التعليق على تفسير القرطبي - سورة الذاريات (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

 قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-: "سورة والذاريات، مكية في قول الجميع، وهي ستون آية.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ}.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَاجِيَةَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ".

يعني عادة المحدثين قبل حدثنا يقولون قال، حدثنا عبد الله بن ناجية قال حدثنا يعقوب قال حدثنا مكي.

عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: إِنِّي مَرَرْتُ بِرَجُلٍ يَسْأَلُ عَنْ تَفْسِيرِ مُشْكَلِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ أَمْكِنِّي مِنْهُ، فَدَخَلَ الرَّجُلُ عَلَى عُمَرَ يَوْمًا وَهُوَ لَابِسٌ ثِيَابًا وَعِمَامَةً وَعُمَرُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا؟ فَقَامَ عُمَرُ فَحَسِرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَجَعَلَ يَجْلِدُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلْبِسُوهُ ثِيَابَهُ وَاحْمِلُوهُ عَلَى قَتَبٍ وَأَبْلِغُوا بِهِ حَيَّهُ، ثُمَّ لْيَقُمْ خَطِيبًا فَلْيَقُلْ: إِنَّ صَبِيغًا طَلَبَ الْعِلْمَ فَأَخْطَأَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَضِيعًا فِي قَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ سَيِّدًا فِيهِمْ. وَعَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّ ابْنَ الْكَوَّاءِ سَأَلَ".

لأنه يتتبع المشكل، إذا قرأ الإنسان القرآن، لا يريد به الانتفاع والنفع، وإنما يريد فيه تتبع المشكل؛ إما ليبين ما فيه خلل، إن وجد، أو ليتعالم به على الناس، فلا شك أنه يحتاج إلى مثل هذه العقوبة، وبدلاً من أن يرفعه الله بالقرآن يضعه الله بالقرآن، «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين»، ومن غير المسلمين من تعلم القرآن، تعلم علوم القرآن، وقرأ في تفسير القرآن، لا لينتفع ولا لينفع، وإنما ليجد ما يرد به على المسلمين كطريقة المستشرقين، نسأل الله العافية، فولي الأمر إذا رأى من هذا النوع، مثل صبيغ، أو غيره ممن يتتبعون المشكل، يتتبعون المتشابه؛ فعليه أن يؤدبهم، وأن يعزرهم؛ حتى لا يشكل على الناس، ويدخل عليهم الشبه، فمثل هذا يحتاج إلى مثل هذه العقوبة.

طالب:....

لا، حكاية هذا، سورة المؤمنون.

"وَعَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّ ابْنَ الْكَوَّاءِ سَأَلَ عَلِيًّا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُومِنِينَ مَا والذَّارِيَاتِ ذَرْوًا؟ قَالَ: وَيْلَكَ، سَلْ تَفَقُّهًا وَلَا تَسْأَلْ تَعَنُّتًا، {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} الرِّيَاحُ، {فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا} السَّحَابُ، {فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا} السُّفُنُ، {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} الْمَلَائِكَةُ. وَرَوَى الْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه-: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا".

علي -رضي الله عنه- فهم المقصود، وفهم المراد، من أسئلة ابن الكواء، وبيَّن الحق، قال: "ويلك سل تفقّهًا، ولا تسأل تعنُّتًا"، ثم فسَّر له ما أراد، وعلي -رضي الله عنه- الوقت الذي هو فيه ليس كالوقت الذي كان فيه عمر، ولا زال الناس يضعفون إلى يومنا هذا، وعلي في شخصيته وتركيبته وفي طبيعته ليس كشخصية عمر -رضي الله عنه- في القوة والشدة في الحق.

"قَالَ: الرِّيَاحُ {فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا} قَالَ: السَّحَابُ تَحْمِلُ الْمَاءَ كَمَا تَحْمِلُ ذَوَاتُ الْأَرْبَعِ الْوِقْرَ {فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا} قَالَ: السُّفُنُ مُوقَرَةٌ".

 يعني محملة بهذه المنتوجات، التي نتجت عن هذه السحاب التي أثارته الرياح.

"{فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} قَالَ: الْمَلَائِكَةُ تَأْتِي بِأَمْرٍ مُخْتَلِفٍ، جِبْرِيلُ بِالْغِلْظَةِ، وَمِيكَائِيلُ صَاحِبُ الرَّحْمَةِ، وَمَلَكُ الْمَوْتِ يَأْتِي بِالْمَوْتِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: وَقِيلَ: تَأْتِي بِأَمْرٍ مُخْتَلِفٍ مِنَ الْخِصْبِ وَالْجَدْبِ وَالْمَطَرِ وَالْمَوْتِ وَالْحَوَادِثِ. وَيُقَالُ: ذَرَتِ الرِّيحُ التُّرَابَ تَذْرُوهُ ذَرْوًا وَتَذْرِيهِ ذَرْيًا. ثُمَّ قالَ: "وَالذَّارِيَاتِ" وَمَا بَعْدَهُ أَقْسَامٌ، وَإِذَا أَقْسَمَ الرَّبُّ بِشَيْءٍ أَثْبَتَ لَهُ شَرَفًا، وقيل.

وله –جل وعلا- أن يُقسم بما شاء من مخلوقاته، لكن المخلوق لا يجوز له أن يقسم بغير الله؛ « «من حلف بغير الله فقد أشرك».

"وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَرَبِّ الذَّارِيَاتِ، وَالْجَوَابُ إِنَّمَا تُوعَدُونَ، أَيِ: الَّذِي تُوعَدُونَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لَصَادِقٌ لَا كَذِبَ فِيهِ، وَمَعْنَى {لَصَادِقٌ} لَصِدْقٌ، وَقَعَ الِاسْمُ مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ".

{وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ}، كما وقع عكسه، المصدر يقع موقع الاسم، كما نقول: فلان عدل، المراد به عادل ومعتدل.

"{وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} يَعْنِي الْجَزَاءُ نَازِلٌ بِكُمْ. ثُمَّ ابْتَدَأَ قَسَمًا آخَرَ فَقَالَ".

 مالك يوم الدين، يعني الجزاء والحساب، وهنا إن الدين لواقع يعني الجزاء نازل بكم.

"ثم ابتدأ قَسَمًا آخر فقال: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ وَقِيلَ: إِنَّ الذَّارِيَاتِ النِّسَاءُ الْوَلُودَاتُ؛ لِأَنَّ فِي ذِرَايَتِهِنَّ ذَرْو الْخَلْقِ؛ لِأَنَّهُنَّ يَذْرِينَ الْأَوْلَادَ فَصِرْنَ ذَارِيَاتٍ، وَأَقْسَمَ بِهِنَّ".

 والأولاد ذرية، فالمادة تساعد على هذا التفسير.

"وَأَقْسَمَ بِهِنَّ لِمَا فِي تَرَائِبِهِنَّ مِنْ خِيرَةِ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ. وَخَصَّ النِّسَاءَ بِذَلِكَ دُونَ الرِّجَالِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَارِيًا لِأَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا: لِأَنَّهُنَّ أَوْعِيَةٌ دُونَ الرِّجَالِ، فَلِاجْتِمَاعِ الذَّرْوَيْنِ فِيهِنَّ خُصِصْنَ بِالذِّكْرِ. الثَّانِي: أَنَّ الذَّرْوَ فِيهِنَّ أَطْوَلُ زَمَانًا، وَهُنَّ بِالْمُبَاشَرَةِ أَقْرَبُ عَهْدًا".

 لاجتماع الذروين هن أوعية بلا شك، وأوعية محسوسة، بخلاف كون الرجل وعاءً، لكنه غير محسوس، لا الرجل نفسه يحس بأنه وعاء ولا غيره يحس بأن له وعاءً، بخلاف الأم، كلٌّ يحس بأن بطنها له وعاء، إضافة إلى ما تشارك به الرجل من الوعاء الذي لا يحس به؛ فالذرية كما هي في أصلاب الرجال هي أيضًا في ترائب النساء، وهذا شيء أثبته الله -جل وعلا-، لكن الناس لا يحسون به، وأما الوعاء الذي يحس به كل أحد فهو البطن، يخص النساء بذلك دون الرجال.

 "{فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا} السَّحَابُ. وَقِيلَ: الْحَامِلَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِذَا ثَقُلْنَ بِالْحَمْلِ. وَ" الْوِقْرُ" بِكَسْرِ الْوَاوِ ثِقْلُ الْحِمْلِ عَلَى ظَهْرٍ أَوْ فِي بَطْنٍ، يُقَالُ: جَاءَ يَحْمِلُ وِقْرَهُ وَقَدْ أَوْقَرَ بَعِيرَهُ. وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ الْوِقْرُ فِي حَمْلِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَالْوَسْقُ فِي حِمْلِ الْبَعِيرِ. وَهَذِهِ امْرَأَةٌ مُوقَرَةٌ بِفَتْحِ الْقَافِ إِذَا حَمَلَتْ حَمْلًا ثَقِيلًا. وَأَوْقَرَتِ النَّخْلَةُ كَثُرَ حَمْلُهَا؛ يُقَالُ: نَخْلَةٌ مُوقِرَةٌ وَمُوقِرٌ وَمُوقَرَةٌ، وَحُكِيَ مُوقَرٌ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لِلنَّخْلَةِ.

 وهي مؤنثة، واستعمال الوقر في حمل البغل والحمار فهو وصف مازال جاريًا عند أهله، يسمون ما يحمل على الحمار، إذا كان بقدر استطاعته، إذا كان كثيرًا يسمونه وقرًا، وله وعاء معروف عندهم يسمى بهذا الاسم أيضًا.

"وَإِنَّمَا قِيلَ: مُوقِرٌ بِكَسْرِ الْقَافِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِكَ: امْرَأَةٌ حَامِلٌ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الشَّجَرِ مُشَبَّهٌ بِحَمْلِ النِّسَاءِ، فَأَمَّا مُوقَرٌ بِالْفَتْحِ فَشَاذٌّ، وَقَدْ رُوِيَ فِي قَوْلِ لَبِيَدٍ يَصِفُ نَخِيلًا:

                عَصَبٌ كَوَارِعُ فِي خَلِيجٍ مُحَلِّمٍ          حَمَلَتْ فَمِنْهَا مُوقَرٌ مَكْمُومُ"

نخيل أم ...؟

طالب: خليج.

عندنا نخيل.

طيب.

                "عَصَبٌ كَوَارِعُ فِي خَلِيجٍ مُحَلِّمٍ          حَمَلَتْ فَمِنْهَا مُوقَرٌ مَكْمُومُ

وَالْجَمْعُ مَوَاقِرُ. فَأَمَّا الْوَقْرُ بِالْفَتْحِ فَهُوَ ثِقَلُ الْأُذُنِ، وَقَدْ وَقِرَتْ أُذُنُهُ تَوْقَرُ وَقْرًا أَيْ صُمَّتْ، وَقِيَاسُ مَصْدَرِهِ التَّحْرِيكُ إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ بِالتَّسْكِينِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْأَنْعَامِ" الْقَوْلُ فِيهِ. {فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا} السُّفُنُ تَجْرِي بِالرِّيَاحِ يُسْرًا إِلَى حَيْثُ سُيِّرَتْ. وَقِيلَ: السَّحَابُ، وَفِي جَرْيِهَا يُسْرًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: إِلَى حَيْثُ يُسَيِّرُهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْبِلَادِ وَالْبِقَاعِ. الثَّانِي: هُوَ سُهُولَةُ تَسْيِيرِهَا، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ".

 هذه الجاريات السفن التي أقسم الله بها، أو عطف على المقسم بها هذه الميسرة، الموصوفة بكونها يسرًا، التي يسَّرها الله -جلا وعلا- لركابها، ولكن من الجاريات ما ليست ميسرة، لاسيما إذا هبت بها الرياح من أمامها، دفعتها إلى الخلف، فزادت المشقة على ركابها، وهذا ليس إليها، وإنما بسبب هذه الرياح التي تردّها، ذكر ابن جبير في رحلته أنهم لما شارفوا بلاد الأندلس، في مدة طويلة، جاءتهم ريح فردتهم إلى سواحل الشام في مدة يسيرة، عكس ما يريدون، فليست كل الجاريات ميسرة، اللهم إلا ما أراد الله تعالى تيسيرها، لذا منع كثير من أهل العلماء ركوب البحر عند هيجانه؛ لأنه خطر، ونازع بعضهم في وجوب الحج إذا لم يوجد إلا ركوب البحر، مع أن عامة أهل العلم على أنه لازم؛ لأنها وإن كان فيها نسبة من الخطر، كما في وسائل النقل الجوية فيها نسبة من الخطر، ولكنها ضعيفة لا يلتفت إليها، والأصل فيها أنها ميسرة، إلا إذا جاءها ما يخل بهذا التيسير.

طالب:...

نعم.

طالب: .......  

هذا يدل على أنه السفن.

طالب: .......

جرين بهم.

طالب: .......

الجواري في البحر كالأعلام.

"وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:

                 كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جَارَتِهَا       مَشْيَ السَّحَابَةِ لَا رَيْثٌ وَلَا عَجَلُ

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} قِيلَ: الْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ هَاهُنَا السُّحُبُ الَّتِي تُظِلُّ الْأَرْضَ. وَقِيلَ: السَّمَاءُ الْمَرْفُوعَةُ. قال ابْنُ عُمَرَ: هِيَ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ.

وَفِي الْحُبُكِ أَقْوَالٌ سَبْعَةٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالرَّبِيعُ: ذَاتُ الْخَلْقِ الْحَسَنِ الْمُسْتَوِي".

 يعني الخلق الذي لا خلل فيه، محبوك متقن مضبوط، لا خلل فيه.

"وَقَالَهُ عِكْرِمَةُ، قَالَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى النَّسَّاجِ إِذَا نَسَجَ الثَّوْبَ فَأَجَادَ نَسْجَهُ، يُقَالُ مِنْهُ: حَبَكَ الثَّوْبَ يَحْبِكُهُ بِالْكَسْرِ حَبْكًا أَيْ أَجَادَ نَسْجَهُ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: كُلُّ شَيْءٍ أَحْكَمْتَهُ وَأَحْسَنْتَ عَمَلَهُ فَقَدِ احْتَبَكْتَهُ".

 وما زال هذا اللفظ مستعملًا في التجليد، تجليد الكتب يسمونه حبكًا. ما قال: تجليد، يعني عند العامة، ومن يجلد لهم، ليس على الطرق الحديثة، بالآلات وهكذا، إنما يجلد بيده، نوع من التجليد موجود إلى الآن يسمونه حبكًا.

"وَالثَّانِي: ذَاتُ الزِّينَةِ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا: ذَاتُ النُّجُومِ وَهُوَ الثَّالِثُ".

 ويمكن إدخاله في الثاني، النجوم زينة، وإن كان فائدتها أعم من الزينة.

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

ذات وزينة؟

طالب: .......

لا، لكن بينهما فرق، والنجوم زينة.

"الرَّابِعُ: قَالَ الضَّحَّاكُ: ذَاتُ الطَّرَائِقِ، يُقَالُ لِمَا تَرَاهُ فِي الْمَاءِ وَالرَّمْلِ إِذَا أَصَابَتْهُ الرِّيحُ: حُبُكٌ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْفَرَّاءِ، قَالَ: الْحُبُكُ تَكَسُّرُ كُلِّ شَيْءٍ كَالرَّمْلِ إِذَا مَرَّتْ بِهِ الرِّيحُ السَّاكِنَةُ، وَالْمَاءِ الْقَائِمِ إِذَا مَرَّتْ بِهِ الرِّيحُ، وَدِرْعُ الْحَدِيدِ لَهَا حُبُكٌ، وَالشَّعْرَةُ الْجَعْدَةُ تَكَسُّرُهَا حُبُكٌ. وَفِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ: «إنَّ شَعْرَهُ حُبُكٌ». قَالَ زُهَيْرٌ:

مُكَلَّلٌ بِأُصُولِ النَّجْمِ تَنْسِجُهُ              رِيحٌ خَرِيقٌ لِضَاحِي مَائِهِ حُبُكُ"

حديث الدجال مخرج بهذا اللفظ؟

طالب:.... وإسناده قوي.

نعم، ما يضر، رجل صحب النبي خلاص.

"وَلَكِنَّهَا تَبْعُدُ مِنَ الْعِبَادِ فَلَا يَرَوْنَهَا.

 الْخَامِسُ: ذَاتُ الشِّدَّةِ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَقَرَأَ { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا}.  وَالْمَحْبُوكُ الشَّدِيدُ الْخَلْقِ مِنَ الْفَرَسِ وَغَيْرِهِ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

قَدْ غَدَا يَحْمِلُنِي فِي أَنْفِهِ             لَاحِقُ الْإِطْلَيْنِ مَحْبُوكٌ مُمَرْ"

في الحاشية يقول: الإطل الخاصرة كلها، وقيل غير ذلك، قد غدا يحملني في أنفه، لاحق الإطلين محبوك ممر، البيت كله غريب.

طالب: .....

يظهر من الكلام، أنها طبقات، يعني أن الرياح الهادئة إذا مرت بالرمل، بالكثيب من الرمل تره مقسمًا؛ هذا من خلال كلامه.

"وَقَالَ آخَرُ:

مرج الذين"

الدين.

طالب: .......

نعم.

                 " مَرِجَ الدِّينُ فَأَعْدَدْتُ لَهُ          مُشْرِفَ الْحَارِكِ مَحْبُوكَ الْكَتَدْ 

 وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- كَانَتْ تَحْتَبِكُ تَحْتَ الدِّرْعِ فِي الصَّلَاةِ، أَيْ تَشُدُّ الْإِزَارَ وَتُحْكِمُهُ.

السَّادِسُ: ذَاتُ الصَّفَاقَةِ، قَالَهُ خُصَيْفٌ، وَمِنْهُ ثَوْبٌ صَفِيقٌ وَوَجْهٌ صَفِيقٌ بَيِّنُ الصَّفَاقَةِ.

السَّابِعُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّرُقِ الْمَجَرَّةُ الَّتِي فِي السَّمَاءِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَأَثَرِ الْمَجَرِّ".

 وأثر الجر معروف تأثيره فيما يجر عليه يؤثر، مثلما تؤثر الرياح في المر.

"وَ"الْحُبُكُ " جَمْعُ حِبَاكٍ، قَالَ الرَّاجِزُ 

 

       كَأَنَّمَا جَلَّلَهَا الْحُوَّاكُ  

 

طِنْفِسَةٌ فِي وَشْيِهَا حِبَاكُ

 

وَالْحِبَاكُ وَالْحَبِيكَةُ الطَّرِيقَةُ فِي الرَّمْلِ وَنَحْوِهُ . وَجَمْعُ الْحِبَاكِ حُبُكٌ وَجَمْعُ الْحَبِيكَةِ حَبَائِكُ، وَالْحَبَكَةُ مِثْلُ الْعَبَكَةِ، وَهِيَ الْحَبَّةُ مِنَ السَّوِيقِ، عَنِ الْجَوْهَرِيِّ .وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: { ذَاتِ الْحُبُكِ} " الْحُبْكِ " وَ"الْحِبِكِ" وَ"الْحِبْكِ" وَ"الْحِبَكِ " وَ "الْحِبُكِ " وَقَرَأَ أَيْضًا " الْحُبُكِ" كَالْجَمَاعَةِ. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَأَبِي مِجْلَزٍ " الْحُبُكِ "، وَ"الْحُبُكِ " وَاحِدَتُهَا حَبِيكَةٌ، وَ"الْحُبْكُ " مُخَفَّفٌ مِنْهُ. وَ"الْحِبَكُ" وَاحِدَتُهَا حِبْكَةٌ. وَمَنْ قَرَأَ "الْحُبَكِ" فَالْوَاحِدَةُ حُبْكَةٌ كَبُرْقَةٍ وَبُرَقٍ أَوْ حُبُكَةٍ كَظُلُمَةٍ وَظُلَمٍ، وَمَنْ قَرَأَ "الْحِبِكُ" فَهُوَ كَإِبِلٍ وَإِطِلٍ وَ" الْحِبْكِ " مُخَفَّفَةٌ مِنْهُ. وَمَنْ قَرَأَ "الْحِبُكِ" فَهُوَ شَاذٌّ؛ إِذْ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِعُلٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَدَاخُلِ اللُّغَاتِ، كَأَنَّهُ كَسَرَ الْحَاءَ لِيَكْسِرَ الْبَاءَ ثُمَّ تَصَوَّرَ الْحُبُكَ فَضَمَّ الْبَاءَ. وَقَالَ جَمِيعُهُ الْمَهْدَوِيُّ".

 يقول: هو محمول على تداخل اللغات، يعني المذكور في اللفظة سابقًا، كأنه كسر الحاء ليكسر الباء، ثم تصور الحبك فضم الباء، هذا كلام عليل، يعلِّلون بمثل هذا إذا ضاقت بهم المسالك، مثلاً يقولون: إقامة، وإجازة، وإمامة، يقولون: أصلها إقوامة، منهم من يحرك القاف، ومنهم يسكنها، إقوامة، فالذي يحركها يقول: تحركت الواو وانفتح ما قبلها؛ فقلبت الواو ألفًا، والذي يسكنها يقول: تحرَّكت الواو وتُوهِّم انفتاح ما قبلها، الواو، وتُوهِّم انفتاح ما قبلها، هذا كلام لا يثبت أمام التمحيص والتحقيق، إلا من أجل جريان قواعدهم على مسالكها، بحيث لا تختل قواعدهم، فيقولون مثل هذا الكلام؛ من أجل أن يمشوا قواعدهم، بحيث لا تختل بحال من الأحوال، ولا شك أن قواعدهم أغلبية، وليست كلية، لا بد أن يخرج منها ما يخرج؛ لأن كلام العرب لا يمكن ضبطها بمثل هذه الطريقة، يعني تنضبط في جملة، لكن لا بد أن يخرج عليهم شيء، ومذهب الكوفيين أسمح بمثل هذا من مذهب البصريين، ما عندهم مانع أن يخرج من القاعدة ما يخرج من الأفراد، لكن البصريين أحرص على لضبط قواعدهم، ويقولون مثل هذا الكلام لحماية قواعدهم من الخلل.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ الَّذِي هُوَ "وَالسَّمَاءِ" أَيْ إِنَّكُمْ يَا أَهْلَ مَكَّةَ فِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ فِي مُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ فَمِنْ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْمُقْتَسِمِينَ. وَقِيلَ: اخْتِلَافُهُمْ قَوْلُهُمْ: سَاحِرٌ، بَلْ شَاعِرٌ، بَلِ افْتَرَاهُ، بَلْ هُوَ مَجْنُونٌ، بَلْ هُوَ كَاهِنٌ، بَلْ هُوَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. وَقِيلَ: اخْتِلَافُهُمْ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ نَفَى الْحَشْرَ وَمِنْهُمْ مَنْ شَكَّ فِيهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُهُمْ وَيَعْبُدُونَ غَيْرَهُ".

 اختلافهم في النبي -عليه الصلاة والسلام-، واختلافهم في القرآن يتبعه ما يتبعه من اختلافهم فيما جاء به -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:....

نعم.

طالب: .......

من؟

طالب: .......  

طالب: القسم الثاني.

أقسام، هي أقسام.

طالب: القسم الأول.

من أول {الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا}، هذا قسم أول، وإن الدين لواقع، هذا معطوف عليه، والقسم الثاني ما يليه، والسماء ذات الحبك، جوابه إنكم لفي قول مختلف.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} أَيْ: يُصْرَفُ عَنِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ مَنْ صُرِفَ، عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى يُصْرَفُ عَنِ الْإِيمَانِ مَنْ أَرَادَهُ بِقَوْلِهِمْ: هُوَ سِحْرٌ وَكِهَانَةٌ وَأَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى يُصْرَفُ عَنْ ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ.

أَفَكَهُ يَأْفِكُهُ أَفْكًا أَيْ قَلَبَهُ وَصَرَفَهُ عَنِ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا} . وَقَالَ مُجَاهِدٌ : مَعْنَى {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} يُؤْفَنُ عَنْهُ مَنْ أُفِنَ، وَالْأَفْنُ فَسَادُ الْعَقْلِ. قال الزمخشري: وَقُرِئَ "يُؤْفَنُ عَنْهُ مَنْ أُفِنَ " أَيْ يُحْرَمُهُ مَنْ حُرِمَ، مِنْ أَفِنَ الضَّرْعَ إِذَا أَنْهَكَهُ حَلْبًا. وَقَالَ قُطْرُبٌ: يُخْدَعُ عَنْهُ".

 يعني ترتب على ذلك، إذا أنهك الزرع حلبًا أنه يحرم من يجيء بعده، يحرمه من حرم، فالذي يجيء بعد هذا الذي استوعب ما في الضرع، يجد نفسه محرومًا، لم يترك له شيئًا.

وَقَالَ قُطْرُبٌ: يُخْدَعُ عَنْهُ مَنْ خُدِعَ. وَقَالَ الْيَزِيدِيُّ: يُدْفَعُ عَنْهُ مَنْ دُفِعَ. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَكُلُّهُ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى الصَّرْفِ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} فِي التَّفْسِيرِ: لُعِنَ الْكَذَّابُونَ".

 لأن القتل بمعنى اللعن، قاتل الله اليهود والنصارى أي لعنهم، كثيرًا ما يأتي قاتلهم الله، يعني لعنهم.

طالب:....

نعم لعن يعني، {الْخَرَّاصُونَ} الكذابون نعم.

 طالب: .......  

في التفسير يعني في التفسير اللفظي لهذا الكلمة، التفسير أي التحليل. كلمة كلمة.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ قُتِلَ الْمُرْتَابُونَ، يَعْنِي الْكَهَنَةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ : هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَسْنَا نُبْعَثُ. وَمَعْنَى قُتِلَ أَيْ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَجِبُ أَنْ يُدْعَى عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ عَلَى أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ : مَعْنَى قُتِلَ لُعِنَ، قَالَ: وَ {الْخَرَّاصُونَ} الْكَذَّابُونَ الَّذِينَ يَتَخَرَّصُونَ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ، فَيَقُولُونَ : إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ كَذَّابٌ سَاحِرٌ شَاعِرٌ، وَهَذَا دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْتُولِ الْهَالِكِ .قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ".

 كما جاء في الحديث الصحيح «لعن المؤمن كقتله»، الذي يُدعى عليه باللعن كأنه مقتول.

"قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: عَلَّمَنَا الدُّعَاءَ عَلَيْهِمْ، أَيْ قُولُوا {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} وَهُوَ جَمْعُ خَارِصٍ وَالْخَرْصُ الْكَذِبُ وَالْخَرَّاصُ الْكَذَّابُ، وَقَدْ خَرَصَ يَخْرُصُ بِالضَّمِّ خَرْصًا أَيْ كَذَبَ، يُقَالُ: خَرَصَ وَاخْتَرَصَ، وَخَلَقَ وَاخْتَلَقَ، وَبَشَكَ وَابْتَشَكَ، وَسَرَجَ وَاسْتَرَجَ، وَمَانَ، بِمَعْنَى كَذَبَ، حَكَاهُ النَّحَّاسُ".

 بغير مين أي بغير كذب، البين الكذب.

 "وَالْخَرْصُ أَيْضًا حَزْرُ مَا عَلَى النَّخْلِ مِنَ الرُّطَبِ تَمْرًا".

 يعني تقدير.

"وَقَدْ خَرَصَتِ النَّخْل، وَالِاسْمُ الْخِرْصُ بِالْكَسْرِ، يُقَالُ: كَمْ خِرْصُ نَخْلِكَ وَالْخَرَّاصُ الَّذِي يَخْرُصُهَا فَهُوَ مُشْتَرَكٌ. وَأَصْلُ الْخُرْصِ الْقَطْعُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي "الْأَنْعَامِ "وَمِنْهُ الْخَرِيصُ لِلْخَلِيجِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ إِلَيْهِ الْمَاءُ".

 والخرص؛ خرص النخل، خرص الزرع، هذا معمول به عند جمهور أهل العلم، من أهل الخبرة، يعني إذا كان من أهل الخبرة يعمل بخرصه، في تقدير الزكاة وغيرها، وأنكر هذا بعض أهل العلم كالحنفية، يقولون: هذا ظن، ورجم بالغيب، ولا يمكن أن تقدر هذه الأمور إلا بالكيل والوزن، والخرص هذا مجرد ظن، ولا يكفي هذا في إبراء الذمة. لكن الواقع يشهد بأن أهل الخبرة خرصهم يقرب جدًّا من الكيل والوزن، فيأتي الخبير فيقول: هذه النخلة أو هذا البستان فيه كذا من الأثر، فوجد مطابقًا، بحيث لا يزيد ولا ينقص، كل إنسان في مهنته يرجع إليه؛ لأنه أعرف الناس به، الناس متفاوتون، منهم من يخرص بدقة، ومنهم من يزيد وينقص.

 المقصود أن أهل الخبرة في أي مجال من المجالات يرجع إليهم فيه، فتجدهم يحسنون ويضبطون، من كثرة ما صنعوا وفعلوا، المسألة بالعادة والتجربة، ولذا إذا طلبت من صانع أن يصنع لك مثل هذه، طبقها تطبيقًا دقيقًا، وصحَّ التعامل معها على هذا الأساس، وإلا فقد يقول قائل: الذي صنع هذه الآلة، أو هذه الطاولة أو هذا الكرسي يمكن أن يزيد، أو ينقص، فلا يقاس على هذه المواصفات، وإلا المصانع صناعتها واحدة، لكن الصناعات الفردية، بأن تأتي النجار أو الصانع، ثم تقول له: اصنع لي مثل هذا، قد يكون أكبر، وقد يكون أصغر، لكن أهل الخبرة يصنعون لك مثله، بقدره، يطبقون لك جميع ما تشترط.

وَالْخُرْصُ حَبَّةُ الْقُرْطِ إِذَا كَانَتْ مُنْفَرِدَةً؛ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ أَخَوَاتِهَا، وَالْخُرْصُ الْعُودُ؛ لِانْقِطَاعِهِ عَنْ نَظَائِرِهِ بِطِيبِ رَائِحَتِهِ. وَالْخَرِصُ الَّذِي بِهِ جُوعٌ وَبَرْدٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِهِ، يُقَالُ: خَرِصَ.

 إذا اجتمع البرد مع الجوع اشتد الأمر على من اجتمع به.

"الرَّجُلُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ خَرِصٌ، أَيْ جَائِعٌ مَقْرُورٌ، وَلَا يُقَالُ لِلْجُوعِ بِلَا بَرْدٍ خَرَصَ. وَيُقَالُ لِلْبَرْدِ بِلَا جُوعٍ خَرَصَ. وَالْخُرْصُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ الْحَلْقَةُ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ وَالْجَمْعُ الْخِرْصَانُ. وَيَدْخُلُ فِي الْخَرْصِ قَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ وَكُلُّ مَنْ يَدَّعِي الْحَدْسَ وَالتَّخْمِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الْمُقْتَسِمُونَ الَّذِينَ اقْتَسَمُوا أَعْقَابَ مَكَّة، وَاقْتَسَمُوا الْقَوْلَ فِي نَبِيِّ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لِيَصْرِفُوا النَّاسَ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ".

 ما معنى اقْتَسَمُوا أَعْقَابَ مَكَّة؟

طالب:...

يعني كل واحد ذهب إلى جهة من جهاتها؛ ليصدوا الناس عن النبي- عليه الصلاة والسلام-، اقتسموا القول في النبي -عليه الصلاة والسلام-، اقتسموا بأن يقولوا: ساحر، وآخرون: كاهن، وسوى ذلك قالوا: كذاب، قالوا: مجنون – عليه الصلاة والسلام-.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} الْغَمْرَةُ مَا سَتَرَ الشَّيْءَ وَغَطَّاهُ. وَمِنْهُ نَهَرٌ غَمْرٌ أَيْ يَغْمُرُ مَنْ دَخَلَهُ، وَمِنْهُ غَمَرَاتُ الْمَوْتِ و{ سَاهُونَ} أَيْ لَاهُونَ غَافِلُونَ عَنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ. 
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ}".

 يعني غطيت قلوبهم وعقولهم، عن الاعتبار، وعن الإدكار، فهم ساهون عما خلقوا له وما طلب منهم.

" قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} أَيْ مَتَى يَوْمُ الْحِسَابِ، يَقُولُونَ ذَلِكَ اسْتِهْزَاءً وَشَكًّا فِي الْقِيَامَةِ، {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} نُصِبَ يَوْمَ عَلَى تَقْدِيرِ الْجَزَاءِ أَيْ هَذَا الْجَزَاءُ {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}".

 أي منصوب على الظرفية.

"أي يحرقون، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: فَتَنْتَ الذَّهَبَ أَيْ أَحْرَقْتَهُ".

أي أحرقتُه. لو كانت إذا لقلت: أحرقتَه.

" وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: فَتَنْتَ الذَّهَبَ أَيْ أَحْرَقْتَهُ لِتَخْتَبِرَهُ، وَأَصْلُ الْفِتْنَةِ الِاخْتِبَارُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ مَبْنِيٌّ بُنِيَ لِإِضَافَتِهِ إِلَى غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ، وَمَوْضِعُهُ نُصِبَ عَلَى التَّقْدِيرِ الْمُتَقَدِّمِ، أَوْ رُفِعَ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ يَوْمِ الدِّينِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَقُولُ يُعْجِبُنِي يَوْمُ أَنْتَ قَائِمٌ، وَيَوْمُ أَنْتَ تَقُومُ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتَ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، فَإِنَّمَا انْتَصَبَ هَذَا وَهُوَ فِي الْمَعْنَى رَفْعٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يفتنون".

 يعني يبنى على الفتح إذا أضيف إلى جملة صدرها مبني، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، لكن لو كان صدرها معربًا أعرب، هذا يوم ينفع، صدرها معرب فيعرب، وهنا صدرها.

يُفْتَنُونَ يُعَذَّبُونَ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

 

كُلُّ امْرِئٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مُضْطَهَدٌ

 

بِبَطْنِ مَكَّةَ مَقْهُورٌ وَمَفْتُونُ

قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُم} أَيْ يُقَالُ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَكُمْ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وقال مُجَاهِدٌ: حَرِيقَكُمْ. وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ تَكْذِيبَكُمْ يَعْنِي جَزَاءَكُمْ.

حذف القول كثير في مثل هذا الموضوع حذفه كثير، {أَمَا الذِّيِنَ اسَوَدَت وُجُوهَهُم أَكَفَرتُم}، يعني يقال أكفرتم، وهنا يقال ذوقوا فتنتكم.

وقال الْفَرَّاءُ: أَيْ عَذَابَكُمْ {الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ هَذَا وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ، لِأَنَّ الْفِتْنَةَ هُنَا بِمَعْنَى الْعَذَابِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } لَمَّا ذَكَرَ مَآلَ الْكُفَّارِ ذَكَرَ مَآلَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ هُمْ فِي بَسَاتِينَ فِيهَا عُيُونٌ جَارِيَةٌ عَلَى نِهَايَةِ مَا يُتَنَزَّهُ بِهِ، {آخِذِينَ} نُصِبَ عَلَى الْحَالِ. {مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } أَيْ مَا أَعْطَاهُمْ مِنَ الثَّوَابِ وَأَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} أَيْ عَامِلِينَ بِالْفَرَائِضِ. {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} أَيْ قَبْلَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ فِي الدُّنْيَا مُحْسِنِينَ بِالْفَرَائِضِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، الْمَعْنَى كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمُ الْفَرَائِضُ مُحْسِنِينَ فِي أَعْمَالِهِم".

 يعني من وجوه تسمية القرآن مثاني، أنه يذكر أحوال المؤمنين، ثم يذكر بعدها أحوال ضدهم، أو العكس، يذكر أحوال الكفار ثم يثني بالمؤمنين.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ }، فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } مَعْنَى يَهْجَعُونَ يَنَامُونَ، وَالْهُجُوعُ النَّوْمُ لَيْلًا، وَالتَّهْجَاعُ النَّوْمَةُ الْخَفِيفَةُ، قَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ:

قَدْ حَصَّتِ الْبَيْضَةُ رَأْسِي فَمَا أَطْعَمُ نَوْمًا غَيْرَ تَهْجَاعِ

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ يَتَشَوَّقُ أُخْتَهُ وَكَانَ أَسَرَهَا الصِّمَّةُ أَبُو دُرَيْدِ بْنُ الصِّمَّةِ:

أَمِنْ رَيْحَانَةِ الدَّاعِي السَّمِيعُ          يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ

 يُقَالُ: هَجَعَ يَهْجَعُ هُجُوعًا، وَهَبَغَ يَهْبَغُ هُبُوغًا بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ إِذَا نَامَ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَاخْتُلِفَ فِي "مَا" فَقِيلَ: صِلَةٌ زَائِدَةٌ، قَالَهُ إبراهيم النخعي، وَالتَّقْدِيرُ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْل يَهْجَعُونَ".

 يهجعون يعني ينامون بالليل، هذا على القول بأنها صلة، كانوا قليلاً من الليل ينامون، ويصلون أكثرهم، وإن كانت نافية كانوا قليلاً يصلون وينامون أكثره.

طالب:...

ماذا؟

طالب: .......

هذا قيام داود، ينام نصف الليل، ثم يقوم ثلثه، ثم ينام سدسه، لكن النبي - عليه الصلاة والسلام- عرف عنه أنه كان يقوم كثيرًا، حتى تتورم قدماه، أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه، ليس هناك ساعة محددة يقوم بها الإنسان، إنما يقوم ما يستطيعه من قيام، هذا في سائر العام، يخلط قيامه بنوم، وأما في أيام العشر فيحيي ليله، وما حفظ عنه – عليه الصلاة والسلام – أنه قام ليلة كاملة.

طالب:.....

كيف؟

طالب: .......  

لكن العشر هذه يستثنى هذا.

طالب: .......  

 دعا النبي – عليه الصلاة والسلام – طويلاً، لكن النفي ثابت عن الصحابة، أنه ما قام ليلة كاملة، استثنوا من ذلك العشر الأواخر من رمضان؛ لأنه جاء فيه ما جاء، مع الآسف كثير من الناس يقومون الليل كاملًا، أو إلا قليلًا، لكن يقومون بأي شيء، هل يقومونه بما قام به النبي- عليه الصلاة والسلام-؟ لا، يسمى قيامًا إلا أن يستغل بالصلاة والقرآن والقيام، ما يسمى قيامًا إلا بهذا، ليس المقصود ما يضاد النوم، إذا كان مستيقظًا يقال: هذا قائم، لا ليس بقائم، وإنما القائم من يحيي ليله بالصلاة والذكر والدعاء والتلاوة هذا القائم الذي يقوم الليل، أما الذي يسهر مع أهله، مع أصحابه، مع أقرانه، في القيل والقال، فهذا لا يعد من قيام الليل أبدًا.

 إذا كان إحياء العلم بالتأليف، تأليف العلم وجمعه وتحصيله بعضهم لا يدخله في قيام الليل، مع أنه أفضل من أنواع العبادات، من النوافل، كان جمع من أهل العلم يقسمون الليل أثلاثًا، قسم ينامون، وقسم يكتبون ويألفون، وقسم يصلون ويذكرون ويدعون، هذا خير ما يفعله الإنسان أن يتعلم العلم، ويعلم العلم، ويكتب في العلم، ويسهِّل العلم لأهله وأصحابه، التأليف، ويقرِّبه إليهم، من أفضل الأعمال.

طالب: القراءة....

قراءة إيش؟

طالب: .......  

قراءة كتب، يقوم الليل؛ ليقرأ الكتب، ويطلب العلم، من أفضل الأعمال، يعني هذا الذي تقدم إلى ساعة الجمعة، راح إلى ساعة الجمعة، راح الساعة الأولى ومعه كتب يراجعها، يقال: ما راح من أجل الجمعة، راح يطلب العلم ويقرأ. نقول: هو من أفضل الأعمال.

"وَالتَّقْدِيرُ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْل يَهْجَعُونَ، أَيْ يَنَامُونَ قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ وَيُصَلُّونَ أَكْثَرَهُ. قَالَ عَطَاءٌ: وَهَذَا لَمَّا أُمِرُوا بِقِيَامِ اللَّيْلِ" .

كان الأمر على سبيل الوجوب في أول الأمر.

"وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ يَحْتَجِزُ وَيَأْخُذُ الْعَصَا فَيَعْتَمِدُ عَلَيْهَا حَتَّى نَزَلَتِ الرُّخْصَةُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا الْآيَةَ. وَقِيلَ: لَيْسَ "مَا" صِلَةً، بَلِ الْوَقْفُ عِنْدَ قَوْلِهِ: قَلِيلًا ثُمَّ يَبْتَدِئُ مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ فَ "مَا" لِلنَّفْيِ وَهُوَ نَفْيُ النَّوْمِ عَنْهُمُ ألْبَتَّةَ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا لَا يَنَامُونَ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا أَقَلَّهُ وَرُبَّمَا نَشِطُوا فَجَدُّوا إِلَى السَّحَرِ.

 رُوِيَ عَن ْيَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانُوا قَلِيلًا مَعْنَاهُ كَانَ عَدَدُهُمْ يَسِيرًا، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ عَلَى مَعْنَى مِنَ اللَّيْلِ يَهْجَعُونَ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ نَوْمِهِمْ لَا عَلَى قِلَّةِ عَدَدِهِمْ، وَبَعْدُ فَلَوِ ابْتَدَأْنَا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ عَلَى مَعْنَى مِنَ اللَّيْلِ يَهْجَعُونَ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مَدْحٌ لَهُمْ، لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَهْجَعُونَ مِنَ اللَّيْلِ".

 العدد لا تشير إليه الآية، لا من قريب ومن بعيد؛ لأن العدد قد يكون قليلًا، وقد يكون كثيرًا، لكن لا أثر له في الواقع، إنما الأثر على قلة العبادة وكثرتها، في مقابل قلة النوم وكثرته، فقد يكون عددهم كثيرًا جدًّا لكن قيامهم قليل، أو يكون عددهم قليلًا وقيامهم كثير، وحينئذ لا أثر للعدد في القلة، والكثرة، وإنما الحث والترغيب على قيام الليل، بغض النظر عن الآخرين، كل إنسان مخاطب بهذا الكلام.

طالب:...

نعم.

طالب: .......

المفاضلة بين هذه العبادات، أيهما أفضل أن يقوم من آخر الليل ساعة أو ساعة ونصفًا، أو ويجلس ما يقابلها حتى طلوع الشمس؟ لأن الجمع بينهما قد يشق على الموظفين. الذي ينام بعد ذلك ما عنده مشكلة، لكن الموظف إذا كان يقوم من آخر الليل، ثم يجلس بعد صلاة الصبح، هذا الموفق لا يتأثر بمثل هذا، ولا تعيقه وظيفته عن هذا، هذا الموفق الذي يأخذ قسطه الكامل من النوم قبل أن يقوم لصلاته وعبادته، ولكن من يجمع بين السهر ثم يقول: سأقوم لصلاة الليل، ثم أجلس بعد صلاة الفجر، لا شك بأن هذا يتعب، لكن إذا سلك ما وجَّهه إليه الشرع، بما جاء في النصوص، "وكان يكره الحديث بعدها"، صلى، بعد ما يصلي، ينام بعد ما يصلي العشاء، ثم يقوم من آخر الليل ما يقوم، ولو قام ثلث الليل، ثم بعد ذلك يرتاح قبل صلاة الفجر، سدس الليل، كما جاء في حديث داود، ثم بعد ذلك يجلس؛ لأنه إذا نام من صلاة العشاء إلى منتصف الليل كفاه، يعني يحتاج معه إلى شيء يسير من القيلولة، تعيد إليه نشاطه، لكن إذا كان يجلس ويروح، واستراحات، وسواليف، إلى نصف الليل، ثم بعد ذلك يهجع، ينام ثم يقوم آخر الليل، ثم يجلس، فهذا يعتب كثيرًا، والإشكال أننا ننظر إلى أعمالنا، مع عدم التكامل، يعني ننظر إليه بالتجزئة، فننظر إلى عمل مرتبط بغيره على أنه مستقل، وحينئذ لا يستقيم لنا ذلك، يصعب جدًّا أن تقوم الليل، وأنت سهران، إلا إذا كنت أمامك الأمل الذي يحدوك بالنوم الكثير في النهار، ما عندك عمل، فأنت تتحامل على نفسك، فيمكن أن تسهر وتقوم الليل، ثم تجلس بعد صلاة الصبح، إلى أن تنتشر الشمس ثم تنام إلى صلاة الظهر، يمكن أن تنشط لهذا، أما إذا كان عندك دوام، ملتزم بدوام من أول النهار إلى ما يقرب من آخره أو إلى ثلثيه، فهذا يصعب جدًّا.

طالب: .......

نعم لا بد منه، كيف لا بد؟

طالب:.... إصابة السنة.

إصابة السنة نعم، ناشئة الليل القيام بعد نوم، وهي أشد، يعني بعض الناس عنده استعداد أن يتابع السهر فإذا جاء الثلاث الأخير من الليل تعرَّض للنفحات في وقت النزول الإلهي، أسهل عليه من أن ينام قبل ذلك بساعة مثلاً ثم يقوم؛ لأنه لن يقوم، بعض الناس ما يستطيع أن يقوم، على كل حال إذا أخذنا الدين جملة بكامله، ما تعبنا فيه، الدين ميسر ولله الحمد، الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غليه، لكن الخلل من عندنا، نريد أن نرضي رغباتنا وشهواتنا، ونلتفت إلى مثل هذه النصوص، وفي النهاية نقول: تعبنا.

لا سيما أنه يوجد من ينتسب إلى العلم وطلبه، وكل الناس ابتلوا بهذا – وأنا واحد منهم- الابتلاء بالسهر، ثم إذا جاء السحر نازعته نفسه يصلي يوتر بواحد وبثلاثة وبخمسة، أو يؤجل ذلك يقوم قبل أذان الفجر وقد سهر سهرًا طويلاً، يمني نفسه أن يقوم قبل الأذان فيوتر بما تيسر، وهذا يضحك على نفسه؛ لأنه إذا ما نام فما هو بقائم. والله المستعان.

 "وَبَعْدُ فَلَوِ ابْتَدَأْنَا {مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} عَلَى مَعْنَى مِنَ اللَّيْلِ يَهْجَعُونَ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مَدْحٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَهْجَعُونَ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَا جَحْدًا.

قُلْتُ: وَعَلَى مَا تَأَوَّلَهُ بَعْضُ النَّاسِ - وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ - مِنْ أَنَّ عَدَدَهُمْ كَانَ يَسِيرًا يَكُونُ الْكَلَامُ مُتَّصِلًا بِمَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِهِ: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} أَيْ كَانَ الْمُحْسِنُونَ قَلِيلًا، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: { مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}، وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي يَكُونُ {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ} خِطَابًا مُسْتَأْنَفًا بَعْدَ تَمَامِ مَا تَقَدَّمَهُ وَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى مَا يَهْجَعُونَ، وَكَذَلِكَ إِنْ جَعَلْتَ قَلِيلًا خَبَرَ كَانَ، وَتَرْفَعُ "مَا" بِقَلِيلٍ، كَأَنَّهُ قَالَ: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ هُجُوعُهُمْ. فَـ "مَا" يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ مَصْدَرًا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ رَفْعًا عَلَى الْبَدَلِ مِنَ اسْمِ كَانَ، التَّقْدِيرُ: كَانَ هُجُوعُهُمْ قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ، وَانْتِصَابُ قَوْلِهِ: قَلِيلًا إِنْ قَدَّرْتَ "مَا" زَائِدَةً مُؤَكَّدَةً بِـ "يَهْجَعُونَ" عَلَى تَقْدِيرِ كَانُوا وَقْتًا قَلِيلًا، أَوْ هُجُوعًا قَلِيلًا يَهْجَعُونَ، وَإِنْ لَمْ تُقَدِّرْ "مَا" زَائِدَةً كَانَ قَوْلُهُ: "قَلِيلًا" خَبَرَ كَانَ، وَلَمْ يَجُزْ نَصْبُهُ بِ "يَهْجَعُونَ"؛ لِأَنَّهُ إِذَا قُدِّرَ نَصْبُهُ بِ "يَهْجَعُونَ" مَعَ تَقْدِيرِ "مَا" مَصْدَرًا قُدِّمَتِ الصِّلَةُ عَلَى الْمَوْصُولِ.

 وَقَالَ أَنَسٌ وَقَتَادَةُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ: أَيْ كَانُوا".

 المقصود أنه على أي تقدير من تقادير الآية فيها حث على قيام الليل، وهو دأب الصالحين من هذه الأمم والأمم السابقة، ونعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل، والنبي – صلى الله عليه وسلم – مع كونه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كان يقوم من الليل، حتى تفطرت قدماه، ونوقش في ذلك فقال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»، والمسلم المذنب المخلط المحتاج المفتقر إلى الله- عز وجل- في مغفرة ذنوبه، وقبول أعماله عليه أن يسعى يجاهدًا ويجاهد نفسه، ولا شك أن قيام الليل صعب وشاق، وقد لا يستطيعه كثير من الناس، وقد يقيَّد عنه كثير من الناس، يمنعون منه بسبب ما اقترفت أيديهم، وما اكتسبت جوارحهم، يُقيدون، يُمنعون، وكان السلف- رضوان الله عليهم- يجاهدون قيام الليل، ويداومونه مددًا طويلة، ثم بعد ذلك يتلذذون به، فأنت عندما تجاهد نفسك عليه، تجد في النهاية أنك ترتاح إليه.

"وَقَالَ أَنَسٌ وَقَتَادَةُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ: أَيْ كَانُوا يُصَلُّونَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ: الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانُوا لَا يَنَامُونَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ".

مثل هذا لا يمدح به، عدم النوم بين العشاءين، هذا لا يمدح به، لأن النبي – عليه الصلاة والسلام- كان يكره النوم بينهما، وهذا بالنسبة إلى كثير من الناس لا ينامون بين العشاءين، في التعبد، في الصلاة، في الذكر، من أفضل الأعمال، لكن هذا لا يعني قيام الليل الذي جاءت به النصوص.

"وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا يُصَلُّونَ الْعِشَاءَيْنِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَمْضُونَ إِلَى قُبَاء. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ : كَانُوا لَا يَنَامُونَ حَتَّى يُصَلُّوا الْعَتَمَةَ. قَالَ الْحَسَنُ: كَأَنَّهُ عَدَّ هُجُوعَهُمْ قَلِيلًا فِي جَنْبِ يَقَظَتِهِمْ لِلصَّلَاةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُطَرِّفٌ: قَلَّ لَيْلَةً لَا تَأْتِي عَلَيْهِمْ إِلَّا يُصَلُّونَ لِلَّهِ فِيهَا إِمَّا مِنْ أَوَّلِهَا وَإِمَّا مِنْ وَسَطِهَا.

 الثَّانِيَةُ: رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَهَجِّدِينَ أَنَّهُ أَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامِهِ فَأَنْشَدَهُ:

وَكَيْفَ تَنَامُ اللَّيْلَ عَيْنٌ قَرِيرَةٌ       وَلَمْ تَدْرِ فِي أَيِ الْمَجَالِسِ تَنْزِلُ

وَرُوِيَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَزْدِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ لَا أَنَامُ اللَّيْلَ، فَنِمْتُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَإِذَا أَنَا بِشَابَّيْنِ أَحْسَنَ مَا رَأَيْتُ وَمَعَهُمَا حُلَلٌ، فَوَقَفَا عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ وَكَسَوَاهُ حُلَّةً، ثُمَّ انْتَهَيَا إِلَى النِّيَامِ فَلَمْ يَكْسُوَاهُمْ، فَقُلْتُ لَهُمَا: اكْسُوَانِي مِنْ حُلَلِكُمَا هَذِهِ، فَقَالَا لِي: إِنَّهَا لَيْسَتْ حُلَّةَ لِبَاسٍ، إِنَّمَا هِيَ رِضْوَانُ اللَّهِ يَحُلُّ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ.

وَيُرْوَى عَنْ أَبِي خَلَّادٍ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي صَاحِبٌ لِي قَالَ : فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ مُثِّلَتْ لِيَ الْقِيَامَةُ، فَنَظَرْتُ إِلَى أَقْوَامٍ مِنْ إِخْوَانِي قَدْ أَضَاءَتْ وُجُوهُهُمْ، وَأَشْرَقَتْ أَلْوَانُهُمْ، وَعَلَيْهِمُ الْحُلَلُ مِنْ دُونِ الْخَلَائِقِ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ هَؤُلَاءِ مُكْتَسُونَ وَالنَّاسُ عُرَاةٌ، وَوُجُوهُهُمْ مُشْرِقَةٌ وَوُجُوهُ النَّاسِ مُغْبَرَّةٌ؟! فَقَالَ لِي قَائِلٌ: الَّذِينَ رَأَيْتَهُمْ مُكْتَسُونَ فَهُمُ الْمُصَلُّونَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَالَّذِينَ وُجُوهُهُمْ مُشْرِقَةٌ فَأَصْحَابُ السَّهَرِ وَالتَّهَجُّدِ، قَالَ: وَرَأَيْتُ أَقْوَامًا عَلَى نَجَائِبَ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ هَؤُلَاءِ رُكْبَانًا وَالنَّاسُ مُشَاةٌ حُفَاةٌ؟ فَقَالَ لِي: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَامُوا عَلَى أَقْدَامِهِمْ تَقَرُّبًا لِلَّهِ تَعَالَى فَأَعْطَاهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ خَيْرَ الثَّوَابِ، قَالَ: فَصِحْتُ فِي مَنَامِي: وَاهًا لِلْعَابِدِينَ، مَا أَشْرَفَ مَقَامَهُمْ ! ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ مِنْ مَنَامِي وَأَنَا خَائِفٌ".

 مثل هذا الكلام يذكره أهل العلم من الرؤى والمنامات من باب التنشيط، وإلا فلا معتمد عليه، ولا معول عليه، المعول على ما ثبت في الكتاب والسنة، وما عدا ذلك يذكر من باب التنشيط لمثل هذه الأعمال.

"ثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} مَدْحٌ ثَانٍ، أَيْ يَسْتَغْفِرُونَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ .

وَالسَّحَرُ وَقْتٌ يُرْجَى فِيهِ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ وَقَدْ مَضَى فِي "آلِ عِمْرَانَ" الْقَوْلُ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَمُجَاهِدٌ أَيْ يُصَلُّونَ وَقْتَ السَّحَرِ فَسَمَّوُا الصَّلَاةَ اسْتِغْفَارًا، وَقَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} مَدُّوا الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى السَّحَرِ ثُمَّ اسْتَغْفَرُوا فِي السَّحَرِ. ابْنُ وَهْبٍ: هِيَ فِي الْأَنْصَارِ يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَغْدُونَ مِنْ قُبَاءَ فَيُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالُوا: كَانُوا يَنْضَحُونَ لِنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ بِالدِّلَاءِ عَلَى الثِّمَارِ ثُمَّ يَهْجَعُونَ قَلِيلًا، ثُمَّ يُصَلُّونَ آخِرَ اللَّيْلِ. الضَّحَّاكُ: صَلَاةُ الْفَجْرِ. قَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: عَرَضْتُ عَمَلِي عَلَى أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَإِذَا قَوْمٌ قَدْ بَايَنُونَا بَوْنًا بَعِيدًا لَا نَبْلُغُ أَعْمَالَهُمْ {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} ، وَعَرَضْتُ عَمَلِي عَلَى أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَإِذَا قَوْمٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ، يُكَذِّبُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَوَجَدْنَا خَيْرَنَا مَنْزِلَةً قَوْمًا خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا . 
الرَّابِعَةُقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } مَدْحٌ ثَالِثٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ : الْحَقُّ هُنَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ يَصِلُ بِهِ رَحِمًا، أَوْ يَقْرِي بِهِ ضَيْفًا، أَوْ يَحْمِلُ بِهِ كَلًّا".

في الآية الأخرى ما يدل على أنها الزكاة، في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم، إذا كان معلومًا أي مقدرًا، فالحق المقدر هو الزكاة، «في المال حق هو الزكاة»، كما جاء في حديث عائشة، وأيضًا جاء عنها: «ليس في المال حق سوى الزكاة»، وجاء أيضًا «إن في المال حقًّا سوى الزكاة»، والمثبت لا شك أنه المندوب سوى الواجب، والمنفي هو الواجب، فلا يجب إلا الزكاة، ويجب فيها النفقات، وغيرها مما أوجبه الشرع.

"أَوْ يَحْمِلُ بِهِ كَلًّا، أَوْ يُغْنِي مَحْرُومًا. وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَفُرِضَتِ الزَّكَاةُ بِالْمَدِينَةِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ:  وَالْأَقْوَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا الزَّكَاةُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ " الْمَعَارِجِ {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، وَالْحَقُّ الْمَعْلُومُ هُوَ الزَّكَاةُ الَّتِي بَيَّنَ الشَّرْعُ قَدْرَهَا وَجِنْسَهَا وَوَقْتَهَا ، فَأَمَّا غَيْرُهَا لِمَنْ يَقُولُ بِهِ فَلَيْسَ بِمَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَلَا مُجَنَّسٍ وَلَا مُوَقَّتٍ".

طالب: .......

النفقة الواجبة؟

طالب: .......

هي غير الزكاة، وهي حق معلوم، لكن ليست للسائل والمحروم، وإنما هي للأهل والأولاد والزوجة، النفقات، فالوجوب من جهة أخرى، وليست واجبة على جميع الناس، فبعض الناس ليس لديهم أولاد ولا زوجة ولا شيء، كما أن الزكاة ليست واجبة على جميع الناس، شروط وجوب الزكاة قد لا توجد في كثير من الناس.

على كل الحال الأدلة التفصيلية بينت المراد بالآية.

طالب:.....

هي مكية، والزكاة مدنية، هذا القصد؟

طالب: .......

 

 ماذا فيه؟

طالب: .......

يعني كون الزكاة مدنية، والسورة مكية، يعني هل يمشي هذا مع هذا، أو يقال: في أموالهم حق معلوم هذا حق سوى الزكاة؛ قبل أن تفرض الزكاة؟ وابن العربي رجح – كما سمعتم – أن المراد به الزكاة، آية المعارج، {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، والحق المعلوم هو الزكاة، ما فيه حق معلوم سوى الزكاة، القرآن يفسر بعضه بعضًا، ولا يمنع أن يأتي الحث مجملًا، ثم يُفصَّل عند الحاجة، عندما جاءت الزكاة يفصل.

طالب:......

نعم.

طالب: .......  

نعم، لكن الزكاة المفروضة، التي هي الركن بالتقادير والحدود الشرعية ليست بمكة.

طالب: .......

مثلما قلنا، أنه قد تكون الإشارة إليها قبلُ إجمالاً، ثم تُبين وتُفصل، ويحصل البيان عند الحاجة، عند إيجابها، وتبيين تفاصيلها وإجمالها.

طالب:....

نعم.

طالب: .......  

والحج كانوا يحجون قبل نزول آية الحج، لكن الكلام على الركن.

الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم} السَّائِلُ الَّذِي يَسْأَلُ النَّاسَ لِفَاقَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرُهُمَا. وَالْمَحْرُومُ الَّذِي حُرِمَ الْمَالَ. وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِهِ؛ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرُهُمَا: الْمَحْرُومُ الْمُحَارَفُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ سَهْمٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: الْمَحْرُومُ الْمُحَارَفُ الَّذِي لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ مَكْسَبُهُ؛ يُقَالُ: رَجُلٌ مُحَارَفٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ مَحْدُودٌ مَحْرُومٌ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِكَ: مُبَارَكٌ. وَقَدْ حُورِفَ كَسْبُ فُلَانٍ إِذَا شُدِّدَ عَلَيْهِ فِي مَعَاشِهِ كَأَنَّهُ مِيلَ بِرِزْقِهِ عَنْهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ:  الْمَحْرُومُ الْمُتَعَفِّفُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا، وَلَا يُعْلَمُ بِحَاجَتِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ.

 يحرم العطاء من الناس؛ لأنهم لا يعرفون حاجته، فلا يعطونه، وليس المحروم من هو في عرف الناس اليوم، الذي يملك الأموال الكثيرة الطائلة، لكنه لا ينفق على نفسه، ولا على ولده، الرجل الشحيح الذي يكنز الأموال، ويحتاج إليها ويضطر إليها هو وولده ومع ذلك لا ينفق منها، هذا في عرف الناس محروم، ولا شك أنه محروم، لكن ليس المحروم الذي جاءت النصوص بأنه يعطى من الزكاة؛ لأن هذا لا يجوز دفع الزكاة إليه؛ لأنه غني، تجب عليه الزكاة.

طالب: .......

الفهم.

"وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ:  الْمَحْرُومُ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَ الْغَنِيمَةِ وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا سَهْمٌ . رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فَأَصَابُوا وَغَنِمُوا فَجَاءَ قَوْمٌ بَعْدَ مَا فَرَغُوا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَفِي أَمْوَالِهِمْ}  وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْمَحْرُومُ الَّذِي لَا يَبْقَى لَهُ مَالٌ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ". 

يعني فروع، فروع هذه المسألة كثيرة جدًّا، الحرمان له صور كثيرة جدًّا، المحروم من الإرث مثلاً من الحجب، هذا محروم، لكن لا يعني أنه لا يُعطى شيئًا يسيرًا إذا حضر القسم، والحث على إعطائه داخل في هذه الآية.

طالب: .......  

 كونها مجملة {والذين في أموالهم حق للسائل والمحروم}، كون الآية مكية، يعني يمكن أن يحمل على هذا، لكن سورة المعارج بينت {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، والحق المعلوم الحدد والمقدر شرعًا، ولا يكون هذا إلا بالزكاة، اللهم إلا إذا كان الإنسان حدَّه لنفسه وقدَّره لنفسه، يعطي من ماله كذا، يقتطع من راتبه كذا، يقتطع من دخله كذا، حدَّده بحيث يلتزم كل شهر أو كل سنة كذا، وما أشبه ذلك.

وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ :هُوَ الَّذِي أُصِيبَ ثَمَرُهُ أَوْ زَرْعُهُ أَوْ نَسْلُ مَاشِيَتِه، وَقَالَ الْقُرَظِيُّ: الْمَحْرُومُ الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ ثُمَّ قَرَأَ {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} نَظِيرُهُ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ، حَيْثُ قَالُوا: { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}، وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ". 

هؤلاء حُرموا خير الدنيا والآخر، احترقت مزرعتهم، وكانوا قد تعاهدوا وتواعدوا أن لا يدخل عليهم مسكين أثناء الجزاز، فحَرَموا المسكين وحُرِموا الثمر، نسأل الله العافية.

"كَانَ رَجُلٌ مِنْأَهْلِ الْيَمَامَةِ لَهُ مَالٌ فَجَاءَ سَيْلٌ فَذَهَبَ بِمَالِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: هَذَا الْمَحْرُومُ فَاقْسِمُوا لَه، وَقِيلَ: إِنَّهُ الَّذِي يَطْلُبُ الدُّنْيَا وَتُدْبِرُ عَنْهُ، وَهُوَ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا.

 وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدٍ : الْمَحْرُومُ الْمَمْلُوكُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ الْكَلْبُ، رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ فِي طَرِيقِ مَكَّة، فَجَاءَ كَلْبٌ فَانْتَزَعَ عُمَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَتِفَ شَاةٍ فَرَمَى بِهَا إِلَيْهِ، وَقَالَ: يَقُولُونَ: إِنَّهُ الْمَحْرُومُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ بِالْفَقْرِ مِنْ ذَوِي الْأَنْسَابِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حُرِمَ كَسْبَ نَفْسِهِ حَتَّى وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ الَّذِي يُحْرَمُ الرِّزْقَ، وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَقْوَالِ.

 وَقَالَ الشَّعْبِيّ: لِيَ الْيَوْمَ سَبْعُونَ سَنَةً مُنْذُ احْتَلَمْتُ أَسْأَلُ عَنِ الْمَحْرُومِ فَمَا أَنَا الْيَوْمَ بِأَعْلَمَ مِنِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ. رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنِ الشَّعْبِيِّ.

 وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْمَمْنُوعُ مِنَ الْحِرْمَانِ وَهُوَ الْمَنْعُ، قَالَ عَلْقَمَةُ:

 وَمُطْعَمُ الْغُنْمِ يَوْمَ الْغُنْمِ مُطْعَمُهُ         أَنَّى تَوَجَّهَ وَالْمَحْرُومُ مَحْرُومُ

 وَعَنْ أَنَسٍ « أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنَ الْفُقَرَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُونَ رَبَّنَا ظَلَمُونَا حُقُوقَنَا الَّتِي فُرِضَتْ لَنَا عَلَيْهِمْ ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُقَرِّبَنَّكُمْ وَلَأُبْعِدَنَّهُمْ ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :-{وفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} »، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ.

 ويل للأغنياء من الفقراء تخريجه؟

طالب:..... ولم أقف على إسناده...

بلا شك نعم.

طالب: .......

 ما وقفت عليه هنا؟

طالب: .......

لأنه متردد بين هذه الأمور كلها التي ذُكرت، وكثرة الأقوال من غير حصول مرجح، لا شك أنه يزيد الإبهام، لكن مقابلته بالسائل، مقابلة المحروم بالسائل، أنه المحتاج المتعفِّف الخفيّ، الذي لا يعرف؛ لأن السائل يعرف، ويبرز بين الناس، ويسألهم أموالهم، وهذا لا يسأل الناس؛ فهو محروم من عطائهم؛ لأنهم لا يعرفونه، وهذا أولى ما قيل فيه.

طالب:....

ما ترجّح شيء، حاول الترجيح بين أقوالهم.

طالب: ......

هذا الذي وصل إلينا فيه اضراب كثير.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ}، لَمَّا ذَكَرَ أَمْرَ الْفَرِيقَيْنِ بَيَّنَ أَنَّ فِي الْأَرْضِ عَلَامَاتٌ تَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، فَمِنْهَا عَوْدُ النَّبَاتِ بَعْدَ أَنْ صَارَ هَشِيمًا، وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدَّرَ الْأَقْوَاتَ فِيهَا قِوَامًا لِلْحَيَوَانَاتِ، وَمِنْهَا سَيْرُهُمْ فِي الْبُلْدَانِ الَّتِي يُشَاهِدُونَ فِيهَا آثَارَ الْهَلَاكِ النَّازِلِ بِالْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ، وَالْمُوقِنُونَ هُمُ الْعَارِفُونَ الْمُحَقِّقُونَ وَحْدَانِيَّةَ رَبِّهِم، وَصِدْقَ نُبُوَّةِ نَبِيِّهِمْ، خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِتِلْكَ الْآيَاتِ وَتَدَبُّرِهَا.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}، قِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَفِي الْأَرْضِ وَفِي أَنْفُسِكُمْ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وَقَالَ قَتَادَةُ : الْمَعْنَى مَنْ سَارَ فِي الْأَرْضِ رَأَى آيَاتٍ وَعِبَرًا، وَمَنْ تَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ عَلِمَ أَنَّهُ خُلِقَ لِيَعْبُدَ اللَّه، قال ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمُجَاهِدٌ : الْمُرَادُ سَبِيلُ الْخَلَاءِ وَالْبَوْلِ، وَقَالَ السَّائِبُ بْنُ شَرِيكٍ: يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مِنْ مَكَانٍ وَاحِدٍ وَيُخْرِجُ مِنْ مَكَانَيْنِ، وَلَوْ شَرِبَ لَبَنًا مَحْضًا لَخَرَجَ مِنْهُ الْمَاءُ وَمِنْهُ الْغَائِطُ، فَتِلْكَ الْآيَةُ فِي النَّفْسِ".

 هذه أمثلة، وإلا فالمسألة أعم من ذلك، لو تأمل الإنسان في جميع أجزاء بدنه، لوجد جميع العبر، ابن القيم -رحمه الله تعالى- في أقسام القرآن، وفي مفتاح دار السعادة، بيَّن أشياء قد لا تخطر على بال طال بالعلم، لكنها مما يضطر طالب العلم إلى قراءتها؛ لأنه قد تزيد في إيمانه، وتزيد في تصديقه، أشياء قد يظنها بعض الناس، بل قد لا ينتبه إليها كثير من الناس، ولا يحس بها إلا إذا فقدها، وابن القيم بيَّن فوائدها، بيَّن بالتفاصيل، وخفي عنه أشياء؛ لأن هناك أشياء خفايا في بدن الإنسان أخفاها الله، لكن فيما ذكره ابن القيم مما يزيد اليقين الشيء الكثير.

"وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمَعْنَى أَنَّهُ {خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ}، و{جَعَلَ لكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ}، وقال السُّدِّيُّ: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَيْ فِي حَيَاتِكُمْ وَمَوْتِكُمْ، وَفِيمَا يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ مِنْ طَعَامِكُمْ، قال الْحَسَنُ : وَفِي الْهَرَمِ بَعْدَ الشَّبَابِ، وَالضَّعْفِ بَعْدَ الْقُوَّةِ، وَالشَّيْبِ بَعْدَ السَّوَادِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَفِي خَلْقِ أَنْفُسِكُمْ مِنْ نُطْفَةٍ وَعَلَقَةٍ وَمُضْغَةٍ وَلَحْمٍ وَعَظْمٍ إِلَى نَفْخِ الرُّوحِ، وَفِي اخْتِلَافِ الْأَلْسِنَةِ وَالْأَلْوَانِ وَالصُّوَرِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ، وَحَسْبُكَ بِالْقُلُوبِ وَمَا رُكِزَ فِيهَا مِنَ الْعُقُولِ، وَمَا خُصَّتْ بِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعَانِي وَالْفُنُونِ، وَبِالْأَلْسُنِ وَالنُّطْقِ وَمَخَارِجِ الْحُرُوفِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَطْرَافِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ، وَتَأَتِّيهَا لِمَا خُلِقَتْ لَهُ، وَمَا سَوَّى فِي الْأَعْضَاءِ مِنَ الْمَفَاصِلِ لِلِانْعِطَافِ وَالتَّثَنِّي، وَأَنَّهُ إِذَا جَسَا شَيْءٌ مِنْهَا جَاءَ الْعَجْزُ".

جسا يعني يبس.

" وَإِذَا اسْتَرْخَى أَنَاخَ الذُّلُّ {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}، { أَفَلَا تُبْصِرُونَ} يَعْنِي بَصَرَ الْقَلْبِ، لِيَعْرِفُوا كَمَالَ قُدْرَتِهِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ نُجْحُ الْعَاجِزِ، وَحِرْمَانُ الْحَازِمِ".

 قال: وأنه إِذَا جَسَا شَيْءٌ مِنْهَا جَاءَ الْعَجْزُ، هذا يعرفه الإنسان من نفسه، لو أن إنسان جسا أصبعه فصار لا يثنيه؛ تكدرت عليه حياته، هذا إذا سلم من الألم، فكيف إذا صاحبه الألم؟ إذا استعصت عليه يده أن يثنيها، ما يكون حاله؟ رجله مثلاً، الإنسان لو فكر أدنى تفكير عرف مقدار نفسه، وعرف مقدار ربه، الذي أودع فيه هذه النعم، وإذا استرخى أناخ الذل، كيف استرخى أناخ الظل؟

 إذا جسا جاء العجز، وإذا استرخى أناخ الظل.

 عرفنا أنه إذا جسا وصعب عليه أن يثني يده أو أصبعه أو رجله أو ظهره، جاء العجز، وإذا استرخى هذا الأصبع، بحيث لا يستطيع أن يتصرف فيه، بحيث إذا رفعه انثنى، أو هذه اليد إذا رفعها سقطت، أو هذه الرجل، أناخ به الذل من كل جانب، نسأل الله العافية، لكن على الإنسان أن يفكر ويعتبر.

"قُلْتُ : كُلُّ مَا ذُكِرَ مُرَادٌ فِي الِاعْتِبَارِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي آيَةِ التَّوْحِيدِ مِنْ سُورَةِ " الْبَقَرَةِ " أَنَّ مَا فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ الْعَالَمُ الصَّغِيرُ شَيْءٌ إِلَّا وَلَهُ نَظِيرٌ فِي الْعَالَمِ الْكَبِيرِ، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مِنَ الِاعْتِبَارِ مَا يَكْفِي وَيُغْنِي لِمَنْ تَدَبَّرَ".

طالب:....

نعم.

طالب: .......

لا، بصر القلب هذا الذي ينتفع به، هذا الذي ينفع، ووسيلته بصر العين، يعني يبصر بعينيه، ثم يعتبر ببصر قلبه.

طالب:....

قد يكون القلب من أسلم القلوب حسًّا، ومع ذلك هو ميت لا حراك فيه، وقد يكون مريضًا مرضًا عضالًا من حيث المعنى، وهو من أسلم القلوب، وقد يكون العكس، يعني يقرر الأطباء أنه قريب من التلف، يعني قد لا يُرجى برؤه، مع ذلك حياته المعنوية على أشدها، فلا تلازم بين الأمرين.

طالب: آية التوحيد.

آية التوحيد 202 من البقرة.

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، هذه ذكر فيها أشياء، والقرطبي أطال -رحمة الله عليه- في ذكر هذه الآيات وفي عقلها كما هي عادته، ذكر فيها أربع عشرة مسألة، ذكر مقارنات، إلى أن قال: فَحَوَاسُّ الْإِنْسَانِ أَشْرَفُ مِنَ الْكَوَاكِبِ الْمُضِيئَةِ، وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي إِدْرَاكِ الْمُدْرَكَاتِ بِهَا، وَأَعْضَاؤُهُ تَصِيرُ عِنْدَ الْبِلَى تُرَابًا مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، وَفِيهِ مِنْ جِنْسِ الْمَاءِ الْعَرَقُ وَسَائِرُ رُطُوبَاتِ الْبَدَنِ، وَمِنْ جِنْسِ الْهَوَاءِ فِيهِ الرُّوحُ وَالنَّفَسُ، يعني تطبيق جسم الإنسان على ما أوجده الله في العالم الأكبر.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ :الرِّزْقُ هُنَا مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَطَرٍ وَثَلْجٍ يَنْبُتُ بِهِ الزَّرْعُ وَيَحْيَا بِهِ الْخَلْق، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : كُلُّ عَيْنٍ قَائِمَةٍ فَإِنَّهَا مِنَ الثَّلْجِ، وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى السَّحَابَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: فِيهِ وَاللَّهِ رِزْقُكُمْ وَلَكِنَّكُمْ تُحْرَمُونَهُ بِخَطَايَاكُمْ، وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} مَعْنَاهُ وَفِي الْمَطَرِ رِزْقُكُمْ، سُمِّيَ الْمَطَرُ سَمَاءً؛ لِأَنَّهُ مِنَ السَّمَاءِ يَنْزِلُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا سَقَطَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ           رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا

وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ :يَعْنِي وَعَلَى رَبِّ السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ، نَظِيرُهُ {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُم}، أَيْ عِنْدَ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ".

 يعني نزوله أو تقديره في السماء، الرزق يعني نزوله من السماء بسبب المطر وغيره، وتقديره أيضًا في السماء.

"وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَفِي السَّمَاءِ تَقْدِيرُ رِزْقِكُمْ، وَمَا فِيهِ لَكُمْ مَكْتُوبٌ فِي أُمِّ الْكِتَابِ. وَعَنْ سُفْيَانَ قَالَ: قَرَأَ وَاصِلٌ الْأَحْدَبِ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ}، فَقَالَ: أَلَا أَرَى رِزْقِي فِي السَّمَاءِ وَأَنَا أَطْلُبُهُ فِي الْأَرْضِ، فَدَخَلَ خَرِبَةً فَمَكَثَ ثَلَاثًا لَا يُصِيبُ شَيْئًا، فَإِذَا هُوَ فِي الثَّالِثَةِ بِدَوْخَلَّةِ رُطَبٍ، وَكَانَ لَهُ أَخٌ أَحْسَنُ نِيَّةً مِنْهُ فَدَخَلَ مَعَهُ فَصَارَتَا دَوْخَلَّتَيْن، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبُهُمَا حَتَّى فَرَّقَ اللَّهُ بِالْمَوْتِ بَيْنَهُمَا".

 ولا شك أن التقدير من الله، والرزق بيد الله -جل وعلا-، لكن الذي قدر، وهو الذي رزق، وهو الذي خلق قبل ذلك، هو الذي أمر ببذل السبب، فلا يعني أننا إذا عرفنا أن رزقنا في السماء أننا نستلقي ونسترخي ولا نطلب الرزق بالأسباب، ولذا قال عمر -رضوان الله عليه-: «إن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة»، لا بد من الأخذ بالسبب، ثم بعد ذلك ينزل المقدر، ينزل الرزق من السماء، وما كتبه الله تعالى لا بد من حصوله، ولا تموت نفس حتى تستوفي رزقها.

وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَمُجَاهِدٌ: {وَفِي السَّمَاءِ رَازِقُكُمْ}، بِالْأَلِفِ وَكَذَلِكَ فِي آخِرِهَا: "إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّازِقُ"، وَمَا تُوعَدُونَ قَالَ مُجَاهِدٌ : يَعْنِي مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مِنْ خَيْرٍ خَاصَّةً، وَقِيلَ: الشَّرُّ خَاصَّةً، وَقِيلَ: الْجَنَّةُ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة،  وقال الضَّحَّاكُ: وَمَا تُوعَدُونَ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ : وَمَا تُوعَدُونَ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ، وَقَالَهُ الرَّبِيعُ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقّ} أَكَّدَ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مِنَ الْبَعْثِ وَمَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ مِنَ الرِّزْقِ، وَأَقْسَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَحَقٌّ ثُمَّ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون} وَخَصَّ النُّطْقَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحَوَاسِّ؛ لِأَنَّ مَا سِوَاهُ مِنَ الْحَوَاسِّ يَدْخُلُهُ التَّشْبِيهُ".

 يعني مثل أنك تعرف أنك تنطق، تسمع وتُسمع، النطق، إن هذا المقسم عليه حق، وفي السماء رزقكم وما توعدون أيضًا كله حق، وما قبله، كله حق، شبه بالمحسوس؛ لأنه وإن كان معلومًا، إلا أنه في حكم المحسوس، مثل ما أنك تنطق، مثل ما أنك تأكل وتشرب، مثل كل الأمور المحسوسة، هذا الذي قلناه حق، وما ثبت بالدليل القطعي، حكمه حكم المشاهد، حكم المحسوس، لذا جاء في بعض الأخبار المقطوع بها، المجزوم بها، التي ثبتت بدليل التواتر، جاء التعبير عنها بالرؤية، {ألم تر كيف فعل ربك بعاد}، {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل}، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما رأى، لأنها ما أدركها، ومع ذلك عبرت بالرؤية؛ لأنها ثبتت بأدلة قطعية، تقوم مقام الرؤية، وهذا مثل ما أنكم تنطقون، مثل ما أنك تسمع كلام غيرك، وغيرك يسمع كلامك، ولا تشك أن هذا ناطق، ولا تشك أن البهيمة عجماء، مثل ما تقرر عند ذلك، تقرر أيضًا أن ما ذكر حق.

"وَخَصَّ النُّطْقَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحَوَاسِّ؛ لِأَنَّ مَا سِوَاهُ مِنَ الْحَوَاسِّ يَدْخُلُهُ التَّشْبِيهُ، كَالَّذِي يَرَى فِي الْمِرْآةِ، وَاسْتِحَالَةُ الذَّوْقِ عِنْدَ غَلَبَةِ الصَّفْرَاءِ وَنَحْوِهَا، وَالدَّوِيُّ وَالطَّنِينُ فِي الْأُذُنِ، وَالنُّطْقُ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ".

استحالة الذوق يعني المريض يشرب الماء العذب فيجده مرًّا؛ لأنه استحال عنده الذوق بسبب المرض. والطنين في الأذن قد يلبس على الإنسان؛ بسبب ألم في أذنه، لكن النطق ما تشك أن هذا ينطق بحروف واضحة لا يدخلها اللبس وهو كذلك.

 "وَلَا يُعْتَرَضُ بِالصَّدَى لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْكَلَامِ مِنَ النَّاطِقِ غَيْرَ مَشُوبٍ بِمَا يُشْكِلُ بِهِ.

 وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كَمَا أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يَنْطِقُ بِنَفْسِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْطِقَ بِلِسَانِ غَيْرِهِ ، فَكَذَلِكَ كُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ رِزْقَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْكُلَ رِزْقَ غَيْرِهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ : بَلَغَنِي أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَاتَلَ اللَّهُ أَقْوَامًا أَقْسَمَ لَهُمْ رَبُّهُمْ بِنَفْسِهِ ثُمَّ لَمْ يُصَدِّقُوهُ»، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ}، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ".

 هذا البلاغ ضعيف، مراسيل الحسن هذه من أضعف المراسيل.

ماذا قال عنه؟

طالب:......

نعم.

"وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: أَقْبَلْتُ ذَاتَ مَرَّةٍ مِنْ مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ إِذْ طَلَعَ أَعْرَابِيٌّ جِلْفٌ جَافٍ عَلَى قَعُودٍ لَهُ مُتَقَلِّدًا سَيْفَهُ وَبِيَدِهِ قَوْسُهُ، فَدَنَا وَسَلَّمَ وَقَالَ: مِمَّنِ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ مِنْ بَنِي أَصْمَعَ، قَالَ: أَنْتَ الْأَصْمَعِيُّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ مَوْضِعٍ يُتْلَى فِيهِ كَلَامُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: وَلِلرَّحْمَنِ كَلَامٌ يَتْلُوهُ الْآدَمِيُّونَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَاتْلُ عَلَيَّ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَرَأْتُ (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) إِلَى قَوْلِهِ: (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) فَقَالَ: يَا أَصْمَعِيُّ حَسْبُكَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاقَتِهِ فَنَحَرَهَا وَقَطَّعَهَا بِجِلْدِهَا، وَقَالَ: أَعِنِّي عَلَى تَوْزِيعِهَا، فَفَرَّقْنَاهَا عَلَى مَنْ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى سَيْفِهِ وَقَوْسِهِ فَكَسَرَهُمَا وَوَضَعَهُمَا تَحْتَ الرَّحْلِ، وَوَلَّى نَحْوَ الْبَادِيَةِ وَهُوَ يَقُولُ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} فَمَقَتُّ نَفْسِي وَلُمْتُهَا، ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ الرَّشِيدِ، فَبَيْنَمَا أَنَا أَطُوفُ إِذَا أَنَا بِصَوْتٍ رَقِيقٍ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِالْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ نَاحِلٌ مُصْفَرٌّ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَأَخَذَ بِيَدَيَّ وَقَالَ: اتْلُ عَلَيَّ كَلَامَ الرَّحْمَنِ، وَأَجْلسنِي مِنْ وَرَاءِ الْمَقَامِ فَقَرَأْتُ:  {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا}  حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى قَوْلِهِ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} فَقَالَ الأعْرَابِيُّ: لَقَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا الرَّحْمَنُ حَقًّا، قَالَ: وَهَلْ غَيْرُ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى  {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ}  قَالَ: فَصَاحَ الْأَعْرَابِيُّ وَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ، مَنِ الَّذِي أَغْضَبَ الْجَلِيلَ حَتَّى حَلَفَ، أَلَمْ يُصَدِّقُوهُ فِي قَوْلِهِ حَتَّى أَلْجَئُوهُ إِلَى الْيَمِينِ، فَقَالَهَا ثَلَاثًا وَخَرَجَتْ بِهَا نَفْسُهُ.

 وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ مَرْثَدٍ :إِنَّ رَجُلًا جَاعَ بِمَكَانٍ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ رِزْقَكَ الَّذِي وَعَدْتَنِي فَأْتِنِي بِهِ ، فَشَبِعَ وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ طَعَامٍ وَلَا شَرَاب، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ أَنَّ أَحَدُكُمْ فَرَّ مِنْ رِزْقِهِ لَتَبِعَهُ كَمَا يَتْبَعُهُ الْمَوْتُ»، أَسْنَدَهُ الثَّعْلَبِيُّ".

 تخريجه؟

طالب: ... إسناده ضعيف، فيه زيد ... المرزوقي ... وورد من حديث جابر أخرجه ابن نعيم في الحلية من حديث .... ضعيف....

لكن تفرد هؤلاء، من بين دواوين الإسلام ما يخرجه إلا هؤلاء.

طالب:....

لكن هذا أعرابي على حد معرفته.

"وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ حَبَّةَ وَسَوَاءٍ ابْنَيْ خَالِدٍ قَالَا :«دَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُعَالِجُ شَيْئًا فَأَعَنَّاهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَا تَيْأَسَا مِنَ الرِّزْقِ مَا تَهَزَّزَتْ رُءُوسُكُمَا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ تَلِدُهُ أُمُّهُ أَحْمَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرٌ ثُمَّ يَرْزُقُهُ اللَّه»".

 هذا أيضًا؟

طالب:... الحسن أخرجه... قال: إسناده صحيح، ذكر الحافظ في ترجمته أنه صادق.

نعم.

"وَرُوِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْأَعْرَابِ زَرَعُوا زَرْعًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَحَزِنُوا لِأَجْلِهِ، فَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ أَعْرَابِيَّةٌ فَقَالَتْ: مَا لِي أَرَاكُمْ قَدْ نَكَسْتُمْ رُءُوسَكُمْ، وَضَاقَتْ صُدُورُكُمْ، هُوَ رَبُّنَا وَالْعَالِمُ بِنَا، رِزْقُنَا عَلَيْهِ يَأْتِينَا بِهِ حَيْثُ شَاءَ، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ:

لَوْ كَانَ فِي صَخْرَةٍ فِي الْبَحْرِ رَاسِيَةٍ
 

 

 

صَمًّا مُلَمْلِمَةٍ مُلْسٍ نَوَاحِيهَا
 

رِزْقٌ لِنَفْسٍ بَرَاهَا اللَّهُ لَانْفَلَقَتْ
 

 

 

حَتَّى تُؤَدِّيَ إِلَيْهَا كُلَّ مَا فِيهَا
 

أَوْ كَانَ بَيْنَ طِبَاقِ السَّبْعِ مَسْلَكُهَا
 

 

 

لَسَهَّلَ اللَّهُ فِي الْمَرْقَى مَرَاقِيهَا
 

حَتَّى تَنَالَ الَّذِي فِي اللَّوْحِ خُطَّ لَهَا
 

 

 

إِنْ لَمْ تَنَلْهُ وَإِلَّا سَوْفَ يَأْتِيهَا
 

قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قِصَّةُ الْأَشْعَرِيِّينَ حِينَ أَرْسَلُوا رَسُولَهُمْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَمِعَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} فَرَجَعَ وَلَمْ يُكَلِّمِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «لَيْسَ الْأَشْعَرِيُّونَ بِأَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الدَّوَابِّ»، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ " هُودٍ ".

 وَقَالَ لُقْمَانُ {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَة}، الْآيَةَ، وَقَدْ مَضَى فِي " لُقْمَانَ ".

 وَقَدِ اسْتَوْفَيْنَا هَذَا الْبَابَ فِي كِتَابِ قَمْعِ الْحِرْصِ بِالزُّهْدِ وَالْقَنَاعَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَهَذَا هُوَ التَّوَكُّلُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ شَيْءٌ، وَهُوَ فَرَاغُ الْقَلْبِ مَعَ الرَّبِّ، رَزَقَنَا اللَّهُ إِيَّاهُ، وَلَا أَحَالَنَا عَلَى أَحَدٍ سِوَاهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

 لكن مع ذلك هذا اليقين وهذا التوكل لا ينافي بذل الأسباب، يعني بخلاف ما يفعله بعض المنتسبين إلى الزهد والتصوف، مثل ما مر بنا أن رجلاً وقع في بئر، وبعدما وقع فيها ما بذل جهدًا ليخرج، ثم بعد ذلك سمع رجلين على شفير البئر يقولان: إن هذه البئر في طريق الناس، فلو سقفناها؛ لئلا يسقط فيها أحد، فسقفاه وهو يسمع، ما قال لهم شيئًا، كل هذا من ترك الأسباب، ولا أنه ضعف في الدين.

طالب:....

ليس بمطلوب.

طالب: .......

والله ما أدري، ولكن....

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ "مِثْلَ" بِالنَّصْبِ أَيْ كَمِثْلِ مَا أَنَّكُمْ فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْكَافِ أَيْ كَمِثْلِ نُطْقِكُمْ وَ" مَا" زَائِدَةٌ، قَالَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَالْفَرَّاءُ: يَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى التَّوْكِيدِ، أَيْ لَحَقٌّ حَقًّا مِثْلَ نُطْقِكَ ، فَكَأَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ.

وقال سيبويه".

قول.

"وَقَوْلُ سِيبَوَيْه:ِ إِنَّهُ مَبْنِيٌّ بُنِيَ حِينَ أُضِيفَ إِلَى غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ وَ "مَا" زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، قال الْمَازِنِيُّ: مِثْلُ مَعَ مَا بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَبُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ لِذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ. قَالَ: وَلِأَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ مِثْلًا مَنْصُوبًا أَبَدًا، فَتَقُولُ: قَالَ لِي رَجُلٌ مِثْلَكَ، وَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ مِثْلَكَ بِنَصْبِ مِثْلٍ عَلَى مَعْنَى كَمِثْلِ.

وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَالْأَعْمَشُ " مِثْلُ" بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ "لَحَقٌّ"، لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ وَإِنْ أُضِيفَ إِلَى مَعْرِفَةٍ، إِذْ لَا يَخْتَصُّ بِالْإِضَافَةِ؛ لِكَثْرَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَقَعُ بَعْدَهَا التَّمَاثُلُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، وَ"مِثْلُ " مُضَافٌ إِلَى " أَنَّكُمْ " وَ" مَا " زَائِدَةٌ وَلَا تَكُونُ مَعَ مَا بَعْدَهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَرِ؛ إِذْ لَا فِعْلَ مَعَهُ تَكُونُ مَعَهُ مَصْدَرًا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَدَلًا مِنْ " لَحَقٌّ .

اللهُّم صلِّ على محمد.