تعليق على تفسير سورة البقرة (56)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

قال الإمام ابن كثير –رحمه الله تعالى-: "وحكى القرطبي عن مجاهدٍ في قوله: (فَمَنِ اضْطُرَّ) [البقرة:173] أي: أُكره على ذلك بغير اختياره.

ذكر القرطبي إذا وجد المضطر ميتةً وطعام الغير بحيث لا قطع فيه ولا أذى، فإنه لا يحل له أكل الميتة، بل يأكل طعام الغير بغير خلاف -كذا قال -ثم قال: وإذا أكله، والحالة هذه، هل يضمنه أو لا؟ فيه قولان هما روايتان عن مالك، ثم أورد من سنن ابن ماجه".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

يقول: "إذا وجد المضطر ميتةً وطعام الغير بحيث لا قطع فيه ولا أذى، فإنه لا يحل له أكل الميتة، بل يأكل طعام الغير بغير خلاف -كذا قال -ثم قال" إذا قال أهل العلم: "كذا قال" فإن عنده فيه شيء من التردد، ويُريد أن يبرأ من عهدته.

"كذا قال وإذا أكله والحالة هذه، هل يضمنه أم لا؟ فيه قولان هما روايتان عن مالك" المضطر المُحرِم إذا اضطر إلى الميتة هل يأكل من الميتة أو يأكل من الصيد وهو مُحرِم؟

طالب:........

نعم.

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

أليست نظير مسألتنا هذه، والصيد حق الله، ومال الغير أكل حق المخلوق، أيهما أولى بالاحتياط؟ الآن يقول: "فإنه لا يحل له أكل الميتة، بل يأكل طعام الغير بغير خلاف".

طالب:........

نعم، لكن أنا أقول ما هي مسألة تفقه، الآن كلام أهل العلم في المسألة، الأكثر يقولون: يأكل الميتة ولا يأكل الصيد، وأنا أعجب من هذا الاختيار للأكثر مع أنه هنا يقول: يأكل طعام الغير ولا يأكل الميتة، فما الفرق بين المسألتين؟ إذا لم نقل إن الصيد أولى بالحِل من طعام الغير فرَّع على هذا أنه إذا وجد صيدًا أو طعامًا للغير أم وجد ميتة، يقول: إذا وجد ميتة يُقدم الميتة ولا يأكل الصيد، لكن إذا وجد صيدًا هو محض حق الله أو طعامًا للغير وهو حق المخلوق، ما الذي تقتضيه القواعد الشرعية؟ أن يُقدم الصيد؛ لأنهم يقولون...حتى قالوا في الصيد: حكمه إذا صِيد حكمه حكم الميتة، فإذا كان حكمه حكم الميتة، ووجدنا طعامًا للغير فإنه يُقدم طعام الغير على الصيد، هذا مقتضى كلامهم أنه يُقدم طعام الغير كما هنا، لكن ماذا يقولون هناك؟

طالب:........

يُقدم الميتة على طعام الغير أن هذا فيه محض تردد كبير لاسيما إذا قارنا المسألتين بعضهما ببعض، وقلنا: إن الميتة حُرِّمت لذاته، والصيد حُرِّم لأمرٍ عارض وهي من الطيبات، والميتة مُحرَّمة لذاتها وهي من الخبائث، والاحتياج والاضطرار في الأمرين معًا، فإذا كان يقول هنا يُقدَّم "فإنه لا يحل له أكل الميتة، بل يأكل طعام الغير بغير خلاف، وإذا أكله والحالة هذه، هل يضمن أم لا؟ فيه قولان هما روايتان عن مالك".

يعني هل الأكل من الميتة أمره سهل في نفوس الناس؟ بعض الناس يُؤثر أن يموت ولا يأكل من ميتة، لاسيما إذا تغيرت تغيرًا كبيرًا فارق في رائحتها وفي لونها وفي...ميتة تتقزز منها النفوس ليست بهذه السهولة أن تُقدم الميتة على الصيد، الصيد مُحرَّم بلا شك والميتة مُحرَّمة بالإجماع تحل للمضطر.

والذين يقولون: بتقديم الميتة، يقولون: الميتة منصوصٌ عليها، وعلى حِلها في حال الاضطرار منصوصٌ عليها في كتاب الله وفي النص القطعي.

طالب:........

لا ما هو ناظر إلى المشقة ولا إلى كله، بعضهم يستمتع بالصيد، أمره سهل، هم عادتهم، معهم سلاح ومر الصيد وتبعوه وقتلوه، وأكل منه النبي -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:........

نعم.

طالب:........

لا هو الضرورة أعم من أن تكون في الميتة أو غيرها.

طالب:........

بعضهم يقول: أتحمل الجوع ولو وصل الحد إلى الموت، وأتحمل مخالفة أمر الله في حق الغير، وهو أضيق حق الغير من حق الله ولا آكل ميتة، مثل هذا ألا يُقال له: تأكل من الصيد أخف من أن تأكل من ميتة أو تعتدي على حق غيرك، الميتة إضافةً إلى ما فيها من التحريم فيها ضرر، والعلة في تحريمها الضرر وحبس الدم فيها.

طالب:........

صيد في الحرم أو صيد مُحرِم ما في بديل هذا حرام، وهذا حرام.

طالب:........

هذه مسألة ثانية الذي يأكل أكثر من حاجته إذا أُبيح له الأكل لدفع الضرورة، هل يأكل أكثر من حاجته أو يقتصر عليها؟

طالب:........

نعم.

طالب:........

هذا لو ناقشناها اجتهادًا، لكن لمَّا ننقل أقوال أهل العلم وهم ينصون على ما ذكرت فكيف يُوجَّه؟

طالب:........

نعم تُعتبر ميتة حكمًا وإلا فمن حيث الطِّيب وعدم الضرر هذا ما فيه إشكال، سُفك دمها وخرج وفارقت الميتة بهذا.

طالب:........

حكمًا مُحرَّمة هي بلا شك (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) [المائدة:96].

شيخنا ماذا يقول؟ ما الذي عندك؟

طالب: أكل لحم الغير....

أهون مِن صيد الحرم؟

طالب: بالنسبة للميتة يا شيخ.

هنا نص على ما ذكره المؤلف عن القرطبي.

طالب: وبالنسبة للمحرِم الصيد أهون.

الصيد أهون من الميتة وأسهل من حق الغير.

طالب: لا، الغير مقدَّم يا شيخ هي مسألة ثانية يا شيخ.

حق الغير في الحالتين أسهل هكذا؟

طالب:........

لا، عندهم هم قرروا أن يأكل من حق الغير ولا يأكل من الميتة عندك في الكتاب.

طالب:........

نعم.

طالب:........

انظر "وإذا أكله، والحالة هذه، هل يضمن أم لا؟ فيه قولان هما روايتان عن مالك" ماذا عندكم يا مالكية؟

طالب:........

نعم.

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

القرطبي إمام من أئمة المالكية.

طالب:........

لا يحل مال امرئٍ مسلم إلا بطيب نفسٍ منه، لابد أن تطيب نفسه هذا الأصل، لكن إذا اضطر إليه فله أن يدفع الهلكة عن نفسه، وإذا لم يوجد خيارات فلا مندوحة من أن يأكل، ولا يجوز لصاحب الطعام أن يمنعه، لكن إذا وجدت خيارات عندك ميتة، وخبز لشخصٍ معين أو أي طعام مثلاً، وعندك صيد، فماذا تُقدم من الثلاثة؟ ماذا يقول القرطبي؟

طالب:........

الجزء الثاني.

"ثم أورد من سنن ابن ماجه من حديث شعبة عن أبي إياس جعفر بن أبي وحشية، قال: سمعت عباد بن شرحبيل الغبري، قال: أصابتنا عامًا مخمصة، فأتيت المدينة، فأتيت حائطًا، فأخذت سنبلاً ففركته وأكلته، وجعلت منه في كسائي، فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، فقال للرجل: «ما أطعمته إذ كان جائعًا ولا ساغبًا، ولا علمته إذ كان جاهلاً» فأمره فرد إليه ثوبه، فأمر له بوسقٍ من طعام أو نصف وسق، إسنادٌ صحيحٌ قويٌ جيد، وله شواهد كثيرة: من ذلك حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الثمر المعلق، فقال: «مَنْ أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَةٍ بِفِيهِ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ» الحديث.

وقال مقاتل بن حيان في قوله: (فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [البقرة:173]: فيما أكل من اضطرار، وبلغنا -والله أعلم- أنه لا يُزاد على ثلاث لقم".

يعني: لا يأكل حتى يشبع، إنما يأكل ما يدفع الضرورة، والخلاف معروف أنه إذا رُخِّص له صار أوله حلالًا كان آخره كذلك.

طالب:........

أيهم، جعفر بن أبي وحشية؟

طالب:........

نعم.

طالب: أبي بشر أم أبي إياس؟

طالب: أبي إياس.

طالب:........

ممكن خلونا نكمل ونرى الذي عند القرطبي.

"وقال سعيد بن جبير: غفورٌ لما أكل من الحرام، رحيمٌ إذ أحل له الحرام في الاضطرار، وقال وكيع: أخبرنا الأعمش عن أبي الضحى، عن مسروقٍ، قال: من اضطر فلم يأكل ولم يشرب ثم مات، دخل النار".

لأنه تسبب في قتل نفسه.

"وهذا يقتضي أن أكل الميتة للمضطر عزيمةٌ لا رخصة".

ويتفرع على هذه المسألة وهي مسألة الاضطرار إلى العمليات الطبية، إذا قال الأطباء: إذا ما عملت مُت، ما فيه خيار، هل يلزمه أن تُجرى له العملية، أو يقول: الطب الأصل في حكمه خلاف هل هو واجب أو لا؟

طالب: التداوي.

التداوي نعم التطبيب، فليرجع إلى الأصل أو يُقال: هذا إنقاذ من هلكة يختلف عن أصل الطب الذي فيه الاحتمال إما أن يكون راجحًا أو مرجوحًا على كلام أهل العلم، فهذا المضطر إذا لم يأكل ومات يأثم ولا ما يأثم؟ كلام المؤلف الأثر عن مسروق قال: "قال: من اضطر فلم يأكل ولم يشرب ثم مات، دخل النار، وهذا يقتضي" عندك ولا ما عندك؟.

"وهذا يقتضي أن أكل الميتة للمضطر عزيمةٌ لا رخصة.

قال أبو الحسن الطبري المعروف بالكيا الهراسي رفيق الغزالي في الاشتغال: وهذا هو الصحيح عندنا"

يعني عندهم عند الشافعية؛ لأن الكيا الهراسي الطبري والغزالي كلاهما من الشافعية.

"كالإفطار للمريض ونحو ذلك".

في رمضان.

طالب:........

نعم.

طالب:........

إذا وجد لحم إنسان عند القرطبي مذكور، أعطي الشيخ التفسير.

طالب:........

إذا وجد إنسانًا حيًّا يمكن هذا محل إجماع، وحصل أيام الجوع والمسغبة يأكلوه، نسأل الله العافية.

وجدت شيئًا؟

 

"المسألة الثانية والعشرون: الاضطرار لا يخلو أن يكون بإكراهٍ من ظالم أو بجوعٍ في مخمصة، والذي عليه الجمهور من الفقهاء والعلماء في معنى الآية هو من صيره العُدم والغرث وهو الجوع إلى ذلك، وهو الصحيح، وقيل: معناه أُكره وغُلب على أكل هذه المحرمات، قال مجاهد: يعني أكره عليه كالرجل يأخذه العدو فيكرهونه على أكل لحم الخنزير وغيره من معصية الله تعالى، إلا أن الإكراه يبيح ذلك إلى آخر الإكراه".

إذا أُلجئ الإنسان وأُكره يختلف عما لو اضطر بسبب الجوع ووجد الميتة، هذا فيه نوع اختيار، وأما الأول فليس فيه نوع اختيار.

"وأما المخمصة فلا يخلو أن تكون دائمةً أو لا، فإن كانت دائمة فلا خلاف في جواز الشِّبع من الميتة".

لأنه لا يرجو طعامًا مباحًا إذا كانت دائمة.

"إلا أنه لا يحل له أكلها وهو يجد مال مسلمٍ لا يخاف فيه قطعًا، كالثمر المعلق وحريسة الجبل، ونحو ذلك مما لا قطع فيه ولا أذى، وهذا مما لا اختلاف فيه" يجعل هذا ما فيه قطع مال مسلم فيه قطع نِصاب وفي حرزه، الثمر المعلق يشترطون فيه ألا يكون البستان محوطًا، فإن كان محوطًا دل على أن صاحبه أحرزه بحائط أو وضع عليه عاملاً ليحرسه.

طالب:........

نعم.

طالب:........

الذي يخرج خارج السور ما عليه شيء.

"لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بينما نحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر إذ رأينا إبلاً مصرورةً بعضاة الشجر، فثُبنا إليها، فنادانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجعنا إليه فقال: «إن هذه الإبل لأهل بيتٍ من المسلمين هو قوتهم ويُمنهم بعد الله أيسركم لو رجعتم إلى مزاودكم فوجدتم ما فيها قد ذُهب به أترون ذلك عدلاً؟» قالوا: لا، فقال: «إن هذه كذلك» قلنا: أفرأيت إن احتجنا إلى الطعام والشراب؟ فقال: «كل ولا تحمل، واشرب ولا تحمل» خرَّجه ابن ماجه -رحمه الله- وقال: هذا الأصل عندي، وذكره ابن المنذر قال: قلنا يا رسول الله، ما يحل لأحدنا من مال أخيه إذا اضطر إليه؟ قال: «يأكل ولا يحمل، ويشرب ولا يحمل» قال ابن المنذر: وكل مُختلفٍ فيه بعد ذلك فمردودٌ إلى تحريم الله الأموال".

يعني الأصل في هذا الباب التحريم؛ لأنه حق مصون «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا»، فالمقصود أن الأصل التحريم، فإذا وجد النص مثل ما جاء في الثمر المعلق حريسة الجبل هذا يُستثنى، وأما ما عداه فيبقى على الأصل.

"قال أبو عمر: وجملة القول في ذلك أن المسلم إذا تعين عليه رد رمق مهجة المسلم، وتوجه الفرض في ذلك بألا يكون هناك غيره قضي عليه بترميق تلك المهجة الآدمية، وكان للممنوع منه ما له من ذلك محاربة من منعه ومقاتلته، وإن أتى ذلك على نفسه، وذلك عند أهل العلم إذا لم يكن هناك إلا واحدٌ لا غير، فحينئذ يتعين عليه الفرض، فإن كانوا كثيرًا أو جماعةً وعددًا كان ذلك عليهم فرضًا على الكفاية، والماء في ذلك وغيره مما يرد نفس المسلم ويمسكها سواء.

إلا أنهم اختلفوا في وجوب قيمة ذلك الشيء على الذي رُدت به مهجته ورُمِق به نفسه، فأوجبها موجبون، وأباها آخرون".

الأصل أن كل مالٍ له ثمن إن كان مثليًّا يأتي بمثله، وإن كان غير مثلي يأتي بقيمته، إلا إذا عفا عنه صاحبه، نعم القول الثاني. 

"وفي مذهبنا القولان جميعًا، ولا خلاف بين أهل العلم متأخريهم ومتقدميهم في وجوب رد مهجة المسلم عند خوف الذهاب والتلف بالشيء اليسير الذي لا مضرة فيه على صاحبه وفيه البُلغة.

الثالثة والعشرون: خرَّج ابن ماجه أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: أنبأنا شبابة".

أنبأنا أم أنا؟

طالب: أنبأنا.

طيب.

"خرَّج ابن ماجه أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: أنبأنا شبابة، حاءٌ وحدَّثنا محمد بن بشار، ومحمد بن الوليد، قالا: حدَّثنا محمد بن جعفر، قال: حدَّثنا شعبة عن أبي بشر جعفر بن إياس، قال: سمعت عباد بن شرحبيل -رجلاً من بني غُبر- قال: أصابنا عامٌ مخمصة، فأتيت المدينة، فأتيت حائطًا من حيطانها فأخذت سنبلاً ففركته وأكلته وجعلته في كسائي، فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، فقال للرجل: «ما أطعمته إذ كان جائعًا أو ساغبًا، ولا علمته إذ كان جاهلاً» فأمره النبي- صلى الله عليه وسلم- فرد إليه ثوبه، وأمر له بوسقٍ من طعام أو نصف وسق.

قلت: هذا حديثٌ صحيح اتفق على رجاله البخاري ومسلم، إلا ابن أبي شيبة فإنه لمسلمٍ وحده، وعباد بن شرحبيل الغبري اليشكري لم يخرّج له البخاري ومسلمٌ شيئًا، وليس له عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير هذه القصة فيما ذكر أبو عمرٍ -رحمه الله- وهو ينفي القطع والأدب في المخمصة.

وقد روى أبو داود عن الحسن، عن سمرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن له فليحتلب وليشرب، وإن لم يكن فيها فليصوت ثلاثًا فإن أجاب فليستأذنه فإن أذن له وإلا فليحتلب وليشرب ولا يحمل»

وذكر الترمذي عن يحيى بن سليم، عن عبيد الله، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من دخل حائطًا فليأكل ولا يتخذ خبنة» قال: هذا حديثٌ غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سُليم".

لأن قوله: «من دخل» يقتضي أن لها بابًا يُغلق، والحائط المحوط بسور، وهذا يختلف عما لا حائط عليه؛ لأنه إذا سوِّر صار له باب صار مُحرزًا.

"وذكر من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن الثمر المعلق، فقال: «من أصاب منه من ذي حاجةٍ غير متخذٍ خبنةً فلا شيء عليه» قال فيه: حديثٌ حسن.

وفي حديث عمر -رضي الله عنه-: إذا مر أحدكم بحائط فليأكل ولا يتخذ ثبانا".

يعني: لا يحمل معه شيئًا.

"قال أبو عبيد: قال أبو عمر: وهو الوعاء الذي يُحمل فيه الشيء، فإن حملته بين يديك فهو ثبان، يُقال: قد تثبنت ثبانًا".

في مقامات الحريري يقول: خبايا الخُبن وخفايا الثُّبن.

"فإن حملته على ظهرك فهو الحال، يُقال منه: قد تحولت كسائي إذا جعلت فيه شيئًا ثم حملته على ظهرك، فإن جعلته في حضنك فهو خبنة.

ومنه حديث عمرو بن شعيب المرفوع: ولا يتخذ خُبنة. يُقال منه: خبنت أخبن خبنًا، قال أبو عبيد: وإنما يوجه هذا الحديث أنه رُخِّص فيه للجائع المضطر الذي لا شيء معه يشتري به ألا يحمل إلا ما كان في بطنه قدر قوته.

قلت: لأن الأصل المتفق عليه تحريم مال الغير إلا بطيب نفسٍ منه، فإن كانت هناك عادةٌ بعمل ذلك كما كان في أول الإسلام، أو كما هو الآن في بعض البلدان، فذلك جائز، ويُحمل ذلك على أوقات المجاعة والضرورة، كما تقدم، والله أعلم.

وإن كان الثاني وهو النادر في وقتٍ من الأوقات، فاختلف العلماء فيها على قولين: أحدهما: أنه يأكل حتى يشبع ويتضلع، ويتزود إذا خشي الضرورة فيما بين يديه من مفازةٍ وفقر، وإذا وجد عنها غنىً طرحها، قال معناه مالكٌ في موطئه، وبه قال الشافعي وكثيرٌ من العلماء، والحُجة في ذلك أن الضرورة ترفع التحريم فيعود مباحًا، ومقدار الضرورة إنما هو في حالة عدم القوت إلى حالة وجوده، وحديث العنبر نصٌّ في ذلك، فإن أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- لما رجعوا من سفرهم، وقد ذهب عنهم الزاد، انطلقوا إلى ساحل البحر فرُفع لهم على ساحله كهيئة الكثيب الضخم، فلما أتوه فإذا هي دابةٌ تدعى العنبر، فقال أبو عبيدة أميرهم: ميتة، ثم قال: لا، بل نحن رسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي سبيل الله، وقد اضطررتم فكلوا، قال: فأقمنا عليها شهرًا ونحن ثلاثمائة حتى سمنا، الحديث".

لكن هذا العنبر أليس من طعام البحر؟ من طعام البحر، فكيف يقولون ميتة؟!

طالب:........

نعم.

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

ماذا ظنوا؟

طالب:........

تعرفون مذهب أبي حنيفة أن ما لفظه البحر فهو ميتة، وما مات في جوفه فهو ميتة البحر، يُحرمون الطافي يجعلونه ميتة، إن كان على هذا الاختيار، فهو ميتة على كلام أبي حنيفة ومن يقول بقوله، وإلا فالأصل الحِل ميتته، ومفرد مضاف يعم. 

"فأكلوا وشبعوا -رضوان الله عليهم- مما اعتقدوا أنه ميتة، وتزودوا منها إلى المدينة، وذكروا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرهم -صلى الله عليه وسلم- أنه حلال وقال: «هل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟» فأرسلوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه فأكله، وقالت طائفة: يأكل بقدر سد الرمق، وبه قال ابن الماجشون، وابن حبيب، وفرَّق أصحاب الشافعي بين حالة المقيم والمسافر فقالوا: المقيم يأكل بقدر ما يسد رمقه، والمسافر يتضلع ويتزود: فإذا وجد غنىً عنها طرحها، وإن وجد مضطرًا أعطاه إياها ولا يأخذ منه عوضًا، فإن الميتة لا يجوز بيعها".

على كل حال العنبر حلال، وميتة بحر، ولا إشكال فيها، والنبي –عليه الصلاة والسلام- ليس بمضطرٍ لها وأكل منها، فلا إشكال في حِلها.

المسألة الثانية التي بعدها.

طالب: من اضطر إلى خمر.

من اضطر؟

طالب: إلى خمر.

إلى خمر.

طالب: فإن كان بإكراه شرب بلا خلاف، وإن كان بجوعٍ أو عطش فلا يشرب.

لإساغة الغصة فقط، وأما العطش فلا يدفعه بالخمر؛ لأنه يزيده عطشًا.

"الخامسة والعشرون: يشرب المضطر الدم ولا يشرب الخمر، ويأكل الميتة ولا يقرب ضوال الإبل -قاله ابن وهب- ويشرب البول، ولا يشرب الخمر؛ لأن الخمر يلزم فيها الحد فهي أغلظ، نص عليه أصحاب الشافعي".

ولا تدفع العطش، ما تفيد.

"السادسة والعشرون: فإن غصَّ بلقمةٍ فهل يُسيغها بخمرٍ أو لا؟ فقيل: لا، مخافة أن يدعي ذلك، وأجاز ذلك ابن حبيب؛ لأنها حالة ضرورة".

حال ضرورة وإساغتها للغصة متصوَّرة بل واقعة.

هذه المسألة مسألة في غاية الأهمية، وإن كنا في وقتنا وفي بلدنا قد لا نُحس بها، فقد يُحسها ويعيشها كثيرٍ من المسلمين في كثيرٍ من الأقطار، والمفسِّر –رحمة الله عليه- القرطبي ذكر فروعًا كثيرة تتفرع عن هذه المسألة، وتفتح وتفتق الذهن لِما وراءها وما يمكن أن يُقاس عليها فجمعُه في غاية الجودة والاستقراء للمسائل، ويُفرِّع على المسألة الآية الواحدة الثلاثين مسألة، والأربعين مسألة إلى أن وصل الستين مسألة وأقل وأكثر، فهذا الكتاب من أنفع كتب التفسير لاسيما المتعلق بالأحكام، طالب العلم إذا اعتنى به عليه أن يُكمل ما فيه، المذهب الحنبلي إشارة الممثل إليه قليلة أقل المذاهب.

 فبإمكان طالب العلم أن يرجع إلى كتب المذهب ويُعلق رأي الحنابلة ودليلهم، وإذا كان في نسبته للشافعية خلاف المشهور عنهم يذكر الصحيح عندهم والمشهور عندهم؛ لأن عنايته بمذهب المالكية تامة؛ لأنه مالكي، وإذا نسب إلى الحنفية قولاً مهجورًا أو غير معروف عندهم يُبينه من كتبهم وما ينتهي من الكتاب ويحتاج، أنا أعرف أنه يحتاج إلى وقتٍ طويل، طويلٍ جدًّا، وأنا شرعت في تخريج أحاديثه قبل عشرين سنة، فانقطعت دونه؛ لأن فيه أكثر من خمسة عشر ألف حديث، والمؤلف ليس من أهل الصناعة، فتجده يعزو حديثًا في البخاري إلى ابن ماجه، وأما تقديمه مسلمًا وكثرة العزو إليه على ما في البخاري، فهذا على طريقة المغاربة عندهم العناية بمسلم أكثر من البخاري، فالعناية بهذا الكتاب وإذا كان بعد هناك نفسًا أطول يعتني بـ (فتح الباري) معه يوثِّق نصوصه ويُصحح ما فيه من عزو للمذاهب الأخرى طالب العلم بحاجة إلى هذا، والوقت قد يتعذر بعض الناس بأنه لا يُسعف، لكن الوقت إذا حُفظ مُبارك، والله المستعان.

كم يحتاج يا شيخ على هذه الطريقة التفسير هذا؟

طالب: القرطبي؟

نعم.

كم يحتاج من سنة؟ هو قراءته قراءة عادية يحتاج إلى سنتين مثل (فتح الباري)، وإن كان (فتح الباري) أشق لكن...

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

يعني يحتاج إلى ثلاث ساعات.

طالب: يوميًا.

نعم، وإن كان يحتاج إذا أردنا أن نوثِّق ونُصحح ونعدل.

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

والله ما تقل عن ثلاثين، لكن على حسب الهمَّة، وحسب الوقت المصروف له. فرق بين شخص مشغول بدوام، ومشغول بأُسر، ومشغول بطلب رزق، ومشغول إن كان له ارتباطات علمية أو شيء هذا يمكن لا يُسعفه الوقت، لكن أنا أتكلم في مثل وضعكم أنتم، أنتم الغالب أفرغ منا بكثير لمَّا كنت مثلكم بعد التخرج في الجامعة بقليل صار عندنا وفرة وقت، وقرأنا الذي فيه –إن شاء الله- ينفع، لكن الآن ما تقدر تفتح أي كتاب ما فيه فرصة.

وأبو عبد الله قرأ قرأ مجلدات كثيرة –ما شاء الله- وشروحًا وتفاسير، هي المسألة همَّة وترتيب وقت وتنظيم، أما الذي يخطط ويقول: إن شاء الله إذا جاء الشهر الفلاني أو إذا جاء رأس الأسبوع أو إذا جاء....ما هو فاعل شيئًا، الذي ما يبدأ فورًا من وقته ما هو فاعل شيئًا.

وهناك كتب تصير محاور يدور حولها طالب العلم، وينتفع بها كثيرًا إذا وثَّقها وأتقنها وضبطها.

طالب:.......

فيه، لكن فيه رسائل علمية عندنا في قسم القرآن –الظاهر- في جامعة الإمام (أحكام القرآن عند الحنابلة) استنبطوها من المغني ومن غيره (أحكام القرآن عند الحنابلة).

طالب: في التفسير.

التفسير.

طالب:.......

أنهم أقل الناس في هذا، وقرأت في المدخل لابن بدران لهم كتاب في أحكام القرآن، لكن ما له وجود.

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

كم مجلدًا؟

طالب: أربعة أو خمسة.

الله ينفع بالأسباب، لكن طالب العلم يعتمد على نفسه، إذ دار في فلك هذا الكتاب، ووثق ذكر أقوال الحنابلة منسوبة إليهم من كتبهم على طرة هذا الكتاب، وصحح ما في المذهبين الحنفي والشافعي إذا وُجِد نقل يخالف، وكثير ترى النقل عنده يخالف المعتمد في المذهب؛ لأنه ليس من أهل الخبرة في هذا الباب، هو يعرف مذهبه المالكي، وقُل مثل ذلك في المذاهب الأخرى؛ لأن هذا يصير أمامك خط مستقيم واضح المعالم، وتعرف ما تريد فعله، ليس تخبطًا ما تدري، ماذا تكتب.

مثل ما قلنا في (المسوى شرح الموطأ) لولي الله الدهلوي، الموطأ في الأصل لمالك، والرواية رواية محمد بن الحسن، والشارح الدهلوي الحنفي يذكر -إضافةً إلى مذهب مالك الأصلي- يذكر مذهب الشافعية والمالكية، وماذا بقي؟ ما ذكر الحنابلة ولا في موضع، أعطينا فيه درسًا قبل عشرين سنة أو أكثر، وصرنا نُسدد الخلل في بعض إذا نشطنا، ثم استطلناه تركناه، وأشرت به على صاحب دراسة عُليا وحقق قسم العبادات كلها، كل العبادة نصف الكتاب هو مجلدان، حقق المجلد الأول، وأضاف إليه المذهب الحنبلي بأدلته، ودرس المسائل، فجاء عملًا عظيمًا جدًّا.

فمثل هذه المشاريع التي هي مجرد تكملة أسهل من أن تبدأ تتخبط ما تدري ماذا تفعل، وماذا تنقل، وماذا تترك، هذا طريق مسلوك امشوا مع الناس على هذا الأسفلت ما أنت بِضائع إن شاء الله.

بقي شيء؟

طالب: في القرطبي؟

نعم.

طالب:.......

طُبع طبعات كثيرة جدًّا الآن، وطبعات ادُعي تحقيقها، لكن أنا مازلت مُصرًّا على دار الكتب المصرية؛ لأنه ميزة دار الكتب المصرية الإحالات، أي موضع يتكلم فيه القرطبي يقول: تقدم أو تأخر، وما أكثر ما يقول هذا، تجد في أسفل الصفحة جزء كذا، صفحة كذا، هذا هو المطبوع الطبعة الأولى منذ سبعين سنة أو أكثر ثمانين، وطُبع بعدها مرارًا إلى آخر شيء سنة ثمان وسبعين.

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

ما أعرفه، أنا عندي طبعات جديدة كثيرة، لكن لا أرجع إليها.

طالب:.......

نعم، أنا عندي من عشرين سنة وأحضرناها في الدروس، لكن أنا بالنسبة لي لا أعدل بالأولى شيئًا، وإن كانت طبعات دار الكتب المصرية تختلف الأولى الأول والثاني ما فيه الآيات أصلاً على طريقة المؤلف تفسير بدون آيات، ثم بعد ذلك من الثالث إلى الآخر فيه آيات، وكثيرٌ منها ما فيها إحالات، ومقابلة على نسخ اثنتين ثلاث، لكن الطبعة الأخيرة التي بدأت سنة ألف وثلاثمائة واثنين وسبعين إلى الجزء العشرين مقابلة على أكثر من عشر نسخ أربعة عشر نسخة...خمسة عشر نسخة، وفيها الإحالات بدقة، وفيها تعليقات من القائمين على دار الكتب المصرية، هو معتنىً به. 

"قال ابن العربي: وأما الغاص بلقمة فإنه يجوز له فيما بينه وبين الله تعالى، وأما فيما بيننا فإن شاهدناه فلا تخفى علينا بقرائن الحال صورة الغُصة من غيرها، فيُصدق إذا ظهر ذلك، وإن لم يظهر حددناه ظاهرًا، وسلم من العقوبة عند الله تعالى باطنًا، ثم إذا وجد المضطر ميتة، وخنزيرًا، ولحم ابن آدم، أكل الميتة؛ لأنها حلالٌ في حال، والخنزير وابن آدم لا يحل بحال، والتحريم المخفف أولى أن يُقتحم من التحريم المُثقَّل، كما لو أُكره أن يطأ أخته أو أجنبية، وطئ الأجنبية؛ لأنها تحل له بحال، وهذا هو الضابط لهذه الأحكام، ولا يأكل ابن آدم ولو مات، قاله علماؤنا، وبه قال أحمد وداود. احتج أحمد بقوله -عليه السلام-: «كسر عظم الميت ككسره حيًا» وقال الشافعي: يأكل لحم ابن آدم، ولا يجوز له أن يقتل ذميًّا؛ لأنه محترم الدم، ولا مسلمًا ولا أسيرًا؛ لأنه مال الغير، فإن كان حربيًّا أو زانيًّا محصنًا جاز قتله والأكل منه، وشنَّع داود على المُزني بأن قال: قد أبحت أكل لحوم الأنبياء، فغلب عليه ابن شريح بأن قال: فأنت قد تعرضت لقتل الأنبياء إذ منعتهم من أكل الكافر".

تبشيع للكلام لكلام الخصم يقول: "أبحت أكل لحوم الأنبياء" فرد عليه قال: أنت أجزت قتل الأنبياء، لماذا؟

طالب:.......

منع من قتل الذمي، يعني هل من التلازم بين منع قتل الذمي من اللازم إذا مُنع من قتل الذمي أن يقتل نبيًّا؟! لو قال: أبحت قتل المعصوم أو قتل...لكن من أجل تبشيع كلام الخصم.

"قال ابن العربي: الصحيح عندي ألا يأكل الآدمي إلا إذا تحقق أن ذلك يُنجيه ويُحييه، والله أعلم.

السابعة والعشرون: سُئل مالك عن المضطر إلى أكل الميتة وهو يجد مال الغير تمرًا أو زرعًا أو غنمًا، فقال: إن أمن الضرر على بدنه بحيث لا يعد سارقًا ويصدق في قوله، أكل من أي ذلك وجد ما يرد جوعه ولا يحمل منه شيئًا، وذلك أحب إلي من أن يأكل الميتة، وقد تقدم هذا المعنى مستوفى".

تقدم في أي جزء؟

طالب: في أول الكلام.

بنفس الموضع؟

طالب: نعم الذي قرأناه قبل.

أنا ظننته تكلم عليه في موضعٍ سابق.

طالب: لا، المسألة التي قبله.

خلاص.

طالب: المسألة الخامسة والعشرون.

طيب.

اللهم صلِّ على محمد.