التعليق على تفسير القرطبي - سورة الحجرات (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.

 قال الإمام القرطبي –رحمه الله تعالى-: "تَفْسِيرُ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ، مَدَنِيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ وَهِيَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ آيَةً، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الحجرات:1] فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

 فهذه السورة العظيمة التي اشتملت على كثير من الآداب والأخلاق هي أول المفصل على قول، وإن كان الجمهور على أن ق هي أول المفصل، وعلى هذا القول تكون أول الحزب السابع، وعلى قول الأكثر يكون أول الحزب السابع في تقسيم الصحابة –رضوان الله عليهم- سورة ق؛ لأنهم يحزبون القرآن ثلاثًا وخمسًا وسبعًا وتسعًا وإحدى عشرة وثلاث عشرة، ثم حزب المفصل، فالذي يعد الفاتحة من الحزب الأول يبدأ المفصل عنده من الحجرات، والذي لا يعدها يبدأ حزب المفصل من ق، كأن الأكثر على أن أول المفصل ق، لكن هذا هو سبب الاختلاف  في بداية المفصل، ولم يقل بالحجرات بأنه أول المفصل إلا نفر يسير، ومرد ذلك لاعتبار الفاتحة من الحزب الأول، ثم جاء التحزيب عن الصحابة في سنن أبي داود وغيره، تقسيم القرآن إلى سبعة أقسام، وهذا يُيسير لمن أراد أن يقرأ القرآن في سبع إن أتم ذلك التقسيم، وهو مسبوق به من قِبَل سلف هذه الأمة.

"فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [سورة الحجرات:1] قَالَ الْعُلَمَاءُ: كَانَ فِي الْعَرَبِيِّ جَفَاءٌ وَسُوءُ أَدَبٍ فِي خِطَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَلْقِيبِ النَّاسِ. فَالسُّورَةُ فِي الْأَمْرِ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَرِعَايَةِ الْآدَابِ وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ وَيَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ: )لَا تَقَدَّمُوا) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالدَّالِ مِنَ التَّقَدُّمِ

وأصلها (لا تتقدموا بين يدي الله ورسوله)، وهذا قراءة الأكثر (تُقَدِّمُوا)، تقدموا أقوالكم وآراءكم واقتراحاتكم بين يدي الله ورسوله، بل انتظروا حتى يصدر الأمر، أو يصدر الحكم من الله ورسوله، فلا تقترحوا أشياء حتى يصدر الأمر من الله –جلَّ وعلا-؛ لأن الله –جلَّ وعلا- يأمر بما فيه مصلحة، وينهى عما فيه مضرة، ويسكت –كما جاء في الحديث- عن أشياء من غير نسيان، فلا تسألوا عنها، }لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } [سورة المائدة:101]، من الاقتراحات التي اقترحتها قريش على الرب –جلَّ وعلا- أن يكون النبي المرسل من إحدى القريتين؛ من مكة، أو من الطائف، رجل عظيم أبو جهل، أو عروة بن مسعود الثقفي، اقترحوا، لا تقدموا بين يدي الله ورسوله، لا تقدموا بين يدي الله ورسوله شيئًا أبدًا، إلا أن تنتظر ما يحكم الله به، والقراءة الأخرى: لا تقدموا، يعني لا تتقدموا بين يدي الله ورسوله، والمعنى قريب من بعض.
"والْبَاقُونَ: تُقَدِّمُوا -بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ- مِنَ التَّقْدِيمِ، وَمَعْنَاهُمَا ظَاهِرٌ أَيْ: لَا تُقَدِّمُوا قَوْلًا وَلَا فِعْلًا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَقَوْلِ رَسُولِهِ وَفِعْلِهِ فِيمَا سَبِيلُهُ أَنْ تَأْخُذُوهُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا. وَمَنْ قَدَّمَ قَوْلَهُ أَوْ فِعْلَهُ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ قَدَّمَهُ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا يَأْمُرُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-".

المرسَل يُمثِل المرسِل؛ فطاعة المرسَل طاعة لمرسِله، واحترام المرسَل إنما هو من احترام مرسِله؛ لأنه هو نائب عنه، فالذي يتقدم على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- هو متقدمٌ بين يدي الله– جلَّ وعلا-؛ لأنه رسوله.

"الثَّانِيَةُ: وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا عَلَى أَقْوَالٍ سِتَّةٍ:

الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ أَبُو بَكْر: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَد،ٍ وَقَالَ عُمَرُ  أَمِّرِ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي، وَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، فَتَمَادَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا{ [سورة الحجرات:1]".

على كل حال، تماريا: يعني تجادلا في الأمر، تماديا يعني استمرا فيه، استمرا فيه فالمعني قريب. 

 "فَنَزَلَ فِي ذَلِك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}  [سورة الحجرات:1]،  إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ } [سورة الحجرات:5] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ أَيْضًا.

الثَّانِي: مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَجُلًا إِذ مَضَى إِلَى خَيْبَرَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ، فَنَزَلَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [سورة الحجرات:1]، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ أَيْضًا".

نعم، إذا كان هذا على سبيل الجزم من النبي –عليه الصلاة والسلام- لا سبيل المشورة والرأي؛ لأنه لما أشار إليه من ينزل في مكان، سُئل: أهو المكيدة والحرب؟ أم رأي ومشورة؟ قال: «رأي ومشورة»، فأشاروا عليه بغير هذا المكان، ولم يُعد هذا من التقدم؛ لأنه فرق بين أن يقول النبي– عليه الصلاة والسلام- قولًا جازمًا به لا تلزم معارضته، فإذا كان هناك شيء تدل القرائن على أنه يستشيرهم، وأنه غير ملزم باختياره –عليه الصلاة والسلام-، غير ملزم، فلا مانع حينئذ.
"الثَّالِثُ: مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْفَذَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنَ أَصْحَابِهِ إِلَى بَنِي عَامِرٍ فَقَتَلُوهُمْ، إِلَّا ثَلَاثَةً تَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَسَلِمُوا وَانْكَفَئُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَقُوا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَسَأَلُوهُمَا عَنْ نَسَبِهِمَا فَقَالَا: مِنْ بَنِي عَامِرٍ؛ لِأَنَّهُمْ أَعَزُّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَقَتَلُوهُمَا، فَجَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ عَهْدًا، وَقَدْ قُتِلَ مِنَّا رَجُلَانِ، فَوَدَاهُمَا النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِائَةِ بَعِيرٍ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَتْلِهِمُ الرَّجُلَيْنِ".
مخرج هذا؟

طالب:............الضحاك لم يلق ابن عباس.

الضحاك لم يلقَ ابن عباس.

"وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ نَاسًا كَانُوا يَقُولُونَ: لَوْ أُنْزِلَ فِيَّ كَذَا، لَوْ أُنْزِلَ فِيَّ كَذَا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، ابْنُ عَبَّاسٍ: نُهُوا أَنْ يَتَكَلَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ كَلَامِهِ مُجَاهِدٌ: لَا تَفْتَاتُوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، وَقَال الْحَسَنُ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ ذَبَحُوا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا الذَّبْحَ .ابْنُ جُرَيْجٍ: لَا تُقَدِّمُوا أَعْمَالَ الطَّاعَاتِ قَبْلَ وَقْتِهَا الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "-.

ومعنى الآية يحتمل كل ذلك، ويحتمل غيرهم، ما فيه مانع.

"قُلْتُ: هَذِهِ الْأَقْوَالُ الْخَمْسَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ ذَكَرَهَا الْقَاضِيَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ ، وَسَرَدَهَا قَبْلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ الْقَاضِي: وَهِيَ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ تَدْخُلُ تَحْتَ الْعُمُومِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا كَانَ السَّبَبُ الْمُثِيرُ لِلْآيَةِ مِنْهَا، وَلَعَلَّهَا نَزَلَتْ دُونَ سَبَبٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

نعم قد تنزل الآية بدون سبب، ثم يرد من القصص ما يصلح أن يكون سببًا، يعني ما تنطبق عليه الآية، فيُظن سببًا، وقد تنزل الآية بسبب، ثم يحصل ما يشبهه، فيُظن أنه هو السبب، وقد يتعدد السبب، والنازل واحد، قد تنزل الآية ابتداءً من غير سبب، وقد تنزل لأكثر من سبب، وقد تنزل لسبب واحد ويصادف وجود سبب أو أسباب مماثلة قصص مماثلة يُظن أنها هي السبب.
"قَالَ الْقَاضِي: إِذَا قُلْنَا إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَقْدِيمِ الطَّاعَاتِ عَلَى أَوْقَاتِهَا فَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ مُؤَقَّتَةٍ بِمِيقَاتٍ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ. إِلَّا أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الزَّكَاةِ، لَمَّا كَانَتْ عِبَادَةً مَالِيَّةً، وَكَانَتْ مَطْلُوبَةً لِمَعْنًى مَفْهُومٍ، وَهُوَ سَدُّ خَلَّةِ الْفَقِيرِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعْجَلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ، وَلِمَا جَاءَ مِنْ جَمْعِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ حَتَّى تُعْطَى لِمُسْتَحِقِّيهَا يَوْمَ الْوُجُوبِ وَهُوَ يَوْمُ الْفِطْرِ".
نعم، الصحابة قدموا صدقة الفطر قبل العيد بيوم، بعضهم بيومين، ولم يحصل بذلك إنكار من بعضهم؛ فدل على جواز ذلك؛ لأن المراد غناهم في ذلك اليوم، فإذا قُدمت وادخرت لذلك اليوم حصل المقصود.

"فَاقْتَضَى ذَلِكَ كُلُّهُ جَوَازَ تَقْدِيمِهَا الْعَامَ وَالِاثْنَيْنِ فَإِنْ جَاءَ رَأْسُ الْعَامِ وَالنِّصَابُ بِحَالِهِ وَقَعَتْ مَوْقِعَهَ، وَإِنْ جَاءَ رَأْسُ الْعَامِ وَقَدْ تَغَيَّرَ النِّصَابُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ".

عنده مائة ألف، زكاتها ألفان ونصف، لو قال: أنا أريد أن أخرج خمسة آلاف عن سنتين هذه السنة والتي تليها، يجوز ذلك، جاء ما يدل عليه. لكن إن جاء الحول الثاني والمال بحاله عرفنا أنها زكاة وقعت موقعها، وإن جاء الحول الثاني وقد نمت المئة إلى مئة وخمسين دفع الفرق، وإن نقصت إلى خمسين عرفنا أن القدر الزائد صدقة.

"وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ لَحْظَةً كَالصَّلَاةِ، وَكَأَنَّهُ طَرَدَ الْأَصْلَ فِي الْعِبَادَاتِ، فَرَأَى أَنَّهَا إِحْدَى دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ فَوَفَّاهَا حَقَّهَا فِي النِّظَامِ وَحُسْنِ التَّرْتِيبِ. وَرَأَى سَائِرُ عُلَمَائِنَا أَنَّ التَّقْدِيمَ الْيَسِيرَ فِيهَا جَائِز؛ لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ. وَمَا قَالَهُ أَشْهَبُ أَصَحُّ؛ فَإِنَّ مُفَارَقَةَ الْيَسِيرِ الْكَثِيرَ فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ لِمَعَانٍ تَخْتَصُّ بِالْيَسِيرِ دُونَ الْكَثِيرِ  فَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَالْيَوْمُ فِيهِ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالسَّنَةِ. فَإِمَّا تَقْدِيمٌ كُلِّيٌّ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِمَّا حِفْظُ الْعِبَادَةِ عَلَى مِيقَاتِهَا كَمَا قَالَ أَشْهَبُ".

يُرجح أنه لا يجوز تقديمها عن وقتها، كما قال أشهب، كما أنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها في قول الجميع، يتساهلون، يتسامحون في اليوم واليومين إذا حلت الزكاة، ومضى يوم بعد ذلك أو يومان فهذا يتساهلون فيه، كثير من أصحاب الأموال يأتي وقت الزكاة، ثم ينظر في حساباته ما يجد فيها شيئًا، ما فيه رصيد، ما فيه سيولة، ينتظر حتى يجتمع لديه من المال ما يزكي منه، هذه الكلام ليس بصحيح، تأخيرها إلى أن يجتمع إليه شيء، إما أن يبيع بأي ثمن يكون؛ لأن هذا حق الغير حق الفقراء والمساكين يتضررون بتأخيره، وإما أن يقترض أو يستدين مبلغًا يدفعه زكاة لمستحقيها.

طالب: أسأل يا شيخ، إذا جمع الزكاة، مجموعة، الزكاة موجودة، وأخذ يبحث عن الفقراء يحتاج وقتًا، قد يحتاج إلى عشرين يومًا أو إلى آخر الشهر.

إذا لم يجد من يدفعه إليه فلا بأس.

طالب: يعني يبحث عن مستحقيها.

إذا لم يجد من مستحقيها أحدًا وأخذ يبحث، فلا بأس، أما أن يغفل أو يتغافل حتى يأتي وقت الزكاة، ثم بعد ذلك يقول: ما وجدت، فغير صحيح؛ لأن هذه ركن من أركان الإسلام، وعلى كل حال إذا كان مظنة أنه لا يجد إن كان في  بلد جلهم أغنياء أو كلهم أغنياء ويعز وجود الفقير يُتصور هذا، يتصور مثل هذا مادام أخرجها من ماله وعيَّنها وأبرزها خلاص برأت ذمته، ثم إذا وجد المسكين دفعها إليه.

طالب: إن جاء رأس الحول وما وجد عنده.

ما وجد؟

طالب: ما وجد أصلاً.

 يقترض أو يستدين أو يبيع.

طالب: ما عنده أصلًا، رصيده ما يبلغ النصاب، ولكن بعد يوم إن زاد فوق النصاب يزكي عنه أم هذه السنة ما عليه زكاة؟

لا، هذه السنة ما تم النصاب.

طالب: ما تم النصاب؟

ما تم النصاب.

طالب: يبدأ من السنة الجديدة.

ما تم النصاب.

طالب: حتى ولو يومًا واحدًا؟

ولا يومًا.

طالب: لو دفعها لمن يخرجها وهذا المدفوع له.

لو وكل من يدفعها للفقير لا يخلو إما أن يكون الوكيل نائبًا عن الغني أو نائبًا عن الفقير، فإن كان نائبًا عن الغني فلا؛ لأنه مثله فلا يجوز له التأخير بحال، وإن كان نائبًا عن الفقير قلنا له أن ينظر لمصلحة الفقير، تاجر برأت ذمته بإعطائها لنائب الفقير للفقير أو لنائبه، النائب عن الغني لا يجوز له تأخير الزكاة كالأصيل، النائب عن الفقير هذا يجوز له أن ينظر في مصلحة الفقير، أحيانًا يقبض المال عشرة آلاف لبيت فقراء، يقول: لو أعطيتهم إياه دفعة واحدة أكلوه بيوم، لعبوا به؛ لأنه غالبًا الفقراء ما يحسنون استعمال أو استخدام الأموال في وجه، لو قال: أقسِّطها عليهم في كل شهر، يحفظها لهم، يقسِّطها لهم ألفًا، مصلح، وقد وقعت وموقعها؛ لأنه ينوب عن الفقير، والفقير نائبه كحكمه.

طالب: يتصور أن يجتمع فيه الوصفان.

يتولى الطرفين؟

طالب: نعم.

يكون لديه مال لغني، وقد وُكل من قبل الفقراء، أو يوكله الغني وقد سبق أن وكله الفقراء.
طالب:..........
إذا وقعت بيده يسلِّمها للفقير.

طالب: ما يتصرف فيها؟

ما يتولى الطرفين، يقول لصاحب المال: أنا وكيل عن فقراء، وهذه طريقتي فيهم.

طالب: النماء الحاصل للمال بعد وقت الحول وقبل أداء الزكاة.

إذا كان بعد تمام الحول فهو منه، زكاة النماء والتجارة حكمها حكم أصلها.

طالب: تم الحول يوم لكن ما تمت الزكاة إلا بعد أربع أيام.

 الآن قبض مئة ألف ريال في مثل هذا اليوم وبعد سنة صارت مئة وعشرين، يزكي مئة وعشرين.

طالب: ليس كلامي هذا يعنى بعد سنة مئة وعشرين يؤدي الزكاة بعد  ثلاثة أو أربعة أيام خلال الأربعة أيام هذه حصل عشرة آلاف. 

لا، هذه يستقبل بها حول جديد مثل الأموال الأخرى  إنما استقر في ذمته زكاة مئة وعشرون ألف لثلاثة آلاف.

طالب: وبالعكس وما خفض؟                             

نعم لزمه مئة وعشرين.

"الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: }لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ{ [سورة الحجرات:1] أَصْلٌ فِي تَرْكِ التَّعَرُّضِ لِأَقْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِيجَابِ اتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَرَضِهِ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ»".

وما أكثر دعاة الضلال الذين يتصدون في وسائل الإعلام من المقروءة والمسموعة والمرئية وغيرها ينتقدون، ويوجِّهون بعض الأحاديث على حسب آرائهم وفطرهم التي اجتهدتها الشياطين، يشرحونها ويبينون للناس على مقتضى نظرهم الذي لا يأوي إلي علم، وإنما هو مجرد أهواء، هؤلاء كثروا في الأزمان المتأخِّرة صاروا يحرِّفون الكلم من كلام الله ورسوله، ويلقونه على عامة الناس فيبوؤون بإثمه فيضلون ويضلون غيرهم، ويكون عليهم حينئذ إثمهم وإثم من عمل بأقوالهم من الناس، نسأل الله العافية. 

"فَقَالَتْ عَائِشَةٌ لِحَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: قُولِي لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامكَ لَا يُسْمِعُ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ".

هذه صفته -رضي الله عنه وأرضاه- رجل أسيف إذا قرأ القرآن بكى، لكن ليست هذه العلة التي بعثت عائشة إلى أن تقول ما قالت؛ لأن الناس يتشاءمون ممن يقف موقف الكبار، فكيف بالنبي- صلى الله عليه وسلم- من يصلي مكانه يتشاءم الناس به، فخشيت أن يحصل هذا الأمر فقالت ما قالت وأوصت حفصة أن تقول للنبي -عليه الصلاة والسلام- ما ذكر، المقصود أنها أبطنت في نفسها ما أظهرت؛ ولذا قال: «أنتن صواحب يوسف».

طالب: تصور أن عائشة تخشى على أبيها وترضاه بعمر.

ليس ببعيد، ما يُستبعَد أبدًا، دفع المفضول عن النفس وعن الآخر ما فيه إشكال.

طالب:  ياشيخ – أحسن الله إليك- هذا ثابت عن عائشة؟

أجل ثابت في الصحيح وفى البخاري.

طالب: دفعت من أجل التشاؤم؟

كل أهل العلم على هذا.

طالب: هذا يا شيخ صورتها يعنى أنها تقول لحفصة أن ترجع للنبي- عليه الصلاة والسلام- وتجعل عمر...

وما المانع؟ كل واحد يلمس من نفسه، يعنى لو مات رجل عظيم مثلًا، يعنى ملء الآذان والأسماع والأبصار، ثم مباشرة في اليوم نفسه عُيِّن مكانه واحد، فما نظرة الناس لهذا الشخص؟ الأمة مقتنعة بشخص، ثم مات أو عُزِل وعُيِّن مكانه شخص آخر، فما نظرة الناس لهذا الشخص مهما مكان قدره؟

طالب: عرفنا هذا يا شيخ، لكن أنها تدفع بعمر؟          

تدفع بعمر، ما المانع؟ لأنه حتى الصلاة بعد النبي –عليه الصلاة والسلام- فيها فضل وشرف، ليس مَذمَّة من كل وجه؛ ولذلك فرحت حفصة أن يكون لأبيها هذا الشرف، ذكرته للنبي –عليه الصلاة السلام- ولا تعلم ما في نفس عائشة، ليسوا بالمعصومين، يعني هذا أمر سهل، كل إنسان يجده في نفسه، كل إنسان يجده من نفسه.

طالب: قول النبي –عليه الصلاة والسلام-: «إنكن صواحب يوسف».

قوله –عليه الصلاة والسلام- يدل على أن الأمر خلاف ما أُبطن، «لأنتن صواحب يوسف»،

«إنكن لأنتن صواحب يوسف».

"فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ». فَمَعْنَى قَوْلِهِ: "«صَوَاحِبُ يُوسُفَ» الْفِتْنَةُ بِالرَّدِّ عَنِ الْجَائِزِ إِلَى غَيْرِ الْجَائِزِ".

يقول في الحاشية، نقل عن القسطلاني شارح البخاري قال القسطلاني: أي مثلهن في إظهار خلاف ما في الباطن، يعني لما }قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}[يوسف:31].

افتتن به؛ لعظمة خُلقه أو صورته؟

طالب: صورته......

لا، صورته، ظاهر ما فُتنَّ به فتنة حب لا فتنة تعظيم، ولما قِسنَه بالملك أبدين للسامع أنه تعظيم له، والذي في الباطن ليس هذا، افتتنَّ به كما افتتنت به قبلهن امرأة العزيز، ظاهر أو ليس بظاهر؟
طالب: ظاهر.

يقول القسطلاني: أي مثلهن في إظهار خلاف ما في الباطن، فإن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن الصديق؛ لكونه لا يُسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك وهو ألا يتشاءم الناس به، وهذا مثل زليخة استدعت النسوة، وأظهرت لهن إكرام الضيافة، وغرضها أن ينظرن إلى حسن يوسف، ويعذرنها في محبته، حصل منها ما حصل، وحصل لهن أيضًا ما حصل، صواحب يوسف الجميع، زليخة امرأة العزيزة، واللواتي قطعن أيديهن وأظهرن تعظيم هذا الرجل الذي يشبه الملائكة، لكن الذي في الباطن أنه حب، وليس بتعظيم.

طالب: يا شيخ –أحسن الله إليك- ما الذي في باطن حفصة؟

أين؟ الذي في باطن حفصة أن أباها يتولى بعد الرسول، وهذا شرف عظيم، ما المانع؟ قبلت الحجة، وصدَّقتها، وأرادت هذا الخير لأبيها، هو خير، ليس بشر من كل وجه، الناس يشرئبون لمثل هذا.

"وَرُبَّمَا احْتَجَّ بُغَاةُ الْقِيَاسِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ بَاطِلٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ مَا قَامَتْ دَلَالَتُهُ فَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ تَقْدِيمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ قَامَتْ دَلَالَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى".

لحظة، وربما احتج بذلك نفاة القياس، ماذا عندكم؟

طالب: بغاة.

لا، نفاة.

طالب: يُتصور خطاب النبي –صلى الله عليه وسلم-: "إنكن" الخطاب موجَّه لمن؟
حفصة وعائشة والجميع.

طالب: بالنسبة للتعدية الظاهرة هذا بالنسبة لعائشة.

نعم، هذا على كلام القسطلاني يقول: إن هذا الخطاب الموجه لعائشة هو الموجه لامرأة العزيز مثل الموجه لامرأة العزيز، لكن ما يمنع أن يكون جميع النساء بهذه الصفة صواحب يوسف.

"وَرُبَّمَا احْتَجَّ نُفَاةُ الْقِيَاسِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ بَاطِلٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ مَا قَامَتْ دَلَالَتُهُ فَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ تَقْدِيمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ قَامَتْ دَلَالَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ فِي فُرُوعِ الشَّرْعِ، فَلَيْسَ إِذًا تَقَدُّمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{ [ سورة الحجرات:2 ].

 فِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَعْمِلْهُ عَلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَسْتَعْمِلْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَتَكَلَّمَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُسْمِعْ كَلَامَهُ حَتَّى يُسْتَفهْمَ. قَالَ: وَمَا ذَكَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ جَدَّهُ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ".

ذكر عمر، وما ذكر أبا بكر؛ لأنه جده، لكن هل في هذا غضاضة أن يذكر؟ فَكَانَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُسْمِعْ كَلَامَهُ حَتَّى يُسْتَفهْمَه، يُطلب منه إعادة الكلام مرة أو مرتين حتى يتبين ويتوضح، يعني هذا منقبة لعمر-رضي الله عنه-، لكن هذا الواقع أنه ما ذكر، لماذا ما ذكر؟ الله أعلم، أو ذكر ولم ينقل الرواة.

"قَالَ: وَمَا ذَكَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ جَدَّهُ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ".

هو جده لأمه؛ لأنه ابن أسماء بنت أبي بكر.

"قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مُرْسَلًا، لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ.

قُلْتُ: هُوَ الْبُخَارِيُّ، قَالَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ كَادَ الْخَيِّرَانِ: أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الْآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ، فَقَالَ نَافِعٌ: لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي. فَقَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ..{ [ سورة الحجرات:2] الْآيَةَ. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ.
وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: نَزَلَ قَوْلُهُ:
}لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ..{ [ سورة الحجرات:2] فِينَا لَمَّا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا أَنَا وَجَعْفَرٌ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، نَتَنَازَعُ ابْنَةَ حَمْزَةَ لَمَّا جَاءَ بِهَا زَيْدٌ مِنْ مَكَّةَ، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِجَعْفَرٍ؛ لِأَنَّ خَالَتَهَا عِنْدَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي ( آلِ عِمْرَانَ ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ، فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ! كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ مُوسَى: فَرَجَعَ إِلَيْهِ الْمَرَّةَ الْآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ:  «اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» هذا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ".

لهذا ممن شهد لهم النبي –عليه الصلاة والسلام- بالجنة ثابت، وهو ثابت بن قيس بن شمّاس الخطيب المعروف، خطيب النبي- عليه الصلاة والسلام- هو مما يُشهد لهم على مذهب أهل السنة والجماعة كالعشرة والحسن والحسين وغيرهم ممن شهد لهم النبي- عليه الصلاة السلام-، ومن عاداهم تُرجَى يعني مجرد تَرَجٍّ، يعني يُرجى له، الجزم أن لهم الجنة فلهذا ولأمثاله ممن شهد لهم النبي –عليه الصلاة والسلام-.

طالب: يرجون.....

ماذا؟

طالب: جملة من شهد لهم بالجنة.

يعني من شهد لهم النبي – عليه الصلاة والسلام-.

طالب:...........
في الجملة يعني لا شك أنهم من أهل الجنة، جاءت نصوص بمدحهم، لكن لا بأفرادهم وأعيانهم لا يُقطع لأحد إلا من شهد لهم النبي –صلى الله عليه وسلم-.

"وَثَابِتٌ هَذَا هُوَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الْخَزْرَجِيُّ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ بِابْنِهِ مُحَمَّدٍ وَقِيلَ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قُتِلَ لَهُ يَوْمَ الْحَرَّةِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ: مُحَمَّدٌ، وَيَحْيَى، وَعَبْدُ اللَّهِ. وَكَانَ خَطِيبًا بَلِيغًا مَعْرُوفًا بِذَلِكَ، كَانَ يُقَالُ لَهُ خَطِيبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَمَا يُقَالُ لِحَسَّانٍ شَاعِرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَمَّا قَدِمَ وَفْدُ تَمِيمٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَطَلَبُوا الْمُفَاخَرَةَ قَامَ خَطِيبُهُمْ فَافْتَخَرَ، ثُمَّ قَامَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فَخَطَبَ خُطْبَةً بَلِيغَةً جَزِلَةً فَغَلَبَهُمْ، وَقَامَ شَاعِرُهُمْ وَهُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَأَنْشَدَ:

 

أَتَيْنَاكَ كَيْمَا يَعْرِفُ النَّاسُ فَضْلَنَا
 

 

إِذَا خَالَفُونَا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَكَارِم
 

وَإِنَّا رُءُوسُ النَّاسِ مِنْ كُلِّ مَعْشَرٍ       
 

 

وَأَنْ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ كَدَارِمِ
  

وَإِنَّ لَنَا الْمِرْبَاعَ فِي كُلِّ غَارَةٍ
 

 

تَكُونُ بِنَجْدٍ أَوْ بِأَرْضِ التَّهَائِمِ
 

فَقَامَ حَسَّانٌ فَقَالَ:

 

بَنِي دَارِمٍ لَا تَفْخَرُوا إِنَّ فَخْرَكُمْ
     

 

يَعُودُ وَبَالًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَكَارِمِ
 

 

هَبِلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وَأَنْتُمُ
 

 

لَنَا خَوَلٌ مِنْ بَيْنِ ظِئْرٍ وَخَادِمِ
 

 

فِي أَبْيَاتٍ لَهُمَا. فَقَالُوا: خَطِيبُهُمْ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا، وَشَاعِرُهُمْ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ{ [ سورة الحجرات:2]، وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: حَدَّثَتْنِي ابْنَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الْآيَةَ، دَخَلَ أَبُوهَا بَيْتَهُ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ مَا خَبَرُهُ، فَقَالَ: أَنَا رَجُلٌ شَدِيدٌ الصَّوْتِ، أَخَافُ أَنْ يَكُونَ حَبِطَ عَمَلِي، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ-: « لَسْتَ مِنْهُمْ بَلْ تَعِيشُ بِخَيْرٍ وَتَمُوتُ بِخَيْرٍ»، قَالَ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ: }إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[لقمان:18] فَأَغْلَقَ بَابَهُ وَطَفِقَ يَبْكِي، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الْجَمَالَ وَأُحِبُّ أَنْ أَسُودَ قَوْمِي، فَقَالَ: «لَسْتَ مِنْهُمْ بَلْ تَعِيشُ حَمِيدًا وَتُقْتَلُ شَهِيدًا وَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ».

قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ خَرَجَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، فَلَمَّا الْتَقَوُا انْكَشَفُوا، فَقَالَ ثَابِتٌ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ: مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ حَفَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ حُفْرَةً فَثَبَتَا وَقَاتَلَا حَتَّى قُتِلَا، وَعَلَى ثَابِتٍ يَوْمئِذٍ دِرْعٌ لَهُ نَفِيسَةٌ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذَهَا، فَبَيْنا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَائِمٌ أَتَاهُ ثَابِتٌ فِي مَنَامِهِ".
أخذها منه بعد قتله، وهي لا تحل له، لا يجوز له أخذها؛ لأنها ملك ثابت من جهة، والأمر الثاني يعني حتى وإن كانت ليس ملك ثابت فإنها يستحقها المقاتلون فتكون غنيمة، فهي فلول، لكنها ملك ثابت، وهو مسلم فتنتقل بعده لورثته
.

 "فَبَيْنمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَائِمٌ أَتَاهُ ثَابِتٌ فِي مَنَامِهِ؛ فَقَالَ لَهُ: أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَقُولَ: هَذَا حُلْمٌ فَتُضَيِّعُهُ، إِنِّي لَمَّا قُتِلْتُ أَمْسِ مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذَ دِرْعِي وَمَنْزِلُهُ فِي أَقْصَى النَّاسِ، وَعِنْدَ خِبَائِهِ فَرَسٌ يَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ، وَقَدْ كَفَأَ عَلَى الدِّرْعِ بُرْمَةً".

يستن: يعني كأنه يستعرض يذهب ويرجع.

"وَفَوْقَ الْبُرْمَةِ رَحْلٌ، فَأْتِ خَالِدًا فَمُرْهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى دِرْعِي فَيَأْخُذُهَا، وَإِذَا قَدِمْتَ الْمَدِينَةَ عَلَى خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- - يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ- فَقُلْ لَهُ: إِنَّ عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ كَذَا وَكَذَا، وَفُلَانٌ مِنْ رَقِيقِي عَتِيقٌ وَفُلَانٌ، فَأَتَى الرَّجُلُ خَالِدًا فَأَخْبَرَهُ، فَبَعَثَ إِلَى الدِّرْعِ فَأُتِيَ بِهَا، وَحَدَّثَ أَبَا بَكْرٍ بِرُؤْيَاهُ، فَأَجَازَ وَصِيَّتَهُ. قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أُجِيزَتْ وَصِيَّتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ غَيْرَ ثَابِتٍ- رَحِمَهُ اللَّه-، ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ".

الأصل أن الرؤى لا يثبت بها أحكام، ولا ينفذ بها شيء مما يتعلق بالآخرين، لكن دلت الدلائل الحسية على صدقها، وصف لهم المكان وقال: فوقها برمة، وفوق البرمة رحل، فذهبوا فوجودوا الأمر كما هو، فدل على أن هذه الرؤية صادقة وصالحة.

طالب: بعضهم يقسم على أن تأويل هذه الرؤية كذا.

لا، غلطان، يتمادون في مثل هذا، ويجزمون بها، والجزم ليس من هذه، هذه غلبة ظن، ليست قطعًا، النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول لأبي بكر: « أصبت شيئًا، وأخطئت شيئًا».

طالب: كيف عرف.

أعلمه الله –جلَّ وعلا- كشف الله له –جلَّ وعلا-.

 طالب: يتصل بك أول مرة ثم يبدأ يعطيك معلومات شخصية عن زوجته، عن الأولاد.

هذا استخدام، اتصل واحد على أحد العابرين، رأى رؤية فقال: إنك تأخذ زوجة اسمها فلانة، تتزوج امرأة اسمها فلانة، هذا كله غيب ما بعد صار، وتدخل عليها في مكان كذا، وتدخل عليها وعليها من الثياب كذا، وإذا دخلت اتصل علي أخبرك بالملابس الداخلية، هذا من التعبير هذا؟
طالب: لو قيل له هل أخذتها من الرؤية؟

هذا استخدام، وحتى الاستخدام أكثره لا يصل إلى هذا الحد، لكن هذا أمر عظيم، نسأل الله العافية، أمر عظيم.

"الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} أَيْ لَا تُخَاطِبُوهُ: يَا مُحَمَّدُ، وَيَا أَحْمَدُ. وَلَكِنْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَيَا رَسُولَ اللَّهِ، تَوْقِيرًا لَهُ. وَقِيلَ: كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِيَقْتَدِيَ بِهِمْ ضَعَفَةُ الْمُسْلِمِينَ فَنُهِيَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا تَجْهَرُوا لَهُ أَيْ: لَا تَجْهَرُوا عَلَيْهِ، كَمَا يُقَالُ: سَقَطَ لِفِيهِ، أَيْ: عَلَى فِيهِ. {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} الْكَافُ كَافُ التَّشْبِيهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، أَيْ: لَا تَجْهَرُوا لَهُ جَهْرًا مِثْلَ جَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُنْهَوْا عَنِ الْجَهْرِ مُطْلَقًا حَتَّى لَا يَسُوغَ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يُكَلِّمُوهُ بِالْهَمْسِ وَالْمُخَافَتَةِ، وَإِنَّمَا نُهُوا عَنْ جَهْرٍ مَخْصُوصٍ مُقَيَّدٍ بِصِفَةٍ، أَعْنِي الْجَهْرَ الْمَنْعُوتَ بِمُمَاثَلَةِ مَا قَدِ اعْتَادُوهُ مِنْهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهُوَ الْخُلُوُّ مِنْ مُرَاعَاةِ أُبَّهَةِ النُّبُوَّةِ وَجَلَالَةِ مِقْدَارِهَا وَانْحِطَاطِ سَائِرِ الرُّتَبِ وَإِنْ جَلَّتْ عَنْ رُتْبَتِهَا.

 }أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{ [ سورة الحجرات:2 ]. أَيْ مِنْ أَجْلِ أَنْ تَحْبَطَ، أَيْ: تَبْطُلَ، هَذَا قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: أَيْ لِئَلَّا تَحْبَطُ أَعْمَالُكُمْ.

الثَّالِثَةُ: مَعْنَى الْآيَةِ الْأَمْرُ بِتَعْظِيمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَوْقِيرِهِ، وَخَفْضِ الصَّوْتِ بِحَضْرَتِهِ وَعِنْدَ مُخَاطَبَتِهِ، أَيْ: إِذَا نَطَقَ وَنَطَقْتُمْ فَعَلَيْكُمْ أَلَّا تَبْلُغُوا بِأَصْوَاتِكُمْ وَرَاءَ الْحَدِّ الَّذِي يَبْلُغُهُ بِصَوْتِهِ، وَأَنْ تَغُضُّوا مِنْهَا بِحَيْثُ يَكُونُ كَلَامُهُ غَالِبًا لِكَلَامِكُمْ، وَجَهْرُهُ بَاهِرًا لِجَهْرِكُمْ، حَتَّى تَكُونَ مزية".

مزيته.

"مَزِيَّتُهُ عَلَيْكُمْ لَائِحَةً، وَسَابِقَتُهُ وَاضِحَةً، وَامْتِيَازُهُ عَنْ جُمْهُورِكُمْ كَشِيَةِ الْأَبْلَقِ. لَا أَنْ تَغْمُرُوا صَوْتَهُ بِلَغَطِكُمْ، وَتَبْهَرُوا مَنْطِقَهُ بِصَخَبِكُمْ. وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: }لَا تَرْفَعُوا بِأَصْوَاتِكُمْ{، وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قَبْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ-. وَكَرِهَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ تَشْرِيفًا لَهُمْ، إِذْ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ".

سمع عمر-رضي الله تعالى عنه- رجلين يرفعان أصواتهما في مسجد النبي –عليه الصلاة والسلام - فسألهما: من أين أنتم؟ فذكرا له أنهما من أهل الطائف، فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكم ضربًا، ترفعان صوتكما بحضرة النبي – عليه الصلاة والسلام-، النبي –عليه الصلاة والسلام- محترمًا حيًّا وميتًا-في مسجده بقربه، والله المستعان.

"الرَّابِعَةُ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: حُرْمَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا، وَكَلَامُهُ الْمَأْثُورُ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الرُّقْعَةِ مِثَالُ كَلَامِهِ الْمَسْمُوعِ مِنْ لَفْظِهِ، فَإِذَا قُرِئَ كَلَامُهُ؛ وَجَبَ عَلَى كُلِّ حَاضِرٍ أَلَّا يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ".

ألا يُرفع الصوت في مجلس التحديث الذي يُقرأ فيه حديث النبي –عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه يصدق على من رفع صوته أنه رفع صوته فوق صوت النبي، جهر بصوته، وجعله عاليًا مرتفعًا أكثر من صوت القارئ الذي ينطق بكلامه –عليه الصلاة والسلام-.

"ووَجَبَ عَلَى كُلِّ حَاضِرٍ أَلَّا يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْرِضَ عَنْهُ، كَمَا كَانَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِهِ عِنْدَ تَلَفُّظِهِ بِهِ، وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى دَوَامِ الْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مُرُورِ الْأَزْمِنَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا } [سورة الأعراف:204]، وَكَلَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْوَحْيِ، وَلَهُ مِنَ الْحِكْمَةِ مِثْلُ مَا لِلْقُرْآنِ، إِلَّا مَعَاني مُسْتَثْنَاةً، بَيَانُهَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ".

طالب: يحصل أحيانًا... فيستدل بطرف بحديث ويقاطع أثناء ذكر الحديث.

الأصل أن ينتظر حتى ينتهي من قراءة الحديث؛ لأن هذا مثل مقاطعة النبي –عليه الصلاة السلام-، كلامه بحضرته ،وإن كان الخبر ليس مثل العيان، فالخبر ليس مثل العيان؛ لذا لما قيل لموسى –عليه السلام-: إن قومك عبدوا العجل ما حصل شيء، لكن لما رآهم ألقى الألواح، فالخبر ليس كالعيان، يعني نقرأ الحديث ونسمع الحديث، ولكن ليس معناه كأن الرسول- عليه الصلاة والسلام- حي، لكن يجب علينا أن نحترم كلام النبي – عليه الصلاة والسلام-، ونتصور ونستحضر عظمة الرسول—عليه الصلاة والسلام-وحق الرسول علينا، وقدره.

طالب: تقديم الرأي بالقياس على حديث الرسول .... يدخل في هذه الآية؟

نعم، إذا قدمنا الرأي المجرد الذي لا يسوده دليل على قول الرسول-عليه الصلاة والسلام- دخلنا في هذه الآية، فيدخل في هذا كثير من متعصبة المقلِّدين الذين يأخذون أقوال أهل العلم من غير نظر في أدلتهم، ومع ذلك يقال لهم: الرسول يقول كذا، يقول لك: ولو، الإمام أحمد أعرف منكم، يقول لك: مالك أعرف منك، ولا يخفى عليه لو أن هذا عن الرسول كان ما خفي على مالك أو على أحمد أو الشافعي، وما شابه ذلك، ويصرون على معارضة الحديث بالآراء وأقوال الرجال.

طالب:... من أصوله تقديم القياس على خبر الواحد والثاني يدخل في...

نعم، عند بعض الحنفية مثلاً تقديم القياس على خبر الواحد المنفرد إذا خالف القياس يُقدم القياس.

طالب:...............

هذا كثير، قد يكون الإنسان على غفلة من أمره، ويستمر في جداله وفي نقاشه، الله المستعان.

طالب: ينكر على الإمام أحمد، لكن لا ينكر على أحد من المحدثين إذا خالف الحديث.

 تعصب، مزيد من التعصب، غاية في التعصب.

 "الْخَامِسَةُ: وَلَيْسَ الْغَرَضُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ وَلَا الْجَهْرِ مَا يُقْصَدُ بِهِ الِاسْتِخْفَافُ وَالِاسْتِهَانَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ، وَالْمُخَاطَبُونَ مُؤْمِنُونَ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ صَوْتٌ هُوَ فِي نَفْسِهِ، وَالْمَسْمُوعُ مِنْ جَرْسِهِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِمَا يُهَابُ بِهِ الْعُظَمَاءُ وَيُوَقَّرُ الْكُبَرَاءُ، فَيَتَكَلَّفُ الْغَضَّ مِنْهُ وَرَدَّهُ إِلَى حَدٍّ يَمِيلُ بِهِ إِلَى مَا يَسْتَبِينُ فِيهِ الْمَأْمُورَ بِهِ مِنَ التَّعْزِيرِ وَالتَّوْقِيرِ. وَلَمْ يَتَنَاوَلِ النَّهْيُ أَيْضًا رَفْعَ الصَّوْتِ الَّذِي يَتَأَذَّى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - \صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُوَ مَا كَانَ مِنْهُمْ فِي حَرْبٍ أَوْ مُجَادَلَةِ مُعَانِدٍ أَوْ إِرْهَابِ عَدُوٍّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ".

يعني إذا اقتضت المصلحة رفع الصوت كما في الآذان مثلًا بحضرة النبي-عليه الصلاة  والسلام- بلال يرفع صوته، هل يدخل في هذا؟ ما يدخل.

إذا أمره النبي—أن ينادي بالناس ورفع صوته وهو بجواره، مثلما تقدم لثابت بن قيس خطيب، ومن شأن الخطبة أن يرفع فيها الصوت وأخبر النبي –عليه الصلاة والسلام-.

العباس بن عبد المطلب كان جهوري الصوت، قالوا: صوته يبلغ تسعة فراسخ، ذكروا عنه أشياء
المقصود أن مثل هذا إذا احتيج إليه فلا يدخل في هذه
.

"فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ يَوْمَ حُنَيْنٍ: «اصْرُخْ بِالنَّاسِ»، وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَجْهَرَ النَّاسِ صَوْتًا. يُرْوَى أَنَّ غَارَةً أَتَتْهُمْ يَوْمًا فَصَاحَ الْعَبَّاسُ: يَا صَاحِبَاهُ! فَأُسْقطَتِ الْحَوَامِلُ لِشِدَّةِ صَوْتِهِ، وَفِيهِ يَقُولُ نَابِغَةُ بَنِي جَعْدَةَ".

لا شك أن الأصوات المرتفعة هذه مؤثرة في النفوس، وقد يحصل منها ضرر كبير، وهُلك بعض الأمم بالصيحة، من أيسر الأمور أن تمارس بعض الأصوات التي لا داعي لها، مرتفعة من بعض الآلات، من بعض السيارات التي رُكب فيها من هذه الآلات التي تزعج الناس إذا لم يكن هناك داعٍ لمثل هذا، فلا يجوز إزعاج الناس بمثل هذه الطريقة، الناس الآن يتضايقون من صوت المؤذن، ويحدث جدال ونزاع ونقاش كبير بين جماعة المسجد في صرف الآلات عن جهاتهم وبيوتهم، هذا يقول: وجِّهوا المكبر إلى جهة الشمال، وواجد يقول: إلى جهة الجنوب، وكل واحد يدفع عن نفسه، أزعجنا وأزعج أولادنا، وأيقظنا من النوم، هو للصلاة، فلا بد أن يوقظ الناس من النوم، فماذا عن السيارات وغيرها التي تحمل هذه الأصوات المزعجة التي لا داعي لكثير منها، ويصل الأمر ببعض الناس أنه من أجل أن يصل إلى النقطة التي يدريها بأسرع فرصة يشغل هذه الآلة؛ لينصرف الناس عنه، والله المستعان، وكل هذا لا شك أنه مؤذٍ.

"وَفِيهِ يَقُولُ نَابِغَةُ بَنِي جَعْدَةَ:

زَجْرُ أَبِي عُرْوَةَ السِّبَاعَ إِذَا

 

أَشْفَقَ أَنْ يَخْتَلِطْنَ بِالْغَنَمِ
 

زَعَمَتِ الرُّوَاةُ أَنَّهُ كَانَ يَزْجُرُ السِّبَاعَ عَنِ الْغَنَمِ فَيُفْتِقُ مَرَارَةَ السَّبُعِ فِي جَوْفِهِ.

السَّادِسَةُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمُ التَّقْدِيرُ لِأَنْ تَحْبَطَ، أَيْ: فَتَحْبَطُ أَعْمَالُكُمْ، فَاللَّامُ الْمُقَدَّرَةُ لَامُ الصَّيْرُورَةِ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ: }أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{ [ سورة الحجرات:2 ]

بِمُوجِبٍ أَنْ يَكْفُرَ الْإِنْسَانُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَكَمَا لَا يَكُونُ الْكَافِرُ مُؤْمِنًا إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ الْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ، كَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَافِرًا مِنْ حَيْثُ لَا يَقْصِدُ إِلَى الْكُفْرِ وَلَا يَخْتَارُهُ بِإِجْمَاعٍ. كَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْكَافِرُ كَافِرًا مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ".

لكن جاء في الحديث الصحيح: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يُلقي لها بالًا» يعني ما يشعر بها، «لا يُلقي لها بالًا، تهوي به في النار سبعين خريفًا»، فلا يلزم أن يكون على ذكر من المعنى الذي يقوله، معنى ما يقوله إنما عليه أن يحفظ نفسه، ولا يتكلم إلا بما ينفع.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: }إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ{ [ سورة الحجرات:3] أَيْ يُخْفِضُونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ إِذَا تَكَلَّمُوا إِجْلَالًا لَهُ، أَوْ كَلَّمُوا غَيْرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ إِجْلَالًا لَهُ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمَّا نَزَلَتْ لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاللَّهِ لَا أَرْفَعُ صَوْتِي إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ وَذَكَرَ سُنَيْدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: }لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [سورة الحجرات:1] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أُكَلِّمُكَ بَعْدَ هَذَا إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمَّا نَزَلَتْ: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ مَا حَدَّثَ عُمَرُ عِنْدَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ فَسُمِعَ كَلَامُهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ مِمَّا يُخْفِضُ، فَنَزَلَتْ: }إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى{ [ سورة الحجرات:3] قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ: أَخْلَصَهَا لِلتَّقْوَى، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: أَيِ: اخْتَصَّهَا لِلتَّقْوَى، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ }امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَ{ طَهرَها مِنْ كُلِّ قَبِيحٍ، وَجَعَلَ فِي قُلُوبِهِمُ الْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ وَالتَّقْوَى، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَذْهَبَ عَنْ قُلُوبِهِمُ الشَّهَوَاتِ، وَالِامْتِحَانُ: افْتِعَالٌ مِنْ مَحَنْتُ الْأَدِيمَ مَحْنًا حَتَّى أَوْسَعْتُهُ. فَمَعْنَى }امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى {وَسَّعَهَا وَشَرَحَهَا لِلتَّقْوَى،  وَعَلَى الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ: امْتَحَنَ قُلُوبَهُمْ فَأَخْلَصَهَا، كَقَوْلِكَ: امْتَحَنْتُ الْفِضَّةَ أَيِ: اخْتَبَرْتُهَا حَتَّى خَلُصَتْ. فَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، وَهُوَ الْإِخْلَاصُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: كُلُّ شَيْءٍ جَهَدْتُهُ فَقَدْ مَحَنْتُهُ وَأَنْشَدَ:

أَتَتْ رَذَايَا بَادِيًا كَلَالُها
 

 

قَدْ مَحَنَتْ وَاضْطَرَبَتْ آطَالُهَا"
 

طالب: الردايا؟

الرديا: جمع ردية، وهي الناقة المهزولة من السير، والكلال: الإعياء، والآطال: جمع إطل، وهي الخاصرة.  
طالب: أحسن الله إليك
.

}"لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ{ [ سورة الحجرات:3]، قَوْلُهُ تَعَالَى: }إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ{ [ سورة الحجرات:4]، قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: نَزَلَتْ فِي أَعْرَابِ بَنِي تَمِيمٍ، قَدِمَ الْوَفْدُ مِنْهُمْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ وَنَادَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ وَرَاءِ حُجْرَتِهِ أَنِ اخْرُجْ إِلَيْنَا، فَإِنَّ مَدْحَنَا زَيْنٌ، وَذَمَّنَا شَيْنٌ. وَكَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا قَدَّمُوا الْفِدَاءَ ذَرَارِيَ لَهُمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَامَ لِلْقَائِلَةِ. وَرُوِيَ أَنَّ الَّذِي نَادَى الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَأَنَّهُ الْقَائِلُ: إِنَّ مَدْحِي زَيْنٌ، وَإِنْ ذَمِّي شَيْنٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « ذَاكَ اللَّهُ»، ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَيْضًا".

نعم؛ لأن الذي ينفع مدحه ويضر ذمه هو الله –جلَّ وعلا-، ومن عداه فلا، شخص بمفرده لا يضر، لكن لو اتفقت الناس، وأجمعت ألسنة الناس على مدح شخص أو على ذمه فهم شهداء الله في أرضه، لكن واحد يذم ما يضر أو واحد يمدح ما ينفع، والله المستعان.

طالب: ما مدى صحة الحديث؟

ذكره الترمذي في..؟

طالب: بل أخرجه الترمذي والنسائي في الكبرى، والطبري من حديث البراء بن عازب، وليس في النسائي والطبري ذكر اسم القائل، قال الترمذي: هو حديث حسن ضعيف، وأسنده الطبري إلى حديث الأقرع بن حابس المرسل لقتادة، وكذلك المرسل للحسن، فالحديث قوي من هذه الجهة.

هي زيادة؟

طالب: أحسن الله إليك، حديث الأقرع بن حابس أخرجه الإمام أحمد في مسنده، قال الأرنؤط: إسناده ضعيف لانقطاعه، أبو سلمة عبد الرحمن القرشي لم يثبت سماعه من الأقرع بن حابس، وقال العراقي –رحمه الله-: أخرجه أحمد ورجاله ثقات إلا أنني لا أعرف لأبي سلمة سماعًا من الأقرع، والحديث صحَّحه الألباني من حديث البراء بن عازب.

نعم.
"وَرَوَى زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَقَالَ: أَتَى أُنَاسٌ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ يَكُنْ نَبِيًّا فَنَحْنُ أَسْعَدُ النَّاسِ بِاتِّبَاعِهِ، وَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا نَعِشْ فِي جِنَابِهِ. فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ وَهُوَ فِي حُجْرَتِهِ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانُوا تِسْعَةَ عَشَرَ؛ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ، وَالزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ، وَالْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، وَسُوَيْدَ بْنَ هَاشِمٍ، وَخَالِدَ بْنَ مَالِكٍ، وَعَطَاءَ بْنَ حَابِسٍ، وَالْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدٍ، وَوَكِيعَ بْنَ وَكِيعٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَهُوَ الْأَحْمَقُ الْمُطَاعُ، وَكَانَ مِنَ الْجَرَّارِينَ يَجُرُّ عَشَرَةَ آلَافِ قَنَاةٍ، أَيْ: يَتْبَعُهُ، وَكَانَ اسْمُهُ حُذَيْفَةَ وَسُمِّيَ عُيَيْنَةَ لِشَتَرٍ كَانَ فِي عَيْنَيْهِ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي عُيَيْنَةَ هَذَا: أَنَّهُ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ }وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا } [سورةالكهف:28]، وَقَدْ مَضَى فِي آخِرِ ( الْأَعْرَافِ ) مِنْ قَوْلِهِ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَرُوِيَ أَنَّهُمْ وَفَدُوا وَقْتَ الظَّهِيرَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَاقِدٌ، فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، اخْرُجْ إِلَيْنَا، فَاسْتَيْقَظَ وَخَرَجَ، وَنَزَلَتْ. وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «هُمْ جُفَاةُ بَنِي تَمِيمٍ لَوْلَا أَنَّهُمْ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ قِتَالًا لِلْأَعْوَرِ الدَّجَّالِ لَدَعَوْتُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُهْلِكَهُمْ»".

ثبت في الحديث أن بني تميم أشد الأمة على الدجال، والنبي –عليه الصلاة والسلام- ترك معاقبتهم من أجل أنهم أشد الأمة على الدجال، فهذه من مزاياهم وفضائلهم، وإن كان يُكثر فيهم الجفاء كما جاء في هذه الحديث وغيره.

طالب: سؤال –أحسن الله إليك- كانوا كفارًا؟

لما جاءوا أعراب ما دخل الإسلام في قلوبهم، يعني أسلموا بألسنتهم كما سيأتي.

طالب:.....
لكن منهم هؤلاء الجفاة الذين عُينوا الذين ذكروا معروفين بجفائهم.

طالب: يا شيخ ..

ماذا قال عن هذه الحديث؟

طالب:  ذكره الحاكم في الكشاف، والثعلبي من حديث...

نعم أشد أمتي على الدجال هذا في صحيح مسلم.

نعم ماذا يقول؟

الحديث الأخير. 

أي؟
طالب: ضعيف أم متروك؟

يجر وراءه الجموع الجرارة الكثيرة، يعني يتبعه ناس كثر.

طالب: مطاع في قومه؟

نعم، مطاع في قومه.

طالب: الحديث الأخير صحيح يا شيخ؟

أين؟
طالب: الحديث الأخير دعوت الله عليهم أن يهلكهم.

لا، هذا ما فيه سوى أنهم أشد الأمة على الدجال، ما عدا ذلك كله ما يسلم من ضعف.

طالب:........................
بنجد وما وراءها.

طالب:........................
المشرق الذي هو مشرق الجزيرة، وأكثرهم في نجد.

"وَالْحُجُرَاتُ جَمْعُ حُجْرَةٍ، كَالْغُرُفَاتِ جَمْعِ غُرْفَةٍ، وَالظُّلُمَاتِ جَمْعِ ظُلْمَةٍ وَقِيلَ: الْحُجُرَاتُ جَمْعُ الْحُجَرِ، وَالْحُجَرُ جَمْعُ حُجْرَةٍ، فَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ وَفِيهِ لُغَتَانِ: ضَمُّ الْجِيمِ وَفَتْحُهَا قَالَ:

وَلَمَّا رَأَوْنَا بَادِيًا ركباننا".

لا ركباتنا.

" وَلَمَّا رَأَوْنَا بَادِيًا رُكَبَاتُنَا عَلَى مَوْطِنٍ لَا نَخْلِطُ الْجِدَّ بِالْهَزْلِ

وَالْحُجْرَةُ: الرُّقْعَةُ مِنَ الْأَرْضِ الْمَحْجُورَةِ بِحَائِطٍ يُحَوِّطُ عَلَيْهَا وَحَظِيرَةُ الْإِبِلِ تُسَمَّى الْحُجْرَةُ، وَهِيَ فُعْلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ ( الْحُجَرَاتِ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ اسْتِثْقَالًا لِلضَّمَّتَيْنِ،  وَقُرِئَ ( الْحُجْرَاتِ ) بِسُكُونِ الْجِيمِ تَخْفِيفًا،  وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ الْمَنْعُ وَكُلُّ مَا مَنَعْتَ أَنْ يُوصَلَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَجَرْتَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُنَادِي بَعْضًا مِنَ الْجُمْلَةِ فَلِهَذَا قَالَ: }أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ{ [ سورة الحجرات:4]".

مما يدل على أن فيهم من يعقل، لكن الأكثر لا يعقلون، وهم هؤلاء الذين نادوا وباشروا النداء ومن أقرهم على ذلك.

 "أَيْ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ جُمْلَةِ قَوْمٍ الْغَالِبِ عَلَيْهِمُ الْجَهْلُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: }وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ ]سورة الحجرات:5[.

أَيْ لَوِ انْتَظَرُوا خُرُوجَكَ لَكَانَ أَصْلَحَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحْتَجِبُ عَنِ النَّاسِ إِلَّا فِي أَوْقَاتٍ يَشْتَغِلُ فِيهِمَا بِمُهِمَّاتِ نَفْسِهِ، فَكَانَ إِزْعَاجُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ. وَقِيلَ: كَانُوا جَاءُوا شُفَعَاءَ فِي أُسَارَى بَنِي عَنْبَرٍ، فَأَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِصْفَهُمْ، وَفَادَى عَلَى النِّصْفِ، وَلَوْ صَبَرُوا لَأَعْتَقَ جَمِيعَهُمْ بِغَيْرِ فِدَاءٍ }وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ ]سورة الحجرات:5[".

الكلام في الآية كثير.

طالب:........................

 طالب: شيخ – أحسن الله إليك- ذكر قيس بن عاصم من أحناف بني تميم، وأن الأحنف تعلم الحلم  على يديه.

صحيح.

طالب: كيف يعني؟

هو معروف بحلمه، مضرب المثل، يعني كما تقدم حين قال ابن الدخشم وكان من المنافقين يمكن نظر إليهم في موقف أو شيء أو وجده مكتوبًا وكثير منهم لا يحرر.

هذا يقول: مقصود كراهة كثرة السؤال في الحديث الوارد هل هو داخل في سؤال العلماء في  كل ما أشكل على طالب العالم؟

السؤال عن العلم مما يشكل من الأمور التي يحتاجها الناس ويحتاجها السائل وغيره داخل في الأمر {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [سورة الأنبياء:7]، وأما السؤال المذموم فهو السؤال للدنيا.

يقول: ما المجال الزمني لأذكار المساء باعتبار قول الله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [سورة ق:39]، هل يجوز لي أن أذكرها بعد المغرب؟

وقتها قبل غروب الشمس، ولا مانع من قضائها بعد غروب الشمس.

اللهم صلِّ على محمد.