كتاب الديات من المحرر في الحديث - 01

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا.

قال الإمام ابن عبد الهادي- يرحمه الله تعالى- في كتاب المحرر:

كتاب الديات:

عن ابن عباس- رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «هذه وهذه سواء»، يعني الخنصر والإبهام. رواه البخاري.

 وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الأصابع سواء، والأسنان سواء، والثنية والضرس سواء، هذه وهذه سواء». رواه أبو داود بإسناد صحيح، وروى الترمذي واللفظ له وصححه ابن حبان «دية أصابع..»."

وصححه وابن حبان.

"وصححه وابن حبان «دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشر من الإبل لكل أصبع».

 وعن سليمان بن داود قال: حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم فقرأ على أهل اليمن، وهذه نسختها: «من محمد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر وهمْدان، أما بعد»، وكان في كتابه: «أن من اعتبط مؤمنًا قتلاً عن بينة فإنه قوْد إلا أن يرضى أولياء المقتول..»"

قوَد، قوَد.

"فإنه قوْد إلا أن يرضى.."

قوَد..

أحسن الله إليك.

"«فإنه قوَد إلا أن يرضى أولياء المقتول، وأن في النفس الدية مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أَوْعَب جدعه الدية، وفي اللسان الدية، وفي..»."

أُوْعِب.. أُوْعِب..

أحسن الله إليك.

"«وفي الأنف إذا أُوْعِب جدعه الدية، وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرَّجل الواحد نصف الدية..»"

الرِّجل الرِّجل الواحدة..

أحسن الله إليك.

"«وفي الرِّجل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقِّلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل، وأن الرجل يقتل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار». رواه أحمد والنسائي، وهذا لفظه، وأبو حاتم البستي، وقد أعل، وقال النسائي: وقد روى هذا الحديثُ عن الزهري يونس ب يزيد.."

هذا الحديثَ وقد روى هذا الحديثَ..

أحسن الله إليك.

"وقد روى هذا الحديثَ عن الزهري يونس بن يزيد مرسلاً.

 وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «في المواضح خمس من الإبل». رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وحسنه واللفظ لأحمدٍ، وابن ماجه.."

لأحمدَ.

"واللفظ لأحمدَ، وابن ماجه.

 زاد أحمد: «والأصابع سواء كلهن عشر من الإبل».

 وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قتل مؤمنًا متعمدًا دُفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خَلْفة..»"

خَلِفَة..

"«وأربعون خَلِفَة، وما صالحوا عليه فهو لهم، وذلك لتجديد العقد». رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وهذا لفظه، وقال: حديث حسن غريب.

 وعنه قال: قال رسول الله.."

يكفي يكفي.. حسبك..

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى: "كتاب الديات" الكتاب مر التعريف به مرارًا، والديات جمع دية، وهي ما يُؤدى ويُدفع إلى أولياء القتيل من القاتل أو من عاقلته، "وفرض الديات" كما في الباب الفرض، التقدير تقدير الديات سواء كانت في النفس أو في الطرف.

 قال -رحمه الله-: "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «هذه وهذه سواء»، يعني الخِنْصَر والإبهام".

 الديات جاءت محددة ومقدرة من الشارع، لكن لم يُنظَر في أفرادها، كما أنه لم ينظر في أفراد النفوس، يعني لو قيل: إن زيدًا يعدل عشرة من مثل عمرو في النفع، فقتل زيد، وقتل عمرو، هل نقول: في زيد عشر ديات، وفي عمرو الدية واحدة؟ كم من شخص يعدل أُمَّة.

والناس ألف منهم كواحد

 

وواحد كالألف إن أمر عنا

والناس ألف منهم كواحد

 

وواحد كالألف إن أمر عنا

هل يُنظَر إلى هذه الفروق في الديات؛ فنقول: زيد يحتاج إلى عشر ديات، وعمرو يحتاج إلى دية واحدة، وفلان يحتاج إلى ديتين، وآخر يحتاج إلى نصف دية؟ هل هذا له نظر في الشرع؟ هل هناك فرق من هذه الحيثية؟ فيه فرق؟

لا فرق؛ لأن هذه أمور عامة، ويصعب تقديرها، وتدخل فيها الدعاوى، كل يدعي أن مقتوله من هذه الفئة، ولو كان من أقل الناس شأنًا يدعي أنه من خيرهم شأنًا أو من أعظمهم شأنًا، فلما كان النزاع والشقاق يدخل على المسلمين من هذا الباب حُسِم، الدية واحدة، والفطرة واحدة، زكاة الفطر واحدة بين أغنى الناس وأقل الناس، فطرة أو زكاة الفطر بالنسبة للملك والخادم واحدة، ولو وجد تفريق بينهم من جهة الشرع لترتب على ذلك إشكالات كثيرة، فالدية واحدة وإن كان هذا بالنسبة لذاك يعدل أمة، كما قال ابن دُرَيْد، لكن الشرع لا ينظر إلى هذه الفروق؛ لأنه يترتب عليها إشكالات وخصومات ودعاوى لا تنقضي ولا تنتهي.

 «مروا أولادكم بالصلاة لسبع، مروا أولادكم بالصلاة لسبع»، مع أن الطفل قد يميز قبل ذلك كما عقل محمود بن الربيع المجة التي مجها النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهه وهو ابن خمس سنين، كما في صحيح البخاري، فالتمييز يحصل لخمس، وقد يحصل لأربع، وجاء في بعض روايات محمود بن الربيع أن عمره أربع سنين، وقد لا يميز إلا بعد السبع، قد لا يميز إلا إلى ثمانٍ وتسع وعشر، فالشرع وضع السبع حدًّا متوسطًا يميز له غالب الناس ولو فُتح الباب وقيل: من يميز يؤمر بالصلاة، ومن لا يميز لا يؤمر بالصلاة، يعني في رواية الحديث رده إلى التمييز؛ لأن هذا ليس بفرض على الأمة كلها، هذا أمره سهل، وضبطه سهل، إذا فهم الخطاب ورد الجواب فمميِّز، ما يلزم أن يبلغ السبع حتى، ولا الخمس، وإن كان جمهور أهل الحديث جعلوه في الخمس لو قيل: إلى التمييز، لتجد من الناس من عنده من الحرص من يأتي بطفل عمره سنتان يؤذي الناس، ويشوِّش عليهم، ويدعي أبوه أنه مميز؛ لحرصه على صلاح ولده وصلاة ولده، وتجد صاحب تسع سنوات وعشر سنوات يلعبون عند باب المسجد، ولا يصلون، وإذا قيل لآبائهم، قالوا: هؤلاء ما ميزوا، فجُعل الحد المتوسط، ومن ذلك ما نحن فيه، ما نحن فيه الدية مائة من الإبل.

 في الحديث الذي معنا "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «هذه وهذه سواء»، الخِنصَر والإبهام، يعني الخِنصَر والإبهام"، أيهما أنفع؟ الإبهام أنفع من الخِنصَر، لكن هل لهذا التفاوت أثر في الحكم الشرعي؟ لا، الحديث في البخاري «هذه وهذه سواء»، فلا يُنظَر إلى مثل هذه الفروق التي لا تنتهي، فروق لا تنتهي، كلها فيها منافع، وكلها فيها جمال ومنفعة، إذًا تستحق الدية، ولا يفرَّق بينها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول «هذه وهذه سواء»

 "وعنه" يعني ابن عباس، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الأصابع سواء»". وعن ابن عباس رضي الله عنهما، وعنه يعني ابن عباس راوي الحديث السابق أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الأصابع سواء»، وهو بمعنى الحديث السابق، الأصابع كلها الخمسة سواء، سواء كان الخِنصَر أو البِنصَر أو الوسطى أو السبابة أو الإبهام، كله سواء، دية كل واحد منها كدية الأخرى، «الأصابع سواء، والأسنان سواء، والأسنان سواء»، هذا إذا كانت سليمة، أما إذا كانت معيبة، إصبع فيها خلل، نفعها يقل عن نفع غيرها، أو يقل عن نفعها، لو كانت سليمة تقدَّر بقدرها، ولذلك اليد الشلاء ليست كاليد السليمة، والسن الأسود ليس كالسن الأبيض؛ لأن الجمال ذهب، فيُحسَم منه ما يقابله من ديته.

 «والأسنان سواء، الثنية والضرس سواء، الثنية والضرس سواء»، الثنايا والأسنان بقية الأسنان لها دخل في الجمال، بينما الأضراس أكثر نفعًا في الأكل، هل الإنسان الذي ليست له أضراس مضغه للطعام وعلكه للطعام مثل من له أضراس ولو كانت له أسنان؟

لا، فالمنفعة متفاوتة، لكن يعوِّض عن ذلك الانتفاع بالشكل، والشكل له دور ومدخل في هذه الأمور.

 "«والأسنان سواء الثنية والضرس سواء هذه وهذه سواء». رواه أبو داود بإسناد صحيح، وروى الترمذي واللفظ له وصححه وابن حبان: «دية الأصابع اليدين والرجلين سواء عشر من الإبل لكل إصبُع»"، الأصابع فيها الدية، والأسنان فيها الدية إذا ذهبت كاملة، فتقسم الدية مائة من الإبل على الأصابع، أصابع اليدين فيها دية، وأصابع الرجلين فيها دية، فإذا قسمت الدية مائة من الإبل على عشرة الأصابع، صار لكل إصبع عشر، قال: «دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشر من الإبل لكل إصبَع»، أو أصبُع أو أصبوع فيه لغات متعددة؛ لأن الهمزة مثلثة، والباء مثلثة، وأُصبُوع.

 «عشر من الإبل لكل إصبع» هذا بالنسبة للأصابع السليمة والأسنان السليمة، وما دخل عليها من نقص مؤثِّر في كيفيتها وفي نفعها فإنه بحسبه.

 "وعن سليمان بن داود قال: حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات".

كتاب فيه مسائل كثيرة منها ما يتعلق بالطهارة والصلاة، ومنها ما يتعلق بغيرهما من أبواب الدين، ومن ذلكم الديات الذي نحن بصدد شرحه.

 "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم" جد الراوي أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، "فقرئت" يعني هذا المكتوب أو هذه الورقة، "على أهل اليمن"، قال: "وهذه نسختها، وهذه نسختها" أو قرئت الصحيفة، وهذه نسختها، يعني هذه الصحيفة والرواية بالكتابة طريق معتبَر عند أهل العلم من طرق التحمُّل والأداء، وفي الصحيحين أحاديث من هذا النوع، فالرسول كتب يعني أمر بالكتابة، كتب إلى أهل اليمن، يعني أمر بالكتابة، وإلا فالرسول جاء النص في القرآن على أنه أُمِّي لا يكتب ولا يحسب ولا يقرأ، وكذلك في السنة: «إنا أمة أمية، لا نقرأ ولا نحسب»، فالرسول {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [سورة العنكبوت:48] ما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ يتلو، ولا يخط بيمينه، هل يمكن أن يقول قائل: إنه إذا لم يخط بيمينه احتمال أن يخط بشماله؟

لا، لكن الغالب أن الناس يكتبون باليمين، فنُزِّل منزلة الجميع، قليل نادر الذي يكتب بالشمال، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت بنص الكتاب والسنة أنه لا يقرأ ولا يكتب.

 في قصة الحديبية لما أمر بكتابة من محمد عبد الله ورسوله قالوا: لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك، اكتب من محمد بن عبد الله، فكتب النبي -صلى الله عليه وسلم-: من محمد بن عبد الله، يعني أمر بالكتابة، وهذا هو المتبادر؛ لأنه نُفِيَت عنه الكتابة، ومن أهل العلم من يقول: كتب بيده من محمد بن عبد الله، وكتابة الاسم لا تخرج الإنسان عن الأمية، لا تخرج الإنسان عن الأمية؛ لأن صورة الاسم تنقدح في ذهن المسمى، فيرسمها رسمًا، وهذا لا يمنع من أن يكتب اسمه؛ لأنه رآه كثيرًا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نقش خاتمه محمد رسول الله، فهو يرى اسمه ولو كتب بيده اسمه لم يخرجه ذلك من الأمية، والباجي قال: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يكتب، يعني بعد أن صار رسولاً، والنفي لما قبل الرسالة، قبل الرسالة {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [سورة العنكبوت:48]، أخذ من مفهوم ذلك أنه بعد الرسالة صار يكتب، ولكن عامة أهل العلم، بل جميعهم يثبتون أنه أمي بمعنى أنه لا يقرأ ولا يكتب، وإذا كانت الأمية في عرف الناس نقصًا فهي في حقه -عليه الصلاة والسلام- كمال؛ لأنه لو كان يقرأ ويكتب لقيل: كُتِب إليه، أو كتب له، فصار يردد هذه الكتابة ثم يتلوها على الناس ويقول: هذه من عند الله، لكن إذا كان لا يقرأ ولا يكتب فكيف يصل إليه شيء، وهذا بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- كمال.

 الأمي منسوب إلى الأم، والغالب أن النساء في أول الأمر ما فيه أو يندر فيهن من يكتب أو يقرأ، فهن أميات نسبة إلى الأم، هم أميون نسبة إلى الأم، ومن أراد- وذُكر في وقتنا- وأُرسل في وسائل التواصل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمي ويقرأ ويكتب، كيف يكون أميًّا ويقرأ ويكتب؟! يقولون: النسبة ليست إلى الأمية، وهي عدم القراءة والكتابة، وهي نسبة إلى بلده أم القرى، قيل هذا، وهذا الكلام باطل، لم يقل به أحد ممن تقدم، ولو قيل به لكان مردودًا بنصوص الكتاب والسنة، العلماء ردوا على الباجي، ورموه بالعظائم؛ بسبب قوله: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- يكتب.

 هذه نسخة صحيفة كتب فيها ما ذكر فيه صحف أخرى، وعلي -رضي الله عنه-، سئل عما في هذه الصحيفة قال: لم يخصنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء إلا فهمًا يؤتيه الله من يشاء، فهمًا لكتابه، وفيها الديات والعقول، المقصود أنه وجدت صحف، وتداولها أهل العلم وتناقلوها مثل هذه الصحيفة صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة، وهي صحيفة تشتمل على أكثر من مائة وثلاثين جملة فيها، تشتمل على هذه الأحاديث، وهي مخرجة في الصحيحين مفرقة، وفي المسند في موضع واحد مجتمعة، المسند؛ لأنه يروي على مسانيد الصحابة أوردها في مسند أبي هريرة مكتملة، والبخاري ومسلم يترجمون على الأبواب، فهم يودعون في أبوابهم من صحيحيهم ما يحتاجون إليه مما يستدل به على الأحكام، وفرقوا هذه الصحيفة ولهم طرق في روايتها، منهم من يقول: فذكر أحاديث منها، ومنهم من يذكر الجملة الأولى من هذه الصحيفة ويعطف عليها ما يريد ذكره من جملها؛ ليستدل بها على الأحكام، فيروي عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة»، ثم يعطف عليها وقال كذا وكذا وكذا مقتصرًا على ما يريد، هذه صحف أو صحائف مروية عن النبي -عليه الصلاة والسلام- صحيفة همَّام ما فيها كلام في اتصالها وصحتها؛ لأنها في المسند، وجملتها في الصحيحين مفرقة، لكن صحيفة عمرو بن حزم قالوا: مرسَلة، مرسلة، مع أن الأمة تلقوها بالقبول، وعملوا بمضمونها، ولها شواهد تشهد لجملها، فهي صحيحة من باب الصحيح لغيره، وإن لم تكن صحيحة من أعلى درجات الصحيح، لكن تلقي الأمة لها بالقبول يقويها، وبعض العلماء يرجِّح ما تلقته الأمة بالقبول أكثر مما يصحِّح ما صحَّ إسناده بالرواة الثقات مع الاتصال، وابن حجر يقول: تلقي الأمة للقبول أقوى من مجرَّد كثرة الأسانيد، فهذه الصحيفة تلقتها الأمة بالقبول، نعم وعملوا بها مثل حديث: «لا وصية لوارث، لا وصية لوارث»، الحديث فيه كلام لأهل العلم، لكن الأمة تلقته بالقبول، وعملوا به، فهذا التلقي كافٍ في إثبات هذه الأخبار.

يبحث العلماء مسألة عمل العالم بحديث أو فتواه على مقتضى حديث هل هذا يعني تصحيحه؟ وتلقي الأمة شيئًا؛ لأنه تلقته الأمة بكاملها أو غالبها، لكن عالم واحد عمل بحديث هذا لا يقتضي تصحيحًا؛ لاحتمال أن يكون عمل به مع ما يشهد لمعناه من أحاديث أو رجحه على غيره باعتباره أرجح ما في الباب وإن كان ضعيفًا، أو لأمور واعتبارات أخرى.

 قال: "وهذه نسختها «من محمد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى شرحبيل»، ممنوع من الصرف؛ لأنه أعجمي، «إلى شرحبيل بن عبد كُلال والحارث بن عبد كُلال ونُعَيْم بن عبد كلال قَيْلِ ذي رُعَيْن، قَيْل ذي رُعَيْن»".

 والقَيْل: الملك، الأقيال في اليمن هم الملوك، قَيْل «قَيْل ذي رُعَيْن ومَعَافر»، قبيلة، كلاهما من القبائل، «وهَمْدَان» قَيْل ذي رعين ومعافر وهَمْدان هل الأخير هو المعني بقوله قَيْل القبائل الثلاث أو كل واحد ممن ذُكر قَيْل لكل واحدة ممن ذكر من القبائل هذا يحتاج إلى مراجعة تواريخ اليمن وما ذكر فيها، ولا يهمنا كثيرًا.

 «أما بعد» أما بعد، أما حرف شرط، وبعد قائم مقام الشرط مبني على الضم؛ لأنه قُطع عن الإضافة ونوي المضاف إليه، فإذا قطع عن الإضافة قبل وبعد والجهات الست كلها إذا قطعت عن الإضافة مع نية المضاف إليه فإنها تُبنى على الضم، {لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [سورة الروم:4]، وإذا قطعت عن الإضافة مع عدم نية المضاف إليه فإنها تُعرب منوَّنة.

................وكنتُ قَبْلا

 

أكاد أغص بالماء الفرات

فساغ لي الشراب وكنتُ قَبْلا

 

أكاد أغص بالماء الفرات

إذا أضيفت أعربت {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ} [سورة آل عمران:137] كما هو معلوم «أما بعد» ويؤتى بها للانتقال من كلام إلى آخر، واختلفوا في أول من قال: أما بعد على ثمانية أقوال يجمعها قول الشاعر:

جرى الخلف أما بعد من كان بادئا

 

بها فعد أقوال بها وداود أقرب

ويعقوب أيوب الصبور وآدم

 

وقس وسحبان وكعب ويعرب

الخلاف في أول من قالها وأقربها، أقرب هذه الأقوال أنه داود، وأنه فصل الخطاب الذي أوتيه، وهي بهذه الصيغة جاءت في أحاديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- جُمعت فزادت على الثلاثين، ولا يغني عنها غير هذه الصيغة، ما تتأدى السنة إلا بهذا اللفظ أما بعد، وتداول الناس الواو بدل أما، وبعد، وهي موجودة في كتب أهل العلم المتأخرة، المتأخرة، في شرح الزرقاني على المواهب أشار إليها، وفي تفسير الطبري ثم أما بعد، وتُسمَع من بعض المتحدثين يأتون بثم ولا داعي لها؛ لأنها لم ترد في أي حديث من الأحاديث، وعطفها على أي شيء؟

نعم إذا احتاج أن يوردها مرة ثانية احتاج لثم، وأكثر النسخ من تفسير الطبري ما فيها ثم قال. "وكان في كتابه: «أن من اعتبط مؤمنًا قتلاً»"، يعني قتله قتلاً، فقتلا مصدر مؤكِّد لمعنى الفعل لا للفظه، اعتبط يعني بغير جناية، قتله عمدًا بغير سبب. «أن من اعتبط مؤمنًا قتلاً عن بينة» يعني خلا عن بينة وبلا جناية توجِب ذلك القتل، قد يوجَد سبب، لكنه لا يرقى أن يكون موجِبًا للقتل، تشاجر فلان وفلان فقتله في نوع سبب، لكنه لا يوجِب القتل، وقد يكون المقتول معتديًا على من قتله.

هذا يقول: ألا يكون قول النبي -صلى الله عليه وسلم- قَيْل ذي رُعَيْن وما عُطِف عليه من باب اللف والنشر المرتَّب؟

أنا أبديت هذا احتمالًا، أنه هل هو كل واحد قيل لقبيلة، أو أن المراد الأخير، وهذا كله يحتاج إلى مراجعة التواريخ، هذا لا يتأتى بالاحتمال، مجرد الاحتمال لا يرد في مثل هذا.

 قد يوجد نزاع، شجار بين اثنين أحدهما معتدٍ، والثاني معتدًى عليه في الكلام أو في جحد مال أو ما أشبه ذلك، ثم يقتله، هذا قتل عمد، ومثل هذا السبب أو هذه الأسباب لا ترقى أن تكون مبرِّرة للقتل، ومثل هذا لا يعفيه أن يكون قتله عمدًا؛ لأن «أن من اعتبط مؤمنًا قتلاً عن بينة» يعني خلا عن بينة، واعتبط يعني ليس له حجة في ذلك ولا جناية توجب أن يقتله لا يعني أنه إذا وجد سبب ومبرر لكنه غير مقبول أو لا يرقى أن يكون موجبًا للقتل، كل هذا لا يعفيه من كونه قاتلاً عمدًا.

 «أن من اعتبط مؤمنًا قتلاً عن بينة فإنه قَوَد» قَوَد يعني قصاص يقتل به، فإنه قَوَد يعني قصاص يُقتل به.

 «إلا أن يرضى أولياء المقتول، إلا أن يرضى أولياء المقتول» فيعدلوا عن القصاص إلى الدية، أو يعفون بدون قصاص ولا دية، لكن الأمر إليهم، والاختيار لهم؛ «إلا أن يرضى أولياء المقتول، وأن في النفس الدية» قتل النفس الدية كاملة مائة «من الإبل، مائة من الإبل»، ومعلوم أن الإبل تتفاوت أقيامها من زمان إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، فتبعًا لذلك ترتفع قيمة الدية وتنزل وتنخفض ،وفيما أدركناه خلال الخمسين السنة الماضية الدية من ستة عشر ألفًا إلى ثلاثمائة ألف في الخطأ، وأربعمائة في العمد وشبه العمد، الأصل في الديات الإبل، ثم تقوَّم هذه الإبل بأقيامها بالمتوسط.

 «وأن في النفس الدية مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية» يعني قطع من أصله، وكل ما في الإنسان منه شيء واحد ففيه الدية كاملة، وما في الإنسان منه شيئان ففي كل واحد منهما نصف الدية، وما في الإنسان منه ثلاثة أشياء ففي كل واحد منها ثلث الدية، وتأتي الأمثلة في هذا الحديث.

 «وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية» كاملة، «وفي اللسان الدية»، لماذا؟ يعني ما فيه إلا واحد، لكن لو تصورنا أن هذا اللسان من غير متكلِّم، من أخرس قالوا: في اليد الشلاء ثلث الدية، وفي السن الأسود ثلث ديتها، فهل نقول في لسان الأخرس: ثلث الدية؟

مسألة اجتهادية، من أهل العلم من يقسمون الدية على منافعها، اللسان له منافع كثيرة من أهمها الكلام، «وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية»، لكل شفة نصف الدية، وقال بعضهم: إن الشفة السفلى أنفع من العليا، قالوا: الشفة السفلى أنفع من العليا؛ لأنها تلقف الطعام، يعني لولا السفلى لتناثر الطعام بخلاف العليا فقالوا: للشفة السفلى ثلثا الدية، وللعليا الثلث، لكن القاعدة المطردة في هذا الباب أن ما كان منه في الإنسان اثنان، وفيهما الدية، فلكل واحد منهما النصف.

طالب: ...........

الخِنْصر والإبهام سواء.

طالب: ...........

الخنصر والإبهام تقاس عليها..

طالب: ...........

لا لا، قول الجمهور على خلافه.

«وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية»، الخصيتين؛ لأن في الإنسان منهما اثنين، شيئين ففيهما الدية كاملة، وفي كل واحدة منهما نصف الدية، «وفي الذكر الدية»، لماذا؟ لأنه ليس في الإنسان منه إلا واحد، «وفي الذكر الدية»، وفي الخنثى من عنده آلة ذكر وعنده آلة أنثى ما الحكم؟

الخنثى هو المشكل الذي آلاته كلها على حد سواء، أما بالنسبة للأنثى قالوا: في إِسْكِتَي المرأة الدية، لكل واحد منهما النصف، لكن بالنسبة للخنثى؟

طالب: ...........

لا لا، خل مسألة الإرث، وهذا مشكل ينتفع بهما على حد سواء، مثل هذا نادر، مثل هذا نادر يمكن تخريجه على مَن له شيئان.

طالب: ...........

نعم المنافع معتبَرة، وأيضًا مثل هذا النادر جدًّا الخناثة قِلَّة، نوادر، وقلَّ أن يُذكَر في بلد واحد، وهو مذكور في كتب أهل العلم، فمثل هذا يصير حكومة، يقدَّر من قِبَل الحاكم.

 «وفي الصُّلْب الدية» الصُّلْب الذي هو الظهر، العمود الفقري كم في الإنسان من صُلْب؟ واحد، لو اعتدى شخص على آخر ففِقْرَة من فِقرات ظهره تلفت بسبب ذلك، هل نقول: بقدرها، وتقسم الدية على جميع الفِقرات كما تقسم على الأسنان والأصابع؟

طالب: ...........

نعم.

طالب: ...........

هو ما فيه شك أنه يتأثَّر، والأثر بليغ، فيُنظَر للمنفعة إذا كانت المنفعة زالت بالكلية فلا شك أن في مثل هذا الدية، إذا احدودب الظهر، أو انشل، فالمنافع تقدَّر بقدرها.

 «وفي العينين الدية»، في العينين الدية لكل واحدة منهما نصفها. «وفي الرجل الواحدة نصف الدية»، وهي كسابقتها في العينين الدية، وفي كل عين نصفها، وفي الرجلين الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية، وهذا طرد للقاعدة التي سبق ذكرها، وهو أن كل شيء في الإنسان منه اثنان فإنه يتنصف عليه، فإن الدية تتنصف عليهما.

 و«في المأمومة، وفي المأمومة» وهو الجرح الذي يصل إلى أم الدماغ، الجرح الذي يصل إلى أم الدماغ، وهو قشرة رقيقة قبل الدماغ وبعد العظم «ثلث الدية، ثلث الدية». إذا جنى عليه في رأسه فتجاوزت الجلد هذه الجناية والعظم إلى أن وصلت إلى أم الدماغ ففيها ثلث الدية.

 «وفي الجائفة ثلث الدية» والجرح الذي يصل إلى الجوف، يصل إلى الجوف، يخترق اللحم والعظم إلى الجوف فيه ثلث الدية، لكن لو جنى عليه بجناية اخترقت الجوف مع البطن وخرجت مع الظهر، ماذا يصير؟

جائفتين، تصير جائفتين، وفيهما حينئذ ثلثا الدية.

 «وفي المُنَقِّلة خمس عشرة من الإبل، خمس عشرة من الإبل»، المُنَقِّلة التي تكسر العظام وتنقلها عن أماكنها، لكن لا تصل إلى الدماغ، ولا تصل إلى الجوف، «وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل» كما تقدم «عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، في السن خمس من الإبل»، الآن عدد الأسنان الكاملة في الإنسان اثنان وثلاثون، اثنان وثلاثون، وتنقص في كثير من الأحوال وتتراوح يعني كمالها إلى عشرين، كثير من الناس قد لا تصل إلى عشرين، ولذلك جعل في السن الواحدة خمس من الإبل.

 الأصابع ثابتة العدد عشرون، لليدين عشر، وللرجلين عشر، وفي كل واحد من أصابع اليدين أو الرجلين عشر من الإبل، لو قُدِّر أن شخصًا عنده إصبع زائدة، فصار في هذه اليد ست، وهذه ست، هل تقسم اليد على اثني عشر، أو تقسم على عشرة والأصبع الزائد له حكومة؟

لو جاء شخص فقطع هذا الزائد كما يقال عشر من الإبل ليس فيه جمال، بل العكس، هل يقال: عليه عشر من الإبل؛ لأنه قطع هذه الأصبع أو تقسم الدية على اثني عشر، ثم يكون الناتج دية كل أصبع؟

لا، الأصبع عشر من الإبل ثابتة، وهذا الأصبع الزائد إذا قطع فليس أثره كأثر الأصابع الأصلية، أثر الأصابع الأصلية، وقد يكون أحسن على المجني عليه؛ لأن الناس يتقززون من الشيء الزائد عن المعتاد، هو ليس فيه نفع، وليس فيه جمال، لكن هذا العدوان وهذه الجناية لا تذهب سدى، وإنما يقوَّم ويقال: فيه حكومة، يجتهد فيه الحاكم ويقرِّر فيه ما يشاء، قد يقول قائل: إن هذا الإصبع لما قُطع هذا الإصبع الزائد نزف ومات بسببه نقول: لا؛ لأنه قطع الإصبع؛ لأنه جنى جناية ترتب عليها موت.

"