شرح الموطأ - كتاب القبلة (1)

كتاب القبلة: باب: النهي عن استقبال القبلة والإنسان على حاجته:

"حدثني يحيى عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن رافع بن إسحاق مولى لآل الشفاء، وكان يقال له: مولى أبي طلحة أنه سمع أبا أيوب الأنصاري، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بمصر يقول: "والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكرابيس؟ وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا ذهب أحدكم الغائط أو البول فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بفرجه)).

وحدثني عن مالك عن نافع عن رجل من الأنصار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تستقبل القبلة لغائط أو بول".

يقول -رحمه الله تعالى-: "كتاب القبلة: باب: النهي عن استقبال القبلة والإنسان على حاجته" يقضي حاجته من بولٍ أو غائط أو جماع؛ لئلا يفضي بفرجه إلى جهة القبلة المعظمة المكرمة شرعًا.

يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة -الأنصاري المدني- عن رافع بن إسحاق -المدني أيضًا تابعي ثقة- مولىً لآل الشفاء" وفي بعض الروايات: "مولى الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس" صحابية "وكان يقال له: مولى أبي طلحة" مولى أبي طلحة جد إسحاق المذكور "أنه سمع أبا أيوب -خالد بن زيد بن كليب- الأنصاري -البدري- صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" من كبار الصحابة، نزل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة، وشهد المشاعر كلها، وتوفي سنة خمسين ببلاد الروم بالقسطنطينية يقول: "وهو بمصر يقول: والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكرابيس؟" المراحيض، مواضع قضاء الحاجة، واحدها: كرباس "كيف أصنع بهذه الكرابيس؟" هي الكنف التي يقضى فيها الحاجة "وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا ذهب أحدكم الغائط أو البول..))" الأصل أن الفعل (ذهب) لازم وإلا متعدٍّ؟ لازم، وهنا نُسب الغائط على حذف الخافض من باب التوسع ((إذا ذهب أحدكم الغائط أو البول)) و(أو) هذه للشك أو للتقسيم؟

طالب:......

نعم للتقسيم، في بعض النسخ: ((إذا ذهب أحدكم إلى الغائط أو البول)) على الجادة، والأصل في الغائط المكان المطمئن المنخفض الذي يقصد لقضاء الحاجة؛ لأن المكان المطمئن أستر من غيره، ثم نقل من المكان إلى ما يوضع في المكان، من باب إطلاق المحل وإرادة الحال، ماذا يسمونه هذا؟ مجاز؟ يسمونه مجاز مرسل، علاقته؟

طالب:......

نعم كلاهما الحالية والمحلية ((فلا يستقبل القبلة)) المراد بها الكعبة ((ولا يستدبرها)) أي يجعلها مقابل ظهره ((ولا يستدبرها بفرجه)) أي حال قضاء الحاجة، لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بفرجه أي حال قضاء الحاجة،

في الصحيحين، قال أبو أيوب: "وقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر الله" ننحرف ونستغفر الله، هذه المراحيض وهذه الكنف التي تبنى منها ما يمكن استعماله مع تغيير الجهة، منها ما يمكن استعماله مع تغيير الجهة، ومنها ما لا يمكن استعماله إلا على نفس الجهة أو السمت الذي بنيت عليه، نعم؟ صحيح وإلا لا؟ فإذا أمكن استعمالها مع تغيير الجهة تعين، على الخلاف في المنهي عنه هل هو على الإطلاق أو في الفضاء دون البنيان، أو كان النهي قبل ثم نسخ؟

هذا يقول: الكرابيس المراحيض قيل: تختص بمراحيض الغرف، وأما مراحيض البيوت فيقال لها: الكنف؟

على كل حال التفريق ما يذكر له أصل.

يقول أبو أيوب: "فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر الله" الانحراف اليسير يكفي وإلا ما يكفي؟ الانحراف اليسير انحراف يسير نعم لا يكفي؛ لأنه لا يؤثر في الصلاة، فهي قبلة، ما تزال قبلة، لا تزال قبلة الانحراف اليسير لا يكفي، إذًا لا بد من انحراف يبطل الصلاة، لا يبقى معه مسمى القبلة، انحراف لا يبقى معه مسمى القبلة.

((إذا ذهب أحدكم الغائط أو البول فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بفرجه)) ارتباط الذهاب بالغائط والبول وترتيب النهي على هذا يجعل النهي خاص في حال قضاء الحاجة، لو إنسان متجرد عريان يغتسل هل يُمنع من استقبال القبلة؟ نعم؟ ((ولا يستدبرها بفرجه)) أو هذا خاص بالبول والغائط؟ هل يلحق به أو فيه نص يتناول الجماع مثلًا؟

الحديث الذي يليه يقول: "وحدثني عن مالكٍ عن نافع -مولى ابن عمر- عن رجلٍ من الأنصار أن رسول الله" كذا رواه يحيى، والصواب قول سائر الرواة: "عن رجلٍ من الأنصار -عن أبيه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تستقبل القبلة لغائطٍ أو بول" جاء عن رجلٍ من الأنصار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تستقبل القبلة لغائطٍ أو بول هذا متصل وإلا غير متصل؟ عن رجلٍ من الأنصار هل يلزم من كونه رجلًا من الأنصار أن يكون صحابيًّا أو من أولادهم؟ يعني أولاد الأنصار يقال لهم: أنصار؟ وأولاد المهاجرين يقال لهم: مهاجرون؟

طالب:......

عن أبيه.

طالب:......

نعم، لكن حتى على القول عن أبيه يحتمل أنه وأبوه صحابيان، ما يمنع.

طالب:......

هو نافع لقي جمعًا غفيرًا من الصحابة "نهى أن تستقبل القبلة لغائطٍ أو بول" نهى أن تستقبل القبلة هذا "تُستقبل" على البناء للمجهول، و"القبلة" يكون حينئذٍ نائب الفاعل "لغائطٍ أو بول" يعني في حالة الغائط أو البول، وهذا التقييد يجعل أنه لا مانع من أن تستقبل القبلة بالعورة المنكشفة بالسوءة ما لم يكن حال قضاء الحاجة.

ثم بعد ذلك قال: "باب: الرخصة في استقبال القبلة لبولٍ أو غائط" والرخصة كما قلنا مرارًا: ما جاء على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح.

نعم.

"باب: الرخصة في استقبال القبلة لبولٍ أو غائط:

حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: إن أناسًا يقولون: إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس، قال عبد الله: لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته، ثم قال: لعلك من الذين يصلون على أوراكهم، قال: قلت: لا أدري والله.

قال مالك: يعني الذي يسجد ولا يرتفع على الأرض، يسجد وهو لاصق بالأرض"

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: الرخصة في استقبال القبلة لبولٍ أو غائط" الأصل المنع كما في الباب السابق، ثم جاءت الرخصة على خلاف ذلك الأصل بدليل، وهذا الدليل معارض لما تقدم.

يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد -يعني الأنصاري- عن محمد بن يحيى بن حَبان -بفتح المهملة- عن عمه واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر أنه -يعني ابن عمر- كان يقول: إن أناسًا يقولون: إذا قعدت على حاجتك" وفي حكم القعود القيام، لو قضى حاجته من قيام الحكم واحد، لكن الغالب القعود "إذا قعدت على حاجتك" وهذا كناية عن التبرز ونحوه "فلا تستقبل القبلة، ولا بيت المقدس" أو المقدَّس "قال عبد الله" إن أناسًا، كان يقول: "إن أناسًا كأبي أيوب وأبي هريرة ومعقل وغيرهم ممن يرى بعموم النهي في استقبال القبلة واستدبارها، قال عبد الله مستدلًّا على رأيه: "لقد ارتقيت -يعني صعدت- على ظهر بيت لنا" وهو بيت أخته حفصة أم المؤمنين، فتجوّز في نسبته إليهم، أو لأنه آل إليه فيما بعد، فقد ورثه عنها "فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على لبنتين" تثنية لبنة، ما يصنع من الطين "مستقبل بيت المقدس" يريد أن يرد على أولئك الأناس الذين منعوا ونهوا عن ذلك، فأثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه استقبل بيت المقدس "لحاجته" أي لأجل حاجته أو وقت حاجته "ثم قال" ابن عمر: "لعلك" يعني يا واسع "من الذين يصلون على أوراكهم، قال: قلت لا أدري والله" أنا منهم أم لا؟ لعلك من الذين يصلون على أوراكهم، قال واسع: قلت: لا أدري والله، هذا يدل على أن واسع فقيه وإلا ليس بفقيه؟

طالب:......

ما يدري هو من الذين يصلون على أوراكهم "قال مالك" مفسرًّا ذلك: "يعني الذي يسجد ولا يترفع عن الأرض" كالذي يسجد وهو لاصقٌ بالأرض وهو خلاف السنة؛ لأن السنة المجافاة، يرفع بطنه عن فخذيه ويجافي يديه عن جنبيه هذه السنة، لماذا قال ابن عمر: "لعلك من الذين يصلون على أوراكهم؟" ما الفرق بين كونه يجافي أو يلتصق وينضم، ما علاقته باستقبال القبلة؟ يقول الكرماني: "لعل مراد ابن عمر بذلك أن الذي خاطبه لا يعرف السنة، إذ لو عرفها لعرف الفرق بين الفضاء وغير الفضاء" لو كان يعرف هو استدل بكونه لا يعرف السنة بكونه يصلي وهو لاصق، يصلي على وركه، فاستدل بذلك على أنه لا يفرق بين الأمر المشروع وغير المشروع نعم، الذي خاطبه لا يعرف السنة إذ لو عرفها لعرف الفرق بين الفضاء وغيره، أو الفرق بين استقبال الكعبة وبيت المقدس كذا قال الكرماني، لكن ابن حجر يقول: "ولا يخفى ما فيه من التكلف".

الآن لو شخص اعترض في مسألة علمية وقيل له: أنت لا تحسن الفاتحة، أو هل تحسن الفاتحة؟ كناية عن رميه بالجهل، فإذا كنت ممن يمكن أن يوجه إليه هذا الكلام فلست بأهل أن تنقاش المسائل التي أدق منها، روح تعلم الفاتحة قبل أن نتناقش، إذا كان يمكن مواجهته بمثل هذا الكلام فحاله أنه جاهل، فلا ينبغي له أن يناقش في مثل هذه المسألة؛ ولذلك قال له ابن عمر: "لعلك من الذين يصلون على أوراكهم" الذين ما يفهمون، ما يفرقون بين السنن وغيرها، يقول ابن حجر: "ولا يخفى ما فيه من التكلف" إذًا عَلامَ يحمل كلام ابن عمر الذي واجه به واسع؟ لماذا يصلي على وركه ويلتصق؟

طالب:......

لا، هو استدرك على كونه ما يعرف، كلام الكرماني يقول: "لا يخفى ما فيه من التكلف" وإن كان فيه وجه ظهور.

نعم؟

طالب:......

إذا تجافى الآن هل معنى أنه في حال سجوده يستقبل القبلة بفرجه أو يستدبر بيت المقدس أو..؟ ابن حجر يقول: "ولا يخفى ما فيه من التكلف، ولعل الذي يسجد وهو لاصقٌ بطنه بوركيه كان يظن امتناع استقبال القبلة بفرجه في كل حال حتى في السجود" أيهما أقرب كلام الكرماني وإلا كلام ابن حجر؟ كان كلام الكرماني أوضح من كلام ابن حجر؛ لأن هل يتصور أن إنسان ساجد سواءً كان لاصقًا أو مجافيًا عريان؟ يستقبل القبلة أو يستدبرها بفرجه؟ يعني لو قلنا بهذا الكلام قلنا: لا يجوز أن يستقبل القبلة إطلاقًا؛ لأنه إذا كان ممنوعًا من استقبال القبلة حتى بثيابه، إذًا لا يستقبلها أبدًا ولا يستدبرها، ولا يصلي جهة القبلة إذا قلنا بهذا، يعني إذا قلنا: إن المنظور إليه كونه إذا سجد والتصق وانضم بعضه إلى بعض ستر بعضه بعضًا من الأصل مستتر بالسترة، سواءً جافى واتبع السنة أو التصق، لكن لو كان هذا مثل هذا الكلام يوجه إلى عراة مثلًا، يقال: إن الالتصاق أفضل من المجافاة بالنسبة لهم؛ لأنه أستر أمكن هذا الكلام، أنا عندي أن كلام الكرماني أوضح من كلام ابن حجر، يقول: "ولعل الذي يسجد وهو لاصقٌ بطنه بوركيه كان يظن امتناع استقبال القبلة بفرجه في كل حالة حتى في السجود، يا أخي هو في حالة السجود مستتر، والممنوع استقبال القبلة بالعورة المكشوفة.

على كل حال استقبال القبلة واستدبارها في البول والغائط جاء فيها ما سمعتم من المنع والنهي، وجاء فيها الترخيص؛ ولذا ذهب أهل العلم أو بعضهم إلى أن حديث ابن عمر ناسخ لحديث أبي أيوب، فالنهي متقدم وحديث ابن عمر متأخر، إذًا يجوز استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة في الفضاء والبنيان على حدٍّ سواء؛ لأن النهي منسوخ، قال بهذا بعضهم.

ومنهم من قال: مثل هذا العمل خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، يبقى أن النهي للأمة، وفعله -عليه الصلاة والسلام- المخالف لهذا النهي خاصٌ به، وعرفنا مرارًا أن كل كمالٍ يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، وعدم استقبال القبلة بمثل هذا بالعورة المكشوفة حال قضاء الحاجة لا شك أنه أكمل، العدم أكمل، إذًا هو مطلوب منه -عليه الصلاة والسلام- أولى من غيره؛ لأنه أولى من يعظم شعائر الله -عليه الصلاة والسلام-، أولى من يعظم شعائر الله، فكيف يقول: إنه يستثنى من تعظيم شعائر الله -جل وعلا- الرسول -عليه الصلاة والسلام-، هذا القول وإن قيل به ضعيف.

وأيضًا الخصوصية لا تثبت بمجرد الاحتمال، وأما النسخ الذي قيل به فهو إلغاء، إلغاء لنصٍّ ثابت مع إمكان الجمع، الجمع ممكن بأن يحمل على الفضاء والبنيان، فالفضاء تشمله أحاديث النهي، والبنيان يشمله أحاديث الترخيص، فيجوز استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط في البنيان دون الفضاء، ومنهم من يقول: يجوز الاستدبار دون الاستقبال، ولحديث ابن عمر مستقبل بيت المقدس، ومقتضى ذلك أنه مستدبر الكعبة، حمل بعضهم حديث ابن عمر على الاستدبار دون الاستقبال، لكن روى أحمد وأبو داود وابن خزيمة من حديث جابر هذا: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا أهرقنا الماء"، قال: "ثم رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة".

القول بالتفريق بين الفضاء والبنيان هو قول الجمهور؛ مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، والقول بالتفريق بين الاستدبار والاستقبال هو قول الإمام أبي حنيفة، وقال قومٌ بالجواز مطلقًا، وآخرون بالتحريم مطلقًا، فالذين قالوا بالجواز قالوا بالنسخ، والذين قالوا بالتحريم حملوا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- على الخصوصية، وعرفنا أنه إذا أمكن الجمع فهو أولى من القول بالنسخ، والخصوصية لا تثبت بالاحتمال.

طالب:......

الاستغفار على وجود المخالفة؛ لأن المخالفة موجودة، فإما أن يستغفر لنفسه لأنه لا يرى أن هذا الانحراف كافٍ، أو يستغفر لمن بنى هذه المراحيض.

طالب:......

الراجح التفريق بين الفضاء والبنيان.

طالب:......

والله هذا يدل على العموم، حتى أن بعضهم ألحق الجماع في هذا، ألحق الجماع بالبول والغائط، لكن هو من مقتضى النهي عن استقبال البيت واستدباره، هو من مقتضاه لا سيما في خطاب أهل المدينة، فهو من مقتضاه، إذا قلنا: بمنع الاستقبال واستدبار الكعبة بالمدينة من مقتضى ذلك جواز استقبال واستدبار بيت المقدس، مقتضى ذلك جوازه، أو مقتضى منعه، نعم هو من مقتضى منع الاستقبال واستدبار الكعبة؛ لأنه إذا استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس، وإذا استدبر الكعبة استقبل بيت المقدس، لكن هل هذا النهي مقصود أو أنه حصل تبعًا؟ يعني حصل من غير قصد تبعًا للنهي عن استقبال..، هذا محل بحث.

طالب:......

لا، الفقهاء يسترسلون في هذا، حتى يمنعون من استقبال النيرين الشمس والقمر، قالوا: لما فيهما من نور الله، لكن هذا ما له أصل؛ لأنه ما يثبت بنص والإلحاق ما له وجه.

سم.

باب: النهي عن البصاق في القبلة:

"حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى بصاقًا في جدار القبلة فحكه، ثم أقبل على الناس فقال: ((إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله -تبارك وتعالى- قبل وجهه إذا صلى)).

وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في جدار القبلة بصاقًا أو مخاطًا أو نخامة فحكّه".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: النهي عن البصاق في القبلة" البصاق بالصاد والبزاق والبساق يعني نظير ما قيل في الصراط بالحروف الثلاثة، صراط وسراط وزراط، وهنا بصاق وبساق وبزاق، والباء مكسورة في الجميع، والمراد به ما يخرج من الفم، وما يسيل منه.

"حدثني يحيى عن مالك عن نافع -عن ابن عمر- عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى بصاقًا" أبصره في جدار المسجد في جهة قبلته فحكه -عليه الصلاة والسلام- بيده إما مباشرة أو بواسطة شيء، المقصود أنه باشر الحك بيده أو بشيء كان في يده، ثم أقبل على الناس بوجهه، منهم من يقول: إنه أبصره على المنبر يخطب فحكه ثم أقبل على الناس بوجهه، هل يتصور أن يبصر البصاق وهو على المنبر يخطب ينزل فيحكه؟ نزل فحكه بيده الشريفة -عليه الصلاة والسلام-، كيف يتصور أنه على المنبر ويرى البصاق في جدار القبلة هذا على القول بأن الرؤية بصرية، وإذا قلنا: إنها علمية علم فنزل، وأزال هذا المنكر -عليه الصلاة والسلام-.

فنزل فحكه بيده ثم أقبل على الناس بوجهه فقال: ((إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق)) هذا نهي، والأصل في النهي التحريم ((فلا يبصق قبل وجهه)) قِبَل يعني جهة قدام وجهه، ومفهومه أنه يجوز له أن يبصق في الجهات الأخرى، يجوز له أن يبصق في الجهات الأخرى ((فإن الله قبل وجهه إذا صلى)) وهذا فيه دليل على تحريم البصاق في القبلة إذا كان يصلي، وهذا شامل ((إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه)) هذا يشمل المسجد وخارج المسجد، لكنه خاص بجهة القبلة، وسيأتي النهي عن البصاق في المسجد، وما بين النصوص من عمومٍ وخصوص، فالحديث دليلٌ على تحريم البصاق في القبلة سواءٌ كان في المسجد أم لا إذا كان يصلي، هذا خاص فيما إذا كان داخل الصلاة، لكنه عامٌ في كونه في المسجد أو غير المسجد، وسيأتي النهي، أقول: ورد النهي عن البصاق في المسجد وأنه خطيئة في أي جهة كانت في داخل الصلاة وخارجها.

يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبصر في جدار القبلة بصاقًا أو مخاطًا أو نخامة، وهذا شك من الرواة، بصاقًا أو مخاطًا أو نخامة، البصاق تقدم أنه ما يسيل من الفم، والمخاط ما يسيل من الأنف، والنخامة ما يخرج من الصدر، وقيل: من الرأس، والنخاعة بالعين من الصدر، فإذا قلنا: النخامة من ينزل من الرأس والنخاعة ما يخرج من الصدر.

"فحكه -عليه الصلاة والسلام-" بيده، بآلةٍ أو باليد مباشرة، وفي رواية: "بعرجون" وهو المظنون، أقول: هو الذي يغلب على الظن أنه بواسطة آلة لم يباشره بيده، اللهم إلا إن كان من باب المبالغة بإزالة المنكر، والمبادرة لم ينتظر حتى يجد شيئًا يحكه به؛ لأن إزالة المنكر على الفور، والحديث فيه وجوب تنزيه المساجد عن كل ما يستقذر وإن كان طاهرًا.

الآن البصاق منهيٌ عنه ما يخرج من الفم، وما يخرج من الأنف، وما يخرج من الصدر، وما ينزل..، كل الفضلات ممنوعة، وهذا مع أنها طاهرة، فكيف بالنجس الذي يدل حديث بول الأعرابي على منعه، هذا إذا كان يلوث المسجد، إذا كان لا أثر له في تلويث المسجد مثل إرسال الريح مثلًا، إرسال الريح مقتضى المنع من أكل ما له رائحة يقتضي منع إرسال الريح لا سيما إذا كان لغير حاجة، مع أن حديث: ((لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا)) يدل على أنه يمكن أن يحصل في المسجد؛ ولذا يقول ابن العربي في شرح الترمذي: "يجوز إرسال الفساء والضراط في المسجد للحاجة" يعني إذا كان شخص ملازمًا للمسجد معتكفًا واحتاج إلى أن يرسل شيئًا من ذلك هل يلزمه أن يخرج من المسجد؟ أو نقول: ما دام محتاجًا ولا فيه أحدٍ يتأذى بهذا وإن كان الأصل أن احترام المسجد مطلوب؟ لكن إذا كان يشق عليه الخروج لبرودة جو وما أشبه ذلك، على كل حال أجازوه للحاجة.

فيجب تنزيه المساجد من كل ما يستقذر وإن كان طاهرًا، طيب شخص طلب ماء فجيء له بالماء، فلما شرب منه وجده شديد البرودة، ويتضرر بشربه فبصقه في المسجد، بصق الماء يجوز وإلا ما يجوز؟ أراد أن يخرج هذا الماء لئلا يتضرر به يقع وإلا ما يقع؟ طلب ماء جابوا له وما يدري وشرب، صار ثلجًا، وليس في قربه منديل ولا شيء....

طالب:......

لا هذا المسألة مفترضة في شخص عالم مثلًا، شيخ من الشيوخ قال: أعطونا ماء نشرب ماء أدخله في فمه ثم أخرجه، الاستقذار نسبي، ويختلف من مكان إلى مكان، ومن بلد إلى بلد، ومن جيل إلى جيل، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أخذ الحسن التمرة من تمر الصدقة وأدخلها في فمه أخرجها النبي -عليه الصلاة والسلام- بلعابها وأعادها إلى تمر الصدقة، يعني لو يسمع واحد منا، يقول: يا أخي ما هذا التمر الذي تحمله؟ بلعابها من يريد أن يشتري؟ لكن المسألة تختلف باختلاف الأحوال والزمان والظروف، وقد مج النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجه محمود بن الربيع، لكن لو جاء شخص الآن في بعض الجهات وهذا حصل في بعض الجهات يوقظون النوام بالماء بإخراجه من الفم، بخ الماء، موجود وإلا ما هو موجود؟ يالله بخ علينا والمصحف امتلأ قال، من أجل أن يوقظ نائمًا، نعم لكن الكلام في المسجد.

نعم أما بالنسبة لإخراج الماء لحاجة؛ لأنه يتضرر به فأنا حضرت مجلس شخص من أكبر العلماء فعل هذا، لما دعا بماء فوجده باردًا مجه في المسجد.

يقول: "وجوب تنزيه المساجد من كل ما يستقذر وإن كان طاهرًا، إذ لو كان نجسًا لأمر بغسله، وأباح -صلى الله عليه وسلم- للمصلي أن يبصق ويتنخم في ثوبه وعن يساره، وقال: ((إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يناجي ربه، وإن ربه بينه وبين قبلته، فليبصق عن يساره أو تحت قدمه)) وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)) رواهما الشيخان.

قال عياض: "إنما يكون خطيئة إذا لم يدفن" البصاق خطيئة إذا لم يدفن، أما من أراد دفنه يعني بصقه وفي نيته أن يدفنه فلا، ورده النووي بأنه خلاف صريح الحديث؛ لأن الأصل صيانة المسجد، والإقدام على الخطيئة وإن كان لها كفارة إصرار عليها مع سابق علم، وإلا كل ذنب له كفارة، قد يقدم على الزنا ويطهر بالحد، يقدم على اليمين ويكفر، يقدم على ما يوجب كفارة ويكفر، نعم الخطيئة لا يجوز الإقدام عليها بحال، لا يجوز الإقدام على الخطيئة، لكن إذا حصلت وندم صاحبها وفعل كفارتها انتهى أثرها.

الحافظ ابن حجر يقول في البصاق في المسجد: خطيئة وكفارتها دفنها، مع أن أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يناجي ربه، إن ربه وبين قبلته فليبصق عن يساره أو تحت قدمه؛ لأنه إذا بصق عن يساره أو تحت قدمه مقتضاه أنه ارتكب هذه الخطيئة، قوله: ((فليبصق عن يساره أو تحت قدمه)) نعم؟

طالب:........

نعم، لكنه في المسجد يشمل المسجد، عمومه يشمل المسجد، وكون البصاق في المسجد خطيئة بينهما شيء من التعارض، البصاق في المسجد خطيئة يقتضي المنع من البصاق بالكلية لا عن يمينه ولا عن يساره، ولا تحت قدمه ولا خلفه ولا أمامه في كل الجهات، يشمل جميع الجهات البصاق في المسجد خطيئة، وفليبصق عن يساره أو تحت قدمه يستثني هذه الجهة يساره أو تحت قدمه، والحافظ ابن حجر يقول: "هما عمومان تعارضا" ((البصاق في المسجد خطيئة)) وقوله: ((فليبصق عن يساره أو تحت قدمه)) فالنووي يجعل الأول عام ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد، يبصق عن يساره أو تحت قدمه يعني إذا لم يكن في المسجد، ويحمل الثاني أن البصاق في المسجد خطيئة على عمومه، ويجعل الثاني خاص بما إذا كان خارج المسجد، وعياض يجعل الثاني عام ويخص الأول بما إذا لم يرد دفنه؛ لأنه إذا أراد دفنها لا شيء عليه عند عياض، وعرفنا أن النووي هي خطيئة، هو إقدامٌ على خطيئة، كونه يرتكب هذه الخطيئة ثم يكفر عن هذه الخطيئة بدفنها لا يعني أنه فعل فعلًا مباحًا.

طالب:......

الراجح أن البصاق في المسجد خطيئة سواءً كان عن يمينه أو عن شماله أو تحت قدمه، أراد دفنه أو لم يرد هو خطيئة، إذا دفنه كَفَّر، لكن الإقدام على الخطايا ولو كان لها كفارات في الأصل لا يجوز، لكن إذا حصلت فندم صاحبها وكفرها إمحا أثرها.

طالب:......

إذا اضطر؟ إذا اضطر إليها ماذا يصنع؟ بثوبه أو بمنديل أو شيء.

طالب:......

المصلي إذا قلنا: له أحكام المسجد يأخذ حكمه، لكن الأصل أنه لا يأخذ أحكامه، بمعنى أنه لا تلزم له تحية ولا تجوز الصلاة فيه مع وجود المسجد إلا للحاجة.

طالب:......

بلع النخام حرام عند أهل العلم، مفطرًا، يفطر بها إن وصلت إلى فمه فابتلعها يفطر عند أهل العلم، نعم؟

طالب:......

هي مستقذرة، نعم؟

طالب:......

الذين يبطلون بها الصيام يبطلون بها الصلاة، تبطل بالأكل والشرب والضحك والكلام.

طالب:......

إذا وصلت إلى الفم لها أثر إذا ابتلعها، ما المانع؟ لو وضعت في فمك شيء مع تكبيرة الإحرام أو قبل ذلك ثم بعد ذلك ابتلعتها..

طالب:......

إذا ما وصلت الفم عندهم ما تفطر، والله المستعان، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول: ما رأيكم في قول عامة الناس: إن المطر لا ينفع إلا إذا نزل في الوسم، أما غيره فلا ينفع؟

إن جرت العادة باطراد عندهم في ذلك لكنه ينفع بإذن الله، لو لم يكن فيه إلا أنه ينزل في الأرض، ويستنبط عند الحاجة إليه، أما كونه يترتب عليه نبات العشب فقد جرت العادة بخلاف ذلك.

يوجد طلب مشاركات في تصويت في بعض الجرائد المحلية وبعض المواقع من الإنترنت في مواضيع ومسلمات في الدين مثل الحجاب، وقيادة النساء، والتأمين بموافق أو غير موافق، فهل تنصح بالمشاركة أو لا؟ وإذا كان لا ما نصيحتكم على كل حال؟

هذا لا يجوز، القضايا الشرعية لا يجوز أن تطرح بهذه الطريقة، بل حلها في الشرع بواسطة أهل العلم، فلا بد من سؤال أهل العلم والصدور عن أقوالهم وآرائهم، أما إذا طرحت ووجدت قبولًا وليس للإنسان دفعها إلا بهذه الطريقة فليكثر سواد الصالحين، والله المستعان.

ما حكم الإسلام في مسألة العادة السرية، مع أن الشخص الذي أسألك بشأنه يود أن يتوب عنها، ولكن ما يلبث أن يعود إليها؟

على كل حال المفتى به والمعتمد أنها محرمة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- وجه من لا يستطيع القدرة على النكاح إلى الصوم، مع قوله -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [(5-6) سورة المؤمنون] ولا ثالث، فهي محرمة، وعليه أن يتوب، وإذا أنزل بسببها فعليه الغسل؛ لأن هذا أمرٌ يخفى على كثير من الناس، فقد يصلي بغير غسل يلزمه الغسل، وعلى كل حال إذا اضطر إليها هي محرمة، لكن إذا اضطر إليها وليس له مندوحة دون الفاحشة إلا هي فارتكاب أخف الضررين لا سيما إذا كان في مواقع فتن لا يستطيع في بلدٍ يضطر فيه إلا فعل المحرمات ومخالطة المومسات فإنه حينئذٍ..، أولًا: عليه أن لا يعرض نفسه للفتن، وإذا تعرض وليس له مندوحة إلا أن يقع في الفاحشة فارتكاب أخف الضررين مأذونٌ به شرعًا.

هل نقول: البسملة في بداية سورة الفاتحة أم ماذا نقول؟ البسملة هي أول آية في سورة الفاتحة..؟

على كل حال المسألة خلافية، هل هي آية من كل سورة أو ليست بآية من أي سورة؟ وأهل العلم يجمعون على أنها ليست بآية في سورة التوبة براءة، وأنها بعض آية في سورة النمل، ويختلفون فيما عدا ذلك، لكن الذي رجحه شيخ الإسلام أنها آية واحدة نزلت للفصل بين السور، وإجماع الصحابة على كتابتها في المصحف يقوي كونها آية، وخلاف أهل العلم فيها هل هي آية أو ليست بآية يستدلُّ به من يقول: إنها ليست بآية لأن القرآن لا يجوز الاختلاف فيه.

ما المقصود بتحذير الرسول -صلى الله عليه وسلم- من التنافس في الدنيا بعد أن تبسط وتهلككم كما أهلكتهم؟

المقصود به التنافس، أما درجة الحديث صحيح ((والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا -أو تبسط عليكم الدنيا- فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم)) والمقصود بهذا التنافس الذي يصد عن فعل الواجبات، ويحمل على ارتكاب المحرمات، وإيثار الدنيا على الآخرة مهلكة، فلا بد للإنسان أن يصرف وقته وجهده فيما خلق من أجله وهو عبادة الله، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] يبقى أنه لا بد له مما يقيم صلبه وما يقتات منه ومن يمون، يشمله قوله -جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص]، والله أعلم.