شرح اختصار علوم الحديث (01)

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وصفيه من خليقته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

الكتاب اختصار لعلوم الحديث، وعلوم الحديث كما هو معروف لابن الصلاح الذي لمّ شتات هذا الفن، وجمع ما تفرق في المؤلفات قبله، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة النزهة المصنفات التي ألفت في هذا العلم، وذكر إن من أول ما كتب كتاب المحدث الفاصل للرامهرمزي، وهو من أول ما كتب حقيقةً مما يجمع أكبر قدر ممكن في وقته؛ لأن العلوم كما تعرفون أو يبدأ التأليف فيها شيئاً فشيئاً حتى تكمل وتنضج، كانت علوم الحديث مبثوثة في مؤلفات المتقدمين، وكثير منها إنما كان نتيجة استقراء لصنيع المتقدمين، فلمّ الشتات الرامهرمزي في المحدث الفاصل، ثم جاء بعده الحاكم فصنف كتابه معرفة علوم الحديث، وهو أوسع من كتاب الرامهرمزي بالنسبة لعدد الأنواع، ثم بعده جاء القاضي عياض فألف كتابه الإلماع، وإن كان في طرق التحمل والأداء وكيفية كتابة الحديث وضبطه إلا أنه نافع في بابه، وعلى كل حال من فضول القول أن أسترسل في هذا المجال؛ لأني بين يدي بين طلبة علم يعرفون هذه الكتب، والكثير منهم رجع إليها.

ابن الصلاح جمع ما تفرق في هذه الكتب وفي غيرها من مؤلفات الخطيب الذي لا يخلو فن ونوع من أنواع علوم الحديث إلا وكتب فيه كتاباً مستقلاً حتى قال ابن نقطة كما هو معروف: جميع من أتى بعد الخطيب بالنسبة لعلوم الحديث فهو عيال على كتبه" اعتنى من جاء بعد ابن الصلاح بكتاب ابن الصلاح، كان كما قال الحافظ لا يحصى كم ناظمٍ له ومختصر، ومستدركٍ عليه ومنتصر، أو معارضٍ له منتصر.. الخ كلامه كما هو معروف، اختصره النووي في كتابين، التقريب والإرشاد، واختصره أيضاً الحافظ ابن كثير في الكتاب الذي بين أيدينا، ونظمه الحافظ العراقي في ألفيته الشهيرة، ونظمه الخويي في منظومة تبلغ الألف والخمسمائة بيت، لكن لم تبلغ مبلغ الألفية العراقية ولم تدانيها، أيضاً السيوطي له ألفية في هذا الفن، أصلها ألفية العراقي، وكثير من أنصاف أبياتها مأخوذ بحروفه من ألفية العراقي، ولهذا يقول فيها:

واقرأ كتاباً تدر منه الاصطلاح

 

كهذه أو أصلها وابن الصلاح

يقصد بأصلها ألفية العراقي كما هو معروف، وما زال التأليف والتصنيف في علوم الحديث مستمر إلى وقتنا هذا، كثير ممن ينتسب إلى العلم ألفوا، فجمال الدين القاسمي له كتاب جيد في الباب اسمه (قواعد التحديث) والشيخ طاهر الجزائري هو كتاب أيضاً نفيس لخص فيه كثير من الكتب التي تمت إلى هذا العلم بصلة، اسمه (توجيه النظر) وما زالت الكتابة جارية على سنن المتقدمين ممن ألف وكتب في هذا الفن، ثم بعد ذلك جاءت الدعوات إلى نبذ قواعد المتأخرين والاستفادة من مناهج المتقدمين، وهي في ظاهرها دعوة طيبة، لكن يلاحظ عليها أنها تلقى على عموم الطلاب بما في ذلك صغار المتعلمين، وهذا النوع من الطلبة لا يستوعب مثل هذا الكلام، وهذا فيه تضييع له حقيقةً، نعم من تأهل عليه أن يسلك مسالك المتقدمين، لكن متى يتأهل طالب العلم، لكي يترك قواعد المتأخرين وسلوك المسلك الذي سلكوه؛ لأن قواعد المتأخرين أغلبية، صحيح أنها أغلبية وفي الأمثلة ما يخرج عنها، لكنها تضبط العلم وتحصره حتى يتأهل الطالب لمحاكاة المتقدمين، نظير ذلك لو قيل لصغار الطلاب اجتهد في مسائل الفقه، وخذوا من الكتاب والسنة مباشرة، واتركوا التقليد، وأنتم شيء وأنتم رجال، وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة ومالك والشافعي كلهم رجال، عليكم بالكتاب والسنة، نعم، الأصل الكتاب والسنة، كما أن الأصل في بابنا كلام المتقدمين من أهل العلم في هذا الشأن، الأصل الكتاب والسنة صحيح، لكن الطالب المجتهد هو في الحقيقة هو في حكم العامي والعامي فرضه التقليد، اسألوا أهل الذكر، فإذا تأهل الطالب لينظر في الكتاب والسنة، وعرف ما يعينه ويساعده على الاستنباط من الكتاب والسنة مباشرة لا يسعه أن يقلد أحد، لكن متى يكون هذا؟ إذا تأهل، والكلام فيما بين أيدينا من علوم الحديث كذلك، إذا تأهل وصارت لديه أهلية الحكم بالقرائن، له أن ينبذ قواعد المتأخرين ويحاكي المتقدمين، لكن متى؟ دونه خرط القتاد.

وليس انتقادي لهذه الدعوة من أصلها وأساسها، لا، هي دعوة طيبة ترجع بالطالب إلى المصدر الرئيسي في هذا الباب، فالعمدة والمعول على أهل هذا الشأن، لكن نوجه الانتقاد إلى توجيه هذه الدعوة إلى أصناف المتعلمين صغارهم وكبارهم، بمثل ما يقال على الطالب المبتدئ أن يتفقه على مذهب، ثم بعد ذلك ينظر في مسائل هذا المذهب، على سبيل المثال عندنا، إما أن يعتمد زاد المستقنع، أو دليل الطالب، أو عمدة الفقه أو غيرها من الكتب والمتون المعروفة، ثم بعد ذلك إذا تأهل وصارت لديه الأهلية، أهلية النظر في أقوال أهل العلم بأدلتها والموازنة بينها، واعتماد القول الصحيح والراجح، وترك المرجوح، هذا هو الأصل في التعلم، أما أن يقال لطالب مبتدئ: تفقه من الكتاب والسنة هذا تضييع.......

هذا مجمل ما يمكن أن أقوله في هذه المقدمة، بقي أن نشير إلى أن هذا الكتاب طبع مراراً، وكانت طبعته الأولى في المطبعة الماجدية بمكة، وقد أسماه طابعه عبد الرزاق حمزة (الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير) وهذه التسمية ليست من الحافظ -رحمه الله-، إنما كتابه: (اختصار علوم الحديث) لكن الشيخ سماه بهذا الاسم لما ساد بين أهل العلم من السجع في عناوين الكتب، وإلا فالكتاب اسمه (اختصار علوم الحديث) الشيخ أحمد شاكر اعتنى بالكتاب واطلّع على طبعة الشيخ عبد الرزاق حمزة، والكتاب قد اشتهر وانتشر وذاع صيته بعد طبعه وعرف عند طلبة العلم باسم: (الباعث الحثيث) فالشيخ -رحمه الله- أراد أن يجمع بين هذه التسمية الحديثة وبين تسمية المؤلف، فاعتنى بالكتاب وعلق عليه وسمى تعليقه (الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث) فأبقى على تسمية المؤلف واستفاد من تسمية الشيخ عبد الرزاق حمزة؛ لأن الخطأ إذا انتشر يصعب تغييره، فإذا أمكن توجيهه فهو المطلوب، فالشيخ -رحمه الله -من نباهته عمل هذا العمل، فسمى تعليقاته: (الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث) للحافظ ابن كثير، يبقى أن بعض الناس قد يفهم أن الباعث الحثيث للحافظ بن كثير مع ذلك؛ لأن عندنا مضاف ومضاف إليه، شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير، من الذي لابن كثير؟ المضاف وإلا المضاف إليه؟ المضاف إليه، ولا بد من قرينة تدل على ذلك، وإلا ما تؤخذ من السياق؛ لأن الوصف إذا تعقب متظايفين فلا بد من قرينة تدل على أن الوصف للمضاف أو المضاف إليه؟ {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ}[(27) سورة الرحمن] {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ}[(78) سورة الرحمن] إذا كان الإعراب بالحروف أمره سهل، لكن الإشكال إذا كان الإعراب بالحركات، ويزداد الإشكال إذا كان المضاف مجرور مثل المضاف إليه (مررت بغلام زيدٍ الفاضلِ) \هذا مشكل، الوصف لأيهما؟ لزيد أو لغلامه؟ يحتاج إلى قرينة تدل على المراد، وهذا استطراد لكن هو تنبيه؛ لأنه يخفى على كثير من المتعلمين، يظن أن الباعث هو للحافظ بن كثير.

والكلام في مبادئ العلم العشرة طرق مراراً وكرر فلا أظن أن الإخوة المستمعين بحاجةٍ إليه، والأشرطة في شرح النخبة وشرح نظمها وغيرها، حتى هذا الكتاب سجل له أشرطة يمكن الرجوع إليها، لا سيما وأن الوقت قصير ستة أيام لا تفي بشرح كل ما في الكتاب فضلاً عن الاستطرادات التي قد يحتاج إليها.

ولذا فإن شرح الكتاب، الكتاب يسمع بإذن الله ويقرأ، لكن ينتقى التعليق على بعض المسائل التي قد تخفى على طلاب العلم، وأما التعليق على جميع ما ذكر في الكتاب قد يحتاج إلى وقتٍ طويل، ووقت الدورة لا يستوعب، فنبدأ بعون الله تعالى.

شوف مقدمة الحافظ -رحمه الله-:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين-:

قال شيخنا الإمام العلامة مفتي الإسلام

هذا ما هو المؤلف، هذا أحد تلاميذ المؤلف ممن كتب الكتاب ونسخه، وأما كلام المؤلف -رحمه الله- يبدأ من قوله: "الحمد لله، والصلاة والسلام.."

قدوة العلماء، شيخ المحدثين، الحافظ المفسر، بقية السلف الصالحين، عماد الدين، أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الشافعي، إمام أئمة الحديث والتفسير بالشام المحروس، فسح الله للإسلام والمسلمين في أيامه، وبلغه في الدارين أعلى قصده ومرامه.

الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:

فإن علم الحديث النبوي -على قائله أفضل الصلاة والسلام- قد اعتنى بالكلام فيه جماعة من الحفاظ قديماً وحديثاً، كالحاكم والخطيب، ومن قبلهما من الأئمة، ومن بعدهما من حفاظ الأمة.

ولما كان من أهم العلوم وأنفعها أحببت أن أعلق فيه مختصراً نافعاً جامعاً لمقاصد الفوائد، ومانعاً من مشكلات المسائل الفرائد، ولما كان الكتاب الذي اعتنى بتهذيبه الشيخ الإمام العلامة: أبو عمرو ابن الصلاح تغمده الله برحمته من مشاهير المصنفات في ذلك بين الطلبة لهذا الشان، وربما عُني بحفظه بعض المهرة من الشبان، سلكت وراءه، واحتذيت حذاءه، واختصرت ما بسطه، ونظمت ما فرطه.

وقد ذكر من أنواع الحديث خمسة وستين، وتبِع في ذلك الحاكم أبا عبد الله الحافظ النيسابوري شيخ المحدثين، وأنا -بعون الله- أذكر جميع ذلك، مع ما أضيف إليه من الفوائد الملتقطة من كتاب الحافظ الكبير أبي بكر البيهقي، المسمى بالمدخل إلى كتاب السنن، وقد اختصرته أيضاً بنحوٍ من هذا النمط، من غير وكس ولا شطط، والله المستعان، وعليه التكلان.

من غير زيادة ولا نقص، وكس يعني نقص، والشطط المجاوزة في القدر.

(ذكر تعداد أنواع الحديث)

تبع فيه الحافظ بن الصلاح -رحمه الله- في مقدمة الكتاب، ذكر أنواع علوم الحديث الخمسة والستين، وتكون كالفهرس للكتاب.

صحيح، حسن، ضعيف، مسند، متصل، مرفوع، موقوف، مقطوع، مرسل، منقطع، معضل، مدلَّس، شاذ، منكر، ما له شاهد، زيادة الثقة، الأفراد، المعلَّل، المضطرب، المدْرَج، الموضوع، المقلوب، معرفة من تقبل روايته، معرفة كيفية سماع الحديث وإسماعه، وأنواع التحمل من إجازة وغيرها، معرفة كتابة الحديث وضبطه، وكيفية رواية الحديث وشرط أدائه، آداب المحدث، آداب الطالب، معرفة العالي والنازل، المشهور، الغريب، العزيز، غريب الحديث ولغته، المسلسل، ناسخ الحديث ومنسوخه، المصحَّف إسناداً ومتناً، مختلف الحديث، المزيد في الأسانيد، خفي المرسل، معرفة الصحابة، معرفة التابعين، معرفة أكابر الرواة عن الأصاغر، المدبّج ورواية الأقران، معرفة الإخوة والأخوات، رواية الآباء عن الأبناء، عكسه، من روى عنه اثنان متقدم ومتأخر، من لم يرو عنه إلا واحد، من له أسماء ونعوت متعددة، المفردات من الأسماء، معرفة الأسماء والكنى، من عرف باسمه دون كنيته، معرفة الألقاب، المؤتلف والمختلف، المتفق والمفترق، نوع مركب من اللذين قبله، نوع آخر من ذلك، من نسب إلى غير أبيه، معرفة الأنساب التي يختلف ظاهرها وباطنها، معرفة المبهمات، تواريخ الوفيات، معرفة الثقات والضعفاء، من خلط في آخر عمره، معرفة الطبقات، معرفة الموالي من العلماء والرواة، معرفة بلدانهم وأوطانهم.

فهذا تنويع الشيخ أبي عمرو وترتيبه -رحمه الله-، قال: وليس بآخر الممكن في ذلك، فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يحصى، إذ لا تنحصر أحوال الرواة وصفاتهم، وأحوال متون الحديث وصفاتها.

قلت: وفي هذا كله نظر، بل في بسطه هذه الأنواع إلى هذا العدد نظر، إذ يمكن إدماج بعضها في بعض، وكان أليق مما ذكره، ثم إنه فرق بين متماثلات منها بعضها عن بعض، وكان اللائق ذكرَ كل نوع إلى جانب ما يناسبه.

ونحن نرتب ما نذكره على ما هو الأنسب، وربما أدمجنا بعضها في بعض طلباً للاختصار والمناسبة، وننبه على مناقشات لا بد منها -إن شاء الله تعالى-.

الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في المقدمة يذكر منهجه في الاختصار، وأنه تبع ابن الصلاح في ذكر هذه الأنواع، ثم تعقبه في بسط هذه الأنواع، وأنه يمكن لمّ شملها، وإدماج بعضها في بعض، وأيضاً ابن الصلاح ألف كتابه إملاءً يمليه على الطلاب، كل يوم بيومه، كل درس في وقته، فلم يأت ترتيبه على الوضع المناسب، فالحافظ بن كثير -رحمه الله- قدم وآخر في ترتيب هذه الأنواع نظراً للمناسبة، وبقي عليه أشياء مما ينبغي تقديمه، وأشياء مما ينبغي تأخيره.

على كل حال الترتيب أمره سهل، الخطب يسير فيه، المقصود استيعاب المادة العلمية، ولذا يقول: "ونحن نرتب ما نذكره على ما هو الأنسب، وربما أدمجنا بعضها في بعض طلباً للاختصار والمناسبة" يعني لو جاء خفي المراسيل مثلاً على سبيل المثال وجعله مع التدليس، أو مع المرسل الظاهر؛ لأن له صلةً بالتدليس على ما سيأتي، وله أيضاً مشابهة بالمرسل الظاهر على ما سيقرر -إن شاء الله تعالى-.

النوع الأول: الصحيح، (تقسيم الحديث إلى أنواعه صحةً وضعفاً)

قال: اعلم -علمك الله وإياي-...

على كل حال هذا العنوان (تقسيم الحديث) هذا ليس من نظم المؤلف، ولذا وضع بين قوسين معكوفين.

أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف.

قلت: هذا التقسيم إن كان بالنسبة إلى ما في نفس الأمر، فليس إلا صحيح أو ضعيف، وإن كان بالنسبة إلى اصطلاح المحدثين فالحديث ينقسم عندهم إلى أكثر من ذلك، كما قد ذكره آنفاً هو وغيره أيضاً.

يقول -رحمه الله-: "الحديث ينقسم عند أهله إلى صحيح وحسن وضعيف" أقر ما ذكره ابن الصلاح من هذا التقسيم، وإن كان أول من قسم الحديث إلى هذه الأقسام الثلاثة الخطابي -رحمه الله- في مقدمة معالي السنن، قسم هذه الأنواع وحصر الأنواع في ثلاثة، ثم تبعه على ذلك من جاء بعده، والأقسام الثلاثة موجودة في كلام المتقدمين، لكن الذي سبق إليه الخطابي هو الحصر في الأنواع الثلاثة، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

وأهل هذا الشان قسموا السنن

 

إلى صحيح وضعيفٍ وحسن

أهل هذا الشان إن كان المراد به الحصر فبدءاً من الخطابي فمن دونه، وإن كان المقصود وجود هذه الأقسام الثلاثة هو موجود في كلام المتقدمين، عند الترمذي وغيره من أهل العلم قبله، ذكروا هذه الأقسام الثلاثة لكنهم لم يجعلوا القسمة ثلاثية.

والضعيف كما هو معروف أدرج في السنن تغليباً، ومن باب تتميم القسمة؛ ولأنه ليس بمقطوعٍ بكذبه، وإن كان الغالب على الظن عدم ثبوته، يقول الحافظ ابن كثير: "هذا التقسيم إن كان بالنسبة إلى ما في نفس الأمر، فليس إلا صحيح أو ضعيف" لأن الكلام إما صدق وإما كذب، ولا واسط عند أهل السنة، وإن كان المعتزلة يوجد عندهم قسم ثالث ليس بصدقٍ ولا كذب، لكن استدراك الحافظ بن كثير -رحمه الله- يقول: "هذا التقسيم إذا كان إلى ما في نفس الأمر فليس إلا صحيح أو ضعيف، وإن كان بالنسبة إلى اصطلاح المحدثين فالحديث ينقسم عندهم إلى أكثر من ذلك" يقول الحديث عندهم: حديث صحيح وضعيف وحسن ومرسل ومدلس ومعنعن ومعلق.. الخ، أنواع كثيرة هو أشار إليها، يقول: "كما قد ذكره آنفاً هو وغيره" لماذا لم يقل: ينقسم الحديث إلى خمسة وستين بل قال هذه الثلاثة؟ يجاب عن هذا الإشكال بأن المراد الثاني، المراد تقسيمه على اصطلاح المحدثين، والكل راجع إلى الثلاثة، فالمرسل يدخل في الضعيف، المدلس كذلك...الخ، فالضعيف أقسامه كثيرة تندرج تحت هذا الاسم، المرفوع مثلاً منه ما يدخل في الصحيح، ومنه ما يدخل في الحسن، ومنه ما يدخل في الضعيف، الموقوف منه ما يدخل في الصحيح والحسن والضعيف...الخ، فالمقصود أن المراد الثاني، وهو المنظور إليه اصطلاح المحدثين، والكل -كل هذه الأنواع- تندرج في الأقسام الثلاثة.

(تعريف الحديث الصحيح)

قال: أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً ولا معللاً.

الصحيح والضعيف أيضاً صيغة مبالغة من الصحة ضد السقم، والصحة والسقم في المحسوسات يقولون: حقيقة، وفي المعاني مجاز عند من يقول بالمجاز، وإلا فهي حقيقة عرفية، من يقول بالمجاز لا إشكال عنده، لكن الذي لا يقول بالمجاز يكون هذا من باب الحقائق العرفية.

الصحيح عرفه -رحمه الله- بقوله -تبعاً لابن الصلاح-: "الحديث المسند الذي يتصل بإسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً ولا معللاً" فقوله: "المسند" يأتي في تعريف المسند أقوال أهل العلم في المراد بالمسند، فالمسند هو المرفوع عند بعضهم، وعند بعضهم المسند هو المتصل، وعند آخرين هو المرفوع المتصل، من يجمع الأمرين معاً، فإذا قلنا: أن المراد بالمسند –المسند المرفوع- فيكون هذا التعريف خاص بما رفع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلى هذا فما يضاف عن الصحابة والتابعين لا يسمى صحيح، وإذا قلنا: بالقول الثاني وهو أن المسند المتصل، متصل الإسناد فيشترط لصحة الخبر مرفوعاً كان أو موقوفاً أو مقطوعاً اتصال الإسناد، لكن لا حاجة لهذه الكلمة؛ لأنه يقول: "الذي يتصل إسناده" وعلى كل حال، على كل تقدير لا حاجة لهذه الكلمة فحذفها أولى، فيكون: الحديث الذي يتصل إسناده واتصال الإسناد في أن يكون كل راوٍ من رواته قد تحمل الحديث عمّن فوقه بطريق ٍمعتبر من طرق التحمل، وأدّاه إلى من بعده بطريقٍ أيضاً معتبر من طرق التحمل التي يأتي ذكرها -إن شاء الله تعالى-.

"يتصل إسناده بنقل العدل" لا بد أن يكون إسناده متصلاً بنقل العدول، الرواة العدول، والعدل عرفه أهل العلم بأنه من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، الضابط الحازم الحافظ الذي يحفظ ويتقن ما يسمعه من حين السماع إلى الأداء، "بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه" في جميع طبقات السند، ولا بد من اشتراط العدالة والضبط، ومن مجموع العدالة والضبط يساوي الثقة؛ لأن الثقة هو العدل الضابط، ولهذا لو قال: هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل الثقة عن مثله لكفى، لكنه تبع في ذلك ابن الصلاح، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-:

أجمع جمهور أئمة الأثر

 

والفقه في قبول ناقل الخبر

بأن يكون ضابطاً معدلاً... الخ كلامه -رحمه الله- الذي سيأتي في بابه في معرفة من تقبل روايته ومن ترد، "ولا يكون شاذاً" الشذوذ أيضاً مختلف فيه عند أهل العلم، لكن الذي استقر عليه اصطلاح المتأخرين هو ما يراه الإمام الشافعي -رحمه الله- من أنه تفرد الثقة مع المخالفة.

وذو الشذوذ ما يخالف الثقة

 

فيه الملا والشافعي حققه

ومنهم من يرى أن مجرد التفرد شذوذ، مجرد التفرد شذوذ، وسيأتي تقريره وتحقيقه -إن شاء الله تعالى- في بابه.

"ولا معللاً" يعني مشتمل على علة، والعلة: سبب خفي يقدح في صحة الخبر الذي ظاهره السلامة من هذه العلة، ويأتي -إن شاء الله- بحث المعلّ، هم يقولون: المعلل والمعلول، لكنها لغات مردودة ضعيفة، فالأصل أن يقال: المعل على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، فعلى هذا يكون الحديث الصحيح ما اشتمل على شروطٍ كم؟ خمسة، أن يتصل إسناده بنقل العدل الضابط مع انتفاء الشذوذ والعلة، فلذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله- في تعريفه:

فالأول المتصل الإسنادِ
عن مثله من غير ما شذوذِ

 

بنقل عدلٍ ضابط الفؤادِ
وعلةٍ قادحةٍ فتوذِ

الذي يتصل إسناده، قيد، يخرج به ما انقطع إسناده، سواء كان الانقطاع ظاهراً أو خفياً، فالانقطاع الظاهر يشمل المعلق والمرسل والمعضل والمنقطع أيضاً، على ما سيأتي والانقطاع الخفي يشمل المرسل الخفي والمدلس.

"بنقل العدل" يخرج ما رواه غير العدل، ومن ارتكب معصية تخل بعدالته وتخرجه عن ملازمة التقوى، بأن يرتكب كبيرة أو يترك واجب، فمثل هذا فاسق، وقد أمرنا بالتثبت في الخبر، فلا نقل خبره حتى نتثبت فيه، والتثبت أن يأتينا من طرق أخرى، فالعدالة تتطلب التقوى والمروءة، مما يخل بالعدالة الفسق، ومن باب أولى الكفر، والفسق منه الفسق العملي، ارتكاب المحرمات، ومنه الفسق الاعتقادي على ما سيأتي بحثه في رواية المبتدع.

ومن أهم ما ينظر إليه في هذا الباب الكذب؛ لأن الأخبار مدارها على الصدق، ولذا يفردونه، وإن كان كاذب يدخل في الفاسق، والتهمة بالكذب والفرق بينهما أن من يطلق عليه وصف كذب يراد به أن يكذب في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-، والذي يتهم بالكذب لا يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويعرف عنه الكذب في حديثه مع الناس، يقول: ثم أخذ يبين فوائده وما احترز بها عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ، وما فيه علة قادحة، وما في راويه نوع جرح، يعني بأحد الطعون الخمسة، التهمة بالكذب، الفسق، البدعة، الجهالة، على ما سيأتي تفصليه -إن شاء الله تعالى-.

ثم أخذ يبين فوائد قيوده، وما احترز بها عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ، وما فيه علة قادحة، وما في راويه نوع جرح، قال: فهذا هو الحديث الذي يُحكم له بالصحة بلا خلافٍ بين أهل الحديث، وقد يختلفون في بعض الأحاديث، لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف، أو في اشتراط بعضها، كما في المرسل.

هذا الحديث الذي يشتمل على الشروط الخمسة هو الحديث الذي يحكم بالصحة بلا خلافٍ بين أهل الحديث، إذا اشتمل الحديث على هذه الشروط الخمسة فهو صحيح اتفاقاً، الذي ينازع في اشتراط انتفاء الشذوذ يخرج عن هذا الإجماع الذي ذكره الحافظ، من العلماء من نازع في اشتراط انتفاء الشذوذ، يقول: لا يلزم اشتراط انتفاء الشذوذ، بل قد يوجد من الشاذ ما هو صحيح؛ لأن راويه ثقة، وغاية ما في الباب أن يكون هناك صحيح وأصح، إذا وجد راجح ومرجوح صحيح وأصح، ووجد من ينازع في اشتراط انتفاء الشذوذ، والحافظ -رحمه الله- يقول: "هذا والحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلافٍ بين أهل الحديث" من نازع باشتراط بعض هذه الشروط يخرج عن هذا الإجماع الذي ذكره ابن كثير؟ لا، لا يخرج، لماذا؟ لأنه لم يذكر الإجماع في الأقل، وإنما ذكر الإجماع في الأعلى، الذي توافرت فيه هذه الشروط، لو لم يشترط انتفاء الشذوذ، ثم قال: بلا خلاف؟ قلنا: لا، يوجد من يخالف، لا بد من اشتراط انتفاء الشذوذ، لكن الذي لا يشترط انتفاء الشذوذ، وانتفى الشذوذ لا يوافق على أنه حديث صحيح؟ بلى يوافق، فمن باب أولى، وقد يختلفون في بعض الأحاديث، يقول: ما دام هذه الشروط الخمسة عند أهل العلم مضبوطة ومتقنة، محررة وتطبيقها سهل، كيف يختلفون في حديث واحد منهم من يقول: صحيح، ومنهم من يقول: ضعيف؟ أجاب عن ذلك لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف، يختلفون في راوي من الرواة، منهم من يقول: ثقة، ومنهم من يقول: هو دون الثقة، ضعيف مثلاً، أو صدوق، فلا يستحق الوصف بالصحة، لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف، ومنهم من يقول: هذا الراوي لقي الراوي الثاني وأخذ عنه، ومنهم من يقول: لم يلقه، لم يثبت عنه أنه لقيه، وهكذا.

"أو في اشتراط بعضها" بعضهم ينازع في اشتراط انتفاء الشذوذ على ما تقدم فيسمي ما اشتمل على الشذوذ صحيح، وغيره يسميه ضعيف؛ لأنه نازع اشتراط بعض الشروط، منهم من لا يشترط الاتصال مثلاً في الإسناد فيقبل المرسل، وهذا قول جمع من أهل العلم، قبول المراسيل، فعلى هذا إن صحت المراسيل فينازع، يأتيه من يقول: الخبر ضعيف؛ لأنه مرسل.

احتج مالك وكذا النعمانُ
ورده جماهر النقادِ

 

به وتابعوهما به ودانوا
في الجهل في الساقط في الإسنادِ

على ما سيأتي في باب المرسل -إن شاء الله تعالى-.

المقصود أن هذه الشروط يشترطها جمع من أهل العلم، جمع غفير، وإن نازع بعضهم في اشتراط بعضها في صحة الخبر، فإذا توافرت هذه الشروط التي هي الحد الأعلى فالخبر صحيح اتفاقاً، الخبر صحيح اتفاقاً، إذا انتفى الشذوذ الذي ينازع اشتراط انتفاء الشذوذ، ألا يصححه؟ يصحح، من العلل ما هو قادح، ومنها ما هو ليس بقادح، كما هو معروف، ويأتي هذا في باب المعل -إن شاء الله تعالى-.

قلت: فحاصل حد الصحيح: أنه المتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله، حتى ينتهي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو إلى منتهاه، من صحابيٍ أو من دونه، ولا يكون شاذاً، ولا مردوداً، ولا معللاً بعلة قادحة، وقد يكون مشهوراً أو غريباً.

حد الصحيح الذي تقدم أجمله هنا وحذف كلمة المسند لعدم الحاجة إليها، حتى ينتهي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني إن كان الخبر مرفوعاً، أو إلى الصحابي إن كان موقوفاً، أو من دونه إن كان مقطوعاً، ولا يكون شاذاً ولا مردوداً بأي سبب موجب للرد، ولا معللاً بعلةٍ قادحة؛ لأن من العلل ما ليس بقادح، يعني الاختلاف في الراوي مثلاً، إذا وجد راوي مهمل ولم نستطع تمييزه من بين من يشاركه في الاسم، أو وجد اختلاف هل هذا الحديث عن سفيان الثوري أو ابن عيينة، اختلفوا فيه على راويين، وهما ثقتان، هذه علة نعم، تدل على أن هذا الراوي ما ضبط من حدثه، لكن هي علة ليست بقادحة؛ لأنه أينما ذهب فهو على ثقة، ولذا لم يشترطوا مثل هذا، وقد يكون مشهوراً، مستفيضاً، يروى من طرق متعددة، قد يكون عزيزاً بأن يروى من طريقين، وقد يكون غريباً، قد يكون الحديث صحيحاً غريباً؛ إذا لم يأتِ إلا من طريق واحد، أو تفرد به راوٍ واحد، وليس تعدد الطرق شرط، ليس بشرط لقبول الخبر ولا لصحته، وليس بشرط للبخاري كما زعمه بعضهم.

ليس شرطاً للصحيح فاعلمِ

 

وقيل شرط وهو قول الحاكمِ

الحاكم كلامه يومي إلى اشتراط التعدد في ناقل الأخبار، لكن كلامه مردود، تبعه على هذا جمع من أهل العلم، يعني لا بد أن يكون الخبر مروياً من طريقين فأكثر، في كلام البيهقي ما يفيده، قول أبي الحسين البصري من المعتزلة: ليس بغريب، وقول الكرماني الشارح يزعم أنه شرط البخاري في صحيحه، لكن ليس هذا بصحيح، أول حديث في الصحيح، وآخر حديث في الصحيح يرد هذا الكلام، فإن أول حديث، حديث (الأعمال بالنيات) غريب غرابة مطلقة، ومثله آخر حديث في الصحيح: ((كلمتان خفيفتان على اللسان)).. الخ، غريب أيضاً غرابة مطلقة، فهذان الحديثان وغيرهما من غرائب الصحيح ترد هذه المقالة.

وهو متفاوت في نظر الحفاظ في محاله، ولهذا أطلق بعضهم أصح الأسانيد على بعضها، فعن أحمد وإسحق: أصحها: الزهري عن سالم عن أبيه، وقال علي بن المديني والفلاس: أصحها محمد بن سيرين عن عَبيدة عن علي، وعن يحيى بن معين: أصحها الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، وعن البخاري: مالك عن نافع عن ابن عمر، وزاد بعضهم: الشافعي عن مالك إذ هو أجلّ من روى عنه.

هو متفاوت في نظر الحفاظ في محاله، قد يشترك أحاديث في الصحة، وبعضها أصحّ من بعض، وكلها حجج يجب العمل بها، لكن يستفاد من هذا التفاوت عند المعارضة فيقدم الأصح على الصحيح، ولذا ذكر أهل العلم أصح الأسانيد، وإن كان الأولى أن لا يحكم على سندٍ ما بأنه أصح مطلقاً؛ لأنه قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً، والحافظ العراقي -رحمه الله-.

والمعتمد إمساكنا عن حكمنا على سندْ
خاض به قوم فقيل مالكُ

 

بأنه أصح مطلقاً وقدْ
عن نافع بما رواه الناسكُ

...الخ، ولا شك أن مثل هذا وإن قال به كبار الأئمة، الإمام البخاري له قول، الإمام أحمد له قول، النسائي، الفلاس، يحيى بن معين وغيره لهم أقوال في هذه المسألة؛ لكن لا شك أن هذا قول منتقد، لذا إذا أردنا أن نأتي إلى ما اختاره الإمام البخاري مثلاً: مالك عن نافع عن ابن عمر، مالك نجم السنن؛ لكن هل كل ما رواه الإمام مالك أرجح مما رواه غيره في كل حديث حديث؟ ألم تضبط للإمام مالك بعض الأخطاء؟ في باب الشاذ ومالك سمى ابن عثمان عمر، لم يوافق على ذلك، مالك عن نافع، نافع ضابط متقن لكن الأكثر على أن سالماً ابن عبد الله بن عمر أجلّ من نافع، ابن عمر، هل هو أضبط من أبيه؟ أو أوثق من أبيه؟ فمن هنا أوتي ودخل على هذه الأقوال.

وعلى كل حال يستفاد من معرفة أصحّ الأسانيد وحفظها أن نحكم بالصحة مباشرة لما روي بواسطتها، ونرجحها، كي نرجحها أيضاً إما باعتبار من قيل فيهم ذلك كالرواة، أو باعتبار القائلين عند الحاجة إلى ذلك، وإلا فليست مضطردة، فقد يعرض للمفوق ما يجعله فائق كما هو معروف، ولذا المعتمد الإمساك على الحكم على سندٍ ما بأنه أصح، أو على حديثٍ ما بأنه الأصح مطلقاً، أو على كتابٍ ما بأنه أصح الكتب، وإن كان العلماء قرروا أن صحيح البخاري أصح الكتب، وهذا قول جماهير أهل العلم على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، وهو المعتمد عندهم، لكن هل يعني هذا أن كل حديث في البخاري أصحّ من كل ما في صحيح مسلم؟ لا؛ لأن التفضيل هذا إجمالي.

(أول من جمع صحاح الحديث)

فائدة: أول من اعتنى بجمع الصحيح: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وتلاه صاحبه وتلميذه أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، فهما أصح كتب الحديث، والبخاري أرجح؛ لأنه اشترط في إخراجه الحديث في كتابه هذا: أن يكون الراوي قد عاصر شيخه وثبت عنده سماعه منه، ولم يشترط مسلم الثاني، بل اكتفى بمجرد المعاصرة، ومن هاهنا ينفصل لك النزاع في ترجيح تصحيح البخاري على مسلم، كما هو قول الجمهور، خلافاً لأبي علي النيسابوري شيخِ الحاكم، وطائفة من علماء المغرب.

ثم إن البخاري ومسلماً لم يلتزما بإخراج جميع ما يُحكم بصحته من الأحاديث، فإنهما قد صحَّحا أحاديث ليست في كتابيهما، كما ينقل الترمذي وغيره عن البخاري تصحيح أحاديث ليست عنده، بل في السنن وغيرها.

يقول -رحمه الله-: "فائدة: أول من اعتنى بجمع الصحيح" يعني الصحيح المجرد، وإلا فموطأ مالك مشتمل على أحاديث صحيحة كثيرة، وهو قبل البخاري، فأول من اعتنى بجمع الصحيح أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ثم تلاه تلميذه وخريجه مسلم بن الحجاج، وهذان الكتابان أصح الكتب، والبخاري أرجح وأصح.

أول من صنف في الصحيحِ

 

محمدٌ وخص بالترجيحِ

ومسلم بعدُ -يعني بعد البخاري-.

ومسلم بعد وبعض الغرب معْ   

 

أبي علي فضلوا ذا لو نفعْ

جمهور العلماء على أن صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم وأرجح منه، أبو علي النيسابوري، وبعض المغاربة فضلوا صحيح مسلم على صحيح البخاري، حجة الجمهور في ترجيح البخاري أن الأصحية ترجع إلى اتصال الأسانيد وثقة الرواة، والبخاري لا شك أنه أكثر اتصالاً؛ لأنه يشترط اللقاء على ما استفاض عنه ونقله أهل العلم وقرروه وحرروه، وإن نوزع في ذلك أخيراً، على ما سيأتي في السند المعنعن -إن شاء الله- تعالى، البخاري -رحمه الله- يعتني بهذا عناية فائقة، إذا كان السند عنده معنعن، والراوي وصم بتدليس ولو كان غير مخل يتبع ذلك بمتابعة تبين أن هذا الراوي قد سمعه من هو فوقه، أو يشهد لما ذكره في السند المعنعن، والأمثلة على ذلك في البخاري كثيرة جداً.

ومسلم -رحمه الله- يكتفي بالمعاصرة في السند المعنعن، قرر ذلك صراحةً في مقدمة صحيحه، وشنّ على من يشترط ثبوت اللقاء، وهذه مسألة طويلة الذيول، مسلم قررها تقريراً لا مزيد عليه في مقدمة صحيحه، والشراح وضحوا مراده ومقصوده، وهل يريد بمن يرد عليه في مقدمته البخاري أو علي بن المديني أو غيرهما، كلام طويل سيأتي أو تأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى- في موضعه.

أيضاً الرواة بالنسبة لصحيح البخاري، من خرج عنهم الإمام أوثق ممن خرج لهم مسلم، بدليل أن من انتقد من الرواة في صحيح مسلم أكثر مما انتقد من رواة صحيح البخاري، وما انتقد من الأحاديث في صحيح مسلم أكثر مما انتقد في صحيح البخاري.

أيضاً الإمام مسلم تلميذ البخاري وخريجه يستفيد منه، معرفته بالعلل لا شيء بالنسبة للإمام البخاري، المقصود أن الإمام البخاري أرجح وكتابه أصحّ، وهذا ترجيح إجمالي، يعني جملة ما في صحيح البخاري أرجح من جملة ما في صحيح مسلم، وإن كان في صحيح مسلم ما قد يفوق ما في صحيح البخاري لقرائن تحتفّ به، على ما سيأتي فيما يفيده خبر الواحد.

البخاري ومسلم لم يلتزما إخراج ما يحكم بصحته من الأحاديث، بل تركا من الأحاديث الصحيح الكثير خشية أن يطول الكتاب كما صرح به كل منهما فيما نقل عنه، ومسلم صراحةً في صحيحه يقول: "ليس كل حديث صحيح وضعته هاهنا، وإنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه" والخلاف في فهم كلام الإمام مسلم طويل، لعلّ الوقت يسمح لبسطه فيما بعد -إن شاء الله تعالى-.

نقل عنهما أيضاً التصحيح خارج صحيحهما، فنقل عن البخاري كثيراً، نقل الترمذي أنه صحح أحاديث في علله وفي سننه، وشرح الحافظ ابن رجب -رحمه الله- على البخاري مملوء بتصحيحات الأئمة، كالبخاري ومسلم وأحمد وغيره، على كل حال لا حاجة للاستدارك على الصحيحين لذات الاستدراك، أما أن تجمع الأحاديث الصحيحة خارج الصحيحين مطلب، لكن ما يقال: أن البخاري أخلّ بشرطه، مسلم أخلّ بشرطه، فينتقد ويعاب عليه أنه ما خرج أحاديث ينبغي أن يخرجها لأنها على شرطه؛ لأنه ما التزم.

ولم يعمّاه ولكن قلّما 

 

عند ابن الأخرم منه قد فاتهما

فاتهما شيء كثير، ولكن قلّما عند ابن الأخرم منه قد فاتهما -ورد هذا الكلام-.

ورد لكن قال يحيى البرُ

 

لم يثبت الخمسة إلا النزرُ

الخمسة المراد بها البخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي، وفيه ما فيه أيضاً؛ لأنه فات الخمسة شيء كثير من الصحيح، يصفو من صحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم، والسنن من الصحيح الشيء الكثير، وفيه ما فيه كناية عن ضعفه لقول الجعفي عن البخاري: "أحفظ منه عُشر ألف ألف" يحفظ مائة ألف حديث صحيح، والذي في كتابه شيء يسير من هذا العدد، سبعة آلاف بالمكرر، بدون التكرار ألفين وستمائة وحديثين.

لعل الأسئلة تجمع في نهاية كل درس، لتقرأ في أول الدرس الثاني؛ لأن ما نقدر...... إلى وقت بين، قد يطول على الدرس الثاني الذي يليه، لكن في بداية الدرس يخصص لها عشر دقائق من اليوم اللاحق -إن شاء الله تعالى-، قد يقول قائل: إذا كان ما يحفظه البخاري من الصحيح مائة ألف، ولو جمعنا من في الصحيحين مع ما في السنن مما صح، والمسانيد والجوامع والمعاجم والمشيخات وغيرها من الكتب والفوائد ما بلغت ولا نصف هذا العدد، وين راحت الأحاديث؟ وهذا ما يحفظه إمام واحد من أئمة الحديث؟ بل فيهم من يحفظ خمسمائة ألف، ومنهم من قال: ستمائة ألف، سبعمائة ألف، أين ذهبت السنة؟ نقول: لا، الأمة معصومة من التفريط بدينها، ما فرطت بشيء يحتاج إليه، الدين محفوظ، ولذا يقول الحافظ العراقي:

وعله أراد بالتكرارِ
أربعة الآلاف والمكررُ

 

لها وموقوف وفي البخاري
فوق ثلاثة ونوفاً ذكروا

لعل الإمام البخاري أراد التكرار؛ لأنه قد يروى الحديث من عشرين طريق، فيعتبر عشرين حديث، يروى من مائة طريق يعد مائة حديث، أيضاً الموقوفات كانوا يعدونها من الأحاديث، ما يروى عن الصحابة يعدونها من الأحاديث، فإذا ضمت إلى ما تكرر أسانيده تبلغ هذه العدة، وقد تزيد عليها بكثير.

(عدد ما في الصحيحين من الحديث)

قال ابن الصلاح: فجميع ما في البخاري بالمكرر: سبعة آلاف حديث ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً، وبغير تكرار: أربعة آلاف، وجميع ما في صحيح مسلم بلا تكرار: نحو أربعة آلاف.

(الزيادات على الصحيحين)

جميع ما في البخاري من مكرر سبعة آلاف أو تزيد قليلاً، وأيضاً صحيح مسلم بالتكرار ثمانية آلاف، أو سبعة آلاف وخمسمائة، أو اثنا عشر ألف كما قال بعضهم، البخاري قد يزيد وقد ينقص في العدد.

أولاً: روايات الكتب تختلف، البخاري مروي بروايات متعددة يزيد بعضها في العدد وينقص البعض الآخر، مسلم كذلك، وإن كان أقل، أقل في التفاوت بين رواياته؛ لأن البخاري له روايات متعددة ومتباينة.

الأمر الثاني: أن المتقدمين يطلقون الأعداد بالتقريب، شوف الكتاب يقدر أنه ثمانية آلاف يقول: ثمانية آلاف، فإذا قال بعضهم: اثنا عشر ألف، وين راحت أربعة آلاف؟ ما راح شيء، كل هذا تقريب، مسند الإمام أحمد منهم من يقول: أربعين ألف، تعد على التحرير ما يصل ثلاثين، وين راحت العشرة؟ ما راحت، المتقدمون لا يرون مثل هذه الأعمال ولا يدخلون ضمن اهتماماتهم، فبدلا ًمن أن يعد المسند ثلاثين ألف حديث أو أربعين ألف حديث يحفظ مائة حديث، صار الاهتمام بالأعداد والزائد والناقص واحد واثنين.. الخ، من اهتمامات المتأخرين، نعم الترقيم له نفع وله فائدة يخدم الآخرين، لكن ليس من مقاصد المتقدمين.

زاد الأمر عند بعض المتأخرين إلى عد حروف، يعني شخص من ينتسب إلى أهل العلم من أهل اليمن أشكل عليه القراءة في تفسير الجلالين، هل يقرأه يحتاج إلى طهارة أو يقرأ بدون طهارة؛ لأن الحكم للغالب؟ فعد الحروف، فعد حروف التفسير وحروف القرآن، يقول: إلى المزمل العدد واحد، من المدثر إلى آخر القرآن زادت حروف التفسير قليلاً، فانحلت عنده المشكلة، صار يقرأ التفسير من دون طهارة.

على كل حال هذا ليس من مقاصد من يحرص على وقته من الضياع، نعم من أراد أن يعتني بكتاب، ويخرجه ليستفيد منه الناس ويضع له أرقام ويفهرس لا بأس، تكون المصلحة متعدية، لكن يضيع وقته على أن يعد أرقام الأحاديث أو حروف؟ هذا تضييع للوقت، ترف، بل تجد من قال: صحيح البخاري ثمانية آلاف، ومنهم من قال: اثنا عشر ألف، كل هذا تقريب، تفاوت، عشرة آلاف حديث في مسند الإمام أحمد، كلهم تتابعوا على أن البخاري بدون تكرار أربعة آلاف، هل تولى واحد منهم عد الأحاديث بدون تكرار؟ لا، بل تولاه الحافظ ابن حجر حينما شرح الصحيح، والعدد مع الشرح أمره سهل، فبلغت الأحاديث من غير تكرار ألفين وستمائة وحديثين، من غير تكرار، فرق بين ألفين وستمائة وحديثين وبين أربعة آلاف من دون تكرار، فرق كبير، لكن الحافظ حرر في نهاية كل كتاب يذكر أحاديث الكتاب، من كتب الصحيح، لما انتهى من بدء الوحي، قال: عدد أحاديثه كذا والمكرر كذا، لما انتهى من كتاب الإيمان قال: عدد أحاديثه كذا، المرفوع منها كذا، والموقوف كذا، وتقدم كذا، والمكرر منها كذا، في النهاية ذكر العدد الإجمالي.

(الزيادات على الصحيحين)

وقد قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم: قلَّ ما يفوت البخاريَّ ومسلماً من الأحاديث الصحيحة، وقد ناقشه ابن الصلاح في ذلك، فإن الحاكم قد استدرك عليهما أحاديث كثيرة، وإن كان في بعضها مقال، إلا أنه يصفو له شيء كثير.

قلت: في هذا نظر، فإنه يُلزمهما بإخراج أحاديث لا تلزمهما، لضعف رواتها عندهما، أو لتعليلهما ذلك، والله أعلم.

أشرنا إلى قول ابن الأخرم شيخ الحاكم وأنه قال: قلّ ما يفوت الصحيحين من الأحاديث الصحيحة شيء، يعني يندر لكن هذا قول مردود، يصفو من السنن، يصفو من المستدرك، ابن حبان، ابن خزيمة، مسند الإمام أحمد، سنن البيهقي، يصفو منها صحيح كثير، فقول ابن الأخرم مردود بلا شك، أضاف النووي إلى الصحيحين السنن، وقال: لم يفت الخمسة إلا النزر، يعني القليل، وأيضاً هذا ضعيف؛ لأنه يصفو أيضاً من هذه الكتب التي ذكرناها شيء كثير.

يقول: "قلت فيه هذا نظر فإنه يلزمهما بإخراج أحاديث لا تلزمهما" لذا سمى كتابه (المستدرك على الصحيحين) الاستدراك معناه التعقب، فكأنهما أخلا بما اشترطاه، هم من اشترطا الاستيعاب، ولم يشترطا أن يخرجا جميع ما صح، لا، فألزمهما بغير لازم، نعم كتابه نافع، وفيه أحاديث صحيحة كثيرة، وفيه الضعيف وفيه الموضوع، فهو واسع الخطو في شرطه على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

وقد خرجت كتب كثيرة على الصحيحين، قد يوجد فيها زيادات مفيدة، وأسانيد جيدة، كصحيح أبي عوانة، وأبوي بكر الإسماعيلي والبرقاني، وأبي نعيم الأصبهاني وغيرهم، وكتب أخر التزم أصحابها صحتها، كابن خزيمة، وابن حبان البستي، وهما خير من المستدرك بكثير، وأنظف أسانيد ومتوناً.

وكذلك يوجد في مسند الإمام أحمد من الأسانيد والمتون شيء كثير مما يوازي كثيراً من أحاديث مسلم، بل والبخاري أيضاً، وليست عندهما ولا عند أحدهما، بل ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الأربعة، وهم: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وكذلك يوجد في معجمي الطبراني الكبير والأوسط، ومسندي أبي يعلى والبزار، وغير ذلك من المسانيد والمعاجم والفوائد والأجزاء ما يتمكن المتبحِّر في هذا الشأن من الحكم بصحة كثير منه، بعد النظر في حال رجاله، وسلامته من التعليل المفسد، ويجوز له الإقدام على ذلك، وإن لم يَنص على صحته حافظ قبله، موافقة للشيخ أبي زكريا يحيى النووي، وخلافاً للشيخ أبي عمرو، وقد جمع الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي في ذلك كتاباً سماه (المختارة) ولم يتم، كان بعض الحفاظ من مشايخنا يرجحه على مستدرك الحاكم، والله أعلم.

وقد تكلم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح على الحاكم في مستدركه فقال: وهو واسع الخطو في شرح الصحيح، متساهل بالقضاء به، فالأولى أن يتوسط في أمره، فما لم نجد فيه تصحيحاً لغيره من الأئمة، فإن لم يكن صحيحاً فهو حسن يحتج به، إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه.

قلت: في هذا الكتاب أنواع من الحديث كثيرة، فيه الصحيح المستدرك، وهو قليل، وفيه صحيح قد خرجه البخاري ومسلم أو أحدهما لم يعلم به الحاكم، وفيه الحسن والضعيف والموضوع أيضاً، وقد اختصره شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي، وبيَّن هذا كله، وجمع فيه جزءاً كبيراً مما وقع فيه من الموضوعات وذلك يقارب مائة حديث، والله أعلم.

يقول: "قد خرجت كتب كثيرة على الصحيحين" هذا ما يعرف بالمستخرجات، وحقيقة الاستخراج: أن يعمد إمام من أئمة الحديث إلى كتابٍ مشهور من كتب السنة فيخرج أحاديث الكتاب بأسانيد لنفسه، بأسانيده هو من غير طريق صاحب الكتاب، يأتي إلى صحيح البخاري فيخرج أحاديث الصحيح حديثاً حديثاً بأسانيده –بأسانيد المخرج نفسه- لا بواسطة صاحب الكتاب الأصلي، من غير طريق البخاري، قد يستغلق عليه الأمر فلا يجد من طريقه، أو لا يجد الحديث مروياً من طريقه فإما أن يترك الحديث ولا يخرجه يسقطه، وإما أن يعلقه من غير إسناد، وإما أن يخرجه من طريق صاحب الكتاب وهذا على خلاف شرط المستخرج.

المستخرجات كثيرة على الصحيحين وعلى غيرهما، مستخرج أبي عوانة على مسلم، مستخرج البلقاني، الإسماعيلي، أبي نعيم الأصبهاني على البخاري أو عليهما معاً، وهناك كتب كثيرة لهذا الاسم لها فوائد عظيمة.

استخرجوا على الصحيح كأبي

عزوك ألفاظ المتون لهما

وما تزيد فاحكمن بصحته

 

عوانةٍ ونحوه فاجتنبِ

إذ خالفت لفظاً ومعنىً ربما

فهو مع العلو من فائدته

 

والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"