شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (296)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية هذه الحلقة نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.       

المقدم: لازلنا في حديث عائشة –رضي الله عنها- في أطراف الحديث، كنا تحدثنا عن ثلاثة من أطراف الحديث: الموضع الأول والثاني والثالث، وعدنا الإخوة أن نبتدئ بالموضع الثالث؛ لأنه يحتاج إلى بسط وإعادة نظر لو تكرمت، وكان في كتاب التفسير أيضًا.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

عرفنا أن الإمام البخاري خرَّج الحديث في خمسة مواضع، وذكرنا منها الأول والثاني وبدأنا بالثالث، فالثالث في كتاب التفسير في باب: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب:53] إلى آخر الآية.

قال -رحمه الله-: حدثنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا أبو أسامة عن هشامٍ عن أبيه عن عائشة– رضي الله عنها- قالت: خرجت سودة بعدما ضُرب الحجاب لحاجتها، وكان امرأةً جسيمةً لا تخفى على من يعرفها.. الحديث.

يقول ابن حجر: تقدم في كتاب الطهارة من طريق هشام بن عروة عن أبيه ما يخالف ظاهره رواية الزهري هذه عن عروة قال الكرماني.

المقدم: في كتاب إيش الذي تقدم؟

في كتاب الطهارة الذي هو موضوعنا.

المقدم: الذي هو موضعنا الأول والثاني.

نعم، لكن قوله: تقدم..

المقدم: كان استشكالي هذا، هو الحقيقة ما انتبهت، كيف المخالفة؟

نعم، يقول: تقدم في كتاب الطهارة من كتاب طريق هشام بن عروة عن أبيه.

المقدم: والرواية كانت عن هشام بن عروة؟

نعم.

المقدم: عن شهاب عن عروة عن عائشة. 

عن ابن شهاب عن عروة. نعم.

عن هشام عن أبيه..، رواية الزهري هي رواية كتاب الوضوء، ابن شهاب. والرواية الثانية التي في كتاب التفسير.

المقدم: لا، الرواية الثانية التي في كتاب الوضوء يا شيخ هي نفسها؟

عن هشام بن عروة عن أبيه.

المقدم: إذًا هو يقصدها؟

يقصدها نعم.

المقدم: ما يقصد الرواية الأولى.

الرواية الأولى منزلة على حالة الحجاب الأول، ما قبل نزول الحجاب، والرواية الثانية هي التي في كتاب التفسير.

المقدم: وهو يريد الاستشكال عنها يعني.

لكن قد تقول: لماذا صار هذا الطرف الثالث طرفًا للحديث الأول؟ ولذلك المرقم –محمد فؤاد عبد الباقي- قال: طرفه أربعة آلاف وسبعمائة وخمس وتسعون الذي هو معنا، كيف يكون هذا طرف والقصة مخالفة؟

المقدم: وهذا السؤال أنا قلت: لماذا كرره لما الحلقة الماضية، لماذا كرره في نفس الباب وجعلناه طرفًا؟

أولًا الرواية الأولى في الباب تختلف عن الرواية الثانية.

المقدم: والسند يا شيخ.

لا، السند الأصل أنهم يقولون: إنه إذا كان الصحابي واحدًا، والقصة واحدة، فالحديث واحد وإن اختلف اللفظ، لكن إذا اختلف مثل هذا الاختلاف فالاختلاف مؤثر.

يعني: إذا حملنا الرواية الأولى على حالة ما قبل نزول الحجاب، والثانية على حالة ما بعد نزول الحجاب الأول، فلا شك أن هذا حديث آخر.

المقدم: نعم مؤثر.

يقول ابن حجر -رحمه الله-: تقدم في كتاب الطهارة من طريق هشام بن عروة عن أبيه ما يخالف ظاهره رواية الزهري هذه عن عروة.

رواية الزهري هذه، الآن ابن حجر يقول هذا الكلام في كتاب التفسير.

المقدم: وكتاب التفسير فيه رواية الزهري؟

رواية الزهري هذه عن عروة. في كتاب التفسير: حدثنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة، توافق الراوية الثانية. بينما الرواية الأولى التي هي حديث الباب: حدثني عُقيل عن ابن شهاب الذي هو الزهري عن عروة.

فقوله: هذه وهو يشرح في كتاب التفسير.

المقدم: والمقصود بها الأولى.

المفروض أن يقول: تلك، وعلى كل حال.

المقدم: إلا إن كان جاء بها في السياق أثناء لفظه يا شيخ، قد يكون أتى بها في سياق الكلام.

يعني: في شرحه.

المقدم: قد تكون مرت ويتكلم عنها، فقال: هذه.

يقول: تقدم في كتاب الطهارة من طريق هشام بن عروة عن أبيه ما يخالف ظاهره رواية الزهري. كلامك متجه، إن كان ساقها، أنا ما أذكر الآن في كتاب التفسير إن ساقها في الشرح أو لم يسقها. على كل حال هو يقصد الرواية الأولى في الباب رواية الزهري.

قال الكرماني: فإن قلت: وقع هنا أنه كان بعدما ضُرب الحجاب وتقدم في الوضوء أنه كان قبل الحجاب فالجواب: لعله وقع مرتين.

يقول ابن حجر: بل المراد بالحجاب الأول غير الحجاب الثاني، والحاصل أن عمر –رضي الله عنه- وقع في قلبه نفرةٌ من اطلاع الأجانب على الحريم النبوي حتى صرَّح بقوله له -عليه الصلاة والسلام-: احجب نساءك. وأكَّد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب، ثم قصد بعد ذلك ألا يُبدين أشخاصهنَّ أصلًا ولو كنَّ مستترات، فبالغ في ذلك فمُنع منه وأُذِن لهنَّ في الخروج لحاجتهنَّ؛ دفعًا للمشقة ورفعًا للحرج.

فبالغ في ذلك فمُنع منه يعني: من الخروج بالكلية، مُنع منه، يعني: الأصل يكون القرار، قرنَّ في بيوتكنَّ.

المقدم: مُنع ولا مُنعنَّ.

مُنع من الخروج. مُنع منه يعني: من الخروج، وأُذن لهنَّ في الخروج لحاجتهنَّ، فيكون الخروج على خلاف الأصل، يكون للحاجة والحاجة تُقدَّر بقدرها.

في الموضع الرابع في كتاب النكاح: باب خروج النساء لحوائجهنَّ.

قال -رحمه الله-: حدثنا فروة بن أبي المغراء، قال: حدثنا علي بن مسهر، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: خرجت سودة بن زمعة ليلًا، فرآها عمر فعرفها، فقال: إنكِ والله يا سودة ما تخفين علينا. فذكر الحديث فيه قوله -عليه الصلاة والسلام-: «قد أذِن الله لكنَّ أن تخرجنَّ لحوائجكنَّ». المناسبة ظاهرة: باب خروج النساء لحوائجهنَّ، وإدخاله في كتاب النكاح.

المقدم: لأنها زوجته، من زوجاته.

هي من زوجاته، وأيضًا الزوج له أن يمنع زوجته من الخروج.

المقدم: يمنع زوجته من الخروج لغير حاجة.

نعم؛ لأن هذا دخوله في النكاح ظاهر. للزوج أن يمنع زوجته من الخروج إلا للحاجة.

في الموضع الخامس قال..

المقدم: عفوًا، ما سألت منع الزوج زوجته الخروج أو الإذن لها، هذا يدرسها أهل العلم في كتاب النكاح.

بلا شك نعم؛ لأنها من القوامة، من حقه عليها.

المقدم: أن يمنعها؟

نعم.

المقدم: إلا لحاجة.

إلا لحاجة، وجاء النهي عن منع النساء من الخروج إلى المساجد، «لا تمنعوا إماء الله».

ويبقى أن المسلمين على شروطهم، يعني: لو اشترطت أو اشترط وليها على الزوج أن تخرج لحاجة، لمصلحة، لتدريس أو ما أشبه ذلك، المسلمون على شروطهم يجب الوفاء به.

المقدم: زيارة الوالدين يا شيخ تعتبر من الحاجة؟

هي حاجة، لكن يبقى أنها تُقدَّر بقدرها يعني: تتذرع بها وتتعذر بها في كل مناسبة تخرج وتقول: هذا مأذونٌ به شرعًا، لكنها حاجة في الجملة، ولو اتّفق على شيءٍ يرضي الطرفين فله أن يمنعها ما لم يضر بها في الجملة.

والخامس: في كتاب الاستئذان في باب آية الحجاب.

قال رحمه الله: حدثني إسحاق، قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي –صلى الله عليه وسلم- قالت: كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله –صلى الله عليه وسلم-: احجب نساءك، قالت: فلم يفعل.. الحديث. وفيه قالت: فأنزل الله –عز وجل- آية الحجاب.

لم يفعل النبي –عليه الصلاة والسلام- هل هذا مفاده التساهل بالموليات؟

المقدم: ينتظر الأمر -صلى الله عليه وسلم-.

نعم، ينتظر الوحي، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3-4]. المناسبة ظاهرة، والحديث مُخرَّجٌ في صحيح مسلم فهو متفقٌ عليه.

المقدم: أحسن الله إليك. النبي –صلى الله عليه وسلم- مات عن تسع من نسائه -صلوات ربي وسلامه عليه-.

           توفي رسول الله عن تسع نسوةٍ                 إليهنَّ تُعزى المكرمات وتُنسبُ

تسع نعم.

المقدم: سودة منهنَّ؟

وسودة منهنَّ. هي خشيت من الطلاق فوهبت ليلتها لعائشة.

المقدم: وأفضلهنَّ خديجة.

المفاضلة معروفة بين أهل العلم هل هي خديجة أو عائشة، «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»، وجاء في حق خديجة النصوص الكثيرة جدًّا، ولاشك أن غناءها في أول الإسلام ونصرتها للنبي –عليه الصلاة والسلام- لم يقم به أحدٌ مثلها إلا ما كان من أبي بكر– رضي الله عنه وأرضاه-.

المقدم: مفاضلة القرشيات منهنَّ ظاهرة، تفضل القرشية على غير..

لا، هو يمكن أن تكون المفاضلة من جهات، فمثلًا في نصرة الدعوة في أول الأمر والنبي –عليه الصلاة والسلام- بأمس الحاجة إلى ذلك، خديجة من هذه الحيثية أفضل.

وفي بيان العلم والدين والشرع وتبليغ ما يتعلق لاسيما بخصوصياته -عليه الصلاة والسلام-، ولاسيما ما يتعلق بأمور النساء فعائشة لا يُدانيها أحد.

المقدم: رضي الله عنهنَّ وأرضاهنَّ كونهنَّ أمهات المؤمنين هل يتعلق بهذا حكم بالنسبة للمؤمن، أو مجرد اسم؟

هو من باب الاحترام، وتحريم الزواج منهم، هنَّ أمهات، لكن لا يعني عدم الحجاب منهم كالأمهات، ولا يعني الإرث مثلًا، كل هذا من الأحكام التي تختلف فيها عن الأمهات الحقيقيات. ومع ذلك جاء عن عائشة أنها قالت: نحن أمهات المؤمنين ولسنا أمهات المؤمنات.

المقدم: بنص الآية.

نعم؛ اتباعًا للآية، ولعل ملابسة الكلام الذي قيل في هذا قد يستدعي مثل هذا الكلام، وإلا فالأصل أن المؤمنات والمؤمنين شيءٌ واحد.

المقدم: لأن بعض الكتاب وبعض الكاتبات إذا كتبن تقول: أُمنا عائشة، أُمنا خديجة.

ما فيه ما يمنع؛ لأن المؤمنات يدخلن في خطاب المؤمنين، ومريم كانت من القانتين يعني بخصوصه وهي امرأة.

المقدم: أحسن الله إليكم.

قال رحمه الله: عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلامٌ معنا إداوةٌ من ماء.

الرواية الأخرى.

المقدم: وفي روايةٍ: من ماءٍ وعنزة.

أولًا: راوي الحديث هو أنس بن مالك خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّ ذِكره مِرارًا، والحديث ترجم عليه البخاري، ترجم على الرواية الأولى: باب الاستنجاء بالماء، وعلى الثانية: باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء. يقول ابن حجر: قوله باب.

المقدم: هذا في المختصر، وإلا فبينهما باب..

نعم نعم.

المقدم: أكيد هذا الباب فيه رواية تخص الحديثين أو ما تخصه؟

الآن باب الاستنجاء بالماء، وتحته الرواية الأولى رقم مائة وواحد وعشرون التي هي مائة وخمسون في الأصل، يليها باب من حُمِل معه الماء لطهوره.

المقدم: وفيها نفس الحديث.

وقال أبو الدرداء: أليس فيكم صاحب النعلين والطهور والوساد، غير حديث..، حديث يقول: سمعت أنسًا يقول: «كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام معنا إداوة من ماء» هذا الحديث الذي يليه.

المقدم: الذي لم يأتِ في المختصر.

الذي لم يأتِ، وكلها من حديث أنس، المرقم صاحب الأطراف محمد فؤاد عبد الباقي جعل الثاني من أطراف الحديث الأول، لكن في الروايتين ما يغني عن الرواية المتوسطة التي بينهما.

البخاري ترجم على الرواية الأولى: باب الاستنجاء بالماء، وعلى الثانية: باب حمل العَنَزة مع الماء في الاستنجاء.

يقول ابن حجر: قوله باب الاستنجاء بالماء، أراد بهذه الترجمة الرد على من كرهه، كره الاستنجاء بالماء، يعني من السلف من كرهه، وقال: هذا طعام، ومنهم من علل بأن الرائحة تلصق باليد، ومنهم من علل بمباشرة النجاسة لليد، يقول: أراد بهذه الترجمة الرد على من كرهه وعلى من نفى وقوعه من النبي –صلى الله عليه وسلم- وقد روى ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان –رضي الله عنه- أنه سُئل عن الاستنجاء بالماء فقال: إذًا لا يزال في يدي نَتَنْ، قبل أن نستكمل في بذل المجهود شرح سنن أبي داود قال: من أراد ألا يعلق النتن بيده فليغسل يده بالماء قبل الاستنجاء، يعني من بعده مفروغ منه.

المقدم: صحيح.

فقال: إذًا لا يزال في يدي نتن. وعن نافع: أن ابن عمر –رضي الله عنهما- كان لا يستنجي بالماء. وعن ابن الزبير قال: ما كنا نفعله. لعل المانع من ذلك ليس التدين بهذا، وإنما هو قلة الماء، مادام الاستجمار بالأحجار يجزئ عنه والماء فيه شح، فيقتصرون على المجزئ.

ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي –صلى الله عليه وسلم- استنجى بالماء.

وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء؛ لأنه مطعوم. فكيف تزال النجاسات؟ فبمَ تزال النجاسات؟ وهنا مسألة لها ارتباط بالمطعوم، وهي إزالة النجاسة إذا لم تزل بالماء بالملح مثلًا، الملح مطعوم، لكن أصله الماء، فهل تزال به النجاسة التي لا تزول بالماء؟ الناس الآن يستعملونه في ماذا؟

المقدم: في الأكل.

في الأكل معروف ومطعوم، ولولاه ما ساغ الطعام، هذا أمر مفروغ منه، لكن أحيانًا البيارات التي تجتمع فيها هذه القاذورات.

المقدم: نعم إزالة الدهون.

نعم بالملح، يستعملونه في تفجير المسامات بالملح، فهل يمنعون من هذا؛ لأنه مطعوم أو يقال: أصله الماء، فإذا اختلط بالماء صار ماء مالحًا؟ النبي –عليه الصلاة والسلام- أشار في بعض الروايات بإزالة دم الحيض بالماء والملح، دل على أنه إذا احتيج إليه فلا مانع منه إن شاء الله تعالى؛ لأن أصله الماء، فإذا خُلِط بالماء صار ماءً مالحًا، والذي جرنا إلى الكلام عنه:

أولاً الحاجة داعية إليه.

الأمر الثاني: التعليل بمنع الاستنجاء بالماء؛ لأنه مطعوم.

أيضًا نحتاج إلى مسألة، والمسائل يجر بعضها على بعض يعني: في إزالة بقايا الطعام.

المقدم: مثل الدسم، هل يزال مثلًا بالليمون يا شيخ يزال مثلًا؟

وأيضًا الأوساخ التي في الوجه وفي البدن تزال بالبيض، بالليمون، بالزبادي، يستعملون هذا بكثرة، لكن هذه أطعمة إذا كان يستفيد منها إنسان أو حيوان فلا يجوز استعمالها، إذا كان يمكن أن يستفيد منها إنسان أو حيوان، لا يمكن استعمالها في مثل هذه الأمور؛ لأننا نهينا عن الاستنجاء بالعظم؛ لأنه زاد إخواننا الجن، ونُهينا عن الاستنجاء بالروث؛ لأنه علف دوابهم، فكيف بمطعوم الإنسان أو دواب الإنس؟ كل هذا لا يجوز، لكن إذا كان لا يستفيد منه إنسان ولا حيوان هذا لا مانع منه، إذا كان لا يستفاد منه، ذهبت فائدته.

لكن هل للإنسان أن يحبس هذا الطعام لتنتهي مدته ثم يعلل بأنه لا يمكن أن يستفاد منه فيستعمله؟ لأنه بالإمكان أن يشتري علبة زبادي بريال يقول: أحبسها ثلاثة أيام وأستعملها، نقول: لا، هذا من إضاعة المال. لكن قد تستدرج المسألة ويقولون: إن المزيلات أغلى من هذا الزبادي..

المقدم: من المطعوم.

نعم، على كل حال على الإنسان أن يشكر هذه النعمة لتقر، أيضًا ما يعلق باليدين من آثار أو بقايا الطعام، الأصل أن تُلعق اليد، «فليعقها أو يُلعقها» بعض الناس تجد يده مليئة بالطعام ويذهب إلى مكان التنظيف ويغسل يديه ويذهب هذا الباقي مع الفضلات النجسة، هذا لا يجوز، وبعضهم يقول: إن هذا مستهلك، ولا يلتفت إليه، ولا يمكن أن يستفاد منه، نقول: الذي لا يمكن أن يستفاد منه الذي يبقى بعد ذلك من الدسم، هذا لا مانع أن يُغسل في أي مكان، إذا لُعقت اليد ولم يبقَ إلا ما لا يمكن الإفادة منه، مع أنهم في السابق أيام، قبل انفتاح الدنيا يستفيدون حتى مما يبقى في اليدين.

المقدم: من الدسم صحيح.

في دهن الرجلين مثلاً، لكن فُتحت الدنيا وُوجد الترف بين الناس وصاروا يتساهلون في مثل هذه الأمور.

المقدم: لكن بالنسبة للاستفادة من الأطعمة بعض الناس يقول: إذا كان المبرر هو أن يستفاد منها إنسان أو حيوان فأنا سأستفيد منها بعد الانقضاء منها؛ لأن الخيار مثلًا أو بعض الفواكه التي توضع على الوجه إذا تم الانتهاء منها تُجمع وترمى للحيوانات، فيكون ما فيها ضياع.

الأصل الاستفادة منها للإنسان، فإذا تعذر استفادت الإنسان منها أُطعمت للحيوان.

المقدم: يقول: أنا استفدت منها يا شيخ، لكن ليس بالمطعوم.

لا، الأكل هو أظهر وجوه الانتفاع، فإذا أمكن لا يعدل إليه، لكن قد يقول قائل: أنا عندي طعام، هذه من تداعيات المسألة، يقول: عندي طعام يمكن أن يستفيد منه إنسان، لو قدرت قيمته بعشرة مثلًا، أنا أحتاج أن أركب سيارة وأتكلف عشرين لأوصله إلى فقير، نقول: ليست هذه الموازنة هي الشرعية، الموازنة أن هذه نعمة لابد من شكرها، وأن هناك كبدًا رطبة تحتاج إلى هذا الطعام، فلابد من مراعاة هذه الأمور، والذي جر إلى مثل هذه المسائل كلها هو الترف.

المقدم: نعم صحيح.

وإلا فالأصل لا يُطبخ من الطعام إلا بقدر الحاجة.

مطابقة الحديث للترجمة هي فيما تركه المختصر، مطابقة الحديث للترجمة فيما تركه المختصِر؛ لأنه في الحديث كان النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام ومعنا إداوة من ماء، يعني: يستنجي به، هذه تركها المختصر، يعني: يستنجي به.

المقدم: تركها لأنها ليست من لفظ الحديث، مدرجة.

وهو يعتني بالمرفوع، فيما يتعلق بالنبي –عليه الصلاة والسلام- وكأنه رأى أن هذه اللفظة ليست من كلام أنس على ما سيأتي الخلاف في ذلك، الخلاف كثير جدًّا، ومطابقة الحديث الترجمة فيما تركه المختصر من قوله في الأصل بعد ذكر الخبر عما يستنجي به وقائل يعني كما في فتح الباري هو هشام الراوي، هشام بن عبد الملك، أبو الوليد.

المقدم: الخليفة المعروف؟

لا، أبو الوليد الطيالسي.

المقدم: اسمه هشام بن عبد الملك.

أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك، لا لا، وقد رواه المصنف بعد هذا عن سليمان بن حرب، فلم يذكرها، لكن رواه عقبه من طريق محمد بن جعفر عن شعبة فقال: يستنجي به، والإسماعيلي من طريق ابن مرزوق عن شعبة: فأنطلق أنا وغلام من الأنصار معنا إداوة فيها ماء يستنجي منها النبي –صلى الله عليه وسلم-، يعني: كل هذا صريح في أنه من كلام أنس.

المقدم: الذي هو الكلام.

القائل يعني، قائل يعني هو هشام الراوي، والذي يعني فاعل يعني، هو أنس، يعني: أنس، وللمصنف من طريق روح بن القاسم عن عطاء بن أبي ميمونة إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به، ولمسلم من طريق خالد الحذّاء عن عطاء عن أنس: «فخرج رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقد استنجى بالماء». وقد بان بهذه الروايات أن حكاية الاستنجاء من قول أنس راوي الحديث.

يقول ابن حجر: ففيه الرد على الأصيلي، حيث تعقب على البخاري استدلاله بهذا الحديث على الاستنجاء بالماء، قال: لأنه يستنجي به ليس هو من قول أنس، وإنما هو من قول أبي الوليد أحد الرواة عن شعبة، فقال: رواه سليمان بن حرب عن شعبة فلم يذكرها، قال: فيحتمل أن يكون الماء لوضوئه، يعني: لا لاستنجائه. انتهى.

وفي المسألة كلام وتعقبات من ابن حجر عليه وعلى غيره.

المقدم: لعلنا نجعلها إن شاء الله في مطلع الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل إلى ختام هذه حلقتنا في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

 

في ختام هذه الحلقة تقبلوا تحيات الزميل عثمان الجويبر من الهندسة الإذاعية، لنا بكم لقاء بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة وأنتم على خير، شكرًا لطيب المتابعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.