحيحة الصريحة.

"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا))" لا، لا، مرتين أو ثلاثاً للتأكيد، لتأكيد الأمر كل ذلك يقول: ((لا)) هناك أمور ممنوعة منها، ومؤكد النهي عنها، وهناك أمور يفعلها العوام اجتهاداً منهم لا تطلع على الحوش، لا ترقى إلى السطح، لا ما أدري إيش؟ لا تنظر إلى القمر، لا تنظر إلى الشمس، كل هذا من اجتهادات العوام التي لا أصل لها، نعم هي ممنوعة من كل ما يرغب الرجال فيها، وما يدعو إلى نكاحها، ومأمورة بالمكث والبقاء في بيتها، وممنوعة من لبس ما نص عليه، ولا تتطيب ولا تكحل، ولا تختضب، كل هذا لأنه يدخل في منع التزين.

"كل ذلك يقول: ((لا)) ثم قال: ((إنما هي أربعة أشهر وعشراً))" يعني ما فيها أكثر من هذا، أربعة أشهر وعشر ليال، يعني مدة يسيرة جداً، مكثتِ مع هذا الزوج عشرين ثلاثين أربعين سنة يصعب عليك الامتناع لمدة أربعة أشهر وعشر ليال؟! إنما هي أربعة أشهر وعشر ليال، ما قيل: امكثي في البيت بقدر ما مكثت عنده، مكثت عند هذا الزوج أربعين سنة حدي عليه أربعين سنة، لا، أربعة أشهر وعشراً ((وقد كانت أحداكن في الجاهلية ترمي البعرة على رأس الحول)) يعني تمكث حولاً كاملاً، وخفف إلى ثلث المدة، وقد كانت المدة كم؟ سنة {مَّتَاعًا} [(240) سورة البقرة] نعم سنة، ثم نسخت بأربعة أشهر وعشراً.

"فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي زوجها دخلت حفشاً" يعني بيتاً صغيراً شعثاً، عبارة عن غرفة صغيرة ما فيها شيء من مظاهر الجمال ولا النور أيضاً مظلم، تجلس في هذا البيت؛ لتعلن للناس أنها فارقت أحب الناس إليها، وأقرب الناس إلى قلبها، وأنها مصابة بهذه المصيبة العظيمة، كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شر ثيابها، تلبس الأسمال البالية، ولم تمس طيباً، ولا شيئاً حتى تمر عليها سنة كاملة، ثم تؤتى بدابة..، لا تمس طيب ولا شيء ولا ماء ولا تغتسل ولا تتنظف أبداً، تتراكم عليها الأوساخ، وتتوالى عليها الدورات الحيض من غير أن تمس شيء، يعني رائحتها ماذا تصير؟ في غاية الكراهية، تكون منتنة "حتى تمر عليها سنة، ثم تؤتى بدابة -حمار أو شاة أو طير-" المهم دابة مما يدب على وجه الأرض، والأصل فيها كل ما يدب على وجه الأرض حتى من بني آدم، لكن العرف خصها بذوات الأربع، وهنا ما هو أعم، بدابة ما هذه الدابة؟ حمار أو طير أو شاة، الطير يدخل في الدابة أو لا يدخل؟ لماذا؟ الآية {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ} [(38) سورة الأنعام] هل نقول: إن هذا من عطف الخاص على العام ويدخل الطائر في الدابة؟ وهنا فسرت الدابة بالطير، يعني مما فسرت به الدابة الطير، فالإطلاق العام الحقيقة العرفية تشمل كل ما يدب على وجه الأرض.

"بدابة -حمار أو شاة أو طير-" الحمار بدل بعض، أو طير أو شاة معطوفات عليه "فتفتض به" يعني تدلك به جسدها لا سيما المواطن التي فيها الروائح الكريهة "فتفتض به، فقلما تفتض بشيء إلا مات" يعني من الجراثيم والروائح الكريهة، والأوساخ المتراكمة، يعني الرائحة الكريهة لها دور في مثل هذا، الضربان دويبة منتنة الرائحة جداً إذا احتاجت إلى شيء -ذُكر هذا في كتب الحيوان- إلى شيء تأكله ماذا تصنع؟ كيف؟ تدخل في جحره على قفاها رويس، فتطلق هذه الرائحة فيموت، هذا ذكر في كتب الحيوان، لا شك أن مثل هذه الأمور مؤذية.

يقول: "فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج" أنت شوف يسر الإسلام ولله الحمد، وسماحة الإسلام، وتكريم الإسلام للمرأة، ووفاء الإسلام من قبل المرأة للرجل، والعكس أيضاً الرجل عليه أن يفي، لكن هل من وفاء المرأة لزوجها أن لا تتزوج بعده؟ أو من وفاء الزوج أن لا يتزوج بعدها؟ هذا ليس بلازم، ما يلزم، يعني تجلس طول عمرها لا تتزوج من باب الوفاء، لا، هذا لا يأتي به شرع، بل هي مأمورة بالزواج، والزوج مأمور بالزواج، "فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة" البعرة: الروث، روث البعير أو الحمار أو شاة أو ما أشبه ذلك هي البعرة على كل حال، هذا الذي أراد أن يغيض معن بن زائدة، ومعن هذا لا يستطيع أحد أن يغيضه، ولا يستطيع أحد أن يستثيره لعظم حلمه، جاءه ذلك الأعرابي فقال: يا معن

كأنك بعرة في إست كبشِ

 

مدلاة وذاك الكبش يمشي

أعطاه جائزة، أعطاه هدية، وجاءه أخر وثالث ورابع، كل من أحتاج شيء جاء يذمه ويعطيه.

 

"فترمي بها" تأخذ هذه البعرة وترمي بها، وهذه إشارة إلى أنها خرجت من العدة؛ ليعرف الناس أنها أنهت المدة، وأن ما مكثته لا يعدل هذه البعرة بالنسبة لحق زوجها عليها "ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره" تراجع خلاص انتهت من العدة، انتهت من الإحداد...