كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 33

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) متفق عليه، ولأحمد وأبي داود والحاكم وقال: على شرطهما: ((لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد، وبيوتهن خير لهن)).

وعن زينب الثقفية امرأة عبد الله قالت: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً)) رواه مسلم.

وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام)) وفي رواية: ((حتى يصليها مع الإمام في جماعة)) متفق عليه.

وروى هشيم عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر)) رواه ابن ماجه، والدارقطني، وإسناده على شرط مسلم، وقد أُعل بالوقف.

وعن نافع قال: أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان، ثم قال: صلوا في رحالكم، فأخبرنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كان يأمر مؤذناً يؤذن ثم يقول على إثره: ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر، متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.

وروى أبو داود من حديث ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك في المدينة في الليلة المطيرة والغداة القرة.

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه سئل عن الثوم؟ فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلي معنا)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.

وعن يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بمنى، وهو غلام شاب، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا هو برجلين لم يصليا، فدعا بهما، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال لهما: ((ما منعكما أن تصليا معنا؟)) قالا: قد صلينا في رحالنا، قال: ((فلا تفعلا، إذا صليتم في رحالكم ثم أدركتم الإمام لم يصل فليصليا معه...

فصليا، فصليا معه.

((فصليا معه، فإنها لكم نافلة)) رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟)) قال: نعم، قال: ((فأجب)) رواه مسلم.

يكفي، يكفي، بركة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) متفق عليه، ولأحمد وأبي داود والحاكم وقال: على شرطهما: ((لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد، وبيوتهن خير لهن))" في قوله: ((لا تمنعوا إماء)) النهي هذا موجه إلى أولياء الأمور من الزوج والأب، ومن ولي أمر امرأة فإنه يتوجه إليه الخطاب، فالزوج لا يجوز له أن يمنع زوجته، والأب لا يجوز له أن يمنع ابنته، والأخ لا يجوز له أن يمنع أخته، وإذا توجه الخطاب إليهم عرفنا أن المرأة ليس لها أن تخرج من بيتها إلا بإذن ولي أمرها الذي يتجه إليه الخطاب في هذا الحديث: ((لا تمنعوا)) لأنه لو لم يكن له شأن لما توجه النهي إليه، كيف يقال: لا تمنع وهو في الأصل ليس له أن يمنع؟ فلولا أنه في الأصل له أن يمنع لما توجه إليه النهي بـ((لا تمنعوا)) فلا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، وإذا لم تكن متزوجة فلا تخرج إلا بإذن أبيها؛ لأنه هو ولي أمرها، وهو مالك أمرها، وهو الذي يقوم على مصالحها، وهو الذي يكفها ويكف عنها عما يشينها ويدنسها، وعارها عار له، وعرضها عرض له، فاتجه النهي إلى ولاة الأمور، فلا يجوز للأب أن يمنع ابنته، ولا يجوز للزوج أن يمنع زوجته إذا أرادت الخروج إلى المسجد، والإماء جمع أمة، والمراد بها المرأة، وهل يدخل في هذا الأمة الرقيقة، فلا يجوز لسيدها أن يمنعها أو أن هذا في الأحرار اللواتي أمرهن في الخدمة أقل من أمر الأرقاء؛ لأن الرقيقة مشغولة بخدمة سيدها، وإذا كان للسيد أن يمنع الرقيق من حضور ما يفوت مصلحته فلأن يمنع الرقيقة التي لا تجب الجماعة عليها أصلاً من باب أولى، فهل يقول: إن الإماء داخلات في النص الرقيقات أو أن هذا في الحرائر؟ الأمة كالعبد مشغولان بخدمة السيد، وخفف ورخص لهم في بعض الواجبات؛ لئلا يترتب على ذلك تفويت حق السيد.

((لا تمنعوا إماء الله)) إماء الله جمع أمة، ودخول الرقيقة في اللفظ واضح، لكن هل المقصود الإماء بمعنى الرقائق أو النساء بدليل الرواية الثانية: ((لا تمنعوا النساء)) والنساء يشمل الأحرار والرقيقات، فهل للسيد أن يمنع الأمة من الخروج إلى المسجد إذا ترتب على ذلك تفويت مصلحة أو خشي مفسدة، هذا لا إشكال فيه، كما أن له أن يمنع زوجته إذا ترتب على ذلك ضرر، تضييع للأولاد مثلاً، ولا يوجد من يحضنهم، له أن يمنعها؛ لأن هذا مبرر، وجمهور أهل العلم على أن النهي للتحريم أو للكراهة؟ ((لا تمنعوا)) الأصل فيه التحريم، لكن باعتبار أن خروجها لأمر ليس بواجب حمله الجمهور على الكراهة، والكراهة عندهم تزول بأدنى حاجة، والصارف من التحريم إلى الكراهة، ما الصارف؟ قلنا: إن الخروج ليس لأمر واجب وإنما هو لأمر..، هل هو مستحب؟ الجماعة مستحبة بالنسبة للنساء أو مباحة؟ مباحة؛ لأنه يقول: ((وبيوتهن خير لهن)) ولو قيل: إن خروج المرأة للمسجد خلاف الأولى لما بعد لقوله: ((وبيوتهن خير لهن)).

((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) نعم يترتب على ذلك: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) يترتب على حضور المرأة إلى المسجد بعض المصالح تسمع الذكر، تسمع قراءة الإمام، تضبط صلاتها؛ لأن بعض الناس يضبط الصلاة مع الجماعة، ولا يضبطها إذا صلى منفرداً، تتشجع للقيام مثلاً؛ لأن الإنسان إذا كان بمفرده قد لا يتشجع له، هناك مصالح مرتبة على حضور الجماعة، لكن بيتها خير لها؛ لأن الأصل أن المرأة مأمور بالقرار: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] هذا هو الأصل، والخروج للحاجة، والحاجة تقدر بقدرها، وليست المرأة مهنتها ووظيفتها البروز والخروج، وإنما البروز على خلاف الأصل، ولذا يقال في بعض النساء: إنها برزة، ويش معنى برزة؟ يعني تخرج، ولو كان وصفاً غالباً لما قيل: برزة، ما يقال للرج: برزة؛ لأن الأصل فيه الخروج أن يخرج من بيته، لكن امرأة برزة الأصل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] لكن إذا كانت تخرج بكثرة قيل لها: برزة، ولا شك أن الحاجة مستثناة إذا وجد حاجة والحاجة تقدر بقدرها، بمعنى أنها لا يجوز أن تخرج أكثر من قدر الحاجة، وقد توسع الناس في خروج النساء وتساهل الناس فيه، وترتب على ذلك مضار ومفاسد لا تحصى، صارت العادة عند المرأة أن تخرج، ونزع عنها ما كان يعهد منها من حياء، وعهدنا النساء قبل ثلاثين سنة يعني قبل أن تفتح الدنيا عهدنا النساء يلزمن الجدران، حتى إذا ما وصلت البيت فإذا العباءة فيها أثر الجدار، والآن يتوسطن الطريق، والرجل هو الذي يحيد يميناً أو شمالاً، وتتكلم المرأة بكل طلاقة وصفاقة، تتكلم على الرجال، والرجل أحياناً يستحيي أكثر من المرأة، وما ذلكم إلا لأنه كثر الإمساس فقل الإحساس، وخير مال المرأة ألا ترى الرجال ولا يرونها.

أذن للنساء أن يخرجن للصلاة تفلات غير متطيبات وغير متزينات، لا يلفتن أنظار الرجال، ولا يثرن الغرائز، فلا يفتن ولا يُفتن، لكن الواقع كذلك؟ لا والله، ويستدل بعض دعاة الاختلاط إلى ما يحصل في بيت الله الحرام بجوار الكعبة، فالمرأة تطوف مع الرجال، لكن من قال: إن الصورة الموجودة الآن شرعية مع هذا التبرج، ومع قلة الحياء؟! يستدل بها إذا كانت شرعية، أما غير الشرعي لا يستدل به، يعني المرأة بكامل زينتها وتلبس من الملابس وقد تتطيب، وتتكلم مع الآخرين مع رفع الصوت، ويستدل بهذا على جواز الاختلاط؟ أبداً، الشرع ما يقر مثل هذا، يعني كون الناس تساهلوا، تساهل النساء، تساهل أولياء الأمور، وتساهل أهل الغيرة في الإنكار، إنكار مثل هذه المظاهر حتى وصل الأمر إلى ما وصل إليه، فليس في هذا مستمسك ولا دليل لمن يقول بالاختلاط، ولو كانت الصورة الشرعية الموجودة في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وفي صدر هذه الأمة ما قال أحد مثل هذا الكلام؛ لأنه لم يوجد اختلاط بمثل هذه الصورة إلا في هذا المكان الذي يستشعر فيه عظمة الرب من تعظيم الشعائر، والهم بالمعصية في هذا المكان يؤاخذ عليه ويعاقب عليه بخلاف غيره، فكيف يقاس غيره عليه؟!

((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) ولأحمد وأبي داود والحاكم وقال: على شرطهما: ((لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد، وبيوتهن خير لهن)).

وعن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً)).

لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها متطيبة متعطرة، وإذا خرجت من بيتها متطيبة فهي إيش؟ زانية، نسأل الله العافية، وأوجب عليها أهل الظاهر الغسل، ولا شك أن الطيب يلفت الأنظار، وإذا كان هذا المتعلق بحاسة الشم، وهي أضعف من حاسة البصر فكيف بما هو أشد من ذلك من التبرج، يلبسن ألبسة رقيقة تكشف ما تحتها، نعم على الرجل أن يغض البصر، ليس هذا بمبرر أن يرسل الإنسان بصره في النساء، لا، وكل واحد له ما يخصه من خطاب الشرع، يحرم على المرأة أن تتبرج، ويحرم على الرجل أن يرسل بصره، ولا شك أن على النساء الكفل الأعظم من هذا الشأن؛ لأنهن مباشرات للتبرج، متسببات لإغراء الرجال، فعليهن إثم المباشرة وإثم التسبب، وعلى الرجل إثم مباشرة إرسال بصره، وما يعقب ذلك مما هو أشد منه، فعلى الإنسان أن يتقي الله، لا سيما إذا جاء لعبادة، يعني تعجب من هذا الاضطراب، وهذه الازدواجية التي يعيشها كثير من الناس، تجده يأتي إلى مكان العبادة، تأتي إلى المسجد مع سائق بدون محرم إلى صلاة التهجد، تأتي متبرجة، تأتي متعطرة، تأتي بمنكرات يستشرفها الشيطان ويغري بها، والرجل يحضر إلى هذه الأماكن المقدسة المعظمة المشرفة ومع ذلك يرتكب محرمات، والإنسان إذا أراد أن يقدم إلى مثل هذه المواطن عليه أن يحاسب نفسه، هل هو في سفره هذا مأجور أو مأزور؟ وقد يكون مأجوراً من جهة ومأزوراً من جهة، لكن أيهما الغالب؟ ولا شك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإذا كان لا يستطيع أن يقصر بصره ويغض بصره فإنه حينئذٍ لا يجوز له أن يعرض نفسه للتهم والفتن، فمثل هذا يجلس في بيته، لا يقول: يصلي في بيته، يصلي في مكان ليس فيه فتنة، فالواجب لا بد من الإتيان به ولا يتعذر بشيء، هذا بالنسبة للواجب، وأما المندوب فله ذلك، ولذا لما قال من قال: {ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي} [(49) سورة التوبة] يقول: إذا رأينا بنات بني الأصفر لن نصبر، قيل له: {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} [(49) سورة التوبة] لماذا؟ لأنه يتعذر بهذا المظنون في مقابل أمر واجب، لكن في مقابل أمر مستحب له ذلك، يحاسب نفسه ويقول: أنا والله لا أستطيع، ولا أستطيع أن أتحمل إثم في مقابل كسب، ومثل هذا لمن يريد الإنكار ويغشى الأسواق من أجل الإنكار إذا كان يتأثر بهذه المناظر لا يجوز له أن يغشى هذه الأماكن، لكن إذا استطاع أن ينكر من غير أن يتأثر هذا مأمور به، ((من رأى منكم منكراً فليغيره)) وهو مأجور على هذا.

((إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً)) يعني من باب أولى ألا تتبرج، والمقصود من ذلك كله ألا تغري الرجال بها وتفتن الرجال.

يقول القرطبي فيما ذكرناه سابقاً من مظاهر تبرج الجاهلية الأولى شق القميص من الجانبين، ولو بحثت في أسواق المسلمين تبحث عن قميص ما فيه شق من الجانبين تعبت، كما أنك لو بحثت عن ملابس أطفال مناسبة شرعية ما تجد، أو ملابس ليس فيها صور ما تجد، هذه غربة، وهذه مسئولية من ولاه الله أمر مراقبة هذه الأمور في المداخل، لا يجوز إدخال ما فيه محظور، وهي مسئولية أيضاً من يباشر استيراد هذه الملابس، يعني قد يقول قائل: إن الشق يسير شبر، لكن مع المشي يزيد مع ركوب السيارة أو الدابة ما يبقى شيء مخفي، إذا أرادت أن تطلع على شيء مرتفع أو تنزل خرج أكثر من ذلك، ولا شك أن هذه من خطوات الشيطان، ومن تقليد الكفار والتشبه بهم، والله المستعان.

عرفنا أن المرأة لا يجب عليها جماعة، وأن الجماعة خاصة بالرجال، لكن إذا حضرت الجماعة أجزأتها الصلاة، وبيتها خير لها.

قال -رحمه الله-:

"وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم))" جاء في الحديث أن بني سلمة أرادوا أن ينتقلوا إلى جوار المسجد فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((بني سلمة دياركم تكتب آثاركم)) يعني ألزموا دياركم تكتب آثاركم، فأعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، لما يترتب على ذلك من كثرة الخطى، المكفرات كثرة الخطى إلى المساجد، وكل خطوة حسنة، ويحط بها سيئة، فرق بين من يقدم إلى المسجد من عشر خطوات وبين من يقدم منها إلى المسجد من عشرين أو خمسين أو مائة خطوة، فالأبعد ممشى هو الأعظم أجراً، والأجر على قدر النصب، لكن ليعلم أن الممشى هذا إنما يرتب عليه الأجر إذا احتيج إليه من أجل الصلاة، فالمشقة لذاتها ليست مطلوبة شرعاً، المشقة لذاتها ليست من مطالب الشرع، لكن إذا اقتضتها عبادة ترتب عليها الأجر، وإذا كان لك طريقان إلى المسجد أحدهما قريب والثاني بعيد تسلك القريب أو البعيد؟ القريب هذا الأصل؛ لأن سلوكك البعيد ليس من متطلبات الصلاة، وإلا بالإمكان أن يدور الإنسان حول الحي، وبدلاً من أن يصل بعشرين خطوة يصل بألف خطوة، لكن هذا ليس مطلوب، والله -جل وعلا- عن تعذيب الإنسان نفسه غني، وبالإمكان إذا أراد الحج من نجد يذهب إلى الشرقية ثم يمسك جهة الشرق، ثم الشمال، ثم الغرب ويأتي، وبدلاً من أقل من ألف كيلو يمشي خمسة آلاف كيلو، من أجل الأجر، نقول: ما لك أجر، إلا بقدر ما تتطلبه هذه العبادة من بيتك إلى موضع العبادة، وما زاد على ذلك فليس فيه أجر.

((أبعدهم إليها ممشى)) لما يترتب على ذلك من كثرة الخطى التي رتب عليه الأجور ((فأبعدهم)) أبعدهم إليها ممشى ثم يليه من دونه، ثم يليه من دونه.

((والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام)) ينتظر الصلاة والمراد بذلك صلاة العشاء وغيرها من الصلوات، لكن قوله: ((أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام)) هذا بالنسبة لصلاة العشاء؛ لأن النوم يكون بعد العشاء، وفي وقتنا هذا لو قيل بأن المراد بالصلاة صلاة الفجر ما بعد؟ لأن أكثر الناس اليوم يسهرون إلى صلاة الفجر، ثم يصلون وينامون، وبعضهم قد لا ينتظر الإمام؛ لأنه تعب من السهر، وهناك مساجد يعني في المنطقة الشرقية مساجد يمكثون بين الأذان والإقامة خمس وأربعين دقيقة صلاة الصبح، والليل قصير في الصيف، والجو حار، والناس يسهرون، ثم يحصل مشاكل، سمعنا كثير من الشكاوى والإشكالات في المسجد يدخل على أنه يبي يصلي جاء موقت على الإقامة خمس وعشرين دقيقة، ثم يقال له: انتظر ثلث ساعة بعد، هذا الثلث الساعة من أشق الأوقات على مثل هذا، لكن لو يعلم الذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام؛ لأن هذا في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، وذاك استعجل وفوت أجر صلاة الجماعة وانتظار الصلاة الذي هو الرباط، وهو في صلاة مادام ينتظر الصلاة، ففوت على نفسه أجراً عظيماً.

قال: "((والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام)) يعني ولو تأخر ((أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام)) وفي رواية: ((حتى يصليها مع الإمام في جماعة))" أعظم أجراً يدل على أن الذي صلى قبل الإمام ثم نام له أجر، وهو مقتضى أفعل التفضيل "أعظم أجراً" أن له أجر، لكن الذي انتظر الإمام وصلى معه أعظم منه أجراً، ذاك له أجر لكن الذي انتظر الإمام أعظم، وهذا هو معنى حديث: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة)) يعني صلاة الفذ فيها أجر، لكن صلاة الجماعة أفضل منها على ما تقدم، ولا يعني هذا أن صلاة الجماعة ليست بواجبة؛ لأنه استدل به من يقول باستحباب صلاة الجماعة، وصلاة الجماعة سنة لأن له أجر، نقول: نعم له أجر، لكن عليه وزر، والجهة منفكة، له أجر الصلاة، وعليه وزر ترك الجماعة.

"وفي رواية: ((حتى يصليها مع الإمام في جماعة)) متفق عليه".

"وروى هشيم عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر)) رواه ابن ماجه والدارقطني، وإسناده على شرط مسلم، وقد أُعل بالوقف" يعني من كلام ابن عباس.

أولاً: هشيم مدلس وقد عنعن هنا عن شعبة.

وفي الصحيح عدة كالأعمشِ
 
ج

 

وكهشيم بعده وفتشِ

يعني ممن رمي بالتدليس، هشيم مرمي بالتدليس، لكن الحديث له طرق يصل بها إلى درجة الصحيح.

"عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس" فيه تعارض الرفع مع الوقف، لكن الذي رفعه أئمة حفاظ فقولهم مقدم على قول من وقفه، وقد يروى الحديث مرفوعاً، ينشط بعض الرواة فيرفعه، وقد لا ينشط في وقت من الأوقات فيوقفه على الصحابي، ولا يكون ذلك مؤثراً فيه؛ لأنه روي على الوجهين.

على كل حال الحديث صحيح: ((من سمع النداء فلم يأته)) فلا صلاة له إلا من عذر، هذا دليل وحجة من يقول بأن الجماعة شرط لصحة الصلاة عند القدرة على الحضور إليها، الجماعة شرط لصحة الصلاة، وعرفنا أنه قول داود، ويميل إليه، بل يرجحه شيخ الإسلام وابن القيم، يرون أن الذي لا عذر له فلم يصل مع الجماعة فإنه صلاته باطلة، والقول الثاني: أن الجماعة واجبة وليست بشرط، والثالث: أنها واجبة على الكفاية، والرابع: أنها سنة، وعرفنا أن الراجح من هذه الأقوال أنها واجبة على ما تقدم في حديث الهم بالتحريق، وأيضاً حديث ابن أم مكتوم وسيأتي.

((فلا صلاة له)) إذا قلنا: إن الحديث صحيح فالنفي هنا: ((لا صلاة له)) الأصل أن النفي يتجه إلى حقيقة الصلاة، وإن لم يتجه -إن لم يمكن اتجاهه- إلى الحقيقة كما في قوله: ((صلِ فإنك لم تصلِ)) اتجه إلى الحكم، يعني لم تصلِ حكماً، نفياً للحقيقة الشرعية، إذا انتفت الحقيقة اللغوية أو الحقيقة العرفية ثبتت الحقيقة الشرعية، فيكون المنفي هنا حقيقتها الشرعية، يعني لا صلاة له على الخلاف بين أهل العلم، إما صحيحة يعني مجزئة، فتكون حينئذٍ صلاته باطلة، أو فلا صلاة كاملة، والكمال منه الكمال الواجب، ومنه الكمال المستحب، فالذي يقول: لا صلاة مجزئة هؤلاء هم من يقول باشتراط الجماعة للصلاة، والذين يقولون: لا صلاة كاملة الكمال الواجب هم الذين يقولون بوجوب صلاة الجماعة من غير اشتراط، والذين يقولون: لا صلاة كاملة الكمال المستحب المندوب هم الذين يقولون بأن صلاة الجماعة مستحبة، وعرفنا أن الراجح من هذه الأقوال بأن صلاة الجماعة واجبة لكنها ليست بشرط للصحة.

قال: "وعن نافع قال: أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان" بضجنان جبل قالوا: قريب من مكة "في ليلة باردة" برداً يشق معه الحضور إلى الجماعة، ثم قال: "صلوا في رحالكم" ثم قال، ظاهره أنه بعد تمام الأذان بما فيه حي على الصلاة حي على الفلاح، ثم قال: "صلوا في رحالكم" فكأنه دعاهم إلى الصلاة ثم قال: "صلوا في رحالكم" هذا ما جعل ابن عباس يقول لمؤذنه إذا بلغت حي على الصلاة حي على الفلاح قال: صلوا في رحالكم؛ لتكون بديل عن حي على الصلاة حي على الفلاح، ويش ما معنى حي على الصلاة حي على الفلاح وهم يصلون في بيوتهم في منازلهم؟ نعم؟

طالب:.......

نعم تكون العزيمة حي على الصلاة وهي الأصل، يعني أن الذي لا يتضرر ولا يشق عليه الحضور ويرتكب العزيمة هذا هو الأصل، من يشق عليه الحضور فله الرخصة "صلوا في رحالكم" لأنه استشكل.

"فأخبرنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر مؤذناً يؤذن" يعني أذاناً تاماًَ "ثم يقول على إثره: ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر" استشكل أن يقال: حي على الصلاة حي على الفلاح، صلوا في رحالكم، نقول: الأصل والعزيمة حي على الصلاة حي على الفلاح، لكن من يشق عليه ارتكاب العزيمة فله رخصة أن يصلي في رحله، ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة، فالبرد القر الشديد القارس، الذي يشق على المصلين {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحـج] "صلوا في رحالكم" المطيرة إذا كان المطر يشق معه الحضور إلى الجماعة إلى المسجد "صلوا في رحالكم".

"في السفر" الباردة أو المطيرة في السفر هذا قيد مؤثر وإلا غير مؤثر؟ أو غالب أن المشقة إنما تكون في السفر مع المطر والبرد؟ لا شك أنه في السفر أشد منه في الحضر، لكن إذا وجدت المشقة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، أراد ألا يحرج أمته، فإذا وجد الحرج ووجدت المشقة وجد الحكم، ولم يكن ذلك مرتبطاً بالسفر إلا أنه الغالب أن تكون هذه المشقة في السفر، والناس في هذه المسألة على طرفي نقيض، وقل أن يوجد المتوسط، وتجدون في أيام المطر مساجد تجمع ومساجد لا تجمع، مع أن هذه السنة "صلوا في رحالكم" قد أميتت، ما نسمعها، بل ما سمعناها في العمر كله، مؤذن يقول: "صلوا في رحالكم" مع أنها هي السنة أفضل من الجمع، من جمع الصلاتين، مع أن الجمع له مبرر، لكن هذا أفضل من الجمع "صلوا في رحالكم" لكن ماذا عن شخص جمع أو صلى برحله، ثم خرج إلى محله إلى تجارته يسوغ الجمع في هذه الصورة؟ جمع الصلاتين ثم خرج إلى نزهة واستراحة مع زملائه، أو إلى محله التجاري أو..، تجد بعض الناس يتذرع بأدنى شيء، فيجمع مع عدم المشقة، وتجد الناس يشق على نفسه وعلى غيره، وتوجد المشقة العظيمة التي لا تحتمل ومع ذلك يصر على عدم الجمع، ودين الله وسط بين الغالي والجافي.

هنا يقول: ألا صلوا في الرحال، هذا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الليلة الباردة، أو المطيرة في السفر، يعني إذا وجد المبرر يصلي الناس في رحالهم في بيوتهم.

متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.

"وروى أبو داود من حديث ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك في المدينة في الليلة المطيرة والغداة والقرة".

بالليلة المطيرة يعني إذا وجد فيها المطر، والغداة يعني صلاة الصبح إذا وجد البرد الشديد، والقرة شديد البرد، والقر مقابل الحر، وهو البرد الشديد، فإذا وجد هذا المبرر فإنه ينادى بالصلاة في الرحال، والخبر فيه ابن إسحاق، رواه بالعنعنة وهو مدلس، لكنه شاهد أو طريق من طرق الحديث الذي قبله، يعني متابع له، يرتفع بالمتابع السابق.

قال -رحمه الله-:

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه سئل عن الثوم؟ فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلي معنا)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.

((من أكل من هذه الشجرة)) يعني الثوم، ومثله البصل، وجاء في الحديث: ((من أكل ثوماً أو بصلاً)) ومثله الكراث، وأشد منه الدخان.

((فلا يقربنا ولا يصلي معنا)) وقد يقول قائل: هذه رخصة لمن أكل الثوم، ولمن أكل البصل، ولم شرب الدخان ألا يصلي مع الجماعة! ترى شخص عند باب المسجد يدخن، تقول له: صل؟ يقول: والله أنا ممنوع من دخول المسجد؛ لأني أؤذي المصلين وأؤذي الملائكة، دخولي يؤذي المصلين ويؤذي الملائكة فلا أدخل أصلي، ويتذرع بمثل هذا، ويظن أن هذا رخصة، لا، هذه عقوبة، منعه من المسجد عقوبة، لو كان يعي ما يقول، يعني أنت افترض أنك في مجلس زيد من الناس، في بيت زيد من الناس فقيل لك: يا فلان اخرج، ويش يكون موقفك؟ فكيف إذا منعت من بيت الله؟ لكن الموازين مختلة، الموازين ليست شرعية، يتذرع بأكل الثوم أو البصل أو شرب الدخان ليترك صلاة الجماعة، نقول: أنت معاقب محروم من دخول بيت الله، وإذا كان يحز في نفسك أن تمنع من دخول بيوت الناس، فكيف إذا منعت من بيت الله؟ وما شعورك إذا أقبلت إلى مدرستك أو جامعتك من أجل الاختبار وأوصد دونك الباب، ويش موقفك؟ نعم؟ ويش موقفك إذا وجدت الباب مغلق والطلاب يختبرون؟ يعني الاختبار أهم من الصلاة عندك؟

((من أكل من هذه الشجرة)) جاء تسميتها بالخبيثة، أو وصفها بالخبيثة، ومع ذلك هي حلال وليست بحرام، وإن قال ابن حزم بتحريم أكل الثوم والبصل، لكن سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم: أحرام هما؟ قال: ((أنا لا أحرم ما أحل الله)) فيبقى أن الإنسان إذا وجدت الحاجة لأكل الثوم والبصل لعلاج يعني ذكر له الثوم مثلاً علاج، ولا سبيل إلى علاج ولا بد منه، ولا بديل عن الثوم يأكل ثوم، ويكون حينئذٍ معذور في ترك الجماعة، يعني نظير فيما لو مرض يوم الامتحان معذور يعطى عذر، ويختبر مرة ثانية، هذا عذر إذا كان محتاج إليه، أما أكله بدون حاجة فلا شك أنه يترتب عليه الحرمان العظيم من دخول المسجد، والحرمان مركب، العلة مركبة من شقين، وهي الأذى في المسجد ((فلا يقربن مسجدنا)) لا يصلي معنا فلا يؤذنا، مركبة من أمرين: الأذى والمسجد، فلو أكل مجموعة من الناس الثوم خارج المسجد نقول: لا يصلون جماعة؟ كلهم أكلوا ثوم؟ أو نقول: لا يأكلون ثوم لأن الجماعة قائمة؟ العلة مركبة من أمرين: ((فلا يقربن مسجدنا)) وأمر بإخراجه من المسجد الأمر الثاني: الأذى، فلو اتفق جماعة على أكل الثوم خارج المسجد في رحلة أو نزهة فأكلوا جميعاً ثوم وصلوا فلا إشكال.

لو دخل بمفرده وقد أكل الثوم بالمسجد، وأراد أن يصلي ركعتين نقول: اخرج عن المسجد؟ مع عدم وجود الأذى، ما يوجد من يتأذى به، نقول: هذا شق العلة، وأعظم من ذلك الحدث في المسجد مثلاً، جالس في المسجد عرض له ريح هل يرسل هذه الريح أو لا يرسلها؟ إذا وجد من يتأذى وفي المسجد لا يجوز بحال مثل الثوم بل أشد، لكن إذا وجدت الحاجة ولا يوجد من يتأذى؟ في حديث أبي هريرة: ((فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) قال ابن العربي في العارضة: وفيه جواز إرسال الريح في المسجد للحاجة، يعني قد يقول قائل: إن ما جاء في حديث أبي هريرة مغلوب، يعني ليس بطوعه واختياره، والمغلوب لا حكم له، فإذا كان مختاراً لا يجوز له ذلك، لكن مع ذلك ابن العربي يقول: يجوز إرسال الريح في المسجد للحاجة، أما إذا وجد من يتأذى فإنه لا يجوز؛ لأنه أشد من الثوم والبصل.

قال -رحمه الله تعالى-:

"وعن يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بمنى" يعني بمسجد الخيف، صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبح بمنى، نعم؟

طالب:.......

تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم، لكن العلة جاءت في الحديث مركبة، يعني الملائكة تتأذى من المصلي وهو في بيته يمنع؟ ما يمنع، والملائكة الكتبة يتأذون في كل وقت ولو لم يصل، فلا يمنع بجزء العلة، يعني يمنع بالعلة مركبة.

"وعن يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بمنى وهو غلام شاب، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو برجلين لم يصليا" في آخر المسجد، لما انصرف النبي -عليه الصلاة والسلام- رآهما لم يصليا "فدعا بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما" تضطرب وترجف خوفاً ووجلاً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- له هيبة عظيمة، وبقدر الإنسان من الإرث النبوي بقدر ما عند الإنسان من الإرث النبوي تحصل له هذه الهيبة، ولذا نجد بعض أهل العلم له هيبة عظيمة بقدر ما عنده من العلم والعمل، هيبة ليس بذي سلطان، وليست لديه قوة، بل قد يكون أضعف الناس جسماً، قد يكون أعمى فيهاب، نقول: هذا بقدر إرثه من النبوة في العلم والعمل تكون هذه الهيبة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- نصر بالرعب، ورأينا بعض أهل العلم من لا حول له ولا قوة ولا طول ضعيف من كل وجه، ومع ذلك إذا جاءه المسئولون الكبار ترعد فرائصهم، والعرق يتصبب منهم في الليالي الشاتية، النبي -عليه الصلاة والسلام- مهيب، وكذلك من يرثه علماً وعملاً، نعم؟

طالب:.......

هذا لما عنده من قوة، أو لضعف الشخص الذي يهابه، لكن ما تجد شخص على مستواه يهابه، بل يوجد من هو أعلى مستوى في أمور الدنيا يهاب ممن بالنسبة لا شيء عنده من أهل العلم ومن طلاب العلم، يعني بعض الشيوخ تزور في نفسك عشرة أسئلة، فإذا وصلت نسيت خمسة أو ستة كلها من هيبة الشيخ، بل قد يكون الشيخ من أحسن الناس خلقاً، ومن أضعفهم تركيباً ما في ما يدعو إلى هيبته، لكن هذا الحاصل.

"جيء بهما ترعد فرائصهما" لحمة بين المنكب وبين..، في جنب البدن، ترتجف عند حصول أمر مخوف، "فقال لهما: ((ما منعكما أن تصليا معنا؟))" لأن الذي يجلس والناس يصلون لا شك أنه ارتكب منكر، ترك الصلاة منكر، فلا يبادر بالإنكار حتى يعرف ما عند مرتكب المنكر من عذر، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رأى الداخل إلى المسجد، ثم جلس سأله: ((هل صليت ركعتين؟)) قال: لا، قال: ((قم فصل الركعتين)) لا بد أن يسأل قبل.

"((ما منعكما أن تصليا معنا؟)) قالا: قد صلينا في رحالنا" يعني في منازلنا "قال: ((فلا تفعلا، إذا صليتم في رحالكم، ثم أدركتم الإمام لم يصل فصليا معه، فإنها لكم نافلة))" يعني التي صليتم في رحالكم هي الفريضة والتي صليتموها مع الإمام لكما نافلة، سواءً كانت الصلاة الأولى جماعة أو فرادى، أنت استعجلت وصليت هذا الفرض، والثانية نفل.

يكثر السؤال عن المساجد التي يصلى فيها على الجنائز، والجنائز تحضر قبل الصلاة بوقت قبل الصلاة، لا سيما صلاة العصر تحضر قبل الصلاة، ثم يأتي من يأتي بطريقه من الدوام إلى بيته ولا ينتظر الصلاة مع الجماعة باقي، باقي مدة، يقول: أصل إلى البيت وأصلي العصر، ويتوفر لي الوقت ولا أنتظر في هذا المسجد البعيد عن بيتي، فيفتات على الإمام وعلى الميت وعلى أهله فيصلي على الجنازة وينصرف، هذا يحصل ويكثر السؤال عنه، وواقع يعني ما هو بافتراض، يأتون من الدوام ثم يمرون المسجد الذي فيه الجنائز ويصلون على الجنائز وينصرفون إلى بيوتهم قبل الزحام إن كان هناك زحام ويتوفر لهم الوقت، والذي يبي ينام بعد العصر يطول له الوقت وهكذا، نقول: هذا افتيات، الفريضة هي الصلاة الأولى، والثانية نافلة، فكونه يفوت على هذا الميت كثرة من يشفع له في الفريضة ويفوت على الإمام بدلاً من أن تكون صلاته هي الواجبة تكون نافلة، وحينئذٍ لا يجوز أن يصلى في هذه الصورة قبل الإمام، لا يصلى عليه قبل الإمام؛ لأنه قال هنا: فإنها لكم نافلة، يعني الأولى هي الفريضة، والثانية نافلة، فإذا صليت الصلاة الأولى هي الفريضة والثانية نافلة، مقتضى ذلك أن من صلى على الجنازة قبل غيره ولو كان منفرداً هي الفريضة، والتي بعدها هي النافلة، وحينئذٍ يكون افتيات على الميت وعلى الإمام إمام المسجد وعلى..، فليس له أن يصلي قبل الإمام.

((إذا صليتم في رحالكم ثم أدركتم الإمام لم يصل فصليا معه، فإنها لكم نافلة)) احتمال أن يكونا صليا جماعة في المنزل، واحتمال أن يكون صلى كل واحد منهما في منزله في الغداة، فليس فيه دليل على عدم الجماعة؛ لأنه احتمال، ولا يقاوم النصوص المحكمة التي لا احتمال فيها، هذه الصلاة -صلاة الصبح- وفيها إعادة صلاة الصبح وما بعد الصبح وقت نهي ((لا صلاة بعد الصبح)) والثانية نافلة، فكيف يتنفل في وقت النهي؟! هذا من أدلة من يقول بجواز فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي؛ لأنها ذات سبب، ووجود الجماعة سبب لإعادة الصلاة كما في هذا الحديث، وهي في وقت نهي إذاً ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي، وعرفنا فيما تقدم أن هذا من أوقات النهي الموسعة، ولا إشكال حينئذٍ في أن تعاد الصلاة.

لو جاء إلى المسجد والجماعة تأخروا في صلاة الصبح أسفروا جداً، يعني لكونهم على مذهب من يرى الإسفار، والصلاة أديت الواجبة وبقيت النافلة في الوقت الضيق، هل يشمل هذا الحديث ما إذا ضاق الوقت أو أنه خاص بصلاته -عليه الصلاة والسلام-؟ الصورة الحاصلة وصلاة من يصلي في الوقت الذي يصلي فيه بغلس في الوقت الموسع، أو نقول: إن اللفظ ما فيه تفصيل؟ نعم الواقع النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي بغلس، فهل يشمل ما جاء في الحديث الصورة فيما إذا لو أخرت صلاة الصبح إلى أن ضاق وقتها؟ صارت في الوقت المضيق؟ نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

ظاهر الخبر يشمله، لكن واقع القصة إنما وقعت في الوقت الموسع.

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

ما يقصر العام، لكن عندنا معارض "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن: حينما تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع".

"رواه أبو داود".

منهم من يقول: إن الصلاة الفريضة هي التي مع الجماعة، والأولى هي النافلة، ومنهم من يقول: يصلي صلاة موقوفة لا يدرى هي الفريضة أو النافلة؟ بل الله -جل وعلا- يكتب ما شاء، والحديث صريح في أن الأولى هي الفريضة والثانية نافلة.

وجاء عند أبي داود، لكنه ضعيف أن الأولى هي النافلة والثانية هي الفريضة.

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

الأصل في الأمر الوجوب ((إذا صليتم في رحالكم ثم أدركتم الإمام فصليا معه)) الأصل فيه الوجوب، لكن كونها نافلة كيف يقال: يجب أن تصلي نافلة؟ يجب عليك أن تصلي نافلة؟

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

ويش لون؟

طالب:.......

هو إذا لم يصل ترتب على ذلك أمور: منها أنه يساء به الظن؛ لماذا لم يصل مع الإمام؟ وأيضاً ما يوجد في ذلك من البغضاء والشحناء وتفرق الكلمة، وغير ذلك مما شرعت الجماعة لأجله.

نعم هل الأمر للوجوب أو للاستحباب؟ الأصل في الأمر الوجوب، لكن كونها نافلة صارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب.

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد؟" جاء في بعض الروايات: أنه ابن أم مكتوم، واسمه عبد الله في رواية الأكثر، وفي رواية: عمرو، المقصود أنه رجل أعمى من خيار الصحابة، ومن فضلائهم عاتب الله -جل وعلا- نبيه فيه، ومن أجله وبسببه في سورة عبس، هو الرجل الأعمى الذي أشير إليه في السورة، واستخلفه النبي -عليه الصلاة والسلام- على المدينة أكثر من مرة.

"رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد" في بعض الروايات: إنه ليس لي قائد يلائمني، يعني يلازمني.

"فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له" لأن العذر وجيه أعمى وبعيد شاسع الدار، وفي طريقه هوام وسباع، وليس له قائد يلائمه، هذا عذر في ترك الجماعة "فرخص له، فلما ولى دعاه" يعني مع وجود العذر في شيء آخر ما هو؟ "فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟)) قال: نعم، قال: ((فأجب))" وفي رواية: ((لا أجد لك رخصة)) فدل على أن حضور المسجد هو العزيمة ومع وجود العذر خوف أو مرض كما جاء في حديث ابن عباس: ((من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر)) قيل: وما العذر؟ قال: ((خوف أو مرض)) نعم هذا عذر، لكن إذا كان يسمع النداء فعليه أن يجيب ((لا أجد لك رخصة)) مما يدل على وجوب صلاة الجماعة، وإذا لم يعذر هذا الأعمى البعيد الشاسع الدار الذي ليس له قائد يلائمه وفي مخاطر وهوام، فكيف يعذر الصحيح السليم القريب الذي لا يحتاج إلى من يقوده، وليس لديه خوف ولا مرض، كيف يعذر من هذه حاله ولا يعذر هذا الأعمى إذا كان يسمع النداء؟! أما إذا كان لا يسمع النداء فمفهوم الحديث أنه لا يلزمه الحضور، وسماع النداء من غير أسباب للإسماع ولا موانع، يعني المفترض أن يكون النداء بالصوت العادي بدون مكبر صوت، ولا يوجد موانع لا يدخل الغرفة ويغلق النوافذ ويشغل المكيف ويقول: أنا لا أسمع النداء، هذا مانع.

أيضاً من الموانع الأصوات التي تنتج من السيارات أو الطائرات أو المصانع أو غير ذلك هذه لا تمنع من سماع النداء وإن لم يسمع، وعلى هذا فالنداء بالصوت العادي وبدون موانع يمكن من مسافة كيلوين، يعني أكثر من كيلوين الصوت العادي لا يسمع، فعلى هذا من كانت المسافة بينه وبين المسجد كيلوين مثلاً وسمع صوت المؤذن بالمكبر لصلاة الصبح مثلاً لأن الجو هادئ يلزم وإلا ما يلزم؟ نعم؟ أكثر من كيلوين، يعني كيلوين ونصف؟

طالب: ما يلزم.

لأنه لولا المكبر ما سمع، بينه وبين المسجد كيلو واحد وهو بجوار مصنع أو هو في مصنع يشتغل مع وجود هذا المانع يلزمه الإجابة؛ لأنه لولا هذا المانع لسمع النداء، ولو قيل: إنه إذا لم يسمع مطلقاً لا يلزمه النداء لقلنا: بالإمكان أن يجعل الإنسان في أذنه شيء يمنعه من السماع، وقلنا: إن الأصم لا تلزمه الإجابة ولو كان بطرف المسجد، لكن المسألة مفترضة في أمور عادية بدون أسباب ولا موانع، لا مكبرات صوت موجودة ولا موانع من أصوات مزعجة موجودة.

بعض الناس وهو مسافر يسمع النداء ويقول: المسافر لا تلزمه جمعة ولا جماعة فلا يصلي، عموم الخبر ((أتسمع النداء؟)) قال: نعم، قال: ((أجب)) يشمل، يشمله إلا إذا كان هناك مشقة فالمشقة تجلب التيسير، أو كان هناك ما يفوت، هناك ما يفوت إذا ذهب إلى المسجد، هناك ما يخشى عليه، فالأعذار كثيرة ذكرها الفقهاء، ونحن نرى التوسع في هذه الأعذار، تجد العمارة فيها خمسة من الحراس أو ستة كلهم لا يصلون مع الجماعة في المسجد ويسمعون النداء، بل تجد من حراس المسجد من لا يشهد الجماعة، الآن في المساجد الكبيرة لا سيما في الحرمين مثلاً هناك حراس، عساكر كثر لا يصلون مع الجماعة، هل هذا مبرر؟ نعم كانت الأمور لا تحتاج إلى مثل هذا، والأمن موجود، لكن الآن يخشى من حوادث، ومن أشياء، ومن تصرفات، وقد وقع، فهذا أمر لا بد منه، لكنه يقدر بقدر الحاجة، الشخص الذي يرى أنه قدر زائد على المطلوب، أو أن مهمته لا تفوت بالصلاة يصلي مع الجماعة، مثل الشخص الذي يجلس عند الحجر الأسود والناس يصلون ويش يخشى عليه؟ هل يخشى أن يسطى على الحجر مثل ما فعل القرامطة ويحمل ويذهب به؟ أو يخشى من زحام الناس وتراصهم؟ الناس يصلون الآن، هناك توسع حقيقة غير مرضي، وللمسألة أصل، يعني للمسألة أصل ما في شك أن الحراسة مطلوبة كما هو الشأن في صلاة الخوف، يعني إذا وجد المبرر فلا مانع، لكن يكون بقدر الحاجة، الشخص الذي يرى أنه إن ما وكل إليه لا يفوت بالصلاة مع الجماعة مثل هذا لا يجوز له أن يترك الجماعة، والشخص الذي يرى أن ما وكل إليه من أمر يفوت بفعله الصلاة مع الجماعة هذا مبرر في ترك الجماعة.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.

"