التعليق على تفسير القرطبي - سورة الحجرات (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إنما المؤمنون إخوة.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"قوله تعالى: {إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [سورة الحجرات: 10]، فيه ثلاث مسائل:

الأولى: قوله تعالى: {إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} أي في الدين والحرمة، لا في النسب، ولهذا قيل: إخوة الدين أثبت من أخوة النسب، فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب. وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانًا» . وفي رواية: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات-، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه»، هذا لفظ مسلم". 

يعني هذه الألفاظ التي جاءت في هذه الأحاديث كلها تدل على وجوب اجتناب ما يسبِّب القطيعة بين المسلمين، وجاء بعضها في أحاديث، والبعض الآخر في أحاديث آخر، كل ما يسبِّب القطيعة، يسبِّب التشاحن والتباغض، كل هذا يجب تركه؛ لتكون القلوب صافية مع بعض، ويكون المؤمنون محققين لما جاء في هذه الآية: {إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ}، هذه أخوة الدين التي لا تنقطع إلا بفقده، بخلاف أخوة النسب، قد يكون الأخ الشقيق مخالفًا له في الدين، فيكون أبعد الناس إليه، نعم له حق أخوة النسب، ويوصل بقدر ما يكون سببًا في هدايته، وما عدا ذلك لا يجوز محبته ولا مودته، بل يجب بغضه في الله، بخلاف الأخ في الدين فإنه وإن حصل ما حصل منه من جفاء أو من قطيعة أو من أسباب توجب أو توجد شحناء وبغضاء فإنه يحب في الله مع ذلك.

 فالمحبة في الله الناشئة عن الأخوة الدينية لا تنقص مع الجفاء، كما أنها لا تزيد مع الصفح، وهذا المئذان الشرعي عزيز، قد يكون مفقودًا عند كثير من المسلمين، تجد الإنسان يصل من إخوانه في الله من يحسن استقباله، والذي لا يحسن استقباله ولو كان من خير الناس لا يطيقه، هذا واقع أو ليس بواقع؟ هذا الواقع، واقع الناس اليوم، صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، كما قال ابن عباس، بل قد تجد الإنسان يحسن الاستقبال ومع ذلك لا يطاق، لماذا؟ لأن مجلسه جاد، فالناس يحبون الهزل، ويميلون إليه، تجد الإنسان ينبسط ولو انتسب إلى الدين، ولو انتسب إلى الخير، ولو انتسب إلى الفضل وطلب العلم، ينبسط مع من يؤنسه في الكلام الهازل القيل والقال، وقد يخرج منه إلى شيء فيه ما فيه من ممنوع، لكن إذا جاء الحازم الجاد ولو كان محسنًا؛ لأن الاستقبال مع ذلك قد لا يطاق في بعض الأوساط، فالجد ثقيل على النفوس، وعلى الإنسان أن يمرن نفسه على محبة أهل الخير وأهل الفضل، ومحبة من يعينه على الخير.

 اتجاه الناس وميلهم اليوم إلى من يعينهم على تضييع الأوقات في القيل والقال، فإذا جاء الحازم، الجاد، طالب العلم الذي يقول كلمة الحق، وهي ثقيلة على النفوس، تبرَّموا به، وانفضوا قبل وقت انصرافهم العادي؛ لأن المجلس الثقيل لا يتحمل الإنسان البقاء فيه طويلًا، يعني يجامل الإنسان مدة، ثم بعد ذلك ينتهي صبره، والله المستعان.

هذا واقع كثير من المجالس، في المجالس العامة، وهذا كثير قد يوجد في مجالس بعض طلاب العلم، والله المستعان.

"وفي غير الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يعيبه ولا يخذله، ولا يتطاول عليه في البنيان ويستر عليه الريح إلا بإذنه، ولا يؤذيه بقتار قدره إلا أن يغرف له غرفة، ولا يشتري لبنيه الفاكهة فيخرجون بها إلى صبيان جاره ولا يطعمونهم منها». ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «احفظوا، ولا يحفظ منكم إلا قليل»".

وهذا إذا كان بالنسبة إلى الجار، فكيف بالنسبة لما يحصل في الأسرة الواحدة المكونة من أفراد لهم أولاد، تجدهم إذا اجتمعوا؛ خرجوا في نزهة أو في سفر أو شبه ذلك، كل واحد يشتري لأولاده، ولا ينظر إلى أولاد الآخرين، الطفل ما يميز أن هذا له أو هذا لفلان أو علان أو هذا أتى به أبوه لا، يريد مما في يد غيره، ما يميز، ثم ثلاث مما ينبغي ملاحظته كثيرًا ما تحصل المشاكل من هذه الأسباب التافهة، تجد واحدًا اشترى لأولاده أشياء، يعني مما يؤكل أو يستعمل في هذه الرحلات والنزهات وما أشبه ذلك، بينما ولد الآخر ما معه شيء، أولاد الآخر مثل ما قال النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: «ولا يشتري لبنيه الفاكهة فيخرجون بها إلى صبيان جاره ولا يطعمونهم منها»، لا بد من إطعامهم، الطفل ما يفهم أن هذا لك، وهذا له، ثم بعد ذلك تحصل المشاكل، يتضارب الصبيان، ثم تدخل الأمهات، ثم يتدخل الآباء، ثم تحصل حرب البسوس، من مستصغر الشرر، سببها كيس فشار، اشترى هذا لولده والولد الثاني ما معه شيء بنصف ريال.

 ليس المشكل حينما تنتهي بين الأطفال، وكانت الأمور تُحل فيما بينهم في السابق، والكبار ما يتدخلون، والأمهات كأن الأمر ما يعنيها، يتضارب الأطفال، واحد يجر الثاني، ويضرب الثاني، ثم تنتهي المشكلة، لا؛ لأنه ما أحد يطيق مثل هذه الأمور، وما تتدخل الأم، ثم يستفزعون يستصرخون بالأب على كيس فشار بنصف ريال.

 يا أخي احسم المادة من أصلها، لا تشترِ لولدك، لن يموت إن شاء الله، أو إذا اشتريت فاشترِ اثنين، ولذا التوجيه الذي في هذا الحديث مهم جدًّا، ولا يؤذيه بقتار قدره، يعني ما يجعل روائح الأطعمة تخرج لجار ما يجد ما يطبخ، يتأذى بذلك إلا أن يطعمه منه، ولا يشتري لبنيه الفاكهة فيخرجون بها إلى صبيان جاره ولا يطعمونهم منها، هذا مما يلاحظه الشرع لتسود المودة بين المسلمين، ولئلا تنكسر قلوب الفقراء، فالشارع الحكيم يلاحظ مثل هذه الأمور بدقة وعناية. مخرج عندك؟

طالب: نعم، قال: أخرجه الثعالبي كما في تخريج أحاديث الكشاف، وفيه إسماعيل بن رافع وهو متروك، وضعفه الحافظ، وصدره عند مسلم.

لكن معناه صحيح، وجاء في معناه أحاديث.

"الثانية: قوله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} أي بين كل مسلمين تخاصما. وقيل: بين الأوس والخزرج، على ما تقدم. وقال أبو علي: أراد بالأخوين الطائفتين؛ لأن لفظ التثنية يرد والمراد به الكثرة، كقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]".

يعني كم من الشكاوى التي تبديها الأمهات، وتخرج معها الزفرات، حينما يؤثر الرجل زوجته على أمه وهي تنظر، يعني تصوَّروا أن يقف يخرجون لرحلة ثم يكون عند البقالة، ثم يشتري لزوجته مما يليق بالكبار أن يأكلوه ولا يشتري لأمه. يعني مسألة أن يشتري للأطفال هذه عرفنا أنها مسألة قبيحة، وتثير البغضاء والشحناء، لكن ماذا عن الأم؟ يعني كونه ما يشتري لزوجة أخيه فهذا سهل، زوجة أخيه تقدر أن هذا من حقه، لكن إذا اشترى للزوجة ولم يشترِ للأم؟ ما يحصل؟ يحصل، ويحصل من ذلك شكاوى كثيرة، وقلوب الأمهات مملوءة من مثل هذه المشاكل، هي أمور يسيرة بالريالات، ليست بشيء باهظ ولا ذهب ولا شيء، لا. الريالات، والمسألة مسألة مبدأ ومعنى، مسألة معنى، اشترى عصيرًا لزوجته في يوم حار وما اشترى لأمه، ما أعظم هذا الأمر عند الله- جل وعلا-! وأمه تطوق إليه نفسها، تطوق إليه نفسها، ولذلك الشكاوى من هذا النوع كثيرة جدًّا، فعلى الأبناء أن يتقوا الله -جل وعلا- في أمهاتهم، وفي أزواجهم وفي أولادهم، ومن معهم من المسلمين، توجيه في الحديث عظيم، عظيم جدًّا، نجد بعض الأطفال -الناس يتفاوتون في أرزاقهم.

 خرج واحد من الشباب قبل أربعين أو خمسين سنة شبعان، أكل في الصباح "حنيني" على ما يقولون، في الشتاء ولابسًا جبة مستدفئًا، فقابله شاب مثله قال: تصارع؟ قال: أنا جوعان بردان كيف أصارع أنا أريد أن أمشي؟؟ قال: روح لأهلك، وكل حنيني، والبس جبة وتعال. فمن أين؟

طالب: نصيحة طيبة.

لكن من أين؟

الناس يبنون على ما عندهم، ولا يلحظون أن في بيوت الآخرين من المشاكل ومن الحاجة والعوز الشيء الكثير، فعلى الإنسان أن يلاحظ مثل هذه الأمور، ويراعي شعور الآخرين، عليه مراعاة شعور الآخرين، والسورة كلها آداب.

طالب: هذا الزمان زمان العجائب، فيه رجل يسكن مع زوجاته وأولاده في بيته، فمن الأولاد المتزوجين من يأتي بالمأكولات سرًّا، وأمه تراه، ثم تذهبوتشكوه أنه يفعل ويفعل وكذا..

كثير كثير هذا، يعني الناس مستورون في بيوتهم، لكن إذا خرجوا إلى البراري وفعلوا مثل هذه الأشياء، في الأماكن المكشوفة، الله المستعان.

"الثانية: قوله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} أي بين كل مسلمين تخاصما. وقيل: بين الأوس والخزرج، على ما تقدم".

لكن في المؤمنون ال هذه جنسية تشمل المؤمنين كلهم، من أول الأمر إلى آخره.

 "وقال أبو علي: أراد بالأخوين الطائفتين؛ لأن لفظ التثنية يرد، والمراد به الكثرة، كقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]".

هذا الكلام ليس بصحيح، هذه التثنية تراد حقيقتها؛ لأن لله -جل وعلا- يدين كما أثبتهما لنفسه، وأثبتهما له رسوله -عليه الصلاة والسلام- تليقان بجلاله وعظمته.

"وقال أبو عبيدة: أي: أصلحوا بين كل أخوين، فهو آتٍ على الجميع. وقرأ ابن سيرين ونصر بن عاصم وأبو العالية والجحدري ويعقوب: {بين إخوتكم} بالتاء على الجمع. وقرأ الحسن: {إخوانكم}، وقرأ الباقون: أخويكم بالياء على التثنية".

يعني {إنَّمَا المُؤْمِنُونَ} يعني جنس المؤمنين، جميع المؤمنين إخوة، يجمعهم هذا الوصف أخوة الدين، فإذا حصل بين اثنين من المؤمنين، أو طائفتين من المؤمنين نزاع وشقاق {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} المتنازعين؛ لأن النزاع غالبًا ما يكون بين اثنين.

"الثالثة: في هذه الآية والتي قبلها دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان؛ لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين. قال الحارث الأعور".

البغي حرام، البغي حرام، ومع ذلك لم يسلب منه وصف الإيمان، في هذا ردٌّ على الخوارج، وردٌّ على المعتزلة، الذين يسلبون منهم مسمى الإيمان، هم عند الخوارج كفار؛ لأنهم ارتكبوا كبيرة، وعند المعتزلة ليسوا بمؤمنين، وليسوا بكفار في المنزلة بين المنزلتين، ويتفقون في خلودهم في النار – نسأل الله السلامة والعافية–.

 "قال الحارث الأعور : سئل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهو القدوة عن قتال أهل البغي من أهل الجمل وصفين".

الحارث الأعور شديد الضعف، رماه بعضهم بالكذب، كذاب، وهو شيعي غالٍ من غلاة الشيعة، ينقل عن علي – رضي الله عنه – كلامًا، نقله غيره أيضًا عن أمير المؤمنين.

"سئل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهو القدوة عن قتال أهل البغي من أهل الجمل وصفين".

الذين خرجوا عليه، الذين قاتلوه، أمشركون؟ 

"أمشركون هم؟ قال: لا، من الشرك فروا. فقيل: أمنافقون؟ قال: لا؛ لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً. قيل له: فما حالهم؟ قال إخواننا بغوا علينا".

هذا الإنصاف، هذه كلمة الحق في الغضب والرضا، وتسمع ممن ينتسب إلى العلم من يرمي من حصل منه بعض البغي والعدوان والظلم لغيره، تجد أن منهم من يقول: كلهم خوارج، يعني يقول بعضهم بغاة، بعضهم يقول: لا، خوارج، حتى قال بعضهم: هؤلاء قرامطة، قيلت هذه، وليس في هذا ما يفهمه بعضهم من أن هذا تهوين شأن البغي والظلم والعدوان، لا، لكن المسألة إنصاف، المسألة دين، المسألة حكم شرعي، العالم موقع عن الله -جل وعلا-، عليه أن يحسب حسابه، علي- رضي الله عنه- سئل عن الذين خرجوا عليه وقاتلوه، أمشركون؟ قال: لا، من الشرك فروا، منافقون؟ قال: لا؛ لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل له: فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا، لكن البغي له حكمه في الشرع، والباغي أيضًا له حكم في الشريعة، لا يعني هذا أنه سالم ليس عليه تبعة لا في الدنيا ولا في الآخرة، لا. عليه تبعة في الدنيا والآخرة، لكن لا يعطى أكثر من حكمه.

طالب: الأثر صحيح؟

نقل عن غير الحارث.

طالب:....

في هؤلاء وهؤلاء، نعم.

طالب: شيخ، بالنسبة للفئة هؤلاء ما المسمى الصحيح لهم؟

هم ينتابهم أمور، وتصنيفهم صعب، يعني كلمة "قطاع طريق" هم يتصفون بهذا الأمر، لكن مع ذلك قطاع الطريق يكونون في البراري، وليس لهم تأويل، قصدهم المال، وهؤلاء لهم تأويل وقصدهم غير المال، ليس قصدهم المال، لكنهم في المدن، يحاربون الناس في المدن.

طالب: لو قيل: بغاة، فيه إشكال؟

بغاة، لكن تصنيفهم فيه يعني قلق، يعني فيهم شوب من هذا، وفيهم شوب من هذا، يحتاجون إلى تصنيف دقيق.

طالب:...

خوارج إذا كانوا يعتقدون رأي الخوارج، قد يقال: فيهم خروج، يعني يشبهون الخوارج من وجه، إذا كانوا لا يعتقدون رأي الخوارج في تكفير مرتكب الكبيرة، لكن هم ينازعون في تكفير من يرون تكفيره؛ لأنه ارتكب مكفرًا عندهم، لا لأنه ارتكب كبيرة، فهذه شبهة لا بد من كشفها، لا بد من كشف هذه الشبهة.

طالب: شيخ الخوارج لهم أصول...

أنا أقول: إنهم ما يتفقون مع الخوارج في تكفير مرتكب الكبيرة، ما يأتون إلى شارب الخمر يقولون: أنت كافر، لا. لكن هم يكفرون من ليس بكافر، هذا شيء معروف، لكن هو من وجهة نظرهم كافر، فهذا خلاف في الفهم، لا بد من كشف هذا الغبش الذي عندهم.

"قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ ولا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ} [سورة الحجرات: 11]، فيه أربع مسائل:

الأولى: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ} قيل: عند الله، وقيل: {خَيْرًا مِّنْهُمْ} أي: معتقدا وأسلم باطنا. والسخرية: الاستهزاء. سخرت منه أسخر سخرًا ( بالتحريك ) ومسخرًا وسُخرًا ( بالضم ). وحكى أبو زيد سخرت به، وهو أردأ اللغتين. وقال الأخفشسخرت منه وسخرت به، وضحكت منه وضحكت به، وهزئت منه وهزئت به، كل يقال. والاسم السخرية والسخري، وقرئ بهما قوله تعالى{لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًا} [الزخرف: 32]، وقد تقدم. وفلان سُخرة، يتسخر في العمل. يقال: خادم سُخرة. ورجل سُخرة أيضًا يسخر منه. وسُخرة (بفتح الخاء) يسخر منه الناس".

نعم، مثل ما يقال: ضُحكة، ضُحكة: يعني يُضحَك منه، وضُحَكَة: يعني يضحك على الناس، يضحك منهم، يقال: أيضًا رُحلة، ورحَلة، من يرحل إليه الناس، أو يرحل إلى الناس.

طالب:.... من الناس.

من الناس، الأول: يسخر منه، والثاني: يسخر من الناس.        

والسخرية موجودة، في كثير من الناس تجد هذه مهنته، يسخر من فلان وفلان وعلان، يسخر منهم، وتجد هذا المسخور منه خيرًا منه مرات، بمراحل، خيرًا منه هذا المسخور منه، لماذا؟ لأنه جبل على طيب القلب، جبل على طيب القلب، فتجد يسخر منه، والله المستعان.

"الثانية: واختلف في سبب نزولها، فقال ابن عباسنزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر، فإذا سبقوه إلى مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - أوسعوا له إذا أتى حتى يجلس إلى جنبه ليسمع ما يقول، فأقبل ذات يوم وقد فاتته من صلاة الفجر ركعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم-، فلما انصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ أصحابه مجالسهم منه، فربض كل رجل منهم بمجلسه، وعضوا فيه فلا يكاد يوسع أحد لأحد حتى يظل الرجل لا يجد مجلسًا فيظل قائمًا، فلما انصرف ثابت من الصلاة تخطى رقاب الناس ويقول: تفسحوا تفسحوا، ففسحوا له حتى انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبينه وبينه رجل فقال له: تفسح. فقال له الرجل: قد وجدت مجلسًا فاجلس! فجلس ثابت من خلفه مغضبًا، ثم قال: من هذا؟ قالوا فلان، فقال ثابت: ابن فلانة! يعيره".

ثابت بن قيس بن شماس خطيب النبي – عليه الصلاة والسلام –، يعني من حقه أن يجلس بجواره ليناظر من يأتي من الخطباء من القبائل والوفود، فيخطب بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، تجده يتخطى الناس، وإلا فالأصل أن يجلس حيث انتهى به المجلس، لو لم يكن له وصف زائد على ما ذكر، لكنه خطيب النبي -عليه الصلاة والسلام- فيجلس بين يديه، بقي واحد بجواره قال: تفسح، قال: ما أنا متفسح، اجلس عندك، وجدت مجلسًا فاجلس، فغضب ثابت. وهذا أمر عادي إذا تعوَّد الإنسان وعُوِّد على شيء ثم حُرم منه لا تحتمله نفسه، ولو لم يكن من حقه، لو كان فضلًا تعوَّد الإنسان على شيء، ثم تفطمه عنه مباشرة فهذا لا يحتمل، ولو لاحظت ما يحصل في روضة المسجد من كبار سن وغيرهم ممن يتقدمون لهم شرائع، يعني لو أن واحدًا يأتي يجد إنسانًا في مكانه يقيمه، يتكلم عليه بكلام بذيء، وهو جاء من أجل ماذا؟ يرجو ما عند الله- جل وعلا-، ويسيء من حيث لا يشعر، يسيء إلى نفسه، ويسيء إلى غيره، تجد الإنسان كبير السن يقدِّره الجماعة، ويحيونه كل صباح وكل مساء، لكن لو تخلَّف واحد في يوم من الأيام، لرُمي بالعظائم، كيف أصبحت يا أبا فلان؟ كلهم يقولون له ما عدا واحدًا ما يقول له، يدري أو جنبه هذا، يتحمل مثل هذا الكلام، وعادة يقول لهم مع الناس، ثم قطع فجأة، هو ليس من حقه، حقه هذا فضل منه حينما يقول: لا، لكن الناس إذا عُوِّدوا على شيء ما احتملوه، ولا يطيقون تركه.

 ثابت من حقه أن يجلس بجوار النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه خطيبه، يعني يُعدّ لمثل هذه الظروف، فقد يأتي وفد معهم خطيب يخطب، ثم يخطب ثابت، ما بقي إلا واحد قال: اجلس أنت وجدت مجلسًا، اجلس مكانك، هذا لا يحتمله ثابت ولا غير ثابت، لكن التصرف الحكيم في مثل هذه الظروف أن يرجع الإنسان إلى نفسه، ويقول: كل ما تقدم فضل، ويدعو لهم بسببه، واليوم عدل، وحصل له فضل كبير، تجاوز عددًا كبيرًا من الناس، فالأمر سهل، لا يستحقونه، ما الذي حصل؟ غضب ثابت، ثم قال: من هذا؟ قالوا: فلان، قال ثابت: ابن فلانة، يعيره بها، يعني أمًّا له في الجاهلية ليست أمه القريبة، أمه قديمة في الجاهلية يمكن لها لقب أو عُرِفت بشيء فيعيِّره بها.

"فجلس ثابت من خلفه مغضبًا، ثم قال: من هذا؟ قالوا فلان، فقال ثابت: ابن فلانة! يعيره بها، يعني أمًّا له في الجاهلية، فاستحيا الرجل، فنزلت.

وقال الضحاك: نزلت في وفد بني تميم الذين تقدَّم ذكرهم في أول (السورة) استهزءوا بفقراء الصحابة، مثل عمار وخباب وابن فهيرة وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم، لما رأوا من رثاثة حالهم، فنزلت في الذين آمنوا منهم. وقال مجاهد: هو سخرية الغني من الفقير. وقال ابن زيد: لا يسخر من ستر الله عليه ذنوبه ممن كشفه الله، فلعل إظهار ذنوبه في الدنيا خير له في الآخرة. وقيل: نزلت في عكرمة بن أبي جهل حين قدم المدينة مسلمًا، وكان المسلمون إذا رأوه قالوا: ابن فرعون هذه الأمة. فشكا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فنزلت". 

لا شك أن الإنسان يتأثر بما يُذكر في شأن أمه، أو شأن أبيه، ولو كان على خلاف معهم، يتأثر ولذا جاء في الحديث: «اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساوئهم؛ لئلا تؤذوا الأحياء»، يعني من أبنائهم وإخوانهم وذويهم يتأذون بذلك، فعكرمة بن أبي جهل يتأذى بذكر أبيه، ويتحسَّر، يتحرَّق على أبيه أن مات على الكفر – نسأل الله العافية –، لكن ما يرضى أن تُنبَش هذه المسألة بين كل وقت وآخر؛ لأن النسيان نعمة من الله -جل وعلا- ينسى أباه وما مات عليه أبوه، وانتهى الإشكال، لكن حينما تُنبش في كل وقت وآخر لا شك أنه يتأثر بها. أبو ذر لما قال للصحابي: يا ابن السوداء، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «إنك امرئ فيك جاهلية»، عيرته بأمه «إنك امرئ فيك جاهلية» نعم. فليس هذا من خلق الإسلام.

طالب: قول ابن زيد.

هذا أيضًا مهم جدًّا لا يسخر من ستر الله عليه ذنوبه ممن كشفه الله، الإنسان عنده ذنوب سترت عليه، وآخر قارف ذنبًا فافتضح، يعني كشف لا يسخر منه؛ لأن الذي كشفه قادر على كشف ما ستره عليك، والإنسان يشكر الله -جل وعلا - أن أظهر الجميل، وستر القبيح، ويسأل الله- جل وعلا- الذي ستر القبيح في الدنيا أن يستره في الآخر أيضًا؛ لئلا يحاسب عليه، فمن عيَّر امرءًا بذنب ارتكبه لاسيما إذا تاب منه خطر عليه، يخشى عليه أن لا يموت حتى يقع فيه، كما جاء في بعض الأخبار.

طالب: هل يجوز أن يبحث ويتحقق في ذنب وقع فعلًا؟

الشيخ: من أجل ماذا؟

طالب:........................
لا. لا يجوز له، من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة.

"وبالجملة فينبغي ألا يجترئ أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينه إذا رآه رث الحال، أو ذا عاهة في بدنه أو غير لبيق في محادثته، فلعله أخلص ضميرًا وأنقى قلبًا".

يعني ما أكثر ما يحصل من الاستهزاء في مجالس الناس، تجد بعض الناس يحسن عرض القصص، وتجد في المجلس بعض الناس ما يحسن عرض القصص، ثم إذا قص ضحكوا منه، وبعضهم يجرؤ عليه فيسكته؛ لأن السامعين لا يطربون لسماع قصصه، بخلاف الآخر الثاني، لا يسخر هذا من هذا، مع أن المسألة مسألة قصص، ما فيها لا علم ولا وعظ ولا تذكير ولا شيء، سواليف.  

"فلعله أخلص ضميرًا وأنقى قلبًا ممن هو على ضد صفته، فيظلم نفسه بتحقير من وقَّره الله، والاستهزاء بمن عظَّمه الله. ولقد بلغ بالسلف إفراط توقِّيهم وتصوُّنهم من ذلك أن قال عمرو بن شرحبيل : لو رأيت رجلاً يرضع عنزا فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الذي صنع"

يعني كم من قارئ نُقِل له قراءة عن شخص أخطأ فيها، قلبها، أخطأ في القراءة، فضحك هذا القارئ قرأها أمام الملأ، هذا وقع مرارًا، ليست مرة ولا مرتين وقع مرارًا.

يقول: لو رأيت رجلًا يرضع عنزا فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الذي صنع، جزاءً وفاقًا، يعني الجزاء من جنس العمل.

طالب: لا تظهر الشماتة بأخيك.

نعم، فيعافيه الله ويبتليك.

طالب:....

بعض الناس مبتلًى بالتقليد مثلًا، مبتلى بالتقليد يقلد الناس في أصواتهم، يقلدهم في حركاتهم، هذا لا يجوز، ممكن يشيلها المؤلف.

"وعن عبد الله بن مسعود : البلاء موكل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبًا. وقوم في اللغة للمذكَّرين خاصة. قال زهير".

مذكر؛ لأنه قوبل بالنساء، لا يسخر قوم من قوم، ولا نساء من نساء، فدلَّ على أن النساء لسن من القوم، ومنهم من يقول: لا، هن من القوم، لكن نص عليهن من باب عطف الخاص على العام لاهتمام بشأنهن؛ لأن السخرية فيهن أكثر من الرجال.

طالب: ...

كيف؟

طالب: ...

هذا خلق الله، يسخر من ماذا؟ من صنع الله الذي أتقن كل شيء؟! وهذا بدلًا من أن يحمد الله- جل وعلا- أن شرَّفه بأن جعله من هذا النوع المفضل، ولم يجعله من هذا النوع الخسيس نسأل الله العافية-.

طالب: لكن يا شيخ الكلاب والخنازير وغيرها فيها صفات قبيحة.

وفي بعض البشر صفات قبيحة.

طالب: فلو ذكرها الإنسان، فهل يعد ساخرًا من الكلب.

هو إذا ذكر هذه الصفات القبيحة للاعتبار، وليحمد الله جل وعلا أن لم يجعله من هذا الجنس، وهذا النوع، هذا شيء، لكن كونه يسخر من هذا المخلوق الذي صنعه الله، وأحسن صنعه، صنع الله الذي الذي أتقن كل شيء. نعم لو سخر من آلة من صنع البشر فيها خلل وفيها كذا، فما فيها إشكال.  

"قال زهير:

"وما أدري وسوف إخال أدري 
 

 

أقوم آل حصن أم نساء
 

وسموا قومًا؛ لأنهم يقومون مع داعيهم في الشدائد. وقيل: إنه جمع قائم، ثم استعمل في كل جماعة وإن لم يكونوا قائمين. وقد يدخل في القوم النساء مجازا، وقد مضى في (البقرة) بيانه.

الثالثة: قوله تعالى{ولا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ} [سورة الحجرات: 11] أفرد النساء بالذكر؛ لأن السخرية منهن أكثر".

على كلامه أن النساء لا يدخلن في القوم، ما أفردهم، لا بد من إفرادهن؛ لأنهن لم يدخلن في القوم، لكن على القول بأن القوم يشمل الرجال والنساء، فيكون إفرادهن للاهتمام بشأنهن؛ لأن السخرية منهن أكثر، وفيهن أكثر.

"وقد قال الله تعالى{إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمِهِ} [سورة نوح: 1]، فشمل الجميع.

قال المفسرون: نزلت في امرأتين من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - سخرتا من أم سلمة، وذلك أنها ربطت خصريها بسبيبة - وهو ثوب أبيض، ومثلها السب".

السب: العمامة. العمامة البيضاء.

"وسدلت طرفيها خلفها فكانت تجرها، فقالت عائشة لحفصة - رضي الله عنهما: انظري! ما تجر خلفها كأنه لسان كلب، فهذه كانت سخريتهما. وقال أنس وابن زيدنزلت في نساء النبي- صلى الله عليه وسلم -، عيَّرن أم سلمة بالقصر. وقيل: نزلت في عائشة، أشارت بيدها إلى أم سلمة، يا نبي الله إنها لقصيرة. وقال عكرمة عن ابن عباسإن صفية بنت حيي بن أخطب أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن النساء يعيِّرنني، ويقلن لي يا يهودية بنت يهوديين! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «هلا قلت إن أبي هارون وإن عمي موسى وإن زوجي محمد»فأنزل الله هذه الآية"

مخرج؟

طالب: نعم. قال... وأسنده الترمذي بسند ضعيف دون ذكر نزول الآية، وقرَّره بنحوه، وإسناده قوي، وهم فقط في نزول الآية هذا كلامه، والترمذي قال: حديث غريب لا نعرفه من أجل صفية إلا من حديث هاشم الكوفي، وليس إسناده بذلك القوي عن أنس وضعفه...

نعم.

"الرابعة: في صحيح الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: حكيت للنبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً، فقال: ما يسرني".

يعني قلَّده، حكى رجلًا وحاكاه يعني قلده فعل مثل فعله في كلامه في تصرفه في أفعاله، نعم. 

"فقال: ما يسرني أني حكيت رجلاً، وأن لي كذا وكذا. قالت فقلت: يا رسول الله، إن صفية امرأة- وقالت بيدها - هكذا، يعني أنها قصيرة. فقال: « لقد مزجت بكلمة لو مزج بها البحر لمزج »وفي البخاري عن عبد الله بن زمعة قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يضحك الرجل مما يخرج من الأنفس . وقال« لم يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل ثم لعله يعانقها»، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» . وهذا حديث عظيم يترتب عليه ألا يقطع بعيب أحد لما يرى عليه من صور أعمال أو المخالفة، فلعل من يحافظ على الأعمال الظاهرة يعلم الله من قلبه وصفًا مذمومًا لا تصح معه تلك الأعمال. ولعل من رأينا عليه تفريطًا أو معصية يعلم الله من قلبه وصفًا محمودًا يغفر له بسببه. فالأعمال أمارات ظنية لا أدلة قطعية".

يعني يتعامل بالظاهر مع الناس، فيعامل من ظاهره الاستقامة على هذا الأساس، ويعامل من ظاهره الفسق على هذا الاعتبار، لكن لا يقطع لمن ظاهره الاستقامة بسلامة العاقبة، كما أنه لا يقطع ممن ظاهره الفسق بسوء العاقبة، غلبة الظن، والتعامل على غلبة الظن شيء، والقطع شيء آخر.

"فالأعمال أمارات ظنية لا أدلة قطعية، ويترتب عليها عدم الغلو في تعظيم من رأينا عليه أفعالاً صالحة، وعدم الاحتقار لمسلم رأينا عليه أفعالاً سيئة. بل تحتقر وتذم تلك الحالة السيئة، لا تلك الذات المسيئة. فتدبر هذا، فإنه نظر دقيق، وبالله التوفيق".

نعم، يعني في الأعمال تُذم هذه الأعمال، ولا يُذم صاحب العمل على وجه التعيين، ولذا جاء لعن بعض من فعل بعض الأفعال على سبيل العموم، لا على سبيل التعيين، لعن الله الشارب، المتبرجات فالعنوهن، لكن ما يقال: فلانة متبرجة لعنها الله، أو فلان يشرب الخمر لعنه الله، لنكون عونًا للشيطان على أخيه، فرق بين أن يتصرف مع المجموع، ويحكم على المجموع، وبين أن يحكم على كل فرد بعينه.

 شيخ الإسلام -رحمه الله- لما يتكلم عن المبتدعة، عن الطوائف، عن البدع، يشدد في شأنها، ثم إذا سئل عن فرد من أفراد هؤلاء المبتدعة أنصفه- رحمه الله-.

طالب:...

هذا بالنسبة للمسلم الذي يعمل أعمالًا سيئة، أو للمسلم الذي ظاهره الصلاح، هو يُرجى لهذا، ويُخشى على هذا، لكن ما يُقطع لهذا بجنة أو لهذا بنار، أو أن هذا يعذب أو أن هذا ينعم، الخواتم بيد الله، والقلوب لا يطلع عليها إلا علام الغيوب، لكن من عرف أنه مات على كفره في آخر لحظة من حياته مات على كفره، هذا يلعن ويبشر بالنار ما فيه إشكال هذا.

طالب:...

لا، قد يصفونه بالذكاء، وأنه لا يمكن أن تأخذها على غرة فتملي له، واحتاط لشأنه، يعني يوصون من يدخل عليه بأن يكون على حذر؛ لأن بعض القضايا تحتاج في معالجتها إلى شيء من الحيطة، بعض الناس من المسؤولين وغيرهم هم يتفاوتون كغيرهم من البشر، تأتي إلى هذا المسئول لتقرر شيئًا تجعله يقبل ما تملي عليه، تحتاج إلى ساعة، تحور وتدور في الموضوع يمينًا ويسارًا وعلى كل وجه، وتباريه ما تصادمه هكذا، ما تجيء له الخبر مباشرة، يعني إنما تمشي معه إلى أن تدخل إلى قلبه، هذا يحتاج إلى معاناة، بينما بعض الناس أمره سهل، خذ معه وعدًا من أول كلمة وينتهي الإشكال، فهم يتفاوتون، وقولهم: من فلان ذئب يعني أنه ذكي، يحتاج إلى معالجة، ويحتاج إلى مقدمات، يعني تدخل إلى قلبه؛ لتحصل ما تريد منه.

طالب:...

هو إذا لم يجدِ نصحه، ولم يكفِ من جهة ولاة الأمر الذين إليهم هذا الأمر فإنه يُدعى عليه، يُحذر يُخوف بالله.

طالب: إذا كانت هناك عبارة في الشرع مذمومة، لكن في العرف يختلف، مثل بعض المناطق يقولون: يا خبيث، أو كذا يدل على أن الرجل زكي..

وجد في ألفاظ التعديل فلان شيطان، شيطان يعني ذكي، ليس بإنسان عادي، لا شك أن الاستعمال العرفي له دور، استعمال الألفاظ عرفًا له مدخل في تقدير الحكم.

طالب:... إذا قال له: خبيث؟

على حسب ما يراد بها عندهم في عرفهم.

طالب:... حسب العرف..

نعم في العرف القائم.

"قوله تعالى{ولا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ} [سورة الحجرات: 11]، فيه ثلاث مسائل:

الأولى: قوله تعالى{ولا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ} اللمز: العيب، وقد مضى في ( براءة ) عند قوله تعالى: {ومِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [سورة التوبة: 58]، وقال الطبرياللمز باليد والعين واللسان والإشارة. والهمز لا يكون إلا باللسان. وهذه الآية مثل قوله تعالى: {ولا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [سورة النساء: 29] أي: لا يقتل بعضكم بعضًا".

الإنسان ما يلمز نفسه حقيقة، ولا يقتل نفسه، إنما يقتل أخاه، ويلمز أخاه، فكأنه لمز نفسه.

"لأن المؤمنين كنفس واحدة، فكأنه بقتل أخيه قاتل نفسه. وكقوله تعالى: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ} [سورة النور: 61] يعني يسلم بعضكم على بعض. والمعنى: لا يعب بعضكم بعضًا. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير : لا يطعن بعضكم على بعض. وقال الضحاكلا يلعن بعضكم بعضًا. وقرئ: ( ولا تلمُزوا ) بالضم.

وفي قوله: {أَنفُسِكُمْ} تنبيه على أن العاقل لا يعيب نفسه، فلا ينبغي أن يعيب غيره؛ لأنه كنفسه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمنون كجسد واحد، إن اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»وقال بكر بن عبد الله المزني: إذا أردت أن تنظر العيوب جمة فتأمل عيابًا، فإنه إنما يعيب الناس بفضل ما فيه من العيب".

لأن هناك عيوبًا موجودة في بعض الناس لا يكتشفها إلا من هي فيه، عيوب توجد في بعض الناس خفية دقيقة يكتشفها من هي فيه، فتجد الذي يعيب الناس تجد فيه هذه العيوب، عيوب خفية دقيقة، ما يطلع عليها كل أحد، وإنما اجتمعت فيه، فصار ينتبه لها في الناس، فيعيبهم بها. وهذا وجه قوله.

"وقال - صلى الله عليه وسلم -: «يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه»".

مخرج؟

طالب: قال: أخرجه ابن حبان و.. ورجاله ثقات، لكن أعله غير واحد بالوقف، وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد بإسناد جيد عن أبي هريرة موقوفًا...

مرفوعًا؟

 طالب: .....

وقفه أشبه. 

"وقيل: من سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره. قال الشاعر

المرء إن كان عاقلاً ورعا 
 

 

أشغله عن عيوبه ورعه
 

كما السقيم المريض يشغله
 

 

عن وجع الناس كلهم وجعه
 

وقال آخر

لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا 
 

 

فيهتك الله سترا عن مساويكا 
 

واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا
 

 

ولا تعب أحدًا منهم بما فيكا 
 

الثانية: قوله تعالى{ولا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} النبز (بالتحريك) اللقب، والجمع: الأنباز. والنبز (بالتسكين) المصدر، تقول: نبزه ينبزه نبزًا، أي: لقبه. وفلان ينبز بالصبيان أي: يلقبهم، شدِّد للكثرة. ويقال: النبز".

النبز.

" النَبَزُ والنَزَبُ لقب السوء. وتنابزوا بالألقاب: أي: لقب بعضهم بعضًا. وفي الترمذي عن أبي جبيرة بن الضحاك قال: كان الرجل منا يكون له الاسمان والثلاثة فيدعى ببعضها، فعسى أن يكره، فنزلت هذه الآية: {ولا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} قال: هذا حديث حسنوأبو جبيرة هذا هو أخو ثابت بن الضحاك بن خليفة الأنصاريوأبو زيد سعيد بن الربيع صاحب الهروي ثقة. وفي مصنف أبي داود عنه قال: فينا نزلت هذه الآية، في بني سلمة ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان قالقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: يا فلان، فيقولون: مه يا رسول الله، إنه يغضب من هذا الاسم، فنزلت هذه الآية: {ولا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} فهذا قول

وقول ثانٍ - قال الحسن ومجاهدكان الرجل يعير بعد إسلامه بكفره، يا يهودي يا نصراني، فنزلت. وروي عن قتادة وأبي العالية وعكرمة. وقال قتادةهو قول الرجل للرجل: يا فاسق، يا منافق، وقاله مجاهد والحسن أيضًا {بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ} أي بئس أن يسمى الرجل كافرًا، أو زانيًا بعد إسلامه وتوبته، قاله ابن زيد.

وقيل: المعنى أن من لقب أخاه أو سخر منه فهو فاسق.

وفي الصحيحين: «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه».

فمن فعل ما نهى الله عنه من السخرية والهمز والنبز فذلك فسوق، وذلك لا يجوز.

وقد روي أن أبا ذر- رضي الله عنه- كان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فنازعه رجل فقال له أبو ذريا ابن اليهودية! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما ترى هاهنا أحمر وأسود ما أنت بأفضل منه» يعني بالتقوى، ونزلت{ولا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ}. وقال ابن عباسالتنابز بالألقاب أن يكون الرجل قد عمل السيئات ثم تاب، فنهى الله أن يعير بما سلفيدل عليه ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال«من عيَّر مؤمنًا بذنب تاب منه كان حقًّا على الله أن يبتليه به، ويفضحه فيه في الدنيا والآخرة» ".

حديث أبي ذر قال: يا ابن اليهودية.

طالب: أحسن الله إليكم، قال: أخرجه أحمد من حديث أبي ذر دون سبب نزول الآية، وانظر المجمع، هذا كلامه، وقال العراقي في الإحياء: رجاله ثقات. وقال الأرناؤوط: صحيح لغيره. وقال الألباني: حسن.

معروف قوله: يا ابن السوداء.

طالب:...

قال: يا ابن اليهودية هنا.

طالب: قال ابن كثير: تقرد به أحمد.

طيب، والثاني؟

طالب: الذي بعده؟

من عيَّر مؤمنًا.

طالب: قال: ضعيف جدًّا؛ أخرجه الترمذي وابن عدي والديلمي من حديث معاذ، وضعفه الترمذي بقوله: غريب، وليس إسناده بمتصل، وخالد بن معدان لم يدرك معاذًا. انتهى كلامه. وله علة أخرى فإن فيه محمد بن الحسن الهمداني كذَّبه يحيى وأبو داود، وفي رواية: ضعفه أبو داود، وقال النسائي: متروك، وقال الألباني: موضوع، وقال الحافظ في البلوغ: حسَّنه الترمذي وسنده منقطع.

على كل حال الحديث ضعيف.

طالب: في الترمذي، عن أبي جبيرة بن الضحاك أنه قال: كان الرجل منا يكون له الاسمين والثلاثة. ما وجه نصب اسم يكون؟

يكون له، يعني يوجد له الاسمان والثلاثة، اسمان.

طالب:...

هي الاسمان نعم، هو مرفوع، نعم، وكان هذه تامة، يكون يعني يوجد له الاسمان، تامة، والاسمان نائب فاعل.

"الثالثة: وقع من ذلك مستثنى من غلب عليه الاستعمال كالأعرج والأحدب ولم يكن له فيه كسب يجد في نفسه منه عليه، فجوزته الأمة، واتفق على قوله أهل الملة. قال ابن العربي : وقد ورد لعمر الله من ذلك في كتبهم ما لا أرضاه في صالح جزرة".

الألقاب عند المحدثين معروفة، وكثيرة جدًّا، وفيها المؤلفات، ولابن حجر نزهة الألباب في الألقاب في مجلدين، ألقاب المحدثين وغيرهم كثيرة جدًّا، واللقب الأصل أنه ما أشعر بمدح أو ذم، وكثير منها يشعر بذم، كثير منها يُكره عند من يُلقَّب به، ومع ذلك تواردوا وتواطئوا عليه؛ لأنهم لا يريدون به ذمه، ولا شينه، ولا عيبه، وإنما يريدون التعريف به، فيقال: الأعمش، الأحول، الأعرج.

"وقد ورد لعمر الله من ذلك في كتبهم ما لا أرضاه في صالح جزرة".

جزرة هذه؛ لأنه صحَّف الخرزة إلى جزرة فلقب به.

"لأنه صحف ( خرزة ) فلقب بها. وكذلك قولهم في محمد بن سليمان الحضرميمطين؛ لأنه وقع في طين ونحو ذلك مما غلب على المتأخرين، ولا أراه سائغًا في الدين. وقد كان موسى بن عُلي بن رباح المصري يقول: لا أجعل أحدًا صغر اسم أبي في حل".

طالب: مشكلة هذه.

عُلي عُلي.

طالب: نقول: عَلي.

لا لا، ما عليك، ما يُعرف إلا بهذا، ما يُعرف إلا بهذا، هذه الألقاب الإنسان لا يريد ذم الشخص، ولا عيبه، ولا يتأثر، ولا يعرف إلا به،

طالب: لكن ما يتحرج الواحد في الدعاء لصاحبه؟

على كل حال على ما يقولون على قدر المظالم، وأنت ما ظلمت، مشوا على هذا. الإمام أحمد يقول: حدثنا إبراهيم الذي يقال له: ابن عُلية، الناس يقولون له: ابن علية، وهو ما يرضى أن يُنسب إلى أمه، ويذكره بما يعرف به، لكن ما ينسبه  إلى نفسه.

"وكان الغالب على اسمه التصغير بضم العين. والذي يضبط هذا كلهأن كل ما يكره الإنسان إذا نودي به فلا يجوز لأجل الأذية. والله أعلم.

قلت: وعلى هذا المعنى ترجم البخاري رحمه الله في (كتاب الأدب) من الجامع الصحيح. في (باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم الطويل والقصير ولا يراد به شين الرجلقال: وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما يقول ذو اليدين؟» قال أبو عبد الله بن خويز مندادتضمنت الآية المنع من تلقيب الإنسان بما يكره، ويجوز تلقيبه بما يحب، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقَّب عمر بالفاروق، وأبا بكر بالصديق، وعثمان بذي النورين، وخزيمة بذي الشهادتين، وأبا هريرة بذي الشمالين وبذي اليدين ، في أشباه ذلك"

معروف أبو هريرة بهذا؟ ما فيه تعليق عليها؟

طالب:...

معروف بذي اليدين صاحب القصة في السهو الخرباق بن عمرو.

طالب:...

هو ذو الشمالين غير ذي اليدين، لكن مدخل أبي هريرة في ذي اليدين؛ لأنه راوي حديث اليدين، التبس عليه في هذا؟ خزيمة بذي الشهادتين.

طالب: ...

لا كأنه يقول: وعبد الرحمن بن صخر بأبي هريرة لو أراد أنس قال ما تقدم.

طالب:...

ولا ذو اليدين، نعم.

طالب:...

كيف؟

طالب:...

لقب، لقب؛ لأن في يديه طولًا، اسمه الخرباق، الخرباق بن عمرو.

طالب: سعيد بن المسيب يقول: سيب الله من سيبني.

هذا مذكور عنه، مذكور، لكن الناس ليسوا بتاركين، يذكر عنه هذا. 

"قال الزمخشري: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حق المؤمن على المؤمن أن يسميه بأحب أسمائه إليه»".

مروي؟ مخرج؟

طالب: قال غريب. قال في الحافظ في الكشاف: لم أجده هكذا، وأخرج البيهقي في الشعب عن عثمان ... مرفوعًا: بأحب أسمائه إليه، وفيه موسى بن عبد الملك ضعيف.

لكن ابن حجر في تخريج الكشاف، نعم.

"ولهذا كانت التكنية من السنة والأدب الحسن، قال عمر - رضي الله عنه -: أشيعوا الكنى فإنها منبهة".

منبهة، ما معنى منبهة؟ يعني إذا كني الصبي نبه ذكره، وارتفع شأنه، وأحس أنه رجل، يعني هل هؤلاء الأطفال الذين يؤذون الناس في مجامعهم، في مساجدهم، في شوارعهم، هذا لو تلبسه وتكنيه: يا أبا فلان، يا أبا فلان، أحس أنه له وزن، وله قيمة، كما أن الإنسان، الكبير إذا مشى بدون شماغ ولا طاقية ولا شيء، وهو من أهل العرف، دعونا من الذين ليس بعرف لهم، تجده يتصرف تصرفات، يعني يخرج إلى الشارع بقميص مثلًا، هو تعوَّد أن يلبس لباس حشمة، قد يتحرك حركات تنتقد عليه، ما مثل هيبته إذا لبس الشماغ، وأضف إلى ذلك يلبس بشتًا مثلًا، هذه أمور لا شك أنها تعطي الإنسان شيئًا من معرفة قدر نفسه، وهؤلاء الصبيان إذا كنوا، لكن لو تلقبه بلقب وضيع أو شيء يدل على بذائته، ويذكره بشيء من شقائه، ويزاد شره.   

"ولقد لقب أبو بكر بالعتيق والصديق، وعمر بالفاروق، وحمزة بأسد الله، وخالد بسيف الله. وقل من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب. ولم تزل هذه الألقاب الحسنة في الأمم كلها - من العرب والعجم - تجري في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكير".

واشتهرت ألقاب التزكية بين أهل العلم في المتأخرين، تقي الدين، شمس الدين، نور الدين، وهذه لا توجد في المتقدمين؛ لأنها مشعرة بالتزكية، وهم من أبعد الناس عن هذه الألفاظ والألقاب، لكنها كثرت في المتأخرين، ثم انقطعت. 

طالب:...

موجودة، في العجم، ووجدت في العرب.

طالب:...

ما أدري عن بدايتها، لكنها موجودة في الجميع.

"قال الماوردي: فأما مستحب الألقاب ومستحسنها فلا يكره. وقد وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عددًا من أصحابه".

النووي -رحمة الله عليه- كان يكره كلمة "محي الدين" كراهية شديدة مع أن الناس تابعوا عليها في عصره وبعد عصره.

طالب:...

قبل أن تسبق إليهم الألقاب، لكن ليس بمرفوع، ليس بمرفوع من قول عمر -رضي الله عنه-، نعم. 

"قال الماوردي : فأما مستحب الألقاب ومستحسنها فلا يكره. وقد وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عددًا من أصحابه بأوصاف صارت لهم من أجل الألقاب.

قلت: فأما ما يكون ظاهرها الكراهة إذا أريد بها الصفة لا العيب فذلك كثير.

وقد سئل عبد الله بن المبارك عن الرجل يقولحميد الطويل، وسليمان الأعمش، وحميد الأعرج، ومروان الأصغر، فقال: إذا أردت صفته ولم ترد عيبه فلا بأس به. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن سرجس قالرأيت الأصلع - يعني عمر - يقبل الحجر. وفي رواية الأصيلع
قوله تعالى: {ومَن لَّمْ يَتُبْ} أي عن هذه الألقاب التي يتأذى بها السامعون{فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} لأنفسهم بارتكاب هذه المناهي.

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ ولا تَجَسَّسُوا ولا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [سورة الحجرات: 12].

 فيه عشر مسائل:

الأولى: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ} قيل: إنها نزلت في رجلين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- اغتابا رفيقهما.

وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سافر ضم الرجل المحتاج إلى الرجلين الموسرين فيخدمهما.

فضمّ سلمان إلى رجلين، فتقدم سلمان إلى المنزل فغلبته عيناه فنام ولم يهيء لهما شيئًا، فجاءا فلم يجدا طعامًا وإدامًا، فقالا له: انطلق فاطلب لنا من النبي- صلى الله عليه وسلم- طعامًا وإدامًا، فذهب فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اذهب إلى أسامة بن زيد فقل له: إن كان عندك فضل من طعام فليعطك»، وكان أسامة خازن النبي- صلى الله عليه وسلم- فذهب إليه، فقال أسامة: ما عندي شيء، فرجع إليهما فأخبرهما، فقالا: قد كان عنده، ولكنه بخل.

ثم بعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئًا، فقالا: لو بعثنا سلمان إلى بئر سميحة لغار ماؤها".

يعني أرسلوه إلى جهات متعددة ما وجد شيئًا.

طالب:...

تشاءموا به.

"لو بعثنا سلمان إلى بئر سميحة لغار ماؤها، ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة شيء، فرأهما النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما»".

يعني الغيبة، نعم.

"فقالا: يا نبي الله، والله ما أكلنا من يومنا هذا لحمًا ولا غيره. فقال: «ولكنكما ظلتما تأكلان لحم سلمان وأسامة»، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ} ذكره الثعلبي.

أي: لا تظنوا بأهل الخير سوءا إن كنتم تعلمون من ظاهر أمرهم الخير".

مخرج؟

طالب: قال: ذكره الزمخشري في كشافه، وقال الحافظ: ذكره الثعلبي من دون إسناد ولا راوٍ، وورد عن ابن أبي ليلى انتهى كلامه، وانظر الدر المنثور، والخبر ضعيف؛ لخلوه من الإسناد المتصل.

لا أصل له، نعم، ليس له إسناد فصار لا أصل له.    

"ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا»، هذا لفظ البخاري.

قال علماؤنا: فالظن هنا وفي الآية هو التهمة.

ومحل التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها".

يعني ما فيه قرينة تدل على شيء مما اتهم به الإنسان، والأصل براءته، لكن إذا وجد قرينة قوية يمكن أن يتهم بسببها ثم يتأكد ويتحقق مما عنده فلا شيء في ذلك. 

"قال: ومحل التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها، كمن يتهم بالفاحشة أو بشرب الخمر مثلاً ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك.

ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قوله تعالى: {ولا تَجَسَّسُوا} وذلك أنه قد يقع له خاطر التهمة ابتداءً، ويريد أن يتجسس خبر ذلك ويبحث عنه، ويتبصر ويستمع لتحقق ما وقع له من تلك التهمة، فنهى النبي- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك.

وإن شئت قلت: والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حرامًا واجب الاجتناب. وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح، وأونست منه الأمانة في الظاهر، فظن الفساد به والخيانة محرم، بخلاف من اشتهره الناس بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث.

وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله حرَّم من المسلم دمه وعرضه، وأن يظن به ظن السوء».

وعن الحسن: كنا في زمن الظن بالناس فيه حرام، وأنت اليوم في زمن اعمل واسكت وظن في الناس ما شئت.

الثالثة: للظن حالتان: حالة تعرف وتقوى بوجه من وجوه الأدلة فيجوز الحكم بها، وأكثر أحكام الشريعة مبنية على غلبة الظن، كالقياس وخبر الواحد وغير ذلك من قيم المتلفات وأروش الجنايات.

والحالة الثانية: أن يقع في النفس شيء من غير دلالة فلا يكون ذلك أولى من ضده، فهذا هو الشك، فلا يجوز الحكم به، وهو المنهي عنه على ما قررناه آنفا.

وقد أنكرت جماعة من المبتدعة تعبد الله بالظن وجواز العمل به، تحكمًا في الدين ودعوى في المعقول.

وليس في ذلك أصل يعول عليه، فإن البارئ تعالى لم يذم جميعه".

ما ذم جميع الظن، قال: إن بعض الظن إثم، إذًا بعضه الثاني حق ليس بإثم، لا شك أن الظن جاء إطلاقه، وورد في النصوص على أنحاء، ليس على مرتبة واحدة، منهم ما يصل إلى حد اليقين والقطع {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ} [سورة البقرة: 46]، يكفي الظن أو لابد من القطع؟

لا بد من القطع، فهذا إطلاق للظن بإزاء اليقين القطعي، ويطلق أيضًا يراد به الاحتمال الراجح، وهذا هو المراد بالظن عند أهل العلم في الاصطلاح الذي استقر عليه الاصطلاح يطلق ويراد به الشك، يطلق ويراد به ما دونه من الوهم، يطلق ويراد به أيضًا أكذب الحديث، يقال له: ظن، وعلى كل حال ليس إطلاقه على درجة واحدة، بل هو متفاوت، وهو في نص يختلف عنه إلى نص آخر. 

"فإن البارئ تعالى لم يذم جميعه، وإنما أورد الذم في بعضه.

وربما تعلَّقوا بحديث أبي هريرة: «إياكم والظن»، فإن هذا لا حجة فيه؛ لأن الظن في الشريعة قسمان: محمود ومذموم، فالمحمود منه ما سلم معه دين الظان والمظنون به عند بلوغه.
والمذموم ضده، بدلالة قوله تعالى: {إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ}، وقوله: {لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا} [سورة النور: 12]، وقوله: {وظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} [سورة الفتح: 12] وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان أحدكم مادحًا أخاه فليقل: أحسب كذا، ولا أزكي على الله أحدًا».

وقال: «إذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغِ، وإذا تطيرت فامضِ» أخرجه أبو داود.
وأكثر العلماء على أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز، وأنه لا حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبح، قاله المهدوي".

نعم.

طالب: قال المحقق: عزاه المصنف لأبي داود، ولم أره في سننه ولا في مراسيله، وذكره الحافظ في الفتح، وقال: أخرجه عبد الرزاق عن إسماعيل بن أمية، وهذا معضل.. وقال الألباني: أخرجه الطبراني ...

إذا ظننت فلا تحقق.

طالب:...

معروف خرجه أبو داود، لكن هل رواه الطبراني؟

طالب: الألباني قال: أخرجه الطبراني وإسناده ضعيف، والمحقق يقول: عزاه المصنف لأبي داود، ولم أره في سننه ولا في مراسيله.

وخرجه أبو داود، نعم.

طالب:...

الظن الرجاء لا يراد به الاحتمال الراجح لا، الظن الرجاء أحسن الرجاء بربه، نعم.  
"الرابعة: قوله تعالى: {ولا تَجَسَّسُوا} فقرأه رجاء والحسن باختلاف وغيرهما "ولا تحسسوا" بالحاء.
واختلف هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين، فقال الاخفش: ليس تبعد إحداهما عن الأخرى؛ لان التجسس البحث عما يكتم عنك.

والتحسس [بالحاء] طلب الأخبار والبحث عنها.

وقيل: إن التجسس [بالجيم] هو البحث، ومنه قيل: رجل جاسوس إذا كان يبحث عن الأمور.

وبالحاء: هو ما أدركه الإنسان ببعض حواسه.

وقول ثان في الفرق: أنه بالحاء تطلبه لنفسه، وبالجيم أنه يكون رسولاً لغيره، قاله ثعلب.
والأول أعرف.

جسست الأخبار وتجسستها أي تفحصت عنها، ومنه الجاسوس.

ومعنى الآية: خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين، أي: لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطلع عليه بعد أن ستره الله.

وفي كتاب أبي داود عن معاوية قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» فقال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نفعه الله تعالى بها.

وعن المقدام بن معدي يكرب عن أبي أمامة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال".

حديث إنك إن اتبعت.

طالب: قال: صحيح أخرجه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد، والطبراني وأبو نعيم، وصحَّحه ابن حبان من حديث معاوية، وهو صحيح رووه من عدة طرق، ويشهد له ما بعده. انتهى كلام المحقق، وصححه الألباني، وقال ابن مفلح: إسناده صحيح.

طالب:...

في ماذا؟

طالب:...

أفسدتهم أو كدت أن تفسده، يعني إن اتبعت عورات الناس، وتجسست عن أخبارهم، وأسرارهم، وألححت السؤال عن عوائدهم وطرائقهم التي يرتكبونها إذا خلوا، تفسدهم؛ لأنها ليست وسيلة إصلاح، أنت تقول: أنا أعرف ما عندهم من منكرات، وما عندهم من مخالفات؛ لكي أنكر عليهم، ليست هذه وسيلة الإصلاح؛ لأنهم قد يصرون ويعاندون ويزيدون إذا عرفوا أن أحدًا يتتبع عوراتهم.

طالب: نشر الجرائم وكذا في وسائل الإعلام؟

يعني المحاكمات؟

طالب: لا، من يقبض عليه ليس في حد؟

ما فيه شك أنه قد يترتب على مثل هذا النشر مصالح؛ لأن مثل هذه الأمور وإن ادعى أربابها أن عندهم حيلًا، وعندهم طرائق لإخفائها أنها تُكشف كما يحصل لرجال الحسبة، ورجال الشرطة الذين يتتبعون المخدرات، ويتتبعون الجرائم، يكشفون عن بعض ما يقفون عليه؛ ليعرف أنهم ليسوا غافلين، وأن عندهم من الإمكانات ما يستطيعون به كشف الجرائم، هذا لا بأس به من هذه الحيثية.

طالب: لكن ما يجرئ الآخرين؟

الغفلة ليست مطلوبة، يعني كون الإنسان يغفل عن هذه الأمور، ويظن الناس ما عندهم مخالفات والفساد يعثو في البلاد، هذا ليس بصحيح.

طالب: التجسس لا يصلح مطلقًا حتى ولو كان ...

على كل حال من يُخشى منه الضرر المتعدي لا بد من كشفه، أما من كان ضرره خاص بنفسه فهذا لا يتجسس، فرق بين من يتعدى ضرره إلى غيره، مثل هذا يوقف عند حد بأي وسيلة. 

والجرائم التي تفوت لا بد من تتبعها؛ للحيلولة بين المجرمين وجرائمهم، يعني لو خلا برجل ليقتله، لا بد من التتبع والتجسس عليه، إذا خلا بامرأة ليفجر بها، هذه أمور تفوت، لا بد من الحيلولة بينه وبينها.

طالب: الأبناء يا شيخ.

المسألة من أجل الحيلولة بينهم وبين ما يحصل، الغفلة هذه هي التي أوقعت البيوت في الجرائم والكوارث، يغلق الباب على الولد مع أخيه أو مع أخته، وعندهم من وسائل الفساد ما عندهم، والأب في غفلة، والأم في غفلة، هذا لا يمكن أن يحصل، هذا لا يجوز بحال، هذا تيسير للجريمة، فمثل هذا لا بد من تتبعهم، ولا يمكنون من إغلاق المحل الذي يبيتون فيه؛ لأنهم يصنعون ما يشاءون، وبعد من يطلع عليهم؟ لاسيما مع انتشار هذه الوسائل المثيرة من وسائل الإعلام، والقنوات، وغيرها، هذه كوارث، وحصلت أمور بين المحارم بين الأخ وأخيه، وبين الأخ وأخته، بل حصل من الابن لأمه، والوالد لبنته، هذا شيء، قضايا كثيرة – نسأل الله السلامة والعافية –، ولا يعني أن البلد انتهى وفسد وخرب، لا. البلد الأصل فيه الخير، لكن وجود مثل هذه التصرفات، ووجود هذه الممارسات لا شك أنه منذر بخطر، ويخشى من أن تزيد هذه الأمور فلابد من أن لا يمكن هذا الشاب أو هذه الشابة من الخلوة التي تجعله في مأمن حتى يفرغ مما يريد.

طالب: بعض الإخوان في حلقات القرآن يأخذ جوالات الشباب الذين معه يفتش فيها.

لكن بأسلوب، يمكن أن يستعمل مثل هذا بأسلوب يعطيه جواله، يقول: اطلع على ما عندي، وأنا أطلع على ما عندك، ما رأيك؟

لأن مسألة المصادمة هذه اليوم ما صار أحد يتحملها، يعني أطر الناس على الحق ما صار الناس يطيقونه، لكن كما قالوا بالأسلوب، بالسياسة، خذ جوالي، واحد يزعم أنه مربٍّ في قناة من القنوات يقول: لا مانع أن يسلم الطفل مهما كان سنه لو كان ابن ثلاث، أربع، خمس سنين، عشر سنين، سلم الجوال، ويصور الذي يريد، وينقل الذي يريد، ويتداول ما يريد، لكن أنت في النهاية تجلس معه جلسة مصارحة، إذا تورّط وأُشرب قلبه حب هذه الأمور فاجلس معه جلسة مصارحة، يعني سهِّل له الفساد، ثم بعد ذلك صحِّح.

 يعني كمن يقول: لا مانع أن يزني ثم يعقد، لا ينفع هذا، سد الذرائع أمر مقرر في الشرع، والحيلولة دون المعاصي والعصاة هذا أمر لا بد منه، لكن إذا فرط من ذلك شيء ووقع بعد التحري وبعد التثبت وقع شيء من هذا فلا بد من تصحيحه.

طالب:...

الأب له أن يغير بيده، وغيره باللسان.

"عن أبي أمامة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم».
وعن زيد بن وهب قال: أتي ابن مسعود فقيل: هذا فلان تقطر لحيته خمرًا.
فقال عبد الله: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به".

يعني فرق بالصدر الأول الذي قضاياه يسيرة جدًّا، قضيتان، ثلاث، خمس في الجيل، بينما يحصل ألوف مؤلفة في السنة أو في الشهر، وقد يحصل في اليوم أشياء، فرق بين هذا وهذا، إذا قلت المنكرات خفف، وإذا زادت المنكرات فلا يمكن القضاء عليها، وعلى أهلها إلا بالتشديد عليهم، يطالب يقول: لا، المنكرات وجدت في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- الجرائم قضايا حصلت، الزنا حصل في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، شرب الخمر حصل في عهده -عليه الصلاة والسلام-، لكن بين خمس قضايا في عهد النبوة كلها، وبين الألوف المؤلفة التي تحصل في محافل المسلمين ومجامعهم وبلدانهم.

 بعضهم يقول: إذا صارت عشرة بالمائة فليست ظاهرة، يقول: نسبة عشرة بالمائة هي يسيرة ليست ظاهرة، تصورنا الرياض سبعة ملايين سبعمائة ألف جريمة ليست بظاهرة، على هذا التحديد، هذا ضلال، نسأل الله العافية، وتوطئة للإباحية، يعني التساهل إلى هذا الحد لا شك أنه مؤذن بخطر عظيم، يعني خمس قضايا حصلت في وقت البعثة كلها من يوم بعث إلى أن مات خمس قضايا.

 يقول: الزنا حصل في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، كم شرب الخمر في عهد النبي- عليه الصلاة والسلام-؟ ما فيه، نفر يسير، ولذا جاء في حديث معاوية قتل الشارب في الرابعة، عمر -رضي الله عنه- لما زاد الناس، زاد الحد من أربعين إلى ثمانين، عبث هذا التصرف؟ حديث معاوية قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- بوصفه مبلِّغًا ومشرِّعًا، فإذا شرب الرابعة فاقتلوه، منهم من يقول: منسوخ، وهذا قول الجمهور، لكن منهم من يقول: ليس بمنسوخ، بل هو محكم، المدمن يقتل، ومنهم من يقول: تعزير، بحسب كثرة المنكر وقلة المنكر، فإذا كثر المنكر فللإمام أن يقتل.

"وعن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته».

وقال عبد الرحمن بن عوف: حرست ليلة مع عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بالمدينة إذ تبين لنا سراج في بيت بابه مجافٍ على قوم لهم أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شرب فما ترى؟! قلت: أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه، قال الله تعالى: {ولا تَجَسَّسُوا} وقد تجسسنا، فانصرف عمر وتركهم".

لكن بعض من يسمع هذا الكلام يريد أن يطبقه في المجتمعات التي تعج بالمنكرات؛ لأنه إذا قيل مثل هذا في الخمر قيل مثله في المخدرات، إذا قيل مثل هذا في المخدرات قيل مثله في الزنا والزانيات الزواني والزانيات، وترك الشر والفساد يعيث في البلد مجرد ما يغلق الباب خلاص انتهى الإشكال، ونحن نعرف، ويغلب على الظن أن هذا خلا بهذه المرأة، أو خلا بهذا الصبي افترض أنه خلا به؛ ليقتله نقول: ما تتجسس، الأمور تُقدَّر بقدرها، والأمور التي تفوت عند أهل العلم ويتعدى ضررها فلا بد من كشفها.

طالب:....

إذا قل الأمر، قضية واحدة في السنة أو في السنتين أو في الجيل فهذه ما يكشف عنها، الناس من ستر مسلمًا ستره الله، لكن إذا كثر المنكر، ونريد أن نقضي على هذا المنكر، وقلنا: كل من أغلق بابه يفعل ما يشاء، هل نستطيع أن نقضي عليه؟ معلوم أن الناس لن يتسافدوا في الشوارع، معناه أننا لا نقبض إلا على من يقع على المرأة في الشارع. 

طالب: من يشرب في بيته يتجسس عليه.

ما نقول ليشرب في بيته، نقول الأمور التي تفوت ويتعدى شرها وضررها، يعني إذا كان البيت فيه أطراف، هذا يستعمل هذه المعصية لا يكشف عنه، لكن إذا كان ضرره يتعدى على أمه، على أخواته، يترك إلى أن يفجر بأمه أو بأخواته أو يقتل؟ يعني ما معنى نشدِّد في المخدرات ونترك الخمر؟

 طالب: ...

المقصود أن الشرع له نظرات، القضاء على الفساد من مقاصد الشريعة، فكيف نحقق هذا المقصد؟  

نعم.

"وقال أبو قلابة: حدث عمر بن الخطاب أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له في بيته، فانطلق عمر حتى دخل عليه، فإذا ليس عنده إلا رجل، فقال أبو محجن: إن هذا لا يحل لك! قد نهاك الله عن التجسس، فخرج عمر وتركه.

وقال زيد بن أسلم: خرج عمر وعبد الرحمن يعسان، إذ تبينت لهما نار فاستأذنا ففتح الباب، فإذا رجل وامرأة تغني وعلى يد الرجل قدح، فقال عمر: وأنت بهذا يا فلان؟ فقال: وأنت بهذا يا أمير المؤمنين! قال عمر: فمن هذه منك؟ قال امرأتي، قال فما في هذا القدح؟ قال ماء زلال، فقال للمرأة: وما الذي تغنين؟ فقالت:

تطاول هذا الليل واسود جانبه
 

 

وأرقني أن لا خليل ألاعبه
 

فوالله لولا الله أني أراقبه
 

 

لزعزع من هذا السرير جوانبه
 

ولكن عقلي والحياء يكفني
 

 

وأكرم بعلي أن تنال مراكبه
 

ثم قال الرجل: ما بهذا أمرنا يا أمير المؤمنين! قال الله تعالى: {ولا تَجَسَّسُوا}.
قال صدقت".

طالب:...

استأذن ودخل، لكن هذا الاستئذان؛ من أجل أن يعرف ما في البيت، ما استأذن للدخول لفائدة، ولا لضيافة، ولا لشيء، إنما وجد ريبة فاستأذن.

"قلت: لا يفهم من هذا الخبر أن المرأة كانت غير زوجة الرجل؛ لأن عمر لا يقر على الزنا، وإنما غنت بتلك الأبيات تذكارًا لزوجها، وأنها قالتها في مغيبه عنها. والله أعلم.
وقال عمرو بن دينار: كان رجل من أهل المدينة له أخت فاشتكت، فكان يعودها فماتت فدفنها.
فكان هو الذي نزل في قبرها، فسقط من كمه كيس فيه دنانير، فاستعان ببعض أهله فنبشوا قبرها فأخذ الكيس ثم قال: لأكشفن حتى أنظر ما آل حال أختي إليه، فكشف عنها، فإذا القبر مشتعل نارًا، فجاء إلى أمه فقال: أخبريني ما كان عمل أختي؟ فقالت: قد ماتت أختك فما سؤالك عن عملها! فلم يزل بها حتى قالت له: كان من عملها أنها كانت تؤخِّر الصلاة عن مواقيتها، وكانت إذا نام الجيران قامت إلى بيوتهم فألقمت أذنها أبوابهم، فتجسَّس عليهم وتخرج أسرارهم، فقال: بهذا هلكت!".

لكن فعله أيضًا وكشف الكفن والنظر عن حالها، هل يعد من التجسس عليها؟ أو تطلُّب خبر ما ينبغي طلبه؟

المسألة كلها تدور حول المصلحة الراجحة والمفسدة الراجحة.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.