كتاب الجامع من سبل السلام (17)

نعم تفضل.

"بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

وعن المقدام بن معد يَكرب قال.."

ابن معديْكرب.

نعم يا شيخ.

ابن معديْكرب.

وعن المقدام بن معديْكرب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما ملأ ابن آدم وعاءً شرٌّ من بطنه»."

شرًّا.

أحسن الله إليك.

ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه». أخرجه الترمذي، وأخرجه ابن حبان في صحيحه وتمامه: «فحسب ابنُ آدم..»."

ابنِ.. فحسب ابنِ..

فحسب ابنِ آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان فاعلاً لا محالة»، وفي لفظ ابن ماجه: « فإن غلبت ابنِ آدم نفسه»."

ابنَ..

" « فإن غلبت ابنَ آدم نفسه فثلثا لطعامه وثلثا لشرابه وثلثا لنفسه ».

 والحديث دليل على ذم التوسع في المأكل والشبع والامتلاء، والإخبار عنه بأنه شر؛ لما فيه من المفاسد الدينية والبدنية، فإن فضول الطعام مجلبة للسقام، ومثبطة عن القيام بالأحكام، وهذا الإرشاد إلى جعل الأكل ثلث ما يدخل المعدة من أفضل ما أرشد إليه سيد الأنام -صلى الله عليه وسلم-، فإنه يخف على المعدة، ويستمد من البدن الغذاء، وتنتفع به القوى، ولا يتولد عنه شيء من الأدواء."

لا شك أن هذا من القواعد الشرعية في علم الطب، من القواعد الشرعية إذا أضيف إلى قوله- جل وعلا -: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} [سورة الأعراف:31]، ولو عملنا بهذه التوجيهات الشرعية ما احتجنا إلى طبيب، ما احتجنا، والآن الطب انتشاره وسعته وحاجة الناس إليه أكثر من حاجتهم إلى أي شيء؛ بسبب مخالفة هذه القواعد، تجد الإنسان يأكل حتى يشبع، لا يترك مجالًا لنفَس، لا يترك مجالًا لنفَس، وإذا أراد أن يقوم لعبادة ما استطاع، إذا أراد أن يتصوَّر شيئًا ما قدر، مغطى على عقله، فضلاً عن كونه يتنفَّل أو يقوم ليلًا، أو كونه..

طالب: .........

 لا لا، ما فيه، يشبع ثم يقوم الليل ما يستطيع، وليس هذا من دأب الصالحين الذين هم أهل القيام، وتجده إذا أراد أن يصوم حسب حسابًا أو ألف حساب لوجبة الغداء ماذا يفعل؟ هو ينتظرها على فارغ الصبر.

طالب: .........

 صحيح يا إخوان، هذه مشكلة ومشكلة لا نقدرها قدرها، تجد بعض الصالحين وبعض من ينتسب إلى العلم إذا جلس على المائدة كأنه مودع، يأكل أكل مودِّع، كأنه لن يرى المائدة غير هذه المرة، وأصحاب التحري وأصحاب الحرص على براءة الذمة.. والذين همهم آخرتهم ما يفعلون هذا.

"وقد ورد من الكلام النبوي شيء كثير في ذم الشبع؛ فقد أخرج البزار بإسنادين أحدهما رجاله ثقات مرفوعًا بلفظ: «أكثرهم شبعًا في الدنيا أكثرهم جوعًا يوم القيامة». قال: قاله -صلى الله عليه وسلم- لأبي جحيفة لما تجشأ فقال: «ما ملأتُ بطني منذ ثلاثين سنة». وأخرج الطبراني بإسناد حسن: «أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع غدًا في الآخرة»، زاد البيهقي: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» وأخرج الطبراني بسند جيِّد أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً عظيم البطن فقال بأصبعه «لو كان في غير هذا لكان خيرا لك»."

نعم، لو كانت هذه الأموال التي أنفقتها على الطعام في غير هذا خير لك، ما مآلها هذي؟! ما مآل هذا الذي في البطن؟! يقول الناظم: ويمكن في مسجد ما يصلح، لكن يقول:

من تكن همته ما يولج

 

 

 

في بطنه قيمته ما يخرج

"وأخرج البيهقي واللفظ له، وأخرجه الشيخان مختصرًا: «ليؤتين يوم القيامة بالعظيم الطويل الأكول الشروب، فلا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرؤوا إن شئتم: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} [سورة الكهف:105]». وأخرج ابن أبي الدنيا أنه -صلى الله عليه وسلم- أصابه جوعا يومًا، فعمد إلى حجر فوضعه على بطنه.."

أصابه جوعٌ.

"أنه -صلى الله عليه وسلم- أصابه جوعٌ يومًا، فعمد إلى حجر فوضعه على بطنه، ثم قال: «ألا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا جائعة عارية يوم القيامة، ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين، ألا رب مهين لنفسه وهو لها مكرِم». وصح حديث «من الإسراف أن تأكل كل ما اشتهيت». وأخرج البيهقي بإسناد فيه ابن لُهيعة.."

لَهيعة.

"وأخرج البيهقي بإسناد فيه ابن أبي.."

فيه ابن لَهيعة.

"وأخرج البيهقي بإسناد فيه ابن لَهيعة، عن عائشة قالت: رآني النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أكلت في اليوم مرتين فقال: «يا عائشة، أما تحبين ألا يكون لكِ شغل إلا جوفكِ؟ الأكل في اليوم مرتين من الإسراف، أما تحبين ألا يكون لكِ شغل إلا جوفك؟ الأكل في اليوم مرتين من الإسراف، والله لا يحب المسرفين»."

وهذا الخبر فيه على ما ذكر ابن لَهيعة، وهو مضعَّف عند أهل العلم، وجاء في الخبر عن بعض السلف أن من وضع على مائدته ثلاثة ألوان من الطعام فقد طغى.

"وصح: «كلوا واشربوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة». وأخرج ابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط: «سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام، ويشربون ألوان الشراب، ويلبسون ألوان الثياب، ويتشدقون في الكلام، فأولئك شرار أمتي». وقال لقمان لابنه: يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة، وفي الخلو عن الطعام فوائد، وفي الامتلاء مفاسد، ففي الجوع صفاء القلب، وإيقاد القريحة، ونفاذ البصيرة، فإن الشبع يورث البلادة، ويعمي القلب، ويكثر البخاري في المعدة والدماغ كشبه.."

السُّكْر.

"كشبه السُّكْر حتى يحتوي على معادن الفكر، فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الأفكار، ومن فوائده كسر شهوة المعاصي كلها.."

الجوع، يعني الجوع، ولذلك وجه النبي -عليه الصلاة والسلام- من كان مشتاقًا للنساء محتاجًا إليهن، وليست عنده قدرة إلى الصوم.

"ومن فوائده كسر شهوة المعاصي كلها، والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء، فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى كلها، فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى، ومادة القوى الشهوات، والشهوات لا محالة، ومادة القوى الشهوات لا محالة.."

والشهوات لا محالة.. ماذا ؟

 مكرر الشهوات؟

نعم..

طالب: ........

ماذا؟

طالب: ........

طيب والشهوات..

طالب: ........

طيب.

"ومادة القوى الشهوات، والشهوات لا محالة الأطعمة، فتقليلها يضعف كل شهوة وقوة، وإنما السعادة كلها في أن يملك الرجلَ نفسه.."

الرجلُ.

"وإنما السعادة كلها في أن يملك الرجلُ نفسه، والشقاوة كلها في أن تملكه نفسه. قال ذا النون.."

ذو ذو.. قال ذو النون..

"قال ذو النون: ما شبعت قط إلا عصيت، أو هممت بمعصية. وقالت عائشة- رضي الله عنها-: أول بدعة حدثت بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الشبع، إن القوم لما شبعت بطونهم جمحت بهم نفوسهم إلى الدنيا. ويقال: الجوع خزانة من خزائن الله، وأول ما يندفع بالجوع شهوة الفرج، وشهوة الكلام، فإن الجائع لا تتحرك عليه شهوة فضول الكلام، فيتخلص من آفات اللسان، ولا تتحرك عليه شهوة الفرج، فيتخلص من الوقوع في الحرام. ومن فوائده قلة النوم، فإن من أكل كثيرًا شرب كثيرًا فنام طويلاً. وفي كثرة النوم خسران الدارين، وفوات كل منفعة دينية ودنيوية، وعد الغزالي في الإحياء عشر فوائد لتقليل الطعام، وعد عشر مفاسد للتوسع منه، فلا ينبغي للعبد أن يعود نفسه ذلك، فإنها تميل به إلى الشِّره.."

الشَّره.

"فإنها تميل به إلى الشَّره، ويصعب تداركها، و.."

ليرضها.

"وليرضها في أول الأمر على السداد، فإن ذلك أهون له من أن.."

يجرئها.

"فإن ذلك أهون له من أن يجرئها على الفساد، وهذا أمر لا يحتمل الإطالة؛ إذ هو من الأمور التجريبية التي قد جربها كل إنسان، والتجربة من أقسام البرهان."

وعُرف عن السلف أنهم يتركون تسعة أعشار الحلال؛ خشية أن يقعوا في الحرام؛ لأن الإنسان إذا عوَّد نفسه أن يلبي لها كل ما تطلب فقد يكون قادرًا على ذلك، لكن قد تطلب شيئًا ولس بموجود، أو ليس عنده ما يستطيع الحصول عليه به، ثم يلتفت يمينًا وشمالاً وقد مرن نفسه عليه، ولا يستطيع الصبر عنه، فيطلبه من وجه فيه نوع شبهة، أو كراهة أو حرمة، ثم بعد ذلك يتساهل في ذلك إلى أن يقع في الحرام.

"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كل بني آدم خطاء»، أي كثيرو الخطأ؛ إذ هو صيغة مبالغة.."

عندك: خطاء أم خطاؤون؟

طالب: ........

الشرح أي كثيرو الخطأ يدل على أنهم خطاؤون.

"قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كل بني آدم خطاؤون» أي كثيرو الخطأ؛ إذ هو صيغة مبالغة. «وخير الخطائين التوابون». أخرجه الترمذي وابن ماجه، وسنده قوي، والحديث دال على أنه لا يخلو من الخطيئة من الخطيئةِ إنسان؛ لما جبل عليه هذا النوع من الضعف وعدم الانقياد لمولاه في فعل ما إليه دعاه، وترْك ما عنه نهاه، ولكنه تعالى بلطفه فتح باب التوبة لعباده، وأخبر أن خير الخطائين التوابون المكثرون للتوبة، على قدر كثرة الخطأ، وفي الأحاديث أدلة على أن العبد إذا عصى الله وتاب تاب الله عليه، ولايزال كذلك، ولن يهلك على الله إلا هالك، وقد خَص من هذا العموم يحيى بن زكريا -عليه السلام- فإنه.."

خُص.

"وقد خُص من هذا العموم يحيى بن زكريا -عليه السلام-، فإنه قد ورد أنه ما همَّ بخطيئة وروي أنه لقيه إبليس ومعه معاليق من كل شيء، فسأله عنها، فقال: هي الشهوات التي أصيب بها بني آدم، فقال: هل لي فيها شيء؟ قال: ربما شبعت فشغلناك عن الصلاة والذكر، قال: هل غير ذلك؟ قال: لا، قال: لله عليَّ ألا أملأ بطني من طعام أبدًا. فقال إبليس: لله علي ألا أنصح مسلمًا أبدًا."

لعل هذا مما تُلقِّي عن بني إسرائيل.

"وعن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الصمت حكمة وقليل فاعله». أخرجه البيهقي في الشعب بسند ضعيف، وصح أنه موقوف من قول لقمان الحكيم، وسببه أن لقمان دخل على داود -عليه السلام- فرآه يسرد دَرعًا لم يكن رآها.."

دِرعًا.. دِرعًا..

"فرآه يسرد دِرعًا لم يكن رآها قبل ذلك فجعل يتعجب مما رأى فأراد أن يسأل عن ذلك فمنعته حكمته عن ذلك، فترك ولم يسأله، فلما فرغ قام داود ولبسها ثم قال: نعم الدرع للحرب، فقال لقمان: الصمت حكمة الحديث، وقيل: تردد إليه.."

سنة.

"تردد إليه سنة، وهو يريد أن يعلم ذلك، ولم يسأله.

 وفيه دليل على حسن الصمت ومدحه، والمراد به والمراد به عن فضول الكلام، وقد وردت عدة أحاديث دالة على مدح الصمت، ومدحه دالة على مدح الصمت ومدَحه العقلاء والشعراء، وفي الحديث: «من صمت نجا». وقال عقبة بن عامر: قلت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما النجاة؟ قال: «أمسك عليك لسانك»، الحديث، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من تكفل لي ما بين لحييه».."

بما بما.. بما بين لحييه.

"من تكفل لي.."

بما بين لحييه ورجليه.

من تكفل لي بما بين لحييه ورجليه أتكفل له بالجنة»، وقال معاذ- رضي الله عنه-، وقال معاذ -رضي الله عنه- له.."

عليه الصلاة والسلام.

"وقال معاذ- رضي الله عنه- له -صلى الله عليه وسلم-.."

كذا صح يا شيخ؟

أنؤاخذ..

"أنؤاخذ بما نقول؟ قال: «ثكلتك أمك وهل يُكَب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».."

يَكُب يَكُب..

"وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» والأحاديث فيه واسعة جدًّا، والآثار عن السلف كذلك.

 واعلم أن فضول الكلام لا تنحصر، بل المهم محصور في كتاب الله تعالى، حيث قال: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [سورة النساء:114]، وآفته لا تنحصر، فعد منها الخوض في الباطل، وهي الحكاية للمعاصي من مخالطة النساء، ومجالس الخمر، ومواقف الفساق، وتنعم الأغنياء، وتجبر الملوك ومراسمهم المذمومة، وأحوالهم المكروهة، فإن كل ذلك مما لا يحل الخوض فيه، فهذا حرام، ومنها الغيبة والنميمة، وكفى بهما هلاكًا في الدين، وكفى بهما هلاكًا في الدي، ومنها المراء والمجادلة والمزاح، ومنها الخصومة والسب والفحش وبذاءة اللسان، والاستهزاء بالناس والسخرية والكذب. وقد عد الغزالي في الإحياء عشرين آفة، وذكر في كل آفة كلامًا بسيطًا حسنًا، وذكر علاج هذه الآفات."

هذه الآفات التي ذكرها الشارح لا يكاد يسلم منها مجلس من مجالس اليوم عند الشباب بمن فيهم بعض الخاصة من طلاب العلم، إلا من رحم الله، فالناس ابتلوا بالفضول، فضول الكلام، فضول الخلطة، فضول النوم، فضول السمع، فضول البصر، كل شيء يزيد عما يحتاج إليه لا شك أنه ليس من مصلحة الإنسان أن يسترسل فيه إذا زاد في كلامه، لا بد أن يقع، ولا بد أن يسقط، وأن يقول ما لا يرضي الله -جل وعلا- إذا طال المجلس لا بد أن ينتهي الكلام المفيد ويُمَل ويُترَك، وإذا ما ترك أظنهم ينصرفون، ما يستمرون؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، بخلاف النار التي حفت بالشهوات، أيضًا الاستماع، الإنسان شغوف لأن يسمع كل ما يقال، فتجد بعض الناس كل الليل من إذاعة، من قناة، من شيء، من يسمع أخبارًا، ويسمع كذا، كله من أجل هذه الآفة.

 فضول النظر تجده يقلب بصره يمينًا وشمالاً عله أن يقع على شيء يعجبه أو شيء ما رآه، كل هذا من الاستشراف وحب الاستطلاع، مما الإنسان في غنية عنه لو انشغل الإنسان بإصلاح دينه وشيء من دنياه لشغله ذلك عن هذه الفضول.

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.