شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (256)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: كنا في الحلقة الماضية نتحدث عن آخر لفظة في حديث أم سلمة في قوله: «تربت يمينكِ، فبم يشبهها ولدها؟»، في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لها أو حتى لعائشة في اللفظ الآخر.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

تقدم بعض الكلام في هذه الجملة، ومازلنا فيها، حيث يقول الهروي: وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث خزيمة: «أنعم صباحًا تربت يداك»، يدل على أنه ليس بدعاء عليه، بل دعاء له، وترغيب في استعمال ما تقدمت الوصاة به، ألا تراه قال: «أنعم صباحًا» ثم أعقبها: بـ«تربت يداك»، والعرب تقول: لا أب لك، ولا أم لك يريدون لله درك، ومنه قول الشاعر:

هوت أمه ما يبعث الصبح غاديًا

ومـاذا يؤدي الليل حيـن يؤوب

فظاهره أهلكه الله، وباطنه لله دره.

وفي إكماله في إكمال المعلم؛ لأن الكلام السابق منقول من المعلم للمازري، وهذا إكماله للقاضي عياض؛ لأنها سلسلة، المعلم للمازري، إكماله للقاضي عياض.

المقدم: إكمال الإكمال..

إكمال الإكمال للأُبي، مكمل إكمال الإكمال للسنوسي.

وفي إكماله للقاضي عياض: اختلف في معنى تربت يداك على ما ذكره -يعني صاحب الأصل- وقال ابن نافع: معناه: ضعف عقلك، ضعف عقلك، وقال ابن حبيب عن مالك معناه: خسرت، وقيل: افتقرت يداك من العلم وقيل: افتقرت يداك من العلم أي إذا جهلت مثل هذا.

وإذا أردنا أن نربطه بالحديث قيل: افتقرت يداكِ؛ لأن المخاطب امرأة من العلم قيل: أي إذا جهلتِ مثل هذا.

ويقول الأصمعي: معناه الحض على تعلم مثل هذا كما يقال: انج، ثكلتك أمك.

وقيل: تربت يداكَ أصابها التراب ولم يرد الفقر، قال الداودي: قيل إنه بالثاء المثلثة، ثربت أي استغنت من الثَّرب وهو الشحم.

وهو لغة للقبط، ثم استعملتها العرب وأبدلت من الثاء تاءً.

وهذا ضعيف المعنى؛ ولا تساعده الرواية، يعني ما جاء ولا في نص بالثاء، لا تساعده الرواية، والمعروف بالتاء.

والأظهر أنه خطاب على عادة العرب في استعمال أمثال هذه الألفاظ عند الإنكار للشيء، أو التأنيب فيه، أو الحض عليه، أو الإعجاب به، والاستعظام له، ومعناها ملغَى.

معناها مُلغى لا يُقصد كأن أصله من اللصوق بالتراب أو من الفقر، كسائر أصول تلك الألفاظ المستعملة، وليس المراد في شيء منها أصل استعمالها. انتهى كلام القاضي.

«فبمَ يشبهها ولدها»: بمَ بموحدة مكسورة أصله فبما، أصلها ما دخل عليها الجار، فإذا دخل الجار على ما، الاستفهامية حذفت ألفها، كما في قول الله -جل وعلا-: { عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ }[النبأ 1]، ونظائره كثيرة.

أصله فبما فحذفت الألف، قال الكرماني: ومعناه أن الولد لا يشبه الأم، ومعناه أن الولد لا يشبه الأم إلا لأن ماءها يغلب ماء الرجل عند الجماع، أن الولد لا يشبه الأم إلا لأن ماءها يغلب ماء الرجل عند الجماع، ومن كان منه إنزال الماء عند المجامعة أمكن منه إنزال الماء عند الاحتلام.

فبمَ يشبه الولد، فبمَ يشبهها ولدها، إيش علاقته بالاحتلام؟ الكلام كله على الاحتلام، أتحتلم المرأة؟

المقدم: لأن الاحتلام أصلًا نزول الماء يكون بالشهوة مثلها في حال الجماع.

فإذا كان ينزل الماء في الاحتلام فهو من باب أولى في الجماع، وإذا كان الشبه سببه نزول الماء في الجماع دل على أن الماء ينزل، وإذا كان ينزل في الجماع نزل أيضًا في الاحتلام.

ومعناه أن الولد لا يشبه الأم إلا لأن ماءها يغلب ماء الرجل عند الجماع، ومن كان منه إنزال الماء عند المجامعة أمكن منه إنزال الماء عند الاحتلام.

وفي حديث أنس في الصحيح: «فمن أين يكون الشبه»، ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فأيهما علا أو سبق يكون منه الشبه.

وفيه أن حكم الرجل أيضًا ذلك، يعني لا يجب الغسل بمجرد الاحتلام، يعني لو قال رجل: إنه احتلم، نقول: يلزمك الغسل، أو نقول: إذا رأيت الماء؟

المقدم: إذا رأى الماء.

إذا رأيت الماء كالمرأة، يقول: وفيه أن حكم الرجل أيضًا ذلك، يعني لا يجب الغسل بمجرد الاحتلام، بل لابد من رؤية الماء؛ لأن حكمه -صلى الله عليه وسلم- على واحد حكمه على الجماعة، إلا إذا دل الدليل على تخصيصه.

وقال القاضي عياض في إكمال المعلم: فمن أين يكون الشِّبهةُ، بالكسر وسكون الباء وبفتح الشين، والباء: فمن أين يكون الشِّبهةُ بالكسر وسكون الباء شِبهة، وبفتح الشين والباء الشَّبه.

لعل المراد كذا قال القاضي عياض الشِبهة لكن لماذا لا يكون بلفظ الخبر: الشبه والشِبه؟ إذا قلنا: فمن أين يكون الشِّبه بالكسر وسكون الباء، وبفتح الشين والباء الشَّبه، والشِّبهة هذه التي في شرح القاضي عياض لعل أصلها الشِّبه، يعني يريد شبه الابن لأحد أبويه، كما فسره في الحديث نفسه: «سبق أحد الماءين صاحبه»، وبقوله: «فبمَ يشبهها ولدها»، ومعنى الغلبة والعلو في قوله: «فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة»، وفي الرواية الأخرى: غلب، يعني إحالة التذكير والتأنيث في الولد، والشبه بالأعمام والأخوال إلى أمرين: سبق الماء وعلوه.

سبق الماء وعلوه، لكن هل هذه الأمور مدركة يمكن التحكم فيها، يعني إذا قال: أنا أريد ما يكتب الله -جل وعلا- ذكرًا، هل يقول: أسبقها من أجل أن يكون المولود ذكرًا؟

المقدم: السبق يا شيخ للشبه وليس للتحديد.

والعلو؟

المقدم: لكن العلو.

طيب، والعلو، هل كل هذا باليد أو ليس باليد؟

المقدم: في الحالات العادية ليس باليد.

ليس باليد نعم، يقول: ومعنى الغلبة والعلو في قوله: «فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة»، وفي الرواية الأخرى: «غلب»، وهذا يرجع إلى سبق الماء والشهوة كما جاء في الحديث الآخر: «سبق»، وجاء في غير مسلم: «يسبق إلى الرحم»، أو تكون الغلبة والعلو هنا عائدًا إلى الكثرة والقوة من أحد الماءين، وقد ذهب بعضهم إلى أن السبق للإذكار والإناث، والعلو والغلبة في الكثرة للشبه للأخوال والأعمام، لكنه يرد هذا التفسير قوله في هذا الخبر: «فإذا علا مني الرجل أذكر، وإذا علا مني المرأة آنث».

في شرح الأُبي -إكمال إكمال المعلم-: يخرج من مجموع ذلك أن الأقسام أربعة:

1-إن سبق ماء الرجل وعلا أذكر، وأشبه الولد أعمامه.

2-وإن سبق ماء المرأة وعلا آنث، وأشبه الولد أخواله.

3- وإن سبق ماء الرجل وعلا ماؤها أذكر، وأشبه الولد أخواله.

4-وإن سبق ماء المرأة وعلا ماؤه آنث، وأشبه الولد أعمامه.

شف يقول: إن سبق ماء الرجل وعلا أذكر، وأشبه الولد أعمامه.

المقدم: نعم تحقق الأمران.

نعم، إن سبق ماء المرأة وعلا آنث، وأشبه الولد أخواله. يعني هذه في مقابل الصورة الأولى.

الصورة الثالثة: سبق ماء الرجل لكن علا ماء المرأة أذكر، وأشبه الولد أخواله.

وإن سبق ماء المرأة وعلا ماء الرجل آنث، وأشبه الولد أعمامه.

يقول السنوسي -في مكمل إكمال الإكمال-: للأطباء في هذا أقوال أخر، والصحيح ما في الحديث.

والصحيح ما في الحديث، في هذه المسائل شيء من الغموض بحيث يحرص الإنسان على أن يكون المولود ذكرًا وليس بيده شيء، كأن يبذل السبب الموجود في هذه الأخبار، لكن هل هذا مما يدرك، السبق هل معناه تقدم الإنزال، أو أيهما الذي يسبق إلى الرحم؟ وهذا ليس بيده، هذا ليس بيده، وكذلك العلو.

هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في خمسة مواضع.

المقدم: لكن قبل هذا إن أذنت يا شيخ، الضجة التي حصلت وهي قديمة في عهد سقراط وغيره، إنما طُرد سقراط بهذا السبب في أنه ينفي أن يكون للمرأة ماء، في العلم الحديث مع كل أسف ربما رد البعض مثل هذا الحديث، وبعض العلماء المعاصرين ممن هم في المجمع الفقهي من علماء التشريح وغيرهم يثبتون هذا الحديث، لكنهم ينظرون إليه نظرة أخرى مختلفة عما يفهمه بعض السلف -رحمهم الله- في مسألة أن هذا الماء هو المتحقق للولادة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا سبق وعلا» هذا ليس هو الماء المرئي كما يقرره بعض العلماء في المجمع الآن العلو والسبق إنما يكون للرحم، ولا يخرج، وهذا الماء الذي يخرج لا دعوى له إطلاقًا، ليس سببه لا شهوة ولا احتلام ولا مني ولا غيره، إنما هو بسبب الرعشة التي تصيب الانقباض للعضلة، فيخرج هذا الماء، هل يمكن أن ننظر للحديث وفق الرؤية العلمية المعاصرة؟ وهذا مقرر وموجود في كتبهم، وأحدهم قدم بحثًا للمجمع الفقهي المعاصر المعروف.

ولو كان، العبرة بما ثبت في النص، العبرة بما ثبتت به النصوص، إذا رأت الماء، علا ماء الرجل علا ماء المرأة ماء الرجل، سبق ماء الرجل ماء المرأة إلى آخره، فدل أن المرأة دورها مثل دور الرجل تمامًا في العملية.

ولذلك يقول السنوسي: للأطباء في هذا أقوال أخر، والصحيح ما في الحديث، لابد أن نتدين بديننا.

هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في خمسة مواضع:

 الأول: هنا في كتاب العلم، في باب الحياء في العلم، وقال مجاهد: لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر، قال- رحمه الله-: حدثنا محمد بن سلام قال: أخبرنا أبو معاوية قال: حدثنا هشام عن أبيه عن زينب ابنة أم سلمة عن أم سلمة قالت: «جاءت أم سليم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت.. » الحديث، وسبق ذكر المناسبة.

والثاني: في كتاب الغسل، باب إذا احتلمت المرأة، قال -رحمه الله-: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أم المؤمنين أنها قالت: «جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» فذكر الحديث.

والمناسبة ظاهرة، كتاب الغسل باب إذا احتلمت المرأة، المناسبة ظاهرة، قال ابن حجر: باب إذا احتلمت المرأة، إنما قيده بالمرأة، مع أن حكم الرجل كذلك؛ لموافقة صورة السؤال، وللإشارة إلى الرد على من منع منه في حق المرأة دون الرجل، كما حكاه ابن المنذر، قوله: باب إذا احتلمت المرأة إنما قيده بالمرأة، مع أن حكم الرجل كذلك؛ لموافقة صورة السؤال، وللإشارة إلى الرد على من منع منه في حق المرأة دون الرجل، كما حكاه ابن المنذر وغيره عن إبراهيم النخعي، واستبعد النووي في شرح المهذب صحته عنه، لكن رواه ابن أبي شيبة عنه بإسناد جيد.

المقدم: روى الإنكار؟

روى الإنكار، نعم، إنكار إيش؟

المقدم: احتلام المرأة.

إنكار احتلام المرأة أو رؤية الماء، المقصود أنه ثبت عن إبراهيم النخعي.

الموضع الثالث: في كتاب أحاديث الأنبياء في باب خلق آدم وذريته قال:  حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن آدم عن هشام بن عروة..

المقدم: الموضع الثالث هذا في كتاب...؟

الثالث في كتاب أحاديث الأنبياء، في باب خلق آدم وذريته قال:  حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى بن آدم عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن أم سليم قالت: « يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق» فذكره بنحوه، والمناسبة في قوله: «فبمَ يشبه الولد».

وفيه إشارة إلى خلق الإنسان، وفيه إشارة إلى خلق الإنسان، وتأثّره بما ذكر من ماء الرجل وماء المرأة؛ لأن  أحاديث الأنبياء باب خلق آدم وذريته، يعني أن الخلق خلق الذرية هو من تكون الماءين، فهذا الوجه مما يشبه المناسبة في قوله: «فبم يشبه الولد»، وفيه إشارة إلى خلق الإنسان، وتأثره بما ذكر من ماء الرجل وماء المرأة.

المقدم: لكن مادام هذا يثبت أن الخلق مكون، وهذا هو الظاهر، والنص عليه واضح، أغلب النصوص الشرعية سواء في القرآن أو في السنة تنص على الماء المهين ماء الرجل، هل يراد بـالماء أيضًا ماء المرأة إذا أطلق؟

الماء المهين المركب.

المقدم: منهما.

منهما نعم.

المقدم: وكونه يخرج من بين الصلب والترائب، صلب وترائب الرجل؟

مثل هذا يختلفون؛ منهم من يقول: صلب الرجل، وترائب المرأة.

الكلام في هذا كثير لأهل العلم، لكن هذا الذي يظهر من النصوص.

الموضع الرابع: في كتاب الأدب، في باب التبسم والضحك، في باب التبسم والضحك، قال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى عن هشام قال: أخبرني أبي عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة أن أم سليم قالت: «يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: نعم، إذا رأت الماء، فضحكت أم سلمة».

فضحكت أم سلمة، والمناسبة واضحة: باب التبسم والضحك، مناسبة التبسم والضحك لكتاب الأدب واضحة أم غير واضحة؟

المقدم: بلى؛ لأن هذا من الأدب.

لأن هذا من الأدب، مناسبة الحديث للباب: «فضحكت أم سلمة»، والباب التبسم والضحك.

التبسم: مبادئ الضحك، التبسم مبادئ الضحك، والضحك: انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور، فإن كان بصوت فإن كان بصوت وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة، وإلا فهو الضحك. وإن كان بلا صوت فهو التبسم، وتسمى الأسنان في مقدم الفم: الضواحك، وهي الثنايا والأنياب، وما يليها، وتسمى النواجذ، يعني ضحك حتى بدت نواجذه.

المقدم: عليه الصلاة والسلام.

والضحك لاشك أنه مرحلة متأخرة عن مجرد التبسم، ولذا يرى جمع من أهل العلم أن التبسم لا يبطل الصلاة بخلاف الضحك، ابن حزم يرى أن التبسم مبطل للصلاة.

المقدم: لأنه ما عنده..

لأنه مرادف للضحك، {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} [النمل:19]، فتبسم ضاحكًا، فدل على أن التبسم والضحك مترادفان، لكن هما في الاسم الأعم في الاسم الأعم الذي يدل على الانبساط يجتمعان، لكن إذا أردنا أن نفرق بين اللفظين، فلاشك أن أول المراحل أول المراحل التبسم ثم الضحك ثم القهقهة.

والقهقهة معروف أن إبطالها للصلاة محل إجماع، وأما إبطالها للوضوء فهو معروف عند الحنفية، والجمهور على أنها لا تبطل الوضوء.

المقدم: في قصة زوج إبراهيم -عليه السلام- يا شيخ ضحكت طبعًا لما بشرت، لكن في موضع سورة هود أنها ضحكت قبل البشارة: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود:71].

بقية النصوص أنها إنما ضحكت بعد البشارة.

من أهل العلم من يقول: إن ضحكت حاضت، لا شك أنه خلاف اللفظ، يعني خلاف الظاهر، وإن كان بعضهم يثبت من أسماء الحيض الضحك. بناءً على هذا التفسير لبعض أهل العلم، وعلى كل حال المقتضي للضحك أكثر من مناسبة، قد يكون أكثر من مناسبة، البشارة مقتضية للضحك، بلا شك وكونها تضحك قبل بمجيء هؤلاء الأخيار هؤلاء الملائكة لاشك أن مثل هؤلاء لا يأتون إلا بخير، فتضحك مسرورة بقدومهم؛ لأنهم لا يأتون إلا بخير، وهم ضيوف كرام، تضحك قبل البشارة وبعد البشارة ما فيه ما يمنع أبدًا.

المقدم: أكثر أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- التبسم، والصحابة عنده يضحكون، فنضحك ويتبسم- صلى الله عليه وسلم-، هل فيه ذم للضحك يا شيخ، مع أن الصحابة عرف عنهم الضحك دون قهقهة.

على كل حال إذا وجد ما يقتضيه فلا شيء فيه، إلا أن الأكمل ألا يكثر من الضحك ألا يكثر منه، نعم إذا اقتضاه وتطلبه الأمر لاشك أنه لا إشكال فيه، لكن كثرة الضحك لاشك أن لها أثرًا على القلب، وفي الآخرة يعاقب من كثر ضحكه بكثرة البكاء، لاسيما إذا كان ممن يستحق دخول النار.

والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: « لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا»، هذا هو الأصل أن يكون الإنسان ملازمًا لخشية الله تعالى مستحضرًا لعظمة الله خائفًا من الله -جل وعلا- راجيًا لما عنده، ومع ذلك يتوازن في أموره كلها، لا يطغى عليه القنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، ثم بعد ذلك يكون مقطبًا متكدرًا في سائر أحواله، ولا يأمن من مكر الله، ثم بعد ذلك يفرط فيما أوجبه الله عليه، وينتهك ما حرَّمه الله عليه، ويكون ديدنه الضحك والمرح والأشر والبطر، وما أشبه ذلك.

الموضع الخامس: في كتاب الأدب أيضًا، باب ما لا يستحيا من الحق للتفقه في الدين، علاقة الاستحياء في كتاب الأدب..

المقدم: الحياء من الأدب.

الحياء من الأدب، في كتاب الأدب أيضًا باب ما لا يستحيا من الحق للتفقه في الدين قال: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: «جاءت أم سليم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: نعم إذا رأت الماء».

الحديث فيه: إن الله لا يستحيي من الحق، والترجمة: باب ما لا يستحيا من الحق، مطابقة للتفقه في الدين، في السؤال: «فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟» فالمناسبة في غاية الظهور.

 والصحيح مخرج في صحيح مسلم، فهو متفق عليه.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا بكم في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.