كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 45

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

باب: صلاة الجمعة

عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره: ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين)) رواه مسلم.

وعن قدامة بن وبرة عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدرهم فإن لم يجد فبنصف دينار)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ورواه أبو داود مرسلاً وفيه: ((فليتصدق بدرهم أو نصف درهم أو صاع من حنطة أو نصف صاع)) وقال البخاري: قدامة بن وبرة عن سمرة لم يصح سماعه، ووهم من رواه عن الحسن عن سمرة.

وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: "كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به" رواه البخاري، وهذا لفظه، ومسلم ولفظه: "فنرجع وما نجد للحيطان فيئاً نستظل به" وفي لفظ له قال: "كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ زالت الشمس...

إذا، إذا...

إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء".

وعن عبد الله بن سيدان السلمي قال: "شهدت الجمعة مع أبي بكر -رضي الله عنه- وكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر -رضي الله عنه- فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان -رضي الله عنه- فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: زال النهار، فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره" رواه الدارقطني، واحتج به أحمد.

وقال البخاري في عبد الله بن سيدان: لا يتابع على حديثه.

وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة" وفي رواية: "في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" متفق عليه، واللفظ لمسلم.

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب وهو قائم يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام، فانفتل الناس إليها حتى لم يبقَ إلا اثنا عشر رجلاً، فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [(11) سورة الجمعة] متفق عليه، وزاد مسلم: حتى لم يبقَ معه إلا اثنا عشر رجلاً، فيهم أبو بكر وعمر، وفي رواية له أيضاً: أنا فيهم.

وعن بقية قال: حدثني يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر -رضي الله عنهم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته)) وفي رواية: ((فقد أدرك الصلاة)) رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني وهذا لفظه، وإسناده جيد، لكن تكلم فيه أبو حاتم، وقال: هذا خطأ المتن والإسناد، وقال ابن أبي داود: لم يروه عن يونس إلا بقية، وقد رواه النسائي أيضاً من حديث سليمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب عن سالم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من صلاة من الصلوات فقد أدركها إلا أنه يقضي ما فاته)) وهو مرسل.

وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب قائماً ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائماً، فمن نبأك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة" رواه مسلم.

قف على هذا، يكفي.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: صلاة الجمعة

الجُمُعة ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وهو خير يوم طلعت عليه الشمس، كما جاء في الحديث الصحيح، والمفاضلة بينه وبين يوم عرفة عند أهل العلم معروفة، لكن خير أيام العام يوم عرفة، ويكفر سنتين، وخير أيام الأسبوع يوم الجمعة على ما قرره أهل العلم، وله خصائص وفضائل، أعني يوم الجمعة لا توجد في غيره، ذكر منها ابن القيم -رحمه الله- في الهدي عدداً كبيراً، وللسيوطي رسالة في الباب اسمها: ضوء الشمعة في خصائص الجمعة.

والجمعة هو اليوم الذي وفقت له هذه الأمة، وأضل الله عنه الأمم السابقة، واختار اليهود السبت والنصارى الأحد، ووفق الله هذه الأمة لاختيار الجمعة، ولذا جاء في الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، اليوم لنا، وغداً اليهود، والنصارى بعد غد)) النصارى الأحد آخر الأيام الثلاثة، ولليهود ثانيهما وهو السبت، واليوم الأول للمسلمين، فيه تقوم الساعة، وهو يوم المسلمين، وينتظر اليهود والنصارى إلى الغد وبعد غد.

والجمعة الأشهر في ضبطه بعد الاتفاق على ضم الجيم الأشهر فيه ضم الميم، جُمُعة، وبها قرأ السبعة: {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [(9) سورة الجمعة] وقرأ الأعمش بسكونها جمْعة، وضبطها بعضهم بفتح الميم جمَعة كهمزة ولمزة، وفي لغية كسر الميم جمِعة، لكن الضم هو الأشهر.

وهو عيد الأسبوع، وجاء في الخبر تسميته عيد؛ لأن اليهود قالوا: لو علينا نزلت هذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [(3) سورة المائدة] فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه وهو يوم عيد، يوم عرفة يوم الوقوف في حجة الوداع وهو يوم الجمعة.

الله -جل وعلا- شرع لهذه الأمة اجتماعات من أجل تأليف القلوب، فالاجتماع بالأبدان يؤدي إلى اجتماع القلوب، فهم يجتمعون في كل يوم خمس مرات، ولولا هذه الاجتماعات لمرض من مرض، وضل من ضل، واحتاج من احتاج فلا يدرى عنه، لكن في هذه الاجتماعات المشروعة لهذه الأمة في الصلوات الخمس في اليوم والليلة إذا فقد المسلم وكانوا يفقدونه إذا غاب فرضاً واحداً؛ لأن الناس أعمالهم معروفة، من محل عمله في تجارته أو زراعته أو صناعته إلى بيته، ويصلي في مسجد واحد جميع الأوقات.

الآن بعد أن تيسرت الأسباب، وسهل الانتقال من بلد إلى بلد، ومن حي إلى حي، وكثرت الأسفار يمكن أن يمر الأسبوع والإنسان ما صلى وقتين في مسجد واحد، كانوا يتفقدون الجيران فلان ما صلى أين ذهب؟ ومن الطرائف أن شخصاً فقد في فرض من الفروض فطرقوا عليه البيت بعد الصلاة مباشرة، أين ذهب فلان؟ قالت زوجته: غائب ليس بحاضر، قالوا: لا، رأيناه، ليس بغائب، هم رأوه قبل الصلاة، فألحوا عليها فخرج مرتدياً ثوب صلاة زوجته، ما عنده ثوب يلبسه، ليس عنده ثوب، هذا الكلام قبل سبعين سنة.

المقصود أنهم أغاثوه وأعانوه وتصدقوا عليه، لكن لولا هذه الصلوات الخمس التي شرعت..، من حِكم مشروعيتها مثل هذا الأمر، يمكن يموت جوعاً في بيته ولا يدرى عنه؛ لأن بعض الناس يصعب عليه أن يسأل الناس، يصعب عليه، قد يقول قائل: أين ثوبه الذي رأوه عليه قبل الصلاة؟ هي قصة لكنها حقيقة تذكرنا بنعم الله علينا، هذا الشخص ليس عنده ما يأكل، لا هو ولا زوجته، خرج قبل الصلاة، وبحث عن من يقرضه فما وجد، فنزل بصاحب له فأصر إلا أن يقرضه ريالاً من أجل أن يشتري به ما يأكل بعد الصلاة، ذهب إلى المسجد ليستنبط الماء من البئر فوقع الريال في البئر، خلع ثوبه ونزل بالبئر ليبحث عن الريال فما وجده، لما خرج وجد الثوب مسروقاً، فلما كبر الإمام في الصلاة عرف أن الجماعة كلهم حاضرين ما في أحد يتخلف، والشارع ما يصير فيه أحد في هذا الوقت، وقت الصلاة الشوارع ما فيها أحد، خرج مسرعاً عارياً إلى بيته دخل وأغلق الباب، ثم جاءوا يسألون عنه إلى آخر القصة.

المقصود أن نعم الله علينا تترى ولا تعد ولا تحصى، يعني الطفل إذا أراد أن يذهب إلى المدرسة تعطيه ريال أو ريالين أو ثلاثة ما يرضى، أقل شيء خمسة، الابتدائي يا الله خمسة، والله المستعان.

أقول: من حكم مشروعية الجماعة تفقد أحوال المسلمين بعضهم لبعض، لنا هذه الاجتماعات اليومية في اليوم والليلة خمسة مرات، والأسبوعية مثل الجمعة من الجمعة إلى الجمعة، وهي تضم البلد، المسجد يضم الحي، والجمعة تضم البلد، ثم بعد ذلك لنا اجتماعان في العام في العيدين، ثم الاجتماع الأكبر للأمة أو لمن حج منها في موسم الحج.

مع الأسف أن الحكم من مشروعية هذه الاجتماعات قد لا يستحضرها كثير من المسلمين، ولذلك لا تترتب عليها آثارها، يصلي ويرى أخاه على معصية وكأن الأمر لا يعنيه، يفقد أخاه اليوم واليومين والثلاثة وكأن الأمر لا يعنيه، فديننا دين الائتلاف والاجتماع والاتحاد اتحاد الكلمة، وعدم التفرق والتنازع المورث للفشل.

هذه الصلاة -أعني صلاة الجمعة- من فروض الأعيان على الذكور الأحرار البالغين المقيمين المستوطنين، ولا يعذر في التخلف عنها إلا من لا تجب عليه من المرأة والطفل يؤمر بها لسبع، ويضرب عليها لعشر كسائر الصلوات، لكن لا على سبيل الوجوب كالبالغين؛ لأن القلم مازال مرفوعاً عنه.

المسافر ليس عليه جمعة، لكن إذا سمع النداء يلزمه الإجابة كسائر الصلوات، والعبد لا تلزمه الجمعة؛ لأنه مشغول بأعمال سيده، ومن أهل العلم من يقول: إنها تلزمه، وهذه مستثناة شرعاً من خدمة السيد، فلا يجوز له أن يمنعه كسائر الصلوات.

على كل حال الأحرار البالغون المستوطنون من الرجال تلزمهم الجمعة فرض عين على كل واحد منهم، والجمعة أمرها شديد، وشأنها عظيم، ((من ترك ثلاث جمع متوالية طبع الله على قلبه)).

وفي الحديث الأول "عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم-" ثلاثة عبد الله بن عمر وأبوه وأبو هريرة ثلاثة "-رضي الله عنهم- أنهما" عبد الله بن عمر وأبو هريرة "أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فالترضي عن الثلاثة، والرواية لاثنين "سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره" على أعواد منبره، يعني المنبر الذي اتخذ من الأعواد من الخشب الذي صنعه غلام امرأة من الأنصار، لما استأذنت النبي -عليه الصلاة والسلام- في أن تصنع له منبر فأجابها إلى ذلك فصنعت المنبر، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا خطب يستند إلى جذع نخلة، لما تركه النبي -عليه الصلاة والسلام- وخطب على المنبر حن الجذع، فلم يسكت حتى ضمه النبي -عليه الصلاة والسلام-.

هذا المنبر الذي هو من أعواد مكون من ثلاث درجات، يعني ارتفاعه بقدر الحاجة؛ لأن الخطيب ينبغي أن يكون مشرفاً على من يخطب فيهم ليروه، لأن الرؤية لها أثر في فهم وسماع ما يقال، والتأثر بما يقال، ولذا نجد الطلاب في الدروس منهم من يحرص على الدرس، ويقترب من الشيخ الملقي، ومنهم من يبتعد، ومنهم من ينظر إلى الشيخ، ومنهم من لا ينظر، وقد يكون سماع الأبعد أقوى من سماع الأقرب، لكن مع ذلك القرب له شأنه في فهم ما يقال، بعض الناس يقول: أنا أحرص على الصف الأول في المسجد، وأجلس في الصف الأول، والدرس خلف الصف الأول، نقول: أنت في وقت الدرس تنتبه للدرس وتقرب من الدرس، وبقدر حرصك تثاب وتحصل.

"على أعواد منبره -عليه الصلاة والسلام-" سمعاه يقول: ((لينتهين أقوام)) هذه اللام موطئة لقسم محذوف، وفي جواب قسم محذوف، والله لينتهين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أقسم في أكثر من ثمانين موضعاً كما قال ابن القيم على الأمور المهمة ((لينتهين)) ينتهين فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد من غير فاصل ((لينتهين أقوام)) جمع قوم، والقوم هم الرجال، وبعضهم يدخل النساء في القوم، ومنهم من يقول: إن النساء لا تدخل في القوم، أما في حديث الباب فلا تدخل؛ لأن النساء لسن من أهل الجمعة، وأما على سبيل العموم "يا قوم" هل يدخل فيه النساء أو لا يدخل؟ نعم {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ... وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ} [(11) سورة الحجرات] هذه حجة من يقول: إن النساء لا تدخل في القوم، ومنهم من يقول: إن النساء داخلات في القوم، والتنصيص عليهن في الآية لأن السخرية عندهن أكثر، فاحتيج إلى التنصيص عليهن، على كل حال هنا لا يدخل النساء.

((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات)) ودع: ترك، وهو مصدر، فالمصدر مستعمل، ودع يعني ترك، ودع يعني اترك ((من لم يدع)) من لم يترك، لكن الماضي كما قال أهل العلم أميت من هذه المادة، يعني ما استعمل ودعَ، وقرئ في الشواذ: {ما وَدَعَك ربك} [(3) سورة الضحى] لكن أهل العلم ينصون على أن الماضي قد أميت، استعمل المصدر الذي هو الأصل، أصل المادة كما هنا، استعمل دع يعني اترك ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) واستعمل يدع ((من لم يدع قول الزور)) وأما الماضي فكما سمعنا أميت، وقرئ كما ذكرنا في الشواذ: {ما وَدَعَك ربك} يعني ما تركك.

((عن ودعهم)) يعني تركهم ((الجمعات)) جمع جمعة، الجمعات جمع، والجمع على الخلاف بين أهل العلم هل يتناول المرتين أو أقله الثلاث، وجاء في الخبر: ((من ترك ثلاث جمع متوالية طبع الله على قلبه)) ولا يعني هذا أن ترك الجمعة الواحدة والثنتين لا شيء فيه، لا، أمر عظيم، ومن عظائم الأمور ترك الجمعة، ويقرر أهل العلم أن ترك الجمعة من باب تيسير العسرى، واضح الكلام وإلا ما هو بواضح؟

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

إيش؟

طالب:.......

تقرأ سورة الليل؟

طالب:.......

{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [(1) سورة الليل]؟

طالب:.......

كمل.

طالب:.......

هاه؟ كم؟

طالب:.......

{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(10) سورة الليل] بخل واستغنى، كذب وتولى... إلى آخره، هذا ميسر للعسرى، يعني النار، من ترك الجمعة..، ترْك الجمعة من باب تيسير العسرى، يعني النار، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟

طالب:.......

{وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(8-10) سورة الليل] قالوا: ترك الجمعة من باب تيسير العسرى؛ لأن الإنسان الذي يسمع هذا الكلام مجرداً عن الآية، يعني أنه من باب التسهيل على المسلم والتخفيف عنه، يحتمل هذا؟

طالب:.......

يحتمل هذا، الذي لا يقرأ الآية التي ذكرناها {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(10) سورة الليل] ترك جمعة واحدة من غير عذر من عظائم الأمور، وترك اثنتين أشد، وأما الثلاث ليختمن الله على قلوبهم، طبع الله على قلبه، الختم هو الشد والاستيثاق على القلب بحيث لا يدخله خير، يكون القلب حينئذٍ مطبوع عليه {خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ} [(7) سورة البقرة].

((أو ليختمن الله)) وهذا مثل: ((لينتهين)) مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة.

((ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن)) ثم ليكونُن ما هي يكونَن، لا، ويش الفرق بينه وبين الذي قبله: ((ثم ليكونُن من الغافلين)) الفاعل في الأول والثاني ظاهر، فما فيه ضمير يكون فاعل، هنا في الأخير الفاعل ضمير، واو الجماعة.

طالب:.......

((ثم ليكونن من الغافلين)) ففصل بين الفعل وبين نون التوكيد الثقيلة بالضمير الذي هو الفاعل، ولا يبنى الفعل المضارع مع نون التوكيد إلا إذا كانت مباشرة.

...................................
من نون توكيد مباشر ومن

 

 وأعربوا مضارعاً إن عريا
نون إناث كيرعن من فتن

ج

((ثم ليكونن من الغافلين)) الذين يغفلون عن مصالحهم فلا يجلبون لأنفسهم خيراً، ولا يتقون ولا يدفعون عن أنفسهم شراً.

"رواه مسلم".

ثم بعد هذا قال: "وعن قدامة بن وبرة عن سمرة بن جندب" قدامة بن وبرة مجهول لا يدرى من هو؟ فالخبر بسببه ضعيف "عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ترك الجمعة في غير عذر فليتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ورواه أبو داود مرسلاً، وفيه: ((فليتصدق بدرهم أو نصف درهم أو صاع حنطة أو نصف صاع)) قال البخاري: قدامة بن وبرة لم يصح سماعه" يعني من سمرة، فهو منقطع، إضافة إلى كونه مجهولاً لا يعرف "وقال البخاري: قدامة بن وبرة لم يصح سماعه من سمرة" يعني فيه علتان:

الأولى: الجهالة في قدامة بن وبرة، ومن شرط قبول الراوي أن يكون معروفاً بالثقة، لا يكفي أن يكون معروفاً فقط، بل لا بد أن يكون معروفاً بالثقة، وهذا مجهول لا يدرى.

لم يصح سماعه أيضاً من سمرة، ووهم من رواه عن الحسن عن سمرة، بل هو من رواية قدامة بن وبرة، ولذا الكفارة هذه ليست صحيحة، يعني تقدمت الكفارة في وطأ الحائض، والخلاف في ثبوت الخبر، والأكثر على تضعيفه، لكن هذا ضعيف باتفاق.

قال -رحمه الله-:

"وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: "كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به" رواه البخاري، وهذا لفظه، ومسلم، ولفظه: "فنرجع وما نجد للحيطان فيئاً نستظل به" وفي لفظ له: "كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء".

الرواية الأولى والثانية يستدل بهما من يرى أن الجمعة تصح قبل الزوال، لكن الرواية الثالثة -اللفظ الثالث- مفسر، والحديث واحد: "كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ زالت الشمس" يعني بعد الزوال، "ثم نرجع نتتبع الفيء" فدل على أن قوله "ليس للحيطان ظل يستظل به" ظل موصوف بكونه يستظل به، والناس يخرجون جماعات بعد صلاة الجمعة فلا يوجد ظل يستظل به المصلون كلهم، مما يدل على أن هذه الصلاة يبادر بها في أول وقتها بعد الزوال بخلاف صلاة الظهر، لا سيما إذا اشتد الحر فإنه يبرد بها من أجل أن يستظل الناس، وأما الجمعة فإنه يبادر بها فيخرجون يتتبعون الفيء، يبحثون عن الظل فلا يوجد ظل يستوعبهم، ظل يستظل به، وأما فيء الزوال فموجود، ليس للحيطان فيء مبالغة في العجلة بها، وعدم تأخيرها، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به، والرواية الثانية: وما نجد للحيطان فيئاً نستظل به، ومعلوم أنهم إذا خرجوا جماعات لا يجدون ظل يستظلون به، لكن قد يستظل الواحد والاثنين يلتصقان بالجدار، أما البقية فلا يوجد ظل يستوعبهم لكثرتهم، وعلى كل حال الحديث بروايتيه الأولى والثانية دليل للحنابلة، لأحمد وإسحاق الذين جوزوا الصلاة -صلاة الجمعة- قبل الزوال، وعلى خلاف بينهم هل تصلى في أول النهار كصلاة العيد أو وقتها يبدأ من بداية وقت صلاة العيد؟ وعند الحنابلة رواية أنها تصلى في الساعة السادسة، وهذه هي التي اختارها الخرقي؛ لأنه من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، في الرابعة كأنما قرب دجاجة، في الخامسة بيضة، ثم السادسة يدخل الإمام، فتصلى في الساعة السادسة، لكن متى تبدأ الساعة السادسة؟ الساعات مقدار من الزمان من غير تحديد، ليست هي الساعات الفلكية التي استحدثت فيما بعد بحيث تكون الساعة ستين دقيقة متساوية مع الساعة التي تليها والتي قبلها، إذا قيل: تحدثا ساعة يمكن أن تكون الساعة نصف ساعة فلكية، ويمكن تكون ساعتين، المقصود أنها مقدار من الزمن ليس محدداً، إنما يقسم الوقت من ارتفاع الشمس وحل الصلاة إلى دخول الإمام على خمسة أو على ستة، فيخرج مقدار الساعة، قد تكون الساعة ساعة، وقد تكون ساعة إلا خمس، كما هو الشأن في الشتاء، أو ساعة وربع كما هو الشأن في الصيف؛ لأن بين طلوع الشمس إلى الزوال في الصيف أطول مما بين طلوع الشمس إلى الزوال في الشتاء بمقدار ساعتين من ساعاتنا، فالساعة ليست محددة، المقصود أن الحنابلة عندهم أنه يجوز أن تصلى الجمعة قبل الزوال استدلالاً بهذه الأحاديث، لكن الرواية الثالثة أو اللفظ الثالث مفسر: "كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء" إذا زالت الشمس هذا ما يحتاج إلى تأويل، يعني بعد أن تزول الشمس، وبهذا قال الأئمة الثلاثة، وأن وقتها هو وقت صلاة الظهر، يبدأ من بعد الزوال إلى مصير ظل كل شيء مثله، مثل الظهر، وبهذا قال الأئمة الثلاثة، وعليه الفتوى، والآن نص أن الجمعة لا تصح قبل الزوال.

الظل هو الفيء، والفيء مأخوذ من الرجوع، من فاء إذا رجع، والظل بدلاً من أن يكون إلى جهة المغرب في أول النهار بعد الزوال ينتقل إلى المشرق؛ لأن الشمس مالت إلى جهة المغرب.

"وعن عبد الله بن سيدان السلمي قال: "شهدت الجمعة مع أبي بكر -رضي الله عنه- وكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر -رضي الله عنه- فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان -رضي الله عنه- فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: زال النهار، فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره" رواه الدارقطني، واحتج به أحمد" يعني على جواز الصلاة -صلاة الجمعة- قبل الزوال، لكن الحديث ضعيف.

يقول الإمام البخاري في عبد الله بن سيدان: "لا يتابع في حديثه" لا يتابع بل هو ضعيف.

يقول النووي -رحمه الله تعالى-: "اتفقوا على ضعف ابن سيدان، وحديثه لا يحتج به في مقابل ما جاء في الصحيحين وغيرهما".

"وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة" القيلولة هي النوم في منتصف النهار، وهي من أنفع الأوقات للنوم بعد نوم الليل، بخلاف النوم في أطراف النهار في أوله وفي آخره فهو نوم لا يفيد البدن، بل يزيد في تعبه، أما القيلولة فهي ثابتة شرعية عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان الأمر في ذلك سعة الإنسان الأصل فيه أن ينام بالليل، ويسعى في النهار، هذه السنة الإلهية، الليل سكن والنهار معاش، لكن كثير من الناس بعد أن فتحت الدنيا على المسلمين صاروا بالعكس، ووجد ما يعينهم على السهر ويسهله عليهم من وسائل الحضارة الكهرباء ووسائل الترفيه، قبل الكهرباء كيف يسهرون الناس في الظلام؟ يستغلون هذا الظلام بالنوم، كما هو السنة الإلهية، والنهار معاش، والظروف مناسبة لتطبيق هذه السنن الإلهية، لكن الآن الليل عند كثير من الناس أمتع وأحسن للاجتماعات والأسفار واللقاءات من النهار، تجد كثير من الأعمال إنما تقضى بالليل، والأسفار أكثرها إنما يكون بالليل، وهذا قلب للسنة الإلهية، ومضر أيضاً بالبدن، فإذا نام قسطاً كافياً من الليل، وعمل من أول النهار في أمور دينه ودنياه احتاج إلى أن يرتاح في منتصف النهار، وهو ما يسمى بالقيلولة "ما كنا نقيل ولا نتغدى" يعني نتناول الطعام الذي يؤكل في وسط النهار، وكانت طريقة العرب الأكل في أول النهار في الغداة، والعشاء بالعشي، فما كنا نتغدى، ثم صار وقت الغداء منتصف النهار "إلا بعد الجمعة".

"وفي رواية: "في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" متفق عليه، واللفظ لمسلم" هذا من أقوى الأدلة التي يستدل بها الحنابلة على أن صلاة الجمعة تفعل قبل الزوال، لكن إذا عرفنا طريقة أهل ذلك الزمان لا سيما في المدينة الذين نزل عليهم القرآن نجد قيلولتهم بعد الظهر {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ} [(58) سورة النــور] فنومهم بعد الظهر، وإن كان الأصل أن القيلولة في وقت القائلة، وهي شدة الحر في آخر الضحى، لكن جرت عادتهم أن قيلولتهم إنما تكون بعد الظهيرة {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ} [(58) سورة النــور] فلا يكون فيه مخالفة لما سبق، ولا يعارض قول الجمهور، وإلا فالحديث متفق عليه، يعني إذا قلنا: إن حديث عبد الله بن سيدان فيه كلام، فهذا الحديث متفق عليه، لكن توجيهه ما سمعتم.

"متفق عليه، واللفظ لمسلم".

"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب وهو قائم" نعم هذا هو المعروف من عادته -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يخطب قائماً، وكان أبو بكر كذلك يخطب قائماً وعمر وعثمان وعلي، وأول من خطب جالساً معاوية -رضي الله عنه وأرضاه-؛ لأنه ثقل في آخر عمره ركبه اللحم والشحم، وضعف فصار يخطب جالساً، فجلوسه للحاجة، وأهل العلم يختلفون في حكم القيام في الخطبة، فمنهم من يرى أنه سنة؛ لأن الخطبة يمكن أن تتأدى من قعود، ومنهم من يرى الوجوب، وهذا هو الصحيح؛ لأن الأصل فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما فعل خلافه ولا مرة؛ ليدل على الجواز، إنما خطب جميع خطبه -عليه الصلاة والسلام- قائماً، وكذلك خلفاؤه من بعده.

"كان يخطب وهو قائم يوم الجمعة فجاءت عير" العير هي الإبل المحملة بالبضائع "فجاءت عير من الشام" في وقت هم بأمس الحاجة إليها، هم محتاجون لما تحمله هذه الإبل، وهذه العير من البضائع التي تستورد من الشام.
"فجاءت عير من الشام فانفتل" يعني انصرف، يعني خرجوا من المسجد إلى هذه العير، الجيل المثالي جيل الصحابة مما يدل على أن البشر مهما بلغوا من الاتباع والتدين أنهم لن يخرجوا عن إطار ما جبلوا عليه من طبائع البشر، نعم الدين يهذبهم ويربيهم ويأطرهم على الحق والخير والفضل لكنه لا يخرجهم عن طبيعتهم البشرية ((إنما أنا بشر)) يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- وكسائر البشر يمرض -عليه الصلاة والسلام- ويأكل ويشرب ويصيبه ما يصيب البشر إلا أنه معصوم -عليه الصلاة والسلام- ((إنما أنا بشر أقضي على نحو ما أسمع)) فالصحابة أيضاً بشر، وقد يقول قائل: الصحابة الذين نزل عليهم القرآن بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام- ونظروا إليه وإلى أفعاله وهديه كيف يخرجون والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب؟! أنت لو أنت بحضرة شخص من الصالحين ما خرجت وهو يتكلم أو شيخ تهابه وتجله ما خرجت وهو يتكلم، فكيف بالصحابة ويخرجون من النبي -عليه الصلاة والسلام-؟!

"فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها -انصرفوا إليها- حتى لم يبقَ إلا اثنا عشر رجلاً، فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [(11) سورة الجمعة]" قائماً: هذا وصفه وهو يخطب -عليه الصلاة والسلام- يخطب من قيام {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا} [(11) سورة الجمعة] انصرفوا إليها {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [(11) سورة الجمعة] تخطب هذا عتاب من الله -جل وعلا- للصحابة -رضوان الله عليهم-؛ لأن الإنسان إذا حضر للخطبة لا يجوز له أن يقول لجاره: أنصت، اسكت، لا يجوز له أن يمس الحصى، لا يجوز له أن يعبث ولا يلغو، فكيف به ويخرج من المسجد ويترك الخطيب؟! وهل في هذا عذر أن يكون محتاجاً إلى هذه البضاعة؟ هل هو عذر في أن يترك الإمام وهو يخطب؟ قد يقول قائل: هذا عذر، لو كان عذراً ما عوتبوا، وهل ارتكبوا محرماً أو خلاف الأولى؟ الذي صلى خلف معاذ وترك نواضحه وخشي على الماء الذي تستنبطه هذه النواضح خشي فانصرف وترك الصلاة مع معاذ لإطالته وصلى بمفرده وانصرف، وما عاتبه النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا ترك الصلاة وانصرف، صلى صلاة خفيفة وانصرف، وهؤلاء قد يكونون بحاجة إلى هذه البضائع، تركوا النبي -عليه الصلاة والسلام- قائماً يخطب وانصرفوا، فعاتبهم الله -جل وعلا-: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} [(11) سورة الجمعة] ذمهم {تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [(11) سورة الجمعة] {تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} [(11) سورة الجمعة] التجارة واضحة هذه العير محملة بالبضائع، اللهو ما الذي حصل بالفعل؟ يعني سبب نزول الآية أنه جاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها، فنزل: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} [(11) سورة الجمعة] هم رأوا تجارة، أو رأوا ما يدل على حصول شيء، الآن رؤيتهم للتجارة وهم في المسجد هل هي رؤية بصرية أو علمية؟ يعني بلغهم، أو سمعوا ما يدل على حضور شيء؟ هم في المسجد، والمسجد محاط بالجدران، والله -جل وعلا- يقول: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} [(11) سورة الجمعة] ما اللهو الذي رأوه؟ وما معنى (أو) هنا؟ (أو) للتقسيم يعني بعضهم خرج للتجارة وبعضهم خرج للهو؟ نعم؟

طالب:.......

بمعنى (بل) يعني رأوا تجارة بل لهو، والتجارة لهو؟ نعم؟

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

إيه هي رؤية علمية لا بصرية؛ لأنهم في المسجد، قد تكون (أو) للتقسيم يكون بعضهم خرج للتجارة وبعضهم خرج للهو، وقد تكون بمعنى (بل) كما أشار الأخ، وأنهم وإن كانت..، وإن كان السبب والمخرج لهم التجارة على حد زعمهم إلا أنهم تركوا التجارة الحقيقية في المتاجرة مع رب العالمين، وخرجوا إلى اللهو، أمور الدنيا كلها لهو، التجارة الحقيقية: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(10) سورة الصف] {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [(29) سورة فاطر] هذه التجارة الحقيقية، والدنيا كلها لهو {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ} [(20) سورة الحديد] وهذا تزهيد في الدنيا، تزهيد بعروض الدنيا، ومتع الدنيا {انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [(11) سورة الجمعة] فالحديث دليل على أن خطبة الجمعة إنما تؤدى من قيام.

ومن شرط الجمعة تقدم خطبتين يجلس بينهما الخطيب، شرط لصحة الجمعة أن يتقدمها خطبتان.

"متفق عليه، وزاد مسلم: "حتى لم يبقَ معه إلا اثنا عشر رجلاً، فيهم أبو بكر وعمر" وفي رواية له أيضاً -من حديث جابر-: أنا فيهم" يعني من الاثنا عشر أبو بكر وعمر وجابر، ولم يسم من خرج ستراً عليهم؛ لأن مثل هذه الأمور لا تحصل فيها التسمية، كثير من القضايا التي حصل فيها شيء من الخلل بالنسبة لبعض الأشخاص فإنه لا يسمى ستراً عليه.

فالحديث دليل على أن الخطبة إنما تؤدى من قيام، وأوجبها أوجب القيام جمع من أهل العلم، واستحبه آخرون، بل منهم من زاد على ذلك فقال: القيام شرط، وأن الخطبة لا تصح من قعود، والذي يظهر أن أوسط الأقوال أنها واجبة، ويأثم بالجلوس، لكن الخطبة صحيحة.

وعن بقية وهو بن الوليد وهو معروف بالتدليس قال: "حدثني يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر -رضي الله عنهم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وبقية صرح بالتحديث قال: "حدثني يونس بن يزيد عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر -رضي الله عنهم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى))" وفي الصحيح: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة في صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) وهنا: ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها)) يعني من الصلوات: ((فليضف إليها أخرى)) يعني إذا كانت الصلاة ثنائية كالجمعة والفجر ((وليضف إليها ثلاثاً)) كما في البيهقي إذا كانت صلاة العصر، وأدرك من وقت المغرب ركعة يضف إلى هذه الركعة، أو يضيف إلى هذه الركعة ركعتين وهكذا.

المقصود أن من أدرك ركعة سواءً كانت من صلاة الصبح أو صلاة العصر كما جاء في الصحيح، أو الجمعة كما هنا على خلاف في ثبوت الخبر أو غيرها من الصلوات كما أشار إليه خبر الباب.

((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها)) وكلٌ على مذهبه بما تدرك به الركعة، فالجمهور أن الركعة تدرك بإدراك الركوع مع الإمام، ومنهم -وهو قول أبي هريرة والبخاري ويرجحه الشوكاني- أن الركعة لا تدرك إلا بقراءة الفاتحة مع الإمام، المسبوق الذي لا يقرأ الفاتحة لا يكون قد أدرك الركعة عند هؤلاء، لكن عامة أهل العلم على أن الفاتحة والقيام يسقط، يكبر تكبيرة الإحرام من قيام ثم يركع يتابع الإمام، وبذلك يكون قد أدرك الركعة إذا لم يرفع الإمام قبل اعتداله بالركوع.

((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى)) لأنه في الحديث الصحيح: ((من أدرك من صلاة الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) قد يفهم من يفهم أنه إذا أدرك الصبح بركعة أنها تكفي، أدرك الصبح، لكن جاء في الخبر ما يبين أنه لا بد من إتمام الصلاة، يضيف إليها ما بقي، سواءً كانت ركعة أو أكثر.

((وقد تمت صلاته)) وفي رواية: ((فقد أدرك الصلاة)).

إدراك الجماعة على ما تقدم يكون عند الجمهور بإدراك جزء منها، وينص الفقهاء على أن من كبر تكبيرة الإحرام قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس، يعني إذا أدرك أي جزء من الصلاة قبل سلام الإمام أدرك الجماعة، والذي يرجحه شيخ الإسلام وجمع من أهل العلم أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة، وأن ما دون الركعة لا يسمى صلاة، فلا يحصل به إدراك كالجمعة، أما بالنسبة للجمعة فهي محل اتفاق أن الذي لا يدرك ركعة كاملة لا يدرك الركوع الثاني مع الإمام في صلاة الجمعة فإنه يصليها ظهراً، تكون فاتته الجمعة إذا لم يدرك ركعة، ورفع الإمام من الركعة الثانية فعليه أن يصليها ظهراً.

طيب دخل والإمام يرفع من الركعة الثانية، أو دخل وهو راكع فلم يدرك الركعة الثانية، ولا يعرف هل هي الركعة الأولى أو الثانية؟ فهل ينوي ظهر وإلا ينوي جمعة وقت الدخول؟ ثم إذا تبين له أنها الثانية فلا بد أن يصليها أربعاً، وقد نواها احتمال ينويها جمعة؛ لأنه ما يدري، واحتمال أن ينويها ظهراً على أنها الثانية، ثم يتبين أنها الأولى، فهل تصح منه جمعة وقد نواها ظهراً؟ وهل تصح منه ظهراً وقد نواها جمعة؟ ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) فلا بد أن يتبين قبل أن يدخل، وإذا دخل متردداً فقال: إن كانت الأولى فهي جمعة، وإن كانت الثانية فهي ظهر، تصح بهذه النية أو لا تصح؟

طالب:.......

هاه؟

طالب: الله أعلم.

نبي علم الطلاب...

هاه؟

يعني في حديث عمر: ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) لا....... مع التردد لا بد من الجزم بالنية، طيب إذا قال ليلة الثلاثين من شعبان: والله ما أنا منتظر حتى يعلن عن الشهر بأنام، فإن كان غداً من رمضان فهو فرضي، ثم أصبح وصام، ثم بعد ذلك عرف أنه من رمضان عند الجمهور لا يصح الصيام، وشيخ الإسلام يقول: ليس بإمكانه إلا هذا، فعلى هذا يصح صيامه، والمسألة لا بد فيها من التحري، هذه نية، والنية شرط لصحة العبادة، فلا بد أن يدخل العبادة بيقين وجزم لا يتردد.

"رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني وهذا لفظه، وإسناده جيد، لكن تكلم فيه أبو حاتم وقال: هذا خطأ في المتن والإسناد" أما أن يقول: إن الحديث لا يعرف من حديث ابن عمر، وإنما هو من حديث أبي هريرة، وأنه لا يعرف لفظ الجمعة، وإنما لفظ الصلاة، وعلى كل حال ما يخشى من تدليس بقية فقد زال بتصريحه بالتحديث، وبقية معروف بتدليس التسوية.

"وعن بقية قال: حدثني يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري عن سالم بن عبد الله" والمدلس تدليس تسوية لا بد أن يصرح بالتحديث في جميع طبقات السند؛ لأنه قد لا يحذف شيخه بل قد يحذف شيخ الشيخ، وعلى كل حال هذا الخبر مختلف فيه إلا أن حكمه متفق عليه، وأن من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الجمعة، فعليه أن يضيف إليها أخرى، ومن أدرك أقل من ركعة فإنه يصليها ظهراً.

"خطأ في المتن والإسناد، وقال ابن أبي داود: لم يروه عن يونس إلا بقية، وقد رواه النسائي أيضاً من حديث سليمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب عن سالم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يعني مرسلاً: ((من أدرك ركعة من صلاة من الصلوات فقد أدركها إلا أنه يقضي ما فاته)) وهو مرسل" يعني من حديث سالم ولم يذكر فيه ابن عمر.

"وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب قائماً" وهذا مما يؤيد ما سبق من أن الخطبة لا بد أن تكون من قيام، كما كان عليه -عليه الصلاة والسلام- وخلفاؤه من بعده.

"كان يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم" يجلس بين الخطبتين ثم يقوم للثانية فيخطب قائماً "فمن نبأك" أي أخبرك "أنه كان يخطب جالساً فقد كذب" يعني خالف الواقع، سواءً كان قاصداً للكذب أو غير قاصد "فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة" الآن الصلاة التي يستدل بها بحضوره إياها جميع الصلوات وإلا صلاة الجمعة التي فيها الخطبة؟ أو الصلوات التي فيها الخطبة سواءً كانت صلاة جمعة أو عيد أو استسقاء؟ لأنه يتكلم عن الخطبة من قيام فتشمل جميع الخطب صلى معه أكثر من ألفي صلاة، إذا قلنا: جمعة فالسنة فيها خمسين جمعة، والألف بعشرين سنة، والألفين بأربعين سنة، إذا قلنا: هذا خاص بالجمعة، يحتاج إلى أربعين سنة ليصلي مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ألفي صلاة، وإذا أدرجنا فيها الأعياد الاستسقاء، وإن كان قليل يعني ما هو مثل الأعياد السنة مرتين، يعني في عشر سنوات يصلي عشرين نعم، الجمع اللي هي خمسين، إذا قلنا: في السنة مرتين عشرين عيد في عشر سنوات، وفي عشرين أربعين عيد، لن يصل إلى ألفين حتى ندخل الصلوات الخمس إلا إذا قلنا: إن العدد غير مراد، والمراد بذلك التكثير، وأنه ما تخلف عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإلا إذا قلنا: الجمعة فألفي جمعة تحتاج إلى أربعين سنة، فإذا أدخلنا معها الأعياد يعني قل العدد قليلاً، فلعل المراد الصلوات الخمس أو جميع الخطب في حياته -عليه الصلاة والسلام-، يخطب في الصلوات وغير الصلوات، في كل مناسبة يخطب -عليه الصلاة والسلام-، لكنه يقول: صلاة، والعدد الذي ذُكر لعله إلى المبالغة أقرب منه إلى الحقيقة.

"رواه مسلم" والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

"