التعليق على تفسير القرطبي - سورة الملك (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

”سورة الملك مكية في قول الجميع، وتُسمى الواقية والمنجية، وهي ثلاثون آية، روى الترمذي عن ابن عباس قال: ضرب رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خباءه على قبر وهو لا يحسِب أنه قبر، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، ضربت خبائي على قبر، وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا هو قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هي المانعة، هي المنجية تنجيه من عذاب القبر» قال: حديث حسن غريب، وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وددت أن {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}[الملك:1] في قلب كل مؤمن» ذكره الثعلبي، وعن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل حتى أخرجته من النار يوم القيامة، وأدخلته الجنة، وهي سورة تبارك» خرّجه الترمذي بمعناه وقال فيه: حديث حسن، وقال ابن مسعود."

الحديث بالتعيين بتعيين سورة الملك هذا عند الترمذي، وهو قابل للتحسين كما ذكر المؤلف، وأما بالإبهام من غير تعيين سورة هي ثلاثون آية هذا في الصحيح، لكن هل تنزّل على الملك؟ أو تنزل على سورة أخرى آياتها ثلاثون؟ السجدة كم آياتها؟

طالب: .................

نعم، وغيرها.

طالب: .................

الفجر ثلاثون؟ وغيرها.

طالب: .................

الترجيح بين المحتملات يجوز عند أهل العلم بالضعيف، ونص على ذلك ابن القيم وغيره، فالحديث الذي خرجه الترمذي قابل للتحسين، فهو صالح للترجيح بين هذه السور التي كل منها يحتمل أن تكون هي المرادة؛ لأنها ثلاثون آية، فالترجيح لسورة الملك حاصل برواية الترمذي، فيحرص كل مسلم على قراءتها في كل ليلة.

طالب: .................

كيف؟

طالب: .................

لا، في القبر، وليس هذا من باب التكليف، التكليف انقطع، الرسول -عليه الصلاة والسلام- رأى الأنبياء يطوفون بعد أن ماتوا يطوفون بالبيت.

تخريج الأحاديث.

طالب: .................

وددت؟

طالب: .................

الذي يقول ذكره الثعلبي.

طالب: .................

حديث أبي هريرة.

طالب: .................

وفيه تعيين السورة، ما أشار لرواية الصحيح المبهمة؟ في البخاري سورة هي ثلاثون آية، لكنها مبهمة يتم تعيينها بما ورد من الرواية المذكورة، وهي صالحة للتعيين.

طالب: .................

القلب حفظ يعني إذا قيل عن ظهر قلب معناه حفظ.

طالب: .................

نظر.

طالب: .................

ماذا؟

طالب: .................

الأذكار التي رتّبت عليها الأجور من آيات وأحاديث التي رتّب على لفظها من قال كذا، فمعرفة المعنى قدر زائد على مجرد القول أجره قدر زائد، والتي رتب على فهمها والعمل بمقتضاها كما في الأسماء الحسنى من أحصاها لا يكفي مجرد تكرار لفظها فقط، فلا بد من معرفة معناها والعمل بمقتضاها؛ لأن هذا معنى الإحصاء على كل حال مثل يكفي أن يقرأها في كل ليلة، وإذا تدبرها كغيرها من القرآن، وإذا تدبرها مثل آية الكرسي، ومثل الآيتين من آخر البقرة، وقل هو الله أحد والمعوذتين، جاء الحث عليها مجرد قولها يرتب عليه القول الثواب المذكور، وتأملها وترتيلها وتدبرها هذا أجره قدر زائد على ذلك.

طالب: .................

بالليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.

طالب: .................

كل يوم نعم، كل يوم، وهل تكفي قراءتها في الصلاة أو لا تكفي؟ مثل الكهف لو تقدم الإنسان إلى صلاة الجمعة وصلى تسليمتين ثلاثًا أو أربعًا بسورة الكهف، هل نقول قرأ سورة الكهف؟ نعم قرأ سورة الكهف، قرأ الملك في راتبة العشاء مثلاً أو في قيام الليل صح أنه قرأ سورة الملك، ويأتي ما يشهد له من كلام ابن مسعود.

طالب: .................

قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، جاءه الحث ممن لا ينطق عن الهوى فامتثل.. يقرأ ويكثر من القرآن.

"وقال ابن مسعود: إذا وضع الميت في قبره فيؤتى من قبل رجليه فيقال: ليس لكم عليه سبيل، فإنه كان يقوم يقوم بسورة الملك على قدميه، ثم يؤتى من قِبل رأسه فيقول لسانه."

يقوم بسورة الملك على قدميه يعني يصلي بها. وإذا جاء الحث على القراءة خارج الصلاة من قرأ كذا، فمن قرأها في الصلاة صح أن أنه قرأ السورة، لكن من صلى بكذا لا يصح أنه صلى بها إذا قرأها خارج الصلاة.

"فيقول لسانه: ليس لكم عليه سبيل، إنه كان يقرأ به سورة الملك ثم قال: هي المانعة من عذاب الله، وهي في التوراة سورة الملك من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب، وروي أن من قرأها كل ليلة.."

مخرَّج؟

طالب: .................

ماذا يقول؟

طالب: .................

نعم.

"وروي أن من قرأها كل ليلة لم يضره الفتّان. قوله تعالى.."

مخرَّج الأخير؟

طالب: .................

لكن، إن صح فله حكم الرفع.

طالب: .................

لا، جاء ما يدل في بعض الطرق على ذلك، الوقت معنا؟ وإلا كنا نراجع في الصحيح؛ لأن كلام ابن حجر طويل على هذه السورة.

طالب: .................

نعم كل ليلة.

"قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[الملك:1] تبارك تفاعل من البركة، وقد تقدم، وقال الحسن: تقدس، وقيل: دام فهو الدائم الذي لا أول لوجوده ولا آخر لدوامه. {الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}[الملك:1] أي ملك السموات والأرض في الدنيا والآخرة، وقال ابن عباس: بيده الملك يعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويحيي ويميت، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع، وقال محمد بن إسحاق: له ملك النبوة التي أعز بها من اتبعه، وذل بها من خالفه، وهو على كل شيء قدير من إنعام وانتقام."

أعم من الإنعام والانتقام على كل شيء قدير، وهذا العموم محفوظ، فلا يخرج عن القدرة الإلهية شيء، وأما تخصيصه بالإنعام والانتقام فلا وجه له.

طالب: أحسن الله إليك، إطلاق لفظة تبارك على غير الله؟

على غير الله، هذا من خصائص الله تبارك، هذا خاص بالله -جل وعلا-، وأما بالنسبة للبركة فيوجد من وضع الله فيه البركة ومنصوص عليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- ومن ذكر معه من الأنبياء، وقد يكون لعمل الإنسان بركة وتظهر هذه البركة إذا كثر من ينتفع بهذا العمل أو بهذا القول يقتدي به أو ينتفع به ممن يسمعه، لكن المنصوص عليه ممن جعل الله فيه البركة هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: لكن هل ينكر على من قال تباركت...؟

نعم من قال: تباركت علينا يا فلان ينكر عليه، هذا خاص بالله -جل وعلا- هذه الصيغة.

"قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور}[الملك:2] فيه مسألتان؛ الأولى: قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ}[الملك:2] قيل: المعنى خلقكم للموت والحياة يعني للموت في الدنيا والحياة في الآخرة، وقدم الموت على الحياة؛ لأن الموت إلى القهر أقرب، كما قدم البنات على البنين فقال: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا}[الشورى:49] وقيل: قدمه؛ لأنه أقدم؛ لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوه، وقال قتادة: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن الله تعالى أذل بني آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء»."

{أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ}[غافر:11] هذا هو الأصل والواقع هل يشهد بأن الحياة أكثر أو أقل أو مساوية؟

طالب: ...............

ليس المدة، أنا لا أقصد المدة {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ}[غافر:11] هل كل مخلوق يموت مرتين ويحيا مرتين؟ أو هناك من يستمر معه الموت؟ بمعنى أنه يموت في بطن أمه ولا يخرج إلى هذه الحياة ويستمر، وفي البرزخ ميّت، ثم يوم القيامة يبعث ،أو إذا أنه لم يحيَ يعني بمعنى أن الحياة إذا نُفخت فيه الروح قال: حيي في بطن أمه، فهل يتصور أنه إنسان ما حيي في بطن أمه، ولا صدق عنه أنه حيى مرتين، بل يكون مات كم على هذا؟ ثلاث الموتة الأولى لما كان في صلب أبيه إلى أن تنفخ فيه الروح ثم إذا نفخت فيه الروح حيي، ثم بعد ذلك يستمر إلى أن يموت الموتة الثانية ثم يستمر إلى أن يُبعث فيحيى الحياة الثانية هل نقول إن هذا ينخرم فيمن لم يحي في بطن أمه واستمر ميِّتًا إلى البعث أو مثل هذا لا يُحكم له بهذا الحكم؛ لأنه إن مات قبل نفخ الروح فيه فله حكم الإنسان أم ما له حكم الإنسان؟ ما له حكم الإنسان، فقوله -جل وعلا-: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ}[غافر:11] يدل على أن كل من يسمى إنسانًا لا بد أن تمر عليه هذه المراحل.

طالب: ...............

أين؟

طالب: ...............

{يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُور}[الشورى:49] لماذا قدم البنات على البنين؟ لأن الموت إلى القهر أقرب، كما قدم البنات على البنين في قوله: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُور}[الشورى:49]؛ لأن من وُهب الإناث قبل البنين يرى أنه انكسر أكثر ممن وُهب البنين قبل البنات، ويكون في هذا أن بعض الناس يتطلع إلى أن يكون أولاده ذكورًا، ثم في الخاتمة يكون كلهم إناثًا أو أكثرهم إناثًا أو أولهم إناثًا، لا شك أن تطلعه وعلياءه بسبب تعززه بالذكور قلّت واضح أم ..؟

"وعن أبي الدرداء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه الفقر والمرض...»."

الآن {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُور}[الشورى:49] لو أن هؤلاء الذين في وسائل الإعلام ويقدمون النساء على الرجال يقولون هذه حجتنا ما يقولون سيداتي سادتي، هل هم يحتجون بهذا أو لهم من وراء ذلك ما لهم أو عندهم من وراء هذه التصرفات ما عندهم، لا شك أن جنس الذكور أشرف من جنس الإناث، هذا مفروغ منه شرعًا، لكن حينما قدموا لا شك أنهم تأثروا بالقرآن أو تأثروا بالأعداء؟ بالأعداء، لكن لو قال قائلهم الله -جلّ وعلا- يقول: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُور}[الشورى:49] قدّم الإناث على الذكور، فلما أنتم تشددون علينا وتلزموننا بتقديم الذكور..؟! يُقبل أم ما يقبل؟

طالب: ...............

هو من باب تكريم المرأة، لكن يبقى أن من يقدمهم من هؤلاء الذين ما لهم علاقة بشرع ولا.. يعني ما يتدينون بتفضيل الرجل على المرأة، هل نقول إنهم نظروا إلى الشرع أو نظروا إلى من فُتنوا بهم؟

طالب: ...............

نعم، يعني يأتيك شخص حالق اللحية ومسرح الشعر إلى الكتوف ويقول: أنا أقتدي بالرسول- عليه الصلاة والسلام- مثله أم ما هو مثله؟ مثله نفس الشيء.

"وعن أبي الدرداء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه: الفقر والمرض والموت، وإنه مع ذلك لوثّاب» المسألة الثانية."

تخريج الحديث الأول.

طالب: ...............

كلها ضعيفة.

"المسألة الثانية: الموت والحياة، قدم الموت على الحياة؛ لأن أقوى الناس داعيًا إلى العمل من نصب موته بين عينيه فقدم أو فقُدِّم؛ لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أعم."

أهم.

أهم.

لأنه يحقق الغرض الذي سيقت من أجله الآية.

"قال العلماء الموت.."

وهو الحث على العمل بتحقيق الهدف الذي من أجله خلق تجعل الموت نصب عينيك، فهو قُدم على الحياة.

"قال العلماء: الموت ليس بعدم محض ولا فناء صِرف، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته وحيلولة بينهما وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار والحياة عكس ذلك، وحكي عن ابن عباس والكلبي ومقاتل أن الموت والحياة جسمان، فجُعل الموت في هيئة كبش لا يمر بشيء، ولا يجد ريحه إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء، وهي التي كان جبريل والأنبياء -عليهم السلام- يركبونها خطوتها مد البصر فوق الحمار ودون البغل."

التي تُسمى البراق، لكن هذا ليس عليه أثارة من علم.

"لا تمر بشيء يجد ريحها إلا حيي، ولا تطأ على شيء إلا حيي، وهي التي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل فحيي، حكاه الثعلبي والقشيري عن ابن عباس، والماوردي معناه عن مقاتل والكلبي، قلت: وفي التنزيل {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}[السجدة:11]  {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ}[الأنفال:50] ، {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُون}[الأنعام:61]."

يعني المباشر للوفاة هو ملك الموت، وجاء في تسميته أنه عزرائيل، وينازع كثير من أهل العلم في ثبوت هذه التسمية، وإذا جُمع توفته رسلنا، ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة فالمراد هو وأعوانه من الملائكة، والمتوفِّي حقيقة هو الله -جل وعلا-، إنما المباشر يُنسب له الفعل ولو لم يكن هو الفاعل الحقيقي، والفاعل الحقيقي فاعل الموت هو الله -جلّ وعلا- {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}[الزمر:42].

"ثم قال: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}[الزمر:42] فالوسائط ملائكة مكرمون- صلوات الله عليهم- وهو سبحانه المميت على الحقيقة، وإنما يُمثل الموت بالكبش في الآخرة، ويُذبح على الصراط حسبما ورد به الخبر الصحيح."

وحينئذٍ يقال لأهل الجنة: خلود بلا موت، ويقال لأهل النار: خلود بلا موت، يعني الموت ذُبح وانتهى، ما فيه موت.

"وما ذكر عن ابن عباس يحتاج إلى خبر صحيح يقطع العذر، والله أعلم."

والذي يغلب على الظن عدم صحته.

"وعن مقاتل أيضًا خلق الموت يعني النطفة والعلقة والمضغة، وخلق الحياة يعني خلق إنسانًا ونفخ فيه الروح، فصار إنسانًا. قلت: وهذا قول حسن يدل عليه قوله تعالى: { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الملك:2] ، وتقدم الكلام فيه في سورة الكهف. وقال السدي في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الملك:2] أي أكثركم للموت ذكرًا وأحسن استعدادًا، ومنه أشد خوفًا وحذرًا. وقال ابن عمر: تلا النبي -صلى الله عليه وسلم-:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}[الملك:1] حتى بلغ {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الملك:2] فقال: «أورع عن محارم الله، وأسرع في طاعة الله»."

خرّجه؟

طالب: ..............

المحبَّر.

طالب: ..............

{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الملك:2] العبرة بالإحسان بإحسان العمل وإتقانه بتوافر شروطه وأركانه، وليس العبرة بكثرة العمل دون إحسان وتجويد وإتقان، وإن جاء ما يدل عليه فإنه لا ينافي الإحسان، أعني على نفسك بكثرة السجود، وكثرة التلاوة مطلوبة، وكثرة التعبد أيضًا مطلوب، لكن مع مراعاة الإحسان، قال الفضيل بن عياض:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الملك:2] قال: أخلصه وأصوبه، فرُوجع قيل: يا أبا علي: ما أخلصه؟ وما أصوبه؟ قال: إن العمل إذا لم يكن خالصًا لله- جل وعلا- لم يقبل، وإذا لم يكن صوابًا على سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- لم يقبل، وهما شرطان لكل عبادة.

"وقيل: معنى ليبلوكم: ليعاملكم معاملة المختبِر، أي ليبلو العبد بموت من يعز عليه؛ ليبين صبره، وبالحياة؛ ليبين شكره، وقيل: خلق الله الموت للبعث والجزاء، وخلق الحياة للابتلاء، فاللام في ليبلوكم تتعلق بخلق الحياة لا بخلق الموت، ذكره الزجّاج، وقال الفراء والزجاج أيضًا: لم تقع البلوى على أي؛ لأن فيما بين البلوى و(أي) إضمار فعل."

ولا شك أن الحياة فيها ابتلاء، كما أن الموت فيه بلوى مثل الخير والشر{وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}[الأنبياء:35] فكما يبتلي الله -جلّ وعلا- بالموت يبتلي أيضًا بالحياة، الموت انقطاع الحياة وانقطاع للعمل، والحياة أيضًا محل ومقر للنكد والكَبَد والمصائب والمشاكل، كلاهما فتنة.

"كما تقول: بلوتكم لأنظر أيكم أطوع، ومثله قوله تعالى: {سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيم}[القلم:40] أي سلهم ثم انظر أيهم فأيَّكم."

فأيُّكم.

"فأيُّكم رُفع بالابتداء، وأحسن خبره، والمعنى: ليبلوكم فيعلم أو فينظر أيُّكم أحسن عملاً، وهو العزيز بانتقامه ممن عصاه، الغفور لمن تاب."

 وفيه إثبات هذه الأسماء العزيز والغفور وما تضمنه من الصفات من العزة والمغفرة وما أشبهها.

"قوله تعالى:{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا}[الملك:3] أي بعضها فوق بعض، والملتزق منها أطرافها كما رُوي عن ابن عباس."

كذا روي..

"والملتزق منها أطرافها كذا رُوي عن ابن عباس. وطباقا نعت لسبع، فهو وصف بالمصدر وقيل: مصدر بمعنى المطابقة أي خلق سبع سموات وطبّقها تطبيقًا أو مطابقة أو على طوبقت طباقًا، وقال سيبويه: نُصب طباقًا؛ لأنه مفعول ثانٍ."

على كل حال النعت بالمصدر سائغ ومستعمل، وحينئذٍ يلزم حالة واحدة؛ لأنه يصدق على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث كما تقول: رجل عدل، وامرأة عدل، ورجلان عدل، فالوصف بالمصدر سائغ.

"قلت: فيكون خلق بمعنى جعل وصيّر، وطباق جمع طبق مثل جمل وجمال، وقيل: جمع طبقة، وقال أبان بن تغلب: سمعت بعض الأعراب يذم رجلاً فقال: شره طباق، وخيره غير باقٍ. ويجوز في غير القرآن سبعَ سموات طباق."

سبعَ.

"سبعَ سموات طباقٍ بالخفض على النعت لسموات، ونظيره {وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ}[يوسف:43]."

وهذا في كل وصف أو تابعٍ يتعقب متضايفين إذا وجد مضاف ومضاف إليه ثم وُجد وصف لا يُدرى هل يلحق بالمضاف يكون تابعًا له أو ملحق بالمضاف إليه؟ والمعنى يحدد المطلوب، وهذا إذا كانت في الإعراب بالحركات، أما إذا كان الإعراب بالحروف فيتميز المضاف من المضاف إليه إلا إذا كان المضاف موقعه الجر كالمضاف إليه هنا سبعِ سنبلات خضر، هل هذا وصف للمضاف أو المضاف إليه؟ ما يُدرى، ما يدرى! فإذا كان الإعراب بالحروف انتهى الإشكال ويبقى وجه ربِّك ذو الوصف قطعًا للمضاف تبارك اسم ربِّكَ ذي وصف قطعًا للمضاف إليه، لكن إذا قلت: مررت بغلام زيدٍ الفاضلِ هل هو وصف للمضاف أم المضاف إليه؟ ما يُدرى إلا من خلال قرائن تدل على ذلك.

"{مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ}[الملك:3] قراءة حمزة والكسائي: من تفوُّت بغير ألف مشددة، وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه، والباقون: من تفاوت بألف، وهما لغتان مثل التعاهد والتعهد والتحمل والتحامل والتظهّر والتظاهر وتصاغر وتصغّر وتضاعف وتضعَّف وتباعد وتبعَّد، كله بمعنى."

وأمثلته كثيرة.

"واختار أبو عبيد من تفوُّت، واحتج بحديث عبد الرحمن بن أبي بكر: أمثله يتفوَّت عليه في بناته."

يعني يُتصرَّف فيهن من غير علمي، وذلك أن عائشة أخته كادت أن تزوج إحدى بناته قال: ما يُتفوَّت على مثلي، والمراد بذلك المداولة والموافقة، ثم بعد ذلك هو يتولى العقد وإلا فالمرأة ما تتولى عقد النكاح.

"قال النحاس: وهذا أمر مردود على أبي عبيد؛ لأن يُتَفَوَّتُ يُفْتَاتُ: بِهِمْ وَتَفَاوُتٌ فِي الْآيَةِ أَشْبَهُ. كما يقال: تباين يقال تفاوت الأمر إذا تباين وتباعد أي فلت بعضها."

أي فات فات.

"أي فات بعضها بعضًا، ألا ترى أن قبله قوله تعالى:{مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ}[الملك:3] ، والمعنى: ما ترى في خلق الرحمن من اعوجاج ولا تناقض ولا تباين، بل هي مستقيمة مستوية دالة على خالقها وإن اختلفت صوره وصفاته، وقيل: المراد بذلك السموات خاصة، أي ما ترى في خلق السموات من عيب وأصله من الفوت، وهو أن يفوت شيءٌ شيئًا فيقع الخلل؛ لقلة استوائها، يدل عليه قول ابن عباس -رضي الله عنه-: من تفرُّق، وقال أبو عبيدة: يقال تفوَّت الشيء أي فلت."

أي فات.

"أي فات، ثم أمر بأن ينظروا في خلقه؛ ليعتبروا به فيتفكروا في قدرته فقال: { فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُور}[الملك:3] أي اردد طرفك إلى السماء، ويقال: قلب البصر في السماء، ويقال: اجهد بالنظر إلى السماء، والمعنى متقارب، وإنما قال: فارجع بالفاء، وليس قبله فعل مذكور؛ لأنه قال..."

من أجل أن يُعطف عليه، ليس قبله فعل مذكور من أجل أن يعطف.

"فارجع عليه بالفاء؛ لأنه قال: ما ترى، والمعنى انظر ثم ارجع البصر، هل ترى من فطور؟ قاله قتادة، والفطور الشقوق عن مجاهد والضحاك، وقال قتادة: من خلل، وقال السدي: من خروق، وقال ابن عباس: من وهن، وأصله من التفطر والانفطار وهو الانشقاق، قال الشاعر:

بنى لكم بلا عمد سماءً
 

 

وزينها فما فيها فطور
 

وقال آخر:

شققت القلب ثم ذررت فيه
 

 

هواك فليم فالتأم الفطور
 

تغلغل حيث لم يبلغ شراب
 

 

ولا سكر ولم يبلغ سرور"
 

يعني شبه حبه إياها أن وصل إلى حد الوشم شقت القلب فذرت الحب والتئم عليه القلب، فالوصول إليه وهو محوط بالبدن لا يمكن، فإذا كان الوشم يثبت في خارج البدن ويصعب اقتلاعه واجتثاثه، فماذا ما لو كان الوشم في القلب؟ هذه مبالغة.

"قوله تعالى:{ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ}[الملك:4] كرتين في موضع المصدر؛ لأن معناه رجعتين أي مرة بعد أخرى، وإنما أمر بالنظر مرتين؛ لأن الإنسان إذا نظر في الشيء مرة لا يرى عيبه ما لم ينظر إليه مرتين أخرى، فأخبر تعالى أنه وإن نظر في السماء مرتين لا يرى فيها عيبًا، بل يتحير بالنظر إليها، فذلك قوله تعالى: {يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً}[الملك:4] أي خاشعًا."

والعدد غير مراد، ولا مفهوم له أنه لو نظر ثلاث مرات أو كرات أو أربع أو خمس وجد شيئًا، العدد لا مفهوم له كما سيأتي.

"أي خاسئًا صاغرًا.."

خاشعًا خاشعًا.

"أي خاشعًا صاغرًا متباعدًا عن أن يرى شيئًا من ذلك، يقال: خسأت الكلب أي أبعدته وطردته، وخسأ الكلب بنفسه يتعدى ولا يتعدى."

يعني خسأ نفسه أو خسأ بنفسه، خسأ نفسه أو خسأ بنفسه لازم ومتعدي قد عفي للأمة ما حدّثت به أنفسَها أو حدثت به أنفسُها إما توكيد لفاعل حدثت فيكون الفعل لازمًا أو تنصب النفس على أنها هي المفعول وهي المحدثة فهي تصلح أن تكون محدِّثة فيكون الفعل لازم ويصلح أن تكون محدَّثة فيكون الفعل متعديًا.

"وَانْخَسَأَ الْكَلْبُ أَيْضًا. وَخَسَأَ بَصَرُهُ خَسْأً وَخُسُوءًا أَيْ سَدِرَ، ومنه قوله تعالى: {يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً }[الملك:4] وقال ابن عباس: الخاسئ الذي لم ير ما يهوى {وَهُوَ حَسِير}[الملك:4]  أي قد بلغ الغاية في الإعياء فهو بمعنى فاعل من الحسور الذي هو الإعياء، ويجوز أن يكون مفعولًا من حسرة."

من حَسَره.. أيش؟

"من حَسَره بعد الشيء، وهو معنى قول ابن عباس، ومنه قول الشاعر:

من مد طرفًا إلى ما فوق غايته
 

 

ارتد خسآن منه الطرف قد حسرا
 

يقال: قد حَسِر بصره يحْسِر حُسُورًا أي كلَّ وانقطع نظره من طول مدى وما أشبه ذلك فهو حسير ومحسور أيضًا، قال:

نظرت إليها بالمحصب من منى
 

 

فعاد إلي الطرف وهو حسير
 

وقال آخر يصف ناقة: فشطْرها فشطَّرها.

فشطْرها نظر العينين محسورُ.

..............................
 

 

فشطْرها نظر العينين محسورُ
 

نصب شطرها على الظرف أن نحوها.

يعني جهتها{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة:144] يعني جهته.

وقال آخر:

والخيل شعث ماتزال جيادها
 

 

حسرى تغادر بالطريق سخالها
 

وقيل: إنه النادم، ومنه قول الشاعر:

ما أنا اليوم على شيء خلا
 

 

يا ابنة القين تولى بحسِر
 

والمراد بكرتين هاهنا للتكثير، والدليل على ذلك {يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِير}[الملك:4] وذلك دليل على كثرة النظر."

يا إخوان، ما نحن بقادرين نكمل السورة، وهذا موقف طيب، وهو آخر الدروس.

طالب: ..............

لأن الآيات التي تلي هذه متعلقة بها، ما نحن بقادرين؛ لأنها طويلة.. نقف على هذا يا شيخ؟

طالب: سم.

نقف على هذا..؟

طالب: ..............

جزاك الله خيرًا.

طالب: ..............

ماذا يقول بعض الرقاة؟

طالب: ..............

أيهن؟

طالب: ..............

نعم يعني من أجل رقية ما يتعلق بالجن؟

طالب: العين.

العين نعم.. والله إذا كان ثابتًا بالتجربة فابن القيم يرى أن ما يثبت تجربة لا بأس من اعتماده والمداومة عليه، وإذا كان ما هو بثابت يحتاج إلى نص.

طالب: ..............

الجمعة إن شاء الله الجمعة ماشيين بإذن الله.

طالب: ..............

الجمعة ثمانية عشر العودة فما فيه الأسبوع الأول ما فيه، يعني ما يمكن نصل ليلة تسعة عشر تصير يوم تسعة عشر الدروس صعبة لا بد أن نرتاح بعض الوقت.

طالب: ..............

السبت الثاني إن شاء الله.

"