بلوغ المرام – كتاب الأطعمة (1)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في كتابه بلوغ المرام:

كتاب: الأطعمة

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كل ذي ناب من السباع، فأكله حرام)) رواه مسلم.

وأخرجه من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- بلفظ: نهى، وزاد: ((وكل ذي مخلب من الطير)).

وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل" متفق عليه، وفي لفظ البخاري: "ورخص".

وعن ابن أبي أوفى -رضي الله تعالى عنه- قال: "غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد" متفق عليه.

وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- في قصة الأرنب- قال: "فذبحها، فبعث بوركها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقبله" متفق عليه.

وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد" رواه أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان.

وعن ابن أبي عمار قال: قلت لجابر -رضي الله تعالى عنه-: الضبع صيد هي؟ قال: نعم، قلت: قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: نعم" رواه أحمد والأربعة، وصححه البخاري وابن حبان.

وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنه سئل عن القنفذ، فقال: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [(145) سورة الأنعام]... الآية" فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- يقول: "ذكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((خبثة من الخبائث)) أخرجه أحمد وأبو داود، وإسناده ضعيف.

فقال: ((خبيثة))

أحسن الله إليك.

عندي خبثة

قد يكون من خبثت وفعلت وإلا خبيثة.

أحسن الله إليك.

سمعت أبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- يقول: "ذكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((خبيثة من الخبائث)) أخرجه أحمد وأبو داود، وإسناده ضعيف.

وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الجلالة وألبانها" أخرجه الأربعة إلا النسائي، وحسنه الترمذي.

وعن أبي قتادة -رضي الله تعالى عنه- في قصة الحمار الوحشي، فأكل منه النبي -صلى الله عليه وسلم-، متفق عليه.

وعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله تعالى عنهما- قالت: "نحرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرساً فأكلناه" متفق عليه.

وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: "أُكل الضب على مائدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- –، متفق عليه.

وعن عبد الرحمن بن عثمان القرشي -رضي الله تعالى عنه- أن طبيباً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الضفدع يجعلها في دواء، فنهى عن قتلها. أخرجه أحمد، وصححه الحاكم.

وأخرجه أبو داود والنسائي ما في؟

ما هي بعندنا هذه، لا.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،

أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

كتاب: الأطعمة

الكتاب مر شرحه مراراً،.... حيث يتكرر في كتب العلم، وهو كتاب في ضمن كتاب، بل كتب في ضمن كتاب.

والأطعمة: جمع طعام، جمع قلة، أفعلة، إلا أن اقترانه بـ(أل) التي هي للجنس أكسبته العموم، فيبحث في هذا الباب جميع ما يؤكل، وقد يطلق على ما يشرب باعتبار أنه يطعم، فيذاق ليتبين طعمه أمستساغ هو أم لا؟ وهذا يدخل فيه ما يؤكل وما يشرب، لكن أهل العلم يذكرون في الأطعمة ما يؤكل فقط، ويخصصون كتاباً للأشربة.

يقول -رحمه الله تعالى- في الحديث الأول: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كل ذي ناب))" (كل) لفظ عموم، و(ذي) بمعنى صاحب، و(ناب) هو السن الذي خلف الرباعية ((كل ذي ناب من السباع)) من السباع: فلا بد من اجتماع الوصفين ليترتب عليه حكم، أن يكون سبعاً له ناب، فلو كان سبعاً لا ناب له لا يدخل في الحديث، وإذا كان له ناب وليس بسبع فإنه لا يدخل في الحديث.

((كل ذي ناب من السباع فأكله حرام)) ((فأكله حرام)) هذا الحكم الذي يشمل ذوات الأنياب أصحاب الأنياب من السباع، ومن سباع البهائم التي تعدو وتصول على الفريسة إذا كانت من ذوات الأنياب فإن أكلها حرام.

وهذا الحكم مما زيد في السنة على القرآن، مما جاءت به السنة مما ليس في كتاب الله، والسنة أصل، وهي وحي كالقرآن سواءً بسواء، ففي قوله -جل وعلا-: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} [(145) سورة الأنعام] حصرت الآية في هذه المحرمات، ولا يوجد فيها ما يدل على تحريم ما له ناب من السباع، وما له مخلب من الطير، والأنواع التي جاءت السنة بتحريمها كلها لا تدل عليها الآية، والآية لا شك أنها متقدمة، فالذي يرى نسخ الكتاب بالسنة يقول: الآية منسوخة بما جاء في السنة، والذي لا يرى نسخ الكتاب بالسنة يقول: إن هذا الحكم مزيد على ما جاء في الكتاب؛ لأن مفهوم الحصر {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً} [(145) سورة الأنعام] هذا حصر، مفهومه أن ما عدا ذلك أنه حلال، هذا المفهوم عمومه مخصوص بما جاء في السنة، فيكون من باب التخصيص، والتخصيص يجوز تخصيص الكتاب بالسنة، ويجوز بما هو أقل مرتبة من السنة، فالتخصيص وإن كان رفع لبعض الحكم إلا أنه يختلف عن النسخ الذي هو رفع كلي للحكم، فالجمهور يرون أنه لا بد من الاتحاد في المرتبة في النسخ الذي هو الرفع الكلي، وإن ذهب جمع من أهل التحقيق إلى أن السنة كالقرآن تنسخ وتنسخ به، وعلى كل حال سواءً قلنا: إنه نسخ أو قلنا: إنه تخصيص هو رفع، فإن كان نسخ فهو رفع كلي، ولا يتصور هنا؛ لأن الحكم المستفاد من الآية لم يرفع رفعاً كلياً، فهو تخصيص، رفع جزئي للحكم.

((كل ذي ناب من السباع)) لا بد من تحقق الوصفين، فعلة التحريم مركبة من أمرين: أن يكون سبعاً، وأن يكون له ناب، فإذا كان سبعاً ولم يكن له ناب فإنه لا يدخل في الحديث، وإن كان له ناب، ولم يكن سبعاً لم يدخل في الحديث، ويأتي هذا في الكلام على الضبع؛ لأنها من ذوات الأنياب، وسيأتي ما يدل على حلها، وأنها صيد، وأنها تفدى بكبش إذا صيدت في الحرم، أو صادها المحرم.

((كل ذي ناب من السباع فأكله حرام)) يذكر عن ابن عباس وعائشة وابن عمر إن صح عنهم؛ لأنها تروى عنهم بأسانيد فيها مقال، أن ما عدا ما نص عليه في الآية أنه حلال، ومذهب ابن عباس في هذا الباب فيه شيء من السعة، لكن الحق أحق أن يتبع، فما جاءنا عن نبي الله -عليه الصلاة والسلام- وهو المبلغ عنه وجب علينا قبوله، سواءً كان مما يدل عليه الكتاب، أو مما زيد في السنة على ما في الكتاب؛ لأن السنة وحي  {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3-4) سورة النجم] فهنا: ((كل ذي ناب من السباع أكله حرام)) وجاء في حديث ابن عباس، الأول عن أبي هريرة ثم قال: "وأخرجه من حديث ابن عباس" يعني مسلم "بلفظ: نهى" الأول حديث أبي هريرة، والثاني حديث ابن عباس، فحديث ابن عباس غير حديث أبي هريرة؛ لأن طريقة العد عند أهل العلم تتبع الصحابي اتحاداً واختلافاً.

مقتضى قوله: "وأخرجه" يعني الحديث السابق، والحديث السابق حديث أبي هريرة، وكونه من حديث ابن عباس لا يمشي على قاعدة أهل الحديث في اعتبار الصحابي اتحاداً واختلافاً، فالضمير في قوله: "أخرجه" يعود على ما تضمنه الحديث السابق من معنى؛ لأن حديث أبي هريرة يختلف عن حديث ابن عباس، ولو اتحد اللفظ عند أهل العلم، هذا حديث وهذا حديث، بينما لو اتحد الصحابي صار حديثاً واحداً ولو اختلف اللفظ مع اتحاد المعنى، فقوله: "وأخرجه" يعني المعنى الذي دل عليه حديث أبي هريرة، لكنه من حديث ابن عباس وهو حديث آخر بلفظ: "نهى" هناك ((فأكله حرام)) وهنا بلفظ: "نهى" وهذا يذكرنا بما ذكرناه مراراً من أن الصحابي إذا قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه يدل على التحريم كما لو قال -عليه الصلاة والسلام-، أو قال الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تفعلوا كذا أو لا تأكلوا كذا، ومثله التنصيص على الحكم بلفظ التحريم ((فأكله حرام)) فقول الصحابي: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" بمنزلة: "لا تفعلوا" سواءً بسواء، وهذا فيه رد باعتبار أنه جاء بهذا اللفظ وبهذا اللفظ، رد على من يقول: إن قوله: "نهى" قول الصحابي: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لا يدل على المنع حتى ينقل الصحابي اللفظ النبوي، هذا اللفظ متداول بين الصحابة، ومن تلقاه عنهم من التابعين ينقلونه أحياناً بلفظ: "لا تفعلوا" المضارع المصدر بلا الناهية، أو يعبر عنه بصريح لفظ التحريم ((فأكله حرام)) أو بلفظ: "نهى" من غير فرق، وهذا يدل على ضعف قول من يقول: إننا لا نقبل من الصحابي قوله: أمرنا، أو أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ينقل لنا اللفظ النبوي، وحجتهم في ذلك أن الصحابي قد يسمع كلام من النبي -عليه الصلاة والسلام- يفهم منه الأمر، ويعبر عنه بأمرنا رسول الله، أو يفهم منه النهي فيعبر عنه بقوله: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي الحقيقة أن هذا اللفظ لا يحمل معنى النهي ولا الأمر، لكن هذا الكلام مرفوض، يعني إذا كان الصحابة لا يعرفون مدلولات الألفاظ الشرعية فمن يعرفها بعدهم؟! فأبو هريرة قال نقلاً عنه -عليه الصلاة والسلام-: ((فأكله حرام)) وابن عباس قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكل كل ذي ناب من السباع، وزاد: "وكل ذي مخلب من الطير" الجملة الأولى كل ذي ناب يدخل فيه ما لا يحصى، مما نص عليه أهل العلم وذكروه في كتبهم، ومما لم يذكروه، إذا تحقق فيه الوصفان، وكذلك الجملة الثانية "وكل ذي مخلب من الطير" يدخل فيها كل ما انطبق عليه الوصف، ووجد له المخلب من الطيور.

هناك قلنا: إنه لا بد من تحقق الوصفين: وجود الناب، ووجود السبعية من السباع، وهل نقول: هنا أنه لا بد من تحقق الوصفين أن يوجد المخلب، وأن يكون طيراً؟ بمعنى أننا لو وجدنا حيوان له ناب، وليس سبعاً لا يعدو، ولا يصول كما قيل في الضبع، جاء الدليل على حلها، ما يدل على حلها، وهل نقول هنا مثل ذلك؟ وجدنا حيوان ليس بطائر، لكن له مخلب يحرم وإلا ما يحرم؟ نعم؟ إذاً لا بد من تحقق العلة بجزأيها، بركنيها؛ لأن العلة إذا كانت مركبة من شيئين فأكثر لا بد من تحقق ما تركبت منه، ولا يكفي للحكم وجود جزء العلة.

"وكل ذي مخلب" يقول في القاموس: المخلب ظفر كل سبع من الماشي والطائر، على هذا إذا وجدنا من الماشي له مخلب العلة لم تكتمل؛ لأنه منصوص على قوله: "من الطير" و(من) هذه بيانية، فلا بد أن يكون طائراً له مخلب.

ينازع بعض أهل العلم في مدلول الحديث، وهو المنع من كل ذي مخلب، بل ينازعون في مقتضى النهي، فمنهم من يقول: إن النهي للتحريم، ومنهم من يقول: إن النهي للكراهة، وهنا ينقل النووي -رحمه الله تعالى- أن تحريم كل ذي مخلب من الطير هو قول الجمهور، وخالف في هذا من خالف، لكن قول جماهير أهل العلم على المنع، وعليه يدل الحديث، بينما ابن رشد في بداية المجتهد يعكس، يرى أن القول بالحل هو قول الجمهور، وقال: وحرمها قوم، هل نقول: إن للمذهب تأثيراً في سياق الأقوال، وفي الانتصار لهذه الأقوال؟ معروف أن النووي شافعي المذهب، والشافعية يقولون بمقتضى الحديث، يحرمون ما كان له مخلب، وابن رشد مالكي المذهب، والمالكية في باب الأطعمة يتوسعون أكثر من غيرهم، فهل نقول: إن للمذهب تأثير في سياق الأقوال والانتصار لها؟ لأن سياق الأقوال لا شك أن الإنسان يتأثر بما يترجح عنده فقد يعبر عن القول بما يدل على قوته، وإن لم يصرح بذلك، لكن قد يفهم منه من مضمون أو من مقتضى السياق أنه يرجح هذا القول، فإذا قال مثلاً: قال المحققون، قال جماهير أهل العلم كذا وقال المحققون كذا، طيب أليس في..، من ضمن هؤلاء الجماهير الذين قالوا بالقول الأول جمع من أهل التحقيق؟ ما معنى التحقيق في مثل هذا السياق؟ إن كان مقتضاه -مقتضى الوصف بالتحقيق- أنهم رجحوا ما دل عليه الدليل هذا هو التحقيق صحيح، هذا هو التحقيق، لكن هل يُسلّم أن المخالف ليس عنده دليل؟ إذا بحثنا في المسألة ووجدنا أن الجمهور قالوا بقول، والدليل الصحيح الصريح يدل على خلاف ما ذهبوا إليه، وقال بمقتضى الدليل الصحيح الصريح قوم من أهل العلم قلنا: إنهم أهل تحقيق، لكن أحياناً تستغل مثل هذه العبارة للهجوم على قلب القارئ أو السامع، فكون النووي يقول: قال الجمهور بتحريم أكل كل ذي مخلب من الطير، وقال بعضهم: كذا، وعكس صاحب بداية المجتهد، ولا شك أن المذاهب لها تأثير، لكن النووي في هذا الباب أمكن، وبالسنة أعرف من ابن رشد، أعرف من ابن رشد، نعم ابن رشد له اطلاع على المذاهب، لكن لا يمنع أن يكون المذهب أثر عليه، هو مالكي المذهب -رحمه الله الجميع-، وعلى كل حال إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، إذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن أكل كل ذي مخلب من الطير سمعنا وأطعنا، ولو قال من قال بخلاف ذلك، لماذا؟ لأن هذا حديث صحيح وصريح وخاص، قد تدل العمومات على خلاف مقتضاه، لكن الخاص عند أهل العلم بما في ذلك المالكية مقدم على العام، فالنفي في قوله: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [(145) سورة الأنعام]  مخصوص بمثل هذا الحديث.

قال -رحمه الله-: "وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل" متفق عليه، وفي لفظ البخاري: "ورخص".

"عن جابر -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر" سنة سبع من الهجرة، وجاء من جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يقول: أكلت الحمر، فنيت الحمر، فنهى عن أكلها، فمنهم من يرى أن هذه هي العلة؛ لأنها مركوب الناس، فلو فنيت بقوا بدون مركوب، لكن يرد عليه هذا أن الإبل أيضاً مركوب الناس، فإذا أكلت فنيت، ولكن العلة الحقيقية ما جاء التنصيص عليها من كونها رجس.

"نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية" مفهوم الحديث منطوقه يدل على تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية، وبهذا قال جماهير أهل العلم، وخالف من خالف، ومفهومه يدل على جواز أكل لحوم الحمر الوحشية؛ لأن الوصف الأهلية مخرج للوحشية.

"وأذن في لحوم الخيل" وسيأتي حديث "نحرنا فرساً على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكلناه" حديث أسماء، وهو في الصحيحين، ولو ضم إلى الحديث الثالث لكان أولى بالترتيب.

"وأذن في لحوم الخيل" وحديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: "نحرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرساً فأكلناه" متفق عليه.

حل الخيل قال به جمع من أهل العلم، ويعضده هذه الأحاديث المخرجة في الصحيحين وغيرهما.

من أهل العلم من يرى أن الخيل كالحمر وكالبغال لا يجوز أكلها؛ لأن الله -جل وعلا- امتن بركوبها، ولم يمتن بأكلها {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [(8) سورة النحل] ولو كانت مأكولة لامتن بأكلها كما امتن بأكل بهيمة الأنعام، وأيضاً هي عطف عليها البغال والحمير، وهذه غير مأكولة بالاتفاق على ما تقرر بعد النهي عن أكل لحوم الحمر، والامتنان يكون بأعلى وجوه الانتفاع فلو كان الأكل جائزا ًلكان الامتنان به أعظم من الامتنان بالركوب، وعطف المفردات التي منها المحرم ومنها المباح قالوا: هذا لا يكون في كلام البلغاء، يعني يعطف أشياء بعضها مباح وبعضها محرم هذا لا يكون في كلام البلغاء، لكن كما هو معلوم عند أهل العلم أن دلالة الاقتران ضعيفة، وعطف بعضها على بعض لاشتراكها فيما دل عليه السياق من الامتنان وهو الركوب، الركوب وهي كلها مركوبة، فهي تشترك في كونها مركوبة، ولا تشترك في كونها مأكولة أو غير مأكولة، فالامتنان إنما هو بالركوب، وهذا شيء ملاحظ من يشتري الخيل من أجل الأكل، يعني اقتناء الخيل هل المقصود منه عند عموم الناس في القديم والحديث هو الأكل أو الركوب؟ الركوب، ولا يعني أن كون أظهر وجوه الانتفاع بالخيل أنها لا تؤكل، بينما بهيمة الأنعام أظهر وجوه الانتفاع بها هو الأكل وإن كانت مركوبة.

بعض ما يباع الآن من بهيمة الأنعام لا يشترى من أجل الأكل، وإنما يشترى لوجوه أخرى من وجوه الانتفاع إما للنسل أو لغيره، فهل يعمد عاقل أن يشتري جملاً بمائة ضعف، أو بألف ضعف كما هو موجود الآن، أو تيس أو ما أشبه ذلك يشتريه بهذه الأضعاف المضاعفة من أجل أن يأكل؟ لا، ولذلك لا يعمد إنسان أن يشتري فرساً وبإمكانه أن يشتري جملاً أوفر منه لحماً بأضعاف قيمة الجمل من أجل أن يأكل، وإنما يشترى من أجل أن يركب مما يدل على أن أظهر وجوه الانتفاع بالنسبة للخيل هي الركوب وإن جاز أكلها، وكذلك الأنواع من بهيمة الأنعام يستفاد منها فوائد كثيرة، وينتفع بها من وجوه متعددة، للدر والنسل والصوف، وما أشبه ذلك، ومع ذلك أعظم وجوه الانتفاع بها الأكل، فالإجابة عن الآية بالنسبة لمن قال بحل أكل الخيل من وجهين:

الأول: أن دلالة الاقتران واقترانها مع البغال والحمير استدلال بهذه الدلالة التي هي مضعفة عند أهل العلم.

الأمر الثاني: أن الامتنان بركوبها واتخاذها زينة لا ينفي أن تكون مأكولة؛ لأن الامتنان إنما يكون بأعظم وجوه الانتفاع، وأعظم وجوه الانتفاع بالنسبة للخيل هو الركوب وإن جاز أكلها.

أخرج أبو داود عن غالب بن أبجر قال: "أصابتنا سنة فلم يكن في مالي ما أطعم إلا سمان حمر" وفي رواية: "إلا سمان حمري"، "فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: إنك حرمت لحوم الحمر الأهلية، وقد أصابتنا سنة" يعني مجاعة جدب وقحط، فقال: ((أطعم أهلك من سمين حمرك، فإنما حرمتها من أجل جوال القرية)) يعني الجلالة التي تأكل النجاسات من عذرة وغيرها ((أطعم أهلك من سمين حمرك)) الحديث مضعف عند أهل العلم، وأيضاً لفظه فيه نكارة، سنة وجدب وقحط ولا يجد غيرها، وتكون سمينة؟! يتصور هذا؟! لا يوجد إلا سمان حمري، ما عنده إلا سمان حمر، يعني حمر سمينة، الحمر سمينة والإبل والغنم والبقر هزيلة؟! كيف يكون هذا؟! هذه نكارة في اللفظ، إضافة إلى ضعف الإسناد.

بعد هذا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن أبي أوفى -رضي الله عنهما- قال: "غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" في الحديث السابق "في لفظ البخاري: "رخص" نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لحوم الحمر يوم خيبر الأهلية، وأذن في الخيل، وفي وراية للبخاري: "رخص" قال بعضهم: إنه يؤخذ من هذا اللفظ أن الترخيص على خلاف الأصل، الأصل في الخيل التحريم، لكنه رخص.

الرخصة في اصطلاح أهل العلم وهو اصطلاح حادث: ما جاء على خلاف الدليل الشرعي، ما دامت الرخصة جاءت على خلاف الدليل الشرعي، والرسول -عليه الصلاة والسلام- رخص في لحوم الخيل دليل على أن الترخيص هذا جاء على خلاف الدليل الشرعي، فالدليل الشرعي يدل على التحريم، والرخصة جاءت على خلاف الدليل الشرعي، كما رخص في أكل الميتة عند الاضطرار، هذا يقوله من يرى تحريم لحوم الخيل، يستدل بقوله: "رخص في لحوم الخيل" ويطبق اللفظ لفظ الحديث على الاصطلاح الحادث، ويستدل به على المنع من أكل لحوم الخيل؛ لأن الرخصة على خلاف الدليل الشرعي، يعني مع قيام الأصل لا عدولاً عنه، ولا نسخاً له، فكونه يرخص للمضطر الأكل من الميتة لا يعني أن الميتة نسخ حكمها وصارت حلالاً، وإنما تؤكل عند الاضطرار، وفي يوم خيبر لما حرم لحوم الحمر الأهلية وكانت تؤكل جعل في مقابل ذلك أن رخص في لحوم الخيل وإن كانت محرمة، يعني ننتبه لهذا الاستدلال وهو دقيق، ويحتاج إلى شيء من الانتباه.

يقول: مما يدل على تحريم لحوم الخيل قوله: "رخص" لماذا؟ لأن الرخصة ما جاءت على خلاف الدليل الشرعي، مع قيام مقتضى الدليل الشرعي، الحكم الشرعي الأصلي قائم، فالميتة يحرم أكلها، تجوز للمضطر، ويبقى أن الميتة حرام، فالأكل من الميتة على خلاف الدليل الشرعي، ويقابلها العزيمة التي هي ما جاء على مقتضى ووفق الدليل الشرعي.

قال: ما دام يقول: رخص، فأكل لحوم الخيل رخصة، يقابله العزيمة وهو التحريم، والداعي لهذه الرخصة شدة الاحتياج إليها لمنع أكل لحوم الحمر، فإذا توفر غيرها لا يجوز أكلها، وهذا تنزيل للنص الشرعي على الاصطلاحات الحادثة، والذي يغفل عن مخالفة كثير من المصطلحات لما تدل عليه النصوص لا شك أنه يقع في مثل هذا، يعني ننزل لفظ القرآن أو السنة أو استعمالات المتقدمين على الاصطلاحات الحادثة نقع في مخالفات كبيرة.

في سورة الإسراء ذكر الله -جل وعلا- عدداً من المحرمات، بل من الكبائر والموبقات، ثم قال: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [(38) سورة الإسراء] يعني لو طبقنا الكراهة على مقتضى الاصطلاح الحادث، قلنا: إن جميع ما ذكر مكروه، يعني لا إثم فيه، إنما اجتنابه يترتب عليه الأجر، هل هذا الكلام مقبول؟ نعم؟ لا ليس بصحيح.

ذكرنا مراراً أن عدم معرفة الاصطلاحات وعدم ملائمتها للنصوص هذا يوقع في حرج كبير، يعني حتى الاصطلاحات العرفية وتطبيق النصوص عليها يوقع في حرج كبير، وذكرنا من الأمثلة على ذلك:

أن العامة يقولون للغني البخيل يسمونه محروم، المحروم يعطى من الزكاة وإلا ما يعطى؟ بالنص يعطى بالقرآن، بصريح القرآن يعطى {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [(24-25) سورة المعارج] ثم يأتي من يستعمل الحقيقة العرفية والاصطلاح العرفي فيعطي زكاته لغني أرصدته في البنوك أضعاف أضعاف أموال هذا المزكي، يقول: هذا محروم مسكين، ومنصوص عليه في القرآن، فطالب العلم عليه أن يتنبه لهذه الاصطلاحات مع موافقتها ومخالفتها للنصوص.

وذكرنا مراراً أن لو أن إنساناً عاش في البادية وهو صاحب إبل وأقسم الأيمان المغلظة أنه ما رأى جمل أصفر، هل نستطيع أن نقول: إنه مكذب للقرآن؟ الحقيقة العرفية لهذا اللون عنده تختلف عن الحقيقة التي جاء ذكرها في كتاب الله -جل وعلا-، فكونهم يأخذون من هذا الحديث: "رخص" أنه في مقابل العزيمة، العزيمة التحريم والرخصة جاءت على خلاف الدليل، فيبقى أن لحوم الخيل حرام؛ لأنه رخصة والرخصة بقدرها تستعمل يعني عند الاحتياج إليها.

يعني لو عكس الدليل على هذا القائل، وقال: إن الله يحب أن تؤتى رخصه، ما دام رخص في لحوم الخيل يحب أن تؤكل الخيل، وهذا بخلاف الرخصة التي في أكل الميتة للمضطر، هل يقول قائل: إن الله يحب أن تؤتى رخصه ينزلها على الميتة بالنسبة للمضطر؟ إذا كان مضطر قلنا: نعم لا بد من تحقق وصف الاضطرار، وعلى هذا لو أن مضطراً شارف على الهلاك، ووجد ميتة فلم يأكل منها فمات يأثم وإلا ما يأثم؟ يأثم؛ لأن هذه التهلكة التي نهي عنها، لكن إذا قال: أنا أجد نفسي أعافه، الموت أسهل عليه من الأكل من الميتة، هل يكره على الأكل من الميتة أو لا؟ لأن بعض الناس لو يكره على أكل طعام مباح ونفسه تعافه لا يطيق ذلك فضلاً عن كونه محرم، وفيه أمراض، وفيه أشياء، وفيه رائحة منتنة، ميتة.

على كل حال هذا بحث آخر، يختلف عما نحن فيه، لكنه من باب الاستطراد.

الحمر الأهلية قبل خيبر كانت مباحة، وكانت داخلة في {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [(157) سورة الأعراف] ثم في يوم خيبر لما حرمت صارت ممنوعة، أكلها حرام، وصارت من الخبائث {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] وقل مثل هذا في الخمر لما كانت مباحة ثم حرمت، فهل الطيب والخبث وصف حسي أو معنوي؟ إذا قلنا معنوي قلنا: يتبع النص، وتكون لحوم الحمر قبل التحريم وبعد التحريم على حد سواء فائدتها ما تغيرت، ضررها موجود قبل وبعد، إذا كان فيها نفع قبل التحريم فهو موجود بعد التحريم، وإذا كان فيها ضرر بعد التحريم ففيها ضرر قبل التحريم، هذا إذا قلنا: إن الخبث والطيب معنوي، ويتبع النص، وإذا قلنا: حسي، والله -جل وعلا- قادر على أن يجعلها طيبة نافعة قبل التحريم، ويجعلها ضارة خبيثة بعد التحريم، قلنا: إنه حسي، ما المانع؟ وقد جاء في الأثر: "إن الله لما حرم الخمر سلبها المنافع" هذا يذكر عن بعض السلف "سلبها المنافع" وإذا قلنا: إن المنافع منافع دنيوية في الترويج والتجارة وكذا هذا عاد موجود، لكن يبقى أن الإثم أعظم والضرر أكبر.

يقول -رحمه الله تعالى- في الحديث الرابع: "وعن ابن أبي أوفى -رضي الله عنهما- قال: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد" متفق عليه".

تقدم في أول الكتاب حديث: ((أحلت لنا ميتتان ودمان، الحوت والجراد)) ميتتان، وهو يؤكل، ولو مات حتف أنفه، وهذا هو الأصل فيه، إذ لا يتصور تذكيته، لا تتصور تذكيته فهو حلال، وإن كان ميتاً، وهنا حديث ابن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: "غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد، متفق عليه".

هذا فيه إشارة إلى ما كان عليه -عليه الصلاة والسلام- مع أصحابه أشرف الخلق، وأكمل الخلق، وأفضل جيل سبع سنوات يأكلون الجراد، يعني هل الجراد شيء فاضل أو مفضول؟ مفضول، إنما يؤكل لعدم غيره.

فضيق العيش على النبي -عليه الصلاة والسلام- بحيث يمر الهلال والهلالان والثلاثة -ثلاثة أهلة- في شهرين ما أوقد في بيته نار، ما كان طعامهم إلا الأسودان التمر والماء، وكان يربط الحجر على بطنه -عليه الصلاة والسلام-.

كل هذا يدل على أن انفتاح الدنيا وتوسيعها على بعض الناس وبعض العصور لا يعني أن هذا لمزيد فضل لهؤلاء عند الله -جل وعلا-، أو ما يقابله بالنسبة لمن زويت عنهم الدنيا كصدر هذه الأمة، النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما خشي على أمته أن تفتح عليهم الدنيا، وإذا نظرنا إلى ما سبق قبل نصف قرن مثلاً وجدنا أن الأمة عاشت عيشة ضيق وظنك في بعض البلدان، ومع ذلكم ما تنازلوا عن شيء من دين ولا عرض ثم لما فتحت الدنيا وتوسع الناس فيها صارت على حساب الدين، فالذي خشيه النبي -عليه الصلاة والسلام- على أمته وقع، لما فتحت الدنيا وتوسعوا وقليل من عبادي الشكور، نعم من شكر {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] لكن هذا قليل، وأكثر الناس إذا وسع عليهم يكفرون النعم كما هو حاصل بالنسبة لكثير من المسلمين.

سبع سنوات أو سبع غزوات يأكلون الجراد، هذا فيه أولاً ما يدل على ضيق عيشه -عليه الصلاة والسلام- وليس ذلك لهوانه على ربه، وإنما ليدخر أجره كامل، يجده موفوراً يوم القيامة، وكذلك صحابته -رضوان الله عليهم-، ولما طعم ما طعم من اللحم وغيره، قال: ((لتسئلن عن هذا النعيم)).

النعيم المباح لا يستطيع أن يقول أحد بأنه محرم، سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- في أكثر من مناسبة فقال: ((أنا لا أحرم ما أحل الله)) {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ} [(32) سورة الأعراف] لا يستطيع أحد أن يحرم، لكن له تبعات، يحتاج إلى شكر {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [(13) سورة سبأ] فتبعاته قد لا يتخلص منها الإنسان، والغالب أن الإنسان يصبر على الشدة؛ لأن الإنسان معرض للابتلاء والامتحان، إما بسراء أو بضراء، وكثير من الناس يمكن أن يصبر على الضراء، لكنه لا يستطيع أن يتجاوز محنة السراء هذا بالنسبة لكثير من الناس، ويدل عليه قوله -جل وعلا-: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [(13) سورة سبأ] قليل من يصبر على محنة السراء، ويؤدي حقها.

سبع غزوات يأكلون الجراد هذا فيه دليل على أن الجراد حلال الأكل، وإن كان ميتاً، كما دل عليه الحديث الأول إلا إذا كان مشتملاً على ضرر كما قيل في جراد الأندلس، يقولون: إنه ضار، وأفتى أهل العلم بتحريم أكله، لماذا؟ لأنه جراد؟ لا، لأنه ضار، فالضار محرم، لا يجوز لإنسان أن يتناول ما يضره؛ لأن بدنه ليس ملكاً له، فيحرم من هذه الحيثية، وإلا فالجراد حلال.

"غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد" المعية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تقتضي الاشتراك في الغزو، يعني مع رسول الله هذه المعية في الغزو، لكن هل تقتضي أنهم أكلوا معه الجراد؟ يعني "غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل معه الجراد" أيضاً، فتكون المعية للغزو وللأكل؟ أو أنهم غزوا معه وهم يأكلون الجراد بغض النظر عنه -عليه الصلاة والسلام- هل أكل أو ما أكل؟

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

يعني لا تقتضي الصيغة أن يكون الرسول -عليه الصلاة والسلام- أكل الجراد، وإنما غزوا معه ويأكلون الجراد، فيكون إباحة أكل الجراد بدليل تقريره -عليه الصلاة والسلام- لهم وهم يأكلونه وهم معه، والتقرير وجه من وجوه السنة.

جاء في بعض الروايات "نأكل الجراد معه" المعية هنا للغزو أو للأكل؟ نعم؟

طالب:.......

هذه واضحة أنها للأكل، وأحياناً يكون المتعلق معقب أو متعقب لفعلين، ويختلف الحكم باختلاف المتعلق مثل إرادة الإلحاد في الحرم {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ} [(25) سورة الحـج] (فيه) هل الجار والمجرور متعلق بالإرادة أو بالإلحاد؟

طالب:.......

لا، أنا أريد أن أقرب ما معنا الآن (فيه) الجار والمجرور متعلق بالإرادة أو بالإلحاد؟ وهل يختلف الحكم باختلاف المتعلق أو لا يختلف؟ إذا قلنا: متعلق بالإرادة قلنا: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ} [(25) سورة الحـج] تكون الإرادة في الحرم ولو كان الإلحاد خارج الحرم، وإذا قلنا: (فيه) الجار والمجرور متعلق (بإلحاد) قلنا: إن الإلحاد في الحرم حرام، إرادة الإلحاد في الحرم حرام ولو كانت هذه الإرادة خارج الحرم، وعندنا معه هنا رواية الباب صريحة في أنهم غزوا معه، وهم لا يغزون إلا معه -عليه الصلاة والسلام-، سبع غزوات مع النبي -عليه الصلاة والسلام- "نأكل الجراد" هذه إذا قلنا: إن المعية متعلقة بالغزو والأكل صارت الدلالة بفعله -عليه الصلاة والسلام- بأكله من الجراد، وإذا قلنا: إنهم يغزون معه ويأكلون الجراد ما فيها دليل على أنه أكل، لكن جاء في بعض الروايات ما يدل على أنه أكل -عليه الصلاة والسلام- "نأكل معه" في رواية للبخاري: "نأكل الجراد معه" هذه الجملة وهذه الرواية تدل على أن المعية في الأكل، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يأكل الجراد، وهم يأكلون معه، ولا شك أنه إذا أكل كان أبلغ من مجرد التقرير، على ما سيأتي بالنسبة لأكل الضب.

أخرج أبو داود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عن الجراد، فقال: ((لا آكله ولا أحرمه)) قالوا: هذا الحديث معل بالإرسال، ولا يقاوم حديث الباب، فجماهير أهل العلم على حل الجراد.

وسبق في كتاب المناسك بالنسبة للجراد هل فيه فداء أو لا فداء فيه تبعاً لكونه برياً أو بحرياً؟ جاء عن بعض الصحابة أنه نثرة حوت، يعني بحري، وحينئذٍ فيه فداء وإلا ما فيه فداء؟

طالب:.......

لا فداء فيه؛ لأنه بحري، وجاء هذا عن بعض الصحابة، لكن هل ثبت من حيث الواقع أنه يخرج من البحر، أو يأتي من البر؟ نعم؟ نعم بالمشاهدة، المشاهدة تدل على أنه بري؛ لأنه يتكاثر في البر لا في البحر، وعلى هذا فيه الفداء، طيب ما ثبت عن بعض الصحابة، قد يثبت عن الصحابي من قوله ما لا أصل له، بمعنى أنه قد يكون تلقاه عن أهل الكتاب، أو يكون اجتهاد منه؛ لأن مثل هذا لا ينتظر فيه نص، نعم إذا وجد النص كان هو الحاسم، لكن مثل هذا إذا يعني هو من مما يتناسل ويتكاثر على وجه الأرض فهو بري.

كونه يذكر أو يثبت عن بعض الصحابة أنه قال: نثرة حوت أو بحري، وأنه لا فداء فيه، هذا اجتهاد من هذا الصحابي، وقد يخطئ في اجتهاده؛ لأنه ليس بمعصوم، يخطئ في اجتهاده، لكن الصحابي في نقله عن النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحابة كلهم عدول، ثقات، يعني إذا صرح بإضافته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قلنا: سمعنا وأطعنا، لكن ما صرح بنقله عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، إما أن يكون تلقاه عن أحد من أهل الكتاب، وهذا موجود من بعض الصحابة، عرف بالأخذ عن أهل الكتاب، وجاء الأمر بالتحديث عن أهل الكتاب ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) وفي رواية: ((فإن فيهم الأعاجيب)).

على كل حال هذه المسألة تقدمت في كتاب المناسك، والمتجه أنه بري، أنه بري يفدى.

قال -رحمه الله-: "وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- في قصة الأرنب- قال: "فذبحها" في حديث أنس وهو في الصحيحين: "أنفجنا" يعني أثرنا أرنباً بمر الظهران، فأخذتها فجئت بها إلى أبي طلحة، فذبحها، وبعث بوركها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقبله" وفي بعض الروايات أنه أكل منه، مما يدل على حل أكل الأرنب، وهو محل إجماع ممن يعتد بقوله من أهل العلم، إجماع، هناك قول شاذ أنها لا تؤكل، وأنها تحيض وما أشبه ذلك من الأقوال التي لا مستند لها.

على كل حال عامة أهل العلم على أنها مباحة، ويذكر عن بعض طوائف المبتدعة مما يشابهون فيه اليهود أنهم يقولون بتحريم أكل الأرنب، واليهود يقولون بتحريمه، وهذه من الأوجه الكثيرة التي يشابهون فيها اليهود.

وفي رحلة ابن بطوطة لما قدم إلى بعض بلدان المشرق لاحظوا عليه أنه لا يقبض يديه في الصلاة، فاتهموه بالتشيع؛ لأن الشيعة لا يقبضون، فامتحنوه بالأرنب، قدموا له أرنب فأكل، فاستغربوا يأكل الأرنب فسألوه، فذكر أن الإرسال معروف عند المالكية، يعني لا يلزم من كونه يرسل أن يكون من الشيعة، فامتحنوه بالأرنب لأنهم لا يأكلونها، وعامة أهل العلم بل إجماع واقع على حل أكله، منهم من كره، أطلق القول بكراهتها، ولعلهم استندوا في ذلك إلى ما ذكر عن ابن عمر أنها تحيض، ولكن هذا ولو ثبت أنها تحيض لا يقتضي المنع من أكلها؛ لأن الدليل الصحيح الصريح جاء به، بالحل.

قال: "وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم– عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد" رواه أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان".

على كل حال الحديث صحيح، والمؤلف ساق هذا الحديث ليبين كغيره من أهل العلم من يرى أن النهي عن قتل الحيوان دليل على تحريمه، إذ لو كان مباحاً لما نهي عن قتله، وبالمقابل الأمر بقتله دليل على تحريمه أيضاً، النهي عن قتله قالوا: دليل على تحريم أكله، والأمر بقتله دليل على تحريم أكله، طيب ما الذي يباح؟ الذي يقتل عند الحاجة؛ لأنه جاء النهي عن قتل الحيوان إلا لمأكلة، يعني للأكل، فلا يقتل الحيوان عبث، فإذا نهي عن قتله مطلقاً دل على أنه لا يجوز أكله، وإذا أمر بقتله مطلقاً دل على أنه لا يجوز أكله.

"وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قتل أربع من الدواب: النملة" النملة لا تقتل، لكن إذا آذت فإنها تقتل، ونبي من الأنبياء آذته نملة فلسعته فأمر ما حوله من النمل أن يتلف، وعوتب على ذلك، مما يدل على أن الأصل أنه لا يقتل، لكن ما يؤذي كما يقرر أهل العلم أن ما آذى طبعاً قتل شرعاً.

النملة التي تؤذيك تقتلها، وجاء النهي عنها في هذا الحديث.

"والنحلة" النحلة لا شك أنها مؤذية؛ ولسعها مختلف فيه هل هو أشد من لسع العقرب كما في المسألة الزمبورية أو أقل؟ على كل حال لسعها شديد، وهي مؤذية، فإذا لم يحصل منها الأذى فإنها لا تقتل، لماذا؟ لأن الله -جل وعلا- امتن على عباده بما يخرج من بطونها من العسل {شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} [(69) سورة النحل] يخرج من بطونها هذا العسل الطيب الذي هو شفاء بمنطوق القرآن، وإن كان بعض المتزلفة والمرتزقة في مجلس المنصور قال: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا} [(69) سورة النحل] قال: من بطون آل البيت، لأن المنصور عباسي من ولد العباس بن عبد المطلب، فكان بحضرتهم شخص قال: جعل الله رزقك مما يخرج من بطونهم، إذا كان فيه شفاء استشفي يا الله.

فالنهي عن قتل النحلة لهذا؛ لأن الله -جل وعلا- امتن على عباده بما يخرج من بطونها، وهي سبب في وجود هذا العسل الذي هو شفاء للناس.

"الهدهد" وهو طائر معروف "والصرد" قالوا: إنه طائر فوق العصفور كبير الرأس، يأكل الحشرات، نهي عن قتله.

استدل أهل العلم على تحريم أكلها بالنهي عن قتلها، وتحريم أكلها قول جماهير أهل العلم، هناك خلافات وأقوال شاذة في حل بعضها إلا أن النمل مجمع على تحريمه.

قال -رحمه الله-: "وعن ابن أبي عمار" قال: هو عبد الرحمن بن أبي عمار المكي، تابعي "قال: قلت لجابر" بن عبد الله الصحابي الجليل الشهير: "الضبع صيد هو؟ قال: نعم، قلت: قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟" يعني هذا تنقله عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أو تقوله باجتهادك؟ "قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم" رواه أحمد والأربعة، وصححه البخاري وابن حبان".

في حديث تحريم كل ذي ناب أشرنا إلى هذا الحديث، مما يدل على حله، وتخصيص الحديث السابق بهذا الحديث، ولما فيه من فداء، حديث جابر: "الضبع صيد فإذا أصابه المحرم ففيه كبش مسن" يقول الشافعي: "وما زال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير".

فيها فداء وتباع بين الصفا والمروة؟ يبيعونها لحم وإلا حية؟ لأن الشافعي يقول: "وما زال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير"

طالب:.......

نعم؟ الحديث ويش يستفيد منها؟ ولا يجوز قتلها في الحرم؟

طالب:.......

طيب إذا صاد المحرم أو صاد في الحل، ثم أدخله الحرم الصيد يجوز إمساكه وإلا يجب إرساله؟ نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

الآن باعوها بين الصفا والمروة، وهي صيد تفدى بكبش مسن، الشافعي يريد أن يستدل لذلك على أنها يجوز أكلها، وأنها تباع، والناس لا ينكرون بيعها بين الصفا والمروة، يعني في الحرم، فإذا صاد إنسان حلال في الحل صيداً ثم أدخله الحرام هل يلزمه إرساله أو يجوز له إمساكه؟

طيب إذا اشتراه داخل الحرم يمسكه وإلا يرسله؟

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

النهي عن الصيد، طيب إذا اشتراه يأكله وإلا ما يأكله؟

طالب:.......

يذبحه في الحرم وهو صيد؟ يمكن تذكرون ما تكلمنا فيه من موضوع هل المراد بالصيد المصيد أو الاصطياد؟ يصح أن نقول: هذا الطائر صيد، صيد والاصطياد يقال له: صيد، فالنهي عن الصيد في الحرم أو في الإحرام هل ينصب إلى المصيد، وهذا قول أكثر أهل العلم، أو ينصب إلى الاصطياد؟ بمعنى أنك إذا ما اصطدته اشتريته شراء، أو كان الاصطياد في وقت يجوز فيه الاصطياد حلال، وفي الحل، ثم أدخلته في الحرم، أكثر أهل العلم على أنه لا يجوز لك أن تذبحه، بعضهم يقول: تخرج به عن الحرم، وبعضهم يقول: يلزمك أن ترسله، تطلقه، فإذا دخل الحرم كان آمناً.

ومنهم من يقول: إن المراد بتحريم الصيد تحريم الاصطياد، فإذا ملك بغير اصطياد كان الحرم وغيره سواء.

الشافعي -رحمه الله تعالى- يقول عن الضبع: "وما زال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير" هو يريد أن يقرر أنها مأكولة اللحم، والمعول في ذلك على حديث الباب، المعول في ذلك على حديث الباب "قلت لجابر: الضبع صيد هو؟ قال: نعم، قلت: قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم" وأيضاً كونها تفدى، غير المأكول لا يفدى، وإنما يفدى مأكول اللحم، وبهذا قال الشافعية والحنابلة، قالوا: بأنها مأكولة اللحم، والحنفية يرون أنها لا تؤكل استدلالاً بالحديث السابق، وأن لها ناب، وقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن أكل كل ذي ناب من السباع، ولا شك أن هذا الحديث مخصص، مخصص لحديث "نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع" فإما أن نقول: مخصص؛ لأنه له ناب، فيخرج بحديث الباب، أو نقول: بأن العلة ما اكتملت؟ نعم؟ لأنه ليس بسبع، له ناب لكنه ليس بسبع، ووجود جزء العلة لا يستقل بالتحريم حتى تكتمل أجزاؤها.

"وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنه سئل عن القنفذ" سئل ابن عمر -رضي الله عنهما- عن القنفذ "فقال" مستدلاً بالآية: "{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [(145) سورة الأنعام]" والآية ليس فيها تنصيص على القنفذ، فليست بمحرمة، استدل بالآية، وأن القنفذ لم يستثن من ضمن ما استثني في الآية "فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: "ذُكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((خبيثة من الخبائث))" فقال ابن عمر: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال هذا فهو كما قال".

قال: "أخرجه أحمد وأبو داود، وإسناده ضعيف" ضعيف لماذا؟ "فقال شيخ عنده" مجهول، لو افترضنا أن الإسناد: مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن القنفذ، فقال: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [(145) سورة الأنعام] فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول... إلى آخره، يكون الحديث صحيح وإلا ليس بصحيح؟ مالك نافع عن ابن عمر؟ هاه؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

مالك عن نافع، أنت افترض أنه هكذا: مالك عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سئل عن القنفذ فقال: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [(145) سورة الأنعام]... إلى آخره، فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة... إلى آخره، نعم صحيح إلى ابن عمر، يعني الموقوف صحيح، والمرفوع ضعيف، نظيره حديث أبي برزة في الحوض عند أبي داود الحديث إلى أبي برزة والقصة صحيحة، وثلاثية في سنن أبي داود، لكن المرفوع حديث الحوض المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه ضعف، فخرج رجل فقال: إن أبا برزة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني وجد واسطة مجهولة بين أبي برزة وبين من دونه، وهذه من الغرائب في حديث أبي برزة في الحوض من أهل العلم من يقول: إنه ثلاثي، ومنهم من يقول: إنه رباعي، ويثبت أن في سنن أبي داود حديثاً ثلاثياً وهو هذا الحديث، منهم من يقول: ثلاثي، ومنهم من..، هل مثل هذا مما ينبغي أن يختلف فيه أو لا يختلف فيه؟ يعني كون الحديث رباعي الإسناد أو ثلاثي هذا يتصور الاختلاف فيه؟ لكن من قال: ثلاثي نظر إلى أصل القصة عن أبي برزة يرويها أبو داود بواسطة اثنين عن أبي برزة ثلاثي، القصة مع أبي برزة ثلاثية، لكنها بالنسبة للحديث المرفوع الذي هو المقصود من إيراد الخبر فيه واسطة شخص مجهول.

وهنا لو قلنا: إن أصل الخبر مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن القنفذ، فقال: {قُل لاَّ أَجِدُ} [(145) سورة الأنعام]... إلى آخره، فقال شيخ عنده، نظير حديث أبي برزة الموقوف ثلاثي وصحيح، لكن المرفوع رباعي وضعيف؛ لما فيه من الجهالة.

"سمعت أبا هريرة يقول: "ذُكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((خبيثة من الخبائث))" القنفذ معروف دويبة جلدها مكسو بالشوك، إذا خشيت على نفسها تلفلفت بهذا الجلد المكسو بالشوك، فلا يستطيع أحد أن يقربها، وإذا أرادت المشي أو الأكل أخرجت ما تريد من هذا الجلد ومشت وأكلت.

على كل حال الحديث ضعيف، فلا يستدل به على الحل ولا التحريم، وفي مثل هذه الحالة إذا أردنا الحكم، لو سئل إنسان عن حكم القنفذ جاء شخص وقال: وجدت قنفذ آكل وإلا ما آكل؟ يعني ابن عمر حينما استدل بالآية رأى أن الأصل الإباحة، وأنه لا يمنع إلا ما دل الدليل على إيش؟ على منعه، لكن لو قيل -وهو قول آخر في المسألة-: إن الأصل المنع، وأنه لا يؤكل إلا ما دل الدليل على حله، وفي هذا يقول الشافعية: "الحرام ما حرمه الله" ويقول الحنفية: "الحلال ما أحله الله" يعني بين القولين اختلاف وإلا ما بينهم اختلاف؟ الآن جاء واحد يسأل عن القنفذ آكل وإلا ما آكل؟ كل على أصله من يقول الأصل الحل يقول: كل حتى تجد دليل يمنع، والذي يقول الأصل المنع يقول: لا تأكل حتى تجد دليل يبيحه لك.

"الحرام ما حرمه الله" هذا ما يقوله الشافعية، وجمع من أهل العلم، الحنفية عكس كلامهم: "الحلال ما أحله الله" وقول الحنفية في الأطعمة أشد من غيرهم بخلاف الأشربة عكس المالكية.

مقتضى قول الحنفية "الحلال ما أحله الله" أن الكل ممنوع، الأصل المنع، ويبقى أن الحلال ما أحله الله فقط، يعني ما نص على حله هو الحلال، وما عدا ذلك يبقى محرماً، ومقتضى قول الشافعية "الحرام ما حرمه الله" أن الأصل الحل والإباحة، وأنه لا يحرم من المأكولات إلا ما نص على تحريمه، فبين القولين بون شاسع.

ذهبت إلى نزهة فوجدت في البر نبات أعجبك شكله ولونه ورائحته وطعمه هل تأكل وإلا ما تأكل؟ نعم الشافعية تأكل ما في تردد، ويبقى أن مسألة النبات ما تخرجه الأرض أوسع من اللحوم، دائرته أوسع، يعني الأمر فيه أسهل، يعني إذا سلم من الضرر فالأمر فيه أخف، واللحم أضيق مما تنبته الأرض.

الآن عندنا هذا الشخص المجهول سمعت أبا هريرة يقول: إنها خبيثة، يعني تقرير الخبث من عدمه هل يشترط فيه ثقة المقرر؟ يعني لو جاءك شخص وقال: هذا خبيث، وقال آخر: لا، طيب؛ لأن من أهل العلم وهو قول معتبر عند جمع من أهل العلم أن ما تستخبثه العرب لا يجوز أكله؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يحرم الخبائث، كما في قول الله -جل وعلا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] وقالوا: الاستخباث مرده إلى استخباث العرب وقت التنزيل، إلى استخباث العرب وقت التنزيل، ولو ترك المجال لأفراد الناس بعد وقت التنزيل ما انضبطت المسألة، كل على مزاجه يقول: هذا حلال، وهذا حرام، يختلفون في العين الواحدة هل هي خبيثة وإلا طيبة؟ لكن وقت التنزيل وقت استواء الفطرة، وعدم تغير الفطر، بعد ذلك توسع الناس، وتساهلوا، فكثير منهم رأى الخبيث طيب، والطيب خبيث تبعاً للمزاج وللفطرة المتغيرة.

الآن عندنا شيخ مجهول ينقل عن أبي هريرة، أنت افترض أن قول: "خبيث" من هذا الشخص من قوله، وهو مجهول لا يعرف، هل نعتمد قوله بأنها خبيثة فتندرج في {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] لأن تقرير الخبث للشيء هل يلزم أن يكون مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ يعني عندنا قاعدة عامة نص عليها القرآن: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] هل ننتظر في الحل والحرمة الطيب والخبث نص مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ الحديث الذي معنا قال: ((خبيثة من الخبائث)) فقال ابن عمر: إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاله فهو كما قال.

عرفنا أن الحديث ضعيف لا يثبت به حكم، لكن هل يثبت به أو بمثله تقرير الخبث والطيب؛ لأن المرد في مثل هذا عند أهل العلم قالوا: ما تستخبثه العرب؟ نعم؟ وهذا عربي؟ المطلوب واضح وإلا غير واضح؟

طالب: واضح.

حكم شرعي، لا نأخذ من هذا الحديث حكم شرعي، حل وحرمة ما نأخذ، أكل وعدم أكل ما نأخذ؛ لأن الحديث ضعيف، لكن تقرير الطيب والخبث يؤخذ بقول مثل هذا الرجل أو لا يؤخذ وإن كان مجهولاً؟ يعني هل هذا الرجل في الوقت الذي قرر أهل العلم أن مرد الطيب والخبث إلى معرفتهم وخبرتهم واستخباثهم واستطابتهم؟ الظاهر أن المسألة ما هي بواضحة.

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

يعني هذا العربي قرر أنها خبيثة، كونه يرفعه إلى أبي هريرة، أو يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا أمر ثاني، نقول: هذا مجهول ولا نأخذ بقوله، افترض أنه من تلقاء نفسه قال: خبيثة.

يعني بالمناسبة وسيأتي يعني كون نقدمه وإلا في الأصل أنه يذكر عند حديث الجلالة قصة، أو تصرف رؤبة بن العجاج الراجز المعروف، صاحب الرجز، يذكر عنه، ذكر في ترجمته أنه يأكل الفأر، ولا يأكل الدجاج، سئل عن ذلك فقال: الفأر طعامه البر والسمن، والدجاج طعامه ما تعلمون، فهو استطاب الفأر وهو محرم بالاتفاق، واستقذر الدجاج الذي هو حلال بالاتفاق، فهل مثل هذا يرجع إليه في بيان الطيب من الخبيث؟ هذا لا يرجع إليه، لكن هذا العربي المتقدم يعني أقل أحواله أن يكون تابعي، ذكر أنها خبيثة من الخبائث، ويعزوه إلى أبي هريرة، ويرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

يعني هل من المناسب أن يمر الحديث ويقال: ضعيف، فلا يستفاد منه ألبتة لا في الحكم ولا في العلة؟ أو يمكن أن نستدل به في العلة دون الحكم؟ لأن العلة لا يشترط فيها ثقة القائل، لا ثقة الناقل، فرق بين أن يكون القول من الشخص أو فيما ينقله عن غيره، إذا كان مما ينقله عن غيره لا بد أن يكون ثقة، وإن كان مما يقوله من تلقاء نفسه لا يلزم أن يكون ثقة، لكن النقل عنه لا بد أن يكون عن طريق ثقة.

يعني بعض علماء العربية الكبار لهم مصنفات معتمدة عند أهل العلم من قديم الزمان إلى يومنا هذا، يعني عرف عنه أنه يشرب الخمر، نقول: لا يعول على كتابه؛ لأنه يشرب الخمر؟ إمام من أئمة اللغة، ودون لنا مصنف من مطولات كتب اللغة، يعني هل نشترط في ذلك ثقة هذا الرجل؟ نعم فيما ينقله عن غيره لا بد أن يكون ثقة، لكن فيما يقرره من تلقاء نفسه، يعني ابن دريد مثلاً ذُكر في ترجمته أنه يشرب، هل نقول: كتب ابن دريد هذه تحرق وتلغى لأنه ليس بثقة؟ سؤال.

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

إيش لون؟

طالب:.......

فرق بينما يقوله الشخص من تلقاء نفسه وبين ما ينقله الشخص عن غيره، أنت وجدت كتاب لمؤلف عرف بالفسق، وهذا الكتاب فيه فوائد استنبطها هذا الشخص، تقول: لا نقبل هذا الكلام لأنه غير ثقة؟ لكن إن نقل عن غيره نقول: يرد كلامه لأنه ليس بثقة، فالنقل شيء، والاستنباط شيء آخر، وهذا الذي أريد أن أقرره أن الاستخباث يمكن أن يقوله هذا المجهول ويقبل كلامه، وكونه ينقله عن غيره لا، نقول: مردود، فكونه ينقل عن أبي هريرة وأبو هريرة يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- نقول: مردود؛ لأنه مجهول، ولا بد من تحقق العدالة، والثقة في النقل، لكن فيما يقوله الإنسان من تلقاء نفسه نشترط الثبوت عن هذا الشخص.

بالمقابل إذا نقل لنا ابن عباس عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بسند صحيح في البخاري مثلاً نقول: هذا الخبر ثابت عن ابن عباس، ولا يمنع أن يهم ابن عباس في نسبة هذا القول للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فالخبر صحيح على شرط الصحيح باعتبار الإسناد، يعني كما قال ابن عباس: "تزوج النبي -عليه الصلاة والسلام- ميمونة وهو محرم" الخبر صحيح إلى ابن عباس، لكن ما يمنع أن يكون ابن عباس وهم في هذا الخبر، وهل يقال لوجود مثل هذا الخبر في الصحيح أن الصحيح فيه أحاديث ضعيفة؟ لا، نقول: الحديث صحيح، وفي أعلى درجات الصحيح، وسنده صحيح، لكن وهم، والوهم ما يعصم منه أحد إلا المعصوم -عليه الصلاة والسلام-، فالخبر من حيث الإسناد لا إشكال فيه، وهو ثابت إلى ابن عباس، لكن ابن عباس وهم، بدليل أن صاحبة الشأن قالت خلاف ما قاله ابن عباس، فننتبه لمثل هذا، هذه الأمور لا بد من الانتباه لها إثباتاً ونفياً.

على كل حال الحنفية والحنابلة يرون أن القنفذ محرم، وأنه خبيث من الخبائث، وذهب غيرهم إلى أنه حلال لعدم وجود ما يدل على المنع منه، وبعضهم قال: من باب اتقاء الشبهة، وأن الإنسان لا يبني جسده إلا على ما تبين حله أطلق الكراهة.

قال -رحمه الله-: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الجلالة وألبانها" أخرجه الأربعة إلا النسائي" الجلالة: هي مأكولة اللحم من بهيمة الأنعام، أو من الطيور أو غيرها كالدجاج مثلاً التي تأكل النجاسات، هذه تسمى جلالة؛ لأنها تأكل الجلة، والجلة العذرة.

"نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الجلالة" يعني عن أكلها، عن أكل لحمها، وعن شرب لبنها، وجاء ما يدل على النهي عن ركوبها، لماذا؟ لأن النجاسة أثرت في هذه الجلالة، أثرت في لحمها، أثرت في لبنها، أثرت في عرقها الذي يلابسه الراكب؛ لأنه قد يقول قائل: كيف ينهى عن ركوبها؟ الأكل واضح والشرب شرب اللبن واضح؛ لأن اللحم صار نتيجة لهذا المأكول، اللبن نتيجة لهذا المأكول، لكن الركوب؟ نعم العرق لأنه يلابسها، ولا بد أن تعرق، والعرق نجس؛ لأنها جلالة، وأثر فيها أكل الجلة.

تحبس هذه الجلالة على اختلاف بينهم، أو في الروايات في التوقيت، فجاء في بعض الروايات ما يدل على أنها تحبس أربعين يوماً، وتعلف الطيب من الطعام، وتمنع من الخبيث، وجاء أيضاً ما يدل على أنها تحبس ثلاثة أيام وسبعة أيام.

على كل حال إذا غلب على الظن طيب لحمها، وأنها تغير لحمها الذي تأثر بالنجاسة إلى الطيب فإنها حينئذٍ تطيب؛ لأن الأصل أنها مأكولة اللحم.

قال -رحمه الله-: "وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- في قصة الحمار الوحشي"...

قبل ذلك: المشاريع الكبيرة للدواجن قد تطعم هذه الدواجن شيء من النجاسات، يعني الأطعمة المستوردة لهذه الدواجن بعضها نجس مركب من دم ولحوم وغيرها هذه نجسة، فهل أكلها من هذه الأطعمة المستوردة المركبة من هذه المواد التي منها النجس ومنها غير النجس تأخذ حكم الجلالة فتحبس حتى تطيب؟ أو نقول: أنه بالتركيب من النجس وغيره استحالت هذه النجاسات، وصارت طاهرة فلا تأخذ الحكم؟ لأن بعض الأطعمة والأغذية التي تستورد للدواجن فيها ما فيها، فهل نقول: إن حكمها حكم الجلالة تحبس فلا تطعم إلا الطيب حتى تطيب؟ أو نقول: إن هذه المركبات من الأغذية فيها الطيب وفيها النجس واستحالت هذه النجاسات فصارت لا أثر لها في الطعام؟ إذا وجدت عين النجاسة وهي باقية لا شك أن حكمها حكم الجلالة، لكن إذا زال أثرها النجاسة، أثر هذه النجاسة وزال واستحال وصارت طيبة، يعني مثلما يعالج بعض المواد الآن، ومنها الماء، الماء النجس يعالج حتى يطيب، لكن إذا كانت المعالجة هي مجرد تغطية، يعني كان لها رائحة فخلط معها شيء أزال هذه الرائحة، هل نقول: إن النجاسة زالت أو أن الرائحة زالت أو غطيت هذه الرائحة؟ أحياناً تكون هناك رائحة، افترض المكان فيه ميتة أزيلت هذه الميتة، وبقي المكان فيه رائحة الميتة جئت بالطيب والبخور وبخرت هذا المكان صارت الرائحة طيبة، هل نقول: إن الرائحة الأولى القبيحة زالت بالكلية أو غطيت بما غطاها من رائحة طيبة؟ نعم؟

طالب:.......

إنما موجودة، ووجود الرائحة دليل على وجود العين، يعني إذا كان هذا الطعام خلط معه أشياء، يعني لما كانت النجاسة العينية موجودة لها رائحة تدل عليها قبيحة خُلط معها أشياء له روائح طيبة فزالت الرائحة، هل معنى هذا أن العين النجسة زالت؟ نعم؟

طالب:.......

غطيت وإلا فالنجاسة باقية، فالتغطية لا تكفي.

طيب شخص أكل ثوم أو بصل، ونهي عن دخول المسجد، والصلاة مع الجماعة فقال: أتطيب بطيب يضيع هذه الرائحة، طيب قوي نفاذ يضيع هذه الرائحة، هل نقول: إن رائحة الثوم والبصل زالت أو غطيت؟ غطيت، وعلى هذا يجوز له أن يصلي مع الناس وإلا ما يجوز؟ يعني فرق، فرق بين الأولى، المسألة الأولى وهي نجاسة والثانية وقد أكل طعاماً مباحاً، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أنا لا أحرم ما أحل الله)) لكن منع لرائحته، والرائحة زالت، يعني ما منع لذاته، إنما منع لرائحته، والرائحة زالت، وحينئذٍ لا إشكال في هذا، والمسألة الثانية تختلف عن المسألة الأولى.

"وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- في قصة الحمار الوحشي فأكل منه النبي -صلى الله عليه وسلم-" متفق عليه" وهذا تقدم في الحج، قتادة بن الحارث بن ربعي أحرم النبي -عليه الصلاة والسلام- والصحابة في الحديبية، فمر بهم حمار وحش، وكان مشغولاً منشغل بشيء، فالصحابة تناظروا وضحكوا، لكنهم ما أشعروه بمرور هذا الحمار الوحشي، انتبه التفت فإذا به، فحمل عليه فقتله، بل سقط صوته، فطلب أن يناوله أحد ما ناولوه؛ لأنه لو أعانه أحد على قتله ما جاز له أن يأكل منه وهو محرم، وأبو قتادة غير محرم، المقصود أنه صاد الحمار الوحشي، فبعث للنبي -عليه الصلاة والسلام- بشيء منه فأكله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحصل أيضاً نظير هذه القصة لأبي ثعلبة ورده عليه، وقال: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)).

والفرق بين القصتين أن المردود صيد من أجله -عليه الصلاة والسلام-، وهذا الذي صاده هذا الحمار الوحشي الذي أكل منه النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يصد من أجله، فالذي يحرم ما صاده المحرم أو في الحرم أو صيد من أجله، بينما إذا صاده حلال فإنه يباح لغيره أن يأكل منه ولو كان محرماً إذا لم يصد من أجله، وفيه دليل على أن الحمار الوحشي مأكول، ونقل فيه في إباحته الإجماع، ومنطوق حديث الباب يدل على حله، كما أن مفهوم النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية يدل على حله أيضاً على ما تقدم.

قال: "وعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: "نحرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرساً فأكلناه" تقدم الكلام في أكل لحم الخيل، وأن السنة الصحيحة الصريحة دلت على حل أكله، وهنا تقول: "نحرنا" والمعلوم أن النحر إنما يكون للإبل، وهو الطعن في اللبة بخلاف الذبح الذي هو فري الأوداج، وأهل العلم يقررون أن الإبل تنحر، وما عداها يذبح، ويقررون أيضاً جواز نحر ما يذبح، وذبح ما ينحر، وقد يتجوز في التعبير والإطلاق، فيطلق على الذبح نحر، وعلى النحر ذبح، وهنا قالت: "نحرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لا يلزم أن يكون نحر هذا الفرس مثلما تنحر الإبل كما هو معلوم، وإلا فالخيل السنة فيها كما هو في غيرها من بهيمة الأنعام أنها تذبح، وأن النحر خاص بالإبل، ولو قيل بأن الخيل أيضاً تنحر لهذا الحديث كالإبل لما بعد، وجمهور أهل العلم على أن النحر خاص بالإبل.

وهذا من أدلة الجمهور في جواز أكل لحم الخيل، وقد تقدم الكلام فيه، والإجابة عن أدلة المخالفين.

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أُكل الضب على مائدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" متفق عليه" قدم للنبي -عليه الصلاة والسلام- فمد يده ليأكل فأخبر أنه لحم ضب، فامتنع -عليه الصلاة والسلام-، وقال: إنه يجد نفسه تعافه؛ لأنه لم يكن بأرض قومه، وأكل على مائدته، يقول خالد بن الوليد: فاجتررته فأكلته، فحل أكله بالسنة التقريرية، أقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من أكله على مائدته، فهذا دليل للجمهور على أنه مأكول.

قال بعض أهل العلم: إنه لا يجوز أكله؛ لأنه مما مسخ، فيكون أصله آدمي، والآدمي لا يجوز أكله، فكونه ممسوخ يجعله محرم الأكل، لكن مثل هذا الكلام يعارض به مثل هذا الحديث الذي في الصحيحين، وعلى افتراض أنه ممسوخ مع أنه ثبت أن الممسوخ لا عقب له، ولا نسل له، وهذا يتناسل، وعلى افتراض أنه ممسوخ، وثبت فيه مثل هذا الحديث لا شك أن هذه العلة، وكون أصله آدمي محرم الأكل، ثم استحال إلى جنس آخر هذا لا يعني أنه يحرم.

الحيوانات وما يدب على ظهر الأرض كثيرة جداً، لا يمكن الإحاطة بها، وأحكامها مختلفة، وقد يبحث طالب العلم عن بعضها فلا يجد كلاماً لأهل العلم في حكمها.

ومن مزايا كتاب حياة الحيوان للدميري أنه إذا ذكر أي حيوان يذكره أنه يذكر حكمه، وهو نافع جداً في هذا الباب، الحيوانات كثيرة جداً لا يمكن أن يحاط بها، وتبحث عند الفقهاء في كتاب الأطعمة، ما تجد أن هذا الحيوان على وجه الخصوص له حكم عند كثير من أهل العلم، فإما أن يعمل فيه القواعد العامة هذا إذا لم يرد فيه نص بعينه، وكل على مذهبه في الأصل، أو ينظر فيه مثل هذا الكتاب وهو نافع من هذه الحيثية، لكن فيه خلل كبير، الكتاب فيه خلل كبير، فيه طلاسم، وفي ذكر خواص هذه الحيوانات، ما يصل بعضه فيه إلى الشرك، نسأل الله السلامة والعافية، فيجعل القارئ يتعلق بهذا الحيوان، أو بشيء من أجزائه.

فمن خواصه مثلاً: أن رأسه إذا جعل في وسادة حصل كذا وكذا، وإذا جعل في..، علق في جانب البيت حصل كذا، هذا شرك نسأل الله السلامة والعافية، لكن إذا هذب الكتاب ونقح فيه أيضاً طلاسم، وفيه جداول، وفيه رموز، كل هذه من المحرمات شديدة التحريم، لكن ميزة الكتاب أنه فيه إطلاع للقارئ على عجائب هذه المخلوقات، وفيه أيضاً بيان الأحكام من حل الأكل والحرمة، فلو سلم من هذا الخلل وهو كبير لا أقول يمكن تجاوزه، لا، خلل كبير جداً، قد يصل إلى حد الشرك، فالكتاب لا نظير له في بابه على حد علمي.

ظهر له أكثر من تهذيب، وهذب وجرد عن هذه الطلاسم، وهذه الخواص أيضاً فيبقى أن الكتاب فيه فائدة كبيرة من حيث حكم هذه الحيوانات، فيه أيضاً مثلما ذكرنا اطلاع على عجائب هذه المخلوقات، وفيه طرائف وأشياء يستفيدها طالب العلم، وهو صاحب استطراد، إذا جاء لأدنى مناسبة لقصة طويلة أو لأخبار واسعة ذكرها، وذكر أنه ذكر الخلفاء كلهم بسيرهم لمناسبة، وهو في كتاب حياة الحيوان، كيف يدخل الخلفاء في حياة الحيوان؟ لكنها جرت مناسبة فسردهم، وأمور كثيرة، يعني في هذا الكتاب، وهو فيه نفع، وفيه ضرر كبير، فطالب العلم المميز الذي يعرف الحق من الباطل لا مانع بل يستفيد من هذا الكتاب.

طالب: كتاب الجاحظ رعاك الله؟

ما هو مثله الجاحظ، الجاحظ مسألة أدبية، ما هي بعلمية، مسحته أدبية.

قال: "وعن عبد الرحمن بن عثمان القرشي"...

يعني مما ذكره الجاحظ في الحيوان قال: شخص له جار رافضي يلعن طلحة صباحاً ومساءاً، فقلت له: أنت تعرف طلحة هذا الذي تلعنه، قال: أليس هو زوجة الزبير؟ ظلمات بعضها فوق بعض، نسأل الله السلامة والعافية، فالجاحظ يعني نزعته أدبية، ولا يعول عليه في حكم شرعي، لكن الدميري فقيه من فقهاء الشافعية، وله يد في الحديث، شارح لبعض كتب السنة.

قال -رحمه الله-: "وعن عبد الرحمن بن عثمان القرشي -رضي الله عنه- أن طبيباً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الضفدع يجعلها في دواء، فنهى عن قتلها" أخرجه أحمد، وصححه الحاكم" وأخرجه أبو داود والنسائي.

الضفدع جاء النهي عن قتلها في حديث ابن عمر أيضاً، وأن نقيقها تسبيح، النهي عن قتلها دليل على جواز أكلها؟ تحريم أكلها، كما نهي عن قتل الأربعة السابقة.

الأمر بقتل الفواسق ((خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم)) الأمر بالقتل يعني بالمقابل دليل على تحريم أكلها، وبعضهم ينازع في أخذ الحل والحرمة من القتل والنهي عنه طرداً وعكساً، فيقول: الأمر بالقتل لا يدل تحريم الأكل، ويستدل بمن يقول بوجوب قتل البهيمة التي يقع عليها الآدمي ((من وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه، واقتلوا البهيمة)) ويقول بجواز أكلها مع أنها تقتل، والطرد أيضاً بقول من يقول: إنه لا يجوز أكلها هذه البهيمة التي وقع عليها الآدمي، ولا يصحح الأمر بقتلها، ولا شك أن مثل هذا الكلام لا يقاوم ما استدل به أهل العلم من هذه الأحاديث، ولا شك أن النهي عن القتل يعارض جواز الأكل؛ لأن من مقتضيات الأكل القتل، والأمر بالقتل أيضاً يعارض الجواز نعم لو قيل بوجوب الأكل، بوجوب أكل هذه البهيمة التي أمر بقتلها لاتحد، لكن جواز أكل مع وجوب القتل ما يستقيم، كما أن جواز الأكل مع تحريم القتل لا يستقيم، وقد جاء النهي عن قتل البهيمة إلا لمأكلة، فلا يعمد إنسان إلى بعير أو إلى بقرة أو إلى شاة أو ما أشبه ذلك مما أجمع على أكله فيقتلها دون أن تكون للأكل، لماذا؟ لأن في هذا إضاعة للمال، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"