شرح مختصر الخرقي - كتاب الجهاد (01)

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال -رحمه الله تعالى-:

"كتاب الجهاد:

والجهاد فرض على الكفاية إذا قام به قوم سقط عن الباقين.

قال أحمد -رحمه الله-: ولا أعلم شيئًا من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد، وغزو البحر أفضل من غزو البر، ويغزا مع كل بر وفاجر، ويقاتِل كل قوم من يليهم من العدو، وتمام الرباط أربعون ليلة، وإذا كان أبواه مسلمين لم يجاهد تطوعًا إلا بإذنهما، وإذا خوطب بالجهاد فلا إذن لأبويه، وكذلك كل الفرائض لا طاعة لهما في تركها، ويقاتَل أهل الكتاب والمجوس، ولا يُدعَون؛ لأن الدعوة قد بلغتهم ولا يُدعَى عبدة الأوثان قبل أن يحارَبوا ويقاتَل أهل الكتب والمجوس حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ويقاتَل من سواهم من الكفار حتى يسلموا، وواجب على الناس إذا جاء العدو أن ينفروا المقل منهم والمكثر، ولا يخرجوا إلى العدو إلا بإذن الأمير إلا أن يفجأهم عدو غالب يخافون كلَبَه، فلا يمكنهم أن يستأذنوا، ولا يدخل مع المسلمين من النساء إلى أرض العدو إلا امرأة طاعنة في السن لسقي الماء ومعالجة الجرحى كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وإذا غزا الأمير.."

يكفي هذا.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "كتاب الجهاد" الكتاب مر التعريف به مرارًا، وذكره في هذا الكتاب أكثر من غيره من كتب الفقه، لماذا؟

طالب: كان في أول التأليف..

ماذا؟

طالب: كان في أول التأليف في أول الأمر..

لا، أنا أقول ذكر كلمة كتاب في هذا الكتاب أكثر من غيره من كتب الفقه؛ لأنه في كثير من الأبواب قال: كتاب، لماذا؟ أشرنا إلى هذا مرارًا؛ لأن الباب هو فرع من الكتاب، والكتاب يتضمن أبوابًا، هذه طريقة التصنيف عند أهل العلم، لكن في هذا الكتاب باعتباره أول متن في الفقه حنبلي لم يتقدمه شيء يحذو حذوه ويجري وراءه التأليف عمومًا في أول الأمر يعتريه ما يعتريه ويكفيه أنه سن السنة، ولا يمنع من وجود شيء من النقص يكمله من يأتي بعده، وعلى هذا مر التعريف مرارًا بكلمة كتاب، وهي مصدر كتب يكتب كتابًا وكتابة وكتْبًا، وهذا تكرار قد يكون مملاًّ لمن سمعه عشرات المرات، والمادة مدارها على الجمع، وقالوا: تكتب بنو فلان إذا اجتمعوا وجماعة الخيل، وهو المناسب هنا، يقال لها: كتيبة، والكلام في هذا يطول، وكتب بين شيئين يعني جمع بينهما، والمراد هنا المكتوب اسم مفعول الجامع لمسائل الجهاد كما تقدمت نظائره مرارًا.

 والجهاد مصدر الفعل الرباعي جاهد يجاهد جهادًا ومجاهدة، وهو بذل الجَهد، ومثله الاجتهاد بذل الجَهد لمقاتَلة العدو، وهناك بذل الجهد واستفراغ الوسع في استخراج المسائل من أدلتها. والجهاد والاجتهاد لا يقال في الأمور اليسيرة، ما يقال: اجتهد وفتح الباب بالمفتاح، يمكن؟! ولا يقال: اجتهد في حمل نواة، لكن اجتهد في حمل الرحى صحيح؛ لأنه في الغالب لا يستطيعها إلا الرجل القوي، فالاجتهاد بذل الجَهد واستفراغ الوسع لمحاربة العدو، والمراد به نصيحة الناس وحيازة الخير والنصح لهم؛ لإدخالهم فيما ينفعهم في دنياهم وأخراهم كما جاء في الخبر: العَجَب لأقوام يُجَرُّون إلى الجنة بالسلاسل. وليس المراد به التسلط على الناس واستباحة دمائهم وأموالهم أبدًا، وإنما هو من نصح المسلمين، وهذا من في شريعتهم لا شك أنها من محاسن هذه الشريعة أن يبذلوا جهدهم؛ لإرغام الناس على الدخول في الدين.

قد يقول قائل: لا إكراه في الدين، فكيف نجاهد الناس؟ لا إكراه في الدين في أول الأمر، ثم أُذِن بالقتال لمن قوتل يكون قتال دفع {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [سورة الحـج:39]، ثم بعد ذلك أذن بجهاد الطلب {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [سورة التوبة:73] يعني مثل هذا الكلام في هذه الأيام قد يستصعبه بعض الناس ويظنه غير مناسب، وعلى كل حال المسألة كلها مربوطة بالاستطاعة والقدرة سواء كان في جهاد الطلب، أما في جهاد الدفع فما فيه مندوحة، لا بد أن تدافع، وجهاد الدفع مما يتعين فيه الجهاد كما سيأتي، وتفريط الأمة بدينها وانتهاك ما حرمه الله -جل وعلا- والانصراف عما أمر الله به أوقع الأمة في كوارث مرت بها في خلال التاريخ، وما سقوط الأندلس وسقوط بغداد وحصار بلاد الشام من قبل تيمور وغيره كوارث يندى لها الجبين، وشيء لا يطاق سماعه، والسبب فيه التخلي عن دين الله، وانصراف الناس عن دين الله.

 ومن الأسباب ترك الجهاد الذي هو ذِروة سنام الإسلام كما جاء في الحديث: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط عليكم ذلاً لا يرفعه حتى تعودوا إلى دينكم» ما فيه عز ولا نصر إلا بالرجوع إلى الله -جل وعلا-.

في تواريخ الأندلس حينما انصرف الناس عن دين الله واشتغلوا بلهوهم ومعاصيهم سلط الله عليهم النصارى، وسلط عليهم الذل، والذي وصل بهم الحد إلى ألا يتمكنوا من الصلاة ولا من الطهارة حتى استفتوا علماء المغرب كيف يتطهرون وهم لا يستطيعون؟ وصل الأمر إلى أن خلعت أبواب بيوتهم، فصار العدو يدخل عليهم في كل ساعة ويفجؤه وهو يصلي يقتله، فكيف يتطهر؟ وكيف يصلي؟ قالوا: تحايل كأنك تحك ظهرك بيديك وتمسحهما بالجدار، وهذا التيمم وصل إلى هذا الحد! والسبب في ذلك انصرافهم عن دين الله، وأما الصلاة بأدنى ما يجزيء بالطرْف حصلت المحاولات والمداولات والصلح بين المسلمين مع النصارى، فتسلط النصارى فقالوا: لكم السهول ولنا الجبال من أجل أن يصطادوهم... يصير سهلاً عليهم القضاء عليهم، فحصل يعني ممانعة أو شيء من هذا فقال الأدفنش رئيسهم أن زوجته لا بد أن تلد في محراب الجامع، الكافر ما يرضيه شيء {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [سورة البقرة:120] لا يرضيه شيء، ثم حصل ما حصل من حرب إبادة واستيلاء واسترقاق وقتل في قضايا لا تخطر على بال عاقل.

 وكذلك لما حاصر تيمور دمشق وأخرجوا له بعض العلماء؛ ليتفاوضوا معه وكان منهم برهان الدين ابن مفلح صاحب المبدِع، فذهب إلى تيمور أو ذهبوا إلى تيمور، فرأوا من قوة بأسه وشدته وخافوا منه مع ما هم فيه من الغفلة واللهو، فطلبوا أن يرجع ويعطوه ما يريدون، وهذه القصة يسوقها من يسوقها على أنها منقبة لابن مفلح، وهذا عند السفاريني في غذاء الألباب، لكن في النجوم الزاهرة ساقها على أنها خُذلان من ابن مفلح للمسلمين وتخذيل منه لهم حتى استسلموا، أنا لا أدري هل للمذهب دور.. السفاريني حنبلي وذاك حنبلي، أو أن الناس ينظرون إلى القضايا من زوايا متعددة، جاء ابن مفلح ومن معه وقال: لا طاقة لكم بتيمور، تيمور طلب عشرة آلاف ألف دينار ذهب، يعني عشرة ملايين دينار جمعوا ما في البلد كله من الذهب وأعطوه إياه، فلما وضعوه بين يديه قال: هذا بحسابكم عشرة آلاف ديناركم ثلث دينار عندنا فرجعوا إليهم وقالوا: هذا الذي يريده ثلاثين ألف ألف، فباعوا ما يملكون وصاروا بلا مال وبلا طعام من أجل أن يكفوا شره، فلما وضعوه بين يديه قال: أعطوني الخطط خطط دمشق، وجاؤوا بها يقول حتى أوقع لكم عليها، فلما وضعت بين يديه، ورأى الأحياء أحياء دمشق بأسمائها، وقواده بين يديه، فقسم هذه الأحياء على القواد، قال: أنت لك هذا، ولك هذا، وأنت لك هذا إلى آخره، بعد ما أنهكهم وأخذ جميع ما بأيديهم، فدخلوا عثوا فيها فسادًا وقتلوا وحرقوا وانتهكوا الأعراض نظير ما يحصل في وقتنا هذا، والتاريخ يعيد نفسه، وما يحصل في الشام الآن لا هو حرب استعمار ولا حرب انتقام، حرب إبادة، يعني كأن العدو يريد أن يبيد هذا الجنس، السبب الإعراض عن دين الله. والله المستعان.

وفي بغداد حصل ما حصل على يد هولاكو ومن معه، بحيث قتل في ثلاث ليالٍ مليون وثمانمائة ألف، يعني الذي يقرأ مثل هذه الأمور في التواريخ سواء كان البداية والنهاية لما حصل في بغداد أو في.. صاحب الكامل قال: أنا لا أستطيع أن أكتب شيئًا، شيء ما يتصوَّر، وصاحب النجوم الزاهرة في الثاني عشر، صفحة مائتين وأربعين وما بعدها كتب قصة تيمور في دمشق، يعني حصل في حرب العراق... على يد الأمريكان ومن معهم من الروافض حصل أن السني يلقى على الأرض ويصب الماء في منخريه، وهذا حاصل عند تيمور، ما هو بجديد، ويأتون بالتراب الناعم جدًّا ويجعلونه في خرق ويلفونها على أنوفهم وأفواههم ويصبون عليها الماء أيضًا، نسأل الله السلامة والعافية، نعوذ بالله من الفتن. أمور وأهوال، هذه أهوال، لكن ما النتيجة؟

علينا أن نرجع إلى ديننا قبل أن يحل بنا ما حل بهم، السنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل ولا تتحوَّل، لكن مع ذلك، علينا جميعًا أن نتواصى ونكون يدًا واحدة مع ولاتنا وعلمائنا؛ لنتدارك الخطر. والله المستعان.

يقول -رحمه الله-: "والجهاد فرض على الكفاية" ونُقل عليه الإجماع بمعنى أنه إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقي، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وصار في حقهم سنة، ونقل عليه الإجماع، لكن في مصنف عبد الرزاق وغيره عن سعيد بن المسيب أنه فرض عين، أنه فرض عين، ولكن الصواب أنه فرض كفاية، وواقع الأمة من عهد نبيها إلى يومنا هذا يدل على ذلك، ما نفر الناس كلهم للجهاد والغزوات يبعثها النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة وهو جالس، ومعه غالب أصحابه، فدل على أن الجهاد فرض كفاية، شارك النبي -عليه الصلاة والسلام- في تسع عشرة غزوة أو أكثر، لكن مع ذلك فيه سرايا يبعثها وهو في المدينة، مما يدل على أنه فرض كفاية، ونقل عليه الإجماع، وأما قول سعيد فلا حظ له من النظر، والواقع يرده.

"والجهاد فرض على الكفاية إذا قام به قوم" يعني يكفون "سقط عن الباقين" هذه حقيقة فرض الكفاية أنه إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، ويكون في حقهم سنة، من أراد أن يشارك بالقدر الزائد لا يجب عليه ولا يأثم إذا ترك، لكنه يؤجر عليه.

"قال أبو عبد الله -رحمه الله-" يعني الإمام أحمد: "ولا أعلم شيئًا من العمل بعد الفرض أفضل من الجهاد" سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أفضل؟ فقال: «إيمان بالله ورسوله» قيل: ثم أيٌّ؟ قال: «جهاد في سبيل الله، جهاد في سبيل الله»، وكما جاء في الأدلة من السنة في الحث عليه والأمر به وبيان فضله وأنه ذروة سنام الإسلام، جاءت النصوص من الكتاب والسنة بالحث والأمر بالجهاد بالنفس والمال، ولكنها في القرآن بالمال أكثر منها بالنفس، بالمال أكثر منها بالنفس لما يفيده المال في هذا الباب أكثر من إفادة النفس أحيانًا، ويظهر هذا جليًّا في وقتنا الحاضر الذي بالمال يشترى السلاح، والسلاح معلوم أنه يغني ما لا يغني عنه البدن؛ لأن الأسلحة الآن فتاكة؛ طائرات ودبابات وصواريخ وشيء لا يأتي بها إلا المال، ويديرها واحد فلا شك أن أثر المال بالغ جدًّا، وإذا تعيَّن على الإنسان أنه لا يوجد من يقود هذه الطائرة أو لا يقود هذه الدبابة إلا الإنسان فلا شك أن مشاركته ببدنه أفضل من مشاركته بماله.

"ولا أعلم شيئًا من العمل بعد الفرض أفضل من الجهاد وغزو البحر أفضل من غزوة البر" وجاء فيه حديث، لكنه لا يسلم من الضعف، غزو البحر أفضل من غزو البر، لماذا؟ لأنه أخطر، الخطر فيه أعظم من الخطر في غزو البر.

"ويغزا مع كل بر وفاجر" يعني من الأمراء من الولاة أو من ينيبونه يغزى معه ولا يقال: والله هذا فاسق وهذا فاجر؛ لأن التخاذل عن الغزو في هذه الصورة يُطمِع العدو ويُضعِف الجانب، ولذا.. وفيه حديث، لكنه ضعيف أيضًا، الغزو مع كل بر وفاجر، لكنها عقيدة اتفق عليها علماء الإسلام، ويقاتل..

"ويقاتِل كل قوم من يليهم من العدو" {قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ} [سورة التوبة:123] الذين يلونكم فإذا كان العدو يقرب من بلد من بلدان المسلمين تعيَّن على هذا البلد وأهل هذا البلد أن يقاتِلوا هذا العدو أكثر من وجوبه على غيرهم {قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} [سورة التوبة:123]، لكن إذا ما كفى الذي يلي تعيَّن على الذين يلونهم، تعيَّن على الذين يلونهم وهكذا.

"وتمام الرباط أربعون ليلة" تمام الرباط أربعون ليلة جاء فيه خبر أن عبد الله بن عمر جاء إلى أبيه بعد أن رابط شهرًا فأشار عليه أن يتم الأربعين، ومن هذا أُخذ هذا الحكم. وعلى كل حال المسألة مسألة حاجة. المسألة مسألة حاجة وكفاية، يعني إذا كان العدد كبيرًا جدًا في الجنود، وقسموا يتناوبون الرباط في هذا الثغر في هذا الحد، فالمسألة مسألة حاجة، من تدعو إليه الحاجة يرابط، فإذا كان القدر زائدًا، يعني يكفي ألف، وعندنا ألوف مؤلفة من الجنود، فيقسَّم عليهم الوقت، وتمام الرباط أربعون ليلة، وأقله ولو ساعة، ولو ساعة، والمرابِط في سبيل الله كالصائم القائم، كالصائم القائم، وهل للمرابط أن يذهب بزوجته وأولاده إلى مكان الثغر الذي يرابط فيه؟

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: ...........

ما فهمت.

طالب: ...........

هو إذا كان عليهم خطر وخوف فهذا ما فيه إشكال، إذا كان عليهم خطر هذا لا إشكال في أنه لا يجوز، وإذا أُمِن هذا الخطر كانوا في مأمن، وهو محتاج إليهم أحيانًا الحاجة تدعو، وشهوته تشتد إذا بعُد عن أهله، فماذا تقول له؟ يعني المسألة موازنة، فإذا خيف عليهم فلا يجوز تعريضهم للضرر، لا يجوز بحال أن يعرَّض للضرر.

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: ...........

ويترك أهله؟

طالب: ...........

ستة أشهر.

طالب: ...........

نعم ستة أشهر.

"وإذا كان أبواه مسلمين لم يجاهِد تطوُّعًا إلا بإذنهما" وإذا كان أبواه مسلمَين والأبوان هما الأم والأب من باب التغليب، يقال: أبوان كما يقال: القمران والعمران.

لم يجاهد تطوعًا إلا بإذنهما، جاء يستأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الجهاد فقال له- عليه الصلاة والسلام-: «أحي والداك؟» قال: نعم. قال: «ففيهما فجاهد، ففيهما فجاهد، ففيهما فجاهد» هذا إذا كان الجهاد تطوعًا، أما إذا كان فرضًا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق كسائر الفرائض، كسائر الفرائض، ما فيه استئذان.

طالب: لكن أحسن الله إليك، إذا بلغ بهما الكبر إلى حد الخَرَف، فهل لهما إذن أو يبقى عندهما ولا يُؤذَن له أصلاً في الجهاد؟

على حسب الحاجة، إذا كانا يحتاجانه فلا بد أن يجلس عندهما؛ لأن إذنهما مثل عدمه، إذنهما مثل عدمه، إذا كانا في غنية عنه، لا يحتاجانه فلا يحتاج إلى الإذن؛ لأن الإذن لا أثر له إذا كانا مسلمَين..

طالب: ...........

نعم الجد والجدة هل لهما حكم الأب والأم؟ مع عدم وجودهما نعم مع عدم وجود الأب والأم هل يقوم الجد والجدة مقام الأبوين فلا بد من إذنهما؟ في النصوص جاءت تسمية الجد أبًا، جاءت تسمية الجد أبًا.

إذا كان الأب والأم عندهما جمع من الأولاد مثلاً عندهما خمسة أولاد، واستأذنوا، أراد أن يجاهد واحد منهم، هما ليسا بحاجته، هل يؤثِّر عدم الإذن؟ إطلاق الحديث يدل على التأثير أنه لا بد من الاستئذان؛ لأنه ليس المنظور إلى الكفاية ورفع الحاجة مفردًا مستقلاًّ بالحكم، بل معه الشفقة على الولد، والشفقة موجودة، الشفقة موجودة فيمن له ولد أو من له عشرة موجودة، ويبقى أن هذا في جهاد التطوع لا في جهاد الفرض، جهاد الفرض لا بد أن يجاهِد ولو لم يكن لهما غيره، لا بد أن يجاهد، وإذا كان أبواه مسلمَين وأنا جئت بكثرة الولد؛ لأن الجد مظنة لأن يكون أولاده وأحفاده أكثر من مجرد الأب؛ لأن له أكثر من ولد وأولاده وأولادهم لهم أولاد، فتكون المسألة أوسع من مسألة الأب.

قبل إذن الأبوين إذن ولي الأمر، وفي أكثر من حديث من جاء ليستأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الجهاد يستأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الجهاد فيأذن أو يمنع؛ لوجود مانع كما في مسألة الأبوين، واكتُتِب في الجهاد ومنعه النبي -عليه الصلاة والسلام- من أجل أن زوجته ذهبت لتحج. المقصود أن إذن ولي الأمر معتبر، فلا بد من إذنه سواء كان برًّا أو فاجرًا كما تقدَّم، لا بد من إذنه وإلا صارت المسألة فوضى كل واحد يريد أن يذهب إلى جهة لا بد من إذن ولي الأمر الذي يرعى مصالح الأمة، ونظره في هذه الأبواب ومعرفته بالأعداء تختلف عن نظرة الشعوب، الشعوب أحيانًا يخفى عليهم أمور السياسة وأمور ما يدور في البلدان.

وعلى كل حال بدون والٍ وبدون رأس تضيع الأمور، ولو ترك الاجتهاد لآحاد الناس وأفرادهم لحصل الاضطراب العظيم، واختلفوا عند كل شيء، وقد يقتل بعضهم بعضًا. والواقع يشهد بذلك الحروب التي تدور من حوالينا هذه الحروب في أول الأمر يذهبون ونياتهم صالحة ولا يُشَك فيها ليقاتلوا عدوًّا ضروسًا يقتل المسلمين، ثم يحصل بينهم من الخلاف ما يحصل؛ لأنه ليس لهم رأس، فلا يلبثون أن يتقاتلوا بينهم، فلا بد من الانضواء تحت راية واحدة، ولا بد من إمام يجمعهم ويوحد كلمتهم ويرجعون إليه، والله المستعان.

الخلل موجود، الآن لا يوجَد إمام يوحِّد الناس، وهذا من القدم من القرن الأول تفرقت الأمة، وصار كل إقليم له إمام، لكن الأمر يزداد سوءًا، ولا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، فأقل الأحوال أن يكون الإقليم الواحد له رأس واحد، يرجع إليه ويلتف حوله، وينصح له رعيته كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- الدين النصيحة، وينصح لرعيته، ويرعى مصالحهم، فالأمر والمصلحة متبادَلة بين الطرفين.

 إذا كان أبواه مسلمَين مفهومه أنه إذا كان الأبوان مشركَين فلا إذن لهما، لماذا؟ لأن المشرك يمنع ولده من مقاتلة المشركين، لا، ولا بد أن يمنع ولده من مقاتلة المشركين يقول: مسلمَين، ولم يُنَص على أنهما حران.

طالب: ........

ماذا؟

طالب: ........

بين ماذا؟

طالب: ........

مهما كان الكافر فلن يتحمس لإعلاء كلمة الله، ولن يترك ولده ليجاهد.

طالب: ........

نعم، ولكن شفقة كافر في مقابل مصلحة إسلام ومسلمين.

طالب: أحسن الله إليك، فيه وجه آخر ألا يقال: إن الاستئذان لا يكون إلا لمن له ولاية، والكافر لا ولاية له.

ليس له ولاية {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [سورة النساء:141]، طيب إذا كان الأبوان عبدين، فهل لهما أن يمنعا الولد من الجهاد؟ هو قال: مسلمين ولم يقل: حرين.

طالب: ........

نعم ما فيه فرق بين الحر والعبد؛ لأنه أب ويصدق عليه حديث: «ففيهما فجاهد».

لم يجاهد تطوعًا إلا بإذنهما، أما إذا كان فرضًا فلا إذن للأبوين ولا لغيرهما إذا كان الجهاد فرضًا.

 "وإذا خوطب بالجهاد" يعني تعيَّن عليه، "إذا خوطب بالجهاد فلا إذن لأبويه"؛ لأنه لو نهاه أن يصلي، أو هل يُلزَم الابن باستئذان أبيه في الواجبات؟ لا.

فلا إذن لأبويه "وكذلك كل الفرائض" لو كان الابن يعمل في تجارة أبيه، وأراد أن يصلي، يستأذن من أبيه؟ أو أراد أن يصوم والصيام يضعفه عن العمل بالتجارة، هل لأبيه أن يمنعه؟ لا، ليس له أن يمنعه، ومن مَنع فهو عاصٍ، ولا طاعة له في معصية الله -جل وعلا-.

طالب: لكن أحسن الله إليك، لو كان الواجب موسَّعًا كالحج، فهل يختلف عن غير الموسَّع؟

يعني عند من يقول: إنه على التراخي، والمنع له وجه، يعني له حاجة قائمة، الأب عنده ظرف يقتضي وجود الابن يجري عملية مثلاً عند من يقول: إنه موسَّع، يمنعه.

"فلا إذن لأبويه، وكذلك كل الفرائض لا طاعة لهما في تركه" لما اتفق عليه وأجمع عليه: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

 "ويقاتَل أهل الكتاب" وهم اليهود والنصارى، يقول: يقاتَل أهل الكتاب والمجوس "يقاتَل أهل الكتاب والمجوس ولا يُدعَون" النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا بعث سرية قال لأميرها: أول ما تبدأ ادعهم إلى دين الله. يُدعَون إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا، فأعلمهم أن الله افترض عليهم جزية إذا كانوا من اليهود والنصارى، والمجوس في حكمهم؛ لما جاء من حديث: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب»، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أخذ الجزية من مجوس هجر، يقاتَل أهل الكتاب والمجوس ولا يُدعَون؛ لأن الدعوة قد بلغتهم، وإذا بلغت الدعوة فلا يحتاج  أن تكرر؛ لأن النبي- عليه الصلاة والسلام- أغار على بني المصطِلق وهم غارُّون، يعني غافلون، لماذا؟ لأنهم بلغتهم الدعوة، وإلا فالأصل {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [سورة الإسراء:15] لا بد من تبليغ الدعوة، قبل تبليغ الدعوة ما يجوز.

تفضَّل.

طالب: ........

لا، هم يستدلون على هذا بأن فارس والروم بلغتهم الدعوة.

طالب: ........

هم يستدلون بأن أهل الكتاب لم يدعَوا؛ لأنهم بلغتهم الدعوة، يستدلون بهذا، ولا يقاتَل أهل الكتاب الذين هم اليهود والنصارى، والمجوس في حكمهم؛ لما جاء في الخبر: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب»، وأخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- أخذ الجزية من مجوس هجر؛ "لأن الدعوة قد بلغتهم" والدليل على ذلك، بل أوضح دليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أغار على بني المصطلق وهم غارُّون.

طالب: ........

المقصود أنهم غافلون.

طالب: لكن أحسن الله إليك، «إنك تأتي قومًا أهل كتاب» فأمره بدعوتهم قبل القتال.

لكن أرسل لهم خطابات مثل كسرى وقيصر أرسل لهم شيء؟ لا، ما هو لأن الوصف أهل كتاب قالوا لأن الدعوتة بلغتهم.

طالب: ........

لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أرسل إلى قيصر وكسرى ومن في جهتهم الكتابات التي وصلتهم وقرؤوها وتبينوا الدعوة وما بقي عليهم حجة.

طالب: لكن وجود صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند أهل الكتاب في كتابهم وجود صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند أهل الكتاب في كتابهم ألا يكون هذا حجة عليهم؟ وبهذا..

هو فيه حجة عليهم، لكن كونه هو المقصود في كتبهم يحتاج إلى بيان، ولذلك هرقل لما دعا أبا سفيان وسأله أسئلة وأجابوا عليها تحقق بأنه هو المراد -عليه الصلاة والسلام-.

"ولا يدعَون؛ لأن الدعوة قد بلغتهم ويُدعَى عبدة الأوثان قبل أن يحارَبوا" ويدعى عبدة الأوثان قبل أن يحاربوا، طيب عبدة أوثان قريبون من المسلمين ويعرفون الدين بالتفصيل يقال: يدعَون هؤلاء؟ بل قد يكون بلغهم من الدعوة أكثر مما بلغ أهل الكتاب، فالوصف المؤثر هو بلوغ الدعوة، بلوغ الدعوة، فمن بلغته الدعوة لا يحتاج أن تكرر، ومن لم تبلغه الدعوة لا بد أن يدعى. "فيقاتَل أهل الكتاب والمجوس، فيقاتَل أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" يعني لهم خيار إن أسلموا فهذا هو المطلوب، إن لم يسلموا {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [سورة التوبة:29] الحكم منصوص عليه بالقرآن، للأسف أنه يكتب الآن من كتاب ينتسبون إلى الإسلام أن الجزية لا قيمة لها الآن، وهي في حكم المنسوخ في حكم المنسوخ لماذا؟ من باب الانهزام والضعف، صحيح إذا الآن الأمة في ظرف لا يمكنها من أن تفرض على غيرها، ويخشى أن يفرض عليها، فالمسألة مسألة قدرة كل الأمور في هذه الأبواب مبنية على القدرة. نقول: يجب الجهاد، والأمة في هذا الظرف الذي تعيشه من الضعف، يعني هل يليق بعاقل أن يرى أسدًا نائمًا فيضربه برجله يقول: هذا نوع انتقام، لكن ما النتيجة؟ ينتبه ويأكله.

 وعلى كل حال لو عاد الناس إلى دينهم وبذلوا أسباب النصر {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [سورة محمد:7] ما وقف في وجوههم أحد قل أو كثر مهما كانت قوة العدو، لكن مع الأسف انصراف الناس عن دينهم، وإعراضهم عن ربهم ضرب عليهم الذل الذي يعيشونه رغم كثرتهم، يعني الأمة ما صارت بالنسبة للعَدد والعُدد والمال والمواقع الاستراتيجية على ما يقولون ما عمرها صارت مثل هذا الوقت مليار ونصف، لما قيل له -عليه الصلاة والسلام-: أمِن قلة يا رسول الله؟ قال: «لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل»، إذا تداعت الأمم وبوادر هذا التداعي موجودة، نسأل الله -جل وعلا- أن يجعل العواقب حميدة وإلا فالوضع مخيف، وما فيه حل إلا الرجوع إلى الله وإلى دينه، ما فيه حل غيره، سنن إلهية {إِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [سورة محمد:38] ما فيه غير هذا، هذا كلام الله -جل وعلا- {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [سورة ق:29].

طالب: ........

ماذا؟

طالب: ........

{إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [سورة محمد:7] شرط وجوابه وجزاؤه.

"فيقاتَل أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ويقاتَل من سواهم من الكفار حتى يسلموا" ما فيه جزية، الكفار غير أهل الكتاب والمجوس إما الإسلام وإما القتال، والمسألة خلافية منهم من يقول: تؤخذ الجزية من جميع ملل الكفر من اليهود والنصارى والمجوس والمشركين العرب والعجم، ومنهم من يقول: تؤخذ من العجم دون العرب إلى غير ذلك من الأقوال. وعلى كل حال النص الوارد في كتاب الله في أهل الكتاب ومنهم من يقول: لا فرق أهل الكتاب مشركون فغيرهم في حكمهم، والمجوس يعبدون النار، فما الفرق بينهم وبين من يعبد الأحجار؟! فيرون التعميم، ويرون أن الجزية تؤخذ من كل كافر إن لم يسلم، ومنهم من يقصر الحكم على مورد النص. وعلى كل حال نسأل الله -جل وعلا- أن يعيد للأمة مجدها وسؤددها وقوتها.

لو قرأنا في أحكام أهل الذمة لابن القيم، ونظرنا إلى واقعنا، القلب يتقطع أسى لما انحدر إليه الوضع، ومن عقود، من قرون فما هو بجديد، لكن الأمة تقوى وتنشط وتضعف، لكن في وقتنا الذي نعيشه لا نظير له في السابق.

ابن القيم -رحمه الله- يقول:

وأي اغتراب فوق غربتنا التي

 

لها أضحت الأعداء فينا تحكم

ابن القيم متى مات؟ سبعمائة وواحد وخمسين. كم له الآن؟ حوالي سبعة قرون ما بقي إلا اثنا عشر سنة أو ثلاثة عشر وتكمل سبعة قرون.

وأي اغتراب فوق غربتنا التي

 

لها أضحت الأعداء فينا تحكم

كيف لو رأى ما يعيشه المسلمون في كثير من الأقطار؟ انظر التحكم كيف يكون والعدو يتحكم بأيدي مسلمين مع الأسف وهذا أنكى وأشد.

وواجب على الناس..

بقي شيء؟

نقف على هذا، باقٍ دقيقتان..

طالب: ........

كم يتبقى؟

طالب: ........

نعم؛ لأنهم يتضايقون، عندنا محلات أول يوم طولنا وماشٍ.. وهذا موقف زين.. كملنا ثمانية أشهر واقفين؟

طالب: ........

أقل أقل.. والله اليوم ثمان وعشرين، ثمان وعشرون، خلاص ثمانية أشهر.. إن شاء الله ما فيه وقوف.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.. اللهم صل وسلم على البشير النذير..