شرح مختصر الخرقي - كتاب الأشربة وغيرها (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: والشرب في آنية الذهب والفضة حرام، وإن كان قدح عليه ضبة فضة فشرب من غير موضع الضبة فلا بأس. الشرب في آنية الذهب والفضة عموم أو جمهور المؤلفين يجعلونه في الآنية في أوائل كتب الفقه؛ لأن لها ارتباطا وثيقًا بالمياه؛ لأن الماء لا بد له من وعاء، والآنية هي الأوعية لغة وشرعًا وعرفًا، وإن كان بعض الإطلاقات الوعاء على الأمور المعنوية صار فيه نوع عرف خاص عند أهل العلم، فيقال: فلان من أوعية العلماء، ولا يقال: من آنية العلم؛ لأن فيه أو لأن له قلبًا يعي العلم، فناسب الأوعية بخلاف الإناء. على كل حال مناسبة هذا الكلام للباب الذي نحن فيه أن الباب في الأشربة، وهنا الشرب في آنية الذهب والفضة حرام، وما تقدم هو في المشروب، وما هنا هو في وعائه وآنيته.

 والشرب في آنية الذهب والفضة حرام، وفيه الحديث المتفق عليه: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة»، «والذي يشرب في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم» نعوذ بالله، وجمهور أهل العلم على أن سائر الاستعمالات مثل الشرب والأكل مثل الأكل والشرب؛ لأنهم يجعلونه من باب قياس الأولى، فإذا منع الشرب مع أن الحاجة داعية إليه فسائر الاستعمالات من باب أولى، ومنهم من يقصر النص على مورده، ويبيح سائر الاستعمالات، لكن العلة ظاهرة، العلة في التحريم ظاهرة، ما ذكره أهل العلم من الفخر والخيلاء والإسراف، وقالوا: فيه كسر قلوب الفقراء، وغير ذلك من العلل التي ذكروها، وهذا كما يتأتى في الأكل والشرب يتأتى في سائر الاستعمالات.

طالب: ..........

والاتخاذ يعني إذا منع الاستعمال مع أن الحاجة قد تدعو إليه الاستعمال، فمجرد الاتخاذ مجرد الزينة يعني من باب أولى.

طالب: ..........

لا، النص في الذهب والفضة وما ذكرت من الأشياء الثمينة التي قد يكون بعضها أغلى من الذهب والفضة يمنع من باب التبذير والإسراف، وما أشبهه منعه من باب آخر.

طالب: ..........

لا، هي علة مستنبطة ما يدور معها النص، ما يدور معها النص فهي مستنبطة ليست منصوصة يدور معها الحكم، لا، لكن الجواهر الثمينة التي قد يكون بعضها أثمن من الذهب والفضة وأغلى تمنع من باب الإسراف والتبذير، وكلاهما محرم.

طالب: ...........

يمكن أن يستخلص منه ذهب؟ أو لون؟

طالب: ...........

نعم، لكن يمكن أن يستخلص منها ذهب أو فضة بحيث يكون المستعمِل مستعمِلًا للذهب والفضة أو مجرد لون؟

طالب: ...........

لا، إذا كان فيه مادة الذهب والفضة فحرام، أما إذا كان مجرد لون فلا.

طالب: ...........

معروف، هذا مر علينا.

طالب: ...........

أنا صار عندي قلم من نوع الشغر كتبت به صفحات كثيرة جدًّا يمكن ألوف؛ لأن ريشته زينة وتمشي وأنا ما أعلم ما هي؟ قيل لي: إنه ذهب، إن الريشة ذهب، وبالفعل ثبت أنها ذهب، لكن مريحة جدًّا في الكتابة، ثم فكَّرت في الحل الذي يمكن؛ لأن إذابته ووضعه يعني نوع ذهب ما يعدل شيئًا بالنسبة لقيمة القلم، ففكرت أن أهديه للنوع الثاني للجنس الثاني للنساء، لكنه أيضًا ممنوع للنساء، ما هو حلي، ليس من الحلي ليباح للنساء، وإن كان استعمالها له أسهل من استعمال الرجال، لكن لا يدخل في الحلي المباح.

يقول: والشرب في آنية الذهب والفضة حرام.

طالب: ...........

تذوب ويستخلص الذهب منها إذا كان فيه جرم ذهب نسبة ذهب ولو قلت ولو قلت يذاب ويخرج الذهب عنه.

طالب: ...........

والله المسلم الذي يرجو ثواب الله ويخشى عقابه ما يستعمل هذه الأشياء، يجرجر في بطنه نار جهنم؟! وحقيقة الذهب موجودة فيما يستعمله مشكلة ولو قلَّت، قد يقول قائل: إن العمل على استخلاص هذه النسبة أكثر قيمة من قيمة هذه النسبة، لكن يبقى الوعيد على حاله.

طالب: ...........

كيف مستودع؟!

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: ...........

الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما أهدى أو أعطى عمر الحرير أهداه لقريب له من المشركين، مع أن الحرير حله سهل يهدى لامرأة أمره أسهل من الذهب.

طالب: ...........

ينتهي خلاص العلة موجودة.

طالب: شيخنا بعض الأطباء يستخدمون الفضة في بعض العلاجات...

العلاج ما فيه شيء، العلاج ما فيه شيء، لا لا أبدًا إذا احتيج إليه علاج فلا مانع من استعماله الحرير، يستعمل علاجًا للجرب مثلاً للحكة لا مانع، وعرفجة بن هرثمة قطع أنفه فاتخذ أنفًا من فضة فأنتن، ثم اتخذ له أنفًا من ذهب ومشى، ما فيه شيء العلاج غير.

طالب: ...........

لا، السن عند الحاجة إليه إذا كان ما يقوم مقامه غيره لا بأس.

طالب: يعني إذا وجد البديل...

لا، ما يجوز.

طالب: ...........

من هذا النوع هو أحيانًا تدخل بعض المذاهب مثل الحنفية يتوسعون في مثل هذا في زخرفة المساجد وغيرها، ويتوسعون أكثر من ذلك، فموجود في مساجدهم شيء من هذا ومعروف أن باب الكعبة وميزاب الكعبة كلها ذهب، لكن هل نقول: إن هذا من هذا النوع فيحرم أو نقول: إن بيت الله يجب تعظيمه واحترامه ورفع شأنه؟ على كل حال هذا وجد وما استشرنا فيه وإلا الأصل..

طالب: ...........

أين؟

طالب: ...........

لا لا، هو إذا قيل بالتحريم يباع ويدخل في بيت المال، لكن الحنفية متوسعون يرون أكثر من ذلك.

طالب: ...........

من هو؟

طالب: ...........

عمر بن عبد العزيز لا تعرضن لذكرنا مع ذكرهم، عمر بن عبد العزيز أول ما تولى أخذ الذهب الذي على زوجته وأدخله بيت المال، وجميع ما يملكه بنو مروان أدخله بيت المال، وجاء واحد يشتكي لسليمان قال: إن أباك منحني أرضًا، فجاء عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فأخذها. قال: الذي منحك الأرض ما تقول: رحمه الله، والذي أخذها تقول: رحمه الله؟ قال: ماذا أقول؟ الناس كلها تقول: عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-. لا شك ورعه واحتياطه وزاد في ذلك، يعني حتى الشيء المباح تورَّع عنه بالنسبة لنفسه وأهله، وعلى كل حال القياس ما هو، الناس يبحثون عن المباح الآن، وهو يفعل ما فوق ذلك، الله المستعان.

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: ...........

هي لهم في الدنيا، عمر بن الخطاب أهدى الحرير لأخيه المشرك.

طالب: ...........

حرم ثمنه ما باعه بيعًا.

طالب: ...........

هل هو حرام عليهم؟

طالب: ...........

مخاطبون بالفروع، لكن النص لهم في الدنيا، يعني هم لهم من جهة الاستحلال لا من جهة أنه حلال، هذا الذي يقوله الجمهور ويصير حرامًا عليهم أيضًا، لكن المسألة الآن الحيوانات المحنطة التي ملأت البيوت، تخريجها على أي أساس؟

طالب: ...........

يحنط؟ يحنط أبا عبد الرحمن، بيطلعهن إن شاء الله ما هو مخليهن؟ تستخدم؟

طالب: ...........

تتنظر الفتوى، تجد من يفتيك.

يقول -رحمه الله-: والشرب في آنية الذهب والفضة حرام، وإن كان قدح عليه ضبة فضة، ضبة في الإناء إذا انكسر يرمم بما تيسر من حديد، لكنه يصدأ الحديد ويؤثر فيه، فيستبدل بالفضة التي لا تصدأ، فإذا كانت الضبة، هذا الترميم من ذهب حرم مطلقًا، حرم استعماله مطلقًا، وإن كانت الضبة يسيرة، ما تكون كبيرة، إنما هي ضبة يسيرة، وتكون من فض، ولا يباشر هذه الضبة بالشرب، فينحي فمه عند الشرب عنها إلى جهة أخرى. قالوا حينئذ فلا بأس؛ لأن قدح النبي- عليه الصلاة والسلام- انشعب يعني انكسر، ففي حديث أنس: فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة، كانوا يرممون الفناجيل، الفنجال إذا انكسر رمموه وشرَّطوه؛ لقلتها عندهم، وبلغت قيمة الفنجال قبل ستين سنة ثلاثة ريـالات الواحد، هذا الذي يجعلهم يرممون، ثمين في ذلك الوقت؛ لأن المستورد قليل جدًّا والصناعة ضعيفة.

طالب: ...........

تعرف درجته؟

طالب: ...........

جلجل من فضة، جلجل من فضة الذي ورد في الشَّعر، الذي فيه الشعر، لكنه معارض بأحاديث أخرى، والحظر مقدم على الإباحة، فيبقى مورد الاستعمال، تكون قضايا أعيان ما يتوسع فيها. ولا يبلغ بالتعزير الحد، ولا يبلغ بالتعزير الحد، التعزير هو التأديب في ذنب لا حد فيه مقدَّر من الشرع، إذا ارتكب الإنسان ذنبًا فيعزَّر من أجل أن يرتدع هو وغيره، فإن كان مقدرًا سمي الحد، وإن لم يكن مقدرًا سمي التعزير الذي يمنع من الوقوع فيه، والتعزير متفاوت على حسب الجرم، ومرده إلى اجتهاد الحاكم، مرده إلى اجتهاد الحاكم، ويختلف باختلاف الناس والظروف والأحوال، وبعض الناس تعزيره بالكلمة أبلغ من تعزيره بالضرب، وبعض الناس تعزيره بالمال أشد من تعزيره بالضرب أو السجن أو غير ذلك، بعض الناس إذا أخذ مخالفة ثلاثمائة ريـال أربعمائة ريـال وده خمسمائة جلدة ولا يؤخذ منه خمسمائة ريـال، وبعض الناس جلدة واحدة تعدل مليونًا عنده، فهذا يتفاوت بتفاوت الناس، والمقصود أن الحاكم يجتهد فيما يردع الناس من الوقوع في المعاصي.

 ولا يبلغ به الحد، ورد في ذلك حديث صحيح في الصحيحين: لا يُجلَد في شيء فوق عشرة أسواط، «لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله» فلا يصل التعزير أو ما يزيد التعزير على عشرة أسواط، وهذا معروف عند أحمد وإسحاق وجمع من أهل العلم، فلا يزاد على العشرة.

طالب: ...........

لا، هو في المحارم هو بعضهم يقول: إن هذا محمول الذي هو القول الثاني أنه يزاد على العشرة، لكن لا يبلغ به الحد، وهو الذي مشى عليه المؤلف أنه لا يبلغ به أدنى الحدود فيكون تسعًا وثلاثين جلدة غايته؛ لأن أقل الحدود أربعون، سواء قلنا حد نصف الحد بالنسبة للعبد، وحد الحر ثمانون، أو قلنا: إن حد الحر أربعون، فيكون ما يبلغ العشرين؛ لأنه حد العبد، ولو قيل: إن مستحق التعزير إن كان حرًّا لا يبلغ به نصف حد الحر، وإن كان عبدًا لا يبلغ به نصف حد العبد، وهنا جرائم يعاقَب عليها بأضعاف أضعاف الحدود، لماذا؟ لعظم أثرها، لعظم أثرها، ونسمع في الأحكام ما يبلغ به الألف أو يزيد، كلها هذا لعِظَم الأثر، فهذا خارج عن القولين، بل هو قول ثالث للإمام أن يعزر بما شاء، ولو بلغ الأمر إلى القتل، ولو بلغ الأمر إلى القتل، وحدثت جرائم لا شك أنها أعظم من المعاصي والجرائم المقدَّرة في أشياء بعضها من عظائم الأمور، وأثرها بالغ على مستوى الأفراد والجماعات، فللحاكم أن يزيد فيها ما شاء، والمغرضون الذين يحاولون تشويه الشريعة، وينادون بالتقنين يجمعون من أحكام القضاة ما يُظَن أن فيه تضاربًا وتناقضًا، فيجمعون من القضايا ما حكم به قاضٍ من القضاة بعدد يسير من الجلدات والسجن أيامًا قليلة، بينما قضية يظنونها مشابهة، يظنونها؛ لأنهم ما يدرون خفايا الأمور، ولا يدرون عن ملابسات الأحوال ما بلغ فيها المئات، فيقولون: هذه أحكامكم أموركم ما تنضبط، وهذا لا شك أنه محادَّة، وإلا فالقاضي الأهل الكفؤ المتأهل للقضاء له أن يجتهد، ولا يفترض فيه العصمة، لا يفترض فيه العصمة، مع أن لهذا مرجعًا، وهذا مرجع من القضاة، فإذا رأى المرجع أن القضايا متشابهة وبينهم وبين.. ينبِّه ينبِّه المتساهل، وينبِّه المتشدد، مع أنه جِبِلَّة وجود المتساهل المتشدد، والمتساهل في الناس جِبِلِّي في كل المجالات، يعني ألا يوجد في المحدِّثين متساهل ومتشدد ومتوسط؟ ألا يوجد في الفقهاء كذلك؟ ألا يوجد في..؟ كل علم من العلوم وكل مجال من المجالات يوجد فيها هذا وهذا، فلا يفترض في الناس أنهم مثل المصانع التي تخرج الصناعات المتساوية من كل وجه، ولو بحثت في البشر منذ أن خلق الله آدم إلى يومنا هذا تريد أن تجد اثنين متساويين من كل وجه؟ ما تجد.

 على كل حال الشرع هو العلاج، ووجود الأخطاء متوقَّع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- المؤيَّد بالوحي يقول: «لعل بعضكم أن يكون ألحن من بعض، فمن قضيت له شيئًا من حق أخيه فإنما أقضي له بقطعة من النار، فليأخذها أو يدعها»، وهو مؤيَّد بالوحي، والقاعدة العامة: البينة على المدعي واليمين على من أنكر، فالقاضي إذا اجتهد، وقبل هذه البينة، وفعل ما عليه، وأتى بالمقدمات الشرعية، فالنتائج ولا بد شرعية، طابقت الواقع أو خالفت، القاضي ما هو بعد مسؤول أن يصل إلى الحقيقة، هو المطلوب منه أن يحكم بمقدمات شرعية «البينة على المدعي واليمين على من أنكر»، وقد يقضي بهذا بحق هذا؛ لأن هذا ألحن، وذاك ضعيف في الحجة، ولن يضيع حقه، الثاني متوعَّد بأنه يأكل قطعة من نار، والثاني لا يضيع حقه موجود مرصود، قد يكون أفضل له.

 وعلى كل حال إن القضاة بشر، وقدوتهم محمد -عليه الصلاة والسلام- يقضون على نحو ما يسمعون، يعني قد يوجد قضاة ذممهم رخيصة، وجاء الوعيد الشديد على أمثالهم، لكن هؤلاء ما هم محل البحث.

طالب: ...........

لا، على الخلاف على الخلاف؛ لأن العشر فيها حديث ثابت في الصحيحين، لكنها قد لا تردع في كثير من الأحوال، فرأى جمع من أهل العلم أنه يزاد عليها، لكن لا يبلغ الحد؛ لأن الحد غاية في بابه، الحد الشرعي غاية في بابه فلا يبلغ به.

طالب: ...........

من جنسه.

طالب: ...........

هو الذي مشى عليه الأكثرون على جنس الحد، يعني ما يبلغ الأربعين، والقول الثاني أنه من جنسه، ما يبلغ بمن زاول واقترف ما دون الفاحشة مع امرأة، طيب لو حبسها أيامًا، حبسها شهرًا عنده، وما ثبت عليه أنهم فعلوا الفاحشة، والظن الغالب أنهم فعلوا، لكن البينة ما اكتملت، لا شك أن هذا يحتاج إلى شيء يردعه وإلا ضاعت الأمور، ولذلك القول الثاني هو المرجَّح أنه يزاد في التعازير، ولولي الأمر أن يزيد إلى الحد الذي يردع به الناس، لاسيما إذا تتابع الناس وتتايعوا في الجرائم والمنكرات، وعمت وكثرت في المجتمع، فلا بد من القضاء عليها، ويبقى الحديث المحدَّد بعشر جلدات يكون التأديب من الوالد لولده، ومن المعلم لتلميذه، يكون تأديبًا عاديًّا، ولا يكون على منكرات وجرائم، مثل هذه المخدرات التي عم ضررها وشرها، وهددت البيوت، والولد المتعاطي صار وبالاً على أهله ومجتمعه، يهدد أمه، وقد تكون محارمه على خطر منه بالقتل وغير القتل، مثل هذا ما الذي يردعه؟ والمروِّجون الذين يوردون إلى البلد المهالك، ويورِّدون ملايين الحبوب أو الأشياء الكيلوات والأشياء من هذا، هؤلاء يكتفى بحد مثل من شرب مرة لنفسه ولا تضرر به أحد؟ هذا مثله؟ كلا.

قال: وإذا حمل عليه جمل صائل، فلم يقدر على الامتناع منه إلا بضربه سواء كان جملًا أو غيره مما يصول على الإنسان من الحيوانات، وإن صال عليه آدمي كما سيأتي في المسألة الثانية، لو صال عليه جمل صائل، أو حمل عليه جمل صائل، فلم يقدر على الامتناع منه إلا بضربه فله أن يضربه، له أن يدفعه بالأسهل، لكن إذا لم يمتنع إلا بالضرب فله أن يضربه، فإن استطاع أن يصرفه بالضرب الأقل لم يتعده إلى الأشد، لكن إذا أعيته المسالك، واحتاج إلى ضرب يعرِّضه للخطر، فضربه فقتله، فلا ضمان عليه؛ لأنه يدافع عن نفسه، لأنه يدافع عن نفسه.

قال: ولو دخل رجل منزله بسلاح، على حسب ما يغلب على ظنه، لكنه ما يبادره وهو يعرف أنه.. بعض الناس من شدة الخوف قد يتوقع الضرر وهو ما فيه ضرر، قد يتوقع وما فيه ضرر، لكن مثل هذا لا، ما يجوز له أن يمنع ويدفع بالأشد.

طالب: ...........

نعم يضمن لا بد أن يضمن.

يقول: ولو دخل رجل منزله بسلاح، فأمره بالخروج فلم يفعل، قال له: اخرج، فله ضربه؛ لأنه قد يكون غلطان، قد يكون دخوله هذا المنزل من باب الخطأ، إذا رفض أن يخرج فله ضربه بأسهل ما يخرجه به، يبدأ بالأسهل، طيب إذا كان خشي على نفسه أن يبادره بالسلاح فما الحل؟ يبدأ بالأشد؟

طالب: ...........

معه سلاح.

يقول: فأمره بالخروج فلم يفعل، طيب إذا دخل وهو يريد سرقة، أو يريد عرضًا فأمر بالخروج فخرج، خلاص انتهت المسألة؟ هو يتحين فرصًا؛ لأنه قد يجد بغيته من غير مقاومة، يجد مالًا طارفًا أو يجد واحدة بعد ما ترد يد لامس أو شيء، هذا لا بد أن يردع أيضًا إذا كان قاصدًا للدخول في منزل غيره بغير إذنه، هذا اعتداء، هذا إذا غلب على ظنك أنك إذا لم تقتله قتلك، الإشكال الآن في رجال الأمن يعني أحيانًا إذا ما بادروا بودروا، هذه مشكلة معضلة، هذه ما دخلوا بيتًا ولا شيئًا، لكن يغلب على الظن أنهم من النوع المفسِد، وأيضًا بعد لو تُرِك المجال لبعض رجال الأمن وقيل: كل من رأيتموه اقتلوه بعد هذه كارثة، فإنه يقع منهم أخطاء، كما يقع من غيرهم، كلهم بشر، لكن لا بد أن يدرس الموضوع بجدية وعناية، ويحتاج إلى أمور تفصيلية؛ لأن هذه الأمور المفاجئة تغطي على العقول، والسلاح ما فيه مزح، يقول: اصبر اخرج بارك الله فيك وإلا توقف أو.. والواقع يشهد بأن المسألة في كثير من الأحوال لا تحتمل التأخير، يقال هنا في هذه الحالة: الدفع بالأسهل، ما هو الأسهل؟ ما هو تدفعه بيدك أو بخشبة أو بعصا أو شيء محل الضرب يختلف.

طالب: في غير مقتل...

في غير مقتل نعم، والمسألة تحتاج إلى احتياط كبير من الطرفين.

طالب: ...........

نعم، لكن مثل هؤلاء الذين يحفظون الأمن نقول لهم: صيروا مقتولين ولكم أجر عظيم، لا؛ لأنهم ما هم يدافعون عن أنفسهم فقط، أما من يدافع عن نفسه ودون ماله ودون عرضه وكذا أمره..

طالب: ...........

بعض الناس ما يحتاج من يوصيه.

طالب: ...........

هذا إذا ادلهمت الأمور ولا عرف وكثر الأمر، وإما قاتل أو مقتول، نسأل الله العافية، نعوذ بالله من الفساد والمفسدين.

طالب: ...........

الذي دخل بسلاح هذا، الذي يغلب على الظن أنه قاصد.

طالب: ...........

ماذا فعل؟

طالب: ...........

على كل حال هو مأمور بالدفع بالأسهل، إذا كان له أن يضرب فما يضمن.

 فله ضربه بأسهل ما يخرجه، بأسهل ما يخرجه مضاف إليه، ما يخرجه به، فإن علم أنه يخرج بضرب عصا لم يجز له أن يضربه بحديدة؛ لأن عليه أن يدفعه بالأسهل فالأسهل، فإن آل الضرب إلى نفسه فلا شيء عليه، مدرس ضرب طالبًا بقلم وتعفن محل الضرب ومات، ما الحكم؟ يضمن أم ما يضمن؟ العادة جرت بأنه يضرب ولا يؤثر.

فإن آل الضرب إلى نفسه فلا شيء عليه، وإن قتل صاحب الدار كان شهيدًا؛ لأنه في الحديث: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد»، فهو شهيد، لكنه شهيد آخرة وليس بشهيد، ما تجري عليه أحكام الشهيد، يغسل ويكفن ويصلى عليه.

 ثم قال: وما أفسدت البهائم بالليل من الزرع فهو مضمون على أهلها، وما أفسدت من ذلك نهارًا لم يضمنوه، ما أفسدت البهائم بالليل من الزرع فهو مضمون على أهلها؛ لأن على أصحاب البهائم حفظها بالليل, العادة جرت أنها تحفظ بالليل, وأصحاب الزروع ينامون, وما أفسدت من ذلك نهارًا لم يضمنوه؛ لأن على أصحاب الزروع أن يحفظوها بالنهار؛ لأنهم في الغالب مستيقظون ويعملون فيها، فهم قادرون على حفظها بخلاف الليل الذي هو محل النوم.

طالب: ...........

مأمور بحفظها بالليل، هذا بالليل وأما بالنهار..

طالب: ...........

على كل هذا الحكم الشرعي إذا طرأ على الظروف والأحوال، وهذه تربط بالنهار وتطلق بالليل، الآن أكثر ما يشكِل حوادث السيارات؛ بسبب هذه البهائم، بالليل يضمنون على ما جاء في الخبر، وبالنهار على الإنسان أن ينتبه ويتيقظ، والأصل أن البهائم تسيَّب للرعي.

طالب: منفذ تدخل منه..

لا، وأحيانًا يكون الفتح ما هو من صاحبها؛ بسبب حادث، بسبب حادث انفتح الشبك.

طالب: قصدي يا شيخ أنها هي بوجود هذه الحواجز.

نعم، لكنه في النهار يرى من بعيد، فإذا كان يسير السرعة المقررة في نهار في الغالب أنه يتلافى، أما إذا زاد على السرعة أو كان نظره ضعيفًا أو كانت عجلات السيارة وفيها ما فيها وبنشرت وراحت يمينًا أو يسارًا فهذا شيء آخر، هذا تفريط.

يقول: وما جنت الدابة بيدها ضمن راكبها ما أصابت من نفس أو جرح أو مال؛ لأنه في الأمام، والراكب أو القائد أو السائق يرى ما أمامه، وكذلك إن قادها أو ساقها، أما إذا جنت بيديها فالحادث قدام يشوفه الذي معها المسؤول عنها، وما جنت برجلها فلا ضمان عليه؛ لأنه من خلفه، ولا يرى من خلفه.

طالب: ...........

لا، قل لو أنك مشيت قدام ضمنت، وإذا رجعت تضمن أو ما تضمن؟

طالب: ...........

من خلفها.

طالب: ...........

نعم هذه الصورة، ما هي صورتك أنت.

طالب: ...........

يعني السيارة أو الدابة تسير، فجاء شخص عبر، ودهس بسيارة، أو وطأته الدابة، أو مال كسرته الدابة، مسألة قتل الخطأ عند الجمهور في مثل هذه الصور يضمن، والخطأ عندهم ما أوجب، القتل الموجِب لاسيما الخطأ، إذا أوجب دية أو كفارة كل ما أوجب دية أو كفارة فإنه يسمى قتل الخطأ، ويمنع من الميراث، وتترتب عليه أحكامه، بغض النظر هل فرط القاتل أو لم يفرِّط، مثل ما الآن واقف على الرصيف لما قربت السيارة قطع فدهسته السيارة، على قول الجمهور وهو المفتى به قديمًا على أنه قتل خطأ، ويضمن الدية على العاقلة، ليس على.. الكفارة عليه؛ لأنه قاتل في حقيقة الأمر، وهذه حقيقة قتل الخطأ، كما أراد أن يصيب طيرًا فمر شخص فأصابته نفس الصورة، وهذا يسمونه خطأً، ويلزمونه بالدية والكفارة.

 لكن احتيج إلى الفتوى بمذهب مالك في صورة من الصور، وطردت في كثير من الصور المشابهة، قالوا: إن شخصًا له عشرة من الأولاد، عرض عليهم أن يعتمر، فسأل الأول قال: والله لست بذاهب، سأل الثاني قال: أنا مشغول، والثالث والرابع قال واحد منهم: أنا أذهب معك وصار عليه حادث ومات الأب، مقتضى ذلك أنه ما يرث.

طالب: ...........

نعم هذا البار يمنع من الميراث، والعققة كلهم يتقاسمون الميراث، فنظر في القول الثاني، وهو أنه إذا لم يوجد تعدٍّ ولا تفريط أنه لا يلزمه شيء، لا دية ولا كفارة، ولا يمنع من الميراث، ولا تترتب عليه أحكامه، فاستروح بعض أهل العلم وأفتوا به، وله حظ من النظر، له حظ من النظر، لاسيما مع الاحتياط التام في عدم التعدي والتفريط.

طالب: ...........

أعطني إياه يا أبا عبد الله، القرطبي بحثها بحثًا طيبًا بالحيل؛ لأن النفش له معنى، لأن معنى النفش هو الرعي بالليل.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال -رحمه الله تعالى-:

قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [سورة الأنبياء:78-79] فيه ست وعشرون مسألة:

الأولى: قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ} [سورة الأنبياء:78] أي واذكرهما إذ يحكمان، ولم يرد بقوله إذا يحكمان الاجتماع في الحكم، وإن جمعهما في القول، فإن حكمين على حكم واحد لا يجوز، وإنما حكم كل واحد منهما على انفراده، وكان سليمان الفاهم لها بتفهيم الله تعالى إياه. {فِي الْحَرْثِ} [سورة الأنبياء:78] اختلف فيه على قولين: فقيل: كان زرعًا، قاله قتادة. وقيل: كرمًا نبتت عناقيده، قاله ابن مسعود وشريح. و{الْحَرْثَ} [سورة البقرة:71] يقال فيهما، وهو في الزرع أبعد من الاستعارة. الثانية قوله تعالى: {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [سورة الأنبياء:78] أي رعت فيه ليلاً، والنفش: الرعي بالليل. يقال: نفشت بالليل، وهملت بالنهار، إذا رعت بلا راع. وأنفشها صاحبها. وإبل نفاش. وفي حديث عبد الله بن عمرو: الحبة في الجنة مثل كرش البعير يبيت نافشًا، أي راعيًا، حكاه الهروي. وقال ابن سيده: لا يقال الهمل في الغنم، وإنما هو في الإبل.

 الثالثة: قوله تعالى: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [سورة الأنبياء:78] دليل على أن أقل الجمع اثنان، وقيل: المراد الحاكمان والمحكوم عليه، فلذلك قال: لحكمهم.

 الرابعة: قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [سورة الأنبياء:79] أي فهمناه القضية والحكومة، فكنى عنها؛ إذ سبق ما يدل عليها. وفضَل حكم سليمان حكم أبيه في أنه أحرز أن يبقي ملك كل واحد منهما على متاعه وتبقى نفسه طيبة بذلك، وذلك أن داود -عليه السلام- رأى أن يدفع الغنم إلى صاحب الحرث. وقالت فرقة: بل دفع الغنم إلى صاحب الحرث، والحرث إلى صاحب الغنم. قال ابن عطية: فيشبه على القول الواحد أنه رأى الغنم تقاوم الغلة التي أفسدت. وعلى القول الثاني رآها تقاوم الحرث والغلة، فلما خرج الخصمان على سليمان -عليه السلام- وكان يجلس على الباب الذي يخرج منه الخصوم، وكانوا يدخلون إلى داود من باب آخر فقال: بمَ قضى بينكما نبي الله داود؟ فقالا: قضى بالغنم لصاحب الحرث: فقال: لعل الحكم غير هذا انصرفا معي: فأتى أباه فقال: يا نبي الله، إنك حكمت بكذا وكذا، وإني رأيت ما هو أرفق بالجميع. قال: وما هو؟ قال: ينبغي أن تدفع الغنم..

أرفق أم أوفق.

أرفق مكتوب أرفق.

أرفق.

قال: ينبغي أن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث فينتفع بألبانها وسمونها وأصوافها، وتدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه، فإذا عاد الزرع إلى حاله التي أصابته الغنم فيه في السنة المقبلة، رد كل واحد منهما ماله إلى صاحبه. فقال داود: وفقت يا بني، لا يقطع الله فهمك. وقضى بما قضى به سليمان، قال معناه ابن مسعود ومجاهد وغيرهما. قال الكلبي: قوم داود الغنم والكرم الذي أفسدته الغنم فكانت القيمتان سواء، فدفع الغنم إلى صاحب الكرم. وهكذا قال النحاس، قال: إنما قضى بالغنم لصاحب الحرث؛ لأن ثمنها كان قريبًا منه. وأما في حكم سليمان فقد قيل: كانت قيمة ما نال من الغنم وقيمة ما أفسدت الغنم سواءً أيضًا.

الخامسة: قوله تعالى: {وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} [سورة الأنبياء:79] تأول قوم أن داود عليه السلام لم يخطئ في هذه النازلة، بل فيها أوتي الحكم والعلم. وحملوا قوله: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [سورة الأنبياء:79] على أنه فضيلة له على داود، وفضيلته راجعة إلى داود، والوالد تسره زيادة ولده عليه. وقالت فرقة: بل لأنه لم يصب العين المطلوبة في هذه النازلة، وإنما مدحه الله بأن له حكمًا وعلمًا يرجع إليه في غير هذه النازلة. وأما في هذه فأصاب سليمان وأخطأ داود -عليهما الصلاة والسلام-، ولا يمتنع وجود الغلط والخطأ من الأنبياء كوجوده من غيرهم، لكن لا يقرّون عليه، وإن أقرّ عليه غيرهم. ولما هدم الوليد كنيسة دمشق كتب إليه ملك الروم: إنك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها، فإن كنت مصيبًا فقد أخطأ أبوك، وإن كان أبوك مصيبًا فقد أخطأت أنت، فأجابه الوليد: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} [سورة الأنبياء:78-79]. وقال قوم: كان داود وسليمان -عليهما السلام- نبيين يقضيان بما يوحى إليهما، فحكم داود بوحي، وحكم سليمان بوحي نسخ الله به حكم داود، وعلى هذا {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [سورة الأنبياء:79] أي بطريق الوحي الناسخ لما أوحى إلى داود، وأمر سليمان أن يبلِّغ ذلك داود، ولهذا قال..

لكن هذا بعيد؛ لأن ما يبلغ بالوحي ما يقال له: فُهِّم، الفهم في النص الموجود، وأما الوحي بالنص الجديد ما يقال له: فهم.

طالب: ...........

يمكن ما الذي يمنع؟ لكن ما ينزل النازل في آن واحد، الناسخ والمنسوخ في آن واحد.

ولهذا قال: {وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} [سورة الأنبياء:79]. هذا قول جماعة من العلماء ومنهما ابن فَورك ابن فُورك وقال الجمهور: إن حكمهما كان باجتهاد وهي: السادسة، واختلف العلماء في جواز الاجتهاد على الأنبياء فمنعه قوم، وجوزه المحققون؛ لأنه ليس فيه استحالة عقلية، لأنه دليل شرعي، فلا إحالة أن يستدل به الأنبياء.

ومن منعه قال: لا داعي للاجتهاد مع إمكان الوصول إلى الحق بالنص.

كما لو قال له الرب سبحانه وتعالى: إذا غلب على ظنك كذا فاقطع بأن ما غلب على ظنك هو حكمي، فبلغه الأمة، فهذا غير مستحيل في العقل. فإن قيل: إنما يكون دليلاً إذا عدم النص وهم لا يعدمونه. قلنا: إذا لم ينزل الملك فقد عدم النص عندهم، وصاروا في البحث كغيرهم من المجتهدين عن معاني النصوص التي عندهم. والفرق بينهم وبين غيرهم من المجتهدين أنهم معصومون عن الخطأ، وعن الغلط، وعن التقصير في اجتهادهم، وغيرهم ليس كذلك. كما ذهب الجمهور في أن جميع الأنبياء -صلوات الله عليهم- معصومون عن الخطأ والغلط في اجتهادهم. وذهب أبو علي ابن أبي هريرة من أصحاب الشافعي إلى أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- مخصوص منهم في جواز الخطأ عليه، وفرَّق بينه وبين غيره من الأنبياء أنه لم يكن بعده من يستدرك غلطه، ولذلك عصمه الله تعالى منه، وقد بعث بعد غيره من الأنبياء..

وذهب أبو علي بن أبي هريرة..

وذهب أبو علي ابن أبي هريرة من أصحاب الشافعي إلى أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- مخصوص منهم في جواز الخطأ عليهم.

هذا التعليل عكس، التعليل عكس.

طالب: يعني يجوز الخطأ ولا يجوز عليهم في جواز الخطأ..

نعم لكن لمَ لا يجوز عليه؟ لأنه لا يوجد..

طالب: نعم لا يوجد من يستدرك عليه فلا يصح الخطأ.

وذهب أبو علي ابن أبي هريرة من أصحاب الشافعي إلى أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- مخصوص منهم في جواز الخطأ عليهم، وفرق بينه وبين غيره من الأنبياء أنه لم يكن بعده من يستدرك غلطه، ولذلك عصمه الله تعالى منه، وقد بعث بعد غيره من الأنبياء من يستدرك غلطه. وقد قيل: إنه على العموم في جميع الأنبياء، وأن نبينا وغيره من الأنبياء -صلوات الله عليهم- في تجويز الخطأ على سواء إلا أنهم لا يقرون على إمضائه، فلم يعتبر فيه استدراك من بعدهم من الأنبياء. هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد سألته امرأة عن العدة فقال لها: «اعتدي حيث شئت» ثم قال لها: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله». وقال له رجل: أرأيت لو قتلت صبرًا محتسبًا أيحجزني عن الجنة شيء؟ فقال: «لا» ثم دعاه فقال: «إلا الدَّين كذا أخبرني جبريل عليه السلام».

السابعة: قال الحسن: لولا هذه الآية لرأيت أن القضاة هلكوا، ولكنه تعالى أثنى على سليمان بصوابه، وعذر داود باجتهاده. وقد اختلف الناس في المجتهدين في الفروع إذا اختلفوا، فقالت فرقة: الحق في طرف واحد عند الله، وقد نصب على ذلك أدلة، وحمل المجتهدين على البحث عنها، والنظر فيها، فمن صادف العين المطلوبة في المسألة فهو المصيب على الإطلاق، وله أجران أجر في الاجتهاد وأجر في الإصابة، ومن لم يصادفها فهو مصيب في اجتهاده مخطئ في أنه لم يصب العين.

بقي من المسائل ما يتعلق بأصل المسألة الآية؟

طالب: الثالثة عشرة يا شيخ.

ماذا يقول؟

يقول: قد تقدم القول في الحرث والحكم في هذه الواقعة في شرعنا: أن على أصحاب الحوائط حفظ حيطانهم وزروعهم بالنهار، ثم الضمان في المثل بالمثليات، وبالقيمة في ذوات القيم، والأصل في هذه المسألة في شرعنا ما حكم به محمد نبينا -صلى الله عليه وسلم- في ناقة البراء بن عازب. رواه مالك عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة: أن ناقة للبراء دخلت حائط رجل فأفسدت فيه، فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن على أهل الحوائط حفظها بالليل، وأن ما أفسدت المواشي..

ماذا؟

فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن على أهل الحوائط حفظها بالليل.

كذا قال.

الحوائط حفظها بالنهار!

معروف، لكن الموجود كذا.

حفظها بالنهار.

طالب: ........

ماذا؟

طالب: ........

المزارع المحاطة يحفظونها أيش؟ بالنهار، وهذا مثل ما قلنا: إنهم في الغالب يكونون مستيقظين، ويشوفون الذي يدخل والذي يطلع، ولكن بالليل نيام، فعلى أهل المواشي حفظها بالليل.

طالب: ........

الحائط الأصل فيه المحوَّط الذي عليه سور.

طالب: ........

ثم أطلق على المحاط وغير المحاط.

نقرأ يا شيخ؟ نكمل؟

نعم.

وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها. هكذا رواه جميع الرواة مرسلاً. وكذلك رواه أصحاب ابن شهاب عن ابن شهاب، إلا ابن عيينة فإنه رواه عن الزهري عن سعيد وحرام بن سعد بن محيصة: أن ناقة، فذكر مثله بمعناه. ورواه ابن أبي ذئب عن ابن شهاب أنه بلغه أن ناقة البراء دخلت حائط قوم، مثل حديث مالك سواء، إلا أنه لم يذكر حرام بن سعد بن محيصة ولا غيره. قال أبو عمر: لم يصنع ابن أبي ذئب شيئًا، إلا أنه أفسد إسناده. ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حرام بن محيصة عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يتابَع عبد الرزاق على ذلك، وأنكروا عليه قوله عن أبيه.

أبو محيصة أبو سعد نسب إلى جده.

ورواه ابن جريج عن ابن شهاب قال: حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أن ناقة دخلت في حائط قوم فأفسدت، فجعل الحديث لابن شهاب عن أبي أمامة، ولم يذكر أن الناقة كانت للبراء. وجائز أن يكون الحديث عن ابن شهاب عن ابن محيصة، وعن سعيد ابن المسيب، وعن أبي أمامة، والله أعلم، فحدث به عمن شاء منهم على ما حضره وكلهم ثقات. قال أبو عمر: وهذا الحديث وإن كان مرسلاً فهو حديث مشهور أرسله الأئمة، وحدث به الثقات، واستعمله فقهاء الحجاز، وتلقوه بالقبول، وجرى في المدينة العمل به، وحسبك باستعمال أهل المدينة وسائر أهل الحجاز، وحسبك باستعمال أهل المدينة وسائر..

المالكية ومنهم ابن عبد البر يعملون بالمراسيل، وقرر ذلك في مقدمة التمهيد.

الرابعة عشرة: ذهب مالك وجمهور الأئمة إلى القول بحديث البراء، وذهب أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين إلى أن هذا الحكم منسوخ، وأن البهائم إذا أفسدت زرعًا في ليل أو نهار أنه لا يلزم صاحبها شيء.

لحديث: «العجماء جُبَار».

وأدخل فسادها في عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: «جرح العجماء جبار»، فقاس جميع أعمالها على جرحها. ويقال: إنه ما تقدم أبا حنيفة أحد بهذا القول، ولا حجة له ولا لمن اتبعه في حديث العجماء، وكونه ناسخًا لحديث البراء ومعارضًا له، فإن النسخ شروطه معدومة، والتعارض إنما يصح إذا لم يمكن استعمال أحدهما إلا بنفي الآخر، وحديث: «العجماء جرحها جبار» عموم متفق عليه، ثم خص منه الزرع والحوائط بحديث البراء؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لو جاء عنه في حديث واحد: العجماء جرحها جبار نهارًا لا ليلاً وفي الزرع والحوائط والحرث، لم يكن هذا مستحيلًا من القول، فكيف يجوز أن يقال في هذا: متعارض؟! وإنما هذا من باب العموم والخصوص على ما هو مذكور في الأصول

 

الخامسة عشرة إن قيل: ما الحكمة في تفريق الشارع بين الليل والنهار، وقد قال الليث بن سعد: يضمن أرباب المواشي بالليل والنهار كل ما أفسدت، ولا يضمن أكثر من قيمة الماشية؟ قلنا: الفرق بينهما واضح، وذلك أن أهل المواشي لهم ضرورة إلى إرسال مواشيهم ترعى بالنهار، والأغلب عندهم أن من عنده زرع يتعاهده بالنهار ويحفظه عمن أراده، فجعل حفظ ذلك بالنهار على أهل الزروع؛ لأنه وقت التصرف في المعاش، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} [سورة النبأ:11] فإذا جاء الليل فقد جاء الوقت الذي يرجع كل شيء فيه إلى موضعه وسكنه، كما قال الله تعالى: {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} [سورة القصص:72] وقال: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً} [سورة الأنعام:96]، ويرد أهل المواشي مواشيهم إلى مواضعهم؛ ليحفظوها، فإذا فرط صاحب الماشية في ردها إلى منزله، أو فرط في ضبطها وحبسها عن الانتشار بالليل حتى أتلفت شيئًا فعليه ضمان ذلك، فجرى الحكم على الأوفق الأسمح، وكان ذلك أرفق بالفريقين وأسهل على الطائفتين، وأحفظ للمالين، وقد وضح الصبح لذي عينين، ولكن لسليم الحاستين.

 وأما قول الليث: لا يضمن أكثر من قيمة الماشية، فقد قال أبو عمر: لا أعلم من أين قال هذا الليث بن سعد، إلا أن يجعله قياسًا على العبد الجاني لا يفتك بأكثر من قيمته، ولا يلزم سيده في جنايته أكثر من قيمته، وهذا ضعيف الوجه، كذا قال في التمهيد، وقال في الاستذكار: فخالف الحديث في: «العجماء جرحها جبار» وخالف ناقة البراء، وقد تقدمه إلى ذلك طائفة من العلماء منهم عطاء. قال ابن جريج قلت لعطاء: الحرث تصيبه الماشية ليلاً أو نهارًا؟ قال: يضمن صاحبها ويغرم. قلت: كان عليه حظرًا أو لم يكن؟ قال: نعم يغرم. قلت: ما يغرم؟ قال: قيمة ما أكل حماره ودابته وماشيته. وقال معمر عن ابن شبرمة: يقوم الزرع على حاله التي أصيب عليها دراهم. وروي عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز -رضي الله عنهما-: يضمن رب الماشية ليلاً أو نهارًا، من طرق لا تصح.

السادسة عشرة: قال مالك: ويقوم الزرع الذي أفسدت المواشي..

 

قف عليه.. حسبك يكفي..