التعليق على تفسير سورة الذاريات من تفسير الجلالين (01)

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فلا يخفى على أحد حتى من عامة المسلمين فضلاً عن طلاب العلم ما لكتاب الله -جل ذكره- من منزلة عظيمة في الإسلام، ولما لمن يعتني به من هذه الأمة من شرف، كما قال الله -جل وعلا-: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} [(44) سورة الزخرف] يعني شرف لك ولقومك، فالعناية بكتاب الله تعلماً وتعليماً، قراءةً وإقراءً، حفظاً فهماً تدبراً من أولى ما يقضي به الإنسان أنفاسه وعمره المحدود؛ لينال بذلك رفعة الدارين شريطة أن يكون مخلصاً لله -جل وعلا- في ذلك كله، القرآن لسنا بحاجة إلى بيان منزلته من سائر الكلام، وأنه كلام الله، وأن من قام يقرأه كأنما يخاطب الله -جل علا-، لكن مع الأسف أنه يلاحظ عند كثير ممن يعتني بطلب العلم إهمال جانب التفسير، قد يعنى طلاب العلم بحفظ كتاب الله -جل وعلا-، يعنون بحفظه والبوادر -ولله الحمد- طيبة، وحلقات التحفيظ لا يمكن حصرها ولا عدها ولا إحصاؤها، والطلاب والطالبات يعني من الجنسين ممن يلتحق بهذه الحلقات ألوف مؤلفة -ولله الحمد-، بعد أن كانوا يعدون أفراداً في كل بلد، صاروا لا يمكن حصرهم ولا عدهم، لا يجمعهم ديوان ولا يعدهم عاد، فهذه من نعم الله -جل وعلا-، لكن هذه وسيلة إلى ثمرة عظمى، وسيلة إلى ثمرة عظمى وهي العمل بكتاب الله -جل وعلا-، والعمل بالقرآن لا يتسنى إلا بعد فهمه، وفهمه لا يمكن إلا عن طريق سلف هذه الأمة، وفهم هذه الأمة، ولذا يذكر في أولى ما يفسر به كلام الله هو كلام الله -جل وعلا-، فالله -جل وعلا- قد يجمل في موضع ويبين في موضع آخر، وما في تفسير الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- من العناية بهذا النوع دليل واضح على ذلك، وكذلك ما سلكه الشيخ الأمين الشنقيطي -رحمه الله- من إيضاح القرآن بالقرآن، وهذا معروف ومسلوك عند أهل العلم، ثم بعد ذلك يلي ما ذكرنا تفسير القرآن بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو المبين عن الله، وظيفته البيان عما جاء عن الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك فهم السلف الصالح الذين لم تتلوث أفكارهم، ولم تتغير فطرهم، ولا محيص ولا محيد عن فهمهم، ثم بعد ذلك ما يفهم وما يدرك في لغة العرب وأساليبها، وفنون العلم المختلفة.

ولهذا كله يشترط أهل العلم في المفسر أن يكون جامعاً بين الفنون، فنون العلم من العلوم الغائية، ومن وسائل العلم التي يفهم بها هذه الغايات، فالغاية فهم ما جاء عن الله -جل وعلا- من نصوص الوحيين، والوسائل المعينة على فهم هذه النصوص في غاية الأهمية لطالب العلم، فلا يجوز لأحد أن يفسر حتى يستطيع أن يفهم ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فلا بد أن يكون عارفاً بالنصوص، فاهماً لمراد الله -جل وعلا- ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام- من هذه النصوص، بعد معرفة ما يعين على فهمها مما يسميه أهل العلم بعلوم الآلة، والآلة معروف أنها هي التي يتوصل بها إلى المراد، هي الوسائل التي يستطاع بواسطتها فهم ما يراد فهمه، فعلوم العربية في غاية الأهمية لطالب العلم، وتتعين وتتأكد في حق من يتصدى لشرح كلام الله -جل وعلا- وكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن القرآن بلسان عربي مبين، فكيف نفهم هذا القرآن ونحن لا نفهم لغة العرب؟ ولغة العرب ليست منحصرة في النحو مثلاً، لذا يتعجب كثير من طلاب العلم إذا وجدوا في سياق كلام أهل العلم قرأ في النحو والعربية، إيش...؟ النحو هو العربية؟! لا، لا، العربية أكثر من عشرة فروع، وكلها طالب العلم بأمس الحاجة إليه، نعم لا يلزم أن يكون متخصصاً في كل فرع من فروعها، بل ولا في جميعها، وإنما يفهم من ذلك ويعرف من هذه الفروع ما يعينه على فهم كلام الله -جل وعلا-، وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام-، من ذلك النحو والصرف والبيان والمعاني والبديع، والوضع والاشتقاق، وفقه اللغة، متن اللغة، الغريب، وغير ذلك من العلوم التي يحتاجها المتعلم، الذي يؤهل نفسه لأن يكون عالماً مرجعاً في هذه الأمور، ممن يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في جوف البحر، أما إذا أراد أن ينقل من كتب التفاسير وليست لديه أهلية للتفسير أن هذا مبلغ وليس بمفسر، وقد يدخل عليه الخلل يتطرق إليه الخلل بسبب جهله في فن من هذه الفنون.

أيضاً ما يتعلق بعلوم القرآن وقواعد التفسير هذه في غاية الأهمية لمن يتصدى لتفسير القرآن، كذلك علوم الحديث؛ لأن التفسير يحتاج إلى الحديث لبيانه، والحديث محتاج إلى علوم الحديث التي بواسطتها يميز طالب العلم بين الصحيح والضعيف، المقبول والمردود.

يحتاج أيضاً لكي يحسن التعامل مع هذه النصوص إلى علم أصول الفقه، لا يستطيع أن يتعامل مع نصوص الكتاب والسنة إلا بعد أن يأخذ قدراً كافياً من أصول الفقه، كيف يعرف الناسخ من المنسوخ؟ العام من الخاص؟ المطلق من المقيد؟ كيف يعرف المجمل من المبين؟ لا يستطيع أن يعرف هذه الأمور إلا بعد أن يأخذ ما يكفيه من علم أصول الفقه، لكن التوسع في هذه العلوم لا شك أنه يكون على حساب علم المقاصد، الغايات، يعني إذا اشتغل الإنسان بالوسائل لا شك أنه على حساب المقاصد والغايات؛ لأن العمر لا يستوعب، لا يستوعب أن يكون مجتهداً في كل علم من هذه العلوم، إنما يأخذ من هذه العلوم ما لا يسع جهله، والعلماء في تفاسيرهم صنفوها وألفوها على أنحاء، فمنهم من عني بالتفسير بالأثر، واقتصر على تفسير القرآن بالقرآن والسنة، وأقاويل الصحابة والتابعين، وهذه هي أهم كتب التفسير؛ لما جاء في التحذير من تفسير القرآن بالرأي، ومنهم من جعل همه وهمته في أحكام القرآن والاستنباط منه، وهذا أيضاً جانب مهم بالنسبة لطالب العلم، وفيه كتب، وكل مذهب من المذاهب المتبوعة المعروفة ألف في أحكام القرآن على ضوء هذا المذهب لا سيما الحنفية والشافعية والمالكية أيضاً لهم في أحكام القرآن، ويبقى الحنابلة لهم كتب لكنها غير مطبوعة ولا معتنى بها، يعني على قلتها، فهم أقل المذاهب تأليفاً في هذا الجانب، وشرحنا كيف يصل طالب العلم إلى أحكام القرآن من خلال المذهب الرابع مذهب الإمام أحمد، ولا يعني هذا أننا نجعل القرآن أو السنة تابعاً لهذه المذاهب، بل نجعل القرآن والسنة قائد لهذه المذاهب، لكن مع الاطلاع على مذاهب العلماء وفقهاء الأمصار مهم جداً بالنسبة لطالب العلم لئلا يشذ، وكتب أحكام القرآن إدامة النظر فيها تمرن طالب العلم على الاستنباط من القرآن، ومحاكاة أولئك الذين ألفوا في أحكام القرآن، ومنهم من جعل همته في غريب القرآن، ولغة القرآن، ونحو القرآن وصرف القرآن، وهذه أيضاً كتب مهمة جداً تربط القرآن بلغة العرب، تفيد طالب العلم فائدة عظيمة من هذه الكتب بحيث تعينه على فهم القرآن من جهة، وعلى ضبط اللغة العربية من جهة، ولذا نوصي طلاب العلم إذا أرادوا ضبط النحو مثلاً أو الصرف أن يطبقوا على القرآن، ما يحتاج أن يقول: قام زيد، وضرب عمرو، ما ينفع، هذه أمثلة توضيحية، لكن يحتاج طالب العلم لفهم القرآن؛ لأنه يتعلم علوم العربية من أجل فهم الكتاب والسنة، فإذا أنهى متناً صغيراً من متون العربية وليكن مثلاً الآجرومية يعرب الفاتحة، يقوم بإعراب الفاتحة من تلقاء نفسه وعلى ضوء ما درسه، وليخطئ في أول الأمر، ما في ما يمنع، ثم يعرض إعرابه على كتب الأعاريب إعراب القرآن فيه كتب فينظر في كتب الإعراب من المتقدمين والمتأخرين، فإذا طابقه..، طابق إعرابه لهذه الكتب فليحمد الله، وليعمل أنه ضبط هذا المتن الذي درسه، ولا شك أن للإعراب ومواضع الكلمات من الإعراب ومواقعها من الإعراب في غاية الأهمية لفهم الكلام؛ لأن كثير من طلاب العلم حينما يقرأ في العربية يحفظ كتاب ويحضر شرحه وبعد ذلك إذا أراد أن يعرب يعني ما تسنى له ذلك، لا سيما في المواضع الخفية، أو أراد أن يتكلم لحن كثيراً، فيصاب باليأس، نقول: يا أخي لا تيأس ولو لحنت في الكلام؛ لأن الفائدة من معرفة العربية أمران، قد يتيسر لك واحد ولا يتيسر الثاني، قد تكون عارف بمواقع الكلمات من الإعراب لكنك إذا تكلمت لحنت كثيراً وهذا موجود، كثير من طلاب العلم يضبط المتون، يضبط الآجرومية وشروح الآجرومية ويضبط القطر، ويضبط الألفية يحفظها حفظاً عن ظهر قلب، وإذا أعطيته جملة أعرب دون تردد، فإذا قام يتكلم قلت: ليته سكت، لحن شنيع، نقول: لا تيأس أنت الآن استفدت فائدة عظيمة إذا عرفت موقع الكلمة من الإعراب فهمت الكلام، بخلاف الذي لا يعرف موقع الكلمة من الإعراب فإنه لا يستطيع أن يفهم الكلام، وهب أن شخصاً مرن لسانه على عدم اللحن لكنه ضعيف في معرفة مواقع الكلمات من الإعراب هذا أدرك جانب مهم، وذاك أدرك أيضاً جانباً مهماً، وليحرص الإنسان على تحقيق الفائدة العظمى كاملة بعصمة لسانه من اللحن، وعصمة فهمه من الخطأ في الإعراب ومواقع الكلمات؛ لأن هناك كتب، قلنا: هذا لأن هناك كتب ألفت ولا نجد طلاب العلم يهتمون بها، مثلاً البحر المحيط، البحر المحيط لأبي حيان على اسمه، بحر محيط يحتاج إلى غواص ماهر، لكن مع ذلك هو مدرك يعني، يهتم بهذا الجانب ويعنى به عناية فائقة، فإذا جمع الإنسان بين تفسير أو تفسيرين أو ثلاثة بالأثر، فمثلاً اقتنى تفسير إمام المفسرين الطبري تفسير البغوي، وتفسير الحافظ ابن كثير، وضم إليها الشوكاني والدر المنثور انتهى، ثم بعد ذلك يضيف من كل فرع من فروع العلم والمعرفة كتاباً واحداً أو اثنين إن شاء، فيعنى بأحكام القرآن لابن العربي، الجامع لأحكام القرآن، ويعنى أيضاً بالبحر المحيط من جانب..، من الجانب الآخر اللي هو العربية وما يتعلق بها؛ البحر المحيط شوف لو تشوف كلمة (أف) وهي مركبة من حرفين ذكر فيها أكثر من أربعين ضبط، أين تجد مثل هذا الكلام؟ هناك تفاسير فيها فوائد، فيها فوائد، وفيها استنباط دقيق في علوم كثيرة، لكن يعوق دونها ما اشتملت عليه من البدع الكبرى، مثل تفسير (الكشاف) هذا للعالم المنتهي لا مانع أن يقرأ فيه، لكن طالب العلم يخشى عليه منه؛ لأنه يدس اعتزالياته في الكلام بحيث لا يشعر طالب العلم بها، حتى قال من علق عليه: "إننا استخرجنا هذه الاعتزاليات بالمناقيش".

كذلك تفسير الرازي تفسير فيه غوص على دقائق المعاني، لكنه تفسير بالرأي، وفيه البدعة ظاهرة، وأسس عليها وبني عليها، وألف من أجلها، يعني خدمة لمذهبه، وهو منظر في مذهب الأشعرية، وهو أيضاً من ناحية القضاء والقدر جبري كما هو معروف، فطالب العلم يخشى عليه من قراءة مثل هذه الكتب.

كتب المعاصرين من المفسرين الذين جاءوا متأخرين فيها فوائد، وفيها ضبط لكثير من القضايا التي أشير فيها في القرآن بالقضايا المعاصرة يعني ربط بين الحياة المعاصرة بالنصوص، ومن أهمها تفسير القاسمي، تفسير جيد، وإن كان يلاحظ عليه أنه يجمع من تفاسير المحققين وتفاسير غيرهم، فتعجب حينما يقول: قال الإمام المحقق ابن القيم وقال ابن عربي قدس سره، لكن الكتاب فيه علم، فإذا نقل عن المبتدعة يترك نقله عنهم، وإذا نقل عن ابن القيم وهو خبير بكتب ابن القيم، يعني يستخرج لك نُقُول من كتب ابن القيم ما تخطر على بالك، وهو من هذه الحيثية ينفع، لكن إذا نقل عن المبتدعة وهم معروفون لا سيما رؤوسهم وكبارهم مشتهرون.

من ذلك أيضاً تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور كتاب نفيس، تعب عليه مؤلفه، وصنفه في أربعين عاماً، وضبطه وأتقنه، واهتم فيه على بيان المعاني، ووجوه البلاغة في القرآن، يفيد منه طالب العلم من هذه الحيثية، على أننا لو اقتصرنا على تفاسير السلف ما فاتنا شيء، يعني كنت أظن أن تفسير الطبري تفسير أثري محض، فلما عانينا الكتاب وجدناه في كل الفنون، يعني في علوم العربية يمكن يكون في الدرجة الأولى، يعني ما هو كتاب خاص بعلم العربية، لا، لكن فيه من أفانين العربية ما لا يوجد في غيره، حتى أن أعظم خصائص تفسير الكشاف هو ما فيه من البيان، يعني من علم البيان وعلم المعاني، اهتم بها الزمخشري، لكن خرج دراسات مقارنة بين ما في تفسير الطبري من علمي المعاني والبيان، وبين الزمخشري فوجد ما في الطبري أكثر، هذه نتيجة مذهلة، يعني قد يقول طالب العلم: يمكن هذا ما هو بصحيح، لماذا؟ لأن تفسير الطبري وطالب العلم يقرأه كله حدثنا قال: حدثنا، قال: أخبرنا، قال..، يعني من رأى..، من قرأ تفسير الذاريات مثلاً هذه الكلمة في تفسير الطبري وجده يقول: الذاريات: الريح تذرو التراب، ثم ساقه من ثلاثين وجه، يعني لو ساقه بسطر واحد كفى، فهذه الكثرة كثرة المرويات وسياق الوجوه بطرق متعددة هذه تغطي على ما في الكتاب من علوم أخرى، ففيه من هذه الناحية شيء لا يخطر على البال، يعني في علم المعاني والبيان، وفيه أيضاً من النحو والصرف شيء يعني لو أفرد كتاب في النحو والصرف من تفسير الطبري لكفى، فيه أيضاً الفقه المعتمد على النصوص، فقه الطبري من...، أعني الطبري إمام فقيه كما هو معروف وصاحب مذهب متبوع، لكنه انقرض، يعني لا يوجد من يتبع الطبري في اجتهاداته، لكنه مع ذلك هو فقيه، إلى غير ذلك من العلوم التي تجعل طالب العلم يعنى بهذه التفاسير، يعني نسمع من يقول: تفسير الطبري وتفسير ابن كثير هذه انتهى وقتها، يعني قيلت، وسمعناها وسمعها غيرنا، هذه كتب انتهى وقتها، وهذا الكلام ليس بصحيح، تفسير الحافظ ابن كثير كلما قرأه الإنسان يفيد منه فوائد عظيمة غير ما قرأه في المرة الأولى، ونعرف من قرأ التفسير مراراً أربع مرات خمس مرات، طلاب علم جادين ما هم بـ.. إذا قرأ الإسناد ضاق صدره، وترك الكتاب هذا الكلام ليس بصحيح، يعني الإسناد قد يتثاقله بعض الطلاب الذين لا خبرة لهم به ولا معرفة بقيمته، لكن شئنا أم أبينا ما في معرفة صحيح من ضعيف إلا بالإسناد، حتى قال بعض من سمع عن الاختصار قالوا: ظهر مختصر لابن كثير، قال واحد من طلاب العلم كبير في السن: ماذا صنع المختصر؟ قال: حذف التكرار وحذف الإسرائيليات، قال: إنا ما نتلذذ إلا بها الإسرائيليات، يعني هذا همه من التفسير القصص، ولا هي بقصص القرآن الثابتة، يعني ما جاء عن بني إسرائيل، هذا لا شيء يعني في الإطلاع عليه، وجاء في الحديث الصحيح: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) في رواية البزار: ((فإن فيهم الأعاجيب)) هذا ما فيه إشكال لكن كونه يكون هو الهدف هو المقصود، لا، يعني شرع من قبلنا معروف وفي حكمه هل هو شرع لنا أو ليس بشرع لنا؟ لكن يبقى أن المعول عندنا على نصوص الوحيين، وما يخدم هذه النصوص، وما يعين على فهم هذه النصوص، هذه مقدمة وتوطئة لهذا الدرس الذي هو في التفسير.

احنا بدأنا التفسير من المفصل، فأنهينا سورة الحجرات و(ق) ونثلث بالذاريات في هذه الليلة على وجه مختصر، والدرس مربوط بتفسير الجلالين؛ لأنه تفسير متين، يمكن أن يعتمد عليه طالب العلم، ويراجع عليه التفاسير المطولة، وعليه حواشي كثيرة تحل رموزه؛ لأنه كتاب معتصر، متن متين مختصر يمكن أن يبنى عليه طالب علم، فعلى كل حال نبدأ بتفسير هذه السورة على وجه يسمح به الوقت.

أولاً: هذا التفسير تكلمنا عنه مراراً وفي مناسبات كثيرة، لكن نشير إلى أنه من تأليف شخصين، ولذا قيل له: تفسير الجلالين، جلال الدين المحلي، وبدأ بتفسير الكهف إلى أن أنهى القرآن، وفسر الفاتحة، يعني رجع عليه من أوله فما أكمله، وكمله من البقرة إلى آخر الإسراء جلال الدين السيوطي، و لكون كل واحد منهما يقال له: جلال الدين سمي تفسير الجلالين، وهو تفسير نافع ومفيد على مخالفات عقدية وأوهام يسيرة تبين في مواضعها منه -إن شاء الله تعالى-.

في هذه السورة يقول جلال الدين المحلي؛ لأنها من نصيبه في النصف الثاني، يقول: "سورة الذاريات مكية ستون آية" مكية ستون آية، بيان السورة من حيث مكان النزول وهل هي مكية أو مدنية؟ هذا مهم في معرفة المتقدم والمتأخر ليعلم الناسخ من المنسوخ، ولذلك أهل العلم يفصلون في هذا إذ يقولون: السورة مكية، وإذا كان هناك استثناء في بعض الآيات ذكروه إلا آية كذا وكذا، من أجل معرفة أن هذه السورة نزلت بمكة، أو على الاصطلاح الصحيح نزلت قبل الهجرة، وإذا قالوا: مدنية فمعناها أنها نزلت بعد الهجرة، والمتقدم ما نزل قبل الهجرة إذا تعارض مع ما نزل بعد الهجرة يحكم عليه، إذا لم يمكن الجمع بوجه من الوجوه المعروفة عند أهل العلم يحكم عليه بأنه منسوخ.

"ستون آية" يعني الاهتمام بعد الآي لا شك أنه محل عناية من أهل العلم، ويعدون الآيات، ويكتفون بعد الآيات ثم زاد الأمر حتى عدوا الحروف، حروف القرآن، كل سورة يعدون حروفها، وهذا موجود في بعض التفاسير، ما الذي نستفيده من عد الآيات؟ القرآن محفوظ بين الدفتين، تكفل الله بحفظه؛ لئلا يقال مثلاً: هذه السورة ستين آية فلماذا زادت هنا واحد وستين أو اثنين وستين؟ على كل حال بيان العدد يستفاد منه معرفة هذه السورة عند مذهب من عد الذي هو المفسر، نعم السورة عند الكوفيين كذا، السورة على عدد البصريين كذا، نعم، اختلاف العدد قد تزيد آية وقد تنقص آية لا لنقص أو زيادة في القرآن في الآيات أبداً، الكلمات ما تتغير يعني من مصحف إلى آخر، ومعول الجميع على المصاحف التي بعثها عثمان إلى الأمصار، إنما اختلافهم في عد البسملة مثلاً هل هي آية أو ليست بآية، فمن يعدها يزيد آية، ومن لا يعدها ينقص آية، هذا لا أثر له في الواقع، أيضاً بعض الآيات على عد بعض الجهات تقسم، كما في الفاتحة {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} [(7) سورة الفاتحة] آية {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] آية، فيختلفون في موضع نهاية الآية ورأس الآية، ولا شك أن هذا مما يعنى به طالب العلم.

أما بالنسبة لعد الحروف فهو من الترف، ولا يعرف عند المتقدمين البتة، عد الحروف، حتى وجد من يعدها وإن كان القصد من عدد الحروف معرفة كم في هذه السورة من حرف لنعرف كم فيها من حسنة فالله -جل وعلا- لن يضيع أجر من أحسن عملاً، إذا أحسنت العمل فاضمن، وإن كان القصد منه مجرد أن هذه السورة تبلغ كذا أو تبلغ كذا فهذا لا قيمة له، وليس من اهتمامات السلف، بل السلف يهتمون بالغايات أكثر، والآن العد يعني السلف حينما يختلفون في مسند الإمام أحمد هل هو أربعين ألف أو ثلاثين ألف؟ يعني مو بالخلاف في عشرة أحاديث عشرين حديث مائة حديث، يدل على أنهم ما عدوا جزاف، تقريباً، وصحيح مسلم قالوا: سبعة آلاف وخمسمائة حديث، وقال: أحمد بن سلمة اثنا عشر ألف حديث، يعني الفرق كبير جداً، مما يدل على أنهم لا يعدون، ذكروا بالنسبة لتفسير الجلالين أن طالب علم من طلاب العلم باليمن أشكل عليه هل يقرأ في التفسير بطهارة وإلا ما يحتاج إلى طهارة؟ هل يحتاج أن يتوضأ ليقرأ في تفسير الجلالين أو لا يحتاج؟ والمقرر أن الحكم للغالب، والمقرر أن الحكم للغالب، فقال: ما ندري ما الغالب؟ التفسير مختصر، ما ندري هل الأكثر القرآن أو الأكثر التفسير؟ فعد حروف القرآن وحروف التفسير، قال: من أول القرآن إلى المزمل العدد واحد، ومن المزمل إلى آخر القرآن زاد عدد حروف التفسير فانحلت عنده المشكلة فصار يقرأ في تفسير الجلالين دون وضوء، هذا ما يمكن أن يصنعه شخص حريص على الوقت، ما يمكن، قد يقول قائل: إن الترقيم والعدد هذا مهم جداً، يعني مسند الإمام أحمد بدون ترقيم يصعب ضبطه والرجوع إليه، لكن لما رقم هان، كذلك كتب السنة كلها لما رقمت سهل الرجوع إليها، فلماذا ما اهتم السلف من القدم في ترقيم هذه الكتب ليسهل الرجوع إليها، أولاً السلف لا يهتمون بما يعين طالب العلم على الرجوع أبداً، ما يضعون وسائل تسهل على طالب العلم الرجوع إلى الكتب؛ لأن هذا يجزمون بأنه يصرف طالب العلم عن قراءة هذه الكتب، إذا أراد شيئاً رجع إليه مباشرة بواسطة الفهرس ما استفاد فائدة كبرى من الكتاب، همهم أن يقرأ الكتاب، وإذا احتاج طالب العلم مسألة من هذا الكتاب يقرأ حتى يقف على هذه المسألة فيستفيد فوائد عظيمة، هنا الآن لما ضعفت الهمم رقمت الكتب، وأفيد منها؛ لأن الطالب إذا أراد فائدة وصعب عليه منالها تركها، فائدة في مسند الإمام أحمد، والله ميئوس منها، لا سيما وقد سمع من الكبار، يعني سمعنا نحن من الكبار أنهم منهم من جلس سنتين يبحث عن حديث في مسند الإمام أحمد ما وقف عليه، لماذا؟ لأن الطبع مرصوص ولا أرقام ولا فهارس ولا شيء، يقول: بلاش من مسند الإمام أحمد، لا، السلف يبونك تقرأ الكتاب من أوله إلى آخره، وهذا مقصد وهدف عند كثير منهم، لذلك ابن حبان لما ألف صحيحه ما ألفه إلا على الأنواع والتقاسيم، والهدف من ذلك أن الإنسان إذا أراد حديثاً قرأ الكتاب من أوله إلى آخره، يقرأ الكتاب من أوله إلى آخره، وهنا يضطر الإنسان مثل هذا اليماني يعد حروف التفسير، يعني إذا عد حروف القرآن قلنا: ترف، فكيف بحروف التفسير؟ فهذا لا يوجد من سلف هذه الأمة ولا الأئمة.

يقول: "مكية ستون آية، بسم الله الرحمن الرحيم" هذه البسملة موجودة في مائة وثلاث عشرة سورة من القرآن، في أوائلها بدءاً من الفاتحة إلى الناس باستثناء براءة، ويختلف أهل العلم هل هي آية من كل سورة أو ليست بآية مطلقاً؟ أو آية واحدة نزلت للفصل بين السور؟ الخلاف معروف وأدلته مشهورة عند أهل العلم، لكن هي بعض آية في سورة النمل إجماعاً، وليست بآية من سورة التوبة اتفاقاً، هذا محل إجماع، والخلاف فيما عدا ذلك، فمن أهل العلم من يرى أنها آية في كل سورة، ومنهم من يرى أنها في الفاتحة فقط، ومنهم من يقول: إنها ليست بآية مطلقاً، ومنهم من يقول: إنها آية واحدة، آية واحدة نزلت للفصل بين السور، وكأن هذا هو الذي يراه ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.

وتفسير البسملة مضى مع تفسير الفاتحة يعني من احتاج إليه يرجع إليه، وكلام أهل العلم في البسملة كثير.

في قول الله -جل وعلا-: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} [(1) سورة الذاريات] {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} [(1) سورة الذاريات] الواو قسم، والذاريات مقسم به، وما عطف عليه فجوابه {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} [(5) سورة الذاريات] جواب القسم، والقسم بالحروف الثلاثة الواو والباء والتاء، وهي من حروف الجر، هي من حروف الجر، تجر ما بعدها، والقسم والحلف كما هو معلوم لا يجوز إلا بالله -جل وعلا- باسم من أسمائه أو صفة من صفاته و((من حلف بغير الله فقد أشرك)) نسأل الله السلامة والعافية، فلا يجوز الحلف بغير الله -جل وعلا-، وهنا قال الله -جل وعلا-: {وَالذَّارِيَاتِ} [(1) سورة الذاريات] الله -سبحانه وتعالى- له أن يقسم بما شاء من عباده، من مخلوقاته، له أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، ومن المفسرين من يضمر رب هنا، فيقول: والذاريات يعني ورب الذاريات، وهو الله -جل وعلا-، لكن الله -جل وعلا- له أن يقسم بما شاء من خلقه، التكليف إنما هو للجن والإنس، فالله -جل وعلا- يفعل ما شاء ويحكم ما يريد، ولا يسأل عما يفعل.

{وَالذَّارِيَاتِ} [(1) سورة الذاريات] قال المفسر: "الرياح تذرو التراب وغيره" الذاريات: جمع ذارية، جمع ذارية، والمراد بالذارية: الريح، والذاريات: الرياح، التي تذرو التراب وغيره ذرواً مصدر، المصدر هو التصريف الثالث من تصاريف الكلمة، من تصاريف الكلمة، الذاريات: جمع ذارية، ذارية فاعلة، اسم فاعل من الذرو الذي هو المصدر، والمصدر هو أصل المشتقات، أصل اسم الفاعل، وأصل الفعل، وأصل اسم المفعول، وأصل أفعال التفضيل، وأصل صيغة المبالغة وغيرها من المشتقات، هو أصلها.

يقول: "ذرواً مصدر" وعرفنا أن المصدر هو التصريف الثالث من تصاريف الكلمة، تقول: ذرا يذرو ذرواً وضرب يضرب ضرباً، وهكذا، فالأول الماضي، ثم الثاني المضارع والثالث المصدر، مع أن المصدر هو أصل لجميع المشتقات بما فيها الأفعال.

...................................

 

وكونه أصلاً لهذين انتخب

ج

يعني المصدر أصل لجميع المشتقات، ففي تصاريف الكلمة يبدءون بالفعل الماضي ثم المضارع ثم المصدر، وإن كان الأصل هو المصدر، أصل المشتقات كلها هو المصدر.

"ذرواً مصدر، ويقال: تذريه ذرياً" فالفعل ذرا واوي ذرواً، ويائي في الوقت نفسه يصلح أن تقول في غير القرآن: ذرياً واللفظة ما زالت مستعملة، اللفظة ما زالت مستعملة، يعني عند المزارعين ما يسمى إيش؟ ما في مزارعين؟ عندهم يعني إذا أرادوا تخليص إيش؟

طالب:.........

ذراية عندهم، عندهم آلة، آلة تذرو العيش، إذا أرادوا تخليصه من شوائبه وضعوه في هذه الذراية وذروه، فالريح هنا تذرو التراب، إذا هبت به طار الخفيف منه، وكذلك الذراية في الزرع إذا وضع فيها الزرع وأريد تخليصه من شوائبه، هذا الخفيف يطير، ومازالت اللفظة مستعملة، فذرواً وذرياً كلاهما صحيح، من حيث العربية؛ لأن الفعل ذرا واوي، وهو يائي في الوقت نفسه، لكنه في القرآن ذرواً قراءة واحدة، مثل حثا يحثو حثواً وحثياً، فهو واوي ويائي في الوقت نفسه.

"ويقال: تذريه ذرياً تهب به" الرياح تهب بالتراب فيتطاير منه ما يتطاير، ويبقى منه ما يبقى، وفي هذا التراب الذي يتعرض للرياح في جميع فصول السنة من الأعاجيب ما فيه، فتجد من الرمال ما هو ثابت، وتجد منه ما هو متحرك، القدرة الإلهية تجد أحياناً الخطوط نازلة، والرمال من عن يمينها وشمالها، ومع ذلك لا تتحرك الخط دائماً نظيف، وتجد خطوط مرتفعة والرمال عن يمنيها وعن شمالها، وتجد هذه الخطوط كثيراً ما تعلوها هذه الرمال، وإن كانت نازلة عنها، القدرة الإلهية شيء لا يستطيع الإنسان دركه، ولا التفكير به، يعني تجد رمل مرتفع فتأتيه الرياح ما يتحرك، ورمل منخفض تأتيه الرياح تنقله من مكان إلى مكان، وهذا مشاهد، الرياح تذرو التراب وغيره، تذرو أيضاً الحب، تذروه الرياح، إذا وضع في مكان بارز ومرت عليه الرياح أطارت ما علق به، وقد تستعمل الرياح هذه في ذرو الماء، الماء إذا أنتن وأجن من طول مكثه يعرض على هذه الرياح فيطيب طعمه، وتطيب رائحته، مثل ذرو العيش والحب يؤخذ منه بإناء ويرفع ويصب هذه الرياح تأتي إلى هذا الماء فتذهب بهذه الرائحة، فهذه الرياح من نعم الله -جل وعلا-، هذه الرياح من نعم الله -جل وعلا-، والرياح الممدوحة هي الرياح المجموعة، بخلاف الريح المفردة التي أرسلها الله -جل وعلا- عذاباً على بعض الأمم، وإذا هبت الرياح جاء الدعاء المأثور: ((اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً)) لأن الرياح المتعددة والأعاصير إذا كانت متعددة ومن جهات يخفف بعضها بعضاً، بينما إذا كانت من جهة واحدة وصارت ريح واحدة لا شك أنها تدمر ما تمر به، والإنسان ضعيف، ورأينا في هذه السنوات الأخيرة ما صنعته هذه الرياح وهذه الأعاصير بأقوى الدول وأعتى الدول من النواحي المادية، دمرت عليهم أشياء لا تقدر أقيامها، ومع ذلك هم يزعمون أنهم لا يحصل شيء في بلادهم إلا تمكنوا من السيطرة عليه، ومع ذلك أعلنوا فلسهم، وخسروا الخسائر العظيمة، ووضعوا ورصدوا ما يكتشف الرياح قبل وقوعها ولم يفلحوا، وهذا يدل على أن البشر خلق من ضعف، مهما بلغ من حيث معرفته لظاهر الحياة الدنيا، فإنه لن ولم يعرف حقائق هذه الأمور بحيث يستطيع مقاومتها قبل حصولها، إنما يعرف الظاهر ولا يعرف الباطن.

في قوله -جل وعلا-: {إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ} [(33) سورة الشورى] هذه ريح، والسياق يدل على أن سكون هذه الريح ليس بمحمود، وليس من مصلحة الناس، وقلنا: إن الرياح هي المحمودة، والريح مذمومة، وهذه أغلبية لا كلية، يعني الرياح في البحار مجموعة لا شك أنها تعرض السفن والبواخر للهلاك، ومن فيها، إذا تقاذفتها الأمواج من كل وجه لا شك أنها تتعرض للهلاك، بينما إذا كانت ريح واحدة من جهة واحدة تدفعها إلى المقصود، هذه هي المحمودة بالإفراد، بينما لو كانت متعددة من جوانب متعددة صارت ضارة، {إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} [(33) سورة الشورى] ومعروف أهمية الريح بالنسبة للسفن سلباً وإيجاباً، ابن جبير في رحلته لما قفل من الحج بعد سنتين من ذهابه على البحر لما قفل من الحج وركب من سواحل الشام إلى الأندلس مكث ستة أشهر، لماذا؟ لأن الرياح تتقاذف من كل جانب، ثم لما شارف الوصول إلى الأندلس جاءت ريح معاكسة فردته إلى سواحل الشام في زمن يسير، يعني ستة أشهر ذاهب إلى الأندلس ذهبت هباءً، وهذا يبين لنا القدرة الإلهية، وأن الإنسان لا بد أن يكون تعلقه بالله -جل وعلا- لا بآلته، الآلة ما تنفع بمفردها، لا بد أن يكون التعلق بالله -جل وعلا-، يعني هناك بواخر كبيرة الآن موجودة تحمل الملايين من الأوزان حسبما يقدرون، وأحياناً تحمل عشرة آلاف سيارة، ويكمل حملها بما أدري كم ألف طن من كذا، شيء ما يخطر على البال، ومع ذلك الضعف فيها ظاهر، وضعف من خلقها أو من صنعها أظهر لأدنى سبب يحصل فيها ما يحصل، ثم بعد ذلك تكون الكوارث، فليكن تعلق الإنسان بربه -جل وعلا-، نعم؟

طالب:.......

بعد ذلك يقول الله -جل وعلا-: {فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا} [(2) سورة الذاريات] قال المفسر: "الحاملات السحب تحمل الماء، وقراً: ثقلاً، مفعول الحاملات" الحاملات: السحب تحمل الماء الذي هو المطر، وتنتقل به من مكان إلى مكان، والوقر: هو المحمول، هو المحمول والمراد به الثقل، ولا شك أن ما تحمله..، ما يحمله السحاب فيه ثقل، والوقر والحمل والثقل معروف، حتى أنه مستعمل الآن، الوِقر مستعمل، بخلاف الوَقر، الوَقر ما هو؟ يكون في الآذان، يكون في الآذان وهو الصمم وعدم السمع، وهنا الوقر هو الثقل الذي تحمله هذه السحاب، هذه السحب، وقراً: مفعول الحاملات، الحاملات وقراً، الحاملات جمع حاملة أو حامل، وهو اسم فاعل، واسم الفاعل يعمل عمل فعله، يعمل عمل فعله، فوقراً مفعول للحاملات جاء تفسير هذه الألفاظ: الذاريات بالرياح، والحاملات بالسحب، والجاريات بالسفن، والمقسمات بالملائكة جاء عن السلف، فكان هذا من الأسئلة التي سئلها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ففسرها بهذا، وجاء تفسيرها أيضاً عن ابن عباس، وجاء أيضاً عن -وإن كان فيه كلام- عن عمر -رضي الله عنه- في أسئلة صبيغ بن عسل فسرها عمر -رضي الله عنه- بهذا وفهم من السائل عن تفسيرها أنه متعنت، فأدبه وعزره.

يقول: "فالحاملات" اللفظ أعم من أن تكون السحب، فكل حاملة يقال: فالحاملات، حتى من النساء تحمل ثقل، تحمل وقر، وهو ما في بطنها من جنين، والحمل أعم من أن يكون على الظهر أو في البطن أو بين اليدين، فكل ما اتصف بهذا الصفة يدخل في هذا، لكن ما جاء عن سلف هذه الأمة أولى ما يتمسك به، وإن كان بعضهم يجعل اللفظ عام، مثل الذاريات.

"فالجاريات: السفن تجري على وجه الماء" السفن: الفلك تجري على وجه الماء، يجريها الله -جل وعلا- بهذه الرياح، وبالأسباب التي وضعها من صنع هذه السفن، فهي من صنع البشر، وهي وصانعها من خلق الله -جل وعلا-، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [(96) سورة الصافات] فهي مصنوعة للبشر باعتبار المباشرة، وهو بالنسبة لهذا الصنع كالآلة، والخالق الأول هو الله -جل وعلا-، فهو خالقها وخالق من صنعها، فهي تجري على وجه الماء، وتوصل الأحمال من بني آدم وأمتعتهم من مكان إلى آخر، وتقطع بهم المسافات البعيدة، هذه السفن لا شك أن فيها خطر، ولذا جاء في بعض الآثار النهي عن ركوب البحر، أما النهي عن ركوبه عند هيجانه هذا أمر معروف، أما النهي عن ركوبه مطلقاً ففيه ما فيه، ولذا لم يجيء ذكر البحر في وسائل تأدية الفرض الركن الخامس {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [(27) سورة الحـج] ها؟  {يَأْتُوكَ رِجَالًا} أو إيش؟ نعم؟

طالب:......

نعم، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} {رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [(27) سورة الحـج] فركوب الوسائل أو بدون وسيلة، وليس في ذلك ركوب البحر، {رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [(27) سورة الحـج] إما بواسطة الوسائل البرية أو رجلاً بدون وسيلة، قد يقول قائل: ما ذكر الجو أيضاً؟ فعدم الذكر لا يعني عدم الوجود، نقول: البحر موجود وقت التنزيل والسفن موجودة وقت التنزيل، لكن المراكب الفضائية من الطائرات وغيرها ليست موجودة، وإن كانت داخلة في: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [(8) سورة النحل] لكن التنصيص عليها وهي غير موجودة لا شك أنه يوجد فتنة وشك وريب من السامع، فالمراكب البحرية موجودة، ولذا قال بعض أهل العلم: إن من حال دونه ودون مكة البحر لا يجب عليه الحج؛ لأن هذه الوسيلة ما ذكرت في الآية، استجابةً للنداء ما ذكر البحر، يعني الذي جرنا إلى هذا الكلام في قوله: "السفن تجري على وجه الماء" فإذا لم يوجد إلا هذه السفن والإنسان في بلد في جزيرة من الجزر فلا يستطيع الوصول إلى مكة إلا من طريق البحر قال بعضهم: لا يلزمه الحج، هو غير مستطيع لماذا؟ لأن هذه الوسيلة لم تذكر في التقسيم لوسائل الوصول إلى مكة، وقضاء هذا الركن، يعني في الآية يأتوا إلى أين؟ إلى مكة، ومكة ليست على بحر، ليست على بحر لينص على البحر، يعني كونهم يأتون إلى جدة مثلاً، لا يعني أنهم يأتون إلى مكة، لكن الوصول إلى مكة إما أن يكون على كل ضامر أو..، إما مشاة وإلا ركبان، وليست هناك آلة ثالثة، ولو كانت مكة على البحر لنص على البحر، لذا القول بأن من حال دونه ودون مكة البحر أنه لا يلزمه الحج قول ضعيف، فإذا غلب على الظن السلامة لزمه الحج، ولو حال البحر دونه ودون مكة.

فالجاريات: جمع جارية، السفن الجارية لفظ مشترك بين السفن كما هنا وبين البنت التي لم تبلغ سن التكليف من الحرائر أو الأمة، وأيضاً الجارية تطلق على العين، العين، وعلى الصدقة الجارية، فهو لفظ مشترك، لكن المراد به هنا السفن اتباعاً لتفسير السلف، وإلا فاللفظ أعم من السفن، "تجري على وجه الماء".

{يُسْرًا} [(3) سورة الذاريات] يعني بسهولة، وهو راكب على هذه السفن وهذه البواخر كأنه في فراشه، إذا كانت الظروف عادية ما فيها رياح ولا ماء يكدر سير هذه السفن "يسراً: مصدر في موضع الحال" يسر الأمر يعني سهل الأمر "يسراً مصدر في موضع الحال" في موضع الحال، كأنها ميسرة، يعني يسرها الله -جل وعلا-، ولذا قال: "أي ميسرة" يسراً: يعني "بسهولة مصدر في موضع الحال أي ميسرة" لماذا لم يقل: حال؟ يسراً حال؟ يسراً حال لماذا؟ يقول: في موضع الحال، وأول اليسر بميسرة، اسم مفعول لماذا؟ نعم الأصل في الحال أن يكون مشتقاً، أن يكون مشتقاً، والمصدر لأن هذه مصدر يسراً مصدر، المصدر أصل المشتقات فليس بمشتق على رأي البصريين، وإن كان على رأي الكوفيين مشتق، لكن هو أصل المشتقات، والأصل في الحال أنه مشتق، وقد جاء في بعض الأمثلة كون المصدر غير مشتق جامد، ولذا قال ابن مالك:

وكونه منتقلاً مشتقاً

 

يغلب لكن ليس مستحقا

هذا الغالب، هذا الغالب، ولذا قال: "مصدر في موضع الحال" هو مصدر بالفعل لكن هل هو حال أو ليس بحال؟ وعلى قول البصريين لا يكون حال؛ لأن المصدر أصل المشتقات، والأصل في الحال أن يكون مشتقاً إذن ليس بحال، قالوا: في موضع الحال أي ميسرة، وكذلك الحال لا يأتي معرفاً، فإن عرف أول بنكرة.

والحال إن عرف لفظاً فاعتقد

 

تنكيره معنىً كوحدك اجتهد

يعني منفرداً، لا بد من التأويل إذا لم يأتِ على ضوء القواعد المعروفة، وهنا أول بميسرة.

{فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} [(4) سورة الذاريات] المقسمات: قال المفسر -رحمه الله-: "الملائكة تقسم الأرزاق، والأمطار وغيرها بين العباد والبلاد" المعطي لهذه الأرزاق والرازق للخلق هو الله -جل وعلا-، لا رازق غيره، والله المعطي –كما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام--: ((إنما أنا قاسم والله المعطي)) المعطي في الحقيقة هو الله

-جل وعلا-، وإن كان بعض الناس جعلهم الله أسباب لهذا العطاء، فحينما يقال: أعطى فلان الفقير؛ لأنه باشر الإعطاء وصار سبباً فيه، وإلا فالأصل أن المال مال الله، وآتوهم من مال الله الذي آتاكم، والمعطي هو الله -جل وعلا-.

قال: "فالمقسمات: الملائكة تقسم الأرزاق" تقسم الأرزاق، والمعطي هو الله -جل وعلا-، "تقسم الأرزاق والأمطار وغيرها بين العباد والبلاد" بين العباد والبلاد، تقسمها على ضوء الحكمة الإلهية في الإعطاء والمنع، في الإعطاء والمنع، والإعطاء كما يكون رحمة للمعطى يكون أيضاً ابتلاء واختبار، قد تكون نتيجته سيئة، مع عدم الشكر كما أن المنع إنما هو للابتلاء أيضاً ولتكفير الذنوب، ومعلوم أن الله -جل علا- لا يمنع القطر إلا بسبب الذنوب والمعاصي "يبن العباد والبلاد".

{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} [(5) سورة الذاريات] جواب القسم والذاريات، {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} [(5) سورة الذاريات] (ما) مصدرية، يقول: "(ما) مصدرية أي –أن- وعدهم بالبعث وغيره لصادق لوعدٌ صادق" لوعدٌ صادق، يقول: "(ما) مصدرية" حينئذٍ تؤول مع ما بعدها بمصدر فقال: "إن وعده" ولا مانع من أن تكون موصولة، إن الذي توعدونه لصادق، من البعث وما يتلوه مما يكذب به المشركون، لصادق: يعني إنه لوعد صادق، وهذا الوعد الذي ذكره الله -جل وعلا- هو صادق، ويصح أن يقال: صِدق، وعد صدق لا إخلاف فيه، لا يخلف، وفاعل تطلق على المصدر والعكس، المصدر يطلق ويراد به اسم الفاعل، كما يقال: فلان عدل يعني عادل، فلان عدل يعني عادل، وصادق بمعنى صدق.

{وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} [(6) سورة الذاريات] وإن الدين "الجزاء بعد الحساب" أو هو الحساب نفسه، إما أن يقال: إن الدين محاسبة المكلفين "لواقع لا محالة" لا بد من الحساب، لا بد من نصب الموازين، لا بد من القصاص، لا بد من المحاسبة، لكن كما جاء في الحديث الصحيح ((من نوقش الحساب عذب)) والحساب لا بد منه، وإن الدين الجزاء والحساب لا بد منه، لواقع يعني لا محالة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من نوقش الحساب عذب)) كيف يكون الحساب واقع لا محالة والرسول يقول: ((من نوقش الحساب عذب))؟ كيف؟ أولاً: استشكلت عائشة -رضي الله عنها- الحديث، وقالت للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "ماذا عن قول الله -جل وعلا-: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [(8) سورة الإنشقاق] وأنت تقول: ((من نوقش الحساب عذب))؟ فبين النبي -عليه الصلاة والسلام- أن الآية..، الحساب في الآية معناه العرض، قال: ((ذلك العرض)) وليست المناقشة الدقيقة، والمحاسبة بالجرائم بدقة، وقد يقرر الإنسان، ويناقش مناقشة من أجل إظهار فضل الله عليه، ألم تفعل يوم كذا كذا؟ ألم تفعل كذا؟ ثم بعد ذلك يخاف خوفاً شديداً أن تحيط به هذه الأعمال، فيقول الله -جل وعلا-: ((أنا سترتها عليك في الدنيا، وأغفرها لك الآن)) فالحساب لا شك أنه لا بد من وقعه، يعني جنس الحساب واقع، والموازين والمقاصة لا بد منها، ونتيجة الحساب إما رجحان الحسنات فالمآل إلى الجنة أو رجحان السيئات فإلى الأخرى، أو التكافؤ، وبعض الناس يحاسب ويدقق عليه الحساب ويناقش، وحينئذٍ يهلك يعذب؛ لأن أعماله مهما بلغت فإنها لن تفي بنعمة واحدة من نعم الله -جل وعلا-، ومن الناس من يخفف عليه الحساب، وهؤلاء في الغالب هم الذين يحاسبون أنفسهم في الدنيا ((حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا)) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [(18) سورة الحشر] فعلى الإنسان أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب، وإذا حاسب نفسه لا شك أنه ينتفع فائدة عظيمة من هذا الحساب؛ لأنه لن تخرج نتيجته في الحساب سيئة أو رديئة ثم يعود إلى ما فعل بالأمس، يعني إذا أوى إلى فراشه وبدأ بالحساب منذ استيقاظه إلى أن أوى إلى فراشه حاسب نفسه بالنسبة للصلاة ماذا فعلت؟ كم فاتك من ركعة؟ وكم أدركت؟ هل فاتتك الجماعة أو أدركت الجماعة؟ هل صليت الرواتب أو ما صليت؟ هل أدركت الرواتب القبلية أو ما أدركت؟ هل قضيتها بعد الصلاة؟ هل زدت من النوافل أو ما زدت؟ ثم يأتي إلى سائر الأعمال الصالحة الذكر ماذا صنعت بالذكر؟ هل أكثرت من الأذكار؟ هل لهجت بذكر الله؟ الأذكار الواردة في الصباح والمساء، المحددة بأعداد، هل فعلت أم لا؟ لا بد أن تكون النتيجة طيبة؛ لأنك إذا ظهرت نتيجتك، والله اليوم سبعة عشر ركعة من الفرائض ما أدركت إلا عشر وفاتك سبع أو العكس، تسعى من الغد أنك تحسن وضعك؛ لأنه إذا فاتك سبع يعني ما يفوتك شيء من الغد؛ لأنك حاسبت وانتبهت لهذا الأمر واهتممت به، والله من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، يعني قلتها وإلا ما قلتها؟ ما قلتها قلها الآن يا أخي، لا إله إلا الله في الصباح مائة مرة، أنت قلتها صباح اليوم اللي فات وإلا ما قلتها؟ تحرص أن تقولها في اليوم الثاني؛ لأن المحاسبة والمراقبة من أعظم ما يعين الإنسان على الطاعة؛ لأنه لن يحاسب نفسه ثم تطلع النتيجة رديئة ويستمر، اليوم –والله- فاتنا عشر ركعات غداً يفوته اثنا عشر ركعة ما هو بصحيح وإلا ويش فائدة الحساب؟ فإذا حاسب نفسه طيب اليوم ركعت نوافل عشر ركعات، وفي المقابل اغتبت لك اثنين أو ثلاثة، توازن بين هذه الركعات وبين هذه الغيبة التي ضررها متعدٍ، وحقوق الخلق مبنية على المشاحة، إذن كيف تصلي ركعات زائد تكسب حسنات ثم تهدمها بهذه الغيبة ونحوها، المحاسبة من أعظم ما يفيد الإنسان في تكثير الطاعات وتقليل السيئات، وعند ذلك إذا وصل إلى المورد يجد الحساب اليسير، وأنه مجرد عرض، لماذا؟ لأنه حاسب نفسه، وقلل بقدر الإمكان من المخالفات، واستزاد بقدر إمكانه من الطاعات.

{وَإِنَّ الدِّينَ} [(6) سورة الذاريات] يعني "الجزاء بعد الحساب" أو الحساب نفسه كما يقولون "لواقع لا محالة" لا يخلف، إيش معنى وضع موازين؟ نصب الموازين لأي شيء؟ لا بد من الحساب، لكن المطلوب جنس الحساب؛ لأن هناك من لا يحاسب إنما يعرض عرض، وهناك في الحساب ما يعرف بالمقاصة، ما يعرف بالمقاصة في حديث المفلس، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أتدرون من المفلس؟)) قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، المحاسبة على حقوق الله -جل وعلا-، وأيضاً المقاصة في حقوق العباد ((أتدرون من المفلس؟)) قالوا: من لا درهم له ولا متاع، هذا اللي هم يعرفون، وكلام صحيح، كلام صحيح أن من وجد ماله عند رجل قد أفلس فهو أحق به، هذا المفلس ما له درهم ولا متاع، أو تكون الموجودات عنده أقل من ديونه، هذا أيضاً مفلس يحتاج إلى من يحجر عليه، والحجر والتفليس معروف عند أهل العلم، لكن المفلس الحقيقي والخاسر الحقيقي التي تكون خسارته في الآخرة، أما من خسر في الدنيا يخسر اليوم ويربح غداً أو لا يربح أبداً، المدة كلها يسيرة جداً، وكرب الدنيا لا شيء بالنسبة لكرب الآخرة ((المفلس الذي يأتي بأعمال)) وفي بعض الروايات: ((أمثال الجبال)) تجد عنده صيام، تجد عنده صلاة كثيرة، وصيام وزكاة وحج وعنده أعمال كثيرة جداً، ثم بعد ذلك يأتي وقد وزع هذه الأعمال لفلان كذا، ولفلان كذا، ولفلان كذا، وفلان كذا، يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، ووقع في عرض هذا، يأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، كلهم لا بد أن يقتصوا منه، وإذا كانت الوالدة لا تتبرع بحسنة لفلذة كبدها فكيف يتبرع شخص أنت أسأت إليه في الأصل؟ فالإنسان يهتم بهذا الأمر، لا يكون ممن كالتي نقضت غزلها، كالتي نقضت غزلها، يعني يجمع ثم بعد ذلك يفرق، يعني لو أن إنساناً يكدح في تجارته من طلوع الشمس إلى غروبها، فإذا صلى المغرب وزع الأموال هذه لا يقصد بذلك وجه الله ولا التقرب إلى الله -جل وعلا- قيل: هذا مجنون، فكيف بالحسنات التي تؤهله لدخول الجنة، وتبلغه المنازل في الجنة، وإن كان أصل الدخول لا يملك بمثل هذا، وإنما يملك ويحصل برحمة أرحم الراحمين.

{وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ * وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ} [(6 -7) سورة الذاريات] وصلت الإقامة؟

طالب:.......

نكمل بعد الصلاة...