تعليق على تفسير سورة الأنفال من أضواء البيان (05)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 هذا يقول، وقد قرأت السؤال بصعوبة شديدة، طالب العلم عليه أن يعنى بكتابته؛ لأنه قد يكتب شيئًا ثم يعجز عن قراءته، فلا يستفاد منه، فهمته من السياق، وإلا كثير من الكلمات يفتح الله، يقول: لا يخفى عليكم أهمية الجانب الإيماني عند طالب العلم، فلهذا لا يكون هناك درس، ماذا؟ فلهذا، ... ما أدري.

طالب: ............

 لا لا فلهذا لا يكون، والصواب ألا يكون، ما قاله هو.

طالب:...

كنا طلابًا وعند الشيخ ابن غديان -رحمه الله- لما يتكلم طالب متطفل مثلي ومثلك قال: كذا، الشيخ ما فهم مراده، قلت أنا: يريد كذا، قال الشيخ: قل: لعله يريد كذا.

طالب: وصلت.

خلاص الحمد لله، فلهذا لا يكون هناك درس في الزهد والرقائق مثل رياض الصالحين وغيره، هذا المطلب لا شك أنه مُلِح وضروري بالنسبة لطالب العلم، وذكرنا من مبررات اختيار نظم ابن عبد القوي اشتمال المنظومة على مقاطع كثيرة ومؤثرة في أبواب الفقه، الأبواب الأربعة، يجد في ثناياها، تجد الأبيات المؤثرة القوية، وشرحنا من أبواب الرقائق مثل كتاب الزهد والرقائق في البخاري، كتاب الفتن وكتبًا أخرى من هذا النوع، فإهمالها لا يسوغ لا من العالم ولا من المتعلم، فأخذ العلم جافًا أحكامًا فقط ما تكفي طالب العلم ليتعلم ويعمل، فلهذا هذا الدرس الذي يشير إليه في غاية الأهمية، ونحن عازمون بإذن الله في بداية السنة القادمة أن ندخل في الجدول نونية ابن القيم، وهي غنية بمثل هذا المطلب، جدًّا حتى في الأبواب الأولى التي فيها العقائد، وتقرير الأسماء والصفات وغيرها.

 اسألوا ما الضحية؟ الله المستعان.

طالب: ............

 لا، خطرنا على النقص.

 نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى-: ومكة مأخوذة صلحًا بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن»، وهذا ثابت في صحيح مسلم.

 فالجواب أن التحقيق أن مكة فتحت عنوة، ولذلك أدلة واضحة منها: أنه لم ينقل أحد أن النبي– صلى الله عليه وسلم- صالح أهلها زمن الفتح، ولا جاءه أحد منهم فصالحه على البلد، وإنما جاءه أبو سفيان فأعطاه الأمان لمن دخل داره، أو أغلق بابه، أو دخل المسجد، أو ألقى سلاحه، ولو كانت قد فتحت صلحًا لم يقل: من دخل داره أو أغلق بابه أو دخل المسجد فهو آمن، فإن الصلح يقتضي الأمان العام، ومنها: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنه أُذن لي فيها ساعة من نهار»، وفي لفظ: «إنها لم تحلّ لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار»، وفي لفظ: «فإن أحد ترخص بقتال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقولوا: إن الله أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس»، وهذا صريح في أنها فتحت عنوة.

 ومنها: أنه ثبت في الصحيح أنه يوم مكة جعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى، وجعل الزبير على المجنبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة على الجسر، فأخذوا بطن الوادي".

جيم أم حاء؟

طالب:...

ما معناه؟

طالب:...

عندنا بالحاء، ما أدري لها معنى، معروف الميمنة، والميسرة، والقلب، والساقة، والمقدمة على الجيش.

 طالب: ............

ماذا؟

طالب: ............

على الجسر؟

والله لو يراجع معكم هذه الجوالات، تلقونها إن شاء الله.

"فأخذوا بطن الوادي ثم قال: «يا أبا هريرة، اهتف لي بالأنصار» فجاؤوا يهرولون".

يعني نادوا، يعني نادوا الأنصار.

"فجاؤوا يهرولون، فقال: «يا معشر الأنصار، هل ترون إلى أوباش قريش؟» قالوا: نعم، قال: «انظروا إذا لقيتموهم غدًا أن تحصدوهم حصدًا»، وأخفى بيده ووضع يمينه على شماله وقال: «موعدكم الصفا»، وجاءت الأنصار فأطافوا بالصفا، قال: فما أشرف يومئذٍ لهم أحد إلا أناموه".

يعني رموه حتى مات، أناموه يعني قتلوه.

"وصعد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الصفا، وجاءت الأنصار فأطافوا بالصفا، فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله، أبت".

أُبيدت.

"أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن»".

نعم، حُسَّر. مثله، مأخوذ من الحسرة مثل هؤلاء يريدون الدفاع عن أنفسهم، وليس بيدهم سلاح، فتصيبهم الحسرة نعم.

طالب: ............

ماذا؟

طالب: ............

نعم.

"وذكر أهل المغازي تفصيل ما أجمل في حديث مسلم هذا، فبينوا أنه قتل من الكفار اثنا عشر، وقيل: قتل من قريش أربعة وعشرون، ومن هذيل أربعة، وقتل يومئذٍ من المسلمين ثلاثة، وهم سلمة بن الميلاء الجهني، وكرز بن جابر المحاربي نسبة إلى محارب بن فهر، وخُنَيس بن خالد الخزاعي، أخو أم معبد، وقال كرز قبل أن يقتل في دفاعه عن خنيس: قد علمت بيضاء من بني فهر، نقية اللون نقية الصدر، لأضربن اليوم عن أبي صخر وفيه نقل الحركة في الوقف، ورِجز".

رَجز رَجز.

"ورَجز حماس بن قيس المشهور يدل على القتال يوم الفتح، وذكره الشنقيطي في مغازيه بقوله:

وزعم ابن قيس أن سيحفدا

 

نساءهم خلته وأنشدا

إن يقبلوا اليوم فمالي عله

وذو غرارين سريع السله

 

هذا سلاح كامل وأله

وشهد المأزق فيه حطما

مربب من قومه فانهزما

 

وجاء فاستغلق بابها البتول

فاستفهمته أينما كنت تقول

 

فقال والفزع زعفر دمه

إنك لو شهدت يوم الخندمه

 

إذ فر صفوان وفر عكرمه

وبو يزيد قائم كالمؤتمه

 

واستقبلتنا بالسيوف المسلمه

لهم نهيت خلفنا وهمهمه

 

يقطعن كل ساعد وجمجمه

ضربًا فلا تسمع إلا غمغمه

 

لم تنطقي باللوم أدنى كلمة

وهذا الرجز صريح في وقوع القتال والقتل يوم فتح مكة، ومصداقه في الصحيح كما تقدم".

طالب: ............

ماذا؟

طالب: ............

نعم، لكن واضح أنه فيه قتال.

طالب: ............

لا يراد حقيقته؛ لأن التعبير عن الشيء بالكثير أمر مألوف، يعني نسمع بالحروب طحن عشر سنين وصواريخ وقنابل، ومبيدات، قلنا ماتوا الناس كلهم، كم نسبة من قتل؟ ما تجيء شيئًا بالنسبة.. الحرب الحرب العراقية الإيرانية التي مكثت عشر سنين حوادث السيارات أكثر منها، فإذا قالوا مثل هذا في مواطن القتال؛ لإرهاب العدو وإخافته، والتمدح بشجاعة الأصدقاء ومن معهم من المقاتلين، مثل هذا يوجد.

"ومنها أيضًا: أن أم هانئ، بنت أبي طالب -رضي الله عنها- أجارت رجلاً، فأراد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قتله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ»، وفي لفظ عنها: "لما كان يوم فتح مكة، أجرت رجلين من أحمائي، فأدخلتهما بيتًا، وأغلقت عليهما بابًا، فجاء ابن أمي علي".

يعني أخوها الشقيق.

"فجاء ابن أمي علي، فتفلت عليهما بالسيف" فذكرت حديث الأمان، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ»، وذلك ضحى ببطن مكة بعد الفتح، وقصتها ثابتة في الصحيح".

ثابتة؟

طالب: في الصحيح.

ما تجيء ثانية.

"وقصتها ثابتة في الصحيح، فإجارتها له، وإرادة علي -رضي الله عنه- قتله، وإمضاء النبي- صلى الله عليه وسلم- إجارتها صريح في أنها فتحت عنوة.

ومنها: أنه -صلى الله عليه وسلم-، أمر بقتل مقيس بن صبابة، وابن خطل، وجاريتين. ولو كانت فتحت صلحًا، لم يؤمر بقتل أحد من أهلها، ولكان ذكر هؤلاء مستثنًى من عقد الصلح. وأمره -صلى الله عليه وسلم- بقتل من ذُكِر ثابت عنه -صلى الله عليه وسلم-. وفي السنن بإسناد صحيح: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لما كان يوم فتح مكة، قال: «أمِّنوا الناس إلا امرأتين وأربعة نفر، اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة»، إلى غير ذلك من الأدلة.

فهذه أدلة واضحة على أن مكة -حرسها الله- فتحت عنوة. وكونها فتحت عنوة: يقدح فيما ذهب إليه الشافعي من وجوب قسم الأرض المغنومة عنوة. فالذي يتفق عليه جميع الأدلة، ولا يكون بينها أي تعارض: هو ما قدّمنا من القول بالتخيير بين قسم الأرض، وإبقائها للمسلمين، مع ما قدمنا من الحجج، والعلم عند الله تعالى. وإذا عرفت أن التحقيق أن مكة فتحت عنوة، فاعلم أن العلماء اختلفوا في رباع مكة: هل يجوز تملكها، وبيعها، وإيجارها؟ على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يجوز شيء من ذلك، وبه قال أبو حنيفة، والأوزاعي، والثوري، ومجاهد، وعطاء، وطاوس، وإبراهيم، والحسن، وإسحاق. وغيرهم. وكرهه مالك -رحمه الله-. وأجاز جميع ذلك الشافعي، وأبو يوسف".

يعني من باب إباحتها لجميع القادمين والوافدين إلى مكة، وأنه لا يختص بها أحد دون أحد سواء العاكف فيه والباد، وجاء عن بعضهم أنه لا ينبغي أن يكون لبيوت مكة أبواب؛ ليسكن القادم والوافد في أي مكان شاء؛ لأنها أولاً مناخ من سبق، ومن سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به، وهذه القواعد العامة طبقوها على مكة، وإن كان يمكن حملها سواء العاكف فيه والباد على المسجد، ما يلزم أن تكون البيوت، ومن سبق إلى ما لم يسبق إليه من المشاعر أو غيرها مما هو متاح لجميع الناس لا شك أنه لا يملَك.

"وأجاز جميع ذلك الشافعي وأبو يوسف، وبه قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وجماعة من الصحابة ومن بعدهم. وتوسط الإمام أحمد، فقال: تملك، وتورث، ولا تؤجر، ولا تباع، على إحدى الروايتين، جمعًا بين الأدلة، والرواية الثانية كمذهب الشافعي. وهذه المسألة: تناظر فيها الإمام الشافعي، وإسحاق بن راهويه في مسجد الخيف".

يعني تُملَك وتورث ولا تؤجر، أصل الباب واحد، والإجارة لها حكم البيع، الباب واحد، تباع وتؤجر وتورث، وإلا لا تباع ولا تؤجر ولا تورث، وقول التوسط هذا من الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: تملك وتورث ولا تؤجر ولا تباع إلا على قاعدته في بيع ما جاء النهي عنه وشراؤه للحاجة، فهو يجيز الشراء للحاجة، ولا يجيز البيع.

طالب:...

ماذا؟

طالب: ............

 من باب الاختصاص لكن ما يسمى تمليكًا، ما يسمى ملكًا.

طالب: ............

لكن من مقتضى الملك تمام التصرف، هذا الأصل في الملك.

طالب: ............

 هذا الاختصاص، لكن مثل هذا إذا اختص به كان أولى من غيره، ولا يجوز له منع أحد من الإفادة منه، لماذا يمنعون من جعل الأبواب على بيوت مكة؟

"وهذه المسألة: تناظر فيها الإمام الشافعي، وإسحاق بن راهويه في مسجد الخيف والإمام أحمد بن حنبل حاضر، فأسكت الشافعي إسحاق بالأدلة، بعد أن قال له: ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك، فكنت آمر بفرك أذنيه، أنا أقول لك: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنت تقول: قال طاوس، والحسن، وإبراهيم، وهل لأحد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة؟ في كلام طويل. ونحن نذكر إن شاء الله أدلة الجميع، وما يقتضي الدليل رجحانه منها. فحجة الشافعي- رحمه الله- ومن وافقه بأمور".

طالب: ............

 ماذا فيها؟

الكلام على ثبوتها بالإسناد، الكلام على الثبوت بالإسناد، وهذه يتداولها الأتباع، يتداولها الأتباع من أجل نصر مذهبهم، والأتباع قد يتحمسون لإمامهم، مع أنهم لا توجد فيهم شرائط القبول، بعض الأتباع، من كبار الأتباع للمذاهب وضّاعون في فقههم وتحريرهم للمسائل وضبط فقه إمامهم صح، لكن إذا جئت للحديث فهم من هذه الحيثية، لو نظرت إلى المناظرة التي حصلت بين الجويني مع من؟ بحضرة محمود بن سبكتكين، في العلاء، لترجيح مذهب الشافعي.

طالب: ............

 والقفال نعم، مع القفال، وجدت أنها مجرد انتصار للرأي، يقول الجويني: إن أبا حنيفة يعمد إلى النبيذ الذي مرّ عليه أيام واجتمعت عليه الحشرات ويتوضأ به، ويعمد إلى جلد غير مدبوغ، ما هو بجلد كلب؟ جلد كلب، ويبقي فيه بعض أجزاء اللحم، وتجتمع عليه حشرات ومنظر قبيح جدًّا، ويصلي ركعتين بغير طمأنينة، وفي آخرها يحدث، محمود قال: هذه تصح عند أبي حنيفة؟ قال: هذه موجودة في كتبهم، لكن بهذه الصورة المجتمعة يقول بها عاقل؟ لا يقول بها عاقل، وإنما جمعت ودبلجت من أجل التنفير من مذهب أبي حنيفة، وانتقل إلى مذهب الشافعي، وانتصر للإمام أبي حنيفة صاحب دائرة معارف القرن العشرين محمد فريد وجدي، ثم قال: هذا الماء الذي تنبذون به أبا حنيفة وتقولون: نبيذ، فيه ما فيه، هذا فيه الإسبرتو المطهر.

 طالب: ............

 الكحول يطهر بها، سمعت؟ يطهر بها، فقلب القضية كلها على الجويني، فكل هذا من باب الانتصار للمتبوعين.

طالب: ............

 فيخ مناظرات قد يكون لها حقيقة، وقد لا يكون لها، من طرف واحد على لسانهم، مثل ما يفعله ابن القيم -رحمه الله- في شفاء العليل، ومثل ما فعله ابن القيم في بدائع الفوائد بين شافعي وحنبلي في نجاسة المني وطهارته، أفاض في ذلك، مناظرة طويلة جدًّا، فأحيانًا المناظرات ما هي بحقيقية، وهمية.

"الأول: حديث أسامة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سأله: أين تنزل غدًا؟ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟»، وفي بعض الروايات: «من منزل»، وفي بعضها «منزلاً»، أخرج هذا الحديث البخاري في كتاب "الحج" في باب "توريث دور مكة، وشرائها" إلخ، وفي كتاب "المغازي" في غزوة الفتح في رمضان في باب: "أين ركز النبي -صلى الله عليه وسلم- الراية يوم الفتح؟"، وفي كتاب "الجهاد" في باب: "إذا أسلم قوم في دار الحرب، ولهم مال وأرضون فهي لهم"، وأخرجه مسلم في كتاب "الحج" في باب: "النزول بمكة للحاج وتوريث دورها"، بثلاث روايات هي مثل روايات البخاري. فقوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث المتفق عليه: «وهل ترك لنا عقيل من رباع؟»، صريح في إمضائه -صلى الله عليه وسلم- بيع عقيل بن أبي طالب -رضي الله عنه- تلك الرباع. ولو كان بيعها، وتملكها لا يصح لما أقره النبي -صلى الله عليه وسلم-".

لماذا ما شاركه علي -رضي الله عنه-؟

طالب: ............

 نعم، إرث من كافر، فلا يرثه إلا ابنه الكافر، عقيل قبل أن يسلم.

"لأنه لا يقر على باطل بإجماع المسلمين.

الثاني: أن الله تبارك وتعالى أضاف للمهاجرين من مكة ديارهم، وذلك يدل على أنها ملكهم في قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ} [الحشر:8]، قال النووي في "شرح المهذب": فإن قيل: قد تكون الإضافة لليد والسكنى".

كما يضاف البيت للزوجة، وهو في الأصل للزوج، ملكه لزوجها، ويقال بيت فلانة، بيت عائشة، بيوت أمهات المؤمنين، والأصل أنها له -عليه الصلاة والسلام-، والزوجة تسكن تبعًا لزوجها نعم.

"لقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]، فالجواب: أن حقيقة الإضافة تقتضي الملك".

تقتضي ذلك، تقتضي ذلك، ولذلك لو قال.

"والإضافة تقتضي ذلك، ولذلك لو قال: هذه الدار لزيد حكم بملكها لزيد، ولو قال: أردت به السكنى واليد، لم يقبل".

لأنه خلاف الأصل، لكن لو جاء بما يستدل به على ما قال قُبِل.

"ونظير الآية الكريمة: ما احتُج به أيضًا من الإضافة في قوله: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» الحديث. وقد قدمنا أنه في صحيح مسلم.

الثالث: الأثر المشهور في سنن البيهقي وغيره: أن نافع بن الحارث، اشترى من صفوان بن أمية، دار السجن لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، بأربعمائة، وفي رواية: بأربعة آلاف، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة. وروى الزبير بن بكار والبيهقي: أن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- باع دار الندوة بمكة من معاوية بن أبي سفيان بمائة ألف، فقال له عبد الله بن الزبير: يا أبا خالد بعت مَأثرة قريش وكريمتها، فقال: هيهات، ذهبت المكارم، فلا مكرمة اليوم إلا الإسلام، فقال: اشهدوا أنها في سبيل الله تعالى، يعني الدراهم التي باعها بها. وعقده الشيخ أحمد البدوي الشنقيطي في نظمه عمود النسب".

بنظمِه عمودَ.

"في نظمِه عمودَ النسب بقوله يعني قصيًا:

واتخذ الندوة لا يخترع

 

في غيرها أمر ولا تدرع

جارية أو يعذر الغلام

 

إلا بأمره بها يرام

وباعها بعد حكيم بن حزام

 

وأنَّبُوه وتصدق الهمام

سيد ناديه بكل الثمن

 

إذ العلى بالدين لا بالدِّمَن

الرابع: أنها فتحت صلحًا، فبقيت على ملك أهلها، وقد قدمنا ضعف هذا الوجه.

الخامس: القياس؛ لأن أرض مكة أرض حية ليست موقوفة، فيجوز بيعها قياسًا على غيرها من الأرض.

واحتج من قال: بأن رباع مكة لا تملك ولا تباع بأدلة: منها قوله تعالى: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج:25]، قالوا: والمراد بالمسجد: جميع الحرم كله؛ لكثرة إطلاقه عليه في النصوص، كقوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء:1] الآية، وقوله: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [التوبة:7] الآية، وقوله: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] مع أن المنحر الأكبر من الحرم منى. ومنها قوله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} [النمل:91]، قالوا: والمحرم لا يجوز بيعه. ومنها: ما أخرجه البيهقي من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن أبيه عن عبد الله بن باباه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مكة مناخ لا تباع رباعها، ولا تؤجر بيوتها». ومنها: ما رواه أبو حنيفة، عن عبيد الله بن أبي زياد، عن أبي نجيح، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مكة حرام، وحرام بيع رباعها، وحرام أجر بيوتها»".

رباعِها.

"«وحرام بيع رباعِها وحرام أجر بيوتها»".

لو صحت هذه الأحاديث لقطعت كل نزاع، ولكنها ليست بصحيحة.

"ومنها ما روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قلت: يا رسول الله ألا نبني لك بيتًا أو بناء يظلك من الشمس؟ قال: «لا، إنما هو مناخ من سبق إليه»، أخرجه أبو داود. ومنها: ما رواه البيهقي، وابن ماجه، عن عثمان بن أبي سليمان، عن علقمة بن نضلة الكناني، قال: كانت بيوت مكة تدعى السوائب، لم تبع رباعها في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أبي بكر، ولا عمر، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن. ومنها: ما روي عن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: «منى مناخ من سبق». قال النووي في شرح المهذب في الجنائز، في "باب الدفن" في هذا الحديث، رواه أبو محمد الدارمي، وأبو داود الترمذي".

والترمذي.

"وأبو داود والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم، بأسانيد جيدة من رواية عائشة -رضي الله عنها-. قال الترمذي: هو حديث حسن. وذُكِرَ في البيوع".

ذَكَرَ يعني النووي.

"وذَكَرَ في البيوع في الكلام على بيع دور مكة، وغيرها من أرض الحرم: أن هذا الحديث صحيح. ومنها: ما رواه عبد الرزاق بن مجاهد".

عن ابن مجاهد.

"ما رواه عبد الرزاق عن ابن مجاهد عن ابن جريج".

عن أبيه، عن أبيه. عن أبيه عن عبد الله بن عمرو.

طالب: ............

عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال..

طالب:...

لا، لا يحل بيع دور مكة ولا كراؤها وقال أيضًا عن ابن جريج قال عطاء.

طالب: ............

 سطرين.

طالب: عن عبد الله بن عمرو؟

أنه قال: لا يحل بيع دور مكة ولا كراؤها.

"ومنها ما رواه عبد الرزاق عن ابن مجاهد عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أنه قال: لا يحل بيع دور مكة ولا كراؤها، وقال أيضًا عن ابن جريج".

قال كان عطاء.

"قال: كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم، وأخبرني أن عمر بن الخطاب، كان ينهى عن تبويب دور مكة".

يعني وضع الأبواب عليها.

"لأن ينزل الحاج في عرصاتها، فكان أول من بوّب داره، سهيل بن عمرو، فأرسل إليه عمر بن الخطاب في ذلك، فقال: أنظرني يا أمير المؤمنين إني كنت امرءًا تاجرًا، فأردت أن أتخذ بابين يحبسان لي ظهري، فقال: ذلك لك إذًا. وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن منصور، عن مجاهد: أن عمر بن الخطاب، قال: يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابًا، لينزل البادي حيث يشاء. انتهى. قاله ابن كثير: إلى غير ذلك من الأدلة".

طالب:...

طالب: ............

 ماذا؟ يعني لها أبواب، يعني بعد ذلك بعد أن صارت بعد ما استولي عليها، وصارت للمسلمين. طالب: ............

 ماذا؟ من الذي يقول هذا؟ الذي يقول: لا تُملَك، الذي يقول: لا تُملَك يقول: لا توضع لها أبواب؛ لأنه ليس له بها حق، والذين يقولون: تُملَك عندهم مشكلة في المسألة كلها.

طالب: ............

 ثم يورد حديث يعني يرويه إي.

طالب:...

هو استدل بهما في مورد احتجاج، أم رواية؟ الرواية يروي كل شيء.

"قال مُقَيِّده -عفا الله عنه-: أقوى الأقوال دليلاً فيما يظهر قول الشافعي ومن وافقه؛ لحديث أسامة بن زيد المتفق عليه، كما قدمنا، وللأدلة التي قدمنا غيره، ولأن جميع أهل مكة بقيت لهم ديارهم بعد الفتح يفعلون بها ما شاءوا من بيع، وإجارة، وغير ذلك. وأجاب أهل هذا القول الصحيح عن أدلة المخالفين؛ فأجابوا عن قوله: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج:25]، بأن المراد خصوص المسجد دون غيره من أرض الحرم، بدليل التصريح بنفس المسجد في قوله: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً} [الحج:25]،  الآية، وعن قوله تعالى: {هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} [النمل:91] بأن المراد: حرم صيدها، وشجرها، وخلاها، والقتال فيها، كما بينه -صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث الصحيحة، ولم يذكر في شيء منها مع كثرتها النهي عن بيع دورها، وعن حديث إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه: بأنه ضعيف، قال النووي في "شرح المهذب": هو ضعيف باتفاق المحدثين، واتفقوا على تضعيف إسماعيل، وأبيه إبراهيم. انتهى. وقال البيهقي في السنن الكبرى: إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ضعيف، وأبوه غير قوي، واختَلف عليه".

اختُلف.

"واختُلف عليه، فروي عنه هكذا، وروي عنه عن أبيه، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا ببعض معناه، وعن حديث عائشة -رضي الله عنها- بأنه محمول على الموات من الحرم. قال النووي: وهو ظاهر الحديث. وعن حديث أبي حنيفة: بأنه ضعيف من وجهين: أحدهما: تضعيف إسناده بابن أبي زياد المذكور فيه. والثاني: أن الصواب فيه عند الحفاظ أنه موقوف على عبد الله بن عمر، وقالوا: رفعه وهم، قاله: الدارقطني، وأبو عبد الرحمن السلمي، والبيهقي".  

طالب: ............

 ماذا؟ عبد الله بن عمرو، هو المقصود، ابن عمرو.

"وعن حديث عثمان بن أبي سليمان بجوابين: أحدهما: أنه منقطع، كما قاله البيهقي. الثاني: ما قال البيهقي أيضًا، وجماعة من الشافعية، وغيرهم: أن المراد في الحديث: الإخبار عن عادتهم الكريمة في إسكانهم ما استغنوا عنه من بيوتهم بالإعارة تبرعًا، وجُودًا. وقد أخبر من كان أعلم بشأن مكة منه عن جريان الإرث، والبيع فيها. وعن حديث «منى مناخ من سبق»، بأنه محمول على مواتها، ومواضع نزول الحجيج منها، قاله النووي انتهى.

واعلم أن تضعيف البيهقي لحديث إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، وحديث عثمان بن أبي سليمان، عن علقمة بن نضلة تعقَّبه عليه مُحَشِّيه صاحب "الجوهر النقي"، بما نصه: "ذكر فيه حديثًا في سنده إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر".

ابن التركماني حنفي، والبيهقي شافعي، والشافعي لا شك أنه محسوب معدود من أهل الحديث، وإن كان نفسه شافعيًّا لكنه منصف، ابن التركماني حنفي وفقيه وله يد في الحديث، ويتعصب لأبي حنيفة، وضُعِّف في حديث رواه أبو حنيفة، وضُعِّف ويتحدث في حديث ضُعِّف وهو من رواية أبي حنيفة، فهل يسكت؟

رحمهم الله.

 لكن قراءة البيهقي وهو البحر المحيط في الحديث في أحاديث الأحكام واستدراكات ابن التركماني مع الشخص الذي لديه النظر في هذه الأمور من أنفع ما ينتفع به طالب العلم، يثير عنده أشياء كانت كامنة، وأما الإمعة الذي إن قرأ لذا اقتنع، وإن قرأ لذا اقتنع، هذا يضيع، صحيح.

طالب: ............

 لا، هو متعصب، التركماني متعصب، لكن من باب الإنصاف أجاد في كثير من المواضع، أجاد.

"تعقَّبه عليه مُحَشِّيه صاحب "الجوهر النقي"، بما نصه: "ذكر فيه حديثًا في سنده إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر فضعَّف إسماعيل، وقال عن أبيه غير قوي، ثم أسنده من وجه آخر، ثم قال: رفعه وهْم، والصحيح موقوف، قلت: أخرج الحاكم في المستدرك هذا الحديث من الوجهين اللذين ذكرهما البيهقي، ثم صحح الأول، وجعل الثاني شاهدًا عليه".

الأصل شاهدًا له.

"ثم ذكر البيهقي في آخره حديثًا عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة، ثم قال: هذا منقطع.

قلت: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه بسند على شرط مسلم، وأخرجه الدارقطني وغيره، وعلقمة هذا صحابي، كذا ذكره علماء هذا الشأن، وإذا قال الصحابي مثل هذا الكلام، كان مرفوعًا على ما عرف به".

لا يصح كونه صحابيًّا، بل هو تابعي.

"وفيه تصريح عثمان بالسماع عن علقمة، فمن أين الانقطاع؟ انتهى كلام صاحب الجوهر النقي. قال مُقَيِّده عفا الله عنه: لا يخفى سقوط اعتراض ابن التركماني هذا على الحافظ البيهقي، في تضعيفه الحديثين المذكورين. أما في الأول: فلأن تصحيح الحاكم -رحمه الله- لحديث ضعيف لا يُصيِّره صحيحًا. وكم من حديث ضعيف صححه الحاكم -رحمه الله-، وتساهله -رحمه الله- في التصحيح معروف عند علماء الحديث".

نعم صحّح أحاديث كثيرة ضعيفة جدًّا وواهية، بل صحّح موضوعات وإن لم تكن كثيرة.

طالب: ............

ماذا؟

 طالب: ............

 سيجيء نعم.

"وإبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي قد يكون للمناقشة في تضعيف الحديث به وجه؛ لأن بعض العلماء بالرجال وثقه، وهو من رجال مسلم. وقال فيه ابن حجر، في "التقريب": "صدوق لين الحفظ"، أما ابنه إسماعيل فلم يختلف في أنه ضعيف، وتضعيف الحديث به ظاهر لا مطعن فيه. وقال فيه ابن حجر في "التقريب": ضعيف، فتصحيح هذا الحديث لا وجه له. وأما قوله في اعتراضه تضعيف البيهقي لحديث الثاني، فمن أين الانقطاع؟ فجوابه: أن الانقطاع من حيث إن علقمة بن نضلة تابعي صغير، وزعمَ".

زعمُ.

"وزعمُ الشيخ ابن التركماني أنه صحابي غير صحيح، وقد قال فيه ابن حجر في "التقريب": علقمة بن نضلة بفتح النون وسكون المعجمة المكي كناني. وقيل: كِندي تابعي صغير مقبول، أخطأ من عده في الصحابة، وإذن فوجه انقطاعه ظاهر، فظهر أن الصواب مع الحافظ البيهقي، والنووي وغيرهما في تضعيف الحديثين المذكورين. ولا شك أن من تورع عن بيع رباع مكة، وإيجارها خروجًا من الخلاف، أن ذلك خير له؛ لأن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه".

اللهم صل على محمد.

 طالب: ............

 ماذا؟

طالب:...

المسألة الرابعة؟ تقف على الخامسة؟  

اقرأ.

"تنبيه: أجمع جميع المسلمين على أن مواضع النسك من الحرم كموضع السعي، وموضع رمي الجمار حكمها حكم المساجد، والمسلمون كلهم سواء فيها. والظاهر أن ما يحتاج إليه الحجيج من منى، ومزدلفة كذلك، فلا يجوز لأحد أن يضيقهما بالبناء المملوك حتى تضيقا بالحجيج، ويبقى بعضهم لم يجد منزلاً؛ لأن المبيت بمزدلفة ليلة النحر، وبمنى ليالي أيام التشريق، من مناسك الحج. فلا يجوز لأحد أن يضيق محل المناسك على المسلمين، حتى لا يبقى ما يسع الحجيج كله، ويدل له حديث: «منى مناخ لمن سبق»، كما تقدّم".

مسألة البناء في المشاعر الذي يكون سببًا في تضييقها على الحجاج هذا أمر مفروغ منه، يعني كونها تبنى مساكن عادية، وبدل ما تأخذ مساحة مليون تأخذ مائة ألف، هذا ما فيه نزاع، لكن كونها تبنى عمارات شاهقة، وبدل ما تستوعب مليونًا تستوعب خمسة، هذا شيء محل نظر، ولذلك المسألة تُبحَث، وعمروا عمارات تجريبية، ست عمارات، والمسألة ما زالت محل بحث، وبعض أهل التحري قالوا: تبقى كما هي، وأهل الاجتهاد لهم اجتهادهم، والله يدلهم على الحق، الله يدلنا وإياهم على الحق.

 اللهم صل على محمد.

"