كتاب الجنائز من المحرر في الحديث - 02

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي- يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

باب غسل الميت

 عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بينما رجل واقف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرفة إذا وقع من راحلته فأقصعته أو فأقعصته فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإن الله -عز وجل- يبعثه يوم القيامة ملبيًا»، وفي لفظ: «وهو يلبي»، وفي لفظ: «ولا تمسوه طيبًا، فإن الله- عز وجل- يبعثه يوم القيامة ملبيًا»، متفق عليه، واللفظ للبخاري.

 وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تقول: لما أرادوا غسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ثيابه كما نجرد موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله -عز وجل- عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن غسلوا النبي- صلى الله عليه وسلم- وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه، رواه الإمام أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، ورواته ثقات، وفيهم ابن إسحاق، وهو الإمام الصدوق.

 وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: دخل علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن نغسل ابنته فقال: «اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخر كافورًا أو شيئًا من كافور، فإذا فرغتن فآذنني»، فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه فقال: «أشعرنها إياه». وفي لفظ: «أبدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها»، متفق عليه، وعند البخاري: فضفرنا شعرها ثلاثة قرون فألقيناها خلفها، وعنده «ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثر من ذلك».

 وعن أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- أن فاطمة -رضي الله عنها- أوصت أن يغسلها زوجها، أوصت أن يغسلها زوجها علي.."

زوجُها.

"أن يغسلها زوجُها علي وأسماء، فغسلاها، رواه الدارقطني.

 باب في الكفن

 وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة، متفق عليه.

 وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن عبد الله بن أبي لما توفي جاء ابنه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه، واستغفر له، فأعطاه قميصه، متفق عليه أيضًا.

 وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه.

 وعن جابر -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه»، رواه مسلم."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الباب الثاني من أبواب كتاب الجنائز: "باب غسل الميت" غسل الميت وتغسيله فرض كفاية كتكفينه، والصلاة عليه وحمله ودفنه كل هذه من فروض الكفايات، كلها فروض كفايات، إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإن احتيج إلى أجرة للتغسيل والتكفين والحمل والدفن وما أشبه ذلك كبقية مؤونة التجهيز فإنها تكون من تركة الميت، مقدمة على غيرها، قبل الديون؛ لأن الحقوق المتعلقة بالتركة كما هو معلوم خمسة:

أولها مؤونة التجهيز، تجهيز الميت، تكفينه وتحنيطه وحمله وتغسيله، دفنه، حفر القبر إذا لم يوجد إلا بأجرة، كل هذه من رأس مال التركة مقدمة على غيرها، فهي الحق الأول من الحقوق المتعلقة بالتركة. والحق الثاني: ما يتعلق بالتركة من حيث الرهن كالدين الذي فيه رهن، هذا مقدم أيضًا على الديون المطلقة، ثم بعد ذلك الديون، ثم الوصايا، ثم الإرث.

 يقول: -رحمه الله تعالى-: "باب غسل الميت عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بينما رجل واقف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرفة" في حجة الوداع واقف على دابته يدعو بعرفة، "إذ وقع من راحلته" سقط، سقط من راحلته بسبب تعب أو نعاس أو ما أشبه ذلك، أو أن الدابة تحركت فسقط منها، "فأقصعته -أو قال: فأقعصته-" يعني أنها تسببت في قتله إما برفسه أو وطئه أو ما أشبه ذلك، فمات في الحال، فمات في الحال أو قال: فأقعصته، أقصعته وأقعصته يعني بالتقديم والتأخير يجوز ذلك في حروف يسيرة مثل جذب وجبذ، ولها نظائر في اللغة، لكنها يسيرة، التقديم والتأخير في الحروف موجود في اللغة، والمعنى واحد.

 وأو هنا للشك، يعني هل قال ابن عباس: أقعصته، أو أقصعته؟ تردد الراوي فنقله على الشك أو قال: فأقعصته.

 مادام المعنى واحدًا لماذا لا يكتفي الراوي بأحد اللفظين؟ هذا من تمام دقتهم في نقل المروي، الرواة يتحرون في النقل، فيذكرون ما يحتمل أنه قاله من رواه الخبر ولو لم يكن هناك أثر من حيث المعنى، لاسيما إذا شك أو تردد في لفظة فإنه يسوق اللفظين على سبيل التردد.

 فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اغسلوه بماء وسدر»، اغسلوه هذا الدليل على وجوب تغسيل الميت، ولكن هل الأمر متجه للجميع؟ هل يتصور أن يتجه الأمر إلى جميع من يمكن أن يوجه إليه الخطاب، أو يوجه إلى من تقوم به الكفاية؟ ما يتصور أن الناس كلهم من يسمع هذا الخبر أن يتجهوا إلى غسله، ولا إلى حمله، ولا إلى المشاركة في دفنه، إنما يقوم به من يكفي، فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وعلى الإنسان أن يشارك بقدر استطاعته، يشارك في التغسيل إن كان ممن يعرف ذلك، يشارك في الحمل، يشارك في الصلاة، يشارك في التشييع، في الدفن.

 وهذه أجور عظيمة يفرط فيها كثير من الناس، والحرمان ظاهر على كثير من الناس، كما أن الحرص موجود -ولله الحمد-، تجد بعض الناس بيته بعيد جدًّا عن المساجد التي يصلى فيها على الجنائز، وتجده يعمد إلى هذه المساجد ويصلي فيها، وشخص ممن يسكن الرياض يذهب إلى استراحته التي تبعد مائة كيلو عن الرياض، فإذا جاءته الرسالة بأن في مسجد الراجحي أو غيره عشر جنائز، أكثر، أقل، حرك السيارة ومشى مائة كيلو.

وهنا في هذا المسجد الذي الصلاة فيه بمائة ألف صلاة، شخص في مقتبل عمره يقوم ليصلوا الجنازة وهو جالس، وكلمته: لماذا لا تصلي على الجنازة؟ من صلى على جنازة مسلم فله فيها قيراط مثل الجبل العظيم، على ما سيأتي، قال: أنا صليت أمس على واحد، صليت أمس على واحد، يعني الحرمان، سبحان الله العظيم، كيف تطيق نفسه أن يجلس في هذا المكان المشرف أقدس البقاع، ومضاعفات كثيرة، وفي أي مكان من بقاع الأرض له قيراط مثل الجبل العظيم يقول: صليت أمس على جنازة، سبحان الله!

وشاب صغير، يعني في أوائل التكليف، خمسة عشر، ستة عشر، صنع مثله، لكن التعليل غير تعليله، يعني هذا توه باديء بطلب العلم قال: لئلا يُظن وجوبها، وهذا أيضًا لون من ألوان تلبيس إبليس على الناس، هذا من تلبيس إبليس على الناس يعني أنت شاب في مقتبل العمر بحاجة وغيرك بحاجة إلى كسب الحسنات تقول مثل هذا الكلام؟! يعني غرائب، يعني تصرفات بعض الناس سبحان الله كيف تهنأ نفسه والناس يصلون، ويجدون الحسنات، ويأتون من بعيد؛ من أجل الصلاة على الأموات، ويقال مثل هذا الكلام.

 «اغسلوه بماء وسدر، اغسلوه بماء وسدر» تغسيل الميت يختلف أهل العلم في حكمته، هل هو من أجل التنظيف، فقط لأن الميت قد لا يكون محدِثًا، نعم إذا كان عليه حدث جنابة أو نحوها يمكن أن يغسل كما غسل الملائكة حنظلة وهو شهيد، يغسل، لكن قد لا يكون عليه جنابة، وهذا هو الغالب، تغسيله هل هو للتنظيف، أو محض التعبد، أو أن الموت حدث، يرفع بتغسيل الميت؟

 يختلفون في هذا.

 وعلى كل حال جاء الأمر بالغسل، لكن قد يستشكل بعض الناس خلط الماء بالسدر، فإذا اختلط الماء بالسدر عند من يقول: إن الماء الطاهر لا يرفع الحدث؛ لأنه تغير إذا خلط بالسدر تغير، ما صار ماءً مطلقًا فعلى قول من يقول: إن الماء الطاهر لا يرفع الحدث، يشكل عليه مثل هذا النص في كون تغسيل الميت لرفع الحدث، فيقول: تعبد، ويخرج من الإشكال اغسلوه بماء وسدر، وقد يقول مثلاً: أن يكون الماء والسدر في غسلة من الغسلات، ثم يغسل بالماء الخالص، «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين»، وفي رواية في الصحيح: «في ثوبيه»، يعني في الثوبين الذين أحرم بهما في الإزار والرداء؛ لأنه أحرم بهما في عبادة يستصحبهما معه، ويكفن على وضعه، على ما سيأتي.

 لا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه؛ لأنه يبعث يوم القيامة ملبيًا، وليكن مما يبعث به ما أحرم به من هذين الثوبين، «وكفنوه في ثوبين» سيأتي أن من السنة أن يكفن الميت في ثلاثة أثواب كما كفن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن قد يكون التكفين في الثوبين الذين أحرم بهما أفضل باعتبار أنه زاول بهما عبادة، فيكون هذا مرجحًا على الثلاثة الأثواب التي كفن فيها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا أمره، «وكفنوه في ثوبين»، وبعض الروايات تقول: «في ثوبيه»، «ولا تحنطوه، ولا تحنطوه»، الحنوط أخلاط مركبة من مواد فيها روائح طيبة، وفيها ما يعين على حفظ البدن من الإسراع في التحلل، وباعتبار الحنوط فيه هذه الروائح فإن المحرم لا يطيَّب، لا يطيب؛ لأنه باقٍ على إحرامه؛ لأنه يبعث يوم القيامة ملبيًا.

 ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، يعني لا تغطوا رأسه؛ لأنه يبعث يوم القيامة ملبيًا، فهو باقٍ على إحرامه، والمحرم من الرجال لا يجوز أن يغطي رأسه، في بعض الروايات: ولا تخمروا رأسه ولا وجهه، والرواية صحيحة فلا يجوز للمحرم أن يغطي رأسه ولا وجهه، وإن تكلم بعض الحفاظ في هذه الزيادة، لكنها صحيحة.

 «ولا تخمروا رأسه، فإن الله -عز وجل- يبعثه يوم القيامة ملبيًا»؛ لأن إحرامه لايزال باقيًا، لايزال باقيًا على إحرامه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا، هل المراد من قوله: ملبيًا بنفس اللفظ لبيك اللهم لبيك إلى آخره، ولو رمى جمرة العقبة ولم يتحلل؟

يعني الآن عندنا التحلل عند الجمهور لا يكون إلا بشيئين، والتلبية تنقطع برمي الجمرة، الآن رمى الجمرة، وانقطعت التلبية، الآن في الحديث مازال ما تحلل التحلل الأول، والكلام في حقه متجه، يبعث يوم القيامة ملبيًا ما رمى الجمرة، وهو لا يزال يلبي، لكن لو رمى جمرة العقبة ولم يتم تحلله الأول على قول الجمهور أنه لا يتحلل إلا بفعل اثنين من ثلاثة، هل يبعث يوم القيامة ملبيًا؟

 نعم يكفن في ثوبيه، ولا يحنط، ولا يخمر رأسه؛ لأنه لم يتحلل التحلل الأول، لكن هل يبعث يوم القيامة ملبيًا أو نقول: انقطعت التلبية؟ القصة وقعت لشخص حصل له ما حصل، وهو واقع بعرفة، وهو مازال يلبي، وعليه إحرامه، لكن إذا انقطعت التلبية برمي جمرة العقبة، ولم يتم له التحلل الأول يكفن في ثوبيه، ولا يحنط، ولا يخمر رأسه؛ لأنه لا يزال ما تحلل التحلل الأول، لكن هل العلة أنه يبعث يوم القيامة ملبيًا وقد انقطعت التلبية، أو نقول: إن هذه العلة لهذا الرجل، ويمكن أن يعلل غيره بأنه يبعث يوم القيامة محرمًا مثلاً، ما يقال ملبيًا؛ لأن التلبية انقطعت برمي جمرة العقبة.

طالب: ..........

كيف؟

طالب: ..........

نقول: يبعث يوم القيامة محرمًا، ما نقول: يبعث يوم القيامة ملبيًا؛ لأن التلبية انقطعت برمي جمرة العقبة، أما الذي يقول: إن التحلل يحصل برمي جمرة العقبة فهذا ما عنده إشكال، ما عنده  إشكال، يقول: انتهى تحلله، ويخمر رأسه وانتهى، ويحنط كغيره؛ لأنه تحلل، لكن عند من يقول: إنه لا يحصل التحلل إلا باثنين من ثلاثة نقول: لا يخمر رأسه، يكفن في ثوبيه، ولا يحنط، ولا يخمر رأسه، فإنه يوم القيامة يبعث محرمًا، لماذا لا نقول: يبعث يوم القيامة ملبيًا؟ لأن التلبية انقطعت برمي جمرة العقبة ظاهر أم ما هو بظاهر؟

يبعث، فإن الله -عز وجل- يبعثه يوم القيامة ملبيًا، ملبيًا إعرابها حال، يعني حال كونه يلبي، وفي لفظ: وهو يلبي، والجملة حالية. إذًا ما الفائدة من الإتيان باللفظ الثاني، وفي لفظ «وهو يلبي»؟ يغني عنه قوله: ملبيًا، لاسيما عند الاختصار في التأليف؟ هذه الكتب المختصرة إنما تؤلَّف لتحفظ، ومادام اللفظ الأول يغني عن الثاني وليس فيه مزيد فائدة، ولا يترتب عليه حكم، فلماذا يقول: وفي لفظ: وهو يلبي؟

طالب: ..........

يعني هذا مجرد تصريح بما هوـ تصريح بما هو مجرد توضيح وإلا فملبيًا أو وهو يلبي ما فيه فرق بينهما، الكلمة الأولى حال، والجملة الثانية حالية، وفي لفظ: «ولا تمسوه طيبًا، ولا تمسوه طيبًا» هذا بالنسبة لهذه الواقعة صحيح؛ لأنه ما تحلل التحلل الأول، لكن إذا تحلل بعض التحلل الأول، وكلٌّ على مذهبه، إذا رمى جمرة العقبة، وانقطعت التلبية عند من يقول: إنه تحلل التحلل الأول، ويحل له كل شيء إلا النساء، فإنه يطيب حينئذ، وبعضهم يقول: الطيب ملحق بما يتعلق بالنساء، فلا يطيب.

 المقصود أنه في هذه الواقعة يبعث يوم القيامة ملبيًا، ولا يمس طيبًا؛ لأنه لا يزال على إحرامه، فإن الله -عز وجل- يبعثه يوم القيامة ملبيًا، لا تحنطوه، ولا تمسوه طيبًا، يعني الحنوط إذا لم يكن فيه طيب يحظر عليه أم ما يحظر؟ ما يحظر عليه إلا إذا كان مشتملاً على الطيب، ولعل الحنوط في وقتهم من لازمه أن يكون مخلوطًا بشيء من الطيب، ولذا قال في اللفظ الآخر: ولا تمسوه طيبًا؛ لأن من محظورات الإحرام الطيب.

 "متفق عليه، واللفظ للبخاري".

 قال -رحمه الله-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تقول لما أرادوا غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما أرادوا غسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ثيابه كما نجرد موتانا"، يعني العادة جرت بأن الميت إذا أريد تغسيله فإنه يجرد من ثيابه كالحي إذا أراد الاغتسال، يتجرد من ثيابه، لكن لمنزلته ومكانته -عليه الصلاة والسلام- ترددوا؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- ليس كغيره في التعظيم والتقدير والاحترام، هل يعامَل معاملة غيره كآحاد الناس يجرد من ثيابه، أو يُحترَم ويعظم ولا يُبدَا جسده الطاهر للناظرين كغيره، ترددوا في ذلك.

 "لما أرادوا غسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ثيابه كما نجرد موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه؟" ولا شك أن هذا أوقع في النفس، وأدعى للتعظيم والاحترام من أن يجرد ويبدو جسده ظاهرًا.

 "أم نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم"، فلما اختلفوا بعضهم قال: يجرد وبعضهم قال: لا يجرد.

 "ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل ليس واحد منهم إلا وذقنه في صدره" لحيته في صدره من النعاس، "ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت" يعني هتف بهم هاتف، "لا يدرون من هو، لا يدرون من هو: أن اغسلوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه ثيابه، أن اغسلوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه ثيابه"، ليس كآحاد الناس -عليه الصلاة والسلام-، غيره يجرد، ولا يبقى على بدنه إلا ما يستر العورة، وأما بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- "أن اغسلوا النبي -عليه الصلاة والسلام- وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فغسلوه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم"، يعني من وراء حائل، من وراء حائل.

 هذا الحديث "رواه أحمد وأبو داود" يقول: "وهذا لفظه، ورواته ثقات، وفيهم ابن إسحاق" يعني من الرواة الذين قال عنهم المؤلف: ثقات، ابن إسحاق، "وهو الإمام الصدوق، وهو الإمام الصدوق"، نعم هو إمام في بابه في المغازي، لكنه من حيث الرواية مختلف فيه اختلافًا كبيرًا بين أهل العلم، فمنهم من جعله في أعلى درجات التوثيق، ومنهم من حكم عليه بأنه دجال، لكن التوسط في أمره عند أهل العلم هو المعتمد والمعتبر عند المعتدلين منهم أنه في مرتبة متوسطة لا يصحَّح حديثه ولا يضعف، وإنما يكون حديثه بمرتبة متوسطة، ولذلك قال: الصدوق، فالإمامة تعود إلى فنه الذي تخصص به، الذي تخصص فيه، وهو المغازي، فهو إمام في المغازي، وفي الرواية صدوق لا يصحح حديثه؛ لأن فيه كلامًا طويلًا لأهل العلم، ولا يضعف أيضًا؛ لأن من أهل العلم من وثقه، فمرتبته متوسطة، فهو إمام في فنه في المغازي، وصدوق في الرواية، ومع ذلكم هو مدلس، لا بد أن يصرح بالتحديث، مع أنه صرح بالتحديث عند الحاكم وابن الجارود وابن حبان صرح بالتحديث، فأمنا ما كان يخشى من تدليسه، فالحديث على هذا صحيح أم ضعيف؟

طالب: ..........

حسن نعم حسن قد يقول قائل: كيف نقول: إمام صدوق، إمام صدوق، إمام في أعلى درجات التوثيق، وصدوق في أدناها؟ كيف نجمع له بين الوصفين المختلفين؟ يعني كما تقول: إذا سئلت عن تقديرك في شهادتك تقول: جيد جدًّا ممتاز يجيء هذا أم ما يجيء؟ إذا قيل: ما تقديرك في الدراسة تقول: جيد جدًّا ممتاز، أو ممتاز جيد جدًّا لأن (إمام صدوق) يجيء هذا أم ما يجيء؟ ممكن؟

 نقول: نعم إذا انفكت الجهة، ممكن إذا كان ممتازًا في مواد التخصص مثلاً، وجيدًا جدًا في التقدير العام كما هنا إمام في تخصصه الذي هو المغازي، صدوق في روايته، وقد يقال عن إمام من الأئمة الكبار إمام سيئ الحفظ، إمام في حفظه شيء كما قيل في أبي حنيفة: إمام في بابه، يسمونه الإمام الأعظم، من كبار فقهاء الأمة، إمامته متفق عليها في فنه، في فقهه، لكن في الرواية فيه كلام، عاصم بن أبي النَّجود إمام في حفظه شيء، إمام في القراءة، لكن في حفظه بالنسبة للرواية شيء، فالإنسان إذا اتجهت عنايته واهتمامه إلى فن من الفنون وأتقنه، يصح أن يوصف بأنه إمام في هذا الفن، لكن لا يعني أنه في الفنون الأخرى على نفس المستوى، يعني مثل ما قيل في ابن إسحاق، ومثل ما قيل في الإمام أبي حنيفة، ومثل ما قيل في الإمام القارئ عاصم بن أبي النَّجود.

طالب: ..........

المغازي عمومًا السير والمغازي كلها، هو إمام في هذا الباب، لكنه في الرواية فيه كلام طويل لأهل العلم، وبعضهم درس وضعه وما قيل فيه في أكثر من سبعين صفحة، والنتيجة أنه صدوق، يعني القول الوسط في أمره أنه صدوق إذا صرح بالتحديث، أما إذا لم يصرح بالتحديث فإنه لا يقبل؛ لأنه مدلس.

 يقول: -رحمه الله-: "وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه"، سيأتي حكم تغسيل الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها، على أن الإجماع قائم أن الرجل لا يغسله إلا الرجال، والمرأة لا يغسلها إلا النساء، ويأتي ما قيل في الزوجين، وأن الصواب أن المرأة تغسل زوجها، والزوج يغسل زوجته، أما بالنسبة لعموم الرجال فلا يغسلهم إلا الرجال، والنساء لا يغسلهن إلا النساء، هذا من بلغ سبعًا فما فوق، وأما ما دون السبع فللنساء أن يغسلن الولد الذي لم يبلغ السبع سن التمييز قالوا: لأنه لا عورة له، وللرجال أن يغسلوا البنت دون السبع، وإبراهيم ابن النبي -عليه الصلاة والسلام- غسله النساء كما هو معلوم.

 قال -رحمه الله-: "وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت" أم عطية اسمها نسيبة بنت الحارث، أو بنت كعب الأنصارية صحابية مشهورة، روت أحاديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعليها مدار هذا الحديث، حديث تغسيل ابنة النبي -عليه الصلاة والسلام-.

 "وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: دخل علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن نغسل ابنته دخل علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن نغسل ابنته"، الذي حققه ابن حجر وغيره من أهل العلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا حجاب عنه، لا حجاب عنه؛ لئلا يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل وهم يغسلون ابنته، لماذا لا يدخل المدرس على الطالبات، ألا يمكن أن يقال مثل هذا؟!

ونحن في زمن يتتبع فيه المتشابه، ويترك المحكم، ويلتقط مثل أمثال هذه النصوص، فالذي حرره ابن حجر وغيره أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا حجاب عنه دخل، ولا يمنع حتى على القول الآخر أنه يدخل عليهن ولو متحجبات.

 على كل حال تقول: دخل علينا النبي -عليه الصلاة والسلام- ونحن نغسل ابنته زينب، كما في صحيح مسلم زوج أبي العاص بن الربيع، وفي ابن ماجه وغيره أنها أم كلثوم، زوج عثمان -رضي الله عنه-، ولا يمنع أن تقع القصة للاثنتين، لكن ما في الصحيح أصح، وكونها زينب أرجح، وكونه يرد أنهن غسلن أم كلثوم لا ينافي ما جاء في هذا الحديث.

 "ونحن نغسل ابنته -عليه الصلاة والسلام- فقال: «اغسلنها» أمر والأصل في الأمر الوجوب، وتقدم في حديث المحرم: «اغسلوه»، فقال: «اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا»، اغسلنها ثلاثًا، ما قال: اغسلنها واحدة أو ثلاثًا أو خمسًا، الغسل بالنسبة للحي المحدث حدثًا أكبر يكفيه أن يعمم بدنه بالماء، ويرتفع حدثه، فهل تجزئ الغسلة الواحدة للميت أو لا تجزئ؟ لأنه قال: «اغسلنها ثلاثًا»، يعني هذا أقل شيء، الحديث يدل على أنه لا أقل من ثلاث، لكن كثير من أهل العلم يقولون: إذا عمم البدن بالغسل، ولو مرة ولم يكن عليه ما يحتاج إلى تكرار الغسل على بدنه لا يحتاج إلى تكرار غسل، فإنه يكفي، لكن الحديث صريح في أن المراد في الأقل ثلاث، «اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك»، في بعض الروايات وعنده على ما سيأتي ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثر من ذلك، أو هذه اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك أو سبعًا أو أكثر من ذلك، أو هذه هل هذه للإباحة أو للتخيير؟ للتخيير أو للإباحة؛ لأنه قال في الأخير: «إن رأيتن ذلك»، إن رأيتن ذلك.

 فمرد ذلك إلى رؤيتهن، فهن مخيرات، لكن هذا التخيير المردود إلى اختيارهن إن رأيتن ذلك الذي تحدده المصلحة، يعني إن رأيتن المصلحة تقتضي ذلك، إن رأيتن المصلحة تقتضي ذلك، وليس مرد ذلك إلى التشهي إن شئن غسلن ثلاثًا أو خمسًا  أو سبعًا أو أكثر، إنما إذا كانت المصلحة تقتضي الزيادة في الغسل فلتكن هذه الزيادة، ولتقطع على وتر ثلاث أو خمس أو سبع أو أكثر وتقطع على وتر اغسلنها ثلاثا يعني ثلاث مرات أو خمسا أو أكثر من ذلك يعني جاء في بعض الروايات أو سبعا أو أكثر من ذلك.

 «بماء وسدر» يعني بماء مخلوط بسدر، بماء وسدر يعني يخلط الماء بالسدر، ويحرك حتى يختلط به ويكون له زَبد، رغوة، السدر لا شك أنه منظِّف، وله خاصية في تصليب البدن، في تصليب البدن، وطرد الهوام، ومع ذلك من أهل العلم من يقول: يقوم مقامه كل منظف من الصابون والأشنان، ويقوم الشامبو مثلاً وسائر المنظفات تقوم مقام السدر؛ لأن المقصود منه في الدرجة الأولى الزيادة في التنظيف، بماء وسدر.

 «واجعلن في الآخرة كافورًا» الكافور نبت طيب الرائحة، نبت طيب الرائحة، ويعين على بقاء البدن كما يقول أهل العلم: له خاصية في ذلك، واجعلن في الآخرة يعني في الغسلة الآخرة كافورًا، ويقوم مقام الكافور كما قلنا في السدر، يقوم مقام السدر المنظفات الحديثة، يقوم مقام الكافور أيضًا أنواع الأطياب؛ لأن الكافور نبت طيب الرائحة، فإذا وجد من أنواع الأطياب ما يقوم مقامه فإنه يكفي عنه، لاسيما  إذا لم يكن بالمتناول؛ لأن هذه أمور قل استعمال الناس لها ففقدت من الأسواق، فقد تبحث عن سدر ولا تجد، وقد تبحث عن كافور فلا تجد، ومادام القصد من السدر الزيادة في التنظيف، فيقوم مقامه ما يكفي من المنظفات، والكافور أيضًا هو  بالدرجة الأولى لتطييب الرائحة، فيقوم مقامه المطيبات، وإن كان فيه خاصية تطرد الهوام، وتعين على بقاء الجسم مدة أكبر، لكن الفائدة منه في الدرجة الأولى رائحته.

 «فإذا فرغتن فآذنني، فإذا فرغتن فآذنني» قد يقول قائل: مادمنا نقول بأن السدر يقوم مقامه المنظفات الأخرى، فلماذا لا نقول: إنه يقوم مقام التراب غيره من المنظفات في غسل ما ولغ فيه الكلب؟

 لماذا لا نقول: إنه يقوم مقام التراب المنظفات الأخرى؟

قد يقول قائل: إن المزيل هذا الكلوركس وغيره قد يكون أبلغ من التراب في إزالة هذه النجاسة، ولذا بعضهم يقول بذلك، يقول: يقوم مقام التراب الصابون والأشنان وغيرهما، ومنهم من يقول: لا، لا يقوم مقامه غيره، وأيد ذلك الطب الحديث، قالوا: إن في لعاب الكلب دودة لا يقضي عليها إلا التراب، فلماذا لا نقول: إنه ينبعث من جسد الميت شيء لا يزيله إلا السدر؟

 يعني أمور غيبية قد يأتي في يوم من الأيام من الأطباء من يبحث ويحلل هذه الأمور فيقول مثل ما قال بالنسبة للتراب في تنظيف ما ولغ فيه الكلب، ولذا يقال: يُحرَص على السدر بقدر الإمكان إذا فقد يقوم مقامه غيره من المنظفات، وقل مثل هذا في الكافور.

 «فإذا فرغتن» يعني من غسلها وتغسيلها فآذنني، آذنني يعني أعلمنني أخبرني، الأذان في اللغة الإعلام، فلما فرغنا آذناه هنا يقول: "فلما فرغنا آذناه"، في بعض الروايات: فلما فرغن بنون النسوة، وفرغنا بنون الجمع، ما الفرق بين فرغن وفرغنا؟

 الفرق بينهما إذا قلنا: فلما فرغنا يكون الكلام لأم عطية راوية الخبر، وأما على رواية: فلما فرغن يكون الكلام ممن دون أم عطية تقول: فلما فرغنا آذناه لما انتهينا من غسلها أعلمناه -عليه الصلاة والسلام- أخبرنه -عليه الصلاة والسلام-.

 "فألقى إلينا حَقْوَه" يعني رماه إلينا، والأصل في الحَقو، وهو بفتح الحاء، وقد تكسر، أنه معقد الإزار من البدن، يعني المحل الذي يعقد فيه الإزار، ثم أطلق على الإزار من باب التوسع في التعبير من إطلاق المحل وإرادة الحال، فألقى إلينا حقوه، إزاره فقال: «أشعرنها إياه، أشعرنها إياه»، يعني اجعلنه شعارًا عليها، شعارًا عليها، يعني يكون مما يلي البدن، فالشعار هو الثوب الذي يُلبس على البدن مباشرة، يلي شعر البدن.. بخلاف الدثار الذي يُلبس فوق الشعار، وجاء في الحديث الصحيح «الأنصار شعار، وغيرهم دثار» يعني الأنصار أقرب الناس إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- شبههم بالشعار الذي هو الثوب الذي يلبس مما يلي البدن مباشرة، ويلاصق ويلامس شعر البدن، وهذا من أجل التبرك بما مس بدنه -عليه الصلاة والسلام-، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- جعل الله فيه من البركة مما لم يكن لغيره -عليه الصلاة والسلام-، فكل ما مسه النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مبارك.

 ولذا لما حلق شعره في حجة الوداع دعا أبا طلحة فحلق شقه الأيمن فأعطاه إياه، ثم حلق شقه الأيسر وأعطاه إياه، وقال: «فرقه بين الناس».

 على كل حال ما مس بدنه الشريف وأجزاؤه وأطرافه -عليه الصلاة والسلام- فهو مبارك، جعل الله فيه من البركة ما لم يجعله لغيره، وهذا خاص به -عليه الصلاة والسلام- والدعاوى الموجودة الآن كثيرة بأن هذه من شعر النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه مكحلة النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا كذا، هذا كذا، إذا ثبت فلا مانع من التبرك به، لكن دون إثباته خرط القتاد، من يثبت أن هذا من شعر النبي -عليه الصلاة والسلام-؟! ومن يثبت أن هذه بردة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ الأصل في هذا المنع، لكن إذا ثبت، ودون إثباته كما هو معلوم، يعني الآن ألف وأربعمائة وعشرون سنة، توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- فالدعاوى التي يدعيها كثير من الناس أن هذا سيف، حتى ادعي أن هذا مصحفه -عليه الصلاة والسلام-، وهل كان النبي- عليه الصلاة والسلام- يقرأ؟ وهل كان في عهده هناك شيء اسمه مصحف؟

ادعي كل هذا من أجل التكسب بهذه الأمور، فيتوسعون في هذا من أجل التغرير بالجهال وكسب الأموال من ورائهم، نعم إذا ثبت أن هذا مس بدن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أن فيه بركة، ولا مانع من التبرك به، لكن دون الإثبات -كما قلنا- خرط القتاد، أما من عداه -عليه الصلاة والسلام- فخير الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ما عرف أن أحدًا من الصحابة تبرك بهم أو بشيء من آثارهم، ولا جاؤوا بأولادهم لتحنيكهم، إنما كانوا يجيئون بالأولاد للنبي -عليه الصلاة والسلام- الذي جعل الله فيه من البركة ما جعل، أما من عداه فلا، ولا عرف هذا عن سلف الأمة، ولا عن أئمتها.

 «أشعرنها إياه» وفي لفظ «ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها» "متفق عليه" ابدأن بميامنها، يعني الجهة ما في الجهة اليمنى يرسل قبل ما في الجهة اليسرى، ومواضع الوضوء منها هل الجملتان متفقتان أو بينهما شيء من الاختلاف؟ «ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها» جملتان متسقتان أو مختلفتان؟

طالب: ..........

نعم مختلفتان؛ لأن مقتضى الأولى أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى صح أم لا؟ ابدأن بميامنها مقتضى هذه الجملة أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى صح أم لا؟ ومقتضى الجملة الثانية أن تغسل اليد السرى؛ لأنها من مواضع الوضوء ومقدمة على الرجل اليمنى، عرفنا وجه الاختلاف، كيف نوجه ما جاء في هذا اللفظ وهو صحيح متفق عليه، وهو مشتمل على شيء من الاختلاف؟ كيف نرفع هذا الاختلاف؟

طالب: ..........

كيف؟

طالب: ..........

الآن الوضوء في كل غسلة أو مرة واحدة؟ مرة واحدة إذًا يبدأ بمواضع الوضوء في الوضوء، ويبدأ بالميامن في سائر الغسلات التي لا وضوء فيها في الغسلات التي لا وضوء فيها.

 "متفق عليه، وعند البخاري: فضفرنا شعرها ثلاثة قرون، فألقيناها خلفه" ضفرنا يعني نسجن وجدلن شعرها ثلاث ضفائر، ثلاث جدائل، ثلاثة قرون، ظاهر اللفظ أنه من صنيع هؤلاء النسوة، ظاهر اللفظ أنه من صنيع هؤلاء النسوة ضفرناها ثلاثة قرون فألقيناها خلفها، ويستدل بهذا أكثر العلماء على أن شعر المرأة أو من له شعر من الرجال أنه يضفر يجعل ضفائر ثلاثًا، وتلقى خلفها، الحنفية يقولون: لا، هذا من صنيع هؤلاء النسوة، وليس في الخبر ما يدل على أن النبي- عليه الصلاة والسلام- اطلع على ذلك وأقرهن عليه فيترك الشعر مفرقًا من غير ضفر، مع أنه جاء في بعض الروايات الأمر بذلك: «اجعلنها ثلاث ضفائر»، «واجعلن شعرها ثلاث ضفائر»، جاء الأمر بذلك فانتهى ما يستمسك به من يقول: إنه لا يضفر.

 "وعند البخاري: فضفرنا شعرها ثلاثة قرون فألقيناها خلفها، وعنده" يعني البخاري أيضًا: "ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثر من ذلك" الرواية الأولى ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك يعني إلى السبع، فبعضهم قال: لا يزاد على السبع ولو احتيج إلى ذلك، ومنهم من قال: يزاد على السبع بناءً على الرواية الأخيرة يزاد على السبع عند الحاجة إلى ذلك؛ لأنه لما غسلت في المرة السابعة خرج منها شيء يترك أم ما يترك؟

من يقول: ينقطع الأمر عند السبع يقول: لئلا يسترسل في الغسل؛ لأنه قد يحتاج الغسل إلى مرات عديدة قد لا يقف الخارج مع أنه تُبذَل الأسباب في إخراج ما في البطن قبل البداية في الغسل بحيث يرفع الرأس قليلاً، ويوضع على البطن شيء بحيث يضغط عليه برفق قالوا: لا يزيد على عشرين مثقالًا، ما هو معنى أنا نأتي بصخرة أو شيء مثقَّل ونضعه على بطن الميِّت نؤذيه؛ لأن حرمته ميِّتًا كحرمته حيًّا، المسلم هذه حرمته في الشرع، فيُرفَع رأسه قليلاً، ويُعصَر بطنه بوضع شيء يلزم منه إهانة الميت حتى يخرج ما في بطنه ثم يُغسَّل.

 بعد ذلك قال -رحمه الله-: "وعن أسماء بنت عميس" أسماء بنت عميس كانت تحت جعفر بن أبي طالب، فلما قُتِل تزوجها أبو بكر، فلما مات تزوجها علي -رضي الله عنه-. "وعن أسماء بنت عميس أن فاطمة -عليها السلام-" يعني الأصل أن يقال: رضي الله عنها وأرضاها كغيرها من الصحابة، يعني فضلها وشرفها ومناقبها ومنزلتها في الدنيا والآخرة لا تخفى على مسلم، لكن هي كغيرها من الصحابة يُترضَّى عنها، والصلاة والسلام على غير الأنبياء عند جمهور أهل العلم من باب الاختصاص العرفي، يعني ما يقال على سبيل الاستقلال: أبو بكر -صلى الله عليه وسلم-، ولا يقال: عمر -صلى الله عليه وسلم-، إنما هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- كما أنه لا يقال: محمد -عز وجل-، وإن كان عزيزًا جليلاً -عليه الصلاة والسلام- هذا من باب الاختصاص العرفي عند أهل العلم، فلا يقال: علي عليه السلام، كما أنه لا يقال: عمر -عليه الصلاة والسلام-، إنما هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [سورة الأحزاب:56]، وأما الصحابة فيُترضَّى عنهم، ومن بعدهم يُترحَّم عليهم، هذا هو العرف عند أهل العلم، والخلاف في الصلاة على غير الأنبياء معروف عند أهل العلم، «اللهم صلِّ على آل أبي أوفى»، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [سورة التوبة:103]، «اللهم صلِّ على آل أبي أوفى»، يعني ادع لهم، ادع لهم، لا بالصلاة العرفية المختصة بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، أما على سبيل التبعية فلا مانع من ذلك، فتقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا، هذا ما فيه إشكال، لكن البحث في الصلاة على غير الأنبياء على سبيل الاستقلال.

وقد قال هنا: "إن فاطمة -عليها السلام- أوصت أن يغسلها زوجها علي، أن يغسلها زوجها علي وأسماء فغسلاها" أسماء، من أسماء هذه؟

راوية الحديث، يعني هذا من باب ما يسمى في البلاغة التجريد، التجريد أن يجرد الشخص من نفسه شخصًا آخر فيتحدث عنه، ما قالت: فأوصت أن يغسلها زوجها علي وأنا، قالت: وأسماء، يعني كما في الحديث الصحيح من حديث سعد بن أبي وقاص عن سعد بن أبي وقاص أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أعطى رهطًا وسعد جالس، ما قال: وأنا جالس قال: وسعد جالس، هذا يسمونه تجريدًا، فغسلاها، الزوج يمس بدن امرأته من غير حائل، وتمسه من غير حائل، لكن أسماء كأنها تعينه على تغسيلها، وهي زوجته تعينه على تغسيله، ولا تباشر الغسل، وإن باشرت من حائل كما تغسل المرأة سائر النساء فلا مانع، لكن الذي يباشر من غير حائل هو الزوج، كما أن الزوجة تباشر غسل زوجها من غير حائل.

 "فغسلاها، رواه الدارقطني" وهذا الحديث فيه كلام لأهل العلم، على أن منهم من يرقيه إلى درجة الحسن.

 قال -رحمه الله-: "بابٌ في الكفن" الكفن ما يُلَف به بدن الميت بعد تغسيله وقبل الصلاة عليه، بابٌ في الكفن قال -رحمه الله-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كُفِّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة أثواب بيض سَحُوْليَّة" أو سُحُوْليَّة، سَحولية جمع سَحل، وهو الثوب الأبيض النقي، وسُحولية قالوا: نسبة إلى بلد، يقال له: سُحول، سُحول بلد باليمن، طيب سحولية جمع سحل، الأفصح أن يقال: سحولية أم سَحْلية؛ لأن النسبة إلى الجمع، النسبة إلى الجمع مستقيمة أم يرد إلى المفرد ثم ينسب إليه؟

 بعضهم يطلق الشذوذ في النسبة إلى الجمع، بل يُرَد الجمع إلى مفرده ثم يُنسَب إليه، وهنا قال: سَحولية جمع سَحل، فحصلت النسبة؛ لأن الياء ياء النسب، الياء ياء النسب، فهل نقول: سحولية كما نقول: أنصارية، والأنصار جمع ناصر، فإذا اشتهر الشيء بالجمع، وكانت شهرته بالجمع أشهر من المفرد جاء أعرابي نسبة إلى الأعراب، الجمع هذا كثير في لغة العرب، لكنه مخصوص بما إذا كان لفظ الجمع أشهر من المفرد.

 "سحولية من كرسف" من قطن "ليس فيها قميص ولا عمامة" كُفِّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة أثواب، والمحرم قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «كَفِّنوه في ثوبَيْه»، وهنا كُفِّن النبي -عليه الصلاة والسلام- في ثلاثة أثواب، وسيأتي أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ألبس عبد الله بن أُبَيّ قميصه أمر النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- أن يُكَفَّن المحرم في ثوبَيْه وكفن -عليه الصلاة والسلام- في ثلاثة أثواب، وألبس ابن أبي قميصه فما الأفضل في الكفن هل نقول: يكفَّن في ثوبين، وذلك بأمره -عليه الصلاة والسلام- أو نقول: إن هذا خاص بالمحرم؟

 هذا خاص بالمحرم، طيب عندنا ما فُعِل به -عليه الصلاة والسلام- وما فعله -عليه الصلاة والسلام- كُفِّن -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة أثواب، وألبس عبد الله بن أبي قميصه، هل الأفضل أن يلبس الميت قميص كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- أو يكفن في ثلاثة أثواب كما فعل به -عليه الصلاة والسلام-، ذاك فعله وهذا فعل غيره به، أيهما أفضل؟

طالب: ............

لكن هذا فعله -عليه الصلاة والسلام- لماذا لا يقول قائل: وقد قيل: إن التكفين بالقميص أفضل من التكفين في الثلاثة الأثواب؛ لأن الثلاثة فعله -عليه الصلاة والسلام- وما فعل به -عليه الصلاة والسلام- لم يكن بعلمه.

طالب: ............

كيف؟

طالب: ............

الجمهور على أنه يُكفَّن في ثلاثة الأثواب؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في هذا الحديث المتفق عليه كُفِّن في ثلاثة أثواب، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل، هذا قول الأكثر، منهم من يقول: إنه يكفن في قميص، يُكفَّن في قميص؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل ذلك، طيِّب الحديث الأول ليس فيها قميص ولا عمامة، هل فيه ما ينفي؟ ننتبه للفظ ليس فيها قميص، ليس فيها قميص ولا عمامة، يعني ليس في الثلاثة قميص ولا عمامة، بل قد يقول قائل: إنها موجودة فيه قميص وعمامة قدر زائد على الثلاثة، فيه ما ينفي ذلك إذا قلنا: ليس فيها، يعني فيما كفن فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- قميص ولا عمامة قلنا: في اللفظ ما ينفي، وإذا قلنا: ليس فيها، يعني في الثلاثة الأثواب قميص ولا عمامة، قلنا: ليس في ذلك ما ينفي أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن في قميص وعمامة مع الثلاثة الأثواب، يعني الأصل في الثلاثة، ولا يمنع أن تكون قدرًا زائدة على الثلاثة.

طالب: ............

غُسل وعليه قميص -عليه الصلاة والسلام- ما جرد -عليه الصلاة والسلام- فهل نقول: إنه استمر القميص عليه وألبس الثلاثة الأثواب، أي كفن وغطي وأدرج في ثلاثة الأثواب مع القميص الذي كان عليه مما لم يجرد عنه أو نقول: إنه بعد أن انتهى من غسله نزع عنه القميص، وكفن في ثلاثة الأثواب الحديث المتفق عليه، وذاك من رواية ابن إسحاق، وفيه كلام لأهل العلم حتى إن النووي أثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جُرِّد، لكن لا أعرف له مستندًا.

 على كل حال إلا ما هو الأصل، الأصل من يراد تغسيله يجرد كما نجرد موتانا، على كل حال ليس فيها قميص ولا عمامة، هل يعود الضمير في فيها؟ يعني فيما كفن به -عليه الصلاة والسلام- أو يعود على الثلاثة فقط، ولا ينفي أن يوجد قميص وعمامة قدر زائد على الثلاثة الأثواب، ثم ما المراد بالأثواب الثلاثة؟

 هل هي لفائف كما يقول: كثير من الفقهاء أنها ثلاث لفائف، توضع لفافة، ثم لفافة ثانية، ثم ثالثة، ثم يدرج فيها الميت وتربط من أطرافها وفي وسطها، وتحل هذه العقد إذا وضع في القبر جاء بيانها في طبقات ابن سعد: إزار ورداء ولفافة إزار يغطي أسفل البدن، ورداء يغطي أعلى البدن، ثم بعد ذلك لفافة تشمل الجميع، ومنهم من يقول: من الفقهاء وكأنهم لم يطلعوا على رواية ابن سعد، أو لم تثبت عندهم، يقولون: ثلاث لفائف بمعنى أن اللفافة تبسط على الأرض، ثم تبسط عليها الثانية والثالثة، ثم يوضع الميت، وتلف عليه من الجهتين ثلاثة أثواب بيض، سيأتي الترغيب في البياض، «البسوا من ثيابكم البياض»، وهذا يأتي في الحديث اللاحق، إن شاء الله تعالى.

 من كرسف يعني من قطن؛ لأنه أبرد على البدن بخلاف الصوف مثلاً؛ لأنه حار وخشن أيضًا، وما هو أنعم من القطن كالحرير مثلاً هذا ممنوع لا يكفن فيه؛ لأنه داخل في حيز الإسراف ومحرم على ذكور هذه الأمة.

 "متفق عليه.

 وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن عبد الله بن أبي لما توفي جاء ابنه" الرجل الصالح ابنه عبد الله بن عبد الله، وأما الأب فهو من شرار الخلق رأس المنافقين، نسأل الله العافية، آذى النبي -عليه الصلاة والسلام- وآذى أصحابه، هو رأس المنافقين، ونهي النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة عليه، والاستغفار له، توفي هذا المنافق الذي نطق بالشهادة بلسانه، وخالفها في اعتقاده وفعله.

 "لما توفي جاء ابنه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: أعطني قميصك أكفنه فيه"، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما سئل شيئًا ورد السائل، وهذا الولد الرجل الصالح المؤمن المخلص، النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى أن لا يوجد ما يمنع من جبر خاطره، وهذا القميص لن ينفع أباه؛ لأنه مات على نفاقه، نسأل الله السلامة والعافية، وأيضًا العباس لما جاء مهاجرًا، العباس لما جاء مهاجرًا بُحِث له عن قميص، وكان العباس طويلاً، وابن أبي المنافق كذلك، فأعطاه من قمصه، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يرد عليه هذه المنة.

 المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعطى ولده قميصه، أعطني قميصك أكفنك فيه، هذا من شفقة الولد على والده.

 "وصلِّ عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه" هذا ما فيه ما يمنع شرعًا، وأما بالنسبة للصلاة والاستغفار فلا، جاء النهي عن الصلاة {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أبدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} [سورة التوبة:84]، {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [سورة التوبة:80]، لا ينفع الاستغفار ولا الصلاة، وجاء النهي عن ذلك، أما بالنسبة للقميص فلا يوجد ما يمنع، في بعض الروايات ما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخرجه من قبره وألبسه قميصه لما وضع في قبره، أخرجه من قبره كأنه تردد أو وعد الولد لما قال له: أعطني قميصك، فوعده بذلك، والعدة مثل البذل، لاسيما إذا كانت ممن يفي بما وعد كالنبي- عليه الصلاة والسلام-، وبهذا تجتمع الروايتان.

 "فأعطاه قميصه، متفق عليه.

 وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «البسوا من ثيابكم البياض، البسوا من ثيابكم البياض»" يعني اللون الأبيض جاء فإنها أطيب وأنقى وأطهر؛ لأنه يبين فيها الأثر اللون الأبيض، يبين فيه الأثر، «البسوا من ثيابكم البياض»، لكن هل معنى هذا أنه على سبيل اللزوم البسوا وجوبًا، أو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لبس غير الأبيض لبس الحلة الحمراء، وإن لم تكن خالصة فيها خطوط بيض وسود، كما قرر ذلك ابن القيم، وإلا جاء النهي عن لبس الأحمر والمزعفر والمعصفر بالنسبة للرجال، يعني الخالص من ذلك إذًا الأحمر الخالص ممنوع، الأصفر الخالص والمزعفر كذلك، لكن «البسوا من ثيابكم البياض»، لا شك أنها أولى، وكثير من الناس يفضِّل ما يلبس على الرأس، يفضل الأحمر على الأبيض، وهو داخل في عموم: البسوا من ثيابكم البياض، لا شك أن الأبيض أفضل، لكن لا يوجد أيضًا ما يدل على أن هذا الأمر للوجوب، وإن كان الأصل فيه الوجوب؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لبس غير الأبيض، فهذا محمول على الاستحباب.

 «البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم» يعني إذا وجد الأبيض فهو أولى من غيره، وإذا لم يوجد الأبيض فلا مانع من لبس غير الأبيض ما لم ينه عنه، وكذلك يكفَّن الميت بغير الأبيض.

 "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه.

 وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه»" يعني يحسن كفنه فيما يلبسه إياه، يعني يلبسه من النوع الحسن الطيب، لا يعمد إلى أردأ الأنواع من الأكفان فيكفن أخاه فيه، ولا يسرف في ذلك؛ لأن مآلها إلى المهلة، يعني إلى الصديد والدود، ومر على الناس عصور تُنبَش القبور؛ من أجل سرقة الأكفان، فالإنسان عليه أن يتوسط لا يعمد إلى الرديء لحديث: «فليحسن كفنه»، كفنه المراد به الكفن الذي يلف به، كما أنه يحتمل أن يراد به التكفين، يعني يتقن التكفين في بعض الأوقات التي يوجد فيه أمثال هؤلاء الذين مسخت فطرهم ورانت الذنوب على قلوبهم ممن ينبشون القبور لسرقة الأكفان، وجد في بعض العصور من يخرِّق هذه الأكفان؛ لأن السارق إذا رآها مخرقة تركها، يعني وصل الحد إلى هذا؟!

يعني يوجد حتى في العصر الحديث من يسطو على الأموات، ويسرق أعضاءهم، ويسرق عظامهم ويسرق.. وجد مثل هذا هذا ليس خاصًّا بالزمان السابق، لكن هذا قليل نادر، نسأل الله السلامة والعافية.

 «فليحسن كفنه» يعني اللفائف التي يلف بها ينتقيها من النوع الحسن الجيد من غير مبالغة ولا مغالاة، ومن غير أن يعمد إلى الرديء، إنما يتوسط في أمره كما أنه أيضًا مطالب بتحسين تكفينه، واللفظ يحتمل الأمرين، "رواه مسلم. "

والله أعلم.

 وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"